قد كان أسود
يبدو أنهُ اصبحَ ابيض
يبدو أنهُ اصبحَ ابيض
أتى اليوم الثاني، يوم مُمل آخر، ذهبت إلى المدرسة وأنا فقط أشعر بالملل والإحباط.
اتجهت إلى الفصل، شرحت بعض المعادلات لهم ثم أعطيتهم القليل من الوقت ليمرحوا  قبل أن أعود للشرح من جديد.
جلست على مقعدي لأسرح في همي مره أخري، لمحت بيرت يقترب مني لأفيق من شرودي علي صوته الهادئ:

- سنيور كيف حالك؟
- بخير وأنت يا بيرت؟
- بخير.
قالها ثم أعطاني مَوزة.
- لمَ تلك الموزة يا بيرت؟
- ما رأيك فيها تبدو جميلة أليس كذلك؟
- تعرف يا بيرت أنني لا أرى لونها أليس كذلك؟
- بلى، ولكن قالت لي جدتي أنه لا يجب أن نرى الأشياء الجميلة بأعيننا، بإمكاننا الإحساس بها، الأشياء الجميلة تصبح جميلة عندما نقرر أن نراها كذلك، أترى تلك الليمونة لونها أصفر أيضًا، أنظر لقد رسمت لك تلك الشمس، الشمس أيضًا لونها أصفر، أتعرف؟ اسمي بيرت، أي مشرق كإشراق الشمس بلونها الأصفر المائل للأبيض، فقط إذا رأيت الأشياء بقلبك ستستشعر مدي جمالها، لأنني أعلم أن قلبك أجمل من أعيننا جميعًا.

شعرت لوهلة أنني أحدث حكيمًا وليس طفلًا صغيرًا بعمر السابعة!، عم الصمت بيننا ثم بترته أنا بإبتسامة عريضة وأشرت عليه بالجلوس على مقعده لأنني سأعود للشرح.

بدأت الشرح لهم وأنا أشعر بشعورٍ غريب، أنهيت حصتي وذهبت إلى الفناء لأتناول فطوري وأشاهد الأطفال وهم يلعبون في فترة راحتهم.

لمحت بيرت يتقرب مني وهو يحمل شطيرة ثم جلس بجانبي.
- ما رأيك بأن نتقاسم هذه الشطيرة سويًا؟
أبتسمت له مجيبًا بنعم ثم بدأت الحديث.
- لماذا لا تلهو مع أصدقائك؟
نظر إليّ بإبتسامة ثم نظر إلي الأسفل مؤرجحًا قدميه إلى الأمام تارة وإلى الخلف تارةً أخرى معبرًا عن بعض الحيرة..
- أمي أخبرتني بأنه يمكن أن يؤخذ من الإنسان شيء مقابل شيء أفضل منه، لقد أُخذ مني قطعة من قلبي، لذلك لا يمكنني الحركة بسرعة أو اللعب كما يلهو باقي الأطفال، ولكنني أستطعت ملء ذلك الثقب بطريقتي وبمخيلتي، ليس اللهو و العب الوسيلة للمرح الوحيدة فأنا لدي مخيلتي، بإمكاني السفر إلي جميع دول العالم وأنا أجلس هنا معك، انا أستطيع الشعور بالسعادة بطريقتني الخاصة وإسلوبي.

نظرت إليه نظرات تحمل الكثير من الذهول، هنالك الكثير من الأسئلة تُحارب داخل عقلي!..جميعهم يريد الإنتصار حتى يُطرح على بيرت!

-ما هي السعادة؟

هذا هو السؤال الذي  أستطاع النجاة من بين تضارب السيوف في عقلي، تفوهت بهذه الكلمات وأنا أأمل أن أفهم ماذا يقصد بيرت بالسعادة!

ابتسم بيرت وأدار وجهه إليّ، وقال وعينيه تلمعان: السعادة؟ السعادة هي عندما أرى عربة المثلجات من نافذة غرفتي، فيدق قلبي سريعًا، وأذهب مسرعًا مع أمي حتى أحصل على نصيبي من السعادة، عندها أشعر أن قلبي يتراقص ويصقف ويريد الخروج من مكانه! السعادة هي سماع أغنية من أمي قبل نومي..حينها أشعر أن صوتها موسيقى تتراقص عليها أوردة قلبي!..السعادة هي عندما أقوم بإحتضان شخص أحبه..فيشعر قلبي بالدفء!..أتعرف؟ إبتسامة جدتي أيضًا تشعرني بالسعادة!.

