Chapter 1 ... ولادة فجر جديد
أولًا وقبل كل شيء
إن كنت هنا لتبحث عن العقل والمنطق والواقعية ف صدقني أنت في المكان الخاطئ
أما إن كنتَ هنا لخلق عالمك الخاص فقد وطئت قدماك مكانهما الملائم
فلا تتعجب عندما لا تجد كندا على خريطة هذا العالم أو عندما تجد تلك البلاد التي ظلت دومًا تنادي بالحرية والديموقراطية تتخذ طريقها تجاه الملكية والديكتاتورية وفرض الذات
لذا فقط تأكد أن تترك عقلك وفلسفتك واخلع عن خيالك تلك الاوصاد التي تقيد حريته واترك العنان له فسترى حينها ما لم تتوقع أن تتخيله يومًا
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
في ليلة نسيمها عليل تتسابق فيها الرياح لتتخبط بالأشجار والأزهار والمباني هنا وهناك ، تملؤها النجوم كأنها أضواء منثورة .. وخاصةً بعد منتصف الليل .. الهدوء يلف الجميع في سباتهم العميق ماعدا صوت صراخ تلك المرأة الذي يتعالى من غرفة إحدى القصور الفخمة بروسيا تستغيث بألم ... خارج هذه الغرفة رجل يمشي ذهابًا وإيابًا في قلقٍ وتوترٍ يدعو من قلبه سلامة زوجته بجانبه ثلاث أولاد في ريعان شبابهم يحاولون تهدئته وطمأنة قلبه
صرخ الوالد في صدمة وذهول :-
يا الهي ما الذي حل بنا اليوم؟؟ كيف يحدث هذا؟؟ لم يحن موعد ولادتها بعد أنه بعد شهرين!!!
أجابه اكبرهم 'هارولد' المعروف بحكمته وذكائه من بين إخوته محاولًا طمأنته وتهدئة ثورته :-
لا مشكلة يا أبي ، هنالك أطفال يولدون في شهر الحمل السابع بالفعل لذا لا تقلق
تدخل الاوسط 'كيسنچر' بطبيعته السوداوية اللامبالية وكأنه قد استيقظ خصيصًا لزيادة حنق والده وقلقه ليس إلا :-
المشكلة انها لم تكمل الشهر السابع من حملها بعد .. تبقى اسبوع حتى تتمه بالفعل ، اظن ان هذا يعني أن الجنين قد مات وقد يلحق الأذى بأمي أيضًا من يعلم ..!
هنا ظهر اصغرهم 'ماكسم' وهو يضع سبابته على فمه محاولًا اسكاته من التفوه بترهاته :-
هششش .. أبهذه الطريقة تطمئن قلبه ايها الاحمق؟!!
اذا كنت هنا لتقلقه أكثر فاذهب لتكمل سباتك أيها الدب
أجابه كيسنچر بغضب :-
انا لست دباً أيها الخروف الجبان .. !
بمجرد أن سمعتَ صراخ أمي حتى أخذت بالصراخ أنت الآخر وكأنه كان ينقصنا طفلٌ صغيرٌ آخرٌ بالعائلة ..!!
بدأت هالة الغضب بالتكون حول هارولد ، فصرخ بهما بنبرة من التهديد :-
اصمتا الآن ايها الطفلان العملاقان ، هذا ليس الوقت المناسب لمثل هذه الشجارات الطفولية!!
اهمل الأب ما يحدث من ابنائه المختلين عقليًا وأخذ ينظر إلى ساعةٍ جميلةٍ ذات مظهرٍ عتيقٍ كانت على الحائط في قلقٍ حتى زفر في حنق وصرخ في ضجر
اللعنة لقد تأخر الطبيب في هذه الغرفة يكفي هذا حقاً سأدخل ، لا يمكنني تركها تصارع بمفردها أكثر من هذا
ما ان بدأ ذلك الرجل بتوجهه للغرفة المقابلة ومحاولات أولاده لمنعه حتى خرج الطبيب وكانت ملامحه لا تبشر بأخبار حميدة ....
أخرج الأب زفيرًا طويلًا دليل راحته برؤية الطبيب بعد ساعتين من دخوله إلى الغرفة فحاول بكل ما لديه ألا يفقد هيبته أمام الطبيب فتحرك تجاهه بحركات ثقيلة وأخذ يهدئ من نبرته وكأن شيئًا لم يحدث
اخيرًا كنت قد بدأت أفقد أعصابي وعلى وشك طردك لتأخرك .... والآن أخبرني ان كانت زوجتي بخير ولِمَ هذه التعابير على وجهك .. هيا تكلم
انحنى الطبيب بمجرد خروجه من الغرفة وباشر كلامه بنبرة هادئة :-
لا تقلق مولاي لم يحدث لها مكروه انها على خير ما يرام ، مبارك لحضرتكم فقد رزقتم بمولود جميل حقًا
ثم خفّضَ الطبيب مستوى صوته نسبيا واردف في توتر :-
إلا أنه ...
- إلا أنه ماذا؟؟
فقط مولاي .. أطلب من حضرتكم أن نتحدث في مكان أكثر اماناً من هنا
- ما الذى تعنيه؟؟؟ أتعني ان منزلي غيرُ آم ...
توقف الوالد فجأةً وكأنه فهم ما يردف له الطبيب فنظر خلفه ليجد أبناءه الثلاثة يحاولون التنصت على ما يقال فجابههم بصوت رخيم يغلب عليه الغضب :-
ماذا تفعلون انتم؟؟!
اجابه ماكسم بسرعةٍ وتلقائيةٍ تامة :-
لا شئ فقط نسترق السم ....
صرخ كل من كيسنچر وهارولد وهما يحاولان كتم فم ماكسم من قول اي حرفٍ آخر :-
لا شئ!!!
اكمل هارولد محاولاً تغيير الموضوع :-
آه كيسو ألم تكن ستذهب لتستكمل موتك أعني نومك
- ااه اجل لقد تذكرت بالفعل فأنا اشعر بالنعاس حقًا هيا بنا
ثم تحدثوا جميعًا في فم واحد :- وداعاً ..
واختفوا بسرعة ذاهبين لغرفهم
زفر الطبيب من تصرفات الأمراء الطفولية فاستردف حديثه :-
هذا افضل .. سيدي .. حتى لا أخفي عنك اي تفصيلة صغيرة قد تبدو مهمة لسيادتكم لذا سأتحدث بكل صدق وصراحة .. ولادة مولاتي هذه المرة مختلفة حقاً عن باقي ولاداتها السابقة ... لقد تألمت بشكل أكبر بكثير أعتقد ان هذا بسبب ولادتها المبكرة إلا أن الجنين في افضل حال ..!
- ما الذى تعنيه ؟!
أعني أن الجنين على الرغم من أنه وُلد سابقًا أوانه إلا أنه في حال افضل من إخوته الذين وُلدوا مع اكتمال الحمل .. أمرٌ غريبٌ حقاً ... إذ رأيته لا تشك للحظة في انه غير مكتمل النمو !!
- أيستدعي ذلك ذهابه إلى المشفى حتى يكتمل نموه؟؟
لا سيدي ، انه شبه مكتمل بالفعل لذا لا مشكلة ان بقي هنا لكن اتمنى الرعاية الجيدة به ، ومحاولة معرفة سبب ذلك الضوء الغريب
- ضوء ..!!
جذبت تلك الكلمة انتباه الوالد بعد أن بدأ يشعر بالراحة وكأنه كان يدعو ألا يسمعها فأجاب محاولًا ان يخفي قلقه
سأتكفل بهذا ، شكرًا لحضورك السريع وقت استدعائك يا طبيبنا ...
