الشروق الأخير .
"شُكرََا للبحر الذي استقبلنا بلا حاجة للتأكد من أوراق الهوية ..
دون رغبة في معرفة عرقنا أو الدين الذي نَتبِعُه ."
بمُجرد شروق الشمس سنرحل و سيبقى أثرنا إلى الأبد .
نظر عبدُ العزيز إلى البحر الواسِع بينما ينزلق على الرِمال الساخنة التي استلقى عليها ، أراد أن يشكرها هي الأخرى لأنها سمحت لهُ أن ينام في الوطن .. لأول مرة مُنذ زمن دون أن يخشى الموت ، ولو حتى لدقائق ،
لم يستغرق الكثير مِن الوقت لتغرورق عيناه بالدموع " الشمس تؤذي عيناي " برر لصديقه خالد المستلقي بجانبهُ رغم أنه لم يلاحظ دموعه ، لمَ تُبرر يا العزيز؟ لمْ يجد إجابة .
" سنرحل يا عبد العزيز " ليقف و يحمل الحقيبة التي تمتلئ بآخر كُل شيء ، آخر صور لعائلته التي تبقت بعد ما سقط المنزل إثر القصف ، دِبلة خُطبته و مُصحف والده .
صعد عبد العزيز و رفيقه .. متجاهلََا السماء الرمادية التي غطت المدينة ، و ذلك الخراب الأشبه بالوحش الذي لم يترُك بِناية إلا و إلتهمها غير مهتمََا بتلك الأرواح التي يحصدها ،
و الأكثر ألمًا لعبد العزيز هو أن هذا الخراب كيان إنساني طامع .
ذلك القارب الذي يحمل ثلاثة أُسر و عبد العزيز و صديقه ، كان أبرزهم تِلك الأُم التي تحمل على ظهرها طفلين و في يدها كف السيدة العجوز ، كانت حريصة على أن لا تُفلت يدها ،
نحن هُنا في هذا القارب ، كمجموعة من العُملات الورقية في محفظة مليونير ، إذا سقط بعض مِنا فلا مشكلة حتى لو سقطت المحفظة كاملة، فلا مشكلة ، نحن في كُل مكان و تلك المحفظة المسماة باللجوء مُنذ أن دخلناها دون اختيار أصبحنا لاجئين .
— " ما الذي ينتظرنا خلف البحر ؟ " سأل الطفل الجالس بجانب جدتة ليجيب خالد " وظائف بسيطة و بيوت آمنة و ساعات الصبح الأولى نستمتع بيها في المنتزهات بدلََا من أن نكون في الخنادق "،
لقد كان خالد سعيد فعلًا و متفائلًا ، ما الذي ينتظرنا خلف البحر ؟ جنود يثقبون القارب و كأننا لا نقل خطورة عن الطاعون ، و حتى لو وصلنا إلى بر الأمان قد يبثقنا ذلك البر دون سبب واضح.
البحرُ حولنا في كُل اتجاه ، و تلك الجدة التي اتضح أنها تعاني من الزهايمر ، تحكي لأطفالها عن رحلتها إلى فرنسا عندما كانت صغيرة ، و عن ذلك البيت الذي طبع أولادها و أحفادها بصماتهم على جدرانها .. ثم تعود بعد دقائق تنسى اسم ابنتها .
هل ستقبل بنا فرنسا اليوم ؟ اليوم نحن في القائمة السوداء ، نحن الذي لا نمتلك سوى الحقيبة التي تحتوي على آخر كُل شيء يُقال أننا دُعاة للإرهاب ، قد يتجاوز الأمر حدود تفضيل رنا - حبيبه خالد - سبيستيان لجنسيتهُ ، قد تتذلل رنا لـ سبيستيان لجنسيته ، ورقة الهوية .. تلك البُقعه التي تولد فيها قد تكون لعنة إلى أبد الدهر.
نحن هُنا في عرض البحر ، قد يفتح فمهُ و يبتلعنا دون أن يعرف أحدََا عنا شيء ، لن يعرفوا شيئََا إلا إذا ظهرت جُثة طفل على الشاطئ زرقاء ممتلئة بالماء أو متعفنة.
و حتى لو وصلنا لبر الأمان فالجسد في بلد والروح في بلد ، عقلٌ هُنا و عقلٌ هُناك لا مجال للراحة ، لم يعد الموت هو الهاجس الأول بعد الأن فالهواجس تأكل في عقل عزيز بلا رحمة ..
***
جميع الحقوق محفوظه ®
٢٥.٧.٢٠٢٠
دون رغبة في معرفة عرقنا أو الدين الذي نَتبِعُه ."
بمُجرد شروق الشمس سنرحل و سيبقى أثرنا إلى الأبد .
نظر عبدُ العزيز إلى البحر الواسِع بينما ينزلق على الرِمال الساخنة التي استلقى عليها ، أراد أن يشكرها هي الأخرى لأنها سمحت لهُ أن ينام في الوطن .. لأول مرة مُنذ زمن دون أن يخشى الموت ، ولو حتى لدقائق ،
لم يستغرق الكثير مِن الوقت لتغرورق عيناه بالدموع " الشمس تؤذي عيناي " برر لصديقه خالد المستلقي بجانبهُ رغم أنه لم يلاحظ دموعه ، لمَ تُبرر يا العزيز؟ لمْ يجد إجابة .
" سنرحل يا عبد العزيز " ليقف و يحمل الحقيبة التي تمتلئ بآخر كُل شيء ، آخر صور لعائلته التي تبقت بعد ما سقط المنزل إثر القصف ، دِبلة خُطبته و مُصحف والده .
صعد عبد العزيز و رفيقه .. متجاهلََا السماء الرمادية التي غطت المدينة ، و ذلك الخراب الأشبه بالوحش الذي لم يترُك بِناية إلا و إلتهمها غير مهتمََا بتلك الأرواح التي يحصدها ،
و الأكثر ألمًا لعبد العزيز هو أن هذا الخراب كيان إنساني طامع .
ذلك القارب الذي يحمل ثلاثة أُسر و عبد العزيز و صديقه ، كان أبرزهم تِلك الأُم التي تحمل على ظهرها طفلين و في يدها كف السيدة العجوز ، كانت حريصة على أن لا تُفلت يدها ،
نحن هُنا في هذا القارب ، كمجموعة من العُملات الورقية في محفظة مليونير ، إذا سقط بعض مِنا فلا مشكلة حتى لو سقطت المحفظة كاملة، فلا مشكلة ، نحن في كُل مكان و تلك المحفظة المسماة باللجوء مُنذ أن دخلناها دون اختيار أصبحنا لاجئين .
— " ما الذي ينتظرنا خلف البحر ؟ " سأل الطفل الجالس بجانب جدتة ليجيب خالد " وظائف بسيطة و بيوت آمنة و ساعات الصبح الأولى نستمتع بيها في المنتزهات بدلََا من أن نكون في الخنادق "،
لقد كان خالد سعيد فعلًا و متفائلًا ، ما الذي ينتظرنا خلف البحر ؟ جنود يثقبون القارب و كأننا لا نقل خطورة عن الطاعون ، و حتى لو وصلنا إلى بر الأمان قد يبثقنا ذلك البر دون سبب واضح.
البحرُ حولنا في كُل اتجاه ، و تلك الجدة التي اتضح أنها تعاني من الزهايمر ، تحكي لأطفالها عن رحلتها إلى فرنسا عندما كانت صغيرة ، و عن ذلك البيت الذي طبع أولادها و أحفادها بصماتهم على جدرانها .. ثم تعود بعد دقائق تنسى اسم ابنتها .
هل ستقبل بنا فرنسا اليوم ؟ اليوم نحن في القائمة السوداء ، نحن الذي لا نمتلك سوى الحقيبة التي تحتوي على آخر كُل شيء يُقال أننا دُعاة للإرهاب ، قد يتجاوز الأمر حدود تفضيل رنا - حبيبه خالد - سبيستيان لجنسيتهُ ، قد تتذلل رنا لـ سبيستيان لجنسيته ، ورقة الهوية .. تلك البُقعه التي تولد فيها قد تكون لعنة إلى أبد الدهر.
نحن هُنا في عرض البحر ، قد يفتح فمهُ و يبتلعنا دون أن يعرف أحدََا عنا شيء ، لن يعرفوا شيئََا إلا إذا ظهرت جُثة طفل على الشاطئ زرقاء ممتلئة بالماء أو متعفنة.
و حتى لو وصلنا لبر الأمان فالجسد في بلد والروح في بلد ، عقلٌ هُنا و عقلٌ هُناك لا مجال للراحة ، لم يعد الموت هو الهاجس الأول بعد الأن فالهواجس تأكل في عقل عزيز بلا رحمة ..
***
جميع الحقوق محفوظه ®
٢٥.٧.٢٠٢٠
Коментарі
Упорядкувати
- За популярністю
- Спочатку нові
- По порядку
Показати всі коментарі
(16)
الشروق الأخير .
🌹🌹🌹🌹🌹🌹
Відповісти
2021-06-08 14:30:08
Подобається
الشروق الأخير .
🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
Відповісти
2021-06-08 14:30:14
Подобається
الشروق الأخير .
🤝🏻🤝🏻🤝🏻🤝🏻🤝🏻🤝🏻🤝🏻🤝🏻
Відповісти
2021-06-08 14:30:17
Подобається