مرت لحظات وأنا أنظر إليه محاولًا إستيعاب كل كلمة قالها، إذا بصوت الجرس يخرجني من شرودي مُعلنًا إنتهاء فترة الإستراحة، ولأعود للشرح مرة أخري.

أنتهي دوامي، أنا الآن في طريقي إلى المنزل أفكر فيما قال بيرت.
عُدت إلى منزلي وأرتميت علي سريري ناظرًا إلى السقف مُحاورًا عقلي ومُفكرًا فيما قال بيرت،  مُحاولًا فهم ما قاله وإذا بالنعاس مُنتصرًا عَليّ.

-

مر ثلاثة عشر يومًا على عملي كمعلم، في تلك الأيام كان بيرت يأتي إليّ كل يوم بأشياء مختلفة ليريني ما لونها، لا أنكر بأنني بدأت أفهم وأميز بين الألوان عن طريق درجات الألوان، هذا جيد! يبدو أنني أصبحت في تحسن.

وأنا في طريقي إلى عملي  وجدت بائع فواكة، توقفت قليلًا أمامه ثم خطر على بالي فكرة، أمسكت بتفاحة وأنا أسأل البائع " هذه التفاحه حمراء أليس كذلك؟".
- أتراها زرقاء ؟
- إذا هي حقا حمراء!!
حينها شعرت بالإنتصار! غمرني شعور جعلني أحتضن البائع وأنا أخبره أنه حقًا رجل رائع! وبائع فوق الممتاز! وهو لا يزال يشعر بالذهول مما فعلت.

دفعت المال لتلك التفاحة ثم أتجهت إلى المدرسة وأنا أشعر بشعور غريب لكوني عرفت ما لون التفاحة أيعقل أن تكون السعادة التي أخبرني بها بيرت؟، وأيضًا كُنت أأمل أن يُعجب بيرت بتلك الهدية الصغيرة التي سأعطيها له، فأنا حقًا ممتن له كثيرًا.

دخلت إلى المدرسة وجدت أن مراسم بدء اليوم الدراسي قد بدأت بالفعل ووجدت مدير المدرسة يُعلن عن رحلة بالغد إلى الشاطئ، بعد أن أنتهى المدير من إعلان الخبر أمر بعمل إجتماع بين المعلمين لمناقشة الشروط والتعليمات للحفاظ علي سلامة الأطفال، ذهبت لأستمع إلى المناقشة وأنا أنظر إلى التفاحة التي أُحركها بين أناملي وانا أنظر إلى أسفل الطاولة التي نجلس عليها من أجل المناقشة، فقط أشعر بالملل، وكل ما يخطر في بالي هل سيعجب بيرت بتلك الهدية؟.

أنتهي الإجتماع مُتزامنًا مع بدء فترة الإستراحة، ذهبت  لأتناول الفطور كعادتي فوجدت بيرت يجلس بمفرده فذهبت له مُرسعًا لأنني شعرت بأنها اللحظة المناسبة لأعطيه التفاحة.

- أريد أن أقص عليك ما حدث اليوم بإعتبارك مشاركًا فيه، وأنا في طريقي إلى المدرسة وجدت بائع فواكة، فوجدته يبيع تفاح، فذهبت وسألت البائع عن لون إحداهنّ، فقال لي، حينها وجدت أن تخميني للونها كان صحيحًا! وقتها تذكرتك، وأردت أن أهديك هذه التفاحة تعبيرًا عن إمتناني لك..أنت صديقٌ رائع يا بيرت!
حينها نظر إليّ بيرت ووجه خالٍ من التعابير، وفوجئت به يقول: أنا لا أريدها أنا أريد حليب نيدو!
بنهزر يا قارئ أنت مبتهزرش؟!

جد بقى:حينها نظر إليّ بيرت والسعادة ترتسم على شفتيه، ثم أخذها مني وهو ينظر إليها مطولًا والإبتسامة لا تزال مُلازمة فاهُه، وعينه علي وشك إلتهامها، حينها شعرت بشعور الإنتصار ذاك الذي شعرت به عند تخميني للون التفاحة بشكل صحيح.

- شكرا لك سنيور باو.
أبتسمت له وشعرت للمرة الثالثة بذاك الشعور، رن جرس المدرسة مُعلنًا إنتهاء فترة الإستراحة، أخذت أذنًا للذهاب مبكرًا إلى البيت لأقوم بتجهيز مُتطلبات الرحلة.
الرحلة هي يوم الخميس، أقف الآن مع طُلابي منتظرين قدوم الجميع، بعد أن تأكدنا من سلامة العدد، أتجهنا إلى الشاطيء.

