شروق
راحة
شروق
"كيف أتأكد أن زوجي يحبني؟ أشعر بأن الخيانة تجري في عروق ذاك الرجل؟"

قرأ المذيع بنبرة حالمة يشوبها بعض الحزن،
تشير الساعة إلى الثانية والنصف صباحاً..

تهادت المساحات على زجاج العربة، لم يكن أياز ليفتح المذياع في هذا الوقت إلا ليبحث عن الأنس، وإلا فإنه يعلم، أن أي خائن لا يمكنه أن يُشفى، مثل المرض العضال المعدل جينياً في المختبر، مثل الاكتئاب الذي يطيح به في كل مرة حاول بها فعل شيء قيّم، الخيانة مثلها مثل نوبات هوسه التي لا تنتهي، يخونه عقله بأفكار انتحارية تُرسخ بالأدوية ولا تقل، وتلك المرأة، مهما فعلت لا يمكنها إقناع رجل أبله يملك جينات الهراء في دمه وراثة أن يستكفي بها، بعض الأمور يجب استئصالها فور وقوعها، كالعفن على الطماطم أو الخيار، عليها أن تتخل عنه مثلما ترمى رزم البقدونس الجافة في القمامة. فكر أياز بشدة أن على الأطباء إيجاد حلاً للبشرية، فيه يستطيعون استبدال عقولهم المتخمة بالأفكار المظلمة.

رن هاتفه الصغير، لم تكن الهواتف حينها ذكية بعد، وشبكة الاتصالات العالمية كانت أمراً في علم الغيب، أصدر الهاتف ضجة عالية، حدق في شاشته، قرر الإجابة يتوقف عند الإشارة الحمراء للشارع الفارغ، أصدرت العجلات صوتاً مزعجاً تصطدم ببركة ماء

"ما الأمر يا عالي؟"

رد صوت العجوز خائفاً "أين أنت يا سيدي؟"

"ذاهب إلى أود"

"كيف بـ.. الآن؟ في هذا الطقس؟ "

قاطعه "بعربتي"

"أنت ممنوع من القيادة!"

تنهد أياز، فكر في إجابة مقنعة تمنع القصر من إرسال الشرطة خلفة ولكنه لم يجدها، تنهد "طيب"

قال ثم أطفأ صوت الهاتف يضغط على دواسة الوقود، استمرت قطرات المطر تبلل النوافذ عازمة، واصل المذيع التفكير في طريق تجعل المرأة تتأكد من حسن نية زوجها حتى أن الأسى بان في صوته، وبين الحين والآخر، ظل يحذر سائقي المركبات من الإسراع في طرقات السفر، زاد أياز السرعة يبتسم، إن حالفه الحظ ولم يمت، سيصل مدينة أود في الصباح.

"نستقبل اتصالاتكم بحب، تواصلوا معنا عبر الأرقام التالية، أعود لكم بعد الفاصل، أنا يرسل، ومن إذاعة إينيه، أقدم لكم برنامج طائر الليل"

"اسم مبتذل" ضحك أياز مستاءً على وشك اغلاق المذياع، ولكن أغنية الفاصل كانت تعجبه لهذا تراجع.

"إذاً، بعد كل ما فعلته لك تتركني!" قال يكز على أسنانه يخاطب غريمه الغائب في أود، علت نبرته غاضبة "هل أنتَ زوجتي لتهرب في منتصف الليل وتترك لي رسالة؟ لم ينته عقدك بعد حتى! أتمزح معي؟"

كلما تحدث مع نفسه أكثر كان غضبه يشتد، لو كان المذيع يرسل هناك، لصنع من حياة أياز سيناريو مسلسل إذاعي.
بدأ أياز يسرد محتويات الرسالة بصوت مرتفع "سيد نير أياز! ، سرني العمل معك طوال تلك السنوات! ولكن .. يؤلمني ما تمر به! أنا لم أعد أتحمل نوبات الهلع التي تأتيك ليلاً، ولا أفهم -حقاً - تهيؤاتك المجنونة بخصوص وجود ضفادع تتحدث! لم أعد أستطع النوم وأنا أتخيلك في كل ثانية تقدم على خسارة حياتك بسبب أو بدونه"

