الفصل الأول
.
صوت خطواتي كان مسموع بسبب الهدوء في الصباح الباكر ،توقفت خطواتي أمام باب الكنيسة لأنظر له لثوان قليلة وللمرة الأخيرة
وبعدها قمت بفتحه ودخلت وأنا أنظر للكنيسة من الداخل وكأنها أول مرة أرى بها الكنيسة من الداخل،ولكن الحقيقة هي أنها هذه آخر مرة سوف أراها ،لأنني لا أعلم متى سوف أعود
تقدمت ببطئ إلى الداخل ووقفت أمام الهيكل لأقم بيدي بإشارة رمز الصليب ،وركعت بخشوع أمام الهيكل ووضعت الشال على رأسي وضممت يداي معا وبدأت أتلُو صلاتي بخشوع بصوت منخفض قريب للهمس ،أنا لم أشعر بمرور الوقت أبدًا واقتراب بدء القداس الإلهي إلا عندما وقف أحد ما بجانبي وشعرت به ينظر إلي فرفعت رأسي ونظرت وإذ به الكاهن كان يقف بجانبي ينظر لي
فأنهيت صلاتي بإشارة رمز الصليب مرة أخرى ومسحت على وجهي فتوقفت يداي لثوانٍ على وجهي حيث لم أشعر أنني بكيت حتى!، فمسحت دموعي وابتسمت بهدوء كما ابتسم لي الكاهن بابتسامة دافئة ،والتفتت أجلس على المقعد بجانب جدتي التي أتت للتو برفقة بعض من نساء ورجال القرية لحضور القداس الإلهي، فقامت جدتي بالمسح على رأسي بهدوء وهي تنظر لي بنظرات حنونه دافئة.
وبعد انتهاء الصلاة خرجت وقمت بتوديع الجميع متوجهه نحو منزل جدتي متجهة نحو غرفتي لأخذ امتعتي والقيت نظره اخيره على الغرفة التي احتوتني طيلة هذه السنين وأغلقت الباب بهدوء لأسحب حقائب السفر الزرقاء خلفي متوجهة الى صالة المعيشة حيث عمي وزوجته ينتظرونني هناك برفقة أخي الصغير ايثان.
وبهذه اللحظة دخلت صديقتي صوفي وهي تركض وعانقتني بقوة وأجهشت في البكاء لأبادلها العناق وأبكي برفقتها أنا لا أعلم متى سأعود وإن كنت سوف تعود من الأساس
- سأشتاق لكِ كثيرا
- انا ايضا سأشتاق لكِ
عناق دام لدقائق لتبتعد صوفي عني بصعوبة وتمسح دموعها وتبتسم لي بهدوء
-سأحاول أن ابقى على تواصل معكِ لا تقلقي
- لن تحاولي بل سوف تفعلي والا لن تعودي صديقه لي
ضحكت واومأت لها وأنا أمسح دموعها ودخلت جدتي بهذه الاثناء لتقترب إلي لتمد يدها تعطيني علبه مستطيله الشكل باللون الاسود فأخذتها وقمت بفتحها لأنظر لما بداخلها.
كان عقد من الذهب به شمس صغيرة , وهو في الواقع عقد هديه من أبي لي بيوم ميلادها ولطالما كنت أرتديه, ولكن من بعد وفاته لم أعد ترتديه لأنه كلما نظرت الى نفسي وأنا أرتديه كنت أعود للبكاء مرة أخرى.
- أعتقد أنه حان الوقت لكي يعود العقد الى مكانه صحيح صغيرتي؟
- أجل ,لقد افتقدته
وقبل أن أرتديه مرة أخرى أخرجت جدتي علبه أخرى صغيرة وفتحتها فكان قلب صغير به صوره لأمي وأبي اضافته للعقد الخاص بي وبعدها جعلتني أرتديه
فنظرت اليه بأعين دامعة واحتضنت جدتي أعود للبكاء من جديد
وبعد مدة ابتعدت عنها لتمسح جدتي دموعها وهي تبتسم لي ومدت يدها لعلبه ثالثة وكانت الاخيرة هذه المرة
- وهذه أنت تعلمين ما هي بالتأكيد حافظي عليها جيدا
-كيف يمكنني الا احافظ عليه، وأبي كان كلما اتيحت له الفرصه يحدثني عنه
تحدثت بغصة لأمسك بها بقوه وأضمها الى صدري ونظرت الى جدتي لتفتح جدتي يديها لي لتعانقني بقوة وللمرة الاخيرة فهي لا تعلم المدة التي سأغيبها كم ستكون
تقدم أخي الصغير إيثان لتضمه جدتي للعناق ايضا وتقبل رأس كل منّا
"هيا كي لا يفوتكم القطار لديكم طريق طويل من القرية للمدينة"
ابتعدنا عنها ليأخذ كل منّا أمتعته وخرجنا برفقة عمي آرثر وزوجته كاترينا وصديقتي وجدتي وتوجهنا إلى محطة القطار وهناك افترقنا وصعدت القطار برفقة أخي وعمي وزوجته فهما من سيكونان الوصيان علينا منذ هذه اللحظة.
عمي وزوجته لم يرزقا بطفل حتى هذه اللحظة ولكنهما لطالما كانا يعتبراني أنا وأخي أطفالهما حتى قبل وفاة والداي
ومنذ وفاة والدي هما تعهدا أن يعتنيا بنا لاخر لحظه بحياتهما
وها نحن الآن متوجهين الى العاصمة حيث حياة جديده تماما بعيدة عن حياة القرية
حيث ستبدأ جامعتي مرحلة علاج اخي من جديد على أمل الشفاء هذه المرة
السفر استغرق ساعات طويلة منذ الصباح ووصلنا في ساعات المساء بسبب طول الطريق وأخذ استراحات صغيره بمحطات القطار.
استلم عمي مفاتيح منزلنا الجديد ودخلنا للمنزل أخيرًا ,منزل متوسط الحجم بطابقين يكفينا ,اخترت غرفتي أو بمعنى آخر لم أهتم ودخلت أول غرفه رأيتها بعد ان صعدت الطابق الثاني وجلست على السرير بهدوء و امسكت هاتفي أخبر جدتي وصوفي بأننا وصلنا للمنزل للتو.
دقائق قليلة قضيتها أتحدث معهما عبر مهاتفتهما وبعدها نهضت لتبديل ثيابي لأخرى مريحة ونزلت للطابق الأول لتناول العشاء الذي احضره عمي ,وبعد مساعدتهما في التنظيف صعدت لأتفقد أخي فوجدته قد بدل ثيابه وغط في نوم عميق بتعب .
فإبتسمت لمظهره اللطيف ووضعت عليه الغطاء وأطفأت النور وخرجت أغلق الباب بهدوء.
صادفت زوجة عمي وهي تعود لغرفتها
- صغيرتي هل نام؟
- اجل رينا لا شك أنه يلعب مع الخراف في الحلم حتى
ضحكنا بخفه على حديثها لتربت على كتفي , انها مقربه مني كثيرا لذلك اناديها باختصار من اسمها لأجعل نفسي مميزه عندها ,ابتسامتها تبث الطمأنينة في قلبي
- لترتاحي انت ايضا غدا يوم طويل
- حسنًا تصبحين على خير
- وانت من اهل الخير صغيرتي
دخلت غرفتي وأغلقت النور وتركت نور خفيف وتمددت على سريري أنظر للسقف
كم أنني ممتنة لعمي وزوجته ,مضى على وفاة أمي وأبي سنتين ومنذ ذلك الوقت إلى الآن هما يعتنيان بي وباخي وكانا بغاية الصبر علينا
كنت قد دخلت بحالة اكتئاب حادة إضافة الى حالة نفسية صعبة جدًا بينما اخي فقد تعرض لصدمه وفقد قدرته على الحديث لشدتها ,حيث اربعتنا تعرضنا لحادث سير مؤلم ومن تأذى بشدة كان أمي وأبي بينما أنا وأخي إصاباتنا لم تكن بخطيرة كثيرًا كوننا نجلس في المقاعد الخلفية ونضع حزام الأمان، والأذى الحقيقي كان في المقدمة حيث أمي وأبي .
