الدم الدافئ الذي بدأ يجري في أوعية أنوشكا مجدداً جعله يصل إلى فيكتور ذو الأصابع المتجمدة والذي فتح عينيه حالما شعر بدفئ الحياة ينتقل إليه

وفي ذلك الخندق الصغير، لمح فيكتور الخيوط الرفيعة للشمس المشرقة، بعد عاصفة طويلة وقاسية

نفض بيديه الثلج العالق على خصلات أنوشكا الشقراء، وأمسكها من رسنها وسحبها خارج الخندق، ثم وقف متأملاً الطريق أمامه

Victor Pov

سحقاً، لو أن أبي يسمح لي بالخروج من القصر بين الحين والآخر، لكنت عرفت أي طريق أسلك الآن

وأنت أنوشكا، ما رأيك؟ من أي طريق نذهب؟.

الشمس الدافئة بعد العاصفة، سمحت للطبقات السطحية من الثلج بالدوبان، وهذا ما شجع أنوشكا للبحث بغريزتها الحيوانية عن بعض الأعشاب المغمورة في الثلج الهش

بدأت تحرك حافرها على الأرض وتُبعد به الثلج، حتى وجدث ما يمكنها التهامه من حشائش خضراء تقيها الموت جوعاً

أما فيكتور فجلس بقربها يشاهدها وهي تأكل، بينما يمسح بيده على جسدها المغطى بالشعر الكثيف والجميل ممتناً لوجودها معه في هذه المحنة

وبينما فيكتور يراقب الطبيعة الغير مكتشفة أمامه، لمح كائناً جميلاً يتوارى بين الشجيرات

فيكتور: ماهذا؟

ينخفض فيكتور ويمسك برسن أنوشكا ويُنزلها نحو الأرض

فيكتور: اهدأي عزيزتي، يبدو أن هناك حيوان ما، تمني فقط ألا يكون دباً أو ذئباً

وبسبب هدوء الجو، أستطاع فيكتور أن يسمع صوت أسنان قوي يصطك بفرع شجرة ويأكل منها

فيكتور: لا بد أن يكون غزال مسك!

يمتطي فيكتور فرسه بسرعة، ويحاول المشي بهدوء نحو الكائن، وعندما اقترب بما يكفي، توقف الكائن عما يفعله ورفع رأسه، ليتأكد فيكتور من تخمينه، فقد كان غزال مسك فعلاً

ذلك الغزال الجميل ذو الرائحة العبقة والأنياب البارزة التي ينتش بها نباتات الأشنة

شعر فيكتور أن الغزال سيكون خير وليمة له بعد مشواره الطويل
بدأ يسحب سيفه بهدوء من الغمد، بينما يدفع بأنوشكا للاقتراب منه دون أن يجفل

حرك الغزال أذنيه السميكتين الشبيهتين بأذني الأرنب، وركض مسرعاً، مما دفع فيكتور للحاق به

حركاته كانت رشيقة وسريعة ولم يستطع فيكتور مجاراتها تماماً، وتمنى لو أنه كان يملك قوساً، لأصبح اصطياده أسهل بكثير

استمر فيكتور باللحاق به، حتى وصل لمجرى نهر متجمد، تعلوه قطع الجليد العائمة

عندما شعر الغزال أنه محاصر، قفز بدون تردد نحو النهر، وبرشاقته الكبيرة، استطاع النجاة من الغرق والوصول للطرف الثاني

وقف فيكتور مبهوراً بما حصل، وكاد أن يصرخ من الدهشة

ولكنه بالمقابل شعر بمرارة الهزيمة أمام طريدته الأولى في الغابة

فيكتور: عد إلى هنا، أيها الماكر الصغير، كان من المحتمل أن تكون أول طبق طعام لا تقدمه لي أولغا

وأمام كبريائه كأمير وفخر الشباب، أراد فيكتور المحاولة

تراجع بفرسه نحو الوراء بضع خطوات، بينما الغزال أخذ يراقبه من الطرف الآخر

أخذ نفساً عميقاً، ثم شد على رسن أنوشكا، وانطلق بها نحو النهر بحماسة جارفة

قفزة، قفزتان، ثلاثة، وأصبح الاثنان على الطرف الآخر

ولكن أنوشكا تعثرت ووقع فيكتور من على ظهرها، وتشقلب الشاب وفرسه على الأرض، بينما فر الغزال بلا رجعة

لم يفزع صوت الارتطام الغربان المستقرة على الأشجار، ولكن أفزعها صوت ضحكة فيكتور التي انفجرت فجأة

أخذ يضحك ويضحك بينما هو ممدد على الأرض بالقرب من أنوشكا، والتي كانت تلهث من التعب

