النبوءة
كانت الليلة غزيرة الأمطار بالنسبة لأمطار صيفية، كنت أختبئ خلف إحدى أشجار غابة كثيفة حتى أحسست بيد على كتفي و صوت عميق يقول:
"أمسكت بالدخيلة ! " و قد كان صوت شرطي قد ألقى القبض علي و جرني غير مكترث لجرح قدمي العميق.
بعد رحلة طويلة تحت ضوء القمر و أنغام الأمطار وصلنا إلى مخفر الشرطة حيث كانت جميع الأنظار مسلطة علي و أنا حتما لا ألومهم .
تبعت شرطيان إلى غرفة صغيرة حيث كان رئيس القسم بانتظاري
" الإسم ، العمر و البلد " قال دون رفع عينيه عن ملفه
" ستيلا نارسيسا بلاك ، أربع و عشرون سنة ، لا أعلم حقا موطني الأصلي فأنا كثيرة الترحال " أجبته بصعوبة نظرا لعطشي و إرهاقي
" آنسة بلاك ، بحكم ترحالكِ فأنت حتما على دراية بما يحدث بالعالم ، الحرب العالمية التي تمنعنا من قبول لاجئين بل حتى إلى إعتبار الغرباء جواسيس و هي جريمة عواقبها وخيمة، ماذا لديكِ للدفاع عن نفسكِ؟ "
" أعلم بشأن الحرب بما أنه تم طردي من جميع دول أوروبا لأنني بنظرهم عبء ، ليس فقط الدول الأوروبية بل كل الدول و المدن لذلك أودت بي الأقدار عندكم بحثا عن القبول و أضمن لك أن كائنا ضعيفا مثلي لن يجلب المضرة لبلدتكم الجميلة "
أجبته فأخذ يتفحصني بحثا عن إشارة للكذب لكنه لم يجد واحدة ، إستلقى على كرسيه سامحا لبطنه المنتفخة بالارتفاع ، مسح على شاربه ثم أشار على إصابتي سائلا :
" ما سبب تلك الإصابة ؟"
" هجوم ذئب بري منذ يومين لكنني عالجته"
" لديك معرفة بعلم التمريض ؟ " سأل فجأة فأجبته بثقة
" عندي دراية واسعة بعلم التمريض و الاسعافات الأولية "
" حسنا اتخذت قراران بشأنكِ أحدهما جيد و الثاني سيء، السار هو أننا سنوفر لكِ عملا بمركز للمسنين و جرحى الحرب و النبأ السيىء هو أنكِ ستقيمين بعمارة ، ليست أي عمارة، أنتِ ستقيمين بميراكولي و هي عندنا بمثابة عقاب بدلا عن احتجازك بالسجن"
قال الكلمة الأخيرة بصوت خافت يبث بالرعب و قد نجح بالفعل لكنني لم أكترث طالما لدي مكان أنام فيه و مورد رزق يفتخر به فلا مانع لدي
"هارولد ! خذ الآنسة بلاك إلى ميراكولي الآن ، حذ هذا أحد مفاتيح الغرف المغلقة بالطابق الثالث و ستأخذها بعد غد إلى مركز الرعاية "
حملني المدعو هارولد إلى عربة يجرها حصانان أسودان كأنهما جياد الشيطان نفسه حملا العربة و طويا الأرض نحو عمارة تنافس السماء في علوها و شموخها و التربة في قذارتها كتب عند مدخلها "مرحبا بكم بميراكولي"
كان المكان كئيبا، بائسا و مخيفا بنفس الوقت.
صعدت الغرفة مع الضابط الذي أراني المكان و خاصة الأماكن الممنوع الذهاب إليها حتى من قبل الشرطة و هي الشقة 46 و الطابق الثامن .
بالصباح الموالي استيقظت متأخرة على صوت ضجيج مدوٍّ من الشقة العلوية. لم يكن بمقدوري التحرك بسبب قدمي لكن الصوت بدى كصوت ضربات قوية لذا استوجب علي وضع حد لها .
فتحت الخزانة أملا في بعض الملابس ، ارتديت فستانا ورديا و قبعة سوداء ، توجهت نحو الشقة رقم 35 ، طرقت الباب بهدوء بالبداية لكن لا رد ،
"أنا الآنسة بلاك أسكن بالشقة التي تحتكم مباشرة و الضجيج الذي تصدرونه مزعج حقا " قلت أملا في إجابة محترمة لكن كل ما تلقيته هو ورقة صغيرة تقول " آسف " مع بقعة حبر بأحد أركانها.