وقد تخطيت الأمر بصعوبة كبيره بفضلهما ومنذ فترة قصيرة فقط تخطيت أيضًا رهابي إتجاه السيارات والشاحنات وكل ما يتعلق بالسير على الشارع ليس تماما ولكن بنسبة كبيرة كافية لتجعلي أستطيع العودة للمدينة هنا
فقد كنت طوال السنتين أمشي كطفلة خائفة من ضياع والديها في الشارع وأمسك بيد عمي بقوه دائمًا وفعلت ذلك مجددًا اليوم وأنا أمشي بعدما وصلت المدينة ولولا حبه المهدئ التي أخذتها لكان وضعي سوف يسوء أكثر
لا زال أمامي طريق طويل لا أعلم ما هي نهايته وماذا ينتظرني أثناء السير به ولكن يجب علي تخطي خوفي تمامًا دون الإعتماد على المهدئات في كل مرة سأخرج بها إلى الشارع ,سأحاول قدر المستطاع من أجلي ومن أجل من حولي
المهدئات هي السبب الرئيسي الذي ساعدني على المواجهة، كثرتها مضره أعلم لم آخذ الكثير منه، ولكن عودتي الآن ربما تجعلني آخذ الكثير ولكن سأحاول قدر المستطاع السيطرة على نفسي أكثر
هذا آخر ما كنت افكر به قبل ان أقع رهينة للنوم
.
.
.
الاستيقاظ على صوت المنبه هو أكثر شيء مزعج في الصباح الباكر, حيث تقلبت في سريري لليمين واليسار ولا زال منبه هاتفي صاخبًا لأبعد الغطاء عن رأسي ونهضت أبعد خصلات شعري الطائشة التي التصقت بوجهي أطفئه أخيرًا وانهض ,الساعة لا تزال السابعة صباحًا,ومع ذلك أشعر بأن يومي طويل ولن يكفيني .
جلست على مائدة الإفطار مقابل عمي أتناول الفطور وأنا شاردة , لينتشلني من شرودي عمي
- هل قررت يا صغيرتي ماذا سوف يكون تخصصك؟
رفعت رأسي عن طبقي وتركت شوكتي تستريح على طرفه أتنهد وكان هناك عبء ما
- أجل , سأتخصص في مجال هندسة الديكور
نظر لي عمي بهدوء بينما رينا توقفت بمكانها تناظرني بصدمه لتتحدث بعد ان استغرقت ثوان لتستوعب
- هل أنت متأكدة؟ اعني انت تدرين مقصدي؟
- اجل رينا انا متأكدة
تنهد عمي وابتسم لي بابتسامة دافئة
- حسنا انه مستقبلك في النهاية ونحن بجانبك في أي قرار سوف تسيرين به في حياتك كوني على ثقة من ذلك ,قومي بفعل ما تريدينه ونحن خلفك
ابتسمت له بهدوء وقد لمعت عيناي بسبب دموعي التي تزاحمت على الخروج
- شكرا لكما لتواجدكما بحياتنا لقد عوضنا الله بكما احبكما كثيرا
نهضت بهدوء أحتضنهما بكل قوتي ممتنه لهما
وبعد أن إنتهينا من تناول الفطور أخذت حقيبتي وتأكدت من وجود جميع أوراقي التي احتاجها بها و خرجت للذهاب إلى الجامعة
ولكن تم مقاطعة سيري خارج ساحة المنزل صوت رينا التي قامت بمناداتي
- هل جميع اوراقك وما تحتاجينه معك صغيرتي؟
- اجل رينا لقد تأكدت قبل خروجي من المنزل من كل شيء
- أتمنى لك التوفيق
- شكرا لك
وأكملت سيري الى السيارة لأصعد بجانب عمي حيث سوف يوصلني إلى الجامعة ويتوجه نحو مكان عمله الجديد, كان يبدو علي التوتر الشديد والقلق حيث كنت أضم يداي إلى بعضهما افركهما بتوتر وشعرت بالتعرق الطفيف لذا قام عمي بتشغيل شريط الأغاني المفضلة لدي لأبتسم له بامتنان فمد يده يمسح على شعري بهدوء,لم اخذ مهدئ لأنني أعلم بأنني سأذهب معه وكنت قد قررت أخذها عند العودة.
لقد شعرت بالراحة قليلًا ونسيت خوفي بفضله لقد جعلني بطريقة ما انسى خوفي,وقد وجدت الطريق قصيرًا بالرغم من أنه ليس كذلك,ودعته ونزلت من السيارة ونظرت لسيارته وهو يغادر لعمله
وقفت عند مدخل الجامعة أنظر لها من الخارج وأنا أقبض على يد حقيبتي بتوتر وأنظر لمن يدخل ويخرج ,فأخذت نفس عميق وخطوت أول خطواتي في الجامعة بعد وقوف دام لعدة دقائق ,وتوجهت الى مبنى التسجيل مستعينة بخريطة الجامعة على هاتفي ,ووصلت إلى وجهتي بعدما تهت قليلًا ربما ,وجلست على مقاعد الانتظار ريثما يحين دوري بحسب الرقم الذي على الورقة الصغيرة التي سحبتها من الجهاز فور ما دخلت.
والى ان اتى دوري اكتفيت بالنظر حولي كطفله صغيره تستكشف ما حولها لأول مرة ,إلى أن ظهر الرقم المكتوب على الورقة التي بيدي على شاشة صغيرة فنهضت أخرج اوراقي من حقيبتي وبدأت إجراءات التسجيل
وعدت لترددي وانا انظر للورقة بين يداي حيث خانة التخصص الذي سوف اقوم بتسجيله ,الثوان كانت تمر وكأنها ساعات وشردت قليلا وأنا أمسك بالقلم وأضغط عليه أفرغ ترددي به فتنهدت بثقل وكتبت تخصصي أخيرًا وقمت باعادة الورقة الى الموظفة لتكمل لي رسوم التسجيل وقمت بالدفع واخبرتني ما يجب علي فعله من رسوم للتسجيل
لأقوم بها وبعد مرور ساعه كنت قد أنهيت تسجيلي فخرجت من الكلية أبتسم براحة وانا انظر للورقة التي بيدي حيث قد كتب بها تخصصي وكل تلك الأمور لأضعها بحقيبتي كأنها كنز ثمين ,و تجولت قليلا في الجامعة أستكشفها قليلًا ففي الغد يبدأ التعليم وأنا قد قمت بالتسجيل في آخر لحظة حيث انني كنت اريد تأجيل دراستي أكثر ولكن تحت إصرار جدتي وعمي ها أنا ذا سأبدأ الآن , والحظ قد حالفني فقد كان لا يزال مقاعد دراسية في التخصص الذي اخترته.
وبعد تجولي قد ذهبت للتسوق سيرًا على قدماي فلم يكن بعيد كثيرا عن الجامعة, ربما ربع ساعة سيرًا على الأقدام
وعدت في ساعات الظهر إلى المنزل بعد صراع لركوب الحافلة بالرغم من انني قد تخطيت مخاوفي تقريبًا ولكن لا زال التردد والتفكير يلعب دورا مهما بحياتي ولا يريد أن يعتقني, لدي خيال واسع وهذا يؤثر علي كثيرًا.
