-الأول والأخير
-قراءة مُمتعة 🐙💕
_______________________
شاردة الذهن تُحدق بِـالنجومِ والأمل يغمرُها، لِـتُمسك بِـفرشاة تلوينها و تبدأ بِـملئ الصفحة البيضاء بِـالألوان حتى وإن كانت مُبعثرة هي لا تهتم، بِـالواقع أن كُل ما كانت تهتمُ له بِـتلك اللحظة هو أي نجمة سـتُحادث الليلة، لعل وعسى أن تكون تلك النجمة التي حملت روح والديها وأخذتهم معها لِلـجانب الأخر، حتى وإن لم تكن تلك النجمة التي سـتُحادثها الليلة هي تلك المُنتظرة، فـهي واثقة أن الرياح سـتتنصت على أحاديثُها وسـتذهب لِأخبار والديها بِه
جف الحبر بِـالفرشاة تزامنًا مع إنتهائها مِن الرسم لِـتحمل المِشرط وتقوم بِـقطع جُزءٍ مِن اللوحة بِـشكلٍ دائري، لِـترفع لوحتها إلى القمر لِـيتخذ مكان القطع، سامحةً لِأشعة القمر بِـالتسلل إلى اللوحة حتى بَرُزَ جمالها لِـتُردف:
-"مهما مُلِأ قلبي مِن ندوبٍ وحفر، لازلتُ سـأسمح لِلـحياة أن تأخذ مجرًا لها فيه، حتى أعود إلى أحضانكم وأُخبركم بِـكُل شيء. "
__________________________________
الحادية عشر صباحًا، بِـمطعم الثانوية "فترة الغداء" :
-"أهذا المقعد شاغر؟"
تحدث فتى بِـصوتٍ يكاد يُسمع وهو يُشير بِـسُبابتهِ على إحدى المقاعدة التي بِـجانبها، بينما هو خافِض لِـنظرهِ، حتى يُقابل الأرض
لم يتحدث أحد معها منذ فترة ليست بِـقليلة، بل وعِلاوة على ذلك لم يُرد أحدًا الجلوس بِـجانبها يومًا، لطالما عهدت "ثيا" نفسها وحيدة، مُنذ وفاة والديها بِـحادث قطار جرّاء خروجهِ عن القضبان مِما أدى إلى زيادة السُرعة المُحددة وبِالتالي إنقلاب القطار بِـأكملهِ
مات سبعون شخصًا مِن ضمنهم والديّ ثيا، ومنذ ذلك اليوم لا تعتقد أنه هُناك مَن إهتم فعلًا لِأمرها عدا جِدتها التي تولت تربيتها بعد حادثة الوفاة، وقد يكون ذلك الفتى أول من تتعامل معه بعد سنة مِن وفاة والديّها
حركت رأسها بِـخفة كـدلالة على الموافقة إن المقعد شاغر بِـالفعل، رفعت عينيها لِـتراه كان طويلًا ذو ملامح هادئة وشعر أسود وعينين ناعستين وندبة على طول شفتيهِ أضافت عليه جمالًا لِـتتوقف الأخرى عن التحديق بِه وتعود لِـما كانت تفعله، ليس وكأنها كانت تُحب طعام الثانوية ذلك ولكنه كان خيارها الوحيد
أنهت طعامها لِـتخرج وتذهب إلى أحدى الممرات وتقف لِـتنظر على خريطة الثانوية ثم تتجه إلى المكتبة
ما كانت "ثيا" سوى طالبة ترتاد الصف الأول الثانوي، وكـأي شخصٍ أخر كانت تحتاجُ هي أيضًا لِـبضع الوقت حتى تعتاد على أماكن الغُرف لِـكُل مادة، أما عن تجنب الأخريين لها فـهذا شيء يبدو وكأنها تُفضل لوم نفسِها عليه، فـهي لم تُكون أي صداقات السنة الماضية لِـيكونوا بِـجانبها الآن لذلك هي لا تتذمر كثيرًا حول ذلك
طرقت باب حُجرة المكتبة لِـتفتح الباب بِـهدوء في محاولة منها ألّا تُصدر أي صوت قد يكون مُزعجًا لِلـقُرَّاء الأخرين هُناك
دخلت بِـهدوء لِـتُباشر بِـالبحث عن أي كتاب قد يخطف أنظارها، لِـتجد كِتابًا أزرق اللون ومُزين بِـالقليل من الزخارف الحمراء التي أعجبتها حتى وبِـالرغم مِن عدم تناسق الألوان، لِـتُخرجه وتمسح بِـطرف ملابسها عليه لِـتُزيل الغبار لِـتقرأ عنوانهِ "عِناق" شَرُدت لِـوهلة بِـاسم الكتاب لِـيُقاطعها صوتٌ بدى لها مألوفًا لِـتنظر تجاهه
إنه هو!
إنه هو من شاركها مِقعدها بِـوقتِ الغداء اليوم، نظر لِلـكتاب لِلـحظة لِـيأخذهُ من يداها ويقول:
-"لِمَ وقعَ إختيارُكِ على هذا تحديدًا؟"
-"بدى جميلًا بِـالنسبةِ لي" أردفت مُجيبة عن سؤال الواقف أمامها لِـيُضيف:
-"إذن أنتِ لم تُلقِ بالًا على الألوان، على كُلِ حال طالما بدى جميلًا لكِ ولم تبدو قصص الحُب كذلك فـهذا جديد نوعًا ما" تحدث وهو يُعيد الكتاب لِـثيا لِـتنظر له مرة أخيرة قبل أن ترفع بصرها لِلـواقف أمامها لِتتسائل قائلة:
-"ولِمَ عليّ أن أهتم بِـلون الغلاف؟
ألمْ يكُن المحتوى أهم؟ "
-"بِـالفعل المحتوى أهم ولكنكِ إن ألقيتِ نظرة على الألوان بِـشكلٍ مُختلف قليلًا، لـعرفتي مُحتوى الكتاب دون حتى قرائته" تحدث وهو يُشير بِـسُبابتهِ على الألوان التي على الغُلاف لِـتُردف الأخرى:
-"أنا أحب الألوان! ولكني لا أرى ما دخل المحتوى بِـها"
-"لطالما هَويتُ علم الألوان جدًا، وبِـالنسبة لي فـإن الألوان على غُلاف الكتاب تعني أكثر مِن كونِها مُجرد بهرجة لِلـكتاب، فـاللون الأزرق بِـغلافهِ يرمزُ لِلـوحدة بينما الزخارف الحمراء تُشير لِلـدفء، إجتماعًا مع عِنوان الكتاب 'عِناق' ألا يُوحي لكِ هذا أن محتوى الكتاب مِن جُملٍ مُبعثرة سـتكون لِـشخصٍ وحيد وجدَ الدفء في عناقهِ لِـذاتهِ بعد تقبُلها؟ غير ذلك، وبدون حتى إستخدام علم الألوان ألّا تعتقدين أن الألوان المُبهرجة تُشير لِلـحماس والتفاعل فـبالتأكيد ستكون النهاية حيثُما يجد من سـيُكمل برودة الأزرق بِـعناقٍ دافء بِـدفء الأحمر، وعِلاوة على كُل ذلك أنا مُساعد أمين المكتبة أن تُشككِ بِـمعرفتي لِأي كتابٍ هُنا مُهين نوعًا ما"
-"وبِـما سـأستفاد أنا حينما أعرف نهاية كِتاب ما مِن غلافه؟ وُجِدَت الكُتب كي تُقرأ وليس كي تُحلل، يوجد فرق" أنهت حديثها لِـتفتح الكتاب وتُشير على الجُملِ والأحرف بِـداخله كـدلالة على ان الكتاب كان لِلـقراءة، لِـتُعيد نظرها له مُجددًا لِـتجدهُ مادٍ يدهُ لها ويقول:
-" أنا ليڤرو، يُمكنني أن أكون أول أصدقائُكِ إن أردتِ، وأنتِ؟"
أنهى حديثه لِـتُجاوب ثيا قائلة:
-"لم تكُن وحدتي بِـهذا الوضوح، أعتقد أن المُشكلة بيننا أكبر مِن مُجرد سيكولوجية الألوان، ولكني لازلتُ سـأقبلُ بِـالعرض، أنا ثيا"
أنهت حديثها لِـيتصافحا ثم يعود ليڤرو لِـما كان يفعله مُجددًا، وتذهب هي لِإحدى المقاعد بِـالمكتبة لِـتقرأ الكتاب
لن تكذب ما قام بِه ليڤرو أثار إعجابها فعلًا، شخصيتهُ التحليلة المنطقية جاذبة جدًا، ناهيك عن ذكر لباقتهِ التي إنعدمت عِندما عرضَ عليها أن يكون أول أصدقائها
جلست تقرأ الكتاب بِـهدوء وكل ما قاله ليڤرو كان صحيحًا لِـتكسو الدهشة على وجهها أثناء قرائتها له، حتى إنها أنتهت مِنهُ بِـجلسة واحدة فقط لِـتتمكن مِن ترصد الأخطاء له فـهي لم تُسامحهُ بعد على تلقيبها بـالوحيدة
أنهت قراءة الكتاب لِـتُغلقهُ وتنظر لِـساعتها لِـتجد أنه لازال هناك ساعة كاملة حتى إنتهاء الوقت المُحدد لِـحصة المكتبة، وضعت يديها على الطاولة أمامها ووضعت رأسها عليهم، أغلقت عينيها تاركة نفسها لِلـنوم
__________________________________
"الرابع والعشرون مِن تموز بـألفين وثلاثة عشر- أسبانيا"
"قبل سنة مِن الآن- يوم الحادثة"
"الأربعاء"
تُعانق والديها توديعًا لهم قبل ركوبهم القطار لِلـذهاب لِلـعمل بِـمدينة أخرى بِـأسبانيا تحديدًا إلى فيرول بِـمُقاطعة "لا كرونيا" بِـشمال غرب أسبانيا، فـهم سـيتوجهون إليها مِن مدريد العاصمة، فـلن تكون الرحلة سهلة، ولِـكون ثيا فتاة كبيرة الآن في المرحلة الأخيرة بِـدراستها الأساسية فـلا خوف على بقائها مع جِدتها لِـبعض الوقت، وخصوصًا لِأن جدة ثيا مريضة وبِـحاجة لِلـرعاية التي سـتقدمها لها
تحرك القطار، لِـترفع ثيا يدها وتُلوح بِها لهم 'وداعًا' حتى تبدأ رؤيتها بِـالتغير، رأت يديها مُلطختان بِـالدماء ووالديها مُلقيين بِـجانب القطار المُحطم والدماء تُغطي حتى أصغر ملامح وجهيهما، النيران تخرج مِن القطار مُسببة لها ضيق بِـالتنفس، سبعون جثة مُلقاة تحتها والمُصابين يصرخون بِـألم فِرق الأنقاذ تركُض بِـكُل مكان في محاولة بائسة منهم أن يجدوا أحدًا ما لِإنقاذهِ مِن حواف الموت، تقدمت بِـخطواتٍ مهزوزة ناحية والديها لِـتضع يديها على أعيُنهُما لِـتُغلقهما، إزدادت الدماء على يديها لِـتضعهما على رقبتها لِـتترك علامة وكأن شخصًا ما كان يُحاول قتلها لِـتُغلق عينيها، وتستيقظ
__________________________________
مُطاردة مِن قِبلِ حُلم لا يُنسى، كابوس لا يرحل، لاجئ بِـروحِها قبل ذاكرتها مُسببًا لها جراحً لا تُحصى وقلب لا يُداوى، حينها فقط لاحظت إنها لم تكُن يومًا تلك الفتاة الكبيرة التي تركوها عندما سافروا، كانت أصغر بِـكثير مما حدث كانت فقط بِـالخامسة عشر مِن عمرها، في نفس اللحظة التي كانت تظن بها إنها تعيش أجمل أيام حياتها أدركت بها إنها كانت تموت، لم تكن تلك أفضل أيام حياتها أبدًا، حتى إن الشكوك حول إن كانت تلك حياة فِالأصل أصبحت تتزايد لـديها، كل شيء عندها مُبعثر جدًا
فتحت عينيها لِـتجد ليڤرو يُرتب الكُتب لِـتسألهُ قائلة:
