الوداع الأخير
ففتح رسول الله صلى الله عليه وآله عينيه، وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه، ولكن قولي: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) فبكت طويلا فأومأ إليها بالدنو منه فدنت منه، فأسر إليها شيئا تهلل وجهها له.
ثم قُبِض (صلى الله عليه وآله) ويد أمير المؤمنين (عليه السلام) اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره واشتغل بالنظر في أمره.
قال سلمان (رضوان الله عليه): أتيت علياً (عليه السلام) وهو يغسل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد كان أوصى أن لا يغسله غير علي (عليه السلام)، وأخبر أنه لا يريد أن يقلب منه عضوا إلا قلب له، وقد
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله): من يعينني على غسلك يا رسول الله؟ قال: جبرئيل.
فلما غسله وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسناً وحسيناً (عليهم السلام) فتقدم وصففنا خلفه فصلى عليه وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ جبرئيل ببصرها ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار فيصلون ويخرجون، حتى لم يبق من المهاجرين والأنصار إلا صلى عليه.
فقال العباس بن عبدالمطلب لأمير المؤمنين (عليه السلام): أبسط يدك أبايعك، فيقال: عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويبايعك أهل بيتك، فإن هذا الأمر إذا كان لم يقل، فقال له: ومن يطلب هذا الأمر غيرنا؟
فسمعوا التكبير في المسجد ولم يفرغوا من غسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! فقال علي (عليه السلام): ما هذا؟ فقال العباس: ما رئي مثل هذا قط، ما قلت لك؟!
فوضع أمير المؤمنين رسول الله (عليهما السلام) على يديه ودلاه في حفرته، ونزل علي القبر فكشف عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووضع خده على الأرض موجها إلى القبلة على يمينه، ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب، وكان ذلك في يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من هجرته (صلى الله عليه وآله)
وأصبحت فاطمة (عليها السلام) تنادي: وا سوء صباحاه، فسمعها أبو بكر
فقال لها: إن صباحك لصباح سوء!.
فجلس أمير المؤمنين في المسجد، فاجتمع إليه بنو هاشم وجماعة من أصحابه منهم الزبير بن العوام، فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع،
فقالوا لهم: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، فوثب الزبير إلى سيفه
فقال عمر: عليكم بالكلب فاكفونا شره، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر فلما حضروا قالوا بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، وأيم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف.
فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع حتى لم يبق ممن حضر إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام)
فقال له: بايع أبا بكر
فقال علي: أنا أحق بهذا الامر منه وأنتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله، وتأخذونه منا أهل البيت غصبا ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الامر منهم لمكانكم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأعطوكم المقادة، وسلموا لكم الامارة، وأنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله حيا وميتا وأنا وصيه ووزيره ومستودع سره وعلمه، وأنا الصديق الأكبر أول من آمن به وصدقه، وأحسنكم بلاء في جهاد المشركين، وأعرفكم بالكتاب والسنة وأفقهكم في الدين وأعلمكم بعواقب الأمور، وأذربكم لسانا، وأثبتكم جنانا فعلام تنازعونا هذا الامر، أنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم واعرفوا لنا من الامر مثل ما عرفته الأنصار لكم، وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون.
فقال عمر: أما لك بأهل بيتك أسوة؟
فقال علي (عليه السلام): سلوهم عن ذلك. فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم
فقالوا: ما بيعتنا بحجة على علي (عليه السلام)، ومعاذ الله أن نقول أنا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد والمحل من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال عمر: إنك لست متروكاً حتى تبايع طوعا أو كرها،
فقال علي (عليه السلام): احلب حلبا لك شطره، اشدد له اليوم ليرد عليك غدا، إذا والله لا أقبل قولك ولا أحفل بمقامك ولا أبايع.
فقال بشير بن سعد الأنصاري،
وقالت جماعة الأنصار: يا أبا الحسن لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك قبل الانضمام لأبي بكر، ما اختلف فيك اثنان فقال علي (عليه السلام): يا هؤلاء أكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسجى لا أواريه وأخرج أنازع في سلطانه؟ والله ما خفت أحداً يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه، ويستحل ما استحللتموه ولا علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ترك يوم غدير خم لأحد حجة ولا لقائل مقالا، فأنشد الله رجلا سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم يقول من كنت مولاه فهذا على مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، أن يشهد بما سمع، قال زيد بن أرقم: فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك وكنت ممن سمع القول من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكتمت الشهادة يومئذ فذهب بصري.
قال: وكثر الكلام في هذا المعنى، وارتفع الصوت، وخشي عمر أن يُصغى إلى قول علي (عليه السلام) ففسخ المجلس،
وقال: إن الله تعالى يقلب القلوب و الأبصار، ولا يزال يا أبا الحسن ترغب عن قول الجماعة، فانصرفوا يومهم ذلك.