وما بين مساعده رينا في أعمالها وما بين الطهو والجلوس مع إيثان هكذا أمضيت بقية يومي إلى أن اتى اليوم التالي فلم يكن هنالك شيء ما يستحق أن يذكر فقد كانت اجواء دافئة افتقدتها أنا وإيثان.
.
.
.
أشعة الشمس اخترقت ستائر الغرفة متجولة في أنحاء الغرفة دون اخذ الإذن وباتت تزعجني بشدة وبدأت بالتقلب كل فترة قصيرة لأنهض وأجلس متنهده بانزعاج, أو أنني إتخذت أشعة الشمس مصدر إزعاج مكان قلقي وتوتري مما أنا مقبلة عليه هذا اليوم
محاضرتي الأولى تبدأ عند الساعة العاشرة لذلك إستيقظت في الساعة الثامنة بعدما رن منبه هاتفي الذي كنت انتظر سماع صوته منذ مدة طويلة،كنت انتظره لأنني لم أكن أريد ان أنهض باكرا حتى عندما طفح الكيل معي من أشعة الشمس كنت قد عدت للتمدد انتظر المنبه
نومي خفيف والتفكير في نمط حياتي الجديد وما سوف اواجهه اليوم جعل الأرق رفيقي في هذه الليلة الطويلة، أن تنتظر الثوان والدقائق لتمر وتشعر بأن الوقت بطيء ولا يمر هو أكثر شيء مزعج، شعرت وكأنني طفلة لديها رحلة مدرسية صباح اليوم التالي ولا تستطيع النوم لشدة حماسها
تنهدت اهذب خصلات شعري أمام المرآة ونزلت للأسفل متوجهة إلى المطبخ لتحضير الفطور الخاص بي وجلست اتناوله بهدوء متصفحه هاتفي والتحدث مع صوفي، وقد عدت لغرفتي بعد تنظيف ما أكلت به وبدأت بتجهيز نفسي للذهاب للجامعة
وها قد بدأت فقرة ماذا سوف ارتدي قلبت ملابسي لليمين ولليسار لاتنهد فأغمضت عيناي وأخذت أول ما امسكت به يدي، بنطال باللون الرمادي ذو خصر عالي و أرجل واسعة، بلوزه بدون أكمام بيضاء اللون وقميص رمادي اللون، أحب أن أشكر نفسي لكوني أحب شراء الملابس التي تأتي ثلاثه بواحد، لكن لدي ملابس متنوعة غيرها أيضًا
أغلقت الخزانة أخيرا وقمت بتبديل ملابسي وسرحت شعري وتركته مرتاح على ظهري والآن اللمسات الأخيرة، وضعت مرطب للوجه واكتفيت بالكحل الأسود والماسكارا ومرطب الشفاه، ارتديت حذاء أبيض واخذت حقيبتي ووضعت بها ما قد أحتاجه وحملت الجهاز اللوحي الخاص بي والسماعات ونزلت وقد كانت رينا برفقة إيثان في المطبخ تعد له الفطور فاقتربت منه وبعثرت شعره لينظر لي بانزعاج فأهديته قبلة على وجنته ليبتسم لي
-ستخرجين الآن؟
-نعم لكي لا أتأخر أكثر، لدي رحلة بحث عن القاعة تعلمين
فضحكت علي لتتقدم وتعانقني فبادلتها العناق استمد منها الدفء والقوة
-أتمنى لكِ التوفيق
-شكرًا لكِ، ستذهبون للطبيب صحيح؟
-أجل بعد قليل
-أخبريني بكل شيء عند عودتكما، أو اتعلمين عندما أعود من الجامعة أفضل
-لا تقلقي، هيا اذهبي كي لا تتأخري أكثر سوف تكوني بخير صحيح؟
-أجل، إلى اللقاء
إبتسامة إيثان معدية حيث كان ينظر الي ويبتسم فابتسمت معه دون أن أشعر وخرجت إلى موقف الحافلات القريب من منزلي وطوال هذه الدقائق القصيرة كنت أضع السماعات أشغل نفسي بسماع الموسيقى سأحاول السيطره على نفسي دون أن اللجوء إلى المهدئات قدر الإمكان
كنت قد فكرت بذلك في الليل مع الأرق, وهذا ما فعلته عندما صعدت إلى الحافلة جعلت صوت الموسيقى أعلى وتجنبت التفكير في أي شيء وامسكت بهاتفي اتصفح كل ما به وكأنني أول مرة أحصل على هاتف لي ولا أصدق أنني نجحت في الهاء نفسي وعدم التفكير بشيء وتنهدت براحة بعدما نزلت من الحافلة واستنشقت الهواء وبدوت كأنه كان هناك ما يعيق دخول الهواء إلى رئتي عبر خنقه لي
وضعت السماعات في حقيبتي وألقيت نظرة سريعة للساعة فكانت تشير إلى التاسعة والنصف هذا جيّد نظرت لبوابة الجامعة والطلاب حولي الذين يدلفون إلى الداخل واندمجت بينهم أنا أيضا واستعنت في خريطة الجامعة الخاصة بالكليات لأنني لم أتذكر أين كانت كلية الموسيقى
أجل اخترت كلية الموسيقى بالفعل, أتمنى ألا أندم على اختياري لاحقا بالرغم من أنها حلمي منذ الصغر
وجدتها أخيرا, وقبل البحث عن القاعة توجهت إلى الكافيتيريا المصغرة واشتريت قنينة مياه فسوف يجف حلقي وأنا أبحث اليوم عن القاعات
وهذا ما حصل بالفعل لقد تهت في كلية يبلغ عدد طوابقها عشرة ربما؟ نعم عشرة تأكدت من ذلك بعدما دخلت المصعد متوجهه إلى الطابق الخامس بعدما فهمت أخيرا أرقام وأحرف القاعة ولم أقم بسؤال اي طالب لكي لا يعلم أنني مستجدة وأصبح محور حديثه بعدما أستدير وأذهب
إبتسامة واسعة احتلت مساحة وجهي بعدما عثرت على القاعة فدخلت وكان بضع طلاب بالفعل في الداخل فتقدمت اجلس أقصى اليمين الطاولة الثانية في المدرج وكان باب القاعة كان مقابل لي
وبقي للمحاضرة عشر دقائق فكان تسليتي باب القاعة أنظر لمن يدخل ومن يمر من أمامه إلى أن امتلأت القاعة تقريبًا وفي تمام الساعة العاشرة دخل البروفيسور وأغلق خلفة باب القاعة
وذلك جعلني أفكر بأننا الآن داخل سجن محاضرتة التي تبلغ مدتها ساعة ونصف والويل لمن لم يدخل قبل أن يغلق الباب
وهذا قد حصل بالفعل فقد رأيت بضع طلاب خلال شرح البروفسور بعد تعريفه عن نفسه وبدأ يشرح عن ماذا سوف نتعلم
يقفون أمام الباب حيث كانوا يظهرون من الزجاج بتوتر والتردد رفيقهم هل يطرقون الباب وطلب الإذن بالدخول أم فقط يرحلون
