الفصل السابع : ولـيـمـة غـنـيـة بالوجوه
"ماري آن !"
زمجرت بإنزعاج مقطبةً حاجبيها ثم ضغطت جفنيها فور إلتقاطها لاول شعاع للشمس
" لقد حل الصباح ، عليك أن تستيقظِ .."
" ماذا عن القليل بعد ؟!"
اعتدلت جالسة بعينين مغمضتين تنتظر الإشارة من ماري للعودة للنوم
"ولا حتى ثانية واحدة سيدتي ، لديك الكثير من الاعمال اليوم .."
سينا التي تراجعت نحو الخلف لتحط على سريرها مجددًا لم تُعر كلام ماري أي إهتمام يذكر ، سحبت الملاءة ثم إنزلقت اسفلها بسرعة ممسكة بأطرافها وكأنها تعلم جيدا كيف ستتعامل تلك الواقفة أمامها مع الموقف ، لقد تم الامر بالفعل
" سعادته في الخارج ، أليس من قلة الادب تركه ينتظر ؟!"
فتحت عينيها بفزع
" ما الذي يعنيه هذا ؟ لما هو .."
كانت طريقة جيدة بالفعل اذ فور أن أرخت سينا دفاعاتها وافلتت الملاءة سحبتها ماري بسرعة ثم ألقتها على الارض
" انا لم احصل على القدر الكافي من الراحة بعد "
ادلت بعبوس
" سوف تستلمين مهامك اليوم ، انت الدوقة الان هل تريدين اعطاء فرصة للخدم لكي يثرثروا و يقولوا ان الدوقة المختارة كسولة و غير مسؤولة الا تعتقدين ان ذلك سيؤثر على سمعتك و الدو- "
" حسنا فهمت ، يكفي "
تأففت سينا بانزعاج بعد أن بترت كلام ماري ، بعثرت خصلات شعرها بانفعال ثم الاستقامة واقفة ترمق ماري بنظراتها الحانقة بينما تخطو متجهة نحو الحمام
" هل اطلب احدى الخادمات لمساعدتك "
سألت ماري
" لا اريد "
ضحكت ماري على الرد الطفولي من سينا ثم انتشلت اللحاف من الارض و غادرت الغرفة
" اذا ، ما الذي علي فعله الى ذلك الحين ؟ "
جَلستْ متربعةً على الاريكة المخملية الزرقاء تنتظر جوابا من كيران الذي انهمك في قراءة المستندات المتراكمة على مكتبه ، تراقب تحركاته بانتباه شديد
' يبدو جذابا حتى عندما يكون مشغولا ، كيف لبشري ان يكون بهذه الجاذبية و الـ .. اوه يا إلهي ! '
" اعذريني لقد كنت شاردًا لبرهة ، ما الذي .."
بعد دقائق من التحديق المطول انتبه كيران للمرأة الجالسة على اريكته ما جعل سينا تسارع في الالتفات الى الجانب الاخر
" لـ لماذا تحدقين في الحائط ، هل هناك .."
" لـ لاشيء لقد احببت شكله "
" الحائط ؟ "
سأل كيران رافعا احد حاجبيه باستغراب
" نـ نعم ، الا ترى كم هو فـ فريد ، اللون الابيض انظر واه كم هو مناسب مؤكد هناك سببا خلف
هذا الاختيار الموفق للالوان ، واو "
" سينا الجدار ابيض تماما ولا وجود لاي سبب ، لقد كان اختيارا عشوائيا ، بَحْت "
رد كيران مؤكدا على كلمته الاخيرة
" اوه حقا ؟! "
زفرت سينا باحراج تتذمر في صمت تغطي وجهها بيديها
لا اصدق كل هذا الهراء الذي قلته ، لما تصرفت هكذا ؟ انا حتى لست متأكدة ان كان قد لاحظ مراقبتي له ام لا ، ايــه ! ما هذا الاحراج ؟!
ايا يكن ..
انتفضت من مكانها تتردد جيئة وذهابا تحرك يَدها لاسْتِجْلابِ الْهَوَاءِ و طرد الحر صارخةً :
" اين هو هذا الجيروم بحق السـ "
قاطع انفعالها طرق على الباب تبعه صوت رجل يستأذن للدخول :
" سيدي "
" ادخل جيروم "
اذا هذا هو جيروم ، أهلا و سهلا !
دلف الى المكتب شاب في العشرينيات من العمر بجسد هزيل كما لو كان امرأة ، يرتدي بذلة الخدم الموحدة ، طوله ، ان وقفنا معا جنبا الى جنب حتما سنكون بنفس الطول ، ماذا عن ملامحه ، حسنا لديه شعر شديد السواد قصير مربوط خلف رأسه و عينين كبيرتين سوداوان ايضا ، لكن ما يؤرقني هو تلك الهالة غريبة ، هذا الشخص ليس بريئا كما تعكسه ملامحه
" جيروم ، اطلب من ريوجان أن يرافق الدوقة في جولة داخل القصر "
ما الذي قاله سيدي للتو ؟ الدوقة ؟! اوه يا الهي ما هذا المنظر ؟!
