١
"ها هي ذي الحالة."
قالت الممرضة وهي ترشدني نحو الغرفة التي تحتوي على الحالة.
كان شابًا في الثامنة عشر كابني الأصغر، مربوط جيدًا وعلى وجهه المتورد إمارات إعياء، عينيه الجمريتين أهدابها رطبة وجبينه متعرق حتى جعل شعره الأشقر ملتصقًا بجبينه.
خرجت الممرضة وتركتني معه وحدنا، فأخرجت شريط التسجيل ودفتر ملاحظتي ثم نظرت اليه.
"أرجوكِ، انقذيني!" خرج صوته واهن بين أنفاسه الثقيلة.
"لا تقلق، نحن والمجتمع الطبي نبذل أقصى ما بوسعنا لنجد العلاج، سآخذ منك بعض المعلومات الضرورية وحسب." حاولت طمئنته.
"ماذا حدث؟ وكيف شعرت تحديدًا؟" سألته بعد بعض الوقت.
"حدث شجار بيني وبين حبيبتي حول شيء ما، كنت غاضبًا، ثم أصبحت رؤيتي ضبابية، ولم أعي ما حولي وكأن جزء من ذاكرتي قد محي، ولكنني وجدتني قتلتها وفي يدي زجاج مهشم. شعرت بصداع قوي بنصف رأسي الأيمن ثم فقدت الوعي." انكسرت نبرة صوته عند النهاية وترقرقت عيناه بالدموع.
"هل تتناول نوع معين من الأدوية، أدوية اكتئاب، شيء من هذا القبيل؟" سألته وأوما بالنفي
"هل تتناول أي نوع من المخدرات؟" نفى مجددًا
"هل شخصت بأي مرض نفسي من نوع ما مسبقًا؟" عدت مجددًا اسأله ونفى مجددًا، الأمر يزداد تعقيدا.
قمت بعدة اختبارات للصحة النفسية، لكن جميعها دلت على أن المريض لا يعاني من حالة غير طبيعية، بل علي العكس هو يبدو صحيحًا تمامًا، طبعًا عدا صدمته العصبية مما حدث.
هذا الشاب حسب تحقيق الشرطة كان متواجدًا في مطعم ما في الساعة الواحدة ظهرًا مع حبيبته وبشكل مفاجيء دخل في نوبة ضحك هستيرية وجحظت عيناه وبرزت عروقه، ضربها بزجاجة ماء فوق رأسها مرتين وبدأ يضربها بعنف حتى خنقها حتى الموت، وعندما توقف عن الضحك عاد لوعيه، فدخل في نوبة رعب عن أثرها فقد وعيه. في نفس اللحظة خرج أحد طهاة المطعم بسكين مغطاة بدماء زملائه من الطهاة وعليه نفس الأعراض مما أدي لفزع زائد لمن في المطعم وهلعهم خارجًا.
وعند حضور الشرطة وجدوا الطاهي قد مات بسكتة قلبية.
هذه الحالات الغريبة انتشرت مؤخرًا بشكل جنوني في أماكن عدة منذ حوالي شهرين، وعلى إثر ذلك، تجمع مجموعة هائلة من الأطباء والعلماء لمناقشة هذه الظاهرة الغريبة.
"ستبقي في حجز المشفى لبعض الوقت، لنطمئن من عدم تكرر-" لم أكد أكمل الجملة حتى بدأ يضحك وتورد وجهه فبدت عيناه كأنها ستخرج من محجريهالدرجة أنني شعرت أن عروق رقبته وصدغيه ستنفجر. بدأ يحاول التخلص من قيوده، ضربت حينها جرس الطوارئ واثر صوته دخل بعض الممرضين بينما هرعت أنا خارج الغرفة علي عجل.
بعد بعض الوقت أتاني الممرضون وأخبروني بموته بسكتة قلبية.
***
تجمع الأطباء والعلماء جالسون في مسرح الجامعة الذي يستخدم كقاعة اجتماعات؛ حيث تجمعنا لنقاش الاكتشافات التي توصلنا إليها حتى الآن.
منذ شهرين ظهرت هذه الظاهرة الغريبة، لم يتوصل أي عالم أو باحث إلى سبب لهذه الحوادث. جميع الأبحاث تشير أن معظم المصابين من الطبقة الغنية، لكن وجود عدد من المصابين من الطبقة العاملة جعله أكثر تحييرًا.
