/1/
بعد غروب شمس يوم الأحد ، قصدتُ ملعب البلدة المتواضع ، جلستُ هناك على مدرجات الملعبِ الإسمنتية ،أراقبُ الفريقان في الأسفل ، و هما يلعبان كرة القدم ، اللعبة الشعبية ، الذي أمتد صيتها منذ عشارات القرون ، إلى يومنا هذا ، كم كانت لعبةً محببةً لنا ، تكرر فوز فريقا في كل جولة نخوضها بفضل عزيزي فاروق .
"طارق ، أنت هنا!".
نظرتُ إلى الأسفل ، نحو الصوت المنخفض يأتي على بعد عدة مدرجات من الأسفل ، رفعتُ يدي لصديقي "مصطفى"،من الأعلى ، ألوحُ له ، و أدعوهُ لصعود معي .
قالَ و هو يتخذُ مقعداً جانبي:"لم أعتد تواجدكَ هنا !".
أجبتهُ بهدوء :"جئتُ لأشهد فوزنا يا صديقي !".
فهم المغزى و صمت ، سريعُ الفهم ، و أكثرُ شخصٍ حساس ، و يبكي في دقائق ، تنهد بتعب ، لألمحهُ يمسحُ عينهُ ، ابتسم و قال بمرح :"بعضُ الغبار قد دخل إلى عيني ".
ربتُ على كتفهِ ، وقلتُ ، و لا أزالُ أحدقُ إلى الفريقان في الأسفل :" قضاءٌ .. يا صديقي ، قضاءٌ".
هز رأسهُ نفياً ، و قال :"أنا من طلبتُ منهُ أن يحضر لي قارورة الماء!".
أدارَ لي ظهرهُ و بكى ، كنتُ في تلكَ اللحظة هادئاً جداً ، ألقيتُ نظرةً على المستودع الصغير ، الذي كان فيما قبل غرفة تبديل ، أخبرتهُ بصوتٍ واهن ، و الغصة تجري إلى حلقي ، أن كل شيء قد مضى ، يجبُ أن يتوقفَ عن البكاء لأجلِ ذلكَ.
أمضينا ساعةً أخرى ، في صمتٍ كئيب ، ننظرُ إلى الملعب ، عكس ما يتصورُ الشخص الذي يراني ، فأنا أعيشُ إحدى المباريات التي خضتها مع مصطفى و فاروق ، قبل خمس سنوات ، ضجةٌ من حولي و هتاف الجماهير من المدرجات ، هاهو فاروق ، يسددُ هدفاً في شباك الفريق المنافس ، أجري أنا و مصطفى نحوهُ ، نحتضنهُ بفرحة .
____
كنتُ أصعدُ السلالم ، إلى غرفتي ، أتكىءُ ، على السلم ، .. أنا أشعرُ بوهنٍ شديد ، تعبٌ لا مبررَ لهُ ، أقلقتُ والدتي ، و هذا ما لا أحبذهُ ، معدتي تأبى تناولَ الطعامِ ، و الأرق يلازمني كلَ ليلة .
الصورة المعلقة على جدار غرفتي ، هي أولُ ما قابلني ، .. صورةٌ لي و لمصطفى ، و لعزيزي الراحل فاروق ، نحملُ كأسً ذهبية ، مبتسمين ، نرفعها إلى الأعلى .
أبتسمتُ لهذه الذكرى ، في تلك الليلة ، شاءت الأقدار أن تخطفهُ منا ، .. الأحداث كأنها حصلت بالأمس ، ليلةٌ ماطرة ، و رياحٌ عاتية ، أنهينا المباراة ، و قررنا العودة بسرعة إلى منازلنا ، .. نسي مصطفى قارورة الماء في غرفة التبديل ، فتطوع فاروق لأحضارها ، .. أحتمينا من المطر الذي أنهمر بغزارة ، تحت محطة إنتظار الحافلات ، و بصعوبة و قفنا بتزان ؛ لقوة الرياح .
تأخر فاروق ، كثيراً ، قلقنا عليهِ ، ولكن لم يسعنا الذهاب لتفقدهِ.
دموعي لا تتوقف ، البته، الصورة بالرغم من ذكراها الجميلة ، أحيت ذكرى أمقتها ، .. سرنا إلى منازلنا -أنا و مصطفى- بصعوبة ، شقينا الطرق المبتلة ، كنا موقنين أن فاروق سيعود إلى منزله بعد أن أشتد المطر .