عندما وصلنا إلى هناك فقط هي ثواني ووجدت الأطفال قد انتشروا على طول البحر، بالتأكيد قد أخبرناهم بالتعلميات ولكن كان يجب علينا مراقبتهم وهم يلعبون ويلهون في الماء.
بعد مرور فترة شبه طويلة على مراقبتي للأطفال قررت الجلوس على الشاطئ..
أشعر بنسمات الهواء تداعب وجهي، أشعر بالمياة تتحرك وتصتدم بجسدي، أشعر بالإسترخاء نوعًا ما...
قاطع شرودي وإستراخي صوت بيرت وهو ينادي عَليّ لأتفقد ما صنعه، نظرت إليه ثم لمحت شيء ضخم مصنوع من الرمل، يبدو أنه قد قام ببناء قلعة كبيرة.

- ما رأيك سنيور؟
- تبدو جميلة جدًا، أنت عبقري يبدو أنك ستصبح مُهندسًا بارعًا.
- أجل أريد أن أصبح مُهندسًا، سأبني تلك القلعة الضخمه وسأدعوك إليها، وسأبني لك بيت صغير بداخلها لكي تسكن معي.
نظرت إليه وعلي وجهي إبتسامة، إنه طفلٌ بريء ولطيف وشخص مميز.
بعد إنتهائنا من الحديث سحبني بيرت لألعب معه قليلا في المياه، كل ما كان يفعله وهو ملء جردله وإفراغ الماء الذي به عليّ، لا أنكر أنني قد حظيت بالكثير من المرح معه ومع باقي الطلاب، أشعر وكأن حياتي بدأت تكون ممتعة بدلاً من كونها مملة.

حلّ المساء وذهب كلٌ منا إلى تناول العشاء ثم جلست مُستلقي على الرِمال وأنا أحدق في السماء مُتفحصًا القمر، إنه اليوم الرابع عشر لإكتمال القمر، القمر يبدو ساطعًا جدًا، بقيت أراقب مُرور السحاب مُحتضنًا القمر معه إلي أن أتى بيرت ليشاركني تلك اللحظات الجميلة.

- سنيور هل بإمكاني الجلوس معك؟
أومأت له بنعم لكي يجلس بجواري
- ما هو لون القمر، يا بيرت؟
أبتسم بيرتح وهو ينظر الي السماء ثم قال لي:
- إن لونه أبيض، سنيور.
أبتسمت إبتسامة عريضة، حينها أدركت ما هي تلك المشاعر الغريبة التي شعرت بها في الأواني الأخيرة، إنني أشعر بالسعادة حقًا! كوني الآن أستطيع التمييز بين الألوان حتى ولو لم أكن أستطيع رؤيتها بعيني يجعلني سعيدًا! فقط سعادتي لتخمين الألوان بشكلٍ صحيح تكفي لتملأ ما كان ينقصني، أدركت حينها بأن السعادة قد تكمن في الأشياء البسيطة.
في تلك اللحظات التي أدركت فيها مشاعري شعرت بأن إجابة سؤالي قد تم حلها، فقط كانت تحتاج إلى تلك الخطوات لإكمال تلك العملية الحسابية للحصول علي الناتج الأخير، الناتج الصحيح، أنا أستطيع أن أكون باو الكامل.
"إذًا يبدو أنه كان أبيض"، هذا ما خرج من فاهي عندما أدركت أن يومي قد أصبح أبيضَ كلون السعادة.

أنتهي يوم الرحلة على خير وعدنا جميعًا إلى منازلنا لنستريح .
اليوم هو يوم عطلة الأسبوع، في ذلك اليوم كُنت أسترجع ما سبق حدوثه في يوم الرحلة، تلك الأحداث التي جعلتني سعيد ستصبح ذكري قيمة لي بالتأكيد.

أنتهئ يوم عطلتي وعدت إلى دوامي، كل خطوة أخطوها كُنت أتلوها بألوان السعادة التي في عقلي، كل شيء قد أصبح مُلون بطريقتي الخاصة، أشعر وأخيرًا بمعني كلمة السعادة.