بعضهم رحل وبعضهم تجرأ وطرق الباب ولكونها أول محاضرة فقد سمح لهم بالدخول
وبعد مضي وقت لا بأس به من المحاضرة تم مقاطعة شرح البروفيسور صوت طرق على الباب وفتحه ودخل شاب فارع القامة وأغلق الباب خلفه ليلقي التحية الصباحية بصوت بارد كالصقيع
وتقدم وهو يضع حقيبته على كتفه الأيمن وجلس على المقعد الأول أمامي حيث لم يجلس أحد
أو لأصف ذلك بشكل دقيق لأن تصرفه كان غريب هو قام برمي حقيبته بعشوائية على الطاولة وجلس يسند ظهره على المقعد ويداه داخل جيوبه ينظر للبروفيسور ليكمل شرحه وهذا ما حصل بعد أن تنهد وهز راسه بيأس
فأعدت نظري الشاب الذي يجلس أمامي بلا مبالاة وشعره الذي اكتسب لون عتمة الليل وهدوءه، لقد غطى مجال رؤيتي لطوله فتنهدت بانزعاج وجلست على الكرسي الآخر بجانبي وعاد مجال رؤيتي أفضل قليلًا، بالتأكيد هو تخطى الطول الطبيعي للانسان الطبيعي الخلل ليس بي
اعدت تشغيل جهازي وعدت للتركيز للشرح وتدوين بعض الملاحظات بتركيز شديد إلى أن مضى وقت المحاضرة وبدأ بأخذ الحضور والغياب أشعر بأنني في المدرسة لم عليهم التدقيق لهذه الدرجة!! ظننت أنهم لا يهتمون لمن يحضر ومن لا يحضر
إذ أسندت وجنتي على راحة يدي وفقط انتظرت إلى أن سمعت إسمي فرفعت يدي لكي يراني من بين الحضور أو لكي أظهر بشكل أوضح من خلف العامود الذي يجلس أمامي
خمس دقائق أخرى وخرجنا أخيرًا بعد أن إنتهى، أشعر بالحرية بالفعل والتي كادت أن تفسد لمرور الطلاب من جانبي بشكل سريع
من الواضح أننا جميعنا شعرنا بالاختناق في الداخل لطول المحاضرة
أود أن أذكر نفسي اننا لا زلت في أول ساعتين من أربع سنوات، لا يهم
محاضرتي التالية بعد ساعة لذلك وجهتي الآن هي الكافتيريا لتناول الطعام والتجول قليلا في الكلية لمعرفة قاعة المحاضرة التالية
وأثناء تناولي للطعام كنت فقط أنظر لمن حولي لكي لا أشعر بالملل إلى أن انتهيت وأخذت أغراضي وبدأت امشي من الطابق الأخير أتعرف على الكلية و ارقام القاعات وما يوجد في الطابق بشكل عام ومع انتهائي من كل طابق انتقل الى التالي إلى أن وصلت إلى الطابق الأرضي حيث لا يتواجد به أحد تقريبا
وقد جذبني صوت موسيقى يصدح في مكان ما في هذا الطابق والفصول قادني لأتبعه امشي هنا وهناك أحاول المعرفة من أين يأتي الصوت بالضبط
إلى أن عثرت على الزاوية التي يأتي منها الصوت وأتبعته الى أن اصبح الصوت أكثر وضوح إلى أن وصلت إلى باب مغلق
وهنا خضت محادثه بين فضولي والذي أراد ان يدخل وبشدة وبين عقلي الذي يحاول منعه لكي لا أكون بموقف محرج
ولكن جانبي الفضولي غالبا ما يفوز لذلك رفعت يدي لمقبض الباب وفتحته
وكان ممر وبه أغراض كثيره هنا وهناك على جانبي الممر وعندما مشيت قليلًا علمت أنني دخلت مسرح وهذا هو الباب الخلفي له لذلك هذه الأغراض هنا هي أدوات للمسرح
قبضت بيدي على حمالة حقيبتي وسرت ببطء لم يكن الممر طويل كثيرا إذ بعد عدة خطوات اتضح لي المسرح وقد كان ضخمً والوقوف عليه يولد شعور مهيب
والمقاعد المتراصة بجانب بعضها البعض باللون الخمري قد جذب نظري
ولكن لم يدم الا عده ثوان حيث نظرت إلى الشخص الذي كان يرقص، خفه حركاته ورقصه قد اذهلتني إذ شعرت وكأنه لا يرقص على خشبة مسرح بل وكأنه فوق الغيوم
خطواته خفيفة رشيقة بشكل جعلني اقف متصنمه أتابعه ينتقل هنا وهناك دون ملل
وما جعلني ادهش واضع يدي على فمي كاتمة شهقتي هو إدراكي أنه ذات الشاب الذي دخل متأخرا إلى المحاضرة وجلس امامي
ولكن أنزلت يدي عندما أدركت أنه لن يسمعني كون الموسيقى عالية ولن يراني حيث انني عند الممر بعيدة عنه
تعرفت عليه من ملابسه مكتسحه السواد من الأعلى للأسفل حتى حذائه وحقيبته التي قد رماها بعشوائية على خشبة المسرح
ما قصته مع العشوائية؟ هل هما بعلاقة قوية!!
أعدت نظري إليه وركزت على رقصه الذي جعلني أغيب عن أرض الواقع لمده لم أعرفها إلا عندما انقطع صوت الموسيقى
وكل ما يسمع هو صوت أنفاسه اللاهثة وصدره الذي يرتفع وينخفض بوتيرة سريعة هو الشاهد على ذلك
لماذا شعرت وكأن رقصه يعبر عما بداخله!
أعني كان رقصه يبدو وكأنه يعبر عن مشاعر مكنونة بداخله لمدة لا أحد يعلم بها غيره رقصه وكأنه غاضب ويفرغ ما بداخله عبر رقصه بالرغم من خفة خطواته
ولكن هذا ليس وقته يجب علي الخروج قبل ملاحظتي
وعندما استدرت للمغادرة اصطدمت بأحد الصناديق على الأرض لأعض شفتي بقوه ومشيت بخطوات سريعة إلى أن حدث ما هربت منه
-من هناك؟ فلتخرج قبل أن آتي بنفسي لاخراجك
أغمضت عيناي بقوة وتنفست بعمق وعاودت الاستدارة كالمرأة الآلية وتقدمت ببطئ أنظر الى قدماي لديه نظره تثقب الروح لشدة حدتها ملونة بالأزرق الداكن
وصدمت عندما رفعت رأسي ورأيته قريب مني تبقى بيننا عدة خطوات خطواته خفيفه فعلًا وكان بيده قنينة مياه باردة مثله
عقد حاجبيه ينظر لي من الأعلى إلى اخمص قدماي بنظرة لم تريحني ابدا
-ماذا تفعلين هنا؟ ومن سمح لك بالدخول؟
-فقط كنت أبحث عن القاعة ودخلت عن طريق الخطأ
-عن طريق الخطأ وأكملت طريقك إلى الداخل هل تمزحين معي؟، أم تحسبيني غبي لاصدق!!