محاولة العلاج النفسي الوصول للسبب لم تؤتي بثمار مُرضِيَة، فلا يوجد مشاكل نفسية مشتركة بين المرضى. حتى الآن ورد لخاطرنا أنه قد يكون نوع جديد من المخدرات هو السبب.
وقف ممثل معمل التشريح على المنصة وبين يديه أوراق
"بعد تشريح جثث المصابين، ظهر أن ١٠% من المصابين فقط هم من متعاطي المخدرات، إذن فاحتمالية أن سبب ذلك نوع جديد من المخدرات غير واردة. "
علت الهمهمات في القاعة، ها هو احتمال آخر يتم شطبه من قائمة الاحتمالات.
حتى الآن لم يتم التوصل لأعراض تسبق الدخول في هذه الحالة، لكن الجميع يشرحون نفس التفاصيل لما يمرون به: دوار، ثم شيء أشبه من فقدان الوعي، وعودة المريض لوعيه بالكاد يتذكر ما حدث. معظمهم يصابون بصداع نصفي قبل أن يغشى عليهم، أو يموتون بسكتة قلبية.
تتابع الممثلين حتى جاء دوري ممثلة المعالجين النفسيين، فصعدت على المنصة.
"حسب الإحصائيات، بعد حديث مع أهالي ومعارف المرضى وبعض الحالات التي بقيت على قيد الحياة، ٤٠% من الحالات تعاني من مشاكل نفسية، سواء كانت اكتئاب أو-"
قوطع حديثي بصوت قهقهة صدى في المسرح من الأسفل، وغطى الرعب ملامح الجميع وأخذوا يلتفتون حولهم بحثًا عن مصدر الضحك، بعضهم رفع أرجلهم عن الأرض وتشبثوا بالكراسي، وآخرين نهضوا من الكرسي في وضع دفاعي باحثين عن الصوت.
وإذ بصوت الضحكات يكثر من عدة اتجاهات وقام عدة مساعدين بالهجوم على بعض من الحضور محاولين خنقهم.
سادت الفوضى وخرج من استطاع من الأطباء لاستدعاء الأمن، وقفت مشدوهة وسط كل هذه الفوضى. لم أكد استعيد تمالك أعصابي حتى رأيت مساعدي هنري كولمان ممسكًا بأحد الضاحكين أراد أن يحاول خنقي وصاح لي لأهرب. لكن حينها قفز علي ضاحك آخر ممسكا بي من رقبتي فسقطت على رأسي بقوة شعرت على اثرها بدوار شديد، حينها سمعت صوت المدخل يفتح على مصرعيه وأقدام كثيرة يتبعها المزيد من الضجة. كدت أفقد الوعي حين خفت القبضة المحيطة بعنقي وسقط صاحبها فوقي.
سعلت بقوة وشعرت بارتخاء في جسدي وأنا بالكاد أعي ما حولي، و بالتدريج تحول كل شيء إلى الأسود.
***
"هذه بالفعل مصيبة، حتى أن اثنين من رجال الأمن قد اصيبوا بنفس حالة الجنون! " سمعت صوت شخص يقول هذا على مقربة من مكان استلقائي.
"سيكون علينا رفع حالة الأمن لضمان الحماية. " قال رجل آخر. فتحت جفناي بهدوء، وكما متوقع جلست بغرفة مستشفى ورأيت وجوه لم أرها منذ شهرين.
كان زوجي ريك جالسًا على كرسي بجوار سريري وهو يغمر يدي بدفء يديه. وجهه المستدير كسته تجاعيد زائدة عن المعتاد من القلق، و عيناه البنيتان تنظران إلى خاصتاي الزرقاوان بفائض من الحب. عندما لاحظ أنني استفقت ابتسم بدفئ وتنهد كأن حمل ثقيل قد أزيح عن كتفيه.
"مرحبًا بعودتك حلوتي، اشتقت لكِ." همس لي بنبرته الطفولية التي أحبها.
"أنا أيضًا." خرج صوتي بصعوبة متخشرجًا.
