الوافد الجديد
حل صباح اليوم التالي بصعوبة بالغة على القيصر المشتاق، والذي كتب رسالة لوالده في العاصمة سانبطرس برغ، يخبره فيها عن قدوم وافد جديد للقصر
وبينما ركب فاسيلي خادمه المخلص العربة، كان فيكتور قد امتطى ظهر فرسه البيضاء أنوشكا، وركض بها نحو أعلى سفح حول القصر، كي يراقب بها تلك العربة الحمراء وهي تغادر المكان، مبتعدةً حتى أصبحت نقطة صغيرة على الثلج الذي يفترش الأفق
ملأ القيصر الصغير رأتيه بالهواء المنعش من أعلى التلة، وطبطب على أنوشكا بخفة كي تنزل به نحو القصر مجدداً
كان متحمساً ويشعر بالحياة تنبض داخل جسده أكثر من أي وقت مضى
منطلقاً كسهم متّقد، متوشحاً ذلك المعطف الياقوتي السميك على كتفيه، والذي يملك شعار القيصرية الروسية باللون الذهبي في وسطه!
ثم اندفع بقوة نحو المرر المحفف بالورود المتجمدة، والتي انتثر ثلج فبراير من فوقها عندما مر بتلك السرعة الجنونية
وبالكاد استطاع حراس البوابة الخشبية الضخمة، أن يفتحوا البوابة قبل أن يصطدم بها القيصر المتهور مع فرسه المجنونة!
فيكتور "افتحوا البوابة بسرعااااااااااا"
هلع الحراس وقام الباقي بمساعدتهم لدفعها، ووقعوا كلهم على الأرض، بينما دلف للداخل ودخل معه موجة صقيع هائلة، جعلت فستان خادمة القصر السمينة والممتلئة يرتفع وصولاً لوجهها
صارخة "أووووه يا إلهي!"
ركض بأنوشكا داخل القصر مسرعاً، لدرجة جعلت الثريات المتلئلئة على طول الممر تهتز وكأن عاصفة قد ضربتها، بينما تركت حوافر فرسه الجميلة، أثار الثلج الذائب على السجاد الأحمر الفاخر، متنقلاً بها في كامل القصر، نزولاً إلى المطبخ، حيث أفزع الجميع
ثم تحدث آمراً بوجنتين محمرتين من الصقيع وحماسة طفل بالعاشرة، بإعداد أفضل ما يمكن من الطعام وتحضير وليمة مميزة
ثم عاد ليخرج مع فرسه نحو المحيط الأبيض، تاركاً القصر يعج بالفوضى وآلاف التساؤلات تدور في رؤوس قاطنيه
فلم تعد تحتمل فتيات قاعة الباليه تلك الضجة في الخارج، وقاطعن درسهن، واقتربن من شق الباب ومددن رؤوسهن الصغيرة ليستطلعن ما يحدث
وأولهما صبيتان بأول تفتحهما، كلاهما بشعر ذهبي مائل للأبيض وعيون فضية، ولكن تختلفان بالطبع اختلاف الليل والنهار
فتانيا ناعمة ولطيفة كالقطن، وكاترينا حادة وقوية كنصل السكين، وبينما الأولى تفكر بعفوية وبراءة مطلقة، الأخرى تفكر كما يفكر الشيطان
الخادمة أولغا تنهض وهي تعيد ترتيب فستانها بعد أن ظهر سروالها المبرقش للجميع، وقد أحمررت وجنتاها الممتلئتان من شدة الإحراج، والتي أخذتا تهتزان وهي تحرك رأسها بانفعالية عفوية
"بحق المسيح، ماذا حدث للقيصر الصغير؟!"
تطلق الراقصات الصغيرات ضحكة مكبوتة على منظر أولغا،إلى أن قاطعتهن المدربة، وأعادتهن إلى الصف
إلا كاترينا ذات الحاجبين السميكين والتي هرعت نحو النافذة كي تعرف ما يحصل، لترى القيصر يعبر الحديقة وصولاً للإسطبل
رفعت حاجباً باستنكار وتساؤل وأخذ الفضول مكانه في جوفها
تنده المدربة "كاترينا، كاترينا، كاترينا هيا انتظمي في الصف"
"حاضرة" أجابت وهي تبتعد عن النافذة وعيونها مازالت معلقة على الزي الأزرق الغامق الذي يرتديه فيكتور تحت معطفه.