-"كم الساعة الآن، هل إنتهت حصة المكتبة بعد؟"
-"أجل إنتهت وبِـالواقع إنتهى اليوم الدراسي بِـأكمله، أنتِ محظوظة لِأنكِ إستيقظتِ الآن فـأنا كُنت على وشك الإنتهاء مِن ترتيب الكُتب وسـأغلق عليكِ الغرفة وأذهب، وستبقين هُنا حتى اليوم التالي، لم أريد تحمُل عناء إيقاظك صراحتًا" تحدث وهو ينظر لِإحدى الكُتب بـيديهِ حتى يضعهُ على الرف ويلتقط كتابًا أخر، لِـترد الأخرى قائلة:
-" أنتَ أول أصدقائي فعلًا ولكني بدأت أحمل لك بعض الكُره، كم الساعة الآن على كُل حال؟"
-" السادسة مساءً"
تحدث لِـينظر لها لِـيجدها بِـالفعل قد ركضت خارج حُجرة المكتبة فـكان كُل ما تُفكر به هو أن عليها الإسراع بِـالوصول لِلـمنزل، فـمُنذ وفاة والديها وهي مَن تهتم بِـجدتها خصوصًا بعد إصابتها بِـهلوسة تجعلها ترى والد ثيا أو ابنها، لم تُخبرها جدتها يومًا عمّا ترى والدها يفعله مما جعل الشكوك عند الطبيب تتصاعد خوفًا مِنه أن تجعلها هلوستها تلك تُؤذي نفسها، إعتقادًا منها إنها إن فعلت وماتت فـستُقابل ابنها المتوفي
__________________________________
"في وقت سابق مِن اليوم- بِـالنسبة لِـليڤرو"
دوى صوت الجرس لِـيُعلن عن إنتهاء وقت حصة المكتبة لِـيخرج الجميع ويبدأ هو في ترتيب الكُتب التي تركها الطلاب على طاولاتهم وخرجوا لِـحضور باقي الحصص المُقررة عليهم، تذكر الكتاب الذي أخذته ثيا مُسبقًا لِـيتجه ناحية الطاولة التي كانت تقرأ عليها ويجدها نائمة، نظر لِـملامحها لِـيُخمن أن ما كانت تحلمُ بِه ليس بذلك اللطف ولكنه يستطيع تخمين إنها مُتعبة جدًا أيضًا، لِـذلك قرر تركها نائمة وعاد هو لِـترتيب الكُتب
لطالما عشق ليڤرو الكُتب والقراءة بِـكُل أنواعها ولكن دراسته كانت العائق الوحيد بِـالنسبة لِـذلك الحبُ، ولكن لِـكونهِ الآن في الصف الثالث والأخير مِن الثانوية فـهذا منحه وقتًا أكثر مما يحتاج، فـهو لم يعُد مُجبرًا على الذهاب لِـحصص الدراسة ودرسَ بِـمنزله بِـنفسه حتى وإن لم يكُن بِـالذكاء الكافي لِـيفعل، ولكنه فعلها على كُل حال وإغتنم وقت فراغهِ وأصبح مُساعدًا لِأمين المكتبة بِـالثانوية، يقضي مُعظم وقته الصباحي بين قراءة الكُتب وترتيبها وباقي يومه يـستهلكهُ بِـالدراسة
إنتهى مِن ترتيب الكُتب لِـينظر لِـساعته لِـيجدها الرابعة والنصف عصرًا وثيا لاتزال نائمة!
ذهب لِـيتفقدها لِـيجدها لازالت بِـنفس حالتها وملامحها وعلى الأغلب نفس الحلم السيء أيضًا، تردد لِـلحظة عمّا يجب عليه إيقاظها أم لا ولكنه قرر أن يتركُها، فـعلى كُل حال هو هنا بِـجانبها وهي فقط نائمة بِـهدوء فـما أسوء ما قد يحدث؟
عاد لِلـكُتب مُجددًا، لِـيتظاهر وكأنه لازال يُرتبهم فـهو لا يُريد مِن ثيا أن تستيقظ وتعتقد أنه لم يُغلق المكتبة ويرحل بعد لِأنها كانت نائمة، حتى وبِـالرغم مِن كون تلك الحقيقة فعلًا
ذهب لِـتفقد المجموعة الجديدة التي حصلت عليها الثانوية ورتبها مُسبقًا لِـينتقي إحدى الكُتب الزرقاء المُزينة بِـزخارف خضراء مع عِنوان 'هدوء' لِـيقرأه
حتى وبِـالرغم مِن أنه حلل الكتاب مُسبقًا مِن لونه إلا أنه قرر قرائته لِـيُهدر الوقت حتى تستيقظ ثيا
مرَّ بعض الوقت وكان قد أنهى الكتاب بِـالفعل لِـينظر لِـساعته ويجدها السادسة مساءً إلا عشرة دقائق، ذهب لِـيُعيد الكتاب مُجددًا ويتفقد ثيا مرة أخرى لِـيجدها تفتح عينيها بِبطئ لِذلك قرر وضع الكتاب عشوائيًا والتظاهر بِأنه يُرتب باقي الكُتب حتى تستيقظ، لِـتسألهُ ثيا عن إن كانت حصة المكتبة قد إنتهت لِـيُجيبُها بـ'أجل وإنتهى اليوم الدراسي كُله أيضًا وإنها محظوظة لأنها إستيقظت الآن'
أحزنهُ هذا قليلًا عندما أخبرته أنها تكرهه ولكن لا بأس معه فـهو مُدرك أنه هو مَن كان وقحًا معها مُنذ البداية لذلك لمْ يُلقي لذلك إهتمامًا
سألته ثيا عن الساعة لِـيُخبرها أنها السادسة مساءً لِـتُباشر بٍـالركض خارج المكتبة كـمَن يُلاحق حياته
__________________________________
على الجانب الأخر- عند ثيا
تركض بِـالشارع وكأنها تُلاحق الوقت، وهي تُـتمتم تحت أنفاسها بِـشتائم عديدة لِـليڤرو، فـكيف له ألّا يوقظها؟
تداركت لِـوهلة كم هي وحيدة، فـحتى دون أن تُلاحظ وجدت نفسها تركض لِـحياة أخر مَن تبقى لها، أنفاسها تـتسارع بِـالدخول لِـرئتيها، تُحارب لِأجل ألّا تخسر أكثر مِما فقدته مُسبقًا، لطالما أرادت المُحرابة لِأجل شيء تُحبهُ ولكنها هُنا تركض بين أوجه الناس المُتشابهة لِـمحرابة موت أحدهم
وصلت لِـمنزلها لِـتفتح الباب وتدخل باشرت بِـالبحث عن جدتها بِـعينيها ولكنها لا تجدها، تعالى صوتها مُناديًا عليها ولكن بِـلا أي إجابة
إتجهت ناحية السلم لِـتصعده وتبدأ بِـدخول الغرف بِـعشوائية حتى وجدت جدتها أخيرًا، وجدتها تنظر خلال النافذة لِـلشارع بِـهدوء لِـتُباشر ثيا بِالبُكاء حتى لم تعد أرجُلها قادرة على حملها أكثر من ذلك، سقطت على الأرض لِـتتحدث جدتها قائلة:
-"لم يأتي اليوم أيضًا، إنه حزين"
أكملت ثيا بُكاءها لِـتردف تحت شهقاتها التي تتعالى أكثر فـأكثر:
-"توقفي، هو ليس حزينًا لأنه ليس هنا في الأصل، لقد رحل، رحل وتركنا حتى قبل أن تُدركي ذلك، أرجوكي لا أُريد أن أخسرك، توقفي"
أنهت حديثها لِـتذهب ثيا وتعانق جدتها حتى تُبادلها العناق وتقول بِـصوت لا يُسمع:
-"يبدو إنني لا أكفي"
كما تم ذكره سابقًا، فـإن جدة ثيا تُعانِ مِن الهلوسة، مُنذ وفاة ابنها ووالد ثيا، رفضت جدة ثيا مِن البداية أن تتعالج أو أن تذهب لِـمشفى حتى، قائِلة أنّها بخير وحتى إن لم تكُن كذلك فـهي راضية طالما ستتمكن من رؤية طفلها، بِـالبداية كانت تراه فقط ولكن على مايبدو فـإن إنعدام العلاج جعل الهلوسة تتطور بِـشكل ملحوظ كما إن عقلها لا يقام أبدًا، حتى تطورت الحالة وأصبحت تتمكن مِن لمسه والتحدث إليه، ومع التطور المستمر وإستسلام عقلها وعدم تلقي أي علاج بدأت تُراودها نوبات أرادت بِها إنهاء حياتها لِـلذهاب إليه، هي لم تُقدم على فِعل ذلك بعد ولكنها كانت دائمًا ما تُخبر ثيا أن والدها يُخبرها أن تفعل، لِـتتمكن مِن رؤيتهِ أكثر، ولطالما كان الخطر قائِمًا وَجبَ علينا الحذر، لِـذاك تُحاول ثيا عدم تركها أبدًا إلا عند الذهاب لِـلثانوية، وأحيانًا تتصل بِها لِلأطمئنان عليها مِن وقتٍ لِلأخر،فـكان ترك ثيا لها طوال اليوم بِـمثابة دعوة لِلأنتحار
فصلت ثيا العِناق لِـتُمسك بِـأيدي جدتها لِـتقول:
-"إنها السادسة والنصف بِـالفعل، ما رأيك بِـمُشاهدة التلفاز بينما أُعدُ لنا شيئًا لِـنأكلهُ، ألم تكن تلك إحدى عادات والدي المفضلة؟"
أنهت حديثها لِـتمسح بِـيديها على وجه جدتها التي كانت تُحرك رأسها بِـخفة كدلالة على الموافقة، لِـتذهب وتُشاهد التلفاز بينما ذهبت ثيا لِـتحضير العشاء
__________________________________
"بعد العشاء- بِـغرفة ثيا"
أسندت ثيا ظهرها على الحائط لِـتبدأ بِـالبكاء بينما تضع إحدى أيديها على فمها حتى لا تُصدر صوتًا والأخرى على قلبها تعتصره حتى يزداد الألم الجسدي فـيُغطي على ألمها النفسي
إنتهت مِن واجبها المدرسي لِـتُلقي بِـجسدها على الفراش وتتهند لِـتضم نفسها كـطفل رضيع، لِـتنام وتسلم نفسها لِـنفس الكابوس مجددًا
__________________________________
"في اليوم التالي- بِـمكتبة الثانوية"
-"تبدين كـعجوز شاحبة اللون"
كان ذلك أول شيء وقع على مسمعها لِـترفع نظرها لِـلواقف أعلى السلم يرتب الكُتب أمامها، لِـتقول:
-"أنت فعلًا لا تعرف كم أود أن أسقطُكَ من أعلى ذلك السلم، أنت تُشبه دودة الكتب الحقيرة، لِمَ لمْ توقظني أمس؟"
-" ولِمَ سـأفعل حتى؟"
أنهى حديثه لِـتخلع الأخرى حقيبتها من على ظهرها وتُلقي بِها عليه حتى يسقط إلى الأرض وترحل وسط صوت الأخر يتألم
ذهبت لِـمطعم المدرسة بِما أنها لن تحضر المكتبة، طلبت فنجان واحد مِن القهوة لِـتسمع صوت ليڤرو مِن خلفها يُخبر النادل أن يجعلهما اثنين
-"أنتِ تعلمين أن غيابك عن المكتبة في حين أنكِ حاضرة بِـالثانوية هو كسر لِـلقواعد مِن المفترض أن تُحاسبي عليه؟ ناهيك عن ذِكر إستخدام العنف بِـالطبع"
تحدث وهو يرتشف القليل مِن القهوة التي كانت قد قُدِمت سابقًا لِـتقول الأخرى:
-"أنت دودة كُتب حقيرة بِـالفعل، فقط إبتعد عني"
تحدثت وهي تبتعد عنه لِـلخروج مِن المطعم لِـيُمسكها الأخر مِن رسغها لِـتلتف له مُجددًا لِـيُضيف:
-" أسف لم يكُن مِن الصحيح أن ألمسك دون أخذ إذنك، ولكنكِ عنيدة فعلًا، ماذا حدث؟ كُنتِ أكثر بهجة البارحة!"