عندما التفتتُ استقبلت عيناي نورًا ساطعًا يكاد يعمي الابصار ، هل علي ان اقول انه فريد من نوعه ام مزعج ؟! الشعر البرتقالي شديد الطول منسدل بعناية و العينان الصفراوان المنعشتان ، ماذا عن الجسد ؟ حسنا ، هيكل نحيف انزلق داخل فستان بنفسجي براق ، هل هذا هو الجمال المثالي لنساء اوستن حقا ؟ اوه اعني اللامثالي !
ضحك جيروم ساخرا في صمت
لكن عكس سينا التي كانت ترمقه بنظرات الشك
' لم يرق لي '
رمقها جيروم بنظراته البريئة المسالمة
' من الجيد ان زواج سيدي منها ليس حقيقيا '
نظرت حولها تتفحص بناظريها التفاصيل التي رأتها للمرة الاولى يوم تجهيزات الزفاف
أضفت الجدار ناصعة البياض المؤطرة باللون الذهبي المصبوغة جوانبها باللون الازرق جمالا قويا على المكان و ألقت اشعة الشمس المنعكسة على النوافذ الزرقاء بظلالها الخفيفة على الارض الرخامية
" هل نمت جيدا سيدتي ؟"
التفتت سينا الى مصدر الصوت ثم ردت :
" نعم لقد نمت جيدا "
العجوز صاحب الشعر الاشيب اللحية وقف احتراما رغم اعوجاج ظهره ، شابك اصابعه ثم قال :
" اخيرا سنحت لي الفرصة لتقديم نفسي ، انا ريوجان بيلمان ، المشرف على جميع الخدم في
هذا القصر "
إذا هذا العجوز هو ريوجان
اومئت سينا برأسها مبتسمة ثم ردت :
" تشرفت بمقابلتك "
بأدب و قدر الامكان انحنى المدعو ريوجان و أضاف :
" سأخدم سمو الدوقة بإخلاص ، اذا كنت في حاجة الى اي شيء فلا تترددي في اخباري ،
رجاءً "
لقد مر على مكوثي هنا اربعة ايام و هذا الشخص هو الوحيد الذي عاملني بلطف ، حقا ..
شابكت سينا يديها خلف ظهرها ثم ابتسمت ملئ شدقيها و قالت :
" ممتنة لسماع ذلك سيد ريوجان ، سوف اتطلع لذلك "
عبرت عن امتنانها ثم أضافت :
" بعد سماعي لما قلته اعتقد انني بحاجة ماسة
الى مساعدتك ، هناك بعض الامور التي ارغب في تغييرها "
أومئ ريوجان برأسه ثم ادلى :
" في الواقع لقد طلب مني السيد جيروم و بأمر
من سعادته مساعدتك بأي طريقة ممكنة كما اننا نخطط لإستدعاء التجار للقصر قريبا نحن فقط ننتظر امرا منك سيدتي ، لكن قبل ذلك اقترح أن تلقي السيدة نظرة حولها اولا لتكون الصورة اكثر وضوحا "
وافقت سينا على اقتراح العجوز ريوجان
" نعم ، من فضلك "
حسنا ، الجميع يعلمون بأن الملك نفسه قام بمنح كيران هذا القصر في العاصمة لإبقائه اقرب و على اطلاع بما يجري هنا بالاضافة الى كونه رغم توفر قنوات التواصل السحرية الا ان بقاء كيران في دوقيته يصعب عليه التنقل و الوصول في اللحظة المناسبة باعتباره فردا مهما في الجيش الامبراطوري و عليه فإنه مجبر على بقائه بالقرب من الوسط تحسبا لحدوث امر طارئ ، و لقد حدث هذا قبل ثماني سنوات من الآن ، اي بعد ان اصبح كيران كينجي البالغ من العمر الثامن عشر عاما سيد القصر الجديد و ينتمي الى ممتلكاته
تنهدت سينا بعد ان استرجعت ما تداولته الجرائد و الافواه في الماضي ثم فصلت شفتيها للاستفسار :
" إذا ، كم عدد الغرف الموجودة ؟ "
نضف ريوجان حلقه ثم استرسل قائلا :
" هناك حوالي 250 غرفة في القصر المركزي و 40 غرفة في الملحق بالاضافة الى اكثر من 100 غرفة بما في ذلك اماكن الحراسة و غرف الفرسان "
فور ذكر عدد الغرف الهائل التي اصبحت من مسؤوليتها شعرت سينا على الفور بالتعب
كيف يمكن تزين و اعادة تهيئة تلك الغرف الكثيرة بحق السماء ؟!
اثناء غرقها وسط اضطراباتها الداخلية واصلت ريوجان حديثه :
" وهناك خمسة غرف استقبال رئيسية و قاعتا حفلات ، مكتبتان و صالون شاي في كل طابق .. لم يتم استخدام اي منها طوال السنوات الماضية "
أضاف رئيس الخدم بإحراج واضح :
" الفرسان لا يستمتعون بالشاي على الاطلاق و السيد ايضا .. "
ماذا ؟ الا يشرب كيران الشاي ابدا !
حاولت سينا تخيل كيران جالسا امام المنضدة و
بيده قدح من الشاي و حوله الفرسان يضحكون و يتسامرون لكنها سرعان ما طردت ذلك التخيل الذي بدى غريبا بالنسبة لها
اذا كان الفرسان و كيران سيجتمعون فحتما ستكون امامهم زجاجات كثيرة من النبيذ القوي
نفت برأسها
على هذا أن يتغير !