أخذت الورقة و عدت للشقة مزعجة بعض الشيء و تفاجأت بوجود الضابط هارولد بانتظاري.
" تحياتي آنسة بلاك ، جئت لتفقد ما إن كانت حاجياتك قد وصلت " قال مع خفض رأسه قليلا
" شكرا كولونيل وصلت الملابس و الأطعمة "
"أظن أنه بإمكاني أخذك في جولة حول المدينة "
"سيكون شرفا كبيرا لي كولونيل !"
أمضيت اليوم طوله مع هارولد و قد عرفت الكثير عنه طفولته ، ماضيه ، أسرار عمله لكن لم أتمكن من إفشاء شيء عني .
كانت المدينة كلها ترمقني بأعينها و تتهامس ، فتيات، رجال ، نساء ، عجائز و حتى أطفال سمعت كلمات كجاسوسة ، محتالة و غيرها ، لكن من يأبه رغما عنهم أنا أمضي وقتا رائعا خاصة حين علمت أن موطن غيرة معضمهم هو أن هارولد ينتمي لعائلة نبيلة و هو من أوسم رجالة المدينة .
" إذا غير مقر سكناكِ و إسمكِ هل من حقي معرفة شيء آخر ؟"
" عمري 25 سنة ، إن كان هذا ما قصدته "
" تحبين الألاعيب ؟ إليك شيئان أعرف أنكِ تبرعين بهما، الأول تغيير المواضيع و هو شيء عانيت منه طوال هذه الجولة و الثاني سرعة تأقلمكِ مع المحيط "
" للأسف إجاباتك صحيحة كليّا ، علي إيجاد طريقة أخرى لأحمي بها غموضي " ضحكنا قليلا و قد كنا جالسين على أحد كراسي منتزه بوسط المدينة .
فجأة مرت بقربنا إمرأة عجوز تحمل ولدا صغيرا على ظهرها و تصرخ " أستشعر الشر! ، أسمع صوت خطوات الشيطان ! اليوم تكتمل الدورة و سيتكرر كل شيء !"
فجأة قدمت مسرعة نحوي حدقت بعيني مدة ثم قالت بذعر
" أنتِ! لقد عادت دماء الغرباء إلى تايوان قدومك ليس صدفة عزيزتي ، أنتِ ستحققين النبوءة ستحيين الشيطان مجددا ! "
دفعها هارولد بعيدا و صرخ عليها حتى رحلت بينما أنا كنت بحالة صدمة كل كلمة قالتها لا منطق لها !
" آنسة بلاك هل كل شيء بخير ؟ أرجوك لا تعطي لها بالا ، السيدة جراينجر مجنونة لو لم تكن لأعدمت من قبل الكنيسة منذ زمن طويل "
"لا تقلق هارولد، أنا بخير أحاول على الأقل "
"لا تخافي إن كانت هي ترى الشر بعينيكِ، فأنا أرى ما هو أجمل من الملاك " ابتسمت للطفه الشديد و عدنا للدردشة الخفيفة .
حين اقترب المغيب ، كان عليّ العودة للشقة لكن أمام ميراكولي ، وجدنا حشدا كبيرا من الناس و مجموعة من الضباط ملتفين محاولين تفريق الحشد .
حاولنا الاقتراب لكن شابا ما التفت مشيرا نحوي و صرخ " هاهي سيدة الشيطان "التفت لنا الجميع و كانو يرمون علي بعباراتهم المجنونة "محققة النبوءة " ، " قاتلة الأرواح" كانوا على وشك الانقضاض علينا لولا حلول مركب العمدة بالوقت المناسب لتنقشع الحشود كل إلى شؤونه و لم يبقي سوى أنا ، هارولد و الضباط.
نزل العمدة مع الحراس متوجهين ناحيتنا
"آنسة بلاك ، الضابط هارولد ، هل رأيتما شيئا يخص القضية ؟" قال العمدة بتوتر
" أي قضية ؟" سألت بخوف فأومأ لي بالتقدم .
نظرت حيث التف الضباط و يا لهول ما رأيت ، انبعث بجسمي قشعريرة قوية و أحسست ببعض الدوار .
لقد كانت جثة السيدة جراينجر !.
____________________________________
آراءكم ؟
الشابتر الأول من قصة العمارة الغامضة و الوافدة المجهولة إلى مدينة تايوان الصينية
أعطوني تعاليقكم الصادقة للتحسين من الرواية و أتمنى تعجبكم ❤
See you next chapter
Take care of yourselves
Коментарі