عاد فيكتور لمكتبته بعد فورة السعادة التي أصابته، تمدد على كرسيه، وقام بفك أزرار قميصه، فتح مذكراته وبدأ بالكتابة بها
2/4/1750
"قد تطول رحلة فاسيلي أو تقصر ولا أحد،يدري بها سوى الرب، لكنني آمل أن يعود بالدواء سريعاً، ورغم أنني لم أعرف ما هي علتي بعد!، إلا أنني بدأت أشعر بالشفاء"
أغلق المذكرة، وتراجع بظهره للكرسي وغط في نوم عميق
حرّك رأسه بتعب فاتحاً عينيه المطبقتين، بعد أن استشعر أنفه رائحة الطعام الزكية تفوح في الأرجاء
ضغط بأصابعه على رقبته المتيبسة، وعلامات وجهه أظهرت ألمه وأنزعاجه، لكن لا أحديستطيع إبعاده عن عادة النوم على الكرسي بدل السرير حتى فاسيلي
عندما وقعت عينيه على النافذة، كان الزجاج يعكس منظر الغروب بشكل كئيب، وقد تشابكت الغيمات ببعضها منذرةً بحدوث عاصفة
استدار نحو الوراء حيث حضر الخدم الوليمة ويستعدون للخروج بهدوء، فسأل أحدهم بصوت خمول
"ألم يعد فاسيلي بعد؟"
لا يا سيدي، ليس بعد " أجابته إحداهن
كان من الصعب عليه تناول الطعام وحده دون وجود فاسيلي كي يشاركه، لكنه ولأول مرة منذ،سنوات هناك شيئ جديد يستحق الانتظار ويستحق أن يتغذى لأجله.
مر يوم ويومان وثلاثة وأسبوع، ومازال الأمير ينتظر وينتظر بكل ما يستطيع من طاقة
حتى حل منتصف الأسبوع الجديد، حيث وصلته برقية من فاسيلي،
"سيدي القيصر المعظم،أود إعلام جلالتك بأني قد حصلت طلبك وأنه معي بحفظ وأمان إلى حين موعد وصولي لقصر حضرتك، وقد يأخذ سفرنا القليل من الوقت، لذا تكرم علينا بصبرك يا سيدي"
Vector pov:
أخذت نبضات قلبي تتسارع، وأصابعي ترتجف وأنا أقرأ رسالة فاسيلي للمرة الثالثة، وفي كل مرة أعيد قرائتها، يدب الحماس بي من جديد، وقد نسيت كل الغم والحزن الذي أصابني طوال الأسبوع الماضي، وضعت يدي في جيبي وأخذت أتأمل المنظر من الخارج، والذي بدا لي أجمل من أي وقت مضى، ثم رحت أتخيل شكل الطالب الجديد والذي سأعمل على جعله حبيبي مع الوقت، أظن أن ذلك ممكناً، لأنني أثق بذوق فاسيلي تماماً، أنا سعيدٌ جداً أنني أنقذته في ذلك اليوم، الصبر يا فيكتور، المزيد من الصبر
❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄
ثلاثة أيام مضت، وفيكتور خمّن أنهم بحاجة لثلاثة إضافية على أعلى تقدير كي يصلا، ولكن ما لم يتوقعه هو العاصفة الثلجية الباردة والتي جعلت تحرك أي شيئ أمراً مستحيلاً
أمتار وأمتار من الثلج الأبيض البارد، ورياح عاتية تقتلع الروح من الجسد، وليل طويل موحش، كل هذا ضد عربة صغيرة بحصانين وسائق!