" سيد ريوجان هل يمكنني الاطلاع على سجل الحسابات و قائمة الطعام ، لاحقا ؟ "
أومئ رئيس الخدم برأسه ثم أضاف :
" لنواصل الجولة حول القصر ، بعد اذنك "
اومئت سينا بالايجاب ثم واصل الحديث و هما ينزلان الدرج
" تقع قاعة الطعام بجوار غرفة الاستقبال الرئيسية في الطابق الاول على الطرف الشمالي من الطابق الثالث تقع مكتبة الدوق الملحقة بمكتبه اما الجنوبي فتقع غرفة السيدة ، قاعات الحفلات و غرف الضيوف في الطابق الثاني ، واخيرا الطابق الرابع الذي يحتوي على مكتبة القصر الرئيسية "
" هناك مكتبة ؟! "
سألت سينا بحماس و دهشة عارمة
" نعم ، لدى الدوق حوالي 10000 كتاب على رفوفه ، هل ترغبين في زيارة المكتبة سيدتي ؟ "
هزت سينا رأسها نافيةً ثم ردت :
" سأذهب في المرة القادمة "
أومئ ريوجان ثم عرض :
" سأريك غرفة الاستقبال و صالات الحفلات ، من هنا رجاءً "
غرف الاستقبال و قاعات الحفلات هي من اهم الاماكن لاستقبال الضيوف الخارجين ، مناطق كتلك مهمة جدا كونها تعكس و تبني سمعة صاحبها
لقد حصلت سينا على صورة واضحة بالفعل على حال تلك المناطق عندما كانت تقوم بالتجهيز لحفل استقبال الضيوف يوم الزفاف لكنها تبعت ريوجان الى قاعة المأدبة
ستكون هذه الغرفة مناسبة للركض ، ما هذا بحق الجحيم ؟!
فتحت سينا فمها على مصراعيه بصدمة لحظة وقوع ناظريها على الداخل
" واه ! "
انشر صدى صوتها في القاعة الفارغة ، لم يكن هناك شيء واحد داخل قاعة الولائم الفسيحة ، ليس سوى الهواء المنعش الذي تسلل من الشرفة الكبيرة المفتوحة نوافذها
" بما اننا لم نحتضن مأدبة يومًا .."
بدأ كبير الخدم في التذمر
ربما لانه لا يوجد سبب لاستقبال الضيوف ، لكن مهلا لحظة ، ما الذي كانت تفعله خطيبته السابقة بحق السماء ؟
" معظم ضيوف القصر هم فرسان لا يبقون لفترة طويلة بما يكفي للاحتفال كما انهم لا يستمتعون بذلك .. "
الا يحب هؤلاء القوم شيئا !
توقف ريوجان للحظة ثم أردف :
" كما اننا لم نقم بدعوة اي نبيل لتناول العشاء لان الدوق ينشغل دائما بأمور اخرى ولا يجد الوقت الكافي لاستضافة المناسبات الاجتماعية او حضورها ، كما أنه و على ما يبدو ، بعد سنوات من الغياب و الاهمال ربما تبدو مثل هذه الاشياء تافهة بالنسبة له "
لقد استشعرت سينا الحزن في صوت كبير الخدم ما جعلها تتخذ قرارا حازما
بما أن بقائي هنا سيطول ، سوف اجعل هذا القصر ينبض بالحياة و الرفاهية و لن اتوقف إلى أن تصبح هذه القاعة من اكثر قاعات المآدب المرغوبة في الامبراطورية و القارة اجمع
تعاهدت سينا في نفسها عازمة على التغيير ثم واصلت جولتها وصولا إلى قاعة الاستقبال و الضيوف التي لم تكن مختلفة عن قاعة الحفلات ، عكس قاعة الحفلات لقد احتوت قاعات الضيوف و الاستقبال على اثاث اساسي باهت و بسيط فقط
ما هذا ؟! هل مكتب كيران هو الوحيد المنظم ؟
قطبت حاجبيها بإنزعاج ثم استدارت مغادرة لانه لم يكن هناك ما يستحق التدقيق فيه ، واصلت النزول إلى الطابق الاول
" تم تجهيز كل غُرفِ الخدم بأسرة متينة و ألحفة نظيفة و ارفف بسيطة عند النافذة .." استأنف ريوجان الحديث مجددا ثم أضاف :
" الخدم الذكور يعيشون في مبنى منفصل اما الخادمات فتعشن في مسكن بالطابق الاول حتى يتمكن دائما من الاستجابة لنداء سيدهم على الفور حتى في منتصف الليل "
" كم عدد الخدم الموظفين هنا ؟ " سألت سينا
" يوضف القصر حوالي 100 خادم و هي قوة تفتقر للادارة و التنظيم لان المالك قد تركه
فارغا لفترة طويلة "
بعد التعرف على العديد من الوجوه واصلا جولتهما نحو مطبخ القصر
