1
وصلت ماخرة طيبة أخيرا للميناء السوداني، بعد رحلة يوم كامل من جدة في السعودية و حتى سواكن، و بسبب صغر حجمها مقارنة ببقية السفن و عدم ثباتها تقاذفتها الأمواج كلقطعة خشب في وسط المحيط، عانى جميع الركاب بلا استثناء للدوار و القيء و الغثيان أثناء الرحلة التي ظنها بعضهم الأخيرة.
خرج الجميع أخيرا من كتلة الحديد ليتنفسوا الصعداء و يمتعوا أنظارهم برؤية أرض الوطن مجددا، الهواء عليل صاف و الشمس ساطعة في كبد السماء بلهيبها الأزلي في القارة السمراء، عبر المسافرون واحدا تلو آخر نحو إجراءات التخليص التي تستغرق بضعة ساعات، ليذهبوا بعدها للتوزع في الفنادق التي ستضمهم لليلة واحدة قبل سفرهم كل لمدينته.
ابتسمت السيدة رجاء بإرهاق و هي تجر الحقيبة السوداء الكبيرة، لتنظر حولها بابتسامة و تشعر بالراحة أخيرا كونها استغنت عن ارتداء العباءة و النقاب في السعودية بثوبها السوداني الجميل، بينما شعور بالمرارة المتكررة يراودها لترك زوجها مجددا في الغربة وحيدا.
كان أبناؤها يسيرون خلفها يجرون بقية الأمتعة، حقيبة و سلة طعام و كيس، ليصعدوا للحافلة التي ستقلهم لفندق الأسكلة المتواضع حيث سيبيتون.
صعد الجميع الحافلة بإرهاق ليراقبوا الطريق و المدينة الساحلية العتيقة، كان عبد العزيز الصغير ذو الثلاث سنوات نائما في حجر والدته، بينما لمى التي تكبره بعامين تجلس قرب والدتها لتحدثها بحماس عن شوقها الشديد لالتحاقها للمدرسة هذا العام، بينما سهام و سعاد تتحادثان ببعض الأسف لانتهاء العطلة، و ليلى مكثت قرب شخص غريب تراقب عبر النافذة كما اعتادت.
وصلت الحافلة في أقل من ربع ساعة للنزل المتواضع، بناء من طابق واحد يحده سور من القرميد و تعلو بوابته لافتة تحمل بالخط العريض: الأسكلة.
دخل المسافرون أفواجا للإستقبال لتستلم كل عائلة مفتاح غرفة واحدة ستؤويهم و أمتعتهم لصباح اليوم التالي،
كان المحيط بالمبنى مساحة واسعة مفروشة بالحصى متنوعة الأشكال و الأحجام، انتشرت بعض الأسرة للنوم عليها ليلا و كذلك المراحيض التي تصطف في خارج المبنى السكني للنساء و في الجهة البعيدة للرجال،
دخلت السيدة رجاء الغرفة مع أبنائها الخمسة ليغلقوا الباب خلفهم و يتنفسوا الصعداء،
كانت غرفة ضيقة، مع مروحة بالكاد تعمل و لا تغني شيئا من لهيب الحر، و نافذة كبيرة تطل على الباحة الخارجية،
ثلاثة أسرة في ركني الغرفة و حوائط متقشرة الدهان تنتشر فيها الكتابات.
وضعت الأسرة أمتعتهم في الركن ليجلسوا على الأسرة بإنهاك، جلست السيدة رجاء لتبحث في السلة عن الطعام الذي حملوه معهم لتخرج علبة المربى و الطحنية و كيس الرغيف، تجمع الصغار لتصنع شطيرة لكل منهم و تقدمها له ليتناولوا طعامهم بسرعة، استلقى البعض ليغطوا في النوم ما عدا سهام الكبرى التي كانت تلهو بهاتف والدتها، و ليلى التي كانت تنظر عبر نافذة الغرفة لتنشق بعض النسمات،
التفتت لوالدتها لتسألها:
- لماذا تسمى مدينة سواكن هكذا؟
اتكأت والدتها على الفراش لتجيبها:
- إنها مدينة قديمة جدا، منذ حتى قبل زمن الرسول، قيل أن سيدنا سليمان عليه السلام كان يسجن الجن العاصين له هنا، لذلك سميت سواجن، و الآن صارت الكلمة سواكن.
ابتلعت ليلى ريقها لتتساءل:
- هل يوجد جن هنا؟
تمددت الوالدة على السرير قرب عبد العزيز النائم لتجيبها بينما تغمض عينيها:
- ربما، الجن موجودون في كل مكان.
لكن يقال أنهم يسكنون في هذه المدينة منذ وقت طويل، لذلك لا تزال أغلب الآثار و المنازل القديمة متهدمة لا تستطيع الحكومة ترميمها.
أومأت ليلى ليكسو القلق محياها و هي تجيل بصرها في أرجاء المكان، لتستلقي و تتكور على نفسها مفكرة.