اختتم جملته وهو يشير لاحد الحراس فأتى الحارس مهرولًا
- اصطحب طبيبنا إلى الخارج
اوامرك سيدى
ما إن اختفى الحارس مع الطبيب عن الأنظار حتى توجه الرجل إلى زوجته ، باله ليس مشغولاً بشيء سوى الاطمئان على زوجته والمباركة لها أو ربما هذا ما كان يحاول إظهاره ، فقلقه قد طغى على كل جوانحه بالفعل
فتح باب تلك الغرفة بهدوء وبطء والقى نظرة هادئة على زوجته و إذ بها تنظر إلى مولودها الصغير المستلقي بجانبها علي السرير في شرودٍ دام قصيراً حتى نظرت إلى الباب فوجدت زوجها يقف في صمت
فتحدث بنبرة من المزاح محاولًا تخفيف ألمها :-
عزيزتي إيللي .. كنتِ ومازلتِ قوية كما عهدتك مثل الوحوش هه ..
لم يتلقى ردًا إنما تلقى بعض النظر الى الفراغ عوضا عن ذلك ، فتبدلت نبرته إلى القلق :-
هل هناك خطب ما عزيزتي؟؟
اجابت الينورا بعد برهة من الشرود بابتسامة متصنعة وصوت مبحوح تفضح نبراته وموجاته عن آلام في الأحبال الصوتية :-
لا يا عزيزي ... لا شيء ، أخبرتك مرارًا أني قوية أتحمل العقبات وها قد مررنا منها سويًا .. إلا أني .. اريد إبلاغك بشيء .. قد يعكر صفو مزاجك
- فقط قولي ولا تترددي عزيزتي ، لا شيء قد يعكر صفوي سوى رؤيتك تعانين وها انتِ على أحسن ما يرام
إذًا .. اقترب وانظر ..
...............................................
"الينورا ...... "
تؤلمنى حنجرتى وكأن احدهم يصب بها قدرًا من الحديد المنصهر ، بالنظر إلي الأمر من هذه الجهة فأنا لم أشعر بمثل هذا الألم في ايٍ من ولاداتي الثلاث السابقة .. شعرت وكأن روحي تحتضر ، ليس وكأن جزءًا مني يخرج .. لا بل وكأن جسدي يشُق إلى نصفين ولا قوة لدي لأقوم بصرخةٍ أخرى
خلال كل هذا اسمع أصوات اخرى .. أصوات غير صوت ذلك الطبيب الذى يشجعني ان اتماسك لمدة أطول .. أسمع صوت اولادى وهم يحاولون تهدئة زوجى ، أعلم بقلقه ولو علم بقلقي لَمَ تركني في هذه الحال المزرية ولو استطاع لَمَ برح مكانه من جانبي ، واثقة من غضبه فبعد كل شئ قد كنا نعلم .. تم تحذيرنا أكثر من مرة من هذا الطفل القادم .. لكننا قررنا التضحية
طوال فترة حملي لم أغادر سريري .. إرهاق إجهاد وإغماء وإلى جانبهم التقيء ، عندما بحثنا عن هذه الأعراض اتضح انها اعراض التسمم .. لقد سبب لى هذا الطفل الكثير من الإعياء حتى ان جسدي أصبح هزيلًا وكذلك وجهي بدى شاحبًا وأشعر يوميًا ان عظامي تتآكل وكأنني في عمر الشيخوخة
انتهى العذاب عند سماع ذلك الصراخ الضعيف ، فحاولت أن اعتدل لانظر الى مصدر الصوت بينما اتأوه من الألم ... مهلًا ... ما هذا .. أنا لا أرى سوى نورٍ بدأ بالخفوت تدريجيًا مشكلًا شكلًا غريبًا على نمط نجمٍ ثماني كذلك النجم الذي يدعى بنجم 'الكاغومي' .. لا أفهم ولا يستطيع عقلي استيعاب ما يجري بسبب الإرهاق ، اختفى الضوء تدريجيًا ولم يتبقى منه إلا شعاع ضئيل والذي بالكاد يُرى بالعين المجردة ، اخذ صوت صراخ الطفل يتعالى في أرجاء الغرفة معلنًا وصوله بنجاح إلى عالمه الجديد .. ارتميت في أحضان سريري اتلو صلاتي شكرًا للرب سلامتي وسلامة طفلي الصغير الجديد ، سلم الطبيب الطفل للممرضة المجاورة له والتي لم تنتظر اي إشارة حتى اخذت الطفل إلى الحمام الملكي الملحق بالغرفة لتنظف عنه الدماء وتعده لإحضاره إلى أحضاني ، من الآن فصاعدًا أصبحت أمًا لأربعة شبان لا أشكك في وسامتهم ..
من أين علمت أنه فتىً!! .. في بداية تدهوري لم يستطع زوجي تحمل رؤيتي أنهار كل يوم أكثر من سابقه ، استدعى طبيب القصر وأقرّ خطورة وضعي وأشار علينا بإجهاض الجنين وإلا فلنتلُ صلاواتنا الأخيرة على روحي و روح جنيني ، وأخبرنا بأن الضرر يشتد بالجسد كلما كان جسد الجنين يمتص كمًا أكبر من الكالسيوم من الأم كما هو الحال مع الذكور ، وهذا غير أنني لا أنجب سوى الصبية طبقًا لكروموسومات جسد زوجي ذات الطفرة الجينية
بدأت الممرضة بالاقتراب بعد برهةٍ من الزمن تحمل غطاءً ابيض اللون وكأنها تحمل ملاكًا صغيرًا ، تقترب شيئًا فشيئًا فبدأت عيناي تفسر تلك التفاصيل الصغيرة اللطيفة ، شعر أحمر .. إنه كشعري!! .. كل اولادي ذوو شعر بني كزوجي .. يالفرحتي هذا هو الطفل الأول الذي يرث مني لون الشعر الناري كنت قد بدأت بفقدان الأمل في أن تستمر جينات عائلتي الملكية وانها ستتوقف حتى هذا الحد
أصبحت الممرضة على بُعد خطواتٍ مني فاعتدلت قليلًا في جلستي متجاهلةً صراخ عظامي بالاستمرار في نومي على سريري المريح وعدم التحرك ، فانحنت ومدت يداها لتعطيني طفلي المعجزة .. نعم سيكون هذا لقبًا لطفلي الجديد كلما اردت تدليله ، كلما أرى وجهه سأتذكر الأحداث الأليمة منذ بداية حملي حتى لحظتي الحالية بحملي له بين يدي .. لقد انتصرت ونجوت بمعجزة من ربي ، تأملت قليلًا في ملامحه .. شعر أحمر كالنار وعينان صفراوتان تشعان كالشمس وبشرة بيضاء بياض الثلج يتخللها احمرار في وجنتين وأنفه الصغير ورموشه الطويلة ..
ملامح لطيفة بريئة أذهبت عن عقلي آلامي واوجاعي وكأنني نُومتُ مغناطيسيًا بمجرد النظر بهاتين الذهبيتين .. مددت يدي لألاعب تلك الخصلات الضئيلة ، شعرت بعيني ذلك الطبيب تخترقني وتخترق طفلي فنظرت إليه لأحاول تغيير هذه النظرات المريبة :-
هذا الطفل مميز ، ولادة في الشهر السابع و ضوء يخرج من قلبه ويحيط به حتى أن شعره أطول قليلًا من شعر اي ابن آخر من ابنائي .. لابد إذًا أن اختار اسمًا مميزًا له ليليق به ، ما رأيك ب 'ستيفان' ..؟؟
وكتخفيف يصبح اسمه 'ستيف' ، أو ربما 'روستين' او 'ايريك' او حتى 'كريستوفر' ، اووف إن هذا محير حقًا ..!!
