الذكرى الأولى
-
" الألم، الكتمان، الصمت، الهروب، الوهم، الإدمان، الخوف.. كلها أشياء تدفعک للتخلى عن الواقع ومشكلاته والتوجه نحو الخيال. وكلما مرت الأيام، أصبحت حياتک أكثر سوءاً وتعقيداً. الجميع يراک شخصٌ سعيد. حياتک رائعة، أصدقائک حولک، عائلتک بجانبک.. رائع تمتلک حياةً مذهلة بمعنى الكلمة.. لكن "
بدأت كايت حديثها أو لنقل هايت فـ هذا هو لقبها فى برنامجها الإذاعى ' محادثات منتصف الليل. '
بتلک الكلمات ثم توقفت لبرهة وهى تتنهد بخفه لتكمل
" كل ذلک مجرد هراء، فـ لا أحد يرى كم الصراعات التى خلف إبتسامتک. لا أحد يعلم بأنک تشعر بالوحدة حتى وسط عائلتک وأصدقائک. لا أحد يرى كم تعانى بمفردک فى نهاية اليوم. لا أحد يعلم كم أنت متعبٌ من الداخل، حتى أن ذهابک للطبيب لا يجدى نفعاً. الجميع يرى فقط الظواهر ولا أحد يعلم بما خلفها.. ربما لو توقف أحدهم للحظةٌ،، لحظةٌ واحدة فقط ليرى حقيقتک. ليرى متاعبک ومشكلاتک. ربما لـأصبحت أفضل.. "
توقفت لبرهة وهى ترتب كلماتها بداخل رأسها قبل أن تشاركها مع ' أصدقاء الليل خاصتها '
" مرحباً أصدقاء الليل خاصتى. كيف حالكم اليوم ؟
ها قد دقت الساعة معلنة عن بدأ حديثنا معاً. حديثنا الذى قد يظنه البعض مجرد هراء، لكن هذا الهراء ما هو إلا عمق قد فشل البعض فى تفسيره. هيا بنا لنبدأ محادثات منتصف الليل خاصتنا. "
تحدثت هايت بعفويتها کالعادة. تنهدت بخفه قبل أن تضيف
" حسناً سنبدأ بالرسالة الأولى وهى من بيكا. مرحباً بيكا.. أمم بيكا تقول ' أنا أمتلک شخصٌ قريب بالنسبة لى، أو لنقل لقد كان. ربما لأنه أصبح يتعامل معى بطريقة مختلفة فى الأونِ الأخيرة، حيث أنه أصبح يتجاهل رسائلِ ونادراً ما يجيب على مكالماتِ وأصبح يتعامل معى بجفاء عكس ما كان يحدث فى بدأ الأمر وهذا يحزننى بشدة كونى لم أفعل له شئ سئ کى يتعامل معى بتلک الطريقة. ما الحل هايت؟. "
زفرت هايت بغضب لتردف
" عزيزتى بيكا. أولاً أنا أعتذر لکِ بالنيابة عن هذا الأحمق. ثانياً هناک نوعان من البشر، الأول يجد شخص يهتم به ويحبه ويتحمل عيوبه ومزاجيته المفرطة والثانى وهو الذى يعجب بشخص لفترة معينة ثم يمل منه ويسعى نحو البحث عن أحد غيره وهذا النوع من البشر هو هذا الأحمق وأمثاله. لا أعلم إذا كانت تجمعكما علاقة حُب أم صداقة، لكن فى كلا الحالتان الأمر سئ. "
" الحل الوحيد للتعامل مع أمثال هذا الأحمق هو التجاهل. نعم التجاهل، لأنهم لا يستحقون شئ أخر غير ذلک. المشاعر الأنسانية ليست بلعبة، فـ بعض الكلمات قادرة على إسعاد أحدهم أو إحباطه. صدقينى بيكا، تجاهلِ هذا الأحمق وأشعريه بأن حياتکِ أفضل بدونه. هناک أشخاص أهم منه فى حياتکِ. لا تدعِ هذه العلاقة أن تكون نقطة النهاية بالنسبة لکِ، بل أجعليها بداية لصفحة جديدة خالية من أمثاله. "
حاولت هايت ألتقاط أنفاسها بسبب أنفعالها من هذا الأحمق. فرقت شفتيها ببطء لتردف
" رفقاً بالروح البشرية، فـ الأساءة، التجاهل وعدم الإهتمام ليست بالأمور الهينة. "
تنهدت برفق قبل أن تكمل ' حسناً.. لنقرأ الرسالة التالية وهى من كودى. مرحباً كودى '
-
توالت الرسائل واحدة تلو الأخرى حتى أنتهت ساعة البرنامج لتودع هايت أصدقاء الليل خاصتها.
خرجت كايت من المكان بعدما ودعت أصدقائها فى العمل وكانت الساعة الواحدة وخمس عشرة دقيقة صباحاً. تنهدت ببطء قبل أن تتدلف لداخل سيارتها لتقودها نحو منزلها.
كان الطريق هادئاً للغايه. صوت الراديو هو الوحيد المسمع فى المكان حولها. الشوارع خالية من البشر ونسمات الهواء تضرب وجهها لتشعرها ببعض الراحة.
أحبت كايت هذا الجو، فـ هى تحب الليل والهدوء والتأمل وتكره بشدة الشمس والزحام والخروج نهاراً عموماً.
كانت تبدو هادئة للغايه من الخارج، لكن بداخلها فـ تفكيرها يكاد يقتلها ببطء.
لقد ذكرتها تلک المحادثة به مجدداً. رغم ما تفعله لكى تتخطى الماضى، إلا أن الماضى لايزال يلاحقها.
زفرت بغضب حين تذكرت لقاءهما الأول. كيف كان مميزاً بالنسبة لها. عيناه التى يحوطها الحزن ومظهره الهادئ. كانت تعلم بالصراعات التى بداخله، فـ عيناه كانت تطلب المساعدة. تذكرت تحديقه الغريب بها. تذكرت تلک الصدفة التى ندمت عليها فيما بعد.
أخرجها من دوامة لعنها له حيث وصلت أمام منزلها. ترجلت من السيارة ثم توجهت نحو منزلها. أخرجت مفاتيحها من داخل حقيبتها لتفتح الباب وتدلف لداخل المنزل بملل. قامت بخلع الجاكت الأسود ثم وضعته على كتفها الأيمن وصعدت نحو غرفتها ببطء
لترمى جسدها المتعب بإهمال على السرير وتنام دون حتى تغيير ملابسها. فـ بعد ما حدث،أصبحت لا تهتم لشئ ولا تفكر حتى بشأن حياتها.
أهم شئ هو برنامجها الأذاعى وأصدقاء الليل خاصتها. فـ هم الحل الوحيد للهروب من واقعها..
Коментарі