أوشكت الشمس على المغيب، ليبدأ جميع من في النزل بحمل أسرتهم للنوم في الفسحة الخارجية حيث الهواء الطلق،
أخرجت رجاء الأسرة الثلاثة بمساعدة سهام، سعاد و ليلى للخارج بينما عوائل كثيرة اجتمعت هناك ليتسامروا و يقضوا ليلة تحت النجوم،
التفتت رجاء للأبناء الأصغر لتخاطبهم:
- ليلى، لمى، هيا لدورة المياه، لا أريد أن أرى فراشا مبللا في الصباح.
ضحكت سعاد و سهام بينما ترمقان ليلى بنظرات ذات مغزى،
لتشيح وجهها بغضب و تذهب مع والدتها للحمامات القريبة.
ركضت لمى لتسبق والدتها لتلحقها ليلى بسعادة، بينما رجاء تحمل عبد العزيز و تسير ببطء، وصلت الفتاتان لتجدا أغلب دورات المياه مشغولة، و قطا أسود على الحائط المقابل يحدق نحوهما بنظرات شديدة.
أوجست الصغيرتان خيفة لتتوقفا و تراقبا القط بصمت، وصلت رجاء لتسألهما باستغراب:
- ما الأمر؟
لاحظت رجاء القط الأسود الذي يرمق أطفالها بنظرات غريبة لتهشه بيدها قائلة:
- هش! ابتعد!
لم يتزحزح القط من مكانه لتستغرب رجاء و تحاول طرده مجددا، لم يتزحزح القط و لا ابتعدت نظراته، أوجست رجاء في نفسها خيفة و بدأت بقراءة المعوذات بصوت مسموع،
إلى أن وصلت لآية الكرسي، حينها أخفض القط رأسه و سار مبتعدا عن دورة المياه ليغيب بعيدا.
حدقت الصغيرتان نحو والدتهما لتردف بينما تتنهد براحة:
- اذهبا هيا للحمام! سأنتظركما في الخارج!
عادت لمى و ليلى برفقة رجاء للساحة لتسرعا بإخبار سعاد و سهام بما جرى، لتجيبهم رجاء بينما تغطي الصغير النائم:
- إنه جني، الجن لا يتأثرون بالقرآن عدا آية الكرسي، تحمينا منهم. لذلك ذهب منا بعيدا.
تنهدت ليلى بقلق لتتكور في الفراش و هي تحاول نسيان ما جرى، لتلتصق بسعاد في السرير و تردد آية الكرسي كثيرا بغرض الحماية من أي جني في ذلك النزل و تلك المدينة المسكونة.
خرج الجميع أخيرا من كتلة الحديد ليتنفسوا الصعداء و يمتعوا أنظارهم برؤية أرض الوطن مجددا، الهواء عليل صاف و الشمس ساطعة في كبد السماء بلهيبها الأزلي في القارة السمراء، عبر المسافرون واحدا تلو آخر نحو إجراءات التخليص التي تستغرق بضعة ساعات، ليذهبوا بعدها للتوزع في الفنادق التي ستضمهم لليلة واحدة قبل سفرهم كل لمدينته.
ابتسمت السيدة رجاء بإرهاق و هي تجر الحقيبة السوداء الكبيرة، لتنظر حولها بابتسامة و تشعر بالراحة أخيرا كونها استغنت عن ارتداء العباءة و النقاب في السعودية بثوبها السوداني الجميل، بينما شعور بالمرارة المتكررة يراودها لترك زوجها مجددا في الغربة وحيدا.
كان أبناؤها يسيرون خلفها يجرون بقية الأمتعة، حقيبة و سلة طعام و كيس، ليصعدوا للحافلة التي ستقلهم لفندق الأسكلة المتواضع حيث سيبيتون.
صعد الجميع الحافلة بإرهاق ليراقبوا الطريق و المدينة الساحلية العتيقة، كان عبد العزيز الصغير ذو الثلاث سنوات نائما في حجر والدته، بينما لمى التي تكبره بعامين تجلس قرب والدتها لتحدثها بحماس عن شوقها الشديد لالتحاقها للمدرسة هذا العام، بينما سهام و سعاد تتحادثان ببعض الأسف لانتهاء العطلة، و ليلى مكثت قرب شخص غريب تراقب عبر النافذة كما اعتادت.
وصلت الحافلة في أقل من ربع ساعة للنزل المتواضع، بناء من طابق واحد يحده سور من القرميد و تعلو بوابته لافتة تحمل بالخط العريض: الأسكلة.