- سيدتي ، لا أنكر جمال تلك الأسماء وتميزها ، لكن من رأيي المتواضع أظن أن اسمًا ناعمًا سيكون مناسبًا في هذه الحال
ماذا تقول صموئيل!! انه رجل ويجب على اسمه أن يحمل من الشدة والوقار ما يكفي ليبث الاحترام والتقدير في قلوب كل من يتردد في آذانهم اسمه
- مع كل احترامي لمولاتي إلا أنني أتمنى من صميم قلبي أن أبلغك بما أعرفه قبل أن تتحمس مولاتي كفايةً حتى تأمر بجلب ملابس للطفل وبذلات تكفيه حتى يتم عقده الثالث
صموئيل يالك من ثرثار وقاتل للمتعة ..!! قل ما لديك قبل أن افقد صبري فألم رأسي لا ينفك يتزايد
- سيدتي .. مع بالغ الأسف والأسى يؤسفني أن اقاطع هذه الفرحة وأبلغ سيادتكم .. أنها فتاة سيدتي وليست فتىً
ماذا؟ فتاة ..! ما الذي تتفوه به؟؟ ألم ترى ذلك بعينيك أثناء فحصه له !! ماذا اذا عن الكروموسومات؟!! لقد اخبرتني أنه فتى ما الذي تغير الآن !
- التحاليل ليست دقيقة دائمًا مولاتي ، فأحيانًا تحدث مواقف كهذه .. ارجو السماح من سيادتكم لخطئي هذا
ليس وكأني أكره الفتيات .. ولكنها مفاجأة !!
لا أنكر صدمتي فأنا لم اتوقع قط أن أرزق بفتاة مع أني تمنيت هذا دومًا ، ربما تفاجئت وجزعت من فرط فرحتي بهذا الخبر! ..
اخيرًا قد اصبح لدي فتاة صغيرة استأنس بها في هذا القصر الضخم المليء بالذكور في كل مكان ، ذهبت بتفكيري سريعًا لاختيار اسمًا لها لكني وجدت عائقًا يمنع صفو تفكيري .. عدوي الاول .. القلق
زفرت وهززت رأسي لاخرج منها القلق إلا اني لم أفلح .. اخذ عقلي بالتساؤل كيف سيكون وقع هذا الخبر على زوجي خاصةً بعلمي أنه لا يحب الفتيات بعد تجربة سيئة مع والدته المتحكمة محبة السيطرة ، حتى أنه لا يتعامل مع إخوته الإناث على الرغم من معاملتهن الجيدة والطيبة معه
صموئيل ، احرص على عدم إبلاغ الملك بجنس المولود .. سأخبره انا بنفسي .. بطريقتي الخاصة
- بأمرك مولاتي ، وماذا عن هذا الضوء؟؟
لا أظن أن هذا الضوء بالشيء المهم ، حتى إن أردت إخفاء هذا الأمر عنه فسيلاحظه لا محالة لذا لابد من إخباره
انحنى الطبيب متفهمًا وذهب خارجًا تتبعه مساعدته ، لم تمر دقائق كثيرة حتى فُتح الباب ببطء وتظهر تلك الملامح من خلف الباب شيئًا فشيئًا .. دلف زوجي إلى الغرفة فحاولت إبعاد ناظريّ عنه لاخفي قلقي البادي على معالم وجهي ؛ فوضعت الطفلة بجواري على فراشي وبدأت أتأمل ملامحها اللطيفة وأتخذت هذا كعذرٍ لي لعدم مجابهة نظراته تجاهي .. وكان هذا هدوء ما قبل العاصفة
....................................................
خلال هذه الأثناء بمكان آخر يبعد آلاف الكيلومترات في إحدى قلاع لندن العتيقة في سكون الليل حيث لا يُسمع اي صوتٍ سوى صوت ضرب عصا إحدى الأشخاص في أكبر غرف هذه القلعة وافخمها ، لنقترب اكثر لنرى ما الذى يحدث .....
كان رجلاً عجوزاً يقف ساكناً أمام مرآته تبدو القسوة والغلظة على ملامحه العابسة تلك ذات التجاعيد وشعره المستقيم الأبيض ، تضرب يده بين الثانية والأخرى بعصاه الأرض كأنها تنذر بانهيار القلعة على من فيها في اي وقت .. يبدو كأنه في هدوء ما قبل العاصفة ينتظر أحدهم ليفرغ إعصار قلبه من غضب وسخط ونار عليه ... حتي سَمع صوت دق على باب الغرفة وجرى ما جرى
صرخ العجوز بصوتٍ غاضبٍ :-
ادخل!
فدخل شخص بدا أكثر كأنه فارس بملابس رسمية فبدأ بالانحناء واعتدل وقال بنبرة يغلب عليها الخوف والتردد :-
سيدى ........... لم ... نجدها ..
لم يتمالك العجوز أعصابه فبدأ بالصراخ والغضب :-
ماذا تعني ب'لم نجدها'؟!! كيف اختفت إذًا فسر لي!! أانشقت الأرض وابتلعتها أم أتى تنينٌ ضخم وأخذها لأرض الأحلام!! انتشروا داخل البلاد وخارجها أيضًا ... إما ان تعيدوها سالمة إما ان تقتلوها وتعودوا لي بجثتها الحقيرة!!
أردف بعدها وهو يرفع سبابته مهدداً :-
اقسم .. اقسم انكم ان لم تجدوها لستكون رؤوسكم هو أول ما يراه زوار هذه المدينة!!!
صعب أن تتخيل ما يعانيه شخص آخر لذا حاول الفارس امتصاص أكبر قدرٍ ممكنٍ من غضبه أو ربما كان يحاول إنقاذ رقبته من التفرق عن جسده :-
لقد أمرتُ بذلك فعلًا سيدى ، اتمنى ان يؤتي هذا ثماره ... بعد اذنك ....
ثم انحنى واستأذن خارجًا من الغرفة تاركًا ذلك العجوز في جعمة غضبه وناره
يسير الفارس فى الطرقات يقلب بناظريه القلعة بما فيها من لوحات عتيقة لأشهر الرسامين وتماثيل لأبطال الحروب وتلك الأساطير والروايات البطولية يحدث نفسه قائلا
"انظر إلى كل هذا ... لوحات ... تماثيل ... معلقات ... جمال ... مال ... خدم ... سلطة ... نفوذ ... هه حقًا لا يوجد شيء كامل ... يبدو أن ما نراه ليس إلا القناع الذهبي وما يخفيه هذا القناع أبشع بكثير مما نتصور ..."