أخذ فيكتور يعبر غرفته جيئةً وذهاباً يفرك كفيه بقلق شديد، حتى أن أعصابه لم تتحمل أكثر، لذلك قرر أن يذهب للبحث عنهما بنفسه
وبينما كان يرتدي ثيابه السميكة، كان هناك شخص متطفل بحاجبين طفوليين سميكين، ركض مسرعاً عبر الرواق قبل أن يفتح فيكتور باب الغرفة
كاترينا استغلت فرصة عدم وجود حراس على جانبي باب غرفة القيصر وتقوم بمراقبته دائماً، فهو لطالما كره فكرة وجود الحراس حوله وقد تشاجر مع والده عدة مرات كي يلغي وقوفهم خلف بابه، فقد عده نوعاً من التطفل على خصوصيته
دخلت قاعة الباليه بوجنتين محتقنتين ومعالم خائفة، وعندما اقتربن منها صديقاتها، همست لهن "القيصر الصغير على وشك مغادرة القصر وحده!"
وسريعاً جداً، انتشر الخبر في القصر كله، وصولاً لقائد الحرس،والذي استنفر وجهز حراسه عند الباب كي يمنع القيصر الصغير من الخروج
هرع فيكتور نحو مدخل القصر، مرتدياً قفازاته السوداء الجلدية، ومعطفه الأحمر الطويل ذو شعار النسر ذو الرأسين بلون ذهبي مشع ، بذته الكحلية الغامقةو سيفه الطويل ذو النصل الحاد يتكأ على خاصرته، بواسطة حزام جلدي
كانت ملامح غاضبة ومتوترة في نفس الوقت، فتح له الحراس له البوابة العظيمة المؤدية للخارج، ليستقبل فيكتور وفد من الحراس على أحصنتهم، يقفون في نهاية الممر، ويفصلونه عن الاسطبل
"ابتعدو عن طريقي"
سيدي لا نستطيع، إنها أوامر القيصر الكبير
"ابتعدو قبل أن أحرقكم أحياءً!"
سيدي القيصر الصغير، والدك المعظم كلفنا بمنعك من الذهاب خارج حدود المملكة، مهما أصريت على ذلك
"وإن قمت بسحب سيفي ونحر رؤوسكم، ماذا سيفيدكم أمر والدي؟"
اقطع رؤوسنا يا سيدي،ولن نقاوم ولن نعصي، فقط كلفنا بالبحث عن فاسيلي بدلاً عنك يا سيدي
"لا يجيد الخادم عمل السيد مهما حاول، لن تجدوا فاسيلي حتى لو أرسلتكم جميعاً"
عاد فيكتور مسرعاً للداخل، ومعطفه الأحمر يكاد يصف اشتعاله من الداخل، فقد كان يبدو كقطعة جمر متقدة في ذلك البحر من البياض الصافي
وهو يمر عبر الرواق الملكي، كان هناك ابتسامة شماتة شريرة،على وجه صغير متورد
انحنت جميع الفتيات للقيصر أثناء مروره، وعندما وصل لجانب كاترينا، همس بالقرب منها
"سأقطع لسانك كاترينا، هل تظنين أنني لم أميز رائحة عطرك بعد أن هربت مسرعة من وراء باب جناحي!"
ثم ابتعد
ليترك كاترينا بملامح عصية التفسير، وبدأت ترتجف من شدة الخوف!
خمس دقائق، وصوت تحطم قوي صادر عن المكتبة، ثم شيئ خفيف كالقطط ومهيب كالنسر، ينطلق خارجها، متزحلقاً فوق السطوح المبللة بالثلج، وأي سقطة من هذا الارتفاع، قد تودي بحياة فاعلها
هرع الجميع للخارج، وأخذت الخادمات بالصراخ عند رؤيتهن قيصرهم الصغير، يتمسك بإحدى الحواف الرقيقة، على ارتفاع أمتار!