دخل المسافرون أفواجا للإستقبال لتستلم كل عائلة مفتاح غرفة واحدة ستؤويهم و أمتعتهم لصباح اليوم التالي،
كان المحيط بالمبنى مساحة واسعة مفروشة بالحصى متنوعة الأشكال و الأحجام، انتشرت بعض الأسرة للنوم عليها ليلا و كذلك المراحيض التي تصطف في خارج المبنى السكني للنساء و في الجهة البعيدة للرجال،
دخلت السيدة رجاء الغرفة مع أبنائها الخمسة ليغلقوا الباب خلفهم و يتنفسوا الصعداء،
كانت غرفة ضيقة، مع مروحة بالكاد تعمل و لا تغني شيئا من لهيب الحر، و نافذة كبيرة تطل على الباحة الخارجية،
ثلاثة أسرة في ركني الغرفة و حوائط متقشرة الدهان تنتشر فيها الكتابات.
وضعت الأسرة أمتعتهم في الركن ليجلسوا على الأسرة بإنهاك، جلست السيدة رجاء لتبحث في السلة عن الطعام الذي حملوه معهم لتخرج علبة المربى و الطحنية و كيس الرغيف، تجمع الصغار لتصنع شطيرة لكل منهم و تقدمها له ليتناولوا طعامهم بسرعة، استلقى البعض ليغطوا في النوم ما عدا سهام الكبرى التي كانت تلهو بهاتف والدتها، و ليلى التي كانت تنظر عبر نافذة الغرفة لتنشق بعض النسمات،
التفتت لوالدتها لتسألها:
- لماذا تسمى مدينة سواكن هكذا؟
اتكأت والدتها على الفراش لتجيبها:
- إنها مدينة قديمة جدا، منذ حتى قبل زمن الرسول، قيل أن سيدنا سليمان عليه السلام كان يسجن الجن العاصين له هنا، لذلك سميت سواجن، و الآن صارت الكلمة سواكن.
ابتلعت ليلى ريقها لتتساءل:
- هل يوجد جن هنا؟
تمددت الوالدة على السرير قرب عبد العزيز النائم لتجيبها بينما تغمض عينيها:
- ربما، الجن موجودون في كل مكان.
لكن يقال أنهم يسكنون في هذه المدينة منذ وقت طويل، لذلك لا تزال أغلب الآثار و المنازل القديمة متهدمة لا تستطيع الحكومة ترميمها.
أومأت ليلى ليكسو القلق محياها و هي تجيل بصرها في أرجاء المكان، لتستلقي و تتكور على نفسها مفكرة.
أوشكت الشمس على المغيب، ليبدأ جميع من في النزل بحمل أسرتهم للنوم في الفسحة الخارجية حيث الهواء الطلق،
أخرجت رجاء الأسرة الثلاثة بمساعدة سهام، سعاد و ليلى للخارج بينما عوائل كثيرة اجتمعت هناك ليتسامروا و يقضوا ليلة تحت النجوم،
التفتت رجاء للأبناء الأصغر لتخاطبهم:
- ليلى، لمى، هيا لدورة المياه، لا أريد أن أرى فراشا مبللا في الصباح.
ضحكت سعاد و سهام بينما ترمقان ليلى بنظرات ذات مغزى،
لتشيح وجهها بغضب و تذهب مع والدتها للحمامات القريبة.
ركضت لمى لتسبق والدتها لتلحقها ليلى بسعادة، بينما رجاء تحمل عبد العزيز و تسير ببطء، وصلت الفتاتان لتجدا أغلب دورات المياه مشغولة، و قطا أسود على الحائط المقابل يحدق نحوهما بنظرات شديدة.
أوجست الصغيرتان خيفة لتتوقفا و تراقبا القط بصمت، وصلت رجاء لتسألهما باستغراب:
- ما الأمر؟
لاحظت رجاء القط الأسود الذي يرمق أطفالها بنظرات غريبة لتهشه بيدها قائلة:
- هش! ابتعد!
لم يتزحزح القط من مكانه لتستغرب رجاء و تحاول طرده مجددا، لم يتزحزح القط و لا ابتعدت نظراته، أوجست رجاء في نفسها خيفة و بدأت بقراءة المعوذات بصوت مسموع،
إلى أن وصلت لآية الكرسي، حينها أخفض القط رأسه و سار مبتعدا عن دورة المياه ليغيب بعيدا.
حدقت الصغيرتان نحو والدتهما لتردف بينما تتنهد براحة:
- اذهبا هيا للحمام! سأنتظركما في الخارج!
عادت لمى و ليلى برفقة رجاء للساحة لتسرعا بإخبار سعاد و سهام بما جرى، لتجيبهم رجاء بينما تغطي الصغير النائم:
- إنه جني، الجن لا يتأثرون بالقرآن عدا آية الكرسي، تحمينا منهم. لذلك ذهب منا بعيدا.
تنهدت ليلى بقلق لتتكور في الفراش و هي تحاول نسيان ما جرى، لتلتصق بسعاد في السرير و تردد آية الكرسي كثيرا بغرض الحماية من أي جني في ذلك النزل و تلك المدينة المسكونة.
Коментарі