وما كانت سوى لحظات قليلة حتى تبدأ ثيا بِـالبُكاء مجددًا ولكن تلك المرة كانت تضحك أيضًا بِـنفس الوقت لِـتقول:
-"لستُ بخير، أشعر وكأن كُل مَن كان بِـجانبي يتركُني كما لو كنت لم أكن يومًا بِـحياتهم، وأقف أنا فـالنهاية دون حيلة مني أبكي وكأني خزانًا لِـلمياة لا يعرف سوى الدموع"
-" مهلًا، توقفي عن البُكاء، تبدين قبيحة عندما فعلتِ، كما إنها ليست غلطتكِ بِـكُل الأحوال"
أنهى حديثه لِـتُردف ثيا قائلة:
-"بِـالطبع هو ليس كذلك ولكن ما عساي أن أفعل؟ أنا وحيدة جدًا، بِـالكاد أعرفك يا ليڤرو"
أشتدت بِـالبكاء بِـنهاية حديثها لِـيُخرج الأخر منديلًا ويعطيه لها ويقول:
-" أول ما عليكِ فعله هو تجفيف دموعك لأنكِ قبيحة عندما تبكين، ثانيًا يجب أن تكوني على أتم اليقين أن إمضاء الوقت وحدك أفضل بِـكثير مِن أن تُمضيه مع الشخص الخاطئ"
-" وماذا إن كُنت فتاة وحيدة تُمضي وقتها مع الشخص الخاطئ؟"
أنهت حديثها وهي تُجفف دموعها لِـيقول:
-" الأمر يُشبه وكأنكِ وحدك بِـغرفة مُغلقة لا يوجد بِها أي مدخل أو مخرج لِـلهواء حتى، وكُل ما تمتلكينه هو شمعة تُضيء لكِ المكان، بِـالطبع ستقعين بِـغرامها في البداية، لن تُدركي أبدًا أن تلك الشمعة التي تُضيء لكِ حياتك هي نفسها مِن سـيقتُلك لِـيستمر سطوعها، إنه الأسوء"
تحدث وهو شارِد الذهن بِـفنجان القهوة لِـيُضيف حتى دون أن يُدرك:
-" لذلك حتى أنا لا أملك ذلك العدد مِن الأصدقاء، إنه فقط أنا وأنتِ"
-" وما الضرر مِن المُخاطرة ولو لِـمرة والتعرف على شخصٍ جديد؟ قد يكون أفضل مني حتى"
تحدثت وهي تنظر له شارد الذهن بِـقهوته لِـيقول:
-"وماذا إن لم يكُن؟ أتعتقدين أنه سيهتم إن كان سيء أم لا؟ أنا من تضرر قلبه هُنا ولا أحد سواي ثيا"
أنهى حديثه لِـتسأل الأخرى مُجددًا وتقول:
-"ولِمَ سمحت لي بِـالدخول لِـحياتكَ إذن؟"
قاطع حديثهم صوت الجرس الذي يُعلن عن نهاية الفترة وبداية الإستراحة حتى بداية فترة جديدة، نظر ليڤرو لِـثيا لِـيُتمتم تحت أنفاسه بِـصوتٍ خافت لا يُسمع قائلًا:
-" لأنكِ أنقى مِن أن تؤذي نفسك حتى ثيا"
لم تستمع ثيا لِـما حاول ليڤرو قوله لِـذلك قالت:
-" لم أستمع جيدًا، على كُلِ حال فقط لِـنعد بعضنا البعض أن نبقى سويًا، بِـطريقة ما يبدو وكأن كلانا مُمتلئ بِـندوب الفقد"
رفعت خنصرها أمامه لِـيضع خنصره أمامها ويعد كُل شخصٍ الأخر وعد الخنصر
رفع صوته مُجددًا لِـتستمع الأخرى له ويقول:
-"سـأذهب الآن، يجب علي أن أرتب الكُتب قبل بداية الفترة الثانية، سـأدفع أنا كـإعتذار، حسنًا؟"
أنهى حديثه لِـتُردف الأخرى قائلة:
-"مهلًا، سآتي معك، أُريد ترتيب الكتب معك عوضًا عن البقاء وحدي في الأستراحة، لا تقلق لستُ بِـذلك السوء"
-"من أنا لِأرفض حُلم فتاة في السادسة عشر مِن عمرها؟"
تحدث وهو يتجه ناحية إحدى المباني بِـالثانوية، لِـتتبعه ثيا
__________________________________
"في إحدى المبانى بِـالثانوية- المكتبة"
-"إذن كيف ترتب الكُتب؟ حسب النوع أمْ الأحرف الأبجدية؟"
تحدثت وهي تمسك بِـكتابين إحداهما بِـاللغة العربية والأخر بِـلغة تكاد ثيا تُقسم إنها المرة الأولى لها أن ترى مثلها، لِـيجاوب ليڤرو على سؤالها ويقول:
"حسب اللون، من الفاتح حتى القاتم"
إنتهى مِن حديثه لِـتُردف ثيا قائلة:
-"بِـأول مرة تقابلنا ظننتُكَ إحدى الفتيان اللذين على إستعداد بِـقتل كُل مِن حولهم لِأجل مُتعتهم الشخصية، لِأجدُكَ لاحقًا دودة كُتب وقحة عاشقة لِلألوان"
-"أعتقد أنكِ جرحتيني، لستُ بِـذلك السوء بِـالواقع"
تحدث وهو يضع يداه على قلبه كـدلالة على الحُزن لِـتقول ثيا:
-" أنت لست سيئًا بِالأساس ليڤرو، أنت فقط دودة كُتب وقحة"
أنهت حديثها لِـينظر لِـثيا التي عقدت لِسانه بِـكلماتها، لذلك إكتفى فقط بِـالنظر إليها بِـتفاجئ
لم يتحدثا سويًا مجددًا، باشروا بِـالعمل الذي لم ينتهي من أسئلة ثيا عن إذا كانت تلك الدرجة أفتح من تلك أم لا لِـدرجة أن ليڤرو أخبرها أنها بِـإمكانها أن تجلس وسـيقوم هو بِما تبقي مِن العمل، لِـتفتعل هي شجارًا لأنها إعتقدت أنه يُنكر مساعدتها له، لِـينهال عليها بِـالأعتذارات التي لم تخلو مِن سخريته منها وأخيرًا إنتهوا مِن ترتيب المكتبة
-"كيف لك أن تقوم بِـكُل ذلك العمل مرتين يوميًا؟ أعتقدت أنّي سـأحتضر هنا"
تحدثت وهي تستند على إحدى الرفوف لِـينظر ليڤرو لِلأرض بِـيأس ويتحدث قائلًا:
-"أنا أسف يا ثيا، ولكني لا أعتقد أنه مِن الصحيح أن نستسلم هُنا، لقد قطعنا شوط صغير بِـالفعل، لن تذهبي الآن سـنُكمل ما بدأناه سويًا"
-"ما مشكلة كُل الدراما تلك؟ ماذا تعني بِـأننا سـنُكمل؟ قدماي بِـالكاد يعملان"
تحدثت ثيا وهو تضحك على تعابير ليڤرو، لِـيخبط بِـيده على الطاولة التي تجلس عليها ثيا بِـقوة لِـتنتفض ثيا خوفًا ويُكمل ليڤرو حديثه قائلًا:
-"أنتهينا مِن ترتيب الكُتب، تبقى علينا تنظيف المكتبة لِـلذهاب"
تحدث لِـتقف ثيا وتقول:
-"لا أعتقد هذا يُمكنك أن تُكمل أنت وحدك، بِـالواقع أنا أسفة أني عرضتُ عليكَ المساعدة، سأذهب الآن لازلتُ لم أُنهي الحصص المُقررة عليّ بعد"
أنهت حديثها لِـتقف وتمسك بِـحقيبتها المدرسية وتبدأ بِـالجري تجاه الباب قبل أن يُمسك بِها الأخر ويُرغمها على العمل معه مُجددًا
هربت ثيا مِن المكتبة التي أعتقدت إنها سـتقضِ بها كُل ما تبقى لها مِن حياة تُرتب الكتب بها، وسط ضحكات الأخر
هؤلاء هُم ليڤرو وثيا، دودة الكُتب والفتاة الوحيدة
__________________________________
"بعد شهر وعدة أيام- الثالث مِن آيلول"
-"إذن ليڤرو ما هو لونك المفضل؟"
تحدثت ثيا وهي تتمشى بِـجانب ليڤرو عائدين لِـمنازلهم بعد يوم دراسي حافِل بِـالكُتب فقد عرضت ثيا مُجددًا على ليڤرو أن تساعده ولكن تلك المرة كان عليهم تلخيص الكُتب الجديدة التي حصلت الثانوية عليها
نظر ليڤرو لِـثيا لِـيجدها ترتدِ قميصًا بنفسجي اللون على بنطال أبيض لِـيُشيح بِـنظره ويقول:
-"أحب الأبيض والبنفسجي"
-"ليڤرو، لدي سؤال عشوائي جدًا أيُمكنني طرحهُ؟"
تحدثت ثيا وهي تنظر لِلأرض لِـيُهمهم ليڤرو كـدلالة على موافقته لها أن تتحدث لِـتقول:
-"أتمتلك شيء تندم عليه؟"