"أمي!" أجهشت آن –ابنتي– بالبكاء واقتربت مني. وجهها الشاب المستدير كوالدها متورد بسبب البكاء، شعرها الذهبي كشعري رفعته بعشوائية عكس ما تفعل عادة. ربتُّ على يديها عندما اقتربت من السرير وخلفها وقف ابني الأكبر كولين الذي يشبه أخته الصغرى كأنهما توأمان ثم انحنى ولثم ظهر يدي برفق ويداه ترتجفان عكس الظاهر عليه.
"سعيد انكِ بخير سيدة إليوت." قال رئيس رجال الأمن بعد خمود تلك اللحظات العائلية. حاولت الحديث لكن صوتي المتعب جعلني أواجه مشكلة بذلك، لكن الرجل استطاع أن يفهمني دون الحاجة للحديث.
"مات معظمهم." نكس رأسه في ألم، ها هي المزيد من الخسائر.
قضيت بضعة أيام في المستشفى قبل أن أعود لمنزلي.
جلست على أريكة غرفة المعيشة برفقة زوجي ريك وابناي الكبيران كولين وآن في جلسة –بسبب عملي– لم تحدث منذ شهرين.
"أين تريس؟" سألت بينما أتناول رقائق البطاطا أمام التلفاز.
"أخبرني أنه يتسكع مع اصدقائه" أجابت آن
"هذا الفتى، ألا يعلم أنني عدت اليوم؟!" قلت بخيبة
جلسنا لبعض الوقت نمرح معًا لأتناسى ما حدث قبل عدة أيام وبعد بعض الوقت دخل ابني تريس للمنزل وتعانقنا. بدا مرهقًا؛ فعيناه أسفلها ظلال على وجهه الشاحب. دخل غرفة النوم وأغلق على نفسه، لا أشعر بالراحة تجاهه. إن تريس فتىً مرح، عندما يراني في العادة بعد مرور وقت طويل دون أن أراه هو الباقين يبقى معي لوقت طويل يتحدث طويلًا ويسألني حول العمل ويمزح معي ساخرًا من زميلي في العمل جريج الذي يستمر دائمًا بمضايقتي. لكنه اليوم اكتفى بمعانقتي ليذهب مباشرة لغرفته، لذا توجهت لغرفته لكنه تغذَّر برغبته بالنوم لذا تركته وحده وأنا أنوي القيام بتحليل نفسي كامل غدًا.
حل منتصف الليل وذهب الجميع للنوم ولكن من أين يأتي النوم بعد ما رأيته. منذ الحادث وأنا أعاني من الأرق فتقلبت في السرير طويلًا دون جدوى حتى حلت الثالثة فجرًا ومازلت مستيقظة، قررت حينها النزول لشرب بعض الماء من المطبخ.
فتحت الثلاجه وقربت لفوهة الزجاجة لأسمح للمياه الباردة بعبور حلقي ليرطبه ولكن في المنتصف توقفت، وجفت الدماء في عروقي وارتجفت يداي وقلبي.
كان هناك صوت ضحك.. في المنزل!
انزلقت المياه من يدي وخرجت بهدوء من المطبخ وأنا أعلم جيدًا صاحب الصوت.
خرجت اتلفت حولي وتجمعت الدموع في عيني، ماذا عن آن، وزوجي و..
لكن حينها علا صوت الضحك وكان يصدر بالتحديد من خلفي..
شعرت بلكمة في رأسي من الخلف لم أكد أسقت حتى ابتعدت بسرعة متدحرجة أرضًا متافدية لكمة أخرى وجهت إلي وركلت صاحبها في قدمه فسقط أرضًا. حاول الركض بحثًا عن الباقين وعندما التفت وأنا اصعد الدرج لم أره بالرغم من أنني مازلت أستطيع سماع صوته، لذا سارعت نحو غرفة تريس وكولين وعندها انهرت على قدمي أمام جثة ابني. كان وجهه مغطى بالندبات وآثار اللكمات بوجهه، حاولت سماع نبضه لكن لا يوجد صوت يسمع وصدره لا يتحرك. حينها استعدت قوتي بصعوبة وبترنح توجهت نحو غرفتي وزوجي ووجته على نفس الحال ملكوم وميت.
أستطيع سماع ضحكات تريس خلفي ولكن ليس لدي القوة لأقاوم أو أحارب. شعرت به خلفي وأنا جاثية على ركبتيي، و لكن بدلًا من الشعور بأي نوع من الألم البدني سمعت صوت ارتطام شيء معدني وسقوط جسد على الأرض .