ثم قُبِض (صلى الله عليه وآله) ويد أمير المؤمنين (عليه السلام) اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره واشتغل بالنظر في أمره.
قال سلمان (رضوان الله عليه): أتيت علياً (عليه السلام) وهو يغسل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد كان أوصى أن لا يغسله غير علي (عليه السلام)، وأخبر أنه لا يريد أن يقلب منه عضوا إلا قلب له، وقد
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله): من يعينني على غسلك يا رسول الله؟ قال: جبرئيل.
فلما غسله وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسناً وحسيناً (عليهم السلام) فتقدم وصففنا خلفه فصلى عليه وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ جبرئيل ببصرها ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار فيصلون ويخرجون، حتى لم يبق من المهاجرين والأنصار إلا صلى عليه.
فقال العباس بن عبدالمطلب لأمير المؤمنين (عليه السلام): أبسط يدك أبايعك، فيقال: عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويبايعك أهل بيتك، فإن هذا الأمر إذا كان لم يقل، فقال له: ومن يطلب هذا الأمر غيرنا؟
فسمعوا التكبير في المسجد ولم يفرغوا من غسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! فقال علي (عليه السلام): ما هذا؟ فقال العباس: ما رئي مثل هذا قط، ما قلت لك؟!
فوضع أمير المؤمنين رسول الله (عليهما السلام) على يديه ودلاه في حفرته، ونزل علي القبر فكشف عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووضع خده على الأرض موجها إلى القبلة على يمينه، ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب، وكان ذلك في يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من هجرته (صلى الله عليه وآله)
وأصبحت فاطمة (عليها السلام) تنادي: وا سوء صباحاه، فسمعها أبو بكر
فقال لها: إن صباحك لصباح سوء!.
فجلس أمير المؤمنين في المسجد، فاجتمع إليه بنو هاشم وجماعة من أصحابه منهم الزبير بن العوام، فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع،
فقالوا لهم: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، فوثب الزبير إلى سيفه
فقال عمر: عليكم بالكلب فاكفونا شره، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر فلما حضروا قالوا بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، وأيم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف.
فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع حتى لم يبق ممن حضر إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام)
فقال له: بايع أبا بكر
فقال علي: أنا أحق بهذا الامر منه وأنتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله، وتأخذونه منا أهل البيت غصبا ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الامر منهم لمكانكم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأعطوكم المقادة، وسلموا لكم الامارة، وأنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله حيا وميتا وأنا وصيه ووزيره ومستودع سره وعلمه، وأنا الصديق الأكبر أول من آمن به وصدقه، وأحسنكم بلاء في جهاد المشركين، وأعرفكم بالكتاب والسنة وأفقهكم في الدين وأعلمكم بعواقب الأمور، وأذربكم لسانا، وأثبتكم جنانا فعلام تنازعونا هذا الامر، أنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم واعرفوا لنا من الامر مثل ما عرفته الأنصار لكم، وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون.
فقال عمر: أما لك بأهل بيتك أسوة؟
فقال علي (عليه السلام): سلوهم عن ذلك. فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم
فقالوا: ما بيعتنا بحجة على علي (عليه السلام)، ومعاذ الله أن نقول أنا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد والمحل من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال عمر: إنك لست متروكاً حتى تبايع طوعا أو كرها،
فقال علي (عليه السلام): احلب حلبا لك شطره، اشدد له اليوم ليرد عليك غدا، إذا والله لا أقبل قولك ولا أحفل بمقامك ولا أبايع.
فقال بشير بن سعد الأنصاري،
وقالت جماعة الأنصار: يا أبا الحسن لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك قبل الانضمام لأبي بكر، ما اختلف فيك اثنان فقال علي (عليه السلام): يا هؤلاء أكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسجى لا أواريه وأخرج أنازع في سلطانه؟ والله ما خفت أحداً يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه، ويستحل ما استحللتموه ولا علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ترك يوم غدير خم لأحد حجة ولا لقائل مقالا، فأنشد الله رجلا سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم يقول من كنت مولاه فهذا على مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، أن يشهد بما سمع، قال زيد بن أرقم: فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك وكنت ممن سمع القول من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكتمت الشهادة يومئذ فذهب بصري.
قال: وكثر الكلام في هذا المعنى، وارتفع الصوت، وخشي عمر أن يُصغى إلى قول علي (عليه السلام) ففسخ المجلس،
وقال: إن الله تعالى يقلب القلوب و الأبصار، ولا يزال يا أبا الحسن ترغب عن قول الجماعة، فانصرفوا يومهم ذلك.
Коментарі