تراكض الحراس في الأسفل محاولين تشكيل فراش آمن كي يهبط عليه القيصر
ولكنه رغم ثقل معطفه، إلا أنه استطاع القفز في الهواء براشقة وصولاً للسور، ثم هبط على الأرض، لكنه أخفق بتفادي الحراس الذين كانوا ينتظرون هبوطه
فلم يكن من فيكتور سوى أن سحب غمده، وقام بجرح أرجل الأحصنة، لتبرك الخيول على الأرض، ويقلب الحراس أرضاً تحت أجساد خيولهم الضخمة
وهذا ما أعطى القيصر الفرصة للذهاب نحو الأسطبل، ليجد أنوشكا تنتظره بحماسة وساقيها يضربان في الهواء، صهلت بسعادة عندما اقترب منها، وسريعاً حررها، وركض خارج حدود قصره وملكيته
ولأول مرة في حياته، يعبر خارج الحدود، ويشعر بالحرية والتحرر من القيود،مع قليل من رهبة المجهول
ركض الأمير مسرعاً بين الغابات، وجعل أنوشكا تدور في حلقات كثيرة، كي تضيع آثار أقدامها عن أي شخص يريد تتبعهم
الكثير والكثير من المشي في الثلوج على غير هدى، حتى أضناه التعب
Vector pov:
لم أعرف أن المشي في عاصفة ثلجية سيكون عسيراً بهذا الشكل، فأنا أكاد لا أرى شيئاً و الرياح العاتية تضرب وجهي بقسوة كما يضرب المنجل، لم أكن خائفاً على نفسي، لكنني كنت خائفاً على أنوشكا المسكينة التي غارت كلتا ساقيها في الثلج السميك، لذلك ورغم العذاب المضني سحبتها نحو خندق صغير قد ينقذ حياتنا من الموت في الصقيع، أخذت أربت عليها وأمسح على وجهها الجميل وأقبلها من خطمها الطويل البارد، وهي تزفر أنفاسها بقشعريرة، وأنا أحاول تدفئتها بحرارتي ومعطفي، تشبثت بها بقوة عندما اشتد صفير الرياح، وجزمت أن فاسيلي حتماً قد مات مع حبيبي المستقبلي، ليموت كل أمل في قلبي، ويعود الصقيع ليهجم على قلبي ويقتله قتلاً "
ولكن الأمل الإلهي دائماً موجود، وفي أحلك الظروف، تنقذنا مشيئة الرب دائماً
أخذ فيكتور يتلو صلواته في داخله، والصقيع يكاد يقطع ساقيه، ولم يعد بإمكانه أن يبكي دموع الندم، فهي ستتجمد حتماً
وفر فيكتور آخر أنفاس الدفئ التي بقيت في صدره وزفرها على شكل دعاء متقطع مرتجف
"إلهي ساعدني"
انتفضت جسده نفضتين، ثم غرق في أحضان أنوشكا، ذات العينين الذابلتين
يتبع
وبينما ركب فاسيلي خادمه المخلص العربة، كان فيكتور قد امتطى ظهر فرسه البيضاء أنوشكا، وركض بها نحو أعلى سفح حول القصر، كي يراقب بها تلك العربة الحمراء وهي تغادر المكان، مبتعدةً حتى أصبحت نقطة صغيرة على الثلج الذي يفترش الأفق
ملأ القيصر الصغير رأتيه بالهواء المنعش من أعلى التلة، وطبطب على أنوشكا بخفة كي تنزل به نحو القصر مجدداً
كان متحمساً ويشعر بالحياة تنبض داخل جسده أكثر من أي وقت مضى
منطلقاً كسهم متّقد، متوشحاً ذلك المعطف الياقوتي السميك على كتفيه، والذي يملك شعار القيصرية الروسية باللون الذهبي في وسطه!
ثم اندفع بقوة نحو المرر المحفف بالورود المتجمدة، والتي انتثر ثلج فبراير من فوقها عندما مر بتلك السرعة الجنونية
وبالكاد استطاع حراس البوابة الخشبية الضخمة، أن يفتحوا البوابة قبل أن يصطدم بها القيصر المتهور مع فرسه المجنونة!
فيكتور "افتحوا البوابة بسرعااااااااااا"
هلع الحراس وقام الباقي بمساعدتهم لدفعها، ووقعوا كلهم على الأرض، بينما دلف للداخل ودخل معه موجة صقيع هائلة، جعلت فستان خادمة القصر السمينة والممتلئة يرتفع وصولاً لوجهها
صارخة "أووووه يا إلهي!"