قالت الممرضة وهي ترشدني نحو الغرفة التي تحتوي على الحالة.
كان شابًا في الثامنة عشر كابني الأصغر، مربوط جيدًا وعلى وجهه المتورد إمارات إعياء، عينيه الجمريتين أهدابها رطبة وجبينه متعرق حتى جعل شعره الأشقر ملتصقًا بجبينه.
خرجت الممرضة وتركتني معه وحدنا، فأخرجت شريط التسجيل ودفتر ملاحظتي ثم نظرت اليه.
"أرجوكِ، انقذيني!" خرج صوته واهن بين أنفاسه الثقيلة.
"لا تقلق، نحن والمجتمع الطبي نبذل أقصى ما بوسعنا لنجد العلاج، سآخذ منك بعض المعلومات الضرورية وحسب." حاولت طمئنته.
"ماذا حدث؟ وكيف شعرت تحديدًا؟" سألته بعد بعض الوقت.
"حدث شجار بيني وبين حبيبتي حول شيء ما، كنت غاضبًا، ثم أصبحت رؤيتي ضبابية، ولم أعي ما حولي وكأن جزء من ذاكرتي قد محي، ولكنني وجدتني قتلتها وفي يدي زجاج مهشم. شعرت بصداع قوي بنصف رأسي الأيمن ثم فقدت الوعي." انكسرت نبرة صوته عند النهاية وترقرقت عيناه بالدموع.
"هل تتناول نوع معين من الأدوية، أدوية اكتئاب، شيء من هذا القبيل؟" سألته وأوما بالنفي
"هل تتناول أي نوع من المخدرات؟" نفى مجددًا
"هل شخصت بأي مرض نفسي من نوع ما مسبقًا؟" عدت مجددًا اسأله ونفى مجددًا، الأمر يزداد تعقيدا.
قمت بعدة اختبارات للصحة النفسية، لكن جميعها دلت على أن المريض لا يعاني من حالة غير طبيعية، بل علي العكس هو يبدو صحيحًا تمامًا، طبعًا عدا صدمته العصبية مما حدث.
هذا الشاب حسب تحقيق الشرطة كان متواجدًا في مطعم ما في الساعة الواحدة ظهرًا مع حبيبته وبشكل مفاجيء دخل في نوبة ضحك هستيرية وجحظت عيناه وبرزت عروقه، ضربها بزجاجة ماء فوق رأسها مرتين وبدأ يضربها بعنف حتى خنقها حتى الموت، وعندما توقف عن الضحك عاد لوعيه، فدخل في نوبة رعب عن أثرها فقد وعيه. في نفس اللحظة خرج أحد طهاة المطعم بسكين مغطاة بدماء زملائه من الطهاة وعليه نفس الأعراض مما أدي لفزع زائد لمن في المطعم وهلعهم خارجًا.
وعند حضور الشرطة وجدوا الطاهي قد مات بسكتة قلبية.
هذه الحالات الغريبة انتشرت مؤخرًا بشكل جنوني في أماكن عدة منذ حوالي شهرين، وعلى إثر ذلك، تجمع مجموعة هائلة من الأطباء والعلماء لمناقشة هذه الظاهرة الغريبة.
"ستبقي في حجز المشفى لبعض الوقت، لنطمئن من عدم تكرر-" لم أكد أكمل الجملة حتى بدأ يضحك وتورد وجهه فبدت عيناه كأنها ستخرج من محجريهالدرجة أنني شعرت أن عروق رقبته وصدغيه ستنفجر. بدأ يحاول التخلص من قيوده، ضربت حينها جرس الطوارئ واثر صوته دخل بعض الممرضين بينما هرعت أنا خارج الغرفة علي عجل.
بعد بعض الوقت أتاني الممرضون وأخبروني بموته بسكتة قلبية.
***
تجمع الأطباء والعلماء جالسون في مسرح الجامعة الذي يستخدم كقاعة اجتماعات؛ حيث تجمعنا لنقاش الاكتشافات التي توصلنا إليها حتى الآن.
منذ شهرين ظهرت هذه الظاهرة الغريبة، لم يتوصل أي عالم أو باحث إلى سبب لهذه الحوادث. جميع الأبحاث تشير أن معظم المصابين من الطبقة الغنية، لكن وجود عدد من المصابين من الطبقة العاملة جعله أكثر تحييرًا.