عكس الغرف السابقة التي كانت باردة كان المطبخ الضخم دافئا و مليئا بالنشاط و منسقا باحترافية ، على الجدار الايمن اسندت خزانة زرقاء كبيرة من الخشب منحوتة الاطر علقت عليها الاواني النحاسية ، يتوسط المطبخ سطح العمل برفوف على الجانبين و اسفله وضعت سلال القش متعددة الاحجام و الاشكال ، على الجدار المقابل وضعت داخل الخزانة البنية اقداح الشاي الخزفية ، اما على الجدار خلف ظهرها كانت ألسنة اللهب تومض تحت اناء كبير ، نار الفرن المفتوح اسفل فتحة التهوية و الرائحة اللذيذة المنبعثة دغدغت انف سينا التي كانت تقف بثبات عكس الخدم الذين كانو يتحركون بعشوائية
" ما كل هذا ؟"
راقبت سينا بفاه فاغر الخدم و هم يترددون جيئة و ذهابا ، البعض يعجن الخبز و البعض الاخر يقشر البطاطا و يقطع اللحم ، ومنهم من يغسل الاطباق و الاوعية المكدسة بأكوام بالقرب من الحوض
" ستقام الليلة وليمة تكريما للفرسان قبل مغادرتهم الى ديارهم و ككل مرة ، يتعاون خدم القصر جميعهم عندما يحين موعد اعداد الوجبات "
لهذا لم نرى الخدم في غرفهم ، اعتقد انه علي توضيف المزيد ، هذه فوضى عارمة ! اوه ! مغادرتهم ؟ هل هذا يعني أن كيران لا يخطط للمغادرة قريبا ؟
" ارشدني الى معسكر الفرسان ، علي تحيتهم "
استقبلتها على الفور و تحت وهج الشمس الساطعة مساحة جرداء يفصلها رواق طويل تتوسطه نافورة هائلة الحجم الحياة الوحيدة الموجودة على الارض هي تلك الاعشاب التي تمت على احواض الزهور
وضعت سينا يديها على خصرها ثم جعدت حاجبيها تتذمر في داخلها
و يبقى السؤال المطروح ، ما الذي كانت تفعله خطيبته السابقة بحق السماء ؟! عرض باهض و فريد من الزهور النادرة قد يصيب المرء بالعمى هو اول شيء يراه الضيوف و يتوقعونه ، في النهاية اشياء كهذه مهمة جدا و تترك انطباعات دائمة و راسخة خاصة ان كانت المرة الاولى
تنهدت سينا ثم سألت :
" هل لدينا بستاني؟ "
" يتناوب الخدم على تنضيف الفناء و الحديقة لكن لا يوجد هناك بستانيون او مهندسون معماريون رسميون "
رائع ! حقا رائع !
لا احد يجرؤ على لوم الخدم عن هذا لانه ليس
من مسؤوليتهم ، تأثيث القصر و تزينه في العادة
من مسؤولية السيدة و الدوق
حسنا لا بأس لنضع هذا في الحسبان أيضا
" ارني الملحق و المعسكر "
" بالطبع سيدتي ، من هذا الطريق ، رجاءً "
شابكت سينا يديها خلف ظهرها ثم سارت رفقة ريوجان على طول الممر الصغير على الجانب
الايسر خلف القصر المركزي
" تم استخدام الملحق كمسكن للمتدربين الجدد "
" كم عدد المتدربين ؟ "
سألت سينا بفضول
" حوالي 60 متدربا ، بعد أن اصبح الدوق قائدا و المشرف على قوات الحدود ارسل العديد من الارستقراطين ابنائهم للتدريب تحت وصياته و بعد نهاية فترة تدريبهم المهنية يتم تعيينهم كأعضاء رسمين
توقف رئيس الخدم الذي كان يتقدم سينا بالقرب من حقل واسع يحيطه و القصر سور عالي و متين ، يبرز في كل زاوية منه برج مراقبة
نظرت الى الفتية المدربين الذين بالكاد يبدون بالغين وهم يلهثون ، بوجوههم القرمزية و تفوح منهم رائحة العرق بعد أن قاموا للتو بالعدو الصارم صعودا و هبوطا في الميدان حاملين سيوفهم الخشبية
" كرروا مرتين و بعدها يمكنكم الراحة "
الاكتاف العريضة و الوقفة المهيبة امام الفرسان ، الصوت الصارم لفت نظرها ما جعل زاوية فمها ترتفع
" اوه ! انها ساعة التدريب " قال ريوجان ثم التفت نحو سينا يطلب رأيها : " ماذا نفعل سيدتي ؟ " ثم أضاف :
" على ما يبدو لقد تكفل السيد جولدمان بالتدريبات اليوم "
جولدمان ، غريغور جولدمان ، رائع !
ابتسمت سينا بخبث ثم مررت نظراتها تبحث عن شخص ما بين الفرسان
لنفتعل بعض الفوضى !