ذهبت إلى فصلي وأنا متشوق للشرح وبداخلي الحماس، بدأت الحصة ولكن لم أجد بيرت يجلس كعادته، بدأ حماسي يقل، كنت أود أن أراه، ولكن لا بأس بالتأكيد سيأتي غدًا.
عُدت إلى منزلي لأستريح لأعود إلى دوامي في اليوم التالي.
ذهبت إلى فصلي مرة أخرى لأتفقد حضور بيرت ولكنني لم أجده!، شعر قلبي ببعض القلق، لكنني تذكرت يوم الشاطئ ليلًا، كان شديد البرودة، يمكن أن يكون أُصاب ببعض السخونة وعليه الراحة. أأمل أن يكون بخير.
قررت أن أنتظره حتى اليوم التالي إن لم يأتي سأسأل عنه.
جاء اليوم التالي، يبدو أن اليوم لن يكون في صالحي، لقد أستيقظت متأخرًا! عليّ الإسراع حتى لا تفوتني الحصة الأولى!. أنا في طريقي إلى المدرسة الآن، أشتقت جدًا لبيرت، أثق أنني سأراه اليوم، يبدو أن لبيرت نصيب من اسمه حقًا، فهو مُشرِق كشمس الصباح هذه تمامًا، ليضئ ظلام كل من حوله!.
دخلت من بوابة المدرسة واتجهت سريعًا إلى الفصل حتى أرى بيرت، ألقيت على تلاميذي السلام وأخذت أبحث عن إبتسامة بيرت بين إبتساماتهم..لم أجدها!
حينها سألت أصدقائه عنه قالوا أنهم لا يعلمون شيئًا عن بيرت منذ يوم الشاطئ، أخذت إذنهم وأتجهت إلى غرفة المدير فهو من يستطيع مساعدتي، طرقت الباب وفتحت إذ بصوت المدير مخاطبًا إياي:
-جيد أنك جئت يا باو، هناك من يريد مقابلتك..
= آسف ولكني في وقت عملي الآن والطلاب ينتظرونـ...
-سنيور باو، تريدك في أمرٍ هام، سأترككما سويًا.
ألقيت بنظري على الكرسي المقابل لمكتب المدير فرأيت إمرأة في أواخر الثلاثينات، بشعرٍ فاتح اللون وبشرتها تبدو كذلك أيضا إن لم يعكر صفوها بعض الشحوب، يدرك الناظر إليها أنها متعبة، وجدت المدير يتكلم بلهجة جدية فقبلت أن أجلس معها لأرى ما في الأمر..
أشرت لها بالجلوس وجلست في الكرسي المقابل لها.
-سنيور باو، مدرس رياضيات بالمدرسة أهلًا بكِ سيدتي، هل بإمكاني المساعدة؟
=أهلًا سنيور باو، أنا أعلم من تكون جيدًا، سُررت بلقائك. أنا والدة بيرت.
- أهلًا بكِ سيدتي! أبيرت بخير؟ أشتقت له كثيرًا! أنا على أتم الإستعداد أن أشرح له كل ما فاته في الأيام الماضية، بيرت غالٍ عليّ وهو يعلم ذلك جيدًا.
رأيتها في ذلك الوقت تمنع دموعها من السقوط، فتعجبت...فتكلمت بصوتٍ مُرتعش:
نعم..بيرت يعلم ذلك جيدًا، لكن يؤسفني إخبارك أن بيرت فارق عالمنا ليلة أمس، ذهب للعالم الذي لطالما حلم به، عالم بلا حزن ولا تعب ولا شقاء، عالم بُنيت جدرانه من إبتسامات صادقة، بيرت كان يقص عليّ مغامراته الخيالية، كان يقول لي أنه قابل جني يحقق له الأحلام، فشرط الجني أن بيرت له أمنية واحدة يمكن تحقيقها، فقال لي بيرت: لم أتردد لحظة واحدة لإخباره يا أمي، أمنيتي الوحيدة أن أرى سنيور باو سعيد!...كان يحبك سنيور باو، كان يحكي عنك كثيرًا، عندما ذهب بيرت للمشفى لإجراء العملية عاتبني مُعالِجُه كثيرًا، قال لي أنني تأخرت وأنه كان يجب أن يقوم بإجراء العملية منذ وقت طفولته لكن وضعنا المالي حينها لم يسمح بذلك....وأخبرني أن نسبة نجاح العملية ضئيلة، سمع بيرت حديثنا، فأوصاني أن لا أحزن، وأنه سيكون بخير إذ نجحت العملية أو لا، أتمنى أن يكون بخير حقًا الآن..
-
كانت والدة بيرت تتحدث وأنا أسبح في دموعي، هل ستشرق الشمس يا بيرت وأنت لست معنا! كنت أصدقها تارة وأُكذب حديثي تارة وأُكذب أذناي تارة!..كانت والدة بيرت متماكسة ما إن رأتني كذلك حتى أنسابت الدموع من عينيها كنهرٍ جارٍ..أكملت بصوتٍ يصعب تمييزه بين تضارب الدمعات..
-لا تبكي سنيور باو، بيرت بخير، بيرت دائمًا بخير..أوصاني أن أخبرك أنه يحبك، وقال لي وهو يودعنا: أخبري سنيور باو أن التفاحة الحمراء كانت جميلة كقلبه تمامًا، أوصاني بيرت أن أعطيك هذه..هذه مذكراته..كتب فيها عنك ولك، كان يريد أن يعطيك إياها في يوم الصداقة، لكنه لن يستطيع الآن!
تركت والدة بيرت مذكراته على الطاولة ورحلت، رحلت وتركتني بين دموعي لا أدري إن كنت في حلم أم واقع، دخل عليّ المدير وسمح لي بالرحيل اليوم..

