قد كان أسود
يبدو أنهُ اصبحَ ابيض
قد كان أسود
أشعر بنسمات الهواء تداعب وجهي، أشعر بالمياه تتحرك وتتصدم بجسدي ، أشعر بالأسترخاء نوعًا ما...

أنا باو، باو ستيفانو، أنا إيطالي الأصل ولدت في روما، أجل روما، مدينه التيبر الأشقر هكذا كانوا يسمونها نسبة لإله النهر في مراثي روما القديمة، إنها دولة رقيقة لطيفة ذات أجواء هادئة غير صاخبة مزعجة للعينين، لا أعرف كيف ستكون مزعجة وأنا لا يمكنني أن أري الأضواء باللون الأصفر الساطع أو بذلك اللون الملقب بالون البرتقالي، لا أعرف كيف هي أشكالهم وألوانهم، أنا فقط يمكنني أن أرى الأبيض و الأسود، كل شيء أبيض وأسود، بالتأكيد أنت تشعر ببعض الذهول وتلقبني بالمجنون الآن أليس كذلك ؟.

ولدت بعمى الألوان، بنوع مختلف عن عمى الألوان المعروف، فقط بإمكاني رؤية العالم مثل أفلام الإربعينات القديمة تلك، شعورٌ غريب أليس كذلك؟، أجل تلك الأفلام التي دائمًا ما كنت تسخر منها أمام أجدادك يا ابن الألفينات أنت أنا وبكل فخر أعيش في تلك الأفلام..كل يوم منذ مولدي لا يوجد تطور لا توجد ألوان، ممل جدًا.

روتين يومي ممل، أستيقظ في السادسة صباحًا ، أذهب إلى عملي، أوه أجل أنا معلم، وظيفة مملة أليست كذلك؟، اليوم هو أول يوم عمل لي كمعلم، أشعر بالملل والملل، تبًا للمجموع الثانوي إنه السبب في حصولي علي وظيفة لا أحبها!.

خرجت من منزلي أحمل حقيبتي و هاتفي لأذهب إلى المدرسة التي في الشارع القريب من منزلي، إنها مدرسة إبتدائية، ما يزيد الطينة بللًا هو أنني سأدرس للصف الأول الإبتدائي، أتمني لو تنشق الأرض وتبتلعني اليوم.

أدخل البوابة، أذهب إلي مدير المدرسة وأسلم عليه، تبدأ مراسم أول يوم، لنسرع الأحداث فأنا أشعر بالملل!، ذهبت إلى فصلي لأعطي أول حصة.
" أتمنى أن يصبح يومي أبيضَ :') " تمتمت لنفسي بعد أخذ الكثير من الشهيق والزفير قبل أن أدخل قدمي إلى الفصل.

لا أشعر بأنفي الآن! أوه تبا لذلك الطفل اللعين، أقسم أنني كنت أدخل قدمي إلى الفصل فقط لم أرتكب جريمة وإذا بطفلٍ أحمق يقفل الباب في وجهي! ما هذا بحق الجحيم؟...

" أنا سينيور باو، معلم الرياضيات، سررت بمعرفتكم " قلتها وأنا أقسم بقتل ذلك الفسل الصغير بسبب غلقه الباب في وجهي..

*سينيور تعني مُعلم بالإيطالية*

ردوا عليّ ببعض الرسمية والإحترام، بدأت برفع قلم السبورة ليحتك بها منتهيًا بكتابة بعض الأرقام والرموز، بدأت أشرح لهم كيفية إجراء عمليتي الناقص و الزائد.

وأنا أشرح لهم الطرح والانقاص وما إلى آخره، شعرت بأنني قد تعرضت لعملية طرح، بمعني أن عين باو سليمة النظر تم طرحُها من باو ، النتيجة باو صاحب عميدى ألوان!، لماذا لا أكون باو الكامل؟، هذا ليس عادلًا.

الشعور بالنقص، كوني لا يمكنني الشعور بلألوان يزعجني حقًا.
هذا كل ما كنت أفكر به وأنا جالس علي مكتبي في الفصل مُتكيَء بذراعي علي المكتب بعد أن أعطيتهم بعض الأسئلة ليقوموا بِحلها ولكن يا حسرتاه! لا أجد من يجيب علي سؤالي...
فقط نظرات اليأس والملل على وجهي، لمحت أحد الأطفال ذو شعر فاتح اللون ينظر إليّ وعندما لمحته أشاح بنظره سريعًا، يبدو أنه أُحرج، ياله من طفلٍ لطيف!...

أنهيت حصتي وكنت على وشك الخروج من الفصل، قام ذلك الطفل ذو الشعر الفاتح بمُقاطعة طريقي.

- تفضل هذه الوردة، لقد شعرت بأنك حزين، أتمنى أن تُسعد يومك.
هذه هي الكلمات التي أخرجها ذلك الطفل وعينيه تفيض بنظرات البراءة هذه.
- ما اسمك يا فتي؟
- أُدعى بيرت.
- هل بإمكاني سؤالك سؤال؟ ما لون تلك الوردة؟
- إنه اللون الأصفر سينيور، ولكن لم تسأل؟
- هل أخبرك بسر؟
أومأ بِنعم، جسيت على ركبتيّ ووضعت يدي على كَتفه
- أنا لا يمكنني التمييز بين الألوان، فقط أرى كل شيء باللونين الأبيض والأسود.

نظر إليّ نظرات مطولة لا تحمل أي تعابير ثم أبتسم لي الطفل إبتسامة عريضة كما لو أنه رأي شيئًا يحبه و يسعده، لا أعرف، ولكن لا أنكر أنها ردة فعل غريبة من نوعها، لحظات ثم رن الجرس مُعلنًا إنتهاء الحصة وإذا بي أرى شبحهه يركض.
إستقمت لأنهض وأنا مُمسك بالوردة ببعض اليأس.

عُدت إلى المنزل، قبل عودتي قمت ببعض الأمور، الآن إنها السابعة مساءً.
ذهبت لأستحم _ككل يوم_وبعدها وجدت النافذة تناديني، وقفت أمامها وأستنشقت الهواء على أمل أن يُعاد الأمل بداخلي، حينها تذكرت الطفل ووردته، فجلبتها..وتأملتها وقد تلوتها عيني بألوان اليأس، حينها شعرت بالعجز، أنا حتى لا أعرف ما لون تلك الوردة! " ياليتني كُنت باو الكامل.."
أشحت بنظري نحو السماء لأجدها قد أبتلعت القمر .." يبدو أن يومي قد كان أسود".

© آريا ,
книга «أسود وأبيض».
يبدو أنهُ اصبحَ ابيض
Коментарі
Упорядкувати
  • За популярністю
  • Спочатку нові
  • По порядку
Показати всі коментарі (3)
هُوميروسّ.
قد كان أسود
ألطف رواية قريتها ): !!
Відповісти
2018-08-20 06:15:18
2
im cloud
قد كان أسود
اش وضع الصفقه تحت؟ مشابهه لڤوت الوات؟.
Відповісти
2020-10-04 04:01:44
Подобається