" مايك ! "
صرخت بحماس تلوح للفت انتباه مايك الذي انتفض بفزع و معه رفاقه ، تحولت الاعين لا اراديا نحو مصدر الصوت
" سيدتي "
هرولت نحو بقعة تواجده و خلفها ريوجان
" مايك ، ارى انك لازلت على قيد الحياة "
لكزته بمرفقها ثم سألت تتفحصه بقلق :
" لم يحدث شيء ذلك اليوم ، أليس كذلك ؟ "
نفى مايك برأسه ثم قال هامسا :
" لم يحدث شيء "
زفرت سينا انفاسها براحة ثم حولت نظرها إلى الفرسان
م-ماذا ؟! هل انتهى التدريب ؟
نظرت الى الرجل ضخم البنية مكفهر الوجه الذي كان يرمقها بحنق ثم الى الفرسان الذين انحنو احتراما لانه و بفضلها تمت مقاطعة جلسة التدريب الصارمة بنجاح ، ابتسمت سينا بعد ان ادركت الوضع ثم ارجعت خصلات شعرها نحو الخلف و قالت باستفزاز :
" اوه ، يا إلهي ! لم اكن اعلم انني املك القدر الكافي من الجمال الذي يجعل المرء غير قادر
على ابعاد ناظريه ! "
ان كانت توقعاتي صحيحة ،الرجل الاربعـيني صاحب الشعر البني و اللحية الواقف امامي هو بلا شك غريغور الشرس ، إن تم احتجاز كلانا في غرفة واحدة لعشر ثواني حتما وبلا شك سيقوم بقتلي و سلخ جلدي عن عضمي بلا رحمة او شفقة ، مع الاسف هذا الشخص يكن حقدا دفينا لنا كمواطنين من اوستن و الشيء نفسه ينطبق على اطرف الاخر، مخلفات الحرب من الصعب اقناع هذا المتعصب و امثاله بالحقيقة
رفع غريغور حاجبه ثم ضحك بسخط ، بعدها خاطب الفرسان الذين يكادون يقبلون الارض لشدة تعبهم :
" خذوا نصف ساعة من الزمن للراحة و سنستأنف التدريب بعدها مباشرة "
انصاع الفرسان للامر الموجه إليهم و قبل مغادرتهم اطبقو ايديهم شاكرين سينا على تدخلها ثم اطلقوا العنان لسيقانهم
" اعتذر عن الاستقبال غير اللائق لانه لم يتم اعلامنا بزيارتك المشرفة " عبر غريغور عن اعتذاره برسمية
نفت سينا بيدها ثم قالت بلامبالات :
" لا بأس ، ليست لدي مشكلة "
" إذا اسمحي لي بأن اسأل عن سبب الزيارة ؟ "
" لا لشيء ، يمكنك مواصلة عملك .."
إلتفتت سينا نحو مايك ثم سألت :
" هل يمكنك مرافقتي لما تبقى من الجولة ؟ "
اومئت المعني بالسؤال بحماس رغم نظرات قائده المحذرة ثم اجاب :
" انه لشرف لي ، بالطبع سأفعل "
بعد أن تخطت المدعور غريغور واصلت جولتها
" هنا الاسطبلات كما ترين و الحظيرة ، اما هذا المبنى فهو مستودع الطعام .."
شرح مايك عندما لاحظ نظرة سيدته الفضولية باتجاه البرج
" انه برج سحري ، المكان المناسب لإلقاء السحر في حالة الطوارئ .."
نضف حلقه ثم أضاف :
" اعتقد انه من الافضل أن تبق السيدة بعيدة عنه للسلامة لانه تم تركيب دوائر سحرية في كل مكان "
' مايك الساذج ، فقط لو انك تعلم حقيقة الشخص الواقف امامك كنت حتما ستفر هاربا '
ابتسمت سينا بخفة ثم اومئت برأسها
' بالتفكير في الامر ، دوائر سحرية ! أليس ذلك مكلفا ؟ وضعها بعشوائية و دون سبب يذكر ؟ '
" من يشرف على البرجين و لما ؟ " استجمعت سينا شجاعتها و سألت بفضول طفل صغير
فرك مايك مؤخرة رأسه بإحراج ثم اجاب :
" اعتذر عن قول هذا ، لكنها معلومات سرية "
' توقعتُ هذا '
تنهدت سينا بعبوس ثم أكملت المسير
بعد جولة طويلة انفصلتْ عن مايك الذي عاد الى المعسكر للتدريب ثم عادت الى غرفتها بعد أن طلبت من ماري تحضير بعض الحلويات و الفواكه المجففة لتجديد طاقتي و لقد انتهزت فترة الانتظار لوضع حجر الأساس
اخرجت من الدرج بجانب السرير مذكرة بالية ثم شرعت في كتابة ملاحظاتها و خططتها
" بما انك ستتناولين العشاء مع الفرسان هذا المساء ، هل تريدين .."
رفعت سينا رأسها تنظر بحيرة الى ماري التي وضعت الصينية على المنضدة
" عـشاء ؟ "
صفعت جبهتها ثم انتفضت من مكانها
' كيف نسيت ذلك ؟ '
" احضري فستانا اخر ماري ، علي تغيير ملابسي بسرعة سيكون هذا اللقاء رسميا علي ان ابدو بمظهر راق يليق بزوجة الدوق العظيمة "
استرسلت سينا تشرح بتفاخر لماري حول المظهر الذي تريد ان تبدو عليه ثم صرفتها
" نحن مستعدون للمغادرة ، مرحا "
' لنحصل على بعض المرح مع الفرسان الوسماء '
ضحكت سينا بخبث بينما تراقب من النافذة الشفق الاحمر يتبعثر في السماء
عندما ابعدت نظرها عن النافذة استقبلت اذناها صوتا مألوفا من خارج الغرفة ، أدارت رأسها غير مصدقة
" لنذهب معا "
" اوه يا الهي ، يا لك من مراع ايها الزوج المزيف "
ابتسمت رافعة زاوية فمها ثم كتفت ذراعيها امام صدرها تراقبه و هو يخطو نحوها
' كيف له ان يكون بهذه الجاذبية بملابس عادية ؟ '
تذمرت سينا بانزعاج ثم خطت متجهة نحو الخارج
نزلت سينا الدرج بجانب كيران ، عند الوصول الى مدخل قاعة الطعام حيث انفجرت الضوضاء و تعالت الاصوات ، وقفت امام الباب ثم اخذت نظرة خاطفة
' اوه يا الهي ! هذه وليمة كبيرة من الوجوه الفاتنة ، قلبي الصغير لا يتحمل '
ربتت على صدرها تتنفس بانتظام
" لا تقلقي "
التفتت نحو كيران الذي ربت على كتفها مطمئنا
" كل شيء سيكون على ما يرام "
" هاه ؟ "
رفعت حاجبها باستغراب تحاول فهم ما يقصده
أوه ، ايعقل انه ..