توقف ليڤرو لِـوهلة مِن الوقت لِـتُضيف ثيا:
-"يُمكنكَ ألا تخبرني أن لم تُرد، أنا أسفة"
-" لا مُشكلة، ولكني أمتلك بِـالفعل شيء أندم عليه، أنا نادِم على إهداري لِـكُل دموعي بِـحُبٍ أخر، أنا نادِم لأني أهدرتُ كُل الحب والكلمات التي أمتلكتها يومًا على حُبٍ خاطئ، أنا نادم جدًا، حتى إن كوني مُساعدًا لِأمين المكتبة كان لأني لم أجد صديقًا لي بعدما أُهمِلَ حُبي وكأنه لم يكُن، لم أجد شيئًا يُساعدني على إعادة كلمات الحُب سوى بِـالكُتب، أعتقد أني أضعت أكثر مما كُنت أملك حتى لِـذلك العودة صعبة جدًا"
أنهى حديثه وهو ينظر لِلأرض بِـشرود لِـتقول ثيا:
-"حب أخر، أوجدت حُبكَ الصحيح ليڤرو؟"
-"أجل، تأخر الوقت لِـنسرع"
تحدث ليڤرو لِـيركض بعيدًا عن ثيا تاركًا أيها شاردة في ماذا سـتفعل إن أبتعد صديقها الوحيد عنها لِأجل حبه؟
ولكنه وعدها أنه لن يتركها إلا عندما تطلب هي
أفاقت ثيا مِن شرودها لِـتركض خلف ليڤرو وهي تُقسم أنها ستقتله لِـتركهِ لها في وسط الطريق هكذا
وصلوا إلى بيت ثيا لِـتودعه وتدخل هي بيتها وينظر هو لها مرة أخيرة قبل أن يذهب لِـبيته هو أيضًا
__________________________________
"على الجانب الأخر- بيت ثيا"
دخلت ثيا منزلها لِـتتفقد جدتها التي كانت تقرأ أحد الكتب بِـجانب النافذة بِـغرفة والدها، إبتسمت ثيا عندما لاحظت كم تحسنت حياتها لِـتذهب وتضُمها وتقول:
-"إذن ماذا تُريدين لِـلعشاء اليوم؟"
-"الحساء، لطالما كانت طعام والدُكِ المفضل"
تحدثت جدة ثيا لِـترد الأخرى عليها قائلة:
-"بِـالتأكيد"
-"ولكن الآن وحتى تنتهي مِن تحضير الحساء، سـأذهب لِـلأستحمام"
تحدثت جدة ثيا مجددًا لِـتوافق الأخرى على حديثها
إتجهت جدة ثيا لِلإستحمام أما ثيا ذهبت لِإعداد الطعام بِـكُل الحب الذي تملكه بِـقلبها
إنتهت ثيا مِن إعداد الطعام لِـتُنادي على جدتها التي وبغير عادة لازالت تستحم حتى الآن، ولكن بلا أي إستجابة
ذهبت لها ثيا لِـتطرق على الباب ولكن بلا أي إستجابة للمرة الثانية
شعرت وكأن شيئًا ما يُلامس أقدامها، لِـترى الماء الممزوج بِـبعض الدماء يخرج مِن الباب،الخوف تملك قلبها لِـتحاول الدخول عدة مرات ولكنها بِـكُل مرة تفشل، عادت لِلمطبخ ركضًا مُجددًا لِـتجلب سكينًا حتى تفتح الباب بِه وفُتِحَ بالفعل، رأت جدتها مُلقاة على الأرض وإحدى السكاكين إخترقت جسدها والمياة تجري على وجهها حتى المكان كله، سقطت ثيا بِـمكانها والدموع تملئ كُل إنش مِن وجهها، لِمَ عليها أن تكون دائمًا هي المتروكة؟
لِمَ عليها هي أن تكون دائمًا مَن يبكي مِن وحدته؟
إتجهت زحفًا ناحية جدتها لِـترفعها وتضمها بِـحضنها وهي تُحسس بيديها على شعرها، الدموع تملئ عينيها والرؤية مشوشة جدًا ولكنها توقفت عن البكاء، تملك الحزن قلبها لِـدرجة إنها لم تعد تشعر بِـأي شيء، فقط عندما وصلت لِـتلك المرحلة إكتشفت أنها لم تجد ذاتها يومًا، بِـالعكس هي كانت تبحث عنها بِـأوجه الأقربين لها، وها هي هُنا فقدت أخر
مِن تبقى لها، لِـتفقد نفسها معه
تركت جدتها على الأرض مُجددًا لِـتخرج
وتأخذ هاتفها معها بِـيديها وخرجت بِـملابسها المهترئة المبللة بِـالماء والدماء مُتجهة ناحية ألّا مكان، فقط تمشي خارج منزلها
واصلت في المشي والهواء يتخبط بِـجسدها وخطواتها المُترنحة لِـتفقدها رباطة جأشها تاركة لِـلحزن كُل ما تبقى لها إن وُجِد، حتى وصلت إلى البحر هناك حيثما تغلبت عليها أرجلها لِـتسقط، تغلبت عليها عيناها أيضًا حتى باشرت بِـالبكاء بِـهستيرية، تصرخ وكأنها كانت تكتم حزن العالم بِـقلبها شهقاتها تملئ المكان وعلى غير عادة هي لم تحاول تلك المرة إخفاء حزنها، لطالما كانت تضع يدها على فمها عندما يتعالى صوت شهقاتها حتى لا تسمعها جدتها، فـما الفائدة مِن ذلك الآن؟
عن مَن سـتُخفي حزنها وهي لم يتبقى لها سوى نفسها؟
رفعت الهاتف وإتصلت على خط الطوارئ لِـيُجيب أحدًا ما مِن الجانب الأخر لِـتتحدث ثيا وتقول:
-"مرحبًا، أنا ثيا توفت جدتي، لقد إنتحرت أنهت حياتها مِن حزنها على فقدانها لِابنها، ولكنها لم تفكر فـحزني يومًا، حزني أنا مَن فقدت كل ما أملك بِـفقدانها، خسرت كل من أملك وكل ما أملك أنتم تعرفون العنوان لا حاجة مِن إخباركم، كُل ما أردت قوله هو إني حزينة جدًا، اليوم فقط تداركتُ أن حياتي تتحسن، لِـيموت أخر مَن بِها، صراحتًا أنا لن ألوم جدتي على قتلها لِـروحها دون الأهتمام لِـروحي فـحتى أنا سـأنهي خاصتي هنا والآن، أنا أمام البحر عندما تأتون لِـرفع جثتي مِن أعماقه سـتجدون هاتفي الذي أتحدث منه الآن، سـتجدون عليه ثلاثة أرقام لِـثلاثة أشخاص أمي وأبي وليڤرو الشخص الوحيد الذي أحبته روحي يومًا، أنا حقًا أسفة لـنفسي لِأني تداركتُ كم أحببته وأنا على وشك إنهاء حياتي، أريدكم أن تُهدوا هاتفي لِـليڤرو فـوالداي قد ماتوا سابقًا وأنا ذاهبة إليهم الآن سـأخبرهم أنا عن أسفي لأني لم أفي بِـوعودي لهم لِأن أتمسك بِـالحياة، إلى اللقاء يا أخر مَن سمع صوتي حتى بِـالرغم مِن كوني لا أعرف مَن أنت حتى، شكرًا لك لِأنك لم تُقاطعني، أنا مُمتنة وأسفة جدًا أرجو أن تتمنى لي حظًا جيدًا بِـالناحية الأخرى، الوداع"
أغلقت الهاتف لِـتتوجه لِـلرسائل بينها وبين ليڤرو لِـتكتب في خانة الكتابة:
-" أسفة أنّي كسرتُ وعدنا ليڤرو، أنا أحبك حقًا ولكني لا أريد أن أراك حزينًا، إلى اللقاء يا دودة الكتب المفضلة لي"
تركت الرسالة معلقة دون إرسالها لِـتترك هاتفها بِـمكان بعيد عن الماء حتى لا يطول الهاتف ويتوقف عن العمل فـهي تُريد وبِـشدة أن يقرأها ليڤرو ولكنها سئمت ولم تعد تمتلك أي طاقة لِإيصال الرسائل بعد الآن
نظرت لِلـبحر لِـتفتح ذراعها مُستقبلة لِأمواجه ضدها كما لو كانت تُعانق الحياة التي لم تُلقي لِـثيا بالًا لِـلمرة الأخيرة، لِـتسير بِـداخله وتُعانق مياهه
سمعت صوت صافرات الإنذار وهي تتعالى كـدلالة على إقترابهم مِن موقعها ولكنها كانت إستسلمت مُسبقًا لِـلبحر أغمضت عينيها وأنزلت رأسها بِـه، شعرت وكأن رئتيها يحترقان بِسبب الماء بِـهما ولكن روحها كانت تطفو فرحًا فـهي على وشك لقاء راحة لن تلقاها حتى وإن عاشت لِألف عام أخر!