في صباحِ الأحد ، سمعتُ والدتي ، تتحدث عند مائدة الأفطار ، أن غرفت التبديل قد تداعت كلها ، الأساساتُ لم تكن بتلكَ بتلكَ القوة ، .. سقطت ملعقتي في الحساء ، كمن صعق قفزتُ من الكرسي ، و جريت إلى الباب ، لأخرج أركض من المنزل إلى الملعب ، بأقصى طاقتي !، لا تزالُ الأرضُ رطبةً لم تجف ، و صلتُ إلى هناكَ بصعوبة ، أول ما رأيتهُ كان حطام الغرفة ، أمسكتُ رأسي ، و أنا أملُ أن ما أفكر به ليس بصحيح !، .. مديرُ الملعب هناكَ ، يتحسرُ على الأموال التي أنفقها على الغرفة ، أقتربتُ منه و في نفسِ اللحظة ، رأيتُ والد فاروق يقتربُ من المدير ، تحدثا قليلاً ، حتى تطرق و الدهُ إلى السؤال عنه ، لم يسعفهُ بأجابةٍ تشفيه ، لاحظني ، و ابتسم ، قال لي بصوتٍ يملئهُ الرجاء :" عزيزي طارق!، هل رأيت فاروق ، لم يعد بالأمـ...".
نفيتُ بسرعة ، توجهت نظراتي إلى غرفت التبديل التي أصبحت حطامً ، لم يفهما ما أقصد ،
أشرتُ لها و قلت بصوتٍ مهزوز:"فاروق .. بالأمس عاد لأحضار قارورة .. قارورة الماء ، و لم يعد..!".
أتسعت عينيهما ، عندما فهما ما أرمي إليهِ ، تقوست شفتي ، بحزنٍ و هلع ، و أنا أرى والد فاروق يناديه من أعلى الحطام ، ..
في أقل من ساعة ، بعد تجمع رجال البلدة ، أُخرج جسدُ فاروق من بين الحطام .. مخثرٌ بالدماء ، و شوه وجههُ بالأوساخ الممتزجة بدمائه النقية.
مصطفى يبكي بصوتٍ عالٍ ، و أنا أشاهد الجسد المسجي على الأرض بلا حراك ، ألتف حولهُ جمعٌ من الرجال ، و والدهّ ، يهزهُ بعنف يصرخُ بسمهِ ، ..
رحل صديقي تلك الليلة ، التي أعتقدنا أنه عاد إلى منزله ، بين دفئ عائلته ، و لكنه .. ، بات في برد قارص ، و تحت حطامٍ لأكثر من عشر ساعات .
أنفجرت دموعي في جنازته ، في نفس اليوم ، .. أعياني رحيلهُ كثيراً .
أجهشتُ في البكاء ، ألطمُ و جهي تارةً ، و أتنفس بصعوبةٍ تارةً أخرى ، حتى حل الصباح ..،
همستُ لنفسي :"السلامٌ على روحكَ يا صديقي ".
و أغمضتُ عيني .
"طارق ، أنت هنا!".
نظرتُ إلى الأسفل ، نحو الصوت المنخفض يأتي على بعد عدة مدرجات من الأسفل ، رفعتُ يدي لصديقي "مصطفى"،من الأعلى ، ألوحُ له ، و أدعوهُ لصعود معي .
قالَ و هو يتخذُ مقعداً جانبي:"لم أعتد تواجدكَ هنا !".
أجبتهُ بهدوء :"جئتُ لأشهد فوزنا يا صديقي !".
فهم المغزى و صمت ، سريعُ الفهم ، و أكثرُ شخصٍ حساس ، و يبكي في دقائق ، تنهد بتعب ، لألمحهُ يمسحُ عينهُ ، ابتسم و قال بمرح :"بعضُ الغبار قد دخل إلى عيني ".
ربتُ على كتفهِ ، وقلتُ ، و لا أزالُ أحدقُ إلى الفريقان في الأسفل :" قضاءٌ .. يا صديقي ، قضاءٌ".
هز رأسهُ نفياً ، و قال :"أنا من طلبتُ منهُ أن يحضر لي قارورة الماء!".
أدارَ لي ظهرهُ و بكى ، كنتُ في تلكَ اللحظة هادئاً جداً ، ألقيتُ نظرةً على المستودع الصغير ، الذي كان فيما قبل غرفة تبديل ، أخبرتهُ بصوتٍ واهن ، و الغصة تجري إلى حلقي ، أن كل شيء قد مضى ، يجبُ أن يتوقفَ عن البكاء لأجلِ ذلكَ.
أمضينا ساعةً أخرى ، في صمتٍ كئيب ، ننظرُ إلى الملعب ، عكس ما يتصورُ الشخص الذي يراني ، فأنا أعيشُ إحدى المباريات التي خضتها مع مصطفى و فاروق ، قبل خمس سنوات ، ضجةٌ من حولي و هتاف الجماهير من المدرجات ، هاهو فاروق ، يسددُ هدفاً في شباك الفريق المنافس ، أجري أنا و مصطفى نحوهُ ، نحتضنهُ بفرحة .
____
كنتُ أصعدُ السلالم ، إلى غرفتي ، أتكىءُ ، على السلم ، .. أنا أشعرُ بوهنٍ شديد ، تعبٌ لا مبررَ لهُ ، أقلقتُ والدتي ، و هذا ما لا أحبذهُ ، معدتي تأبى تناولَ الطعامِ ، و الأرق يلازمني كلَ ليلة .