قاطع تفكير الفارس ذلك الصوت الصغير الذي وقف في طريقه فانحنى له الفارس .. فتى يبلغ السابعة من عمره يرتدي ملابس النوم ويتضح على ملامحه جليًا آثار البكاء والنحيب الطويلة ، استوقف الفارس وحدَثه بنبرةٍ تشبه تلك النبرات الملكية محاولًا إظهار الجلال على ملامحه البريئة كتلك التي يتمتع بها جميع علية القوم والملوك :-
أوجدتم أمي أم أنكم تلهون في الأرجاء تاركين عملكم ولم تجدوها بعد كما يقول جدي
- مولاي الأمير مازلنا نبحث في الأرجاء عن جلالتها ، ما إن نجدها سنحضرها في أقربٍ وقتٍ ممكن
إذًا عليكم أن تبذلوا جهدًا أكبر وحاولوا أن تشعروا بالمسئولية تجاه ما يجري ، فلولا إهمالكم ما كان لكل هذا أن يحدث وما كانت أمي الآن مطاردةً كالمجرمين ، لا أعرف حتى لم تطاردونها بالتأكيد ذهبت للتمشية قليلًا كعادتها .. فهي تحب الهواء الطلق ... إلا أنها هذه المرة ... ذهبت بمفردها ... بدوني ... وتركتني وحيدًا
صبي في السابعة من عمره دون أمه ، من الطبيعي أن تكون ردة فعله هي البكاء ، مشاعر فياضة تخرج من الصغير تجاه أمه .. تمنى الفارس لو أنه يستطيع أن يخبره بما يجري فربما خفف عنه قليلًا وكشف له حقيقة من يبكي عليها كل هذا البكاء والنحيب ، اومأ الفارس للأمير الصغير متمنيًا له نومًا طيبًا خاليًا من الأحلام المزعجة وأكمل طريقه بعدها خارجاً من تلك القلعة السوداء يتركها لتستكمل غرقها في بؤسها ..
............................................................
في إحدى هذه البلدان التي تقع بين بريطانيا وروسيا في كوخ صغير يسكنه عجوزان طيبا الوجه والسمعة يجلسان على مائدة الطعام مع تلك السيدة صغيرة السن الشقراء شديدة الجمال التي يناديانها ب"ابنتي" وتتعالى أصوات ضحكاتهم معلنةً عن سعادتهم لكل من قد يمر بمحاذاة هذا الكوخ الصغير السعيد لتنتقل إليه عدوى الفرح والحبور
انتِ حقًا تملكين حس فكاهة رائع يا ابنتي
كانت هذه الجملة من السيدة العجوز صاحبة الابتسامة الساحرة والجمال الأخاذ المدفون وسط كل هذه التجاعيد التي تغطي وجهها مع نبرة يملؤها الفرح وقهقهات الضحك
- سيدتى تستطيعين مناداتى باسمى لا داعى لهذه المودة ، اعلم انه صعب التلفظ لذا لا مشكلة ان اخطئتي
انه ثقيل علي لسانى بحق!! أليس تراشي... امم اعني براتيشا؟؟
- انه باتريشيا سيدتى تستطيعين مناداتى ب 'تريشيا' للتخفيف
أظن أنه ربما اسهل للنطق قليلاً الآن ، ما رأيك يا عزيزى؟؟
~ لا يهمني ما يكون ، ما يهم الآن هو هذا الطعام الشهي
خرج ذلك الصوت من هذا الرجل العجوز الغارق في شراهته ، بمجرد رؤيته ستتيقن انه يود التهام صحنه حتى ان أمكن
يبدو انكِ جيدة بأعمال المطبخ ايضاً علي الرغم من أن مظهركِ لا يوحى بذلك بتاتاً
- أصبتِ سيدتي فأنا اعتبره كهواية .. هذا غير اني عامةً لا أحب أن يتدخل أحد في أيٍ من ملابسي أو طعامي أو أي شيء آخر يخصني .. خاصةً شعرى
صمتت تلك السيدة الصغيرة فجأةً ووضع معلقتها على المنضدة واردفت :-
- لا أعرف كيف اشكركما حقًا .. أود أن ارد جميلكما هذا وان اظل معكما ، فقد احببتكما لما عوضتماني عنه من احساس العائلة ودفئها لكن يجب ان اذهب من هنا بسرعة ... لا استطيع البقاء أكثر من هذا ... سأعرضكما للخطر ... وايضاً ...
اخذت السيدة نفسًا طويلًا كمحاولةٍ لضبط نفسها وانفاسها ثم وضعت يدها علي قلادة ذهبية كانت حول عنقها تحمل شكل قلب عليها نقوش غريبة واستأنفت :-
- لدي أمانة يجب ان اسلمها .... بعدها ربما أستطيع العودة
تري.... امم يا ابنتي أعلم أن هذا ليس من شأني وانني لم أستطع التحدث معكِ بشكل لائق عندما أتيتِ إلى هنا ... كنتِ منهكة وبدى عليكِ الإعياء والإرهاق لكن .... ما الذى تخفينه يا ترى؟؟
- فقط يجب ان اسلم امانتي ... هذا كل ما في الأمر سيدتي
حسنا يا ابنتي اتمنى لكِ السلامة والنجاح فيما عزمتِ على القيام به ... سأنتظر عودتكِ على أحر من الجمر
قطع العجوز سكوته بعد الانتهاء تمامًا من صحنه حتى ان نظرت إليه ربما وجدته يلمع كما لو كان جديدًا..!! وتحدث اخيرًا وقال :-
لحظة لحظة ان كنتِ سترحلين ف هل هذا يعني أنني ...
واخذ ينظر نظرة تشي بالخوف تجاه زوجته العجوز ثم بدأ بالصراخ وأردف :-
لا لا لن أعود إلى تلك الأطعمة الرديئة لا لا لا وألف لا
دوى صوت الضحكات في الأرجاء لترتسم البسمات على الوجوه بعد فترة من الكلام الجاد ثقيل المسمع فأتى الرد من السيدة باتريشيا :-
- لا تقلق سيدى ، لقد تركت دفتر ملاحظات للطبخ مع سيدتي .. لكن اتمنى أن تستعمله
لن تمر عبارةٌ كهذه مرور الكرام على السيدة العجوز حتى رمقت زوجها على الفور بتلك النظرة التي تشع بكل معاني التوعد والقتل و أجابت كلام باتريشيا :-
لا تقلقي يا ابنتي ... سأستخدمه بالتأكيد
أتى صوت العجوز تغلب على نبراته التوسل والندم يحاول أن يصلح ما قد أفسده بغير قصد :-
~ زوجتي العزيزة لا تعاقبيني ارجوكِ
فاستردفت تريشيا كلامها ممزوجًا بضحكة :-
سيدتى بالتأكيد انه لا يعني .....
قطع هذا الحديث الجميل صراخٌ يأتي من الخارج مصاحبًا له صوت دقات عنيفة على ذلك الباب الذي بالكاد يتحمل الرياح الشديدة وأخذ الصراخ يتوالى مرات ومرات قائلًا :-
"انتم يا من هنا ... اخرجوا قبل أن نهدم هذا المكان الرديء على رؤوسكم"
ما ان سمعت باتريشيا هذا الصوت حتى انتفضت فزعةً في مكانها تقول وتتمتم في نفسها :-
لا .. لا يمكن هذا ... لا ليس الآن لا
ظلت تريشيا في فزعها كأنها مومياء تم تحنيطها في مكانها تجلس بلا حركة
ظلت صرخات ذلك الرجل تتوالى وتتعالى في الأرجاء بجانب طرقه العنيف والعجوزان يحاولان تهدئة تريشيا لكن ما ان أخبرتها السيدة العجوز بوجود باب خلفي لذلك الكوخ يؤدى إلى الغابة وقد بدأت ان تهدأ وتعود لوعيها بالفعل إلا أن الأوان قد فات .. فقد كسر الباب الهش وظلت صيحات الرجل تتوالى :-
إن كنت هنا لتبحث عن العقل والمنطق والواقعية ف صدقني أنت في المكان الخاطئ
أما إن كنتَ هنا لخلق عالمك الخاص فقد وطئت قدماك مكانهما الملائم
فلا تتعجب عندما لا تجد كندا على خريطة هذا العالم أو عندما تجد تلك البلاد التي ظلت دومًا تنادي بالحرية والديموقراطية تتخذ طريقها تجاه الملكية والديكتاتورية وفرض الذات
لذا فقط تأكد أن تترك عقلك وفلسفتك واخلع عن خيالك تلك الاوصاد التي تقيد حريته واترك العنان له فسترى حينها ما لم تتوقع أن تتخيله يومًا
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
في ليلة نسيمها عليل تتسابق فيها الرياح لتتخبط بالأشجار والأزهار والمباني هنا وهناك ، تملؤها النجوم كأنها أضواء منثورة .. وخاصةً بعد منتصف الليل .. الهدوء يلف الجميع في سباتهم العميق ماعدا صوت صراخ تلك المرأة الذي يتعالى من غرفة إحدى القصور الفخمة بروسيا تستغيث بألم ... خارج هذه الغرفة رجل يمشي ذهابًا وإيابًا في قلقٍ وتوترٍ يدعو من قلبه سلامة زوجته بجانبه ثلاث أولاد في ريعان شبابهم يحاولون تهدئته وطمأنة قلبه
صرخ الوالد في صدمة وذهول :-
يا الهي ما الذي حل بنا اليوم؟؟ كيف يحدث هذا؟؟ لم يحن موعد ولادتها بعد أنه بعد شهرين!!!