بدى كُل شيء لها وكأنه يقتلها بِـبطئ، فـلم تجد ضررًا مِن قتل روحها بسرعة على كُل حال هي لم تعتقد يومًا إنها كانت على قيد الحياة، وماتت ثيا إنتحارًا بِـالماء
__________________________________
وجدت الشرطة هاتف ثيا بِـالفعل ولكنها لم تجد جثتها وكما طلبت ثيا أهدت الشرطة هاتفها لِـليڤرو الذي وُجِدَ مُنتحرًا هو الأخر بعد إنتحار ثيا بِـأسبوع بِـنفس البحر الذي أغرقت ثيا نفسها فيه، كـعِناق أخير لم يعطيه لِـها، تاركًا رسالة إحتوت على الأتي:
-قد لا ينتهي العشق بِـالزواجِ أحيانًا، فـالبعض يختار الموت
يُمكنُكِ التحليق بِـسلامٍ الآن ثيا، فـأنتِ ملاك الآن ولن يليق بِـكِ سوى التحليق
لا تقلقي لستِ المُخطئة، فـكان أنا مَن أعطى كُلِ ما يُملك ولازال ليس كافيًا، لم أكُن مُخطئًا عندما قُلت أنكِ أنقى مِن أن تؤذي نفسك، لِـذلك أفلتي يداكِ عن الحياة عندما وجدتي أنها تُؤذيكي، ولكني لم أُدركُ يومًا إنكِ سـتؤذيني بِـهذا الشكل
-الوداع ثيا فـلا لِقاء لنا بعد الآن
"تمت"
__________________________________
رأيكم يهمني 😔♥️
ثيا؟
ليڤرو؟
توقعاتكم عن الشخصيتين؟
أي إنتقادات / أسئلة أو تعليقات؟
إلى اللقاء، دُمتم أمنين 🤎🧸
_______________________
شاردة الذهن تُحدق بِـالنجومِ والأمل يغمرُها، لِـتُمسك بِـفرشاة تلوينها و تبدأ بِـملئ الصفحة البيضاء بِـالألوان حتى وإن كانت مُبعثرة هي لا تهتم، بِـالواقع أن كُل ما كانت تهتمُ له بِـتلك اللحظة هو أي نجمة سـتُحادث الليلة، لعل وعسى أن تكون تلك النجمة التي حملت روح والديها وأخذتهم معها لِلـجانب الأخر، حتى وإن لم تكن تلك النجمة التي سـتُحادثها الليلة هي تلك المُنتظرة، فـهي واثقة أن الرياح سـتتنصت على أحاديثُها وسـتذهب لِأخبار والديها بِه
جف الحبر بِـالفرشاة تزامنًا مع إنتهائها مِن الرسم لِـتحمل المِشرط وتقوم بِـقطع جُزءٍ مِن اللوحة بِـشكلٍ دائري، لِـترفع لوحتها إلى القمر لِـيتخذ مكان القطع، سامحةً لِأشعة القمر بِـالتسلل إلى اللوحة حتى بَرُزَ جمالها لِـتُردف:
-"مهما مُلِأ قلبي مِن ندوبٍ وحفر، لازلتُ سـأسمح لِلـحياة أن تأخذ مجرًا لها فيه، حتى أعود إلى أحضانكم وأُخبركم بِـكُل شيء. "
__________________________________
الحادية عشر صباحًا، بِـمطعم الثانوية "فترة الغداء" :
-"أهذا المقعد شاغر؟"
تحدث فتى بِـصوتٍ يكاد يُسمع وهو يُشير بِـسُبابتهِ على إحدى المقاعدة التي بِـجانبها، بينما هو خافِض لِـنظرهِ، حتى يُقابل الأرض
لم يتحدث أحد معها منذ فترة ليست بِـقليلة، بل وعِلاوة على ذلك لم يُرد أحدًا الجلوس بِـجانبها يومًا، لطالما عهدت "ثيا" نفسها وحيدة، مُنذ وفاة والديها بِـحادث قطار جرّاء خروجهِ عن القضبان مِما أدى إلى زيادة السُرعة المُحددة وبِالتالي إنقلاب القطار بِـأكملهِ
مات سبعون شخصًا مِن ضمنهم والديّ ثيا، ومنذ ذلك اليوم لا تعتقد أنه هُناك مَن إهتم فعلًا لِأمرها عدا جِدتها التي تولت تربيتها بعد حادثة الوفاة، وقد يكون ذلك الفتى أول من تتعامل معه بعد سنة مِن وفاة والديّها
حركت رأسها بِـخفة كـدلالة على الموافقة إن المقعد شاغر بِـالفعل، رفعت عينيها لِـتراه كان طويلًا ذو ملامح هادئة وشعر أسود وعينين ناعستين وندبة على طول شفتيهِ أضافت عليه جمالًا لِـتتوقف الأخرى عن التحديق بِه وتعود لِـما كانت تفعله، ليس وكأنها كانت تُحب طعام الثانوية ذلك ولكنه كان خيارها الوحيد
أنهت طعامها لِـتخرج وتذهب إلى أحدى الممرات وتقف لِـتنظر على خريطة الثانوية ثم تتجه إلى المكتبة
ما كانت "ثيا" سوى طالبة ترتاد الصف الأول الثانوي، وكـأي شخصٍ أخر كانت تحتاجُ هي أيضًا لِـبضع الوقت حتى تعتاد على أماكن الغُرف لِـكُل مادة، أما عن تجنب الأخريين لها فـهذا شيء يبدو وكأنها تُفضل لوم نفسِها عليه، فـهي لم تُكون أي صداقات السنة الماضية لِـيكونوا بِـجانبها الآن لذلك هي لا تتذمر كثيرًا حول ذلك
طرقت باب حُجرة المكتبة لِـتفتح الباب بِـهدوء في محاولة منها ألّا تُصدر أي صوت قد يكون مُزعجًا لِلـقُرَّاء الأخرين هُناك
دخلت بِـهدوء لِـتُباشر بِـالبحث عن أي كتاب قد يخطف أنظارها، لِـتجد كِتابًا أزرق اللون ومُزين بِـالقليل من الزخارف الحمراء التي أعجبتها حتى وبِـالرغم مِن عدم تناسق الألوان، لِـتُخرجه وتمسح بِـطرف ملابسها عليه لِـتُزيل الغبار لِـتقرأ عنوانهِ "عِناق" شَرُدت لِـوهلة بِـاسم الكتاب لِـيُقاطعها صوتٌ بدى لها مألوفًا لِـتنظر تجاهه
إنه هو!
إنه هو من شاركها مِقعدها بِـوقتِ الغداء اليوم، نظر لِلـكتاب لِلـحظة لِـيأخذهُ من يداها ويقول:
-"لِمَ وقعَ إختيارُكِ على هذا تحديدًا؟"
-"بدى جميلًا بِـالنسبةِ لي" أردفت مُجيبة عن سؤال الواقف أمامها لِـيُضيف:
-"إذن أنتِ لم تُلقِ بالًا على الألوان، على كُلِ حال طالما بدى جميلًا لكِ ولم تبدو قصص الحُب كذلك فـهذا جديد نوعًا ما" تحدث وهو يُعيد الكتاب لِـثيا لِـتنظر له مرة أخيرة قبل أن ترفع بصرها لِلـواقف أمامها لِتتسائل قائلة:
-"ولِمَ عليّ أن أهتم بِـلون الغلاف؟
ألمْ يكُن المحتوى أهم؟ "
-"بِـالفعل المحتوى أهم ولكنكِ إن ألقيتِ نظرة على الألوان بِـشكلٍ مُختلف قليلًا، لـعرفتي مُحتوى الكتاب دون حتى قرائته" تحدث وهو يُشير بِـسُبابتهِ على الألوان التي على الغُلاف لِـتُردف الأخرى:
-"أنا أحب الألوان! ولكني لا أرى ما دخل المحتوى بِـها"
-"لطالما هَويتُ علم الألوان جدًا، وبِـالنسبة لي فـإن الألوان على غُلاف الكتاب تعني أكثر مِن كونِها مُجرد بهرجة لِلـكتاب، فـاللون الأزرق بِـغلافهِ يرمزُ لِلـوحدة بينما الزخارف الحمراء تُشير لِلـدفء، إجتماعًا مع عِنوان الكتاب 'عِناق' ألا يُوحي لكِ هذا أن محتوى الكتاب مِن جُملٍ مُبعثرة سـتكون لِـشخصٍ وحيد وجدَ الدفء في عناقهِ لِـذاتهِ بعد تقبُلها؟ غير ذلك، وبدون حتى إستخدام علم الألوان ألّا تعتقدين أن الألوان المُبهرجة تُشير لِلـحماس والتفاعل فـبالتأكيد ستكون النهاية حيثُما يجد من سـيُكمل برودة الأزرق بِـعناقٍ دافء بِـدفء الأحمر، وعِلاوة على كُل ذلك أنا مُساعد أمين المكتبة أن تُشككِ بِـمعرفتي لِأي كتابٍ هُنا مُهين نوعًا ما"
-"وبِـما سـأستفاد أنا حينما أعرف نهاية كِتاب ما مِن غلافه؟ وُجِدَت الكُتب كي تُقرأ وليس كي تُحلل، يوجد فرق" أنهت حديثها لِـتفتح الكتاب وتُشير على الجُملِ والأحرف بِـداخله كـدلالة على ان الكتاب كان لِلـقراءة، لِـتُعيد نظرها له مُجددًا لِـتجدهُ مادٍ يدهُ لها ويقول:
-" أنا ليڤرو، يُمكنني أن أكون أول أصدقائُكِ إن أردتِ، وأنتِ؟"
أنهى حديثه لِـتُجاوب ثيا قائلة:
-"لم تكُن وحدتي بِـهذا الوضوح، أعتقد أن المُشكلة بيننا أكبر مِن مُجرد سيكولوجية الألوان، ولكني لازلتُ سـأقبلُ بِـالعرض، أنا ثيا"
أنهت حديثها لِـيتصافحا ثم يعود ليڤرو لِـما كان يفعله مُجددًا، وتذهب هي لِإحدى المقاعد بِـالمكتبة لِـتقرأ الكتاب
لن تكذب ما قام بِه ليڤرو أثار إعجابها فعلًا، شخصيتهُ التحليلة المنطقية جاذبة جدًا، ناهيك عن ذكر لباقتهِ التي إنعدمت عِندما عرضَ عليها أن يكون أول أصدقائها
جلست تقرأ الكتاب بِـهدوء وكل ما قاله ليڤرو كان صحيحًا لِـتكسو الدهشة على وجهها أثناء قرائتها له، حتى إنها أنتهت مِنهُ بِـجلسة واحدة فقط لِـتتمكن مِن ترصد الأخطاء له فـهي لم تُسامحهُ بعد على تلقيبها بـالوحيدة
أنهت قراءة الكتاب لِـتُغلقهُ وتنظر لِـساعتها لِـتجد أنه لازال هناك ساعة كاملة حتى إنتهاء الوقت المُحدد لِـحصة المكتبة، وضعت يديها على الطاولة أمامها ووضعت رأسها عليهم، أغلقت عينيها تاركة نفسها لِلـنوم
__________________________________
"الرابع والعشرون مِن تموز بـألفين وثلاثة عشر- أسبانيا"
"قبل سنة مِن الآن- يوم الحادثة"
"الأربعاء"
تُعانق والديها توديعًا لهم قبل ركوبهم القطار لِلـذهاب لِلـعمل بِـمدينة أخرى بِـأسبانيا تحديدًا إلى فيرول بِـمُقاطعة "لا كرونيا" بِـشمال غرب أسبانيا، فـهم سـيتوجهون إليها مِن مدريد العاصمة، فـلن تكون الرحلة سهلة، ولِـكون ثيا فتاة كبيرة الآن في المرحلة الأخيرة بِـدراستها الأساسية فـلا خوف على بقائها مع جِدتها لِـبعض الوقت، وخصوصًا لِأن جدة ثيا مريضة وبِـحاجة لِلـرعاية التي سـتقدمها لها
تحرك القطار، لِـترفع ثيا يدها وتُلوح بِها لهم 'وداعًا' حتى تبدأ رؤيتها بِـالتغير، رأت يديها مُلطختان بِـالدماء ووالديها مُلقيين بِـجانب القطار المُحطم والدماء تُغطي حتى أصغر ملامح وجهيهما، النيران تخرج مِن القطار مُسببة لها ضيق بِـالتنفس، سبعون جثة مُلقاة تحتها والمُصابين يصرخون بِـألم فِرق الأنقاذ تركُض بِـكُل مكان في محاولة بائسة منهم أن يجدوا أحدًا ما لِإنقاذهِ مِن حواف الموت، تقدمت بِـخطواتٍ مهزوزة ناحية والديها لِـتضع يديها على أعيُنهُما لِـتُغلقهما، إزدادت الدماء على يديها لِـتضعهما على رقبتها لِـتترك علامة وكأن شخصًا ما كان يُحاول قتلها لِـتُغلق عينيها، وتستيقظ