" الست متوترة ؟ "
' كما توقعت ، يا رجل ، انا خائفة من ان اقوم بخيانته وهو يعتقد بانني متوترة ، رباه ، الدخول الى هذه القاعة اشبه بالدخول الى النعيم ، لما سأتوتر ؟ '
نفت سينا بيديها ثم قالت كاتمة ضحكتها
" لـست متوترة ، صدقني "
شابكت ذراعها بخاصته ثم قالت بحماس :
" هيا ، لندخل "
تحت وهج اضواء الثريات الذهبية المتلألئة اصطف حوالي ستون رجلا على طول الطاولات الممتدة وصولا الى نهاية القاعة يأكلون بحرارة و يتكلمون بصوت عالي و يشربون بصخب ، تمايلت ابخرة الطعام الشهي الموضوع فوق الطاولات بالتساوي ، اطباق اللحوم و اكواب النبيذ الاحمر و مختلف انواع الفاكهة و الخبز
' يا رجل ، لقد احببت هذا ! '
انفجر داخل سينا حماسا للمنظر المتشكل امامها ، رجال وسيمون متناثرين داخل القاعة بعشوائية يأكلون و حولهم الخادمات يقدمن اطباقا و يرفعن اخرى
' طبيعة الرجال ، اجواء بربرية كهذه مزعجة لكنني سأغض النظر عنها الليلة '
اعلنت اصوات اقدامهم عن دخولهم ، مرة واحدة ثبتت الاعين عليهما على الفور
' يا إلهي ! هذا كثير دفعة واحدة '
ابتسمت ملئ شدقيها تراقب الوجوه التي تحدق فيها بنظرات مدققة
" الجميع ، اريد ان اقدم لكم زوجتي ، سينا ، ارجو ان تعاملوها بشكل جيد "
أعلن كيران
' ما خطب رد الفعل هذا ؟ '
لم يكونو معارضين او فرحين حتى ، لقد بدوا غير مبالين و في اللحظة التي اعتقد سينا ان تقديمها قد انتهى
" السيدة ، مرحبا بك "
تعالت الضوضاء ، هتافاتهم المرحبة و تصفـيـقـهـم الحار أفزعتها
" شـ شكرا جزيلا لكم "
اومئت برأسها مرارا و تكرارا بينما تتمتم كلمات الشكر التي بالكاد يمكن سماعها وسط الصخب السائد
بعد ان انتهى الترحيب و المجاملات عاد الفرسان الى محادثاتهم يلتهمون ما وضع امامهم في تلك الاثناء سارت سينا رفقة كيران باتجاه احدى الموائد ، فور اصطدام اسفل ظهرها بالكرسي سارعت احدى الخادمات في سكب النبيد في الكأس
نظرت الى الطعام المكدس على الطبق بعشوائية ، لقد بدا لها المنظر مألوفا ، تذكرت حياتها قبل الانتقال الى الكنيسة ، تلك الحياة الفوضوية و ما كان يسرده اصدقاء والدها الجنود من حكايات و بطولات عندما يزورونهم
' لقد اشتقت لهما حقا ، ان عدت الان على هذه الحال سيقطع رأسي بفأسه حتما ، لكنني اريد رؤيتهما بشدة '
" هل هناك خطب ما ؟ اعلم ان هذا غريب بالنسبة لك ، هم يفضلون هذه الاجواء .."