ما خطب هذا المتعجرف!! من يحسب نفسه
-عن طريق الخطأ كنت أبحث عن قاعة محاضرتي فأنا طالبة سنة أولى هل هذا أرضى سؤالك؟
عقد حاجبيه بغضب واضح ورأيت السواد بعيناه تلك
-لم اسألك عن قصة حياتك
-من تعتقد نفسك؟ لقد سألت وأنا أجبتك إنتهى الأمر
نظرت له باستعلاء ردا له والتفت لكي أغادر لكي يأتيني صوته الغاضب
-ممنوع الدخول دون إذن مني هذه أول وآخر مره الزمي حدودك
فالتفتت له وكان قد أدار ظهره ويتجه نحو حقيبته
-ليس وكأن الجامعة ملك لوالديك لكي تأمرني بذلك يا لك من متعجرف، تحلى ببعض الأخلاق والاحترام
أمسك بحقيبته ينظر لي بحقد طاغ على سحنته
-لدي الفضول لردة فعلك عندما تعلمين
وغادر من الباب الذي دخلته انا لامشي انا أيضا لاغادر وقح عديم التربية والأخلاق هذا ما كان ينقصني في يومي الأول
صوت خطواتي كان مسموع بسبب الهدوء في الصباح الباكر ،توقفت خطواتي أمام باب الكنيسة لأنظر له لثوان قليلة وللمرة الأخيرة
وبعدها قمت بفتحه ودخلت وأنا أنظر للكنيسة من الداخل وكأنها أول مرة أرى بها الكنيسة من الداخل،ولكن الحقيقة هي أنها هذه آخر مرة سوف أراها ،لأنني لا أعلم متى سوف أعود
تقدمت ببطئ إلى الداخل ووقفت أمام الهيكل لأقم بيدي بإشارة رمز الصليب ،وركعت بخشوع أمام الهيكل ووضعت الشال على رأسي وضممت يداي معا وبدأت أتلُو صلاتي بخشوع بصوت منخفض قريب للهمس ،أنا لم أشعر بمرور الوقت أبدًا واقتراب بدء القداس الإلهي إلا عندما وقف أحد ما بجانبي وشعرت به ينظر إلي فرفعت رأسي ونظرت وإذ به الكاهن كان يقف بجانبي ينظر لي
فأنهيت صلاتي بإشارة رمز الصليب مرة أخرى ومسحت على وجهي فتوقفت يداي لثوانٍ على وجهي حيث لم أشعر أنني بكيت حتى!، فمسحت دموعي وابتسمت بهدوء كما ابتسم لي الكاهن بابتسامة دافئة ،والتفتت أجلس على المقعد بجانب جدتي التي أتت للتو برفقة بعض من نساء ورجال القرية لحضور القداس الإلهي، فقامت جدتي بالمسح على رأسي بهدوء وهي تنظر لي بنظرات حنونه دافئة.
وبعد انتهاء الصلاة خرجت وقمت بتوديع الجميع متوجهه نحو منزل جدتي متجهة نحو غرفتي لأخذ امتعتي والقيت نظره اخيره على الغرفة التي احتوتني طيلة هذه السنين وأغلقت الباب بهدوء لأسحب حقائب السفر الزرقاء خلفي متوجهة الى صالة المعيشة حيث عمي وزوجته ينتظرونني هناك برفقة أخي الصغير ايثان.
وبهذه اللحظة دخلت صديقتي صوفي وهي تركض وعانقتني بقوة وأجهشت في البكاء لأبادلها العناق وأبكي برفقتها أنا لا أعلم متى سأعود وإن كنت سوف تعود من الأساس
- سأشتاق لكِ كثيرا
- انا ايضا سأشتاق لكِ
عناق دام لدقائق لتبتعد صوفي عني بصعوبة وتمسح دموعها وتبتسم لي بهدوء
-سأحاول أن ابقى على تواصل معكِ لا تقلقي
- لن تحاولي بل سوف تفعلي والا لن تعودي صديقه لي
ضحكت واومأت لها وأنا أمسح دموعها ودخلت جدتي بهذه الاثناء لتقترب إلي لتمد يدها تعطيني علبه مستطيله الشكل باللون الاسود فأخذتها وقمت بفتحها لأنظر لما بداخلها.
كان عقد من الذهب به شمس صغيرة , وهو في الواقع عقد هديه من أبي لي بيوم ميلادها ولطالما كنت أرتديه, ولكن من بعد وفاته لم أعد ترتديه لأنه كلما نظرت الى نفسي وأنا أرتديه كنت أعود للبكاء مرة أخرى.
- أعتقد أنه حان الوقت لكي يعود العقد الى مكانه صحيح صغيرتي؟
- أجل ,لقد افتقدته
وقبل أن أرتديه مرة أخرى أخرجت جدتي علبه أخرى صغيرة وفتحتها فكان قلب صغير به صوره لأمي وأبي اضافته للعقد الخاص بي وبعدها جعلتني أرتديه
فنظرت اليه بأعين دامعة واحتضنت جدتي أعود للبكاء من جديد
وبعد مدة ابتعدت عنها لتمسح جدتي دموعها وهي تبتسم لي ومدت يدها لعلبه ثالثة وكانت الاخيرة هذه المرة
- وهذه أنت تعلمين ما هي بالتأكيد حافظي عليها جيدا
-كيف يمكنني الا احافظ عليه، وأبي كان كلما اتيحت له الفرصه يحدثني عنه
تحدثت بغصة لأمسك بها بقوه وأضمها الى صدري ونظرت الى جدتي لتفتح جدتي يديها لي لتعانقني بقوة وللمرة الاخيرة فهي لا تعلم المدة التي سأغيبها كم ستكون
تقدم أخي الصغير إيثان لتضمه جدتي للعناق ايضا وتقبل رأس كل منّا
"هيا كي لا يفوتكم القطار لديكم طريق طويل من القرية للمدينة"
ابتعدنا عنها ليأخذ كل منّا أمتعته وخرجنا برفقة عمي آرثر وزوجته كاترينا وصديقتي وجدتي وتوجهنا إلى محطة القطار وهناك افترقنا وصعدت القطار برفقة أخي وعمي وزوجته فهما من سيكونان الوصيان علينا منذ هذه اللحظة.
عمي وزوجته لم يرزقا بطفل حتى هذه اللحظة ولكنهما لطالما كانا يعتبراني أنا وأخي أطفالهما حتى قبل وفاة والداي
ومنذ وفاة والدي هما تعهدا أن يعتنيا بنا لاخر لحظه بحياتهما
وها نحن الآن متوجهين الى العاصمة حيث حياة جديده تماما بعيدة عن حياة القرية
حيث ستبدأ جامعتي مرحلة علاج اخي من جديد على أمل الشفاء هذه المرة
السفر استغرق ساعات طويلة منذ الصباح ووصلنا في ساعات المساء بسبب طول الطريق وأخذ استراحات صغيره بمحطات القطار.
استلم عمي مفاتيح منزلنا الجديد ودخلنا للمنزل أخيرًا ,منزل متوسط الحجم بطابقين يكفينا ,اخترت غرفتي أو بمعنى آخر لم أهتم ودخلت أول غرفه رأيتها بعد ان صعدت الطابق الثاني وجلست على السرير بهدوء و امسكت هاتفي أخبر جدتي وصوفي بأننا وصلنا للمنزل للتو.
دقائق قليلة قضيتها أتحدث معهما عبر مهاتفتهما وبعدها نهضت لتبديل ثيابي لأخرى مريحة ونزلت للطابق الأول لتناول العشاء الذي احضره عمي ,وبعد مساعدتهما في التنظيف صعدت لأتفقد أخي فوجدته قد بدل ثيابه وغط في نوم عميق بتعب .
فإبتسمت لمظهره اللطيف ووضعت عليه الغطاء وأطفأت النور وخرجت أغلق الباب بهدوء.
صادفت زوجة عمي وهي تعود لغرفتها
- صغيرتي هل نام؟
- اجل رينا لا شك أنه يلعب مع الخراف في الحلم حتى
ضحكنا بخفه على حديثها لتربت على كتفي , انها مقربه مني كثيرا لذلك اناديها باختصار من اسمها لأجعل نفسي مميزه عندها ,ابتسامتها تبث الطمأنينة في قلبي
- لترتاحي انت ايضا غدا يوم طويل
- حسنًا تصبحين على خير
- وانت من اهل الخير صغيرتي
دخلت غرفتي وأغلقت النور وتركت نور خفيف وتمددت على سريري أنظر للسقف
كم أنني ممتنة لعمي وزوجته ,مضى على وفاة أمي وأبي سنتين ومنذ ذلك الوقت إلى الآن هما يعتنيان بي وباخي وكانا بغاية الصبر علينا
كنت قد دخلت بحالة اكتئاب حادة إضافة الى حالة نفسية صعبة جدًا بينما اخي فقد تعرض لصدمه وفقد قدرته على الحديث لشدتها ,حيث اربعتنا تعرضنا لحادث سير مؤلم ومن تأذى بشدة كان أمي وأبي بينما أنا وأخي إصاباتنا لم تكن بخطيرة كثيرًا كوننا نجلس في المقاعد الخلفية ونضع حزام الأمان، والأذى الحقيقي كان في المقدمة حيث أمي وأبي .
