«وهذه نهاية درسنا لِليوم سيداتي وسادَّتي.»
خَتمتُ حديثي بِضحكةٍ خافتة حالما شاهدتُ وجيه الطُلاب البَشوشة، عادَ رنين الجرس يَتسلل إلى أذناي مُعلنًا نهاية اليوم الدراسي.
جمعتُ أغراضي داخل الحقيبة، حملتُ مُذكرتي بينَ يداي.

[  ]الذهاب إلى محكمة «ديڤيد روچرس» -الزمن: 4:30㏘ 
[  ]إحضار «أوليڤيا» مِن منزل العمة سالي. - الزمن: 6:00㏘
[  ]قضاء يوم مع «أوليڤيا» و «كَيمبرلي» -الزمن: 8:00㏘ 

هجمتُ عيناي نحو معصم يدي اليسري، وكان الوقت لا يزال مُبكرًا على إما أن أغني أنا أغنية النهاية أو هو.
تَوجهتُ إلى الغرفة المخصصة لِلمعلين؛ مُتوجهةً إلى مكتبي.

-«أخبريني إيڤا، هل قررتِ ماذا سَتضعين أسئلة؟»
فورَما ألقيتُ بِجسدي على المِقعد الأسود؛ أصغيتُ إلى كلام هايلي مُتساءلة.
هايلي هي زميلتي في العمل وهي تُدرس اللغة الإنجليزية مثلي.

«لا أعلم، ولكنني شاهدتُ نماذج لِلأسئلة في الأرشيف.»
أجبتُها بِصراحة بينما أبحثُ في إحدى الخزانات، أخرجتُ يدي لِأرئ ما وجدته.
لَم يكن ما أبتغيتهُ ولكنهُ كان ما أحتاجه؛ لِأقع في الحُب.
سهمٌ مِن سهامك كيوبيد.
كانت تَعليقةٌ مميزة تَتشكل على هيئة ملاك الحُب كيوبيد.

هاجت دُموعي على ضفاف جِفناي، لِمَّ لا أقوّى على ردعها؟ هل لِأنك لستَ هُنا لِـتمسحها؟
أجبني فرانكو.

سحبتها وأترستُ الخزانة سريعًا، يكفي ذكرياتًا سيئة إيڤانكا.

اِفتقرتُ إلى ذراعان أتشبكُ بها حينما قدماي تُخذلاني، ولكن الأمر أشبه بِعذابٍ جنيتُ به على نفسي.

في النهاية أنا لستُ إلا امرأة عاجزة.
تَعجز عن الوقوع في الحب، عن تَقبل الواقع، وعن رؤية حقيقتها البشعة.

مشيتُ بين الطُرقات على قدماي؛ فَـالمدرسة التي أعمل بها قريبة وعلاوةً على ذلك سيارتي لا تَزال في الصيانة.
كانت الشوارع مكتظة بالناس؛ لِـذلكَ قررتُ أن أعبر بين الأزقة الضيقة.

كانَ الزُقاق الذي يُوصل إلى المقهى مُظلمًا لِلغاية؛ بِـالرغم مِن أنَّ شمس يوليو ساطعة إلا أنَّ المباني العالية تَمكنت مِن حجب ضوءها.

حاوَّطتُ جسدي بِذراعاي، ضممتُ نفسي بِـقوة؛ مانعةً نفسي مِن إفلات دموع النَدم.
تَوقفت إحدى الشاحنات الكبيرة أمام غالقةً الطرف الآخر مِن الممر؛ لِـتُزيد العُتمة ولا أقوى على رؤية شيء، وقد قطعتُ الكثير؛ لِـأصل إلى هنا؛ لِذا قررتُ الإنتظار.
طبقتُ جِفناي لِـوهلة، أسدلتُ ظهري نحو حائطٌ حجري عتيق لِـإحدى المباني.