رفعت سينا حاجبها باستغراب ثم زفرت انفاسها
" كيران "
" نعم "
" صدقني ، انا بخير ، صدقا توقف عن القلق بدون سبب انت تجعلهم مضطربين ، انظر "
حولت نظرها نحو الفرسان الذين توقفوا عن الاكل يرمقون الزوجين بارتباك
و لتطهير الجو و طرد التوتر عن النفوس رفعت سينا قدح النبيذ عاليا ثم هتفت
" لنستمتع قدر الإمكان الليلة "
كان الفرسان مضطربين في البداية لكنهم سرعان ما رفعو اقداحهم عاليا و هتف بصوت واحد ردا :
" حسنا "
ارتشفت من النبيذ تستطيب طعمه المتنافر ، ثنائية الحلاوة و الحموضة
' مذهل بحق '
قطعت فطيرة اللحم امامها ثم سكبت بعضا من الصلصة الحلوة
" ما الامر ؟ لما تنظر الي هكذا ؟ "
التفتت نحو كيران الذي بدا غير مصدق لما يراه بينما تمضغ ما قضمته ثم اضافت :
" هل تريد ان اطعمك ؟ " همست : " ايها الطفل الكبير افتح فمك قل اه "
" توقف ، توقف "
' لست اعلم شيئا ، لم اعد اعلم شيئا ، لقد اعتقدت بأنها ستواجه مشكله التأقلم مع الجو العام لكن ، على ما يبدو ، انا الشخص الذي يواجه ذلك '
نضف كيران حلقه ثم مزق قطعة كبيرة من اللحم و أكلها دفعة واحدة
شكلوا جماعات بعد ان انتهو من التهام الطعام يتحدثون ويرون القصص بينما يحتسون النبيذ ،
لقد كانت تلك المواضيع عن احدث الاسلحة و غلاّت المحاصيل و بالطبع و دون ان ننسى ، النساء
في السابق ، لقد كانت سينا متحمسة جدا لسماع مثل هذه الاحاديث فقد كانت تنتظر بفارغ الصبر عودة دوريات الجنود الذين يقومون بالاجتماع امام ألسنة النار الذهبية و سرد قصصهم و ما خاضوه
' انا لن افوت هذا '
انسحبت ببطئ من جانب كيران الذي كان يتبادل اطراف الحديث مع غريغور و الارجل الاشقر بجانبه ثم اتخدت مقعدا للجلوس و المتابعة
في البداية اعتقدت بأنها دخيلة لكنهم سرعان ما التفوا حولها وواصلو احاديثهم يستمعون الى تعليقاتها على علاقاتهم الغرامية و كيف ان لهم اساليب فذة لاغواء الخادمات
" كيف تفعلون ذلك ؟ "
سألت سينا بحماس ما جعل الفرسان يستغربون ، أليست امرأة ؟ لما يبدو عاديا بالنسبة لها ؟ لكنهم احبو طريقة تعاملها
" انت شخص ماكر حقا "
علقت سينا على حيلهم فانفجروا جميعا ضاحكين
' تبين انهم جميعا نسخة طبق الاصل عن كيران عندما يتعلق الامر بالعلاقات الغرامية رغم وجود اختلاف بسيط ، اذ خلال السنوات الستة و العشرين التي قضاها كرجل حسن المظهر شديد الشجاعة و القوة بما يكفي لاغواء امرأة لم يسبق له ان اغري من قبل امرأة ؟! هراء ! لكنه مقنع نوعا ما ، رغم ذياع سيطه كزير نساء و انتشار اخبار علاقاته و مواعداته الكثيرة لم يتم ذكر اي منها كعلاقة رسمية و صادقة ، حتى علاقته الاخيرة التي اعتقد الجميع انها المنتظرة خاب ظنهم بعد ان انتشر خبر انفصالهما ، لقد كانا مناسبين حقا ، ياله من حظ ! '
" انتبهوا جميعا "
وقف احد الرجال و تطوع لسرد بعض مغامراتهم و مواقفهم مع الوحوش السحرية ، استرسل يحكي التفصيل بمهارة و كانت سينا تراقب و تتفاعل مع ما يقوله بعينين مشرقتين كالطفل الصغير ، لقد اغرمت ببلاغة ذلك الشخص حقا ، استمتعت بذلك ، سماع تلك الكلمات التي تكاد تبدو حية ، تصفق و الفرسان بحرارة بعد كل مقطع
بعيدا عن بؤرة الضجيج عودة الى كيران الذي كان جالسا يراقب سينا من بعيد و يتبادل اطراف الحديث و شريكيه
" هل هي الوريث حقا ؟ ألم تذكر الشائعات و الجرائد انه ذكرا ؟ " فتح غريغور الحديث ثم أردف الاشقر :
" بعد ان تحصل على ما تريده .."
" نخبكم " هتفت سينا
" سوف تقتلها ؟ "
كان وقع صوته الذي تزامن و اصتكاك الكؤوس الزجاجية بعضها ببعض قويا جعل دواخل كيران تضطرب ، رد كيران بهدوء :
" انت تعلم الاجابة عن ذلك جيدا ، جيرارد "
"حقا ؟! " تعجب غريغور ثم أضاف :
" افهم من كلامك ان ما تحاول القيام به الان هو التكفير عن الذنب الذي ستقترفه ، لم لعلم انك بهذا القدر من القذارة ، اثرت اعجابي "
تنهد جيرارد ثم ارتشف من نبيذه بينما يراقب تفاعل الجنود
" من الافضل لك ان تجد طريقة اخرى فأنت لن تستطيع فعل ذلك ما دمت لا تملك سببا وجيها "
" هل تشك في قدرته ؟ " اعترض غريغور بإنفعال
" لست كذلك ، قتل شخص بريء يختلف عن قتل شخص مذنب ، اقدر طموحك و رغبتك في احلال الصلح لكنك تعلم جيدا ان قتلها لن يحل شيئا بل سيزيد الوضع سوءا ، حتى ان وافق البومة على ذلك و حتى ان كانت الكنيسة تسعى لذلك ، في النهاية ، حتى ان كان ذلك في صالحهم هم لن يشكروك على تنضيف الوسط لهم ، بالعكس سيتخذون ذلك ذريعة لاشعال الفتنة ، عليك ان تعرف هدفك جيدا "
تأفف غريغور بحنق
" ها نحن ذا مجددا ، لا تنفك من اقحام عواطفك في امور جدية كهذه "
" انا لا اقحم عواطفي بل اعرض العواقب ، جد حلا اخر مضمون النتائج ، لا تخاطر عبثا "
' فقط لو امكنني ، كنت حتما ..'