وقد تخطيت الأمر بصعوبة كبيره بفضلهما ومنذ فترة قصيرة فقط تخطيت أيضًا رهابي إتجاه السيارات والشاحنات وكل ما يتعلق بالسير على الشارع ليس تماما ولكن بنسبة كبيرة كافية لتجعلي أستطيع العودة للمدينة هنا
فقد كنت طوال السنتين أمشي كطفلة خائفة من ضياع والديها في الشارع وأمسك بيد عمي بقوه دائمًا وفعلت ذلك مجددًا اليوم وأنا أمشي بعدما وصلت المدينة ولولا حبه المهدئ التي أخذتها لكان وضعي سوف يسوء أكثر
لا زال أمامي طريق طويل لا أعلم ما هي نهايته وماذا ينتظرني أثناء السير به ولكن يجب علي تخطي خوفي تمامًا دون الإعتماد على المهدئات في كل مرة سأخرج بها إلى الشارع ,سأحاول قدر المستطاع من أجلي ومن أجل من حولي
المهدئات هي السبب الرئيسي الذي ساعدني على المواجهة، كثرتها مضره أعلم لم آخذ الكثير منه، ولكن عودتي الآن ربما تجعلني آخذ الكثير ولكن سأحاول قدر المستطاع السيطرة على نفسي أكثر
هذا آخر ما كنت افكر به قبل ان أقع رهينة للنوم
.
.
.
الاستيقاظ على صوت المنبه هو أكثر شيء مزعج في الصباح الباكر, حيث تقلبت في سريري لليمين واليسار ولا زال منبه هاتفي صاخبًا لأبعد الغطاء عن رأسي ونهضت أبعد خصلات شعري الطائشة التي التصقت بوجهي أطفئه أخيرًا وانهض ,الساعة لا تزال السابعة صباحًا,ومع ذلك أشعر بأن يومي طويل ولن يكفيني .
جلست على مائدة الإفطار مقابل عمي أتناول الفطور وأنا شاردة , لينتشلني من شرودي عمي
- هل قررت يا صغيرتي ماذا سوف يكون تخصصك؟
رفعت رأسي عن طبقي وتركت شوكتي تستريح على طرفه أتنهد وكان هناك عبء ما
- أجل , سأتخصص في مجال هندسة الديكور
نظر لي عمي بهدوء بينما رينا توقفت بمكانها تناظرني بصدمه لتتحدث بعد ان استغرقت ثوان لتستوعب
- هل أنت متأكدة؟ اعني انت تدرين مقصدي؟
- اجل رينا انا متأكدة
تنهد عمي وابتسم لي بابتسامة دافئة
- حسنا انه مستقبلك في النهاية ونحن بجانبك في أي قرار سوف تسيرين به في حياتك كوني على ثقة من ذلك ,قومي بفعل ما تريدينه ونحن خلفك
ابتسمت له بهدوء وقد لمعت عيناي بسبب دموعي التي تزاحمت على الخروج
- شكرا لكما لتواجدكما بحياتنا لقد عوضنا الله بكما احبكما كثيرا
نهضت بهدوء أحتضنهما بكل قوتي ممتنه لهما
وبعد أن إنتهينا من تناول الفطور أخذت حقيبتي وتأكدت من وجود جميع أوراقي التي احتاجها بها و خرجت للذهاب إلى الجامعة
ولكن تم مقاطعة سيري خارج ساحة المنزل صوت رينا التي قامت بمناداتي
- هل جميع اوراقك وما تحتاجينه معك صغيرتي؟
- اجل رينا لقد تأكدت قبل خروجي من المنزل من كل شيء
- أتمنى لك التوفيق
- شكرا لك
وأكملت سيري الى السيارة لأصعد بجانب عمي حيث سوف يوصلني إلى الجامعة ويتوجه نحو مكان عمله الجديد, كان يبدو علي التوتر الشديد والقلق حيث كنت أضم يداي إلى بعضهما افركهما بتوتر وشعرت بالتعرق الطفيف لذا قام عمي بتشغيل شريط الأغاني المفضلة لدي لأبتسم له بامتنان فمد يده يمسح على شعري بهدوء,لم اخذ مهدئ لأنني أعلم بأنني سأذهب معه وكنت قد قررت أخذها عند العودة.
لقد شعرت بالراحة قليلًا ونسيت خوفي بفضله لقد جعلني بطريقة ما انسى خوفي,وقد وجدت الطريق قصيرًا بالرغم من أنه ليس كذلك,ودعته ونزلت من السيارة ونظرت لسيارته وهو يغادر لعمله
وقفت عند مدخل الجامعة أنظر لها من الخارج وأنا أقبض على يد حقيبتي بتوتر وأنظر لمن يدخل ويخرج ,فأخذت نفس عميق وخطوت أول خطواتي في الجامعة بعد وقوف دام لعدة دقائق ,وتوجهت الى مبنى التسجيل مستعينة بخريطة الجامعة على هاتفي ,ووصلت إلى وجهتي بعدما تهت قليلًا ربما ,وجلست على مقاعد الانتظار ريثما يحين دوري بحسب الرقم الذي على الورقة الصغيرة التي سحبتها من الجهاز فور ما دخلت.
والى ان اتى دوري اكتفيت بالنظر حولي كطفله صغيره تستكشف ما حولها لأول مرة ,إلى أن ظهر الرقم المكتوب على الورقة التي بيدي على شاشة صغيرة فنهضت أخرج اوراقي من حقيبتي وبدأت إجراءات التسجيل
وعدت لترددي وانا انظر للورقة بين يداي حيث خانة التخصص الذي سوف اقوم بتسجيله ,الثوان كانت تمر وكأنها ساعات وشردت قليلا وأنا أمسك بالقلم وأضغط عليه أفرغ ترددي به فتنهدت بثقل وكتبت تخصصي أخيرًا وقمت باعادة الورقة الى الموظفة لتكمل لي رسوم التسجيل وقمت بالدفع واخبرتني ما يجب علي فعله من رسوم للتسجيل
لأقوم بها وبعد مرور ساعه كنت قد أنهيت تسجيلي فخرجت من الكلية أبتسم براحة وانا انظر للورقة التي بيدي حيث قد كتب بها تخصصي وكل تلك الأمور لأضعها بحقيبتي كأنها كنز ثمين ,و تجولت قليلا في الجامعة أستكشفها قليلًا ففي الغد يبدأ التعليم وأنا قد قمت بالتسجيل في آخر لحظة حيث انني كنت اريد تأجيل دراستي أكثر ولكن تحت إصرار جدتي وعمي ها أنا ذا سأبدأ الآن , والحظ قد حالفني فقد كان لا يزال مقاعد دراسية في التخصص الذي اخترته.
وبعد تجولي قد ذهبت للتسوق سيرًا على قدماي فلم يكن بعيد كثيرا عن الجامعة, ربما ربع ساعة سيرًا على الأقدام
وعدت في ساعات الظهر إلى المنزل بعد صراع لركوب الحافلة بالرغم من انني قد تخطيت مخاوفي تقريبًا ولكن لا زال التردد والتفكير يلعب دورا مهما بحياتي ولا يريد أن يعتقني, لدي خيال واسع وهذا يؤثر علي كثيرًا.