__________________________________
مُطاردة مِن قِبلِ حُلم لا يُنسى، كابوس لا يرحل، لاجئ بِـروحِها قبل ذاكرتها مُسببًا لها جراحً لا تُحصى وقلب لا يُداوى، حينها فقط لاحظت إنها لم تكُن يومًا تلك الفتاة الكبيرة التي تركوها عندما سافروا، كانت أصغر بِـكثير مما حدث كانت فقط بِـالخامسة عشر مِن عمرها، في نفس اللحظة التي كانت تظن بها إنها تعيش أجمل أيام حياتها أدركت بها إنها كانت تموت، لم تكن تلك أفضل أيام حياتها أبدًا، حتى إن الشكوك حول إن كانت تلك حياة فِالأصل أصبحت تتزايد لـديها، كل شيء عندها مُبعثر جدًا
فتحت عينيها لِـتجد ليڤرو يُرتب الكُتب لِـتسألهُ قائلة:
-"كم الساعة الآن، هل إنتهت حصة المكتبة بعد؟"
-"أجل إنتهت وبِـالواقع إنتهى اليوم الدراسي بِـأكمله، أنتِ محظوظة لِأنكِ إستيقظتِ الآن فـأنا كُنت على وشك الإنتهاء مِن ترتيب الكُتب وسـأغلق عليكِ الغرفة وأذهب، وستبقين هُنا حتى اليوم التالي، لم أريد تحمُل عناء إيقاظك صراحتًا" تحدث وهو ينظر لِإحدى الكُتب بـيديهِ حتى يضعهُ على الرف ويلتقط كتابًا أخر، لِـترد الأخرى قائلة:
-" أنتَ أول أصدقائي فعلًا ولكني بدأت أحمل لك بعض الكُره، كم الساعة الآن على كُل حال؟"
-" السادسة مساءً"
تحدث لِـينظر لها لِـيجدها بِـالفعل قد ركضت خارج حُجرة المكتبة فـكان كُل ما تُفكر به هو أن عليها الإسراع بِـالوصول لِلـمنزل، فـمُنذ وفاة والديها وهي مَن تهتم بِـجدتها خصوصًا بعد إصابتها بِـهلوسة تجعلها ترى والد ثيا أو ابنها، لم تُخبرها جدتها يومًا عمّا ترى والدها يفعله مما جعل الشكوك عند الطبيب تتصاعد خوفًا مِنه أن تجعلها هلوستها تلك تُؤذي نفسها، إعتقادًا منها إنها إن فعلت وماتت فـستُقابل ابنها المتوفي
__________________________________
"في وقت سابق مِن اليوم- بِـالنسبة لِـليڤرو"
دوى صوت الجرس لِـيُعلن عن إنتهاء وقت حصة المكتبة لِـيخرج الجميع ويبدأ هو في ترتيب الكُتب التي تركها الطلاب على طاولاتهم وخرجوا لِـحضور باقي الحصص المُقررة عليهم، تذكر الكتاب الذي أخذته ثيا مُسبقًا لِـيتجه ناحية الطاولة التي كانت تقرأ عليها ويجدها نائمة، نظر لِـملامحها لِـيُخمن أن ما كانت تحلمُ بِه ليس بذلك اللطف ولكنه يستطيع تخمين إنها مُتعبة جدًا أيضًا، لِـذلك قرر تركها نائمة وعاد هو لِـترتيب الكُتب
لطالما عشق ليڤرو الكُتب والقراءة بِـكُل أنواعها ولكن دراسته كانت العائق الوحيد بِـالنسبة لِـذلك الحبُ، ولكن لِـكونهِ الآن في الصف الثالث والأخير مِن الثانوية فـهذا منحه وقتًا أكثر مما يحتاج، فـهو لم يعُد مُجبرًا على الذهاب لِـحصص الدراسة ودرسَ بِـمنزله بِـنفسه حتى وإن لم يكُن بِـالذكاء الكافي لِـيفعل، ولكنه فعلها على كُل حال وإغتنم وقت فراغهِ وأصبح مُساعدًا لِأمين المكتبة بِـالثانوية، يقضي مُعظم وقته الصباحي بين قراءة الكُتب وترتيبها وباقي يومه يـستهلكهُ بِـالدراسة
إنتهى مِن ترتيب الكُتب لِـينظر لِـساعته لِـيجدها الرابعة والنصف عصرًا وثيا لاتزال نائمة!
ذهب لِـيتفقدها لِـيجدها لازالت بِـنفس حالتها وملامحها وعلى الأغلب نفس الحلم السيء أيضًا، تردد لِـلحظة عمّا يجب عليه إيقاظها أم لا ولكنه قرر أن يتركُها، فـعلى كُل حال هو هنا بِـجانبها وهي فقط نائمة بِـهدوء فـما أسوء ما قد يحدث؟
عاد لِلـكُتب مُجددًا، لِـيتظاهر وكأنه لازال يُرتبهم فـهو لا يُريد مِن ثيا أن تستيقظ وتعتقد أنه لم يُغلق المكتبة ويرحل بعد لِأنها كانت نائمة، حتى وبِـالرغم مِن كون تلك الحقيقة فعلًا
ذهب لِـتفقد المجموعة الجديدة التي حصلت عليها الثانوية ورتبها مُسبقًا لِـينتقي إحدى الكُتب الزرقاء المُزينة بِـزخارف خضراء مع عِنوان 'هدوء' لِـيقرأه
حتى وبِـالرغم مِن أنه حلل الكتاب مُسبقًا مِن لونه إلا أنه قرر قرائته لِـيُهدر الوقت حتى تستيقظ ثيا
مرَّ بعض الوقت وكان قد أنهى الكتاب بِـالفعل لِـينظر لِـساعته ويجدها السادسة مساءً إلا عشرة دقائق، ذهب لِـيُعيد الكتاب مُجددًا ويتفقد ثيا مرة أخرى لِـيجدها تفتح عينيها بِبطئ لِذلك قرر وضع الكتاب عشوائيًا والتظاهر بِأنه يُرتب باقي الكُتب حتى تستيقظ، لِـتسألهُ ثيا عن إن كانت حصة المكتبة قد إنتهت لِـيُجيبُها بـ'أجل وإنتهى اليوم الدراسي كُله أيضًا وإنها محظوظة لأنها إستيقظت الآن'
أحزنهُ هذا قليلًا عندما أخبرته أنها تكرهه ولكن لا بأس معه فـهو مُدرك أنه هو مَن كان وقحًا معها مُنذ البداية لذلك لمْ يُلقي لذلك إهتمامًا
سألته ثيا عن الساعة لِـيُخبرها أنها السادسة مساءً لِـتُباشر بٍـالركض خارج المكتبة كـمَن يُلاحق حياته
__________________________________
على الجانب الأخر- عند ثيا
تركض بِـالشارع وكأنها تُلاحق الوقت، وهي تُـتمتم تحت أنفاسها بِـشتائم عديدة لِـليڤرو، فـكيف له ألّا يوقظها؟
تداركت لِـوهلة كم هي وحيدة، فـحتى دون أن تُلاحظ وجدت نفسها تركض لِـحياة أخر مَن تبقى لها، أنفاسها تـتسارع بِـالدخول لِـرئتيها، تُحارب لِأجل ألّا تخسر أكثر مِما فقدته مُسبقًا، لطالما أرادت المُحرابة لِأجل شيء تُحبهُ ولكنها هُنا تركض بين أوجه الناس المُتشابهة لِـمحرابة موت أحدهم
وصلت لِـمنزلها لِـتفتح الباب وتدخل باشرت بِـالبحث عن جدتها بِـعينيها ولكنها لا تجدها، تعالى صوتها مُناديًا عليها ولكن بِـلا أي إجابة
إتجهت ناحية السلم لِـتصعده وتبدأ بِـدخول الغرف بِـعشوائية حتى وجدت جدتها أخيرًا، وجدتها تنظر خلال النافذة لِـلشارع بِـهدوء لِـتُباشر ثيا بِالبُكاء حتى لم تعد أرجُلها قادرة على حملها أكثر من ذلك، سقطت على الأرض لِـتتحدث جدتها قائلة:
-"لم يأتي اليوم أيضًا، إنه حزين"
أكملت ثيا بُكاءها لِـتردف تحت شهقاتها التي تتعالى أكثر فـأكثر:
-"توقفي، هو ليس حزينًا لأنه ليس هنا في الأصل، لقد رحل، رحل وتركنا حتى قبل أن تُدركي ذلك، أرجوكي لا أُريد أن أخسرك، توقفي"
أنهت حديثها لِـتذهب ثيا وتعانق جدتها حتى تُبادلها العناق وتقول بِـصوت لا يُسمع:
-"يبدو إنني لا أكفي"
كما تم ذكره سابقًا، فـإن جدة ثيا تُعانِ مِن الهلوسة، مُنذ وفاة ابنها ووالد ثيا، رفضت جدة ثيا مِن البداية أن تتعالج أو أن تذهب لِـمشفى حتى، قائِلة أنّها بخير وحتى إن لم تكُن كذلك فـهي راضية طالما ستتمكن من رؤية طفلها، بِـالبداية كانت تراه فقط ولكن على مايبدو فـإن إنعدام العلاج جعل الهلوسة تتطور بِـشكل ملحوظ كما إن عقلها لا يقام أبدًا، حتى تطورت الحالة وأصبحت تتمكن مِن لمسه والتحدث إليه، ومع التطور المستمر وإستسلام عقلها وعدم تلقي أي علاج بدأت تُراودها نوبات أرادت بِها إنهاء حياتها لِـلذهاب إليه، هي لم تُقدم على فِعل ذلك بعد ولكنها كانت دائمًا ما تُخبر ثيا أن والدها يُخبرها أن تفعل، لِـتتمكن مِن رؤيتهِ أكثر، ولطالما كان الخطر قائِمًا وَجبَ علينا الحذر، لِـذاك تُحاول ثيا عدم تركها أبدًا إلا عند الذهاب لِـلثانوية، وأحيانًا تتصل بِها لِلأطمئنان عليها مِن وقتٍ لِلأخر،فـكان ترك ثيا لها طوال اليوم بِـمثابة دعوة لِلأنتحار
فصلت ثيا العِناق لِـتُمسك بِـأيدي جدتها لِـتقول:
-"إنها السادسة والنصف بِـالفعل، ما رأيك بِـمُشاهدة التلفاز بينما أُعدُ لنا شيئًا لِـنأكلهُ، ألم تكن تلك إحدى عادات والدي المفضلة؟"
أنهت حديثها لِـتمسح بِـيديها على وجه جدتها التي كانت تُحرك رأسها بِـخفة كدلالة على الموافقة، لِـتذهب وتُشاهد التلفاز بينما ذهبت ثيا لِـتحضير العشاء
__________________________________
"بعد العشاء- بِـغرفة ثيا"
أسندت ثيا ظهرها على الحائط لِـتبدأ بِـالبكاء بينما تضع إحدى أيديها على فمها حتى لا تُصدر صوتًا والأخرى على قلبها تعتصره حتى يزداد الألم الجسدي فـيُغطي على ألمها النفسي
إنتهت مِن واجبها المدرسي لِـتُلقي بِـجسدها على الفراش وتتهند لِـتضم نفسها كـطفل رضيع، لِـتنام وتسلم نفسها لِـنفس الكابوس مجددًا
__________________________________
"في اليوم التالي- بِـمكتبة الثانوية"
-"تبدين كـعجوز شاحبة اللون"
كان ذلك أول شيء وقع على مسمعها لِـترفع نظرها لِـلواقف أعلى السلم يرتب الكُتب أمامها، لِـتقول:
-"أنت فعلًا لا تعرف كم أود أن أسقطُكَ من أعلى ذلك السلم، أنت تُشبه دودة الكتب الحقيرة، لِمَ لمْ توقظني أمس؟"
-" ولِمَ سـأفعل حتى؟"
أنهى حديثه لِـتخلع الأخرى حقيبتها من على ظهرها وتُلقي بِها عليه حتى يسقط إلى الأرض وترحل وسط صوت الأخر يتألم
ذهبت لِـمطعم المدرسة بِما أنها لن تحضر المكتبة، طلبت فنجان واحد مِن القهوة لِـتسمع صوت ليڤرو مِن خلفها يُخبر النادل أن يجعلهما اثنين
-"أنتِ تعلمين أن غيابك عن المكتبة في حين أنكِ حاضرة بِـالثانوية هو كسر لِـلقواعد مِن المفترض أن تُحاسبي عليه؟ ناهيك عن ذِكر إستخدام العنف بِـالطبع"
تحدث وهو يرتشف القليل مِن القهوة التي كانت قد قُدِمت سابقًا لِـتقول الأخرى:
-"أنت دودة كُتب حقيرة بِـالفعل، فقط إبتعد عني"
تحدثت وهي تبتعد عنه لِـلخروج مِن المطعم لِـيُمسكها الأخر مِن رسغها لِـتلتف له مُجددًا لِـيُضيف:
-" أسف لم يكُن مِن الصحيح أن ألمسك دون أخذ إذنك، ولكنكِ عنيدة فعلًا، ماذا حدث؟ كُنتِ أكثر بهجة البارحة!"
