12
الجُزئِيَّة الثَانيَة عشَر 🍀 إستَمتِعُوا~
فُوتس ؟~
رجَاءًا علقُوا بينَ الفقَرات ؟~
[قَرأت؟ تَعلِيق عَن رَأيِك بصَراحَة 🌷 لَا تبخلُوا .. فمجرَّد تَعلِيق مُشجِّع لَن يَأخذ الكثِير مِن وَقتِك ، و سيَصنَع يَومِي]
∵
❜ هرُوب ❛
∵
❞ سَأُحبِّك مادُمتُ أتنَفَّس، مَا يزَال ذلِك غَيرُ كَافٍ بحَقِّك. دَعنِي أحبَّك حتَى و لَو مُؤقتًا.. إمنَحنِي لَحظَة . قنُوعٌ أنا مَا دُمت أرَاك أمَامي ، سَأكتَفي بِأصغَر قَدر مِنكَ و أعِيشُ كلَّ لَحظَة مَعك كمَا لَو أنَّ حيَاتِي ستَنتهِي بَعدهَا، سَأعِيشُها كمَا لَو انِّها حيَاتِي كلَّها.. ❝
⅌
تبَادُل التَّحدِيقَات كانَ اصعَب تحدٍ قَد واجَه كِلَيما. بقِلة حيلَة سحَب كلَاهمَا أنظَارهُ نحوَ الأرضِ بينَما يجلِس كلٌّ مِنهُما مقَابلًا الآخَر ، يَستعدَّان لتَناوُل الفَطُور علَى تِلك الطَّاولَة الكَبيرَة التِي تزَيَّنت بفطُور كُورِي فَخم... بمُفردِهما.
لَم تسنَح لكلَاهمَا التَحدُّث عِندَما اقتَطعَت عَليهمِا فتَاةٌ يَافِعة حفلَة تَحدِيقهِما الصَامِت، تُحدِّثهمَا مع ابتِسامَة بلُغة جهَلهَا بيكهيُون لتَدفَعه بعدَ ذلِك امَامهَا تَقودُه نحوَ غرفَة الطعَام بذاتِ الطَّابق غيرَ سامِحة لَه بالرَّفض ، ثمَّ تقُودُه لمَقعدِه المُجهَّز لأَجلِه و قَد حزَر انَّها كَانَت تُخبِرهمَا انَّ الفطُور جَاهزٌ ، فيَتبعَه تشَانيُول بهدُوء بكُرسيِّه المُتحرِّك.
اعيُن بِيكهيُون اتبَعت بإهتِمام الفتَاة التِي تخرُج من غُرفَة الطعَام لتَعُود اليهَا مُحملَة بأطبَاق كُوريَّة جانِبية. الفتَاة لَم تبدُو كوريَّة، ملَامحُها بدَت غيرَ كُوريَّة بشَكلٍ وَاضِح.
بعُيونِها الكبِيرَة، و اهدَابهَا الطوِيلَة البنِيَّة ، شَعرُها الذهبِي و كذا بَشرتُها البَيضَاء النَاصعَة، الفتَاة كانَت غَايَة في الجمَال و ذلِك لَم يُرح الأصغَر، فيُجبِره ذلِك علَى التَّحدِيق بملَامِحها الأجنَبيَّة الحَادة اكثَر.
”بصِحتِك..!“ قَالَت الفتَاة بشَكلِ مفَاجِئ بلُغة كُوريَّة رَكيكَة، مُبتَسمَة عندَما وضَعت آخِر طبَق جَانبِي لتَبتَسم لتشَانيُول قبلَ ان تغَادر الغُرفة، سَامِحة للإثنَين بالإنفِرَاد ببَعضهِما.
”هَـ-هَل .. أمم، أعـ-.. أعجَبتك غُرفـ-..فَتُك؟ أهِي مُريحَة ؟“ تشَانيُول تحدَّث اولًا ، كمُبادرَة مِنه لكَسر الصَّمت بعدَ صرَاعٍ داخِلي طوِيل فيَخرُج صَوتَه مَكسورًا بِتأتَأة ، و بَعد ترَددٍ طوِيل هُو اكمَل . ”لَقد جَعلتُها في الطَّابق الثَّاني ، حتَّى لا يَكون صعُود الدَرج مُتعبًا لَك .. وَ ..!“ هو توقَّف عَن الحدِيث ليَبتَلع بصُعوبَة ، يضُم اصَابِعها ببعضٍ تارَة ثمَّ يفصِلها عَن بَعضهَا تارَة اخرَى فيَطرُق بهَا علَى فَخذه بتَوتُّر.
”غُرفَتي في طَابِق مُختَلف .. الأرضِي ، حتَّى تشعُر برَاحَة اكبَر!!“ ، الغرَض مِن فِعلتِه كانَ واضحًا ، هوَ بحَق ارَاد ألَّا يُزعِج بِيكهيُون بوَضعِه بنَفسِ طَابِقه ، بذَلك هوَ لَن يَتقَابَل مَعه غَالبًا . يَعرِف جَيدًا عنَاد بِيكهيُون ، الذِي لَن يتَردَّد بإثَارَة ضَجة هنَا مِن أجلِ المُغادرَة ، و هوَ لَن يسمَح بذَلك... فإحضَارُه الَى هنا بحَد ذاتِه مُعجزَة.
تشَانيُول أنهَى حدِيثَه أخيرًا ليَتنَهَّد ، قبلَ أن يَرفعَ عَينَاه و يُركزَهما علَى بِيكهيُون امَامه ، حَدقَتا عَينَيه اهتَزتَا بذُعرٍ عِندمَا التَقت عينَاه بخَاصَة بِيكهيُون الثَّابتَة ، بإتصَال نظَر غَريب.. قَاتِل.
تشَانيُول لَم يَعلَم انَّ توتُّره و حدِيثَه المُتقطِّع قَد اغفَله عمَا يَحدُث امَامه، فبيكهيُون و مُنذ جلُوسِه يحدِّق به بِذاتِ النظرَة الفَارغَة مُنذ نطَق بأوَّل حَرف، نظرَة عتَاب.. غضَب.. و ايضًا عدمُ اهتِمام ، قَد احتَوت نظَراتُه مِن الإشتِياق الكثِيرَ ايضًا.. علَى الرَّغم مِن مُحاولَات الأقصَر اخفَاء ذلِك تحتَ برُودِه.
بيكهيُون لَم يُعلِّق ، لَم يَردَّ علَى الأطوَل أو يُبدي رَأيه ، لَم ينفَعل أيضًا بَل كانَ هَادِئا كمَا لَو انَّ جَسدَه قَد غادَرتهُ رُوحُه ، ذاتُ النَظرَات تُهاجِم عَينَي تشَانيُول مُتسبَّبة بسَلبِه لعَقله ، رُوحِه و أنفَاسِه ، كمَا تُرعبُه بشِدَّة.
إلتَقطَ تشَانيُول كوبَ المَاء أمَامه بِيدٍ مُرتَجفَة ، يَشرَب مُحتَواه دُفعَة وَاحدَة ، وَ قَبل اَن يُنهِي ذلِك سَمع صوتَ تزَحزُح الكُرسي الثَّقيل ، مُنذرًا ايَّاه بأَن بِيكهيُون قَد ابدَى اخيرًا ردَّة فِعل .. قَد كانَت مُتوقَّعة لحدٍ ما.
تