القصة
القصة

أسيرُ وأسيرُ وأسير... في طريقٍ طويل بعيد..
طريق مزدحم بالبشر، أتخبط فيه يمينًا ويسارًا..
ولن يمسك بي أحد؛ لأنني أمضي في طريقي وحدي، أنا شخص يائس سئم محاربة الحياة.

الأمر أشبه بالبقاء في غرفة مظلمة.. تسمع أنين الزجاج وهو يُضرب بوابِل من رصاصات المطر في ليالٍ باردة مظلمة وليالٍ قاسية معتمة، أيامًا لا شمس فيها و كيف للشمس أن تُشرق والدنيا ليست بخير كيف للشمس أن تطلع على أيامٍ كساها السواد، كيف للشمس أن تأتي و البشرُ يظلمون بعضهم دون سبب، كيف أعيشُ هُنا.. هُنا حيث يبحث كل بشريٍ عن مصلحته وشغله الشاغل هو كيفية تحقيق المكاسِب لنفسه دون أن يلتفت إلى أحد.

مللتُ التنقيب عن نفسي ومكثتُ أنتظرُ يدَ المساعدة ولكن لا أحد يستجيب..
   انتظر الموت حتمًا.. أفنيتُ عمري في اللاشيء..
ضاعت حياتي ولن أُكلِف نفسي بالبحث عنها لأني كرهت دُنياي الظالمة.. أعيش وحدي ولستُ أستمتعُ بهذا.. أتمنى أن أعيش وأنطلق وأتقدم بحرية ولكن لا طاقة لي هنا.. انتهت محاولاتي وبقيتُ بائسًا دون حياة.. ما أعيشه الآن لا يُلقب بالحياة بأي شكل من الأشكال.
أي حياة و أنا مُلقى لأيام بين أربعة جدران لغرفة صغيرة دون عمل أو مصدر دخل.. كيف يستحقُ شعوري الآن أن يوصف بالحياة.. بعد أن تدمرت كل أحلامي؟ كلا تلك ليست بالحياة.. الموتُ أرحم مما أعيشه الآن.. أُردد من كل أعماقي أني أكرهكم جميعًا.. أكره البشر المؤذيين.

أكره مديري السابق الذي طردني من الشركة بحجة زائفة لا تعبُر عقلًا لإنسان.. أخبرني أن كتابة القصص الخيالية جريمة، قالها في نقاشٍ سريعٍ لي معه..
طردني بسبب عدم رغبته في وجود موظفين يحبون هذا النوع من الكتابة لأن ذلك يجعلهم حالمين وغير جديين في العمل  ...
كُنتُ متيقنًا أن هذا بالطبع كان هذا عذرًا تافهًا.
كان يريد طردي بأي شكلٍ دون سبب مقنع..
لا أدري حقًا ما السبب ولكني كنت متقنًا العمل إلى حدٍ كبير.. ما حدث معي لا يُعد سوى ظلمٍ بشع ولا قدرة لدي على دفع الأذى.
كان العملُ في هذه الشركة هو فرصتي الأخيرة في كسب المال والبقاء على قيد الحياة كانت حُلمي الأخير والآن ذهبت، كان طردي كضربة قاضية اوقعتني ولم أقوَ على القيام بعدها.. تم رفضي من عشرات الشركات وأصررت على إيجاد نفسي في دُنيا يملؤها الشقاء.. والآن قد ذهب كل هذا سُدى.

- مذكراتي العزيزة، إنه اليوم الخامس عشر منذ طردي من الشركة.. اليوم الخامس عشر الذي لا أرى فيه ضوء الشمس، لم تمس اقدامي تراب الشارع منذ بداية تلك المدة.. أمرُ بحالة اكتئاب صعبة.. أُحاولُ انتشال نفسي من حُفرة اليأس و لكن أجدُ نفسي أهوى إلى القاع، مُجددًا..
قررتُ أخيرا أن أنزل من مسكني وأمُر بالحديقة عسى رائحة الورد تُنسيني همومي..
...
...
ذهبتُ لأبعد مقعدٍ في الحديقة جلستُ بهدوء و بدأت أتأمل الخُضرة بعيناي المُتعبتان.. لا يرتاد السائرون هذا المكان بكثرة، و هذا ما أريده، مكانًا هادئًا بعيدًا عن ضجة العالم و ضجة قلبي و روحي و عقلي...
لفتت انتباهي شجرة كبير في آخر رُكنٍ في الحديقة شجرةٌ كُتب عليها رقم سبعة و ثلاثين و بجوارها فتحة صغيرة وُضعت بِها ورقةٌ صفراء صغيرة ظهرت عليها علامات مرور الزمن.. اقتربت منها ببطئ وأمسكتُ الورقة لأجد عباراتٍ هزت أركان وجداني عبارات كُتبت بماء الذهب ..
فتحتُها لأجد كتاباتٍ بقلمٍ أزرق مائل للأبيض.. كَـ لون موج البحر في بدايات النهار..

( افعل ما تُريد، اكتُب واقرأ وتعلم، إن كنتَ تُحب الكتابة فاكتب لتحيا واكتب لتبقى و افعل ما تُحب لأنك تُحبه، ولا تهتم لرأي الآخرين بك لن يُسعدك أحد في أوقات حزنك ولن يساندك أحد في أوقات شدتك ، إن كُنتَ تريد النجاح فعليك أن تبدأ بنفسك لا تنتظر مساعدة أحد لا تقف على بداية الطريقه منتظرًا من يرشدك .. لكَ الاختيار فجرِّب وحاول وابدأ من جديد وحاول مئات المرات إلى أن تنجح .. فالحياة تدفعك إلى الاسفل منتظرة منكَ أن تقف مجددًا.. لا تسمح لليأس أن يتغلغل في أعماقك وقُم بكل قوة وواجه الأوقات الصعبة، أنتَ لها.       
- موجة  )

و كأن الرسالة كانت تنتظر هذا الموعد لتأتي وتستخلص مني الحُزن ... عدم معرفتي لصاحبة الرسالة جعلني أشعُر و كأنها كُتبت خصيصًا لي .. جعلتني أُعيدُ التفكير في الأمر، ما حدث معي لم يُكن نهاية للحياة، ليست تلك المأساة هي ما ستوقفني ولن تمنعني عن التقدم والاستمرار في طريقي الذي سأختاره بنفسي، بدءًا من اليوم، سأفعل ما أحب مهما حدث و مهما توجهت إلي الانتقادات .. لم أشعر بنفسي إلّا حين صِحتُ بفرحة و بدأ صوتي يعلو فجأة: هذه بداية حياة جديدة لي ..

لمحتُ نظرات خاطفة من خلف الشجرة .. صمتت بسرعة و اقتربت لأجد فتاة ترتدي قناعًا غريبًا رُسمت عليه صورة موجة وشمس ..
تكلمتُ بسرعة ممزوجة بالمفاجأة: من أنتِ؟

هي شعرَت بصدمة ثم سرعان ما تنهدت لتتكلم بابتسامة شعرتُ بها من خلف القناع الجميل: حسنًا، لقد كُشِفَ أمري الآن ...
مر الكثير ولم يكتشف أحدٌ مكاني السري أبدًا لكونه بعيدًا عن أنظار العالم، أنتَ أول من يراني، لابد أنك وجدت الورقة..

تنفسَت بعمق ولم تدعني أبادر بالرد لأجدها تتابع بسرعة: و الآن يجب أن أذهب فـ مهمتي هنا انت.

قاطعتها بتعجب: أنا لا أفهم من أنتِ؟ وعن أي مهمة تتحدثين؟

ردت بغموض : أحضركَ القدر إلى هنا و كنتَ أنت الشخص العشوائي الذي يستحق نظرة مختلفة للحياة و فرصة ثانية... أنا الموجة التي تتضارب بداخلك، أنا أحملُ الكثير في داخلي و لا أريد أن يُكشَف أمري ..
و إنه كـ لُعبة الاختباء ... اتخفى بين طُرقات العالم لعلي أبعث برسالة للشخص الصحيح. وُضِعتُ في طريقك لأساعدك بطريقة غير مباشرة، و أنت ضِعتَ في طريقي المُحير... ليس لي نهاية فـ أنا متاهة غريبة و بحر بلا قاع و موج لا يهدأ ..

نظرتُ لها بتعجب و علاماتُ التساؤل تعلو ملامحي.

ودعَتني بغرابة و قبل أن ترحَل التفتت لي و قالت: إن لم تفهم ستجد ورقة أخرى خلف الشجرة..

لتختفي بعدها إلى الأبد.

و ها أنا ذا أُمسك بيدي تلك الورقة التي تركتها الموجة _ هكذا لقّبت نفسها _ ورقةٌ كُتبت فيها أخر كلمات بعثرتها:
( أنا الموجة التي تَضرِب بعنف ، أنا الموجة التي تحمل في طياتها الكثير من الكلمات ... أنا الموجة الباردة في الشتاء و الموجة الحارة في الصيف .. في كل مكان أكون موجودة و لن تجدني مجددًا و إلى الأبد ، أنا مليئة بالتناقضات و الغموض .. نشأت بالغرابة و الطاقة الإيجابية تنبعث من داخلي و أنا أحببت ذلك ... كانت مهمتي أن أساعد الأشخاص البائسين مثلك .. و عندما أطمئن أنك وجدت رسالتي، حينها تنتهي مهمتي و أرحل.
كان هذا سري الأعظم ... لن يعرف أحد هويتي أبدًا .. لأنني أحب مصادقة الأشجار ...
و أخيرًا سأوجه عباراتي الآتية إلى شجرتي السابعة و الثلاثين .. قد تمت المهمة بنجاح ..
-تم تسليم الرسالة السابعة و الثلاثين )
....
....
....
....
- مذكراتي العزيزة ، ها أنا مجددًا ، مر عامٌ كامل بدأت فيه ممارسة ما أحب ... كتبتُ العديد من القصص و لي رابطة مشجعين و الكثير و الكثير من المعجبين .. ممتنٌ للموجة الغامضة على مساعدتي بعباراتها الدافئة ، ممتنٌ للقدر الذي عرفني بها .. ألطف موجة قابلتُها ... ما زِلتُ ازور الشجرة السابعة و الثلاثين .. و زرعت بعض الزهور الزرقاء بجوارها كَـ لون الموج الازرق في البحر العميق ..
أصبح من أجمل الأماكن في الحديقة و ملأتُه برسائل زرقاء لطيفة .. أصبحَت الشجرة مزارًا رائعًا للسائحين .. و جميع من في المدينة يعرفونني ... و الآن أُدرِكُ أن طردي من الشركة كان خيرًا كبيرًا لي فلولا طردي من الشركة ما كنتُ أصبحتُ ما أنا عليه الآن و لظلت حياتي منحصرة في وظيفة تقليدية تمنعني من ممارسة هوايتي .... و ختامًا لصفحتي كَتبتُ تلك العبارة الصغيرة :

( هل ظننت يومًا أنك قد تُقابل شخصًا عشوائيًا يُغير حياتك كثيرًا؟ قد يُغيرها للأفضل أو للأسوأ و يترُكُ فيها بصمة خالدة رغم أنك لن تراه بعدها أبدًا و لكنه سيبقى عالقًا في ذهنك إلى الفَناء )


تمت في 30-12-2018 ❤

© خَـمـسـة ,
книга «الشجرة السابعة والثلاثون».
Коментарі
Упорядкувати
  • За популярністю
  • Спочатку нові
  • По порядку
Показати всі коментарі (1)
جو ليآ
القصة
جميلة جدا ♥️
Відповісти
2020-07-23 14:26:52
Подобається