وما كانت سوى لحظات قليلة حتى تبدأ ثيا بِـالبُكاء مجددًا ولكن تلك المرة كانت تضحك أيضًا بِـنفس الوقت لِـتقول:
-"لستُ بخير، أشعر وكأن كُل مَن كان بِـجانبي يتركُني كما لو كنت لم أكن يومًا بِـحياتهم، وأقف أنا فـالنهاية دون حيلة مني أبكي وكأني خزانًا لِـلمياة لا يعرف سوى الدموع"
-" مهلًا، توقفي عن البُكاء، تبدين قبيحة عندما فعلتِ، كما إنها ليست غلطتكِ بِـكُل الأحوال"
أنهى حديثه لِـتُردف ثيا قائلة:
-"بِـالطبع هو ليس كذلك ولكن ما عساي أن أفعل؟ أنا وحيدة جدًا، بِـالكاد أعرفك يا ليڤرو"
أشتدت بِـالبكاء بِـنهاية حديثها لِـيُخرج الأخر منديلًا ويعطيه لها ويقول:
-" أول ما عليكِ فعله هو تجفيف دموعك لأنكِ قبيحة عندما تبكين، ثانيًا يجب أن تكوني على أتم اليقين أن إمضاء الوقت وحدك أفضل بِـكثير مِن أن تُمضيه مع الشخص الخاطئ"
-" وماذا إن كُنت فتاة وحيدة تُمضي وقتها مع الشخص الخاطئ؟"
أنهت حديثها وهي تُجفف دموعها لِـيقول:
-" الأمر يُشبه وكأنكِ وحدك بِـغرفة مُغلقة لا يوجد بِها أي مدخل أو مخرج لِـلهواء حتى، وكُل ما تمتلكينه هو شمعة تُضيء لكِ المكان، بِـالطبع ستقعين بِـغرامها في البداية، لن تُدركي أبدًا أن تلك الشمعة التي تُضيء لكِ حياتك هي نفسها مِن سـيقتُلك لِـيستمر سطوعها، إنه الأسوء"
تحدث وهو شارِد الذهن بِـفنجان القهوة لِـيُضيف حتى دون أن يُدرك:
-" لذلك حتى أنا لا أملك ذلك العدد مِن الأصدقاء، إنه فقط أنا وأنتِ"
-" وما الضرر مِن المُخاطرة ولو لِـمرة والتعرف على شخصٍ جديد؟ قد يكون أفضل مني حتى"
تحدثت وهي تنظر له شارد الذهن بِـقهوته لِـيقول:
-"وماذا إن لم يكُن؟ أتعتقدين أنه سيهتم إن كان سيء أم لا؟ أنا من تضرر قلبه هُنا ولا أحد سواي ثيا"
أنهى حديثه لِـتسأل الأخرى مُجددًا وتقول:
-"ولِمَ سمحت لي بِـالدخول لِـحياتكَ إذن؟"
قاطع حديثهم صوت الجرس الذي يُعلن عن نهاية الفترة وبداية الإستراحة حتى بداية فترة جديدة، نظر ليڤرو لِـثيا لِـيُتمتم تحت أنفاسه بِـصوتٍ خافت لا يُسمع قائلًا:
-" لأنكِ أنقى مِن أن تؤذي نفسك حتى ثيا"
لم تستمع ثيا لِـما حاول ليڤرو قوله لِـذلك قالت:
-" لم أستمع جيدًا، على كُلِ حال فقط لِـنعد بعضنا البعض أن نبقى سويًا، بِـطريقة ما يبدو وكأن كلانا مُمتلئ بِـندوب الفقد"
رفعت خنصرها أمامه لِـيضع خنصره أمامها ويعد كُل شخصٍ الأخر وعد الخنصر
رفع صوته مُجددًا لِـتستمع الأخرى له ويقول:
-"سـأذهب الآن، يجب علي أن أرتب الكُتب قبل بداية الفترة الثانية، سـأدفع أنا كـإعتذار، حسنًا؟"
أنهى حديثه لِـتُردف الأخرى قائلة:
-"مهلًا، سآتي معك، أُريد ترتيب الكتب معك عوضًا عن البقاء وحدي في الأستراحة، لا تقلق لستُ بِـذلك السوء"
-"من أنا لِأرفض حُلم فتاة في السادسة عشر مِن عمرها؟"
تحدث وهو يتجه ناحية إحدى المباني بِـالثانوية، لِـتتبعه ثيا
__________________________________
"في إحدى المبانى بِـالثانوية- المكتبة"
-"إذن كيف ترتب الكُتب؟ حسب النوع أمْ الأحرف الأبجدية؟"
تحدثت وهي تمسك بِـكتابين إحداهما بِـاللغة العربية والأخر بِـلغة تكاد ثيا تُقسم إنها المرة الأولى لها أن ترى مثلها، لِـيجاوب ليڤرو على سؤالها ويقول:
"حسب اللون، من الفاتح حتى القاتم"
إنتهى مِن حديثه لِـتُردف ثيا قائلة:
-"بِـأول مرة تقابلنا ظننتُكَ إحدى الفتيان اللذين على إستعداد بِـقتل كُل مِن حولهم لِأجل مُتعتهم الشخصية، لِأجدُكَ لاحقًا دودة كُتب وقحة عاشقة لِلألوان"
-"أعتقد أنكِ جرحتيني، لستُ بِـذلك السوء بِـالواقع"
تحدث وهو يضع يداه على قلبه كـدلالة على الحُزن لِـتقول ثيا:
-" أنت لست سيئًا بِالأساس ليڤرو، أنت فقط دودة كُتب وقحة"
أنهت حديثها لِـينظر لِـثيا التي عقدت لِسانه بِـكلماتها، لذلك إكتفى فقط بِـالنظر إليها بِـتفاجئ
لم يتحدثا سويًا مجددًا، باشروا بِـالعمل الذي لم ينتهي من أسئلة ثيا عن إذا كانت تلك الدرجة أفتح من تلك أم لا لِـدرجة أن ليڤرو أخبرها أنها بِـإمكانها أن تجلس وسـيقوم هو بِما تبقي مِن العمل، لِـتفتعل هي شجارًا لأنها إعتقدت أنه يُنكر مساعدتها له، لِـينهال عليها بِـالأعتذارات التي لم تخلو مِن سخريته منها وأخيرًا إنتهوا مِن ترتيب المكتبة
-"كيف لك أن تقوم بِـكُل ذلك العمل مرتين يوميًا؟ أعتقدت أنّي سـأحتضر هنا"
تحدثت وهي تستند على إحدى الرفوف لِـينظر ليڤرو لِلأرض بِـيأس ويتحدث قائلًا:
-"أنا أسف يا ثيا، ولكني لا أعتقد أنه مِن الصحيح أن نستسلم هُنا، لقد قطعنا شوط صغير بِـالفعل، لن تذهبي الآن سـنُكمل ما بدأناه سويًا"
-"ما مشكلة كُل الدراما تلك؟ ماذا تعني بِـأننا سـنُكمل؟ قدماي بِـالكاد يعملان"
تحدثت ثيا وهو تضحك على تعابير ليڤرو، لِـيخبط بِـيده على الطاولة التي تجلس عليها ثيا بِـقوة لِـتنتفض ثيا خوفًا ويُكمل ليڤرو حديثه قائلًا:
-"أنتهينا مِن ترتيب الكُتب، تبقى علينا تنظيف المكتبة لِـلذهاب"
تحدث لِـتقف ثيا وتقول:
-"لا أعتقد هذا يُمكنك أن تُكمل أنت وحدك، بِـالواقع أنا أسفة أني عرضتُ عليكَ المساعدة، سأذهب الآن لازلتُ لم أُنهي الحصص المُقررة عليّ بعد"
أنهت حديثها لِـتقف وتمسك بِـحقيبتها المدرسية وتبدأ بِـالجري تجاه الباب قبل أن يُمسك بِها الأخر ويُرغمها على العمل معه مُجددًا
هربت ثيا مِن المكتبة التي أعتقدت إنها سـتقضِ بها كُل ما تبقى لها مِن حياة تُرتب الكتب بها، وسط ضحكات الأخر
هؤلاء هُم ليڤرو وثيا، دودة الكُتب والفتاة الوحيدة
__________________________________
"بعد شهر وعدة أيام- الثالث مِن آيلول"
-"إذن ليڤرو ما هو لونك المفضل؟"
تحدثت ثيا وهي تتمشى بِـجانب ليڤرو عائدين لِـمنازلهم بعد يوم دراسي حافِل بِـالكُتب فقد عرضت ثيا مُجددًا على ليڤرو أن تساعده ولكن تلك المرة كان عليهم تلخيص الكُتب الجديدة التي حصلت الثانوية عليها
نظر ليڤرو لِـثيا لِـيجدها ترتدِ قميصًا بنفسجي اللون على بنطال أبيض لِـيُشيح بِـنظره ويقول:
-"أحب الأبيض والبنفسجي"
-"ليڤرو، لدي سؤال عشوائي جدًا أيُمكنني طرحهُ؟"
تحدثت ثيا وهي تنظر لِلأرض لِـيُهمهم ليڤرو كـدلالة على موافقته لها أن تتحدث لِـتقول:
-"أتمتلك شيء تندم عليه؟"
توقف ليڤرو لِـوهلة مِن الوقت لِـتُضيف ثيا:
-"يُمكنكَ ألا تخبرني أن لم تُرد، أنا أسفة"
-" لا مُشكلة، ولكني أمتلك بِـالفعل شيء أندم عليه، أنا نادِم على إهداري لِـكُل دموعي بِـحُبٍ أخر، أنا نادِم لأني أهدرتُ كُل الحب والكلمات التي أمتلكتها يومًا على حُبٍ خاطئ، أنا نادم جدًا، حتى إن كوني مُساعدًا لِأمين المكتبة كان لأني لم أجد صديقًا لي بعدما أُهمِلَ حُبي وكأنه لم يكُن، لم أجد شيئًا يُساعدني على إعادة كلمات الحُب سوى بِـالكُتب، أعتقد أني أضعت أكثر مما كُنت أملك حتى لِـذلك العودة صعبة جدًا"
أنهى حديثه وهو ينظر لِلأرض بِـشرود لِـتقول ثيا:
-"حب أخر، أوجدت حُبكَ الصحيح ليڤرو؟"
-"أجل، تأخر الوقت لِـنسرع"
تحدث ليڤرو لِـيركض بعيدًا عن ثيا تاركًا أيها شاردة في ماذا سـتفعل إن أبتعد صديقها الوحيد عنها لِأجل حبه؟