ركض بأنوشكا داخل القصر مسرعاً، لدرجة جعلت الثريات المتلئلئة على طول الممر تهتز وكأن عاصفة قد ضربتها، بينما تركت حوافر فرسه الجميلة، أثار الثلج الذائب على السجاد الأحمر الفاخر، متنقلاً بها في كامل القصر، نزولاً إلى المطبخ، حيث أفزع الجميع
ثم تحدث آمراً بوجنتين محمرتين من الصقيع وحماسة طفل بالعاشرة، بإعداد أفضل ما يمكن من الطعام وتحضير وليمة مميزة
ثم عاد ليخرج مع فرسه نحو المحيط الأبيض، تاركاً القصر يعج بالفوضى وآلاف التساؤلات تدور في رؤوس قاطنيه
فلم تعد تحتمل فتيات قاعة الباليه تلك الضجة في الخارج، وقاطعن درسهن، واقتربن من شق الباب ومددن رؤوسهن الصغيرة ليستطلعن ما يحدث
وأولهما صبيتان بأول تفتحهما، كلاهما بشعر ذهبي مائل للأبيض وعيون فضية، ولكن تختلفان بالطبع اختلاف الليل والنهار
فتانيا ناعمة ولطيفة كالقطن، وكاترينا حادة وقوية كنصل السكين، وبينما الأولى تفكر بعفوية وبراءة مطلقة، الأخرى تفكر كما يفكر الشيطان
الخادمة أولغا تنهض وهي تعيد ترتيب فستانها بعد أن ظهر سروالها المبرقش للجميع، وقد أحمررت وجنتاها الممتلئتان من شدة الإحراج، والتي أخذتا تهتزان وهي تحرك رأسها بانفعالية عفوية
"بحق المسيح، ماذا حدث للقيصر الصغير؟!"
تطلق الراقصات الصغيرات ضحكة مكبوتة على منظر أولغا،إلى أن قاطعتهن المدربة، وأعادتهن إلى الصف
إلا كاترينا ذات الحاجبين السميكين والتي هرعت نحو النافذة كي تعرف ما يحصل، لترى القيصر يعبر الحديقة وصولاً للإسطبل
رفعت حاجباً باستنكار وتساؤل وأخذ الفضول مكانه في جوفها
تنده المدربة "كاترينا، كاترينا، كاترينا هيا انتظمي في الصف"
"حاضرة" أجابت وهي تبتعد عن النافذة وعيونها مازالت معلقة على الزي الأزرق الغامق الذي يرتديه فيكتور تحت معطفه.
عاد فيكتور لمكتبته بعد فورة السعادة التي أصابته، تمدد على كرسيه، وقام بفك أزرار قميصه، فتح مذكراته وبدأ بالكتابة بها
2/4/1750
"قد تطول رحلة فاسيلي أو تقصر ولا أحد،يدري بها سوى الرب، لكنني آمل أن يعود بالدواء سريعاً، ورغم أنني لم أعرف ما هي علتي بعد!، إلا أنني بدأت أشعر بالشفاء"
أغلق المذكرة، وتراجع بظهره للكرسي وغط في نوم عميق
حرّك رأسه بتعب فاتحاً عينيه المطبقتين، بعد أن استشعر أنفه رائحة الطعام الزكية تفوح في الأرجاء
ضغط بأصابعه على رقبته المتيبسة، وعلامات وجهه أظهرت ألمه وأنزعاجه، لكن لا أحديستطيع إبعاده عن عادة النوم على الكرسي بدل السرير حتى فاسيلي
عندما وقعت عينيه على النافذة، كان الزجاج يعكس منظر الغروب بشكل كئيب، وقد تشابكت الغيمات ببعضها منذرةً بحدوث عاصفة
استدار نحو الوراء حيث حضر الخدم الوليمة ويستعدون للخروج بهدوء، فسأل أحدهم بصوت خمول
"ألم يعد فاسيلي بعد؟"
لا يا سيدي، ليس بعد " أجابته إحداهن
كان من الصعب عليه تناول الطعام وحده دون وجود فاسيلي كي يشاركه، لكنه ولأول مرة منذ،سنوات هناك شيئ جديد يستحق الانتظار ويستحق أن يتغذى لأجله.