شعرتُ بِـرَعشةِ تنهيداتٍ مُتتالية، نبضات قلب قوية.
حركتُ يدي رُويدًا رُويدًا، لمستُ طرفَ قميصًا لِـتَعلوا أناملي تلقائيًا وآخيرًا أحسستُ بِـعروقًا بارزة ثمَ فكًا حاد ولحية خفيفة قَشعرت جسدي.

«مَن أنت؟»
قُلتها بِـحنق فورَما تَمكنتُ مِن لمح ملامحه عندما غادرت الشاحنة، قبضتُ على يده لِأسحبه معي تحت أشعة الشمس.

تأملتُ في معالم وجهه التي لا يَقدر شخصًا الشَبع مِن تأملها.
فتحَ عينيه بِتريث لِأواجه دائرتان بُوركتْ حلاوة العسل بها، أهدابٌ مَرسومةٌ بِتَمكن يَجعل فنانين العالم بِأجمعهم عاجزون عَن مُماثلتها ولو قليلًا.

شديتُ على يده أكثر لِأزمجر في وجهه قائلة:
«هل أنتَ رجلٌ مِن أتباع اللعين ديڤيد روچرس؟!»

-«أنتِ عنيفة جدًا.»
أعربَ هو مُتلفظًا بِتألم، حسيتُ على نفسي وأنني مُتسرعة لِأشك به هكذا.
جذبتُ يدي وحملقتُ قليلًا به، شعرهُ الأملس الأسود شبه مُسرحًا على جانبه الأيمن، يَرتدي سِروال جينز أزرق وقميصه الأبيض الذي يُحشم عضلاته.
يبدو فتىً مُهذبًا.

ضحكَ لي مُبتسمًا بِعذوبة، هو لم يَشتمني كما الآخرون يفعلون.
مدَ كفه لي يُلقي التحية مُعرفًا عن نفسه:
«أهلًا، أنا أدعى إمليانو كارلتون.»

تَرددتُ في مصافحته ولكن قلبي فرضَ عليَّ أن أشفق عليه وأصافحه؛ حتى لا أخجله.

”إيڤانكا نيكولاس.“

لُجمَ لساننا لِثواني نُحدق بِبعضنا البعض، حتى حطمتُ حاجز الصمت عارضةً عليه مُتصنعةً السرور في لكنتي:
«أنا مدينةٌ لَك؛ بسبب تهجمي عليك وأدعوكَ لِـشرب القهوة معي.»

-«حسنًا، بِما أنكِ تعترفين بِخطأكِ لِمَ لا؟»
أجاب بِصراحة وأنا أدركتُ أنهُ يَستفزني.

حدقتُ به لِثوينات معدودة بينما كنا ننتظر أن تُشير الإشارة الضوئية بِـقدرتنا على عبور الطريق.

-«السيدات أولًا.»
مانعني قائلًا بعدَ أن أفسح لي الطريق في السير أمامه.
كانَ أنيقًا في ثيابه ولبقًا في حديثه، ولكن بِالتأكيد أنهُ زير نساء ويُحاول لفت اِنتباهي.

«أنتَ أحمقٌ نَبيل، ألا تعي هذا؟»
قتلها بِصوتٍ عالي بِـمعنى آخر توقف عن تَصنع النُبل فَـخطتكَ مكشوفة.
قطبَ حاجبيه بِطريقة طفولية، هو مضحكًا في الحقيقة.
حاولتُ عدم تغيير تعابير وجهي الإعتيادية؛ فَليسَ مِن الجيد أن نُميل إلى الغرباء.

«لا تهتم.»
نطقتُ لهُ دافعةً مدخل المقهى الزجاجي، كانَ المكان مُزدحم بِالبشر.
يَممتُ إلى إحدى الطاولات التي تَقع في الرُكن بعيدًا عن الجلبة، تَجاوزتُ العديد بِـكل سهولة حتى وبعد اصطدامي بهم ولكنني لَم أعتذر بينما هُم يرسلون إليَّ نظرات غاضبة.
بِـالنظر إلى إمليانو الذي كانَ يتأسف منهم وهُم يبتسمون لهُ بِكل لطف.