وما بين مساعده رينا في أعمالها وما بين الطهو والجلوس مع إيثان هكذا أمضيت بقية يومي إلى أن اتى اليوم التالي فلم يكن هنالك شيء ما يستحق أن يذكر فقد كانت اجواء دافئة افتقدتها أنا وإيثان.
.
.
.
أشعة الشمس اخترقت ستائر الغرفة متجولة في أنحاء الغرفة دون اخذ الإذن وباتت تزعجني بشدة وبدأت بالتقلب كل فترة قصيرة لأنهض وأجلس متنهده بانزعاج, أو أنني إتخذت أشعة الشمس مصدر إزعاج مكان قلقي وتوتري مما أنا مقبلة عليه هذا اليوم
محاضرتي الأولى تبدأ عند الساعة العاشرة لذلك إستيقظت في الساعة الثامنة بعدما رن منبه هاتفي الذي كنت انتظر سماع صوته منذ مدة طويلة،كنت انتظره لأنني لم أكن أريد ان أنهض باكرا حتى عندما طفح الكيل معي من أشعة الشمس كنت قد عدت للتمدد انتظر المنبه
نومي خفيف والتفكير في نمط حياتي الجديد وما سوف اواجهه اليوم جعل الأرق رفيقي في هذه الليلة الطويلة، أن تنتظر الثوان والدقائق لتمر وتشعر بأن الوقت بطيء ولا يمر هو أكثر شيء مزعج، شعرت وكأنني طفلة لديها رحلة مدرسية صباح اليوم التالي ولا تستطيع النوم لشدة حماسها
تنهدت اهذب خصلات شعري أمام المرآة ونزلت للأسفل متوجهة إلى المطبخ لتحضير الفطور الخاص بي وجلست اتناوله بهدوء متصفحه هاتفي والتحدث مع صوفي، وقد عدت لغرفتي بعد تنظيف ما أكلت به وبدأت بتجهيز نفسي للذهاب للجامعة
وها قد بدأت فقرة ماذا سوف ارتدي قلبت ملابسي لليمين ولليسار لاتنهد فأغمضت عيناي وأخذت أول ما امسكت به يدي، بنطال باللون الرمادي ذو خصر عالي و أرجل واسعة، بلوزه بدون أكمام بيضاء اللون وقميص رمادي اللون، أحب أن أشكر نفسي لكوني أحب شراء الملابس التي تأتي ثلاثه بواحد، لكن لدي ملابس متنوعة غيرها أيضًا
أغلقت الخزانة أخيرا وقمت بتبديل ملابسي وسرحت شعري وتركته مرتاح على ظهري والآن اللمسات الأخيرة، وضعت مرطب للوجه واكتفيت بالكحل الأسود والماسكارا ومرطب الشفاه، ارتديت حذاء أبيض واخذت حقيبتي ووضعت بها ما قد أحتاجه وحملت الجهاز اللوحي الخاص بي والسماعات ونزلت وقد كانت رينا برفقة إيثان في المطبخ تعد له الفطور فاقتربت منه وبعثرت شعره لينظر لي بانزعاج فأهديته قبلة على وجنته ليبتسم لي
-ستخرجين الآن؟
-نعم لكي لا أتأخر أكثر، لدي رحلة بحث عن القاعة تعلمين
فضحكت علي لتتقدم وتعانقني فبادلتها العناق استمد منها الدفء والقوة
-أتمنى لكِ التوفيق
-شكرًا لكِ، ستذهبون للطبيب صحيح؟
-أجل بعد قليل
-أخبريني بكل شيء عند عودتكما، أو اتعلمين عندما أعود من الجامعة أفضل
-لا تقلقي، هيا اذهبي كي لا تتأخري أكثر سوف تكوني بخير صحيح؟
-أجل، إلى اللقاء
إبتسامة إيثان معدية حيث كان ينظر الي ويبتسم فابتسمت معه دون أن أشعر وخرجت إلى موقف الحافلات القريب من منزلي وطوال هذه الدقائق القصيرة كنت أضع السماعات أشغل نفسي بسماع الموسيقى سأحاول السيطره على نفسي دون أن اللجوء إلى المهدئات قدر الإمكان
كنت قد فكرت بذلك في الليل مع الأرق, وهذا ما فعلته عندما صعدت إلى الحافلة جعلت صوت الموسيقى أعلى وتجنبت التفكير في أي شيء وامسكت بهاتفي اتصفح كل ما به وكأنني أول مرة أحصل على هاتف لي ولا أصدق أنني نجحت في الهاء نفسي وعدم التفكير بشيء وتنهدت براحة بعدما نزلت من الحافلة واستنشقت الهواء وبدوت كأنه كان هناك ما يعيق دخول الهواء إلى رئتي عبر خنقه لي
وضعت السماعات في حقيبتي وألقيت نظرة سريعة للساعة فكانت تشير إلى التاسعة والنصف هذا جيّد نظرت لبوابة الجامعة والطلاب حولي الذين يدلفون إلى الداخل واندمجت بينهم أنا أيضا واستعنت في خريطة الجامعة الخاصة بالكليات لأنني لم أتذكر أين كانت كلية الموسيقى
أجل اخترت كلية الموسيقى بالفعل, أتمنى ألا أندم على اختياري لاحقا بالرغم من أنها حلمي منذ الصغر
وجدتها أخيرا, وقبل البحث عن القاعة توجهت إلى الكافيتيريا المصغرة واشتريت قنينة مياه فسوف يجف حلقي وأنا أبحث اليوم عن القاعات
وهذا ما حصل بالفعل لقد تهت في كلية يبلغ عدد طوابقها عشرة ربما؟ نعم عشرة تأكدت من ذلك بعدما دخلت المصعد متوجهه إلى الطابق الخامس بعدما فهمت أخيرا أرقام وأحرف القاعة ولم أقم بسؤال اي طالب لكي لا يعلم أنني مستجدة وأصبح محور حديثه بعدما أستدير وأذهب
إبتسامة واسعة احتلت مساحة وجهي بعدما عثرت على القاعة فدخلت وكان بضع طلاب بالفعل في الداخل فتقدمت اجلس أقصى اليمين الطاولة الثانية في المدرج وكان باب القاعة كان مقابل لي
وبقي للمحاضرة عشر دقائق فكان تسليتي باب القاعة أنظر لمن يدخل ومن يمر من أمامه إلى أن امتلأت القاعة تقريبًا وفي تمام الساعة العاشرة دخل البروفيسور وأغلق خلفة باب القاعة
وذلك جعلني أفكر بأننا الآن داخل سجن محاضرتة التي تبلغ مدتها ساعة ونصف والويل لمن لم يدخل قبل أن يغلق الباب
وهذا قد حصل بالفعل فقد رأيت بضع طلاب خلال شرح البروفسور بعد تعريفه عن نفسه وبدأ يشرح عن ماذا سوف نتعلم
يقفون أمام الباب حيث كانوا يظهرون من الزجاج بتوتر والتردد رفيقهم هل يطرقون الباب وطلب الإذن بالدخول أم فقط يرحلون
بعضهم رحل وبعضهم تجرأ وطرق الباب ولكونها أول محاضرة فقد سمح لهم بالدخول
وبعد مضي وقت لا بأس به من المحاضرة تم مقاطعة شرح البروفيسور صوت طرق على الباب وفتحه ودخل شاب فارع القامة وأغلق الباب خلفه ليلقي التحية الصباحية بصوت بارد كالصقيع
وتقدم وهو يضع حقيبته على كتفه الأيمن وجلس على المقعد الأول أمامي حيث لم يجلس أحد