مر يوم ويومان وثلاثة وأسبوع، ومازال الأمير ينتظر وينتظر بكل ما يستطيع من طاقة
حتى حل منتصف الأسبوع الجديد، حيث وصلته برقية من فاسيلي،
"سيدي القيصر المعظم،أود إعلام جلالتك بأني قد حصلت طلبك وأنه معي بحفظ وأمان إلى حين موعد وصولي لقصر حضرتك، وقد يأخذ سفرنا القليل من الوقت، لذا تكرم علينا بصبرك يا سيدي"
Vector pov:
أخذت نبضات قلبي تتسارع، وأصابعي ترتجف وأنا أقرأ رسالة فاسيلي للمرة الثالثة، وفي كل مرة أعيد قرائتها، يدب الحماس بي من جديد، وقد نسيت كل الغم والحزن الذي أصابني طوال الأسبوع الماضي، وضعت يدي في جيبي وأخذت أتأمل المنظر من الخارج، والذي بدا لي أجمل من أي وقت مضى، ثم رحت أتخيل شكل الطالب الجديد والذي سأعمل على جعله حبيبي مع الوقت، أظن أن ذلك ممكناً، لأنني أثق بذوق فاسيلي تماماً، أنا سعيدٌ جداً أنني أنقذته في ذلك اليوم، الصبر يا فيكتور، المزيد من الصبر
❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄
ثلاثة أيام مضت، وفيكتور خمّن أنهم بحاجة لثلاثة إضافية على أعلى تقدير كي يصلا، ولكن ما لم يتوقعه هو العاصفة الثلجية الباردة والتي جعلت تحرك أي شيئ أمراً مستحيلاً
أمتار وأمتار من الثلج الأبيض البارد، ورياح عاتية تقتلع الروح من الجسد، وليل طويل موحش، كل هذا ضد عربة صغيرة بحصانين وسائق!
أخذ فيكتور يعبر غرفته جيئةً وذهاباً يفرك كفيه بقلق شديد، حتى أن أعصابه لم تتحمل أكثر، لذلك قرر أن يذهب للبحث عنهما بنفسه
وبينما كان يرتدي ثيابه السميكة، كان هناك شخص متطفل بحاجبين طفوليين سميكين، ركض مسرعاً عبر الرواق قبل أن يفتح فيكتور باب الغرفة
كاترينا استغلت فرصة عدم وجود حراس على جانبي باب غرفة القيصر وتقوم بمراقبته دائماً، فهو لطالما كره فكرة وجود الحراس حوله وقد تشاجر مع والده عدة مرات كي يلغي وقوفهم خلف بابه، فقد عده نوعاً من التطفل على خصوصيته
دخلت قاعة الباليه بوجنتين محتقنتين ومعالم خائفة، وعندما اقتربن منها صديقاتها، همست لهن "القيصر الصغير على وشك مغادرة القصر وحده!"
وسريعاً جداً، انتشر الخبر في القصر كله، وصولاً لقائد الحرس،والذي استنفر وجهز حراسه عند الباب كي يمنع القيصر الصغير من الخروج
هرع فيكتور نحو مدخل القصر، مرتدياً قفازاته السوداء الجلدية، ومعطفه الأحمر الطويل ذو شعار النسر ذو الرأسين بلون ذهبي مشع ، بذته الكحلية الغامقةو سيفه الطويل ذو النصل الحاد يتكأ على خاصرته، بواسطة حزام جلدي
كانت ملامح غاضبة ومتوترة في نفس الوقت، فتح له الحراس له البوابة العظيمة المؤدية للخارج، ليستقبل فيكتور وفد من الحراس على أحصنتهم، يقفون في نهاية الممر، ويفصلونه عن الاسطبل
"ابتعدو عن طريقي"
سيدي لا نستطيع، إنها أوامر القيصر الكبير
"ابتعدو قبل أن أحرقكم أحياءً!"
سيدي القيصر الصغير، والدك المعظم كلفنا بمنعك من الذهاب خارج حدود المملكة، مهما أصريت على ذلك
"وإن قمت بسحب سيفي ونحر رؤوسكم، ماذا سيفيدكم أمر والدي؟"
اقطع رؤوسنا يا سيدي،ولن نقاوم ولن نعصي، فقط كلفنا بالبحث عن فاسيلي بدلاً عنك يا سيدي
"لا يجيد الخادم عمل السيد مهما حاول، لن تجدوا فاسيلي حتى لو أرسلتكم جميعاً"
عاد فيكتور مسرعاً للداخل، ومعطفه الأحمر يكاد يصف اشتعاله من الداخل، فقد كان يبدو كقطعة جمر متقدة في ذلك البحر من البياض الصافي
وهو يمر عبر الرواق الملكي، كان هناك ابتسامة شماتة شريرة،على وجه صغير متورد
انحنت جميع الفتيات للقيصر أثناء مروره، وعندما وصل لجانب كاترينا، همس بالقرب منها
"سأقطع لسانك كاترينا، هل تظنين أنني لم أميز رائحة عطرك بعد أن هربت مسرعة من وراء باب جناحي!"