توقف أياز يضرب المقود ليلتقط أنفاسه ثم أكمل "سيدي!" صرخ
"الوصف الوظيفي الخاص بي – والذي هو حارس شخصي – لا يتضمن ترتيب أعمالك حسب مزاجك،ولا ملاحقة طاقم الطب النفسي، ولا انقاذك من عجلات شاحنة نقل لأنك قررت أن الحياة لا تريدك.. ثم، كيف يعرف الواحد منا أن الحياة تريده؟ إنها ليست انساناً حتى لتتحدث إليه!"

توقف يعدل شعره بغضب تاركاً المقود، ثم أمسك به يحاول أن لا يفقد حياته قبل أن يصل إلى "سِر" الهارب من مسؤولياته. "ما هذه الرسالة الغريبة؟ " سأل الفراغ بحدة،  ثم عاد ليستمع إلى المذياع.

"نعود مع رسالة أخرى، والمعلمة أمل من مدارس التفوق تهنئ طلاب الصف السابع لحلولهم في المرتبة الأولى في مسابقة العلوم للمدارس! .. (ضحك) أنا وطاقم الاعداد نبارك لطلاب التفوق حصولهم على جائزة العلوم الأولى، ونعدكم بمقابلة حصرية معهم!"

صاح أياز يضرب المقود يفصل بين كلماته صارخاً"أي -نوع- فاسد -من الـطـلاب يبق صاحياً للثالثة صباحاً؟ "اخذ نفساً عميقاً، كاد الدخان يخرج من أذنيه، واصل المذيع "أسد النصر يهنئ شقيقه سمير بمناسبة دخوله القفص الذهبي..، عقبى لك يا أسد النصر،  ومبارك لسمير الذي سيبدأ حياة جديدة"

"انتظر لحظة! وأنا مواطن أيضاً ويحق لي فعل هذا"

أوقف أياز العربة، كانت الأشجار الضخمة تحيط بالطريق من الجانبين جاعلة الظلمة موحشة أكثر، أخرج هاتفه الصغير من جيبه، ست مكالمات من القصر،  تجاهلها واتصل برقم ثم انتظر..

"وردنا اتصال.. أهلاً بك عزيزي المتصل، عرفنا باسمك!"

"اسمي سمكة.. البراري.."

"سـ ..سمكة البراري، أهلاً بك سيدي، تفضل.."

"أولاً مبارك لطلاب المعلمة أمل، أتمنى أن يناموا مبكراً ويتوقفوا عن السهر لهذا الوقت، ثم دعني أهدي أغنية "سأصل عند الشروق" لموظفي الخائن سِر.."

"حـ حاضر، سنذيع سأصل عند الشروق، ولكن هل يمكنك اخباري والمستمعين لِم لست على وفاق مع موظفك؟ نحاول تلطيف الأجواء والتخلص من سوء الفهم.."

"ليس هناك سوء فهم!" صاح يقفل الخط.

حك رأسه، نظر أمامه، رغم أن العربة دافئة إلا أن كل شيء بدا موحشاً للغاية، أدرك أنه على الطريق السريع وحده، محاطاً بالأمطار، وأنه اندفع ونسي أنه لم يقد منذ سنوات، أرهق فجأة فصار واهناً.. "سيكون كل شيء أفضل من دوني.."  تمتم يرتاح على المقعد، أخذ نفساً عميقاً، شعر بطاقته تختفي فجأة، حاصره الصداع، مسد صدغه يفتح عينيه بالكاد "ليس على تافه مثلي أن يغضب!"

رفع رأسه يتنفس بعمق كما علمه الطبيب.. "علي أن أصل إلى أود قبل مطلع الشمس.." ضحك "إن طلعت اليوم".
© Nouran ,
книга «أضواء أود».
Коментарі