الذكرى الثانية
-
" بعض الذكريات لا تترک عظامک أبداً ، هى فقط تظل عالقة بجوف عقلک لتصبح جزء منک. فـ بعضها قد يترک إبتسامة سخيفة على وجهک دون سبب، وبعضها قد يرسم الحُزن على معالم وجهک وقلبک. "
كالعادة تحدثت هايت بصوتها العذب الذى وبطريقة ما كان يرسل شعوراً بالراحة فور سماعه.
تنهدت بخفه لتكمل حديثها
" مرحباً بكم أصدقاء الليل خاصتى. إن اليوم ممطرٌ للغايه. لا أعلم إذا كنتم تتفقون معى أم لا، لكن..
الجو رائعٌ للغايه. أنا أحُب تلک الأجواء الممطرة، فـ هى تشعرنى بالراحة والطمأنينة. أتمنى بأنكم تستمتعون بالأجواء كما أفعل أنا. "
أرتشفت قليلاً من كوب الشاى الذى بجوارها لتكمل حديثها بخفه
" حسناً. لنبدأ محادثات منتصف الليل خاصتنا وأول رسالة من برايدن. مرحباً برايدن.. "
" رسالة برايدن کالتالى ' مرحباً هايت. كيف حالکِ؟.
حقيقةٍ لا أعلم من أين أبدأ. أنا شخص نوعاً ما منعزل عن العالم. ليس لى عائلة ولا أمتلک أصدقاء. وحيد بهذا العالم. أشعر وكأنى منبوذ، وكأن العالم قد أتفق على تدميرى. ليس لى هدف بهذه الحياة. أكره حياتى بشدة وأود تغييرها.. لكن لا أعلم كيف. أنا أعمل بأحدى المطاعم الرقية ومؤخراً زميلتى بالعمل كانت تحاول التقرب منى ولكنى دائماً ما كُنت أبعدها عنى بغبائى. أنا فقط خائف من هذه الخطوة. أشعر بالتناقض، فـ هى تبدو لطيفة عكس من قابلتهم. أريد رأيکِ حقاً هايت وأود أن تساعدينى فى أتخاذ قرار.. '
أنتهت هايت من قراءة رسالة برايدن لتردف
" حسناً برايدن. نوعاً ما أتفهم ما تمر به. فكرة كونک وحيد وشعورک المستمر بأنک لا يجب أن تثق بأحد. أنعزالک عن العالم وصمتک المريب. كلها أشياء مررت بها وصدقنى أنها کاللعنة. الوحدة قد تكون جيدة أحياناً، لكنها تظل فى النهاية أمرٌ سئ. "
" أحياناً يحتاج المرء للحديث مع شخص واحد فقط ليجعلک تشعر بأنک تتحدث مع العالم أجمع. الفكرة هنا هى أنک قد تبحث عن من ينصت لک جيداً ولا يحاول حتى مقاطعة حديثک. كل ما فى الأمر هو أنک تريد شخصاً واحداً يكون لک الجميع. لذا لما لا تعطيها فرصة لتغييرک. فـ كما تحدثت عنها، يبدو وكأنها تسعى لمساعدتک. ويبدو أيضاً أنها تهتم لحُزنک. ربما هى رأت ما لم يستطع غيرها رؤيته. الإنسان يحتاج إلى فرصة وأيضاً يحتاج إلى معجزة. فـ قم بإعطائها تلک الفرصة، لتكن لک تلک المعجزة عزيزى برايدن. "
أنهت هايت حديثها بخفه وهى تبتسم. نظرت للشاشة أمامها ثم أردفت
" حسناً.. الرسالة التالية من سيث. مرحباً سيث. أوه سيث يقول ' هايت تعنى الكره، والكره شئ سئ. لما قمتِ بأختياره ک لقب لکِ فى البرنامج؟.' "
عقدت هايت حاجباها بضيق لكنها سرعان ما عادت لتبتسم بخفه وتكمل