أجابه اكبرهم 'هارولد' المعروف بحكمته وذكائه من بين إخوته محاولًا طمأنته وتهدئة ثورته :-
لا مشكلة يا أبي ، هنالك أطفال يولدون في شهر الحمل السابع بالفعل لذا لا تقلق
تدخل الاوسط 'كيسنچر' بطبيعته السوداوية اللامبالية وكأنه قد استيقظ خصيصًا لزيادة حنق والده وقلقه ليس إلا :-
المشكلة انها لم تكمل الشهر السابع من حملها بعد .. تبقى اسبوع حتى تتمه بالفعل ، اظن ان هذا يعني أن الجنين قد مات وقد يلحق الأذى بأمي أيضًا من يعلم ..!
هنا ظهر اصغرهم 'ماكسم' وهو يضع سبابته على فمه محاولًا اسكاته من التفوه بترهاته :-
هششش .. أبهذه الطريقة تطمئن قلبه ايها الاحمق؟!!
اذا كنت هنا لتقلقه أكثر فاذهب لتكمل سباتك أيها الدب
أجابه كيسنچر بغضب :-
انا لست دباً أيها الخروف الجبان .. !
بمجرد أن سمعتَ صراخ أمي حتى أخذت بالصراخ أنت الآخر وكأنه كان ينقصنا طفلٌ صغيرٌ آخرٌ بالعائلة ..!!
بدأت هالة الغضب بالتكون حول هارولد ، فصرخ بهما بنبرة من التهديد :-
اصمتا الآن ايها الطفلان العملاقان ، هذا ليس الوقت المناسب لمثل هذه الشجارات الطفولية!!
اهمل الأب ما يحدث من ابنائه المختلين عقليًا وأخذ ينظر إلى ساعةٍ جميلةٍ ذات مظهرٍ عتيقٍ كانت على الحائط في قلقٍ حتى زفر في حنق وصرخ في ضجر
اللعنة لقد تأخر الطبيب في هذه الغرفة يكفي هذا حقاً سأدخل ، لا يمكنني تركها تصارع بمفردها أكثر من هذا
ما ان بدأ ذلك الرجل بتوجهه للغرفة المقابلة ومحاولات أولاده لمنعه حتى خرج الطبيب وكانت ملامحه لا تبشر بأخبار حميدة ....
أخرج الأب زفيرًا طويلًا دليل راحته برؤية الطبيب بعد ساعتين من دخوله إلى الغرفة فحاول بكل ما لديه ألا يفقد هيبته أمام الطبيب فتحرك تجاهه بحركات ثقيلة وأخذ يهدئ من نبرته وكأن شيئًا لم يحدث
اخيرًا كنت قد بدأت أفقد أعصابي وعلى وشك طردك لتأخرك .... والآن أخبرني ان كانت زوجتي بخير ولِمَ هذه التعابير على وجهك .. هيا تكلم
انحنى الطبيب بمجرد خروجه من الغرفة وباشر كلامه بنبرة هادئة :-
لا تقلق مولاي لم يحدث لها مكروه انها على خير ما يرام ، مبارك لحضرتكم فقد رزقتم بمولود جميل حقًا
ثم خفّضَ الطبيب مستوى صوته نسبيا واردف في توتر :-
إلا أنه ...
- إلا أنه ماذا؟؟
فقط مولاي .. أطلب من حضرتكم أن نتحدث في مكان أكثر اماناً من هنا
- ما الذى تعنيه؟؟؟ أتعني ان منزلي غيرُ آم ...
توقف الوالد فجأةً وكأنه فهم ما يردف له الطبيب فنظر خلفه ليجد أبناءه الثلاثة يحاولون التنصت على ما يقال فجابههم بصوت رخيم يغلب عليه الغضب :-
ماذا تفعلون انتم؟؟!
اجابه ماكسم بسرعةٍ وتلقائيةٍ تامة :-
لا شئ فقط نسترق السم ....
صرخ كل من كيسنچر وهارولد وهما يحاولان كتم فم ماكسم من قول اي حرفٍ آخر :-
لا شئ!!!
اكمل هارولد محاولاً تغيير الموضوع :-
آه كيسو ألم تكن ستذهب لتستكمل موتك أعني نومك
- ااه اجل لقد تذكرت بالفعل فأنا اشعر بالنعاس حقًا هيا بنا
ثم تحدثوا جميعًا في فم واحد :- وداعاً ..
واختفوا بسرعة ذاهبين لغرفهم
زفر الطبيب من تصرفات الأمراء الطفولية فاستردف حديثه :-
هذا افضل .. سيدي .. حتى لا أخفي عنك اي تفصيلة صغيرة قد تبدو مهمة لسيادتكم لذا سأتحدث بكل صدق وصراحة .. ولادة مولاتي هذه المرة مختلفة حقاً عن باقي ولاداتها السابقة ... لقد تألمت بشكل أكبر بكثير أعتقد ان هذا بسبب ولادتها المبكرة إلا أن الجنين في افضل حال ..!
- ما الذى تعنيه ؟!
أعني أن الجنين على الرغم من أنه وُلد سابقًا أوانه إلا أنه في حال افضل من إخوته الذين وُلدوا مع اكتمال الحمل .. أمرٌ غريبٌ حقاً ... إذ رأيته لا تشك للحظة في انه غير مكتمل النمو !!
- أيستدعي ذلك ذهابه إلى المشفى حتى يكتمل نموه؟؟
لا سيدي ، انه شبه مكتمل بالفعل لذا لا مشكلة ان بقي هنا لكن اتمنى الرعاية الجيدة به ، ومحاولة معرفة سبب ذلك الضوء الغريب
- ضوء ..!!
جذبت تلك الكلمة انتباه الوالد بعد أن بدأ يشعر بالراحة وكأنه كان يدعو ألا يسمعها فأجاب محاولًا ان يخفي قلقه
سأتكفل بهذا ، شكرًا لحضورك السريع وقت استدعائك يا طبيبنا ...