جلسنا قبالة بعضنا البعض، تأملنا قبالة بعضنا البعض.
لا أعلم ما مَغزى تحديقه إلا أنني أشحتُ بِنظري وشغلتُ بالي بِترتيب عبوات السكر الورقية الموضوعة فوق المائدة.

-«هَل هُناكَ ما يُقلقكِ؟»
عطفَ عليَّ بِسؤاله المُفاجئ، أنا دومًا تَمنيتُ أن يسألني أحد إن كنتُ بِخير؟ أو لِمَ أنا قلقة؟
وهو الغريب وهذه أول مرة أقابلهُ فيها... لَبَّ رغبتي.

لَانت شِفتاي مُشَّكِلةً اِبتسامة صغيرة، أنا أوَّدُ أن أخرج ما قلبي وأخبرهُ ولكنهُ لا يُعرفني جيدًا لِذا ما قد أقوله قد يكون غير قابلًا لِلتصديق.
فضلتُ حينها أن أحكي لِصديق بدلًا مِن غريب لَن يَفهمني ولو قليلًا.

«اِنسى أمري، والآن أخبرني لِماذا كنتَ مذعورًا؟»
تساءلتُ والبهجة لا تُفارق نبرتي، كانت أول مرة بعدَ ستة سنوات أن أتحدث بِكل أريحية.

بادلني هو الابتسامة مُدركًا بِأني أغيَّر الموضوع وقد اِحترمَ رغبتي مُجيبًا:
«قصة طويلة.»

أنذاك شارفت النادلة آخيرًا على أخذ طلباتنا، وليتها لَم تأتي.

-”آنسة إيڤانكا، طلبكِ المُعتاد؟“
اِستفهمت كَالعادة وهي واثقة مِن إجابتي لِأقوم بِإيماء رأسي لِلأمام، وجهت ظهرها لي في أثناء أخذها لِطلب إمليانو.
فـأخبرها إمليانو وهو يُحدق بِقائمة المشروبات:
«سَـأُجرب القهوة المُثلجة بِـكراميل مُضاعف.»

رَحلتْ النادلة لِنبقى أنا وهو معًا مُجددًا، تَشوقتُ فعلًا لِسماع قصته الطويلة.
فَـلَطالما أحببتُ الإصغاء لِلآخرين في بَوح أسرارهم أما أنا أسراري فلَا أظنُ أنها سَتُبقي الحال كما عليه.

-«كُل ما في الأمر أنني أعاني مِن رُهاب الأماكن المغلقة والضيقة، وابني يُريد مني أن ألعب الغُميضة معه.
وأنا لا أريد أن أكون أضحوكة أمام ابني؛ لِذلكَ قررتُ أن أتدرب على البقاء في الأماكن الضيقة لِوقتًا أطول.»
حكى لي لِيُنهي حديثهُ بِضحكة، ولَكن ما شدَّ اِنتباهي أنهُ يفعل هذا لِابنه.
نحنُ الآباء والأمهات علينا حقًا أن نُضحي مِن أجل سعادة أطفالنا، ولكن ما أقوم به أنا لِأجل أوليڤيا... أيعتبر تضحية؟

«أنا كذلك لديَّ ابنة تُدعى أوليڤيا.»
رددتُ عليه وقلبي يتضاعف ألمه في كل حرف أنطقه.

تَطارحنا الأحاديث معًا، كانَ يَفهمني ويُعارضني في ذات الوقت، الكلام معهُ كان جميلًا لِأنسى الوقت.
أخذني إلى عالمًا آخر نهار اليوم، ولكنني أبيتهُ وعُدت.

ولكن إن تمنيتُ الليلة ألا يبقى معي، هل هذا صحيح؟
أجل، إيڤانكا لا تحتاج إلى أي آنيسًا آخر مِن بعدكَ فرانكو، هو فقط كَعبوات السُكر التي كنتُ أرتبها اليوم لِأقتل الوقت.

يتبع...