محاولة العلاج النفسي الوصول للسبب لم تؤتي بثمار مُرضِيَة، فلا يوجد مشاكل نفسية مشتركة بين المرضى. حتى الآن ورد لخاطرنا أنه قد يكون نوع جديد من المخدرات هو السبب.
وقف ممثل معمل التشريح على المنصة وبين يديه أوراق
"بعد تشريح جثث المصابين، ظهر أن ١٠% من المصابين فقط هم من متعاطي المخدرات، إذن فاحتمالية أن سبب ذلك نوع جديد من المخدرات غير واردة. "
علت الهمهمات في القاعة، ها هو احتمال آخر يتم شطبه من قائمة الاحتمالات.
حتى الآن لم يتم التوصل لأعراض تسبق الدخول في هذه الحالة، لكن الجميع يشرحون نفس التفاصيل لما يمرون به: دوار، ثم شيء أشبه من فقدان الوعي، وعودة المريض لوعيه بالكاد يتذكر ما حدث. معظمهم يصابون بصداع نصفي قبل أن يغشى عليهم، أو يموتون بسكتة قلبية.
تتابع الممثلين حتى جاء دوري ممثلة المعالجين النفسيين، فصعدت على المنصة.
"حسب الإحصائيات، بعد حديث مع أهالي ومعارف المرضى وبعض الحالات التي بقيت على قيد الحياة، ٤٠% من الحالات تعاني من مشاكل نفسية، سواء كانت اكتئاب أو-"
قوطع حديثي بصوت قهقهة صدى في المسرح من الأسفل، وغطى الرعب ملامح الجميع وأخذوا يلتفتون حولهم بحثًا عن مصدر الضحك، بعضهم رفع أرجلهم عن الأرض وتشبثوا بالكراسي، وآخرين نهضوا من الكرسي في وضع دفاعي باحثين عن الصوت.
وإذ بصوت الضحكات يكثر من عدة اتجاهات وقام عدة مساعدين بالهجوم على بعض من الحضور محاولين خنقهم.
سادت الفوضى وخرج من استطاع من الأطباء لاستدعاء الأمن، وقفت مشدوهة وسط كل هذه الفوضى. لم أكد استعيد تمالك أعصابي حتى رأيت مساعدي هنري كولمان ممسكًا بأحد الضاحكين أراد أن يحاول خنقي وصاح لي لأهرب. لكن حينها قفز علي ضاحك آخر ممسكا بي من رقبتي فسقطت على رأسي بقوة شعرت على اثرها بدوار شديد، حينها سمعت صوت المدخل يفتح على مصرعيه وأقدام كثيرة يتبعها المزيد من الضجة. كدت أفقد الوعي حين خفت القبضة المحيطة بعنقي وسقط صاحبها فوقي.
سعلت بقوة وشعرت بارتخاء في جسدي وأنا بالكاد أعي ما حولي، و بالتدريج تحول كل شيء إلى الأسود.
***
"هذه بالفعل مصيبة، حتى أن اثنين من رجال الأمن قد اصيبوا بنفس حالة الجنون! " سمعت صوت شخص يقول هذا على مقربة من مكان استلقائي.
"سيكون علينا رفع حالة الأمن لضمان الحماية. " قال رجل آخر. فتحت جفناي بهدوء، وكما متوقع جلست بغرفة مستشفى ورأيت وجوه لم أرها منذ شهرين.
كان زوجي ريك جالسًا على كرسي بجوار سريري وهو يغمر يدي بدفء يديه. وجهه المستدير كسته تجاعيد زائدة عن المعتاد من القلق، و عيناه البنيتان تنظران إلى خاصتاي الزرقاوان بفائض من الحب. عندما لاحظ أنني استفقت ابتسم بدفئ وتنهد كأن حمل ثقيل قد أزيح عن كتفيه.
"مرحبًا بعودتك حلوتي، اشتقت لكِ." همس لي بنبرته الطفولية التي أحبها.
"أنا أيضًا." خرج صوتي بصعوبة متخشرجًا.