أو لأصف ذلك بشكل دقيق لأن تصرفه كان غريب هو قام برمي حقيبته بعشوائية على الطاولة وجلس يسند ظهره على المقعد ويداه داخل جيوبه ينظر للبروفيسور ليكمل شرحه وهذا ما حصل بعد أن تنهد وهز راسه بيأس
فأعدت نظري الشاب الذي يجلس أمامي بلا مبالاة وشعره الذي اكتسب لون عتمة الليل وهدوءه، لقد غطى مجال رؤيتي لطوله فتنهدت بانزعاج وجلست على الكرسي الآخر بجانبي وعاد مجال رؤيتي أفضل قليلًا، بالتأكيد هو تخطى الطول الطبيعي للانسان الطبيعي الخلل ليس بي
اعدت تشغيل جهازي وعدت للتركيز للشرح وتدوين بعض الملاحظات بتركيز شديد إلى أن مضى وقت المحاضرة وبدأ بأخذ الحضور والغياب أشعر بأنني في المدرسة لم عليهم التدقيق لهذه الدرجة!! ظننت أنهم لا يهتمون لمن يحضر ومن لا يحضر
إذ أسندت وجنتي على راحة يدي وفقط انتظرت إلى أن سمعت إسمي فرفعت يدي لكي يراني من بين الحضور أو لكي أظهر بشكل أوضح من خلف العامود الذي يجلس أمامي
خمس دقائق أخرى وخرجنا أخيرًا بعد أن إنتهى، أشعر بالحرية بالفعل والتي كادت أن تفسد لمرور الطلاب من جانبي بشكل سريع
من الواضح أننا جميعنا شعرنا بالاختناق في الداخل لطول المحاضرة
أود أن أذكر نفسي اننا لا زلت في أول ساعتين من أربع سنوات، لا يهم
محاضرتي التالية بعد ساعة لذلك وجهتي الآن هي الكافتيريا لتناول الطعام والتجول قليلا في الكلية لمعرفة قاعة المحاضرة التالية
وأثناء تناولي للطعام كنت فقط أنظر لمن حولي لكي لا أشعر بالملل إلى أن انتهيت وأخذت أغراضي وبدأت امشي من الطابق الأخير أتعرف على الكلية و ارقام القاعات وما يوجد في الطابق بشكل عام ومع انتهائي من كل طابق انتقل الى التالي إلى أن وصلت إلى الطابق الأرضي حيث لا يتواجد به أحد تقريبا
وقد جذبني صوت موسيقى يصدح في مكان ما في هذا الطابق والفصول قادني لأتبعه امشي هنا وهناك أحاول المعرفة من أين يأتي الصوت بالضبط
إلى أن عثرت على الزاوية التي يأتي منها الصوت وأتبعته الى أن اصبح الصوت أكثر وضوح إلى أن وصلت إلى باب مغلق
وهنا خضت محادثه بين فضولي والذي أراد ان يدخل وبشدة وبين عقلي الذي يحاول منعه لكي لا أكون بموقف محرج
ولكن جانبي الفضولي غالبا ما يفوز لذلك رفعت يدي لمقبض الباب وفتحته
وكان ممر وبه أغراض كثيره هنا وهناك على جانبي الممر وعندما مشيت قليلًا علمت أنني دخلت مسرح وهذا هو الباب الخلفي له لذلك هذه الأغراض هنا هي أدوات للمسرح
قبضت بيدي على حمالة حقيبتي وسرت ببطء لم يكن الممر طويل كثيرا إذ بعد عدة خطوات اتضح لي المسرح وقد كان ضخمً والوقوف عليه يولد شعور مهيب
والمقاعد المتراصة بجانب بعضها البعض باللون الخمري قد جذب نظري
ولكن لم يدم الا عده ثوان حيث نظرت إلى الشخص الذي كان يرقص، خفه حركاته ورقصه قد اذهلتني إذ شعرت وكأنه لا يرقص على خشبة مسرح بل وكأنه فوق الغيوم
خطواته خفيفة رشيقة بشكل جعلني اقف متصنمه أتابعه ينتقل هنا وهناك دون ملل
وما جعلني ادهش واضع يدي على فمي كاتمة شهقتي هو إدراكي أنه ذات الشاب الذي دخل متأخرا إلى المحاضرة وجلس امامي
ولكن أنزلت يدي عندما أدركت أنه لن يسمعني كون الموسيقى عالية ولن يراني حيث انني عند الممر بعيدة عنه
تعرفت عليه من ملابسه مكتسحه السواد من الأعلى للأسفل حتى حذائه وحقيبته التي قد رماها بعشوائية على خشبة المسرح
ما قصته مع العشوائية؟ هل هما بعلاقة قوية!!
أعدت نظري إليه وركزت على رقصه الذي جعلني أغيب عن أرض الواقع لمده لم أعرفها إلا عندما انقطع صوت الموسيقى
وكل ما يسمع هو صوت أنفاسه اللاهثة وصدره الذي يرتفع وينخفض بوتيرة سريعة هو الشاهد على ذلك
لماذا شعرت وكأن رقصه يعبر عما بداخله!
أعني كان رقصه يبدو وكأنه يعبر عن مشاعر مكنونة بداخله لمدة لا أحد يعلم بها غيره رقصه وكأنه غاضب ويفرغ ما بداخله عبر رقصه بالرغم من خفة خطواته
ولكن هذا ليس وقته يجب علي الخروج قبل ملاحظتي
وعندما استدرت للمغادرة اصطدمت بأحد الصناديق على الأرض لأعض شفتي بقوه ومشيت بخطوات سريعة إلى أن حدث ما هربت منه
-من هناك؟ فلتخرج قبل أن آتي بنفسي لاخراجك
أغمضت عيناي بقوة وتنفست بعمق وعاودت الاستدارة كالمرأة الآلية وتقدمت ببطئ أنظر الى قدماي لديه نظره تثقب الروح لشدة حدتها ملونة بالأزرق الداكن
وصدمت عندما رفعت رأسي ورأيته قريب مني تبقى بيننا عدة خطوات خطواته خفيفه فعلًا وكان بيده قنينة مياه باردة مثله
عقد حاجبيه ينظر لي من الأعلى إلى اخمص قدماي بنظرة لم تريحني ابدا
-ماذا تفعلين هنا؟ ومن سمح لك بالدخول؟
-فقط كنت أبحث عن القاعة ودخلت عن طريق الخطأ
-عن طريق الخطأ وأكملت طريقك إلى الداخل هل تمزحين معي؟، أم تحسبيني غبي لاصدق!!
ما خطب هذا المتعجرف!! من يحسب نفسه
-عن طريق الخطأ كنت أبحث عن قاعة محاضرتي فأنا طالبة سنة أولى هل هذا أرضى سؤالك؟
عقد حاجبيه بغضب واضح ورأيت السواد بعيناه تلك
-لم اسألك عن قصة حياتك
-من تعتقد نفسك؟ لقد سألت وأنا أجبتك إنتهى الأمر
نظرت له باستعلاء ردا له والتفت لكي أغادر لكي يأتيني صوته الغاضب
-ممنوع الدخول دون إذن مني هذه أول وآخر مره الزمي حدودك
فالتفتت له وكان قد أدار ظهره ويتجه نحو حقيبته
-ليس وكأن الجامعة ملك لوالديك لكي تأمرني بذلك يا لك من متعجرف، تحلى ببعض الأخلاق والاحترام
أمسك بحقيبته ينظر لي بحقد طاغ على سحنته
-لدي الفضول لردة فعلك عندما تعلمين
وغادر من الباب الذي دخلته انا لامشي انا أيضا لاغادر وقح عديم التربية والأخلاق هذا ما كان ينقصني في يومي الأول
Коментарі