الصورة المعلقة على جدار غرفتي ، هي أولُ ما قابلني ، .. صورةٌ لي و لمصطفى ، و لعزيزي الراحل فاروق ، نحملُ كأسً ذهبية ، مبتسمين ، نرفعها إلى الأعلى .
أبتسمتُ لهذه الذكرى ، في تلك الليلة ، شاءت الأقدار أن تخطفهُ منا ، .. الأحداث كأنها حصلت بالأمس ، ليلةٌ ماطرة ، و رياحٌ عاتية ، أنهينا المباراة ، و قررنا العودة بسرعة إلى منازلنا ، .. نسي مصطفى قارورة الماء في غرفة التبديل ، فتطوع فاروق لأحضارها ، .. أحتمينا من المطر الذي أنهمر بغزارة ، تحت محطة إنتظار الحافلات ، و بصعوبة و قفنا بتزان ؛ لقوة الرياح .
تأخر فاروق ، كثيراً ، قلقنا عليهِ ، ولكن لم يسعنا الذهاب لتفقدهِ.
دموعي لا تتوقف ، البته، الصورة بالرغم من ذكراها الجميلة ، أحيت ذكرى أمقتها ، .. سرنا إلى منازلنا -أنا و مصطفى- بصعوبة ، شقينا الطرق المبتلة ، كنا موقنين أن فاروق سيعود إلى منزله بعد أن أشتد المطر .
في صباحِ الأحد ، سمعتُ والدتي ، تتحدث عند مائدة الأفطار ، أن غرفت التبديل قد تداعت كلها ، الأساساتُ لم تكن بتلكَ بتلكَ القوة ، .. سقطت ملعقتي في الحساء ، كمن صعق قفزتُ من الكرسي ، و جريت إلى الباب ، لأخرج أركض من المنزل إلى الملعب ، بأقصى طاقتي !، لا تزالُ الأرضُ رطبةً لم تجف ، و صلتُ إلى هناكَ بصعوبة ، أول ما رأيتهُ كان حطام الغرفة ، أمسكتُ رأسي ، و أنا أملُ أن ما أفكر به ليس بصحيح !، .. مديرُ الملعب هناكَ ، يتحسرُ على الأموال التي أنفقها على الغرفة ، أقتربتُ منه و في نفسِ اللحظة ، رأيتُ والد فاروق يقتربُ من المدير ، تحدثا قليلاً ، حتى تطرق و الدهُ إلى السؤال عنه ، لم يسعفهُ بأجابةٍ تشفيه ، لاحظني ، و ابتسم ، قال لي بصوتٍ يملئهُ الرجاء :" عزيزي طارق!، هل رأيت فاروق ، لم يعد بالأمـ...".
نفيتُ بسرعة ، توجهت نظراتي إلى غرفت التبديل التي أصبحت حطامً ، لم يفهما ما أقصد ،
أشرتُ لها و قلت بصوتٍ مهزوز:"فاروق .. بالأمس عاد لأحضار قارورة .. قارورة الماء ، و لم يعد..!".
أتسعت عينيهما ، عندما فهما ما أرمي إليهِ ، تقوست شفتي ، بحزنٍ و هلع ، و أنا أرى والد فاروق يناديه من أعلى الحطام ، ..
في أقل من ساعة ، بعد تجمع رجال البلدة ، أُخرج جسدُ فاروق من بين الحطام .. مخثرٌ بالدماء ، و شوه وجههُ بالأوساخ الممتزجة بدمائه النقية.
مصطفى يبكي بصوتٍ عالٍ ، و أنا أشاهد الجسد المسجي على الأرض بلا حراك ، ألتف حولهُ جمعٌ من الرجال ، و والدهّ ، يهزهُ بعنف يصرخُ بسمهِ ، ..
رحل صديقي تلك الليلة ، التي أعتقدنا أنه عاد إلى منزله ، بين دفئ عائلته ، و لكنه .. ، بات في برد قارص ، و تحت حطامٍ لأكثر من عشر ساعات .
أنفجرت دموعي في جنازته ، في نفس اليوم ، .. أعياني رحيلهُ كثيراً .
أجهشتُ في البكاء ، ألطمُ و جهي تارةً ، و أتنفس بصعوبةٍ تارةً أخرى ، حتى حل الصباح ..،
همستُ لنفسي :"السلامٌ على روحكَ يا صديقي ".
و أغمضتُ عيني .
Коментарі
Упорядкувати
- За популярністю
- Спочатку нові
- По порядку
Показати всі коментарі
(2)
/1/
الله يرحمك يا فاروق .. كنت شخص رائع 😭😭💔
Відповісти
2020-09-19 18:36:09
2
/1/
واااع حرااام
Відповісти
2020-10-19 17:15:33
1