ولكنه وعدها أنه لن يتركها إلا عندما تطلب هي
أفاقت ثيا مِن شرودها لِـتركض خلف ليڤرو وهي تُقسم أنها ستقتله لِـتركهِ لها في وسط الطريق هكذا
وصلوا إلى بيت ثيا لِـتودعه وتدخل هي بيتها وينظر هو لها مرة أخيرة قبل أن يذهب لِـبيته هو أيضًا
__________________________________
"على الجانب الأخر- بيت ثيا"
دخلت ثيا منزلها لِـتتفقد جدتها التي كانت تقرأ أحد الكتب بِـجانب النافذة بِـغرفة والدها، إبتسمت ثيا عندما لاحظت كم تحسنت حياتها لِـتذهب وتضُمها وتقول:
-"إذن ماذا تُريدين لِـلعشاء اليوم؟"
-"الحساء، لطالما كانت طعام والدُكِ المفضل"
تحدثت جدة ثيا لِـترد الأخرى عليها قائلة:
-"بِـالتأكيد"
-"ولكن الآن وحتى تنتهي مِن تحضير الحساء، سـأذهب لِـلأستحمام"
تحدثت جدة ثيا مجددًا لِـتوافق الأخرى على حديثها
إتجهت جدة ثيا لِلإستحمام أما ثيا ذهبت لِإعداد الطعام بِـكُل الحب الذي تملكه بِـقلبها
إنتهت ثيا مِن إعداد الطعام لِـتُنادي على جدتها التي وبغير عادة لازالت تستحم حتى الآن، ولكن بلا أي إستجابة
ذهبت لها ثيا لِـتطرق على الباب ولكن بلا أي إستجابة للمرة الثانية
شعرت وكأن شيئًا ما يُلامس أقدامها، لِـترى الماء الممزوج بِـبعض الدماء يخرج مِن الباب،الخوف تملك قلبها لِـتحاول الدخول عدة مرات ولكنها بِـكُل مرة تفشل، عادت لِلمطبخ ركضًا مُجددًا لِـتجلب سكينًا حتى تفتح الباب بِه وفُتِحَ بالفعل، رأت جدتها مُلقاة على الأرض وإحدى السكاكين إخترقت جسدها والمياة تجري على وجهها حتى المكان كله، سقطت ثيا بِـمكانها والدموع تملئ كُل إنش مِن وجهها، لِمَ عليها أن تكون دائمًا هي المتروكة؟
لِمَ عليها هي أن تكون دائمًا مَن يبكي مِن وحدته؟
إتجهت زحفًا ناحية جدتها لِـترفعها وتضمها بِـحضنها وهي تُحسس بيديها على شعرها، الدموع تملئ عينيها والرؤية مشوشة جدًا ولكنها توقفت عن البكاء، تملك الحزن قلبها لِـدرجة إنها لم تعد تشعر بِـأي شيء، فقط عندما وصلت لِـتلك المرحلة إكتشفت أنها لم تجد ذاتها يومًا، بِـالعكس هي كانت تبحث عنها بِـأوجه الأقربين لها، وها هي هُنا فقدت أخر
مِن تبقى لها، لِـتفقد نفسها معه
تركت جدتها على الأرض مُجددًا لِـتخرج
وتأخذ هاتفها معها بِـيديها وخرجت بِـملابسها المهترئة المبللة بِـالماء والدماء مُتجهة ناحية ألّا مكان، فقط تمشي خارج منزلها
واصلت في المشي والهواء يتخبط بِـجسدها وخطواتها المُترنحة لِـتفقدها رباطة جأشها تاركة لِـلحزن كُل ما تبقى لها إن وُجِد، حتى وصلت إلى البحر هناك حيثما تغلبت عليها أرجلها لِـتسقط، تغلبت عليها عيناها أيضًا حتى باشرت بِـالبكاء بِـهستيرية، تصرخ وكأنها كانت تكتم حزن العالم بِـقلبها شهقاتها تملئ المكان وعلى غير عادة هي لم تحاول تلك المرة إخفاء حزنها، لطالما كانت تضع يدها على فمها عندما يتعالى صوت شهقاتها حتى لا تسمعها جدتها، فـما الفائدة مِن ذلك الآن؟
عن مَن سـتُخفي حزنها وهي لم يتبقى لها سوى نفسها؟
رفعت الهاتف وإتصلت على خط الطوارئ لِـيُجيب أحدًا ما مِن الجانب الأخر لِـتتحدث ثيا وتقول:
-"مرحبًا، أنا ثيا توفت جدتي، لقد إنتحرت أنهت حياتها مِن حزنها على فقدانها لِابنها، ولكنها لم تفكر فـحزني يومًا، حزني أنا مَن فقدت كل ما أملك بِـفقدانها، خسرت كل من أملك وكل ما أملك أنتم تعرفون العنوان لا حاجة مِن إخباركم، كُل ما أردت قوله هو إني حزينة جدًا، اليوم فقط تداركتُ أن حياتي تتحسن، لِـيموت أخر مَن بِها، صراحتًا أنا لن ألوم جدتي على قتلها لِـروحها دون الأهتمام لِـروحي فـحتى أنا سـأنهي خاصتي هنا والآن، أنا أمام البحر عندما تأتون لِـرفع جثتي مِن أعماقه سـتجدون هاتفي الذي أتحدث منه الآن، سـتجدون عليه ثلاثة أرقام لِـثلاثة أشخاص أمي وأبي وليڤرو الشخص الوحيد الذي أحبته روحي يومًا، أنا حقًا أسفة لـنفسي لِأني تداركتُ كم أحببته وأنا على وشك إنهاء حياتي، أريدكم أن تُهدوا هاتفي لِـليڤرو فـوالداي قد ماتوا سابقًا وأنا ذاهبة إليهم الآن سـأخبرهم أنا عن أسفي لأني لم أفي بِـوعودي لهم لِأن أتمسك بِـالحياة، إلى اللقاء يا أخر مَن سمع صوتي حتى بِـالرغم مِن كوني لا أعرف مَن أنت حتى، شكرًا لك لِأنك لم تُقاطعني، أنا مُمتنة وأسفة جدًا أرجو أن تتمنى لي حظًا جيدًا بِـالناحية الأخرى، الوداع"
أغلقت الهاتف لِـتتوجه لِـلرسائل بينها وبين ليڤرو لِـتكتب في خانة الكتابة:
-" أسفة أنّي كسرتُ وعدنا ليڤرو، أنا أحبك حقًا ولكني لا أريد أن أراك حزينًا، إلى اللقاء يا دودة الكتب المفضلة لي"
تركت الرسالة معلقة دون إرسالها لِـتترك هاتفها بِـمكان بعيد عن الماء حتى لا يطول الهاتف ويتوقف عن العمل فـهي تُريد وبِـشدة أن يقرأها ليڤرو ولكنها سئمت ولم تعد تمتلك أي طاقة لِإيصال الرسائل بعد الآن
نظرت لِلـبحر لِـتفتح ذراعها مُستقبلة لِأمواجه ضدها كما لو كانت تُعانق الحياة التي لم تُلقي لِـثيا بالًا لِـلمرة الأخيرة، لِـتسير بِـداخله وتُعانق مياهه
سمعت صوت صافرات الإنذار وهي تتعالى كـدلالة على إقترابهم مِن موقعها ولكنها كانت إستسلمت مُسبقًا لِـلبحر أغمضت عينيها وأنزلت رأسها بِـه، شعرت وكأن رئتيها يحترقان بِسبب الماء بِـهما ولكن روحها كانت تطفو فرحًا فـهي على وشك لقاء راحة لن تلقاها حتى وإن عاشت لِألف عام أخر!
بدى كُل شيء لها وكأنه يقتلها بِـبطئ، فـلم تجد ضررًا مِن قتل روحها بسرعة على كُل حال هي لم تعتقد يومًا إنها كانت على قيد الحياة، وماتت ثيا إنتحارًا بِـالماء
__________________________________
وجدت الشرطة هاتف ثيا بِـالفعل ولكنها لم تجد جثتها وكما طلبت ثيا أهدت الشرطة هاتفها لِـليڤرو الذي وُجِدَ مُنتحرًا هو الأخر بعد إنتحار ثيا بِـأسبوع بِـنفس البحر الذي أغرقت ثيا نفسها فيه، كـعِناق أخير لم يعطيه لِـها، تاركًا رسالة إحتوت على الأتي:
-قد لا ينتهي العشق بِـالزواجِ أحيانًا، فـالبعض يختار الموت
يُمكنُكِ التحليق بِـسلامٍ الآن ثيا، فـأنتِ ملاك الآن ولن يليق بِـكِ سوى التحليق
لا تقلقي لستِ المُخطئة، فـكان أنا مَن أعطى كُلِ ما يُملك ولازال ليس كافيًا، لم أكُن مُخطئًا عندما قُلت أنكِ أنقى مِن أن تؤذي نفسك، لِـذلك أفلتي يداكِ عن الحياة عندما وجدتي أنها تُؤذيكي، ولكني لم أُدركُ يومًا إنكِ سـتؤذيني بِـهذا الشكل
-الوداع ثيا فـلا لِقاء لنا بعد الآن
"تمت"
__________________________________
رأيكم يهمني 😔♥️
ثيا؟
ليڤرو؟
توقعاتكم عن الشخصيتين؟
أي إنتقادات / أسئلة أو تعليقات؟
إلى اللقاء، دُمتم أمنين 🤎🧸
Коментарі
Упорядкувати
- За популярністю
- Спочатку нові
- По порядку
Показати всі коментарі
(5)
-الأول والأخير
بجد اتاثرت جداا🌚💞💞💞💞💞💞💞💞💞
Відповісти
2021-06-12 19:17:44
1
-الأول والأخير
شلااااال احزااان يا مااان 😭
Відповісти
2021-06-12 21:53:00
1
-الأول والأخير
الونشوت فخمممم اويييي بجد تسلمي 😭😍✨
Відповісти
2021-06-12 21:54:49
1