استقام كيران من مكانه متجاهلا مشاحنة الرجلين بجانبه ثم وجه قوامه صوب الجماعة
" مؤسف حقا ، اريد قضاء المزيد من الوقت مع الدوقة "
تذمر احد الجنود بعبوس ما دفع زملائه لضربه قائلين بصوت واحد :
" انها زوجة سيدك ايها الابله "
قهقهت سينا ضاحكة ثم ردت
" حسنا ، لا بأس توقفوا عن ضربه "
" سمو الدوقة ، أنت لطيفة حقا "
وضعت سينا كفيها على خديها ثم ردت بحرج
" لنحصل على هذا النخب الاخير " رفعت كأسها ثم ارتشفت و الجنود النبيذ دفعة واحدة
" احسنتم " صفقت مجاملة
راقبت الابتسامة تتبدد و احداقهم ترتفع بخوف
' مـ ما لخطب ؟ '
تسائلت في نفسها قبل ان تلتفت ببطئ نحو الخلف
" اوه ! كيراني ! اوه ، مهلا لحظة ، لما هناك الكثير منك ؟"
بحماس خاطبت الرجل الضخم الواقف امامها و الابتسامة تزين محياها تقوست على اثرها عيناها
" تعال ، تعال ، إنظم إلينا "
سكبت القليل من النبيذ في الكأس ثم رفعته له و أضافت :
" امسك "
انتظرت قيامه برد فعل لكنه اكتفى بالوقوف ، نضف حلقه ثم رفع ناظريه نحو الجنود
" خذوا قسطا من الراحة "
و دون سابق انذار سحب سينا من معصمها ثم ساعدها على الاستقامة
" يكفي هذا القدر "
' ماذا ، لا ليس الـ .. '
اطلقت انينا بتذمر ثم اطبقت كفيها وهمست برجاء :
" فقط القليل بعد ، ارجوك "
خطت مترنحة على الارضية الرخامية تتأفف بحنق
" لا تلمسني " قالت محذرة ثم اضافت " استطيع السير بمفردي "
" انت ثملة ، كيف تتوقعين مني تركك هنا "
التفتت نحوه ، اشرق وجهها فجأة ، ضمت قبضتيها بحماس ثم قالت :
" لو لم اكن ثملة ، هل كنت ستتركني هناك معهم ؟ "
" لا "
ذبلت ملامحها ، ابتعدت عنه ببطئ ثم رمقته بحنق مقطبة حاجبيها
" يا لك من مخرب للحظات "
تنهدت ثم اضافت :
"لكن اتعلم، لديك الكثير من الرجال الوسيمين "
ضحك كيران على صراحتها ثم قال :
كيف لك ان تقولي هذا لرجل ببساطة ؟
كتف ذراعيه و اضاف
"هل تفكرين في خيانتي ؟
لاكون صادقة ، لقد فعلت ، لكن فجأة قفز امام ناظري مشهد تعاقدنا ، علي الوفاء بوعدي مهما حدث حتى ان كانت هناك الكثير من المغريات ،
لقد عدلت عن ذلك "
حقا ؟
اومئت برأسها ثم ردت بانفعال طفيف :
" صدقـنـي "
فقط لو امكنني ، كنت سأتوقف حتما ، من الصعب جدا النظر الى هاتين العينين و الكذب ، لقد كان البومة محقا ، سيكون هذا صعبا نوعا ما
ابتسم كيران ثم رفع يده يهذب خصلات شعرها المتمردة
" انا آسف "
فتحت سينا عينيها على نطاق واسع ثم رفع احد حاجبيها
" هاه ؟!"
زفرت انفاسها بإنزعاج
" على ماذا ؟ "
" كل شيء ، ما حدث و سيحدث ، ايا كان "
ابتسمت سينا بخفة ثم اقتحمت مساحة كيران الشخصية و قالت بهدوء :
" ماذا لو قلت بأنني لن اسامحك ، ماذا كنت ستفعل ؟ ستصاب بالجنون ، لن تجد ما تقنع به نفسك لانك تعتقد بأن الاعتذار هو الطريقة للتخلص من ذنوبك و اتهامات ضميرك ، يُخرسه ، هل أنا على صواب ؟ "
شابكت يديها خلف ظهرها ثم اضافت :
" لا تزال مذنبا حتى إن اعتذرت ألف مرة ، عليك أن تعترف بهذا لتعيش حياتك بسلام ، و تذكر جميعنا مذنبون ، لست وحدك "
سقطت شفته السفلى للحظة
' كيف لها أن تكون بهذه .. هل هي حقا في الثامنة عشر من العمر ؟! ' تساءل كيران في نفسه لكنه استطاع بعد مدة من الخروج من دوامة ذهوله و صدمته ، سأل :
" هل هذا يعني انك لن تسامحيني ؟ "
ابتسمت خبيثة علت محياها ، راقصت حاجبيها ثم بسطت ذراعيها :
" ان استطعت ايصالي الى الغرفة بعد أن اعد الى العشرة ، سأفعل "
" انسي الامر "
رفض كيران ثم دفع ساقه يخطو و خلفه سينا تتذمر بحدة
' هناك حل آخر ، حتما هناك حل ما ، هذه المرأة ، لا يجب أن تموت '
Коментарі