اختتم جملته وهو يشير لاحد الحراس فأتى الحارس مهرولًا
- اصطحب طبيبنا إلى الخارج
اوامرك سيدى
ما إن اختفى الحارس مع الطبيب عن الأنظار حتى توجه الرجل إلى زوجته ، باله ليس مشغولاً بشيء سوى الاطمئان على زوجته والمباركة لها أو ربما هذا ما كان يحاول إظهاره ، فقلقه قد طغى على كل جوانحه بالفعل
فتح باب تلك الغرفة بهدوء وبطء والقى نظرة هادئة على زوجته و إذ بها تنظر إلى مولودها الصغير المستلقي بجانبها علي السرير في شرودٍ دام قصيراً حتى نظرت إلى الباب فوجدت زوجها يقف في صمت
فتحدث بنبرة من المزاح محاولًا تخفيف ألمها :-
عزيزتي إيللي .. كنتِ ومازلتِ قوية كما عهدتك مثل الوحوش هه ..
لم يتلقى ردًا إنما تلقى بعض النظر الى الفراغ عوضا عن ذلك ، فتبدلت نبرته إلى القلق :-
هل هناك خطب ما عزيزتي؟؟
اجابت الينورا بعد برهة من الشرود بابتسامة متصنعة وصوت مبحوح تفضح نبراته وموجاته عن آلام في الأحبال الصوتية :-
لا يا عزيزي ... لا شيء ، أخبرتك مرارًا أني قوية أتحمل العقبات وها قد مررنا منها سويًا .. إلا أني .. اريد إبلاغك بشيء .. قد يعكر صفو مزاجك
- فقط قولي ولا تترددي عزيزتي ، لا شيء قد يعكر صفوي سوى رؤيتك تعانين وها انتِ على أحسن ما يرام
إذًا .. اقترب وانظر ..
...............................................
"الينورا ...... "
تؤلمنى حنجرتى وكأن احدهم يصب بها قدرًا من الحديد المنصهر ، بالنظر إلي الأمر من هذه الجهة فأنا لم أشعر بمثل هذا الألم في ايٍ من ولاداتي الثلاث السابقة .. شعرت وكأن روحي تحتضر ، ليس وكأن جزءًا مني يخرج .. لا بل وكأن جسدي يشُق إلى نصفين ولا قوة لدي لأقوم بصرخةٍ أخرى
خلال كل هذا اسمع أصوات اخرى .. أصوات غير صوت ذلك الطبيب الذى يشجعني ان اتماسك لمدة أطول .. أسمع صوت اولادى وهم يحاولون تهدئة زوجى ، أعلم بقلقه ولو علم بقلقي لَمَ تركني في هذه الحال المزرية ولو استطاع لَمَ برح مكانه من جانبي ، واثقة من غضبه فبعد كل شئ قد كنا نعلم .. تم تحذيرنا أكثر من مرة من هذا الطفل القادم .. لكننا قررنا التضحية
طوال فترة حملي لم أغادر سريري .. إرهاق إجهاد وإغماء وإلى جانبهم التقيء ، عندما بحثنا عن هذه الأعراض اتضح انها اعراض التسمم .. لقد سبب لى هذا الطفل الكثير من الإعياء حتى ان جسدي أصبح هزيلًا وكذلك وجهي بدى شاحبًا وأشعر يوميًا ان عظامي تتآكل وكأنني في عمر الشيخوخة
انتهى العذاب عند سماع ذلك الصراخ الضعيف ، فحاولت أن اعتدل لانظر الى مصدر الصوت بينما اتأوه من الألم ... مهلًا ... ما هذا .. أنا لا أرى سوى نورٍ بدأ بالخفوت تدريجيًا مشكلًا شكلًا غريبًا على نمط نجمٍ ثماني كذلك النجم الذي يدعى بنجم 'الكاغومي' .. لا أفهم ولا يستطيع عقلي استيعاب ما يجري بسبب الإرهاق ، اختفى الضوء تدريجيًا ولم يتبقى منه إلا شعاع ضئيل والذي بالكاد يُرى بالعين المجردة ، اخذ صوت صراخ الطفل يتعالى في أرجاء الغرفة معلنًا وصوله بنجاح إلى عالمه الجديد .. ارتميت في أحضان سريري اتلو صلاتي شكرًا للرب سلامتي وسلامة طفلي الصغير الجديد ، سلم الطبيب الطفل للممرضة المجاورة له والتي لم تنتظر اي إشارة حتى اخذت الطفل إلى الحمام الملكي الملحق بالغرفة لتنظف عنه الدماء وتعده لإحضاره إلى أحضاني ، من الآن فصاعدًا أصبحت أمًا لأربعة شبان لا أشكك في وسامتهم ..
من أين علمت أنه فتىً!! .. في بداية تدهوري لم يستطع زوجي تحمل رؤيتي أنهار كل يوم أكثر من سابقه ، استدعى طبيب القصر وأقرّ خطورة وضعي وأشار علينا بإجهاض الجنين وإلا فلنتلُ صلاواتنا الأخيرة على روحي و روح جنيني ، وأخبرنا بأن الضرر يشتد بالجسد كلما كان جسد الجنين يمتص كمًا أكبر من الكالسيوم من الأم كما هو الحال مع الذكور ، وهذا غير أنني لا أنجب سوى الصبية طبقًا لكروموسومات جسد زوجي ذات الطفرة الجينية
بدأت الممرضة بالاقتراب بعد برهةٍ من الزمن تحمل غطاءً ابيض اللون وكأنها تحمل ملاكًا صغيرًا ، تقترب شيئًا فشيئًا فبدأت عيناي تفسر تلك التفاصيل الصغيرة اللطيفة ، شعر أحمر .. إنه كشعري!! .. كل اولادي ذوو شعر بني كزوجي .. يالفرحتي هذا هو الطفل الأول الذي يرث مني لون الشعر الناري كنت قد بدأت بفقدان الأمل في أن تستمر جينات عائلتي الملكية وانها ستتوقف حتى هذا الحد
أصبحت الممرضة على بُعد خطواتٍ مني فاعتدلت قليلًا في جلستي متجاهلةً صراخ عظامي بالاستمرار في نومي على سريري المريح وعدم التحرك ، فانحنت ومدت يداها لتعطيني طفلي المعجزة .. نعم سيكون هذا لقبًا لطفلي الجديد كلما اردت تدليله ، كلما أرى وجهه سأتذكر الأحداث الأليمة منذ بداية حملي حتى لحظتي الحالية بحملي له بين يدي .. لقد انتصرت ونجوت بمعجزة من ربي ، تأملت قليلًا في ملامحه .. شعر أحمر كالنار وعينان صفراوتان تشعان كالشمس وبشرة بيضاء بياض الثلج يتخللها احمرار في وجنتين وأنفه الصغير ورموشه الطويلة ..
ملامح لطيفة بريئة أذهبت عن عقلي آلامي واوجاعي وكأنني نُومتُ مغناطيسيًا بمجرد النظر بهاتين الذهبيتين .. مددت يدي لألاعب تلك الخصلات الضئيلة ، شعرت بعيني ذلك الطبيب تخترقني وتخترق طفلي فنظرت إليه لأحاول تغيير هذه النظرات المريبة :-
هذا الطفل مميز ، ولادة في الشهر السابع و ضوء يخرج من قلبه ويحيط به حتى أن شعره أطول قليلًا من شعر اي ابن آخر من ابنائي .. لابد إذًا أن اختار اسمًا مميزًا له ليليق به ، ما رأيك ب 'ستيفان' ..؟؟
وكتخفيف يصبح اسمه 'ستيف' ، أو ربما 'روستين' او 'ايريك' او حتى 'كريستوفر' ، اووف إن هذا محير حقًا ..!!