"أمي!" أجهشت آن –ابنتي– بالبكاء واقتربت مني. وجهها الشاب المستدير كوالدها متورد بسبب البكاء، شعرها الذهبي كشعري رفعته بعشوائية عكس ما تفعل عادة. ربتُّ على يديها عندما اقتربت من السرير وخلفها وقف ابني الأكبر كولين الذي يشبه أخته الصغرى كأنهما توأمان ثم انحنى ولثم ظهر يدي برفق ويداه ترتجفان عكس الظاهر عليه.
"سعيد انكِ بخير سيدة إليوت." قال رئيس رجال الأمن بعد خمود تلك اللحظات العائلية. حاولت الحديث لكن صوتي المتعب جعلني أواجه مشكلة بذلك، لكن الرجل استطاع أن يفهمني دون الحاجة للحديث.
"مات معظمهم." نكس رأسه في ألم، ها هي المزيد من الخسائر.
قضيت بضعة أيام في المستشفى قبل أن أعود لمنزلي.
جلست على أريكة غرفة المعيشة برفقة زوجي ريك وابناي الكبيران كولين وآن في جلسة –بسبب عملي– لم تحدث منذ شهرين.
"أين تريس؟" سألت بينما أتناول رقائق البطاطا أمام التلفاز.
"أخبرني أنه يتسكع مع اصدقائه" أجابت آن
"هذا الفتى، ألا يعلم أنني عدت اليوم؟!" قلت بخيبة
جلسنا لبعض الوقت نمرح معًا لأتناسى ما حدث قبل عدة أيام وبعد بعض الوقت دخل ابني تريس للمنزل وتعانقنا. بدا مرهقًا؛ فعيناه أسفلها ظلال على وجهه الشاحب. دخل غرفة النوم وأغلق على نفسه، لا أشعر بالراحة تجاهه. إن تريس فتىً مرح، عندما يراني في العادة بعد مرور وقت طويل دون أن أراه هو الباقين يبقى معي لوقت طويل يتحدث طويلًا ويسألني حول العمل ويمزح معي ساخرًا من زميلي في العمل جريج الذي يستمر دائمًا بمضايقتي. لكنه اليوم اكتفى بمعانقتي ليذهب مباشرة لغرفته، لذا توجهت لغرفته لكنه تغذَّر برغبته بالنوم لذا تركته وحده وأنا أنوي القيام بتحليل نفسي كامل غدًا.
حل منتصف الليل وذهب الجميع للنوم ولكن من أين يأتي النوم بعد ما رأيته. منذ الحادث وأنا أعاني من الأرق فتقلبت في السرير طويلًا دون جدوى حتى حلت الثالثة فجرًا ومازلت مستيقظة، قررت حينها النزول لشرب بعض الماء من المطبخ.
فتحت الثلاجه وقربت لفوهة الزجاجة لأسمح للمياه الباردة بعبور حلقي ليرطبه ولكن في المنتصف توقفت، وجفت الدماء في عروقي وارتجفت يداي وقلبي.
كان هناك صوت ضحك.. في المنزل!
انزلقت المياه من يدي وخرجت بهدوء من المطبخ وأنا أعلم جيدًا صاحب الصوت.
خرجت اتلفت حولي وتجمعت الدموع في عيني، ماذا عن آن، وزوجي و..
لكن حينها علا صوت الضحك وكان يصدر بالتحديد من خلفي..
شعرت بلكمة في رأسي من الخلف لم أكد أسقت حتى ابتعدت بسرعة متدحرجة أرضًا متافدية لكمة أخرى وجهت إلي وركلت صاحبها في قدمه فسقط أرضًا. حاول الركض بحثًا عن الباقين وعندما التفت وأنا اصعد الدرج لم أره بالرغم من أنني مازلت أستطيع سماع صوته، لذا سارعت نحو غرفة تريس وكولين وعندها انهرت على قدمي أمام جثة ابني. كان وجهه مغطى بالندبات وآثار اللكمات بوجهه، حاولت سماع نبضه لكن لا يوجد صوت يسمع وصدره لا يتحرك. حينها استعدت قوتي بصعوبة وبترنح توجهت نحو غرفتي وزوجي ووجته على نفس الحال ملكوم وميت.
أستطيع سماع ضحكات تريس خلفي ولكن ليس لدي القوة لأقاوم أو أحارب. شعرت به خلفي وأنا جاثية على ركبتيي، و لكن بدلًا من الشعور بأي نوع من الألم البدني سمعت صوت ارتطام شيء معدني وسقوط جسد على الأرض .
Коментарі