بقي يضحك حتى طار سرب الغربان كله، وتحول الفضاء حوله لحفلة من النعيق

وعندما فتح عينيه، أبهره منظرها وهي تطير في السماء وفي كل الاتجاهات

كان كل شيئ مبهر وجديد بالنسبة لفيكتور،كل حركة وكل تجربة وكل شعور يأتي بعدها

كان مغموراً رغم خطورة الموقف وصعوبته، يستمتع بإزالة التحديات التي في طريقه، بحثاً عن خادمه المخلص وحبيبه المستقبلي، كان يشعر كما لو أنه البطل المغوار في الحكايات الخيالية والذي تقف معه الأقدار في سبيل إنقاذ أميرته الفاتنة، لذلك شعر فيكتور أن أي مخاطرة محتملة سوف تعطي ثمارها

لذلك نهض من جديد وأخذ يتجول في الأرجاء، حتى اهتدى إلى علامات عربة على الأرض

فيكتور: اوه، يبدو أن عربة ما مرت من هنا، أتمنى أن تكون أنت يا فاسيلي

أخذ يتتبع الآثار الباقية والتي بدت مختلطة وغير مفهومة، وكأنها رحلة مسير عشوائي، حتى سمع صوتاً من بعيد

ركض مسرعاً نحو، وعندما وصل إليه، أفزعه ما يجري

ثلاثة قاطعي طرق  يلحقون بعربة حمراء صغيرة، يجرها فرسان، ويقودها سائق ومعه حارسين اثنين

حاصر الثلاثة العربة، قتلوا الفرسين والسائق، وتصادموا مع الحراس

انحدر فيكتور بفرسه من على المرتفع، وركض باتجاه الاعتداء، استل سيفه بغضب عارم، لمع نصله على أشعة الشمس، وقبل أن يدرك أولهم ما حصل، نحر السيف عنقه وأرداه أرضاً

زمجر اللصين الآخرين، وبدأا قتالاً غير عادل مع فيكتور وفرسه

كان فيكتور يقاتل بانفعال تام، ويضرب بسيفه يمنى ويسرى بلا خوف ولا هوادة

رغم أن أحدهما أعطاه جرحاً عميقاً على ذراعه الأيسر، ومع ذلك بقي يقاتلهم، حتى قتل الأول، وهرب الآخر سريعاً متأثراً بجراحه

ولكن قبل أن يفعل ذلك، جعل فرسه تركل العربة الهشة وتوقعها من على الجرف

فيكتور *يصرخ *: لاااااااااااااااااااااااااا، فاااااسيليييي! "

وزمجر اللص وهو يبتعد "سوف انتقم منك يوماً ما فانتظرني"

رغم أصابته البليغة غي ذراعه ، ركض فيكتور يريد النزول نحو أسفل الجرف، ولكنه توقف حالما رأى العربة تتحطم لعشرات القطع الخشبية

دون وجود أي أثر لأي إنسان داخلها، وقد كان متأكداً أنها عربة فاسيلي فهي تحمل شعار الأسرة الملكية

أراد فيكتور التأكد منها مجدداً، لذلك قرر أن يفعل ذلك دون أنوشكا

ولكن إصابته البليغة في ذراعه، جعلت قدمه تتعثر ويسقط متدحرجاً بسرعة للأسفل، بينما فرسه بقيت في أعلى السفح

وبينما برودة الثلج وسخونة دمه، ترك جرح فيكتور النازف، خطاً أحمر من الدم، وصولاً للقاع حيث استقر جسده، بينما أخذ يفقد الوعي

وعلم حينها أنه في حال استيقظ بعد ذلك، ستكون الذئاب الجبلية قد قطعت جسده وحولته لأشلاء، تمنى فقط لو أنوشكا تهرب

لكنه كان أضعف من أن يستطيع رفع رأسه عن الأرض

أعتقد فيكتور أنها النهاية لا محالة، وأخذ يغفو بينما يراقب الدم الدافق يخرج من ذراعه

حتى شعر بذلك الضغط الكبير عليها فجأة، وفتح عينيه بعد مدة، ليشاهد أجمل مخلوق رأته عيناه يوماً

يمد يده الدافئة نحو وجنة فيكتور الباردة، بينما ينطق من بين شفتيه الممتلئتين

"سيدي القيصر، هل أنت بخير؟"

لم يجب القيصر حينها، لإنه كان غارقاً في ذلك اللون الأخضر الجميل المشع في عينيه

زفر زفرة خافتة، لفظ شيئاً ما ثم أغمض عينيه

"جميلة جداً" 


يتبع

تعليق + تصويت