- سيدتي ، لا أنكر جمال تلك الأسماء وتميزها ، لكن من رأيي المتواضع أظن أن اسمًا ناعمًا سيكون مناسبًا في هذه الحال
ماذا تقول صموئيل!! انه رجل ويجب على اسمه أن يحمل من الشدة والوقار ما يكفي ليبث الاحترام والتقدير في قلوب كل من يتردد في آذانهم اسمه
- مع كل احترامي لمولاتي إلا أنني أتمنى من صميم قلبي أن أبلغك بما أعرفه قبل أن تتحمس مولاتي كفايةً حتى تأمر بجلب ملابس للطفل وبذلات تكفيه حتى يتم عقده الثالث
صموئيل يالك من ثرثار وقاتل للمتعة ..!! قل ما لديك قبل أن افقد صبري فألم رأسي لا ينفك يتزايد
- سيدتي .. مع بالغ الأسف والأسى يؤسفني أن اقاطع هذه الفرحة وأبلغ سيادتكم .. أنها فتاة سيدتي وليست فتىً
ماذا؟ فتاة ..! ما الذي تتفوه به؟؟ ألم ترى ذلك بعينيك أثناء فحصه له !! ماذا اذا عن الكروموسومات؟!! لقد اخبرتني أنه فتى ما الذي تغير الآن !
- التحاليل ليست دقيقة دائمًا مولاتي ، فأحيانًا تحدث مواقف كهذه .. ارجو السماح من سيادتكم لخطئي هذا
ليس وكأني أكره الفتيات .. ولكنها مفاجأة !!
لا أنكر صدمتي فأنا لم اتوقع قط أن أرزق بفتاة مع أني تمنيت هذا دومًا ، ربما تفاجئت وجزعت من فرط فرحتي بهذا الخبر! ..
اخيرًا قد اصبح لدي فتاة صغيرة استأنس بها في هذا القصر الضخم المليء بالذكور في كل مكان ، ذهبت بتفكيري سريعًا لاختيار اسمًا لها لكني وجدت عائقًا يمنع صفو تفكيري .. عدوي الاول .. القلق
زفرت وهززت رأسي لاخرج منها القلق إلا اني لم أفلح .. اخذ عقلي بالتساؤل كيف سيكون وقع هذا الخبر على زوجي خاصةً بعلمي أنه لا يحب الفتيات بعد تجربة سيئة مع والدته المتحكمة محبة السيطرة ، حتى أنه لا يتعامل مع إخوته الإناث على الرغم من معاملتهن الجيدة والطيبة معه
صموئيل ، احرص على عدم إبلاغ الملك بجنس المولود .. سأخبره انا بنفسي .. بطريقتي الخاصة
- بأمرك مولاتي ، وماذا عن هذا الضوء؟؟
لا أظن أن هذا الضوء بالشيء المهم ، حتى إن أردت إخفاء هذا الأمر عنه فسيلاحظه لا محالة لذا لابد من إخباره
انحنى الطبيب متفهمًا وذهب خارجًا تتبعه مساعدته ، لم تمر دقائق كثيرة حتى فُتح الباب ببطء وتظهر تلك الملامح من خلف الباب شيئًا فشيئًا .. دلف زوجي إلى الغرفة فحاولت إبعاد ناظريّ عنه لاخفي قلقي البادي على معالم وجهي ؛ فوضعت الطفلة بجواري على فراشي وبدأت أتأمل ملامحها اللطيفة وأتخذت هذا كعذرٍ لي لعدم مجابهة نظراته تجاهي .. وكان هذا هدوء ما قبل العاصفة
....................................................
خلال هذه الأثناء بمكان آخر يبعد آلاف الكيلومترات في إحدى قلاع لندن العتيقة في سكون الليل حيث لا يُسمع اي صوتٍ سوى صوت ضرب عصا إحدى الأشخاص في أكبر غرف هذه القلعة وافخمها ، لنقترب اكثر لنرى ما الذى يحدث .....
كان رجلاً عجوزاً يقف ساكناً أمام مرآته تبدو القسوة والغلظة على ملامحه العابسة تلك ذات التجاعيد وشعره المستقيم الأبيض ، تضرب يده بين الثانية والأخرى بعصاه الأرض كأنها تنذر بانهيار القلعة على من فيها في اي وقت .. يبدو كأنه في هدوء ما قبل العاصفة ينتظر أحدهم ليفرغ إعصار قلبه من غضب وسخط ونار عليه ... حتي سَمع صوت دق على باب الغرفة وجرى ما جرى
صرخ العجوز بصوتٍ غاضبٍ :-
ادخل!
فدخل شخص بدا أكثر كأنه فارس بملابس رسمية فبدأ بالانحناء واعتدل وقال بنبرة يغلب عليها الخوف والتردد :-
سيدى ........... لم ... نجدها ..
لم يتمالك العجوز أعصابه فبدأ بالصراخ والغضب :-
ماذا تعني ب'لم نجدها'؟!! كيف اختفت إذًا فسر لي!! أانشقت الأرض وابتلعتها أم أتى تنينٌ ضخم وأخذها لأرض الأحلام!! انتشروا داخل البلاد وخارجها أيضًا ... إما ان تعيدوها سالمة إما ان تقتلوها وتعودوا لي بجثتها الحقيرة!!
أردف بعدها وهو يرفع سبابته مهدداً :-
اقسم .. اقسم انكم ان لم تجدوها لستكون رؤوسكم هو أول ما يراه زوار هذه المدينة!!!
صعب أن تتخيل ما يعانيه شخص آخر لذا حاول الفارس امتصاص أكبر قدرٍ ممكنٍ من غضبه أو ربما كان يحاول إنقاذ رقبته من التفرق عن جسده :-
لقد أمرتُ بذلك فعلًا سيدى ، اتمنى ان يؤتي هذا ثماره ... بعد اذنك ....
ثم انحنى واستأذن خارجًا من الغرفة تاركًا ذلك العجوز في جعمة غضبه وناره
يسير الفارس فى الطرقات يقلب بناظريه القلعة بما فيها من لوحات عتيقة لأشهر الرسامين وتماثيل لأبطال الحروب وتلك الأساطير والروايات البطولية يحدث نفسه قائلا
"انظر إلى كل هذا ... لوحات ... تماثيل ... معلقات ... جمال ... مال ... خدم ... سلطة ... نفوذ ... هه حقًا لا يوجد شيء كامل ... يبدو أن ما نراه ليس إلا القناع الذهبي وما يخفيه هذا القناع أبشع بكثير مما نتصور ..."
قاطع تفكير الفارس ذلك الصوت الصغير الذي وقف في طريقه فانحنى له الفارس .. فتى يبلغ السابعة من عمره يرتدي ملابس النوم ويتضح على ملامحه جليًا آثار البكاء والنحيب الطويلة ، استوقف الفارس وحدَثه بنبرةٍ تشبه تلك النبرات الملكية محاولًا إظهار الجلال على ملامحه البريئة كتلك التي يتمتع بها جميع علية القوم والملوك :-
أوجدتم أمي أم أنكم تلهون في الأرجاء تاركين عملكم ولم تجدوها بعد كما يقول جدي
- مولاي الأمير مازلنا نبحث في الأرجاء عن جلالتها ، ما إن نجدها سنحضرها في أقربٍ وقتٍ ممكن
إذًا عليكم أن تبذلوا جهدًا أكبر وحاولوا أن تشعروا بالمسئولية تجاه ما يجري ، فلولا إهمالكم ما كان لكل هذا أن يحدث وما كانت أمي الآن مطاردةً كالمجرمين ، لا أعرف حتى لم تطاردونها بالتأكيد ذهبت للتمشية قليلًا كعادتها .. فهي تحب الهواء الطلق ... إلا أنها هذه المرة ... ذهبت بمفردها ... بدوني ... وتركتني وحيدًا
صبي في السابعة من عمره دون أمه ، من الطبيعي أن تكون ردة فعله هي البكاء ، مشاعر فياضة تخرج من الصغير تجاه أمه .. تمنى الفارس لو أنه يستطيع أن يخبره بما يجري فربما خفف عنه قليلًا وكشف له حقيقة من يبكي عليها كل هذا البكاء والنحيب ، اومأ الفارس للأمير الصغير متمنيًا له نومًا طيبًا خاليًا من الأحلام المزعجة وأكمل طريقه بعدها خارجاً من تلك القلعة السوداء يتركها لتستكمل غرقها في بؤسها ..