ثم ابتعد
ليترك كاترينا بملامح عصية التفسير، وبدأت ترتجف من شدة الخوف!
خمس دقائق، وصوت تحطم قوي صادر عن المكتبة، ثم شيئ خفيف كالقطط ومهيب كالنسر، ينطلق خارجها، متزحلقاً فوق السطوح المبللة بالثلج، وأي سقطة من هذا الارتفاع، قد تودي بحياة فاعلها
هرع الجميع للخارج، وأخذت الخادمات بالصراخ عند رؤيتهن قيصرهم الصغير، يتمسك بإحدى الحواف الرقيقة، على ارتفاع أمتار!
تراكض الحراس في الأسفل محاولين تشكيل فراش آمن كي يهبط عليه القيصر
ولكنه رغم ثقل معطفه، إلا أنه استطاع القفز في الهواء براشقة وصولاً للسور، ثم هبط على الأرض، لكنه أخفق بتفادي الحراس الذين كانوا ينتظرون هبوطه
فلم يكن من فيكتور سوى أن سحب غمده، وقام بجرح أرجل الأحصنة، لتبرك الخيول على الأرض، ويقلب الحراس أرضاً تحت أجساد خيولهم الضخمة
وهذا ما أعطى القيصر الفرصة للذهاب نحو الأسطبل، ليجد أنوشكا تنتظره بحماسة وساقيها يضربان في الهواء، صهلت بسعادة عندما اقترب منها، وسريعاً حررها، وركض خارج حدود قصره وملكيته
ولأول مرة في حياته، يعبر خارج الحدود، ويشعر بالحرية والتحرر من القيود،مع قليل من رهبة المجهول
ركض الأمير مسرعاً بين الغابات، وجعل أنوشكا تدور في حلقات كثيرة، كي تضيع آثار أقدامها عن أي شخص يريد تتبعهم
الكثير والكثير من المشي في الثلوج على غير هدى، حتى أضناه التعب
Vector pov:
لم أعرف أن المشي في عاصفة ثلجية سيكون عسيراً بهذا الشكل، فأنا أكاد لا أرى شيئاً و الرياح العاتية تضرب وجهي بقسوة كما يضرب المنجل، لم أكن خائفاً على نفسي، لكنني كنت خائفاً على أنوشكا المسكينة التي غارت كلتا ساقيها في الثلج السميك، لذلك ورغم العذاب المضني سحبتها نحو خندق صغير قد ينقذ حياتنا من الموت في الصقيع، أخذت أربت عليها وأمسح على وجهها الجميل وأقبلها من خطمها الطويل البارد، وهي تزفر أنفاسها بقشعريرة، وأنا أحاول تدفئتها بحرارتي ومعطفي، تشبثت بها بقوة عندما اشتد صفير الرياح، وجزمت أن فاسيلي حتماً قد مات مع حبيبي المستقبلي، ليموت كل أمل في قلبي، ويعود الصقيع ليهجم على قلبي ويقتله قتلاً "
ولكن الأمل الإلهي دائماً موجود، وفي أحلك الظروف، تنقذنا مشيئة الرب دائماً
أخذ فيكتور يتلو صلواته في داخله، والصقيع يكاد يقطع ساقيه، ولم يعد بإمكانه أن يبكي دموع الندم، فهي ستتجمد حتماً
وفر فيكتور آخر أنفاس الدفئ التي بقيت في صدره وزفرها على شكل دعاء متقطع مرتجف
"إلهي ساعدني"
انتفضت جسده نفضتين، ثم غرق في أحضان أنوشكا، ذات العينين الذابلتين
يتبع
Коментарі