" سؤال جيد سيث. هذا اللقب يشبه شئ يقوم به الكثير هذه الأيام. هايت تعنى الكره وهذا ما يراه البشر. فـ إذا أخبرت أحدهم ما معنى تلک الكلمة، سيخبرک بأنها تعنى الكره. وتلک الكلمة لا يحبها الكثير، فـ هى رمز لعدم محبتک لشخص أو شئٍ ما.. لكن هنا يأتى السؤال، لما هذا اللقب بالتحديد؟. سأخبركم.. "
أرتشفت من كوبها مجدداً ثم أكملت
" هايت هو مزيج بين أسمين فى الحقيقة. مزيج بين أسمى وأسم شخص أحب مناداته بـ المجهول. وهنا يظهر شئ دائماً ما يقع به أغلب البشر. المرء دائماً يرى الظواهر ويقوم بالحكم على أساسها، فى حين أنه يغفل عن باطنها أو ما يكمن خلفها. فـ مثلاً إذا رأک أحدهم تبتسم سيقول بأنک سعيد فى حياتک، بينما أنت فى الحقيقة متعب من الداخل. وهذا ما يحدث حين يقوم أحدهم بسؤالِ عن سبب أختيارى لهذا اللقب، فـ أول ما يختر فى باله هو أنى شخصُ معقد، كاره لمن حوله وهذا غير صحيح. "
" ببساطة لا أحد يكلف نفسه عناء السؤال عنک أو عن ما بداخلک. أنهم فقط يكتفون بما يروه من الخارج ولا يعلمون شيئاً عن ما يحدث بداخلک. "
-
ها هى تخرج ببطء من محطة الراديو. السماء مازالت تمطر، لكنها لم تكثر لذلک. هى حتى لم تكثر لملابسها المبللة أثر قطرات المطر أو حتى كونها قد تصاب بالبرد فيما بعد. كل ما كان يشغل تفكيرها هو هذا السؤال ' لما هذا اللقب؟. '
تنهدت بضيق وهى تدلف لداخل سيارتها. قامت بتشغيلها ثم أتجهت نحو منزلها. كان تفكيرها سيقتلها كونها مازالت تتذكره رغم كل ما حدث. أفاقت من تفكيرها على صوت رنين هاتفها وكان هو المتصل.
' ذلک المجهول بالنسبة لها '
أنها المرة العاشر الليلة. فـ بعد كل ما حدث، هو مازال يتصل بها ولكنها كالعادة تتجاهل أتصالاته ورسائله لها. لحظات صمت عمت السيارة ليقاطعها رنين الهاتف مجدداً. قامت بأغلاق هاتفها ثم رمته بجانبها وهى تلعنه فى سرها. تنهدت بضيق وهى تتذكر ذلک اليوم حين قام بسؤالها عن هذا اللقب الذى يراه غريب.
فـ كيف لفتاة بمثل جمالها أن تختار لقب کهذا. تذكرت كونه كان يعلم بمعنى اللقب مسبقاً وكيف أرسل لها رسالة بأحدى الروايات المفضلة لديها قبلها، لكنه فضل أن يتظاهر بالغباء أمامها. ربما هو فقط أرد أن يتحدث معها وأن يعرف معنى اللقب من بين شفتيها.
تذكرت إبتسامتها بعدها حين قرأت رسالته، وتسألت لما فعل ذلک إذا كان يعرف الإجابة مسبقاً.
أفاقت من شردوها مجدداً لتتنهد بضيق للمرة المليون هذه الليلة. قامت بتشغيل الراديو على إحدى المحطات لتنتشلها أحدى معزوفات بيتهوفن الشهيرة حتى وصلت إلى منزلها.
ترجلت ببطء من سيارتها ثم دلفت لداخل منزلها. قامت بالإستحمام بماءٍ دافء، فـ جسدها كان بارداً قليلاً أثر المطر ثم خرجت وأرتدت بنطال قطنى أسود اللون وتيشرت بأكمام بنفس اللون.
جلست على سريرها ثم نظرت للساعة لتجدها الثانية وخمس دقائق صباحاً. لم تشعر بالنعاس، لذا ظلت تقرأ أحدى الروايات لديها حتى غفت وهى تقرأ..
Коментарі