............................................................
في إحدى هذه البلدان التي تقع بين بريطانيا وروسيا في كوخ صغير يسكنه عجوزان طيبا الوجه والسمعة يجلسان على مائدة الطعام مع تلك السيدة صغيرة السن الشقراء شديدة الجمال التي يناديانها ب"ابنتي" وتتعالى أصوات ضحكاتهم معلنةً عن سعادتهم لكل من قد يمر بمحاذاة هذا الكوخ الصغير السعيد لتنتقل إليه عدوى الفرح والحبور
انتِ حقًا تملكين حس فكاهة رائع يا ابنتي
كانت هذه الجملة من السيدة العجوز صاحبة الابتسامة الساحرة والجمال الأخاذ المدفون وسط كل هذه التجاعيد التي تغطي وجهها مع نبرة يملؤها الفرح وقهقهات الضحك
- سيدتى تستطيعين مناداتى باسمى لا داعى لهذه المودة ، اعلم انه صعب التلفظ لذا لا مشكلة ان اخطئتي
انه ثقيل علي لسانى بحق!! أليس تراشي... امم اعني براتيشا؟؟
- انه باتريشيا سيدتى تستطيعين مناداتى ب 'تريشيا' للتخفيف
أظن أنه ربما اسهل للنطق قليلاً الآن ، ما رأيك يا عزيزى؟؟
~ لا يهمني ما يكون ، ما يهم الآن هو هذا الطعام الشهي
خرج ذلك الصوت من هذا الرجل العجوز الغارق في شراهته ، بمجرد رؤيته ستتيقن انه يود التهام صحنه حتى ان أمكن
يبدو انكِ جيدة بأعمال المطبخ ايضاً علي الرغم من أن مظهركِ لا يوحى بذلك بتاتاً
- أصبتِ سيدتي فأنا اعتبره كهواية .. هذا غير اني عامةً لا أحب أن يتدخل أحد في أيٍ من ملابسي أو طعامي أو أي شيء آخر يخصني .. خاصةً شعرى
صمتت تلك السيدة الصغيرة فجأةً ووضع معلقتها على المنضدة واردفت :-
- لا أعرف كيف اشكركما حقًا .. أود أن ارد جميلكما هذا وان اظل معكما ، فقد احببتكما لما عوضتماني عنه من احساس العائلة ودفئها لكن يجب ان اذهب من هنا بسرعة ... لا استطيع البقاء أكثر من هذا ... سأعرضكما للخطر ... وايضاً ...
اخذت السيدة نفسًا طويلًا كمحاولةٍ لضبط نفسها وانفاسها ثم وضعت يدها علي قلادة ذهبية كانت حول عنقها تحمل شكل قلب عليها نقوش غريبة واستأنفت :-
- لدي أمانة يجب ان اسلمها .... بعدها ربما أستطيع العودة
تري.... امم يا ابنتي أعلم أن هذا ليس من شأني وانني لم أستطع التحدث معكِ بشكل لائق عندما أتيتِ إلى هنا ... كنتِ منهكة وبدى عليكِ الإعياء والإرهاق لكن .... ما الذى تخفينه يا ترى؟؟
- فقط يجب ان اسلم امانتي ... هذا كل ما في الأمر سيدتي
حسنا يا ابنتي اتمنى لكِ السلامة والنجاح فيما عزمتِ على القيام به ... سأنتظر عودتكِ على أحر من الجمر
قطع العجوز سكوته بعد الانتهاء تمامًا من صحنه حتى ان نظرت إليه ربما وجدته يلمع كما لو كان جديدًا..!! وتحدث اخيرًا وقال :-
لحظة لحظة ان كنتِ سترحلين ف هل هذا يعني أنني ...
واخذ ينظر نظرة تشي بالخوف تجاه زوجته العجوز ثم بدأ بالصراخ وأردف :-
لا لا لن أعود إلى تلك الأطعمة الرديئة لا لا لا وألف لا
دوى صوت الضحكات في الأرجاء لترتسم البسمات على الوجوه بعد فترة من الكلام الجاد ثقيل المسمع فأتى الرد من السيدة باتريشيا :-
- لا تقلق سيدى ، لقد تركت دفتر ملاحظات للطبخ مع سيدتي .. لكن اتمنى أن تستعمله
لن تمر عبارةٌ كهذه مرور الكرام على السيدة العجوز حتى رمقت زوجها على الفور بتلك النظرة التي تشع بكل معاني التوعد والقتل و أجابت كلام باتريشيا :-
لا تقلقي يا ابنتي ... سأستخدمه بالتأكيد
أتى صوت العجوز تغلب على نبراته التوسل والندم يحاول أن يصلح ما قد أفسده بغير قصد :-
~ زوجتي العزيزة لا تعاقبيني ارجوكِ
فاستردفت تريشيا كلامها ممزوجًا بضحكة :-
سيدتى بالتأكيد انه لا يعني .....
قطع هذا الحديث الجميل صراخٌ يأتي من الخارج مصاحبًا له صوت دقات عنيفة على ذلك الباب الذي بالكاد يتحمل الرياح الشديدة وأخذ الصراخ يتوالى مرات ومرات قائلًا :-
"انتم يا من هنا ... اخرجوا قبل أن نهدم هذا المكان الرديء على رؤوسكم"
ما ان سمعت باتريشيا هذا الصوت حتى انتفضت فزعةً في مكانها تقول وتتمتم في نفسها :-
لا .. لا يمكن هذا ... لا ليس الآن لا
ظلت تريشيا في فزعها كأنها مومياء تم تحنيطها في مكانها تجلس بلا حركة
ظلت صرخات ذلك الرجل تتوالى وتتعالى في الأرجاء بجانب طرقه العنيف والعجوزان يحاولان تهدئة تريشيا لكن ما ان أخبرتها السيدة العجوز بوجود باب خلفي لذلك الكوخ يؤدى إلى الغابة وقد بدأت ان تهدأ وتعود لوعيها بالفعل إلا أن الأوان قد فات .. فقد كسر الباب الهش وظلت صيحات الرجل تتوالى :-
- "لقد وجدناها لقد وجدناها"
Коментарі
Упорядкувати
- За популярністю
- Спочатку нові
- По порядку
Показати всі коментарі
(7)
Chapter 1 ... ولادة فجر جديد
قرأت نص البارت علشان عايزه انام بس ده قمر قمرر، والغلاف بردو والمقدمه تشد القارئ♥️
Відповісти
2020-07-31 23:50:04
1
Chapter 1 ... ولادة فجر جديد
واوو🥺🥺💛💛
والله وأنا بقرأ البارت دوبت في جماله وفخامته
برافو عليكي بجد 🥺 ❤️
استمري ماشاء الله تبارك الله ❤️
والله مسبتش كلمة ومقرأتهاش من كتر الفخامة
مستنية البارت اللي بعده 🥺 ❤️
Відповісти
2020-08-01 18:07:30
1
Chapter 1 ... ولادة فجر جديد
منتظر الشابتر الجديد 💖
Відповісти
2020-08-03 06:10:33
1