خرجت من باب غرفة المدير، ورجعت إليه سائلًا إياه: سيدي..ما اسم عائلة بيرت، أعني أين مقابر العائلة وكيف أذهب إليها.
-
وُصِف لي الطريق، ذهبت إلى هناك، كنت حقًا أحتاج إلى أن أرى بيرت..دخلت مقابر العائلة، فتشت في كل مكان حتى رأيت لوحة رخامية حُفِر عليها "بيرت توماسو" وقفت حينها مكاني..أيموت الرائعون بهذه السهولة! دائمًا يأخذ الموت أجمل الناس وأنبلهم..تقدمت وجلست أمام قبر بيرت، قفزت من عيني دمعة لتبلل تربته، حدثته قائلًا:
-أرجو أن تكون تسمعني يا بيرت..بالتأكيد شعرت بتلك الدمعة التي سقطت من عيني، وقد تكاد تكون لا تحب أن أفعل ذلك، لكن ليس بيدي يا بيرت..كيف تذهب بعد أن أعطيتني الحياة! كيف تذهب بعد أن أصبحت أرى جمال الدنيا بك يا بيرت..أنا لم أتعلق بشخصٍ مثلك..منذ ولدت والحياة باهتة بأشخاصها وأشجارها وزهورها وكل متعها، حتى قابلتلك! حينها شعرب الألوان ولمست روعة الحياة بقلبي..أتسمعني يا بيرت؟! لأول مرة لا تجيبني..أنا ممتن لك كثيرًا يا بيرت..وحين رددت جميلك أعطيتك تفاحة، فقط تفاحة، ياليتك أخذت قلبي لتعيش به وذهبت أنا..ماذا سأقدم أنا للعالم! أنت من كنت ستلونه أبيض وأصفر وأحمر وكل الألوان التي علمتني إياها..العالم كان بحاجه إليك يا بيرت، كان بحاجة إلى إبتسامتك..لن أنساك يا بيرت، أنت معنا ولن تغيب حتى إن دُفِن جسدك تحت التراب، وبإبتسامتك ستظل عالقة بذهني مهما طال الزمن..يا..يا صديقي.

كل شيء أصبح ذكرى، أنا  الآن أنظر الي المذكرات التي أهدتني إياها السيدة توماسو.
" شكرا لك سنيور باو، لقد تعلمت منك الكثير، كل ما أتمناه أن تصبح سعيدًا دائمًا، وأن تجعل العالم ايضًا سعيدًا، إن استطعت رؤيتك غدًا أريد رؤيتك سعيدًا إن لم أستطع فلا تحزن فقط تذكر أن الإنسان يؤخذ منه شىء لأجل شيئًا أفضل منه، شكرًا لك سنيور"
هذا ما قرأته وأنا أقف علي شاطئ البحر.
لقد تعلمت السعادة، سأستمر في طريقي من أجلك يا بيرت.
قلت هذا وأنا أُبعثر قدمي في مياه الشاطئ وأنظر إلي القمر الذي أُكل منه قطعة، الآن انا مُتيقن لما انا هنا، فقط الأسود والأبيض هم السبب في تعرفي عليك يا صديقي، أراك قريبًا، شكرا لك شكرا لك....















© آريا ,
книга «أسود وأبيض».
Коментарі
Упорядкувати
  • За популярністю
  • Спочатку нові
  • По порядку
Показати всі коментарі (6)
Ťşųm
يبدو أنهُ اصبحَ ابيض
واااووووو
Відповісти
2018-08-20 22:05:59
3
Min Yurime
يبدو أنهُ اصبحَ ابيض
ترانى تأثرت لحظة ابكى اهئ اهئ اهئ-تسمح دموعها-
Відповісти
2018-09-13 23:28:59
Подобається
Vee
يبدو أنهُ اصبحَ ابيض
"هل ستشرق الشمس يا بيرت وانت لست معنا" من الصعب تصديق اختفاء شخص عزيز من الوجود، من الصعب التصديق ان الشمس ستشرق غدًا من دونه
Відповісти
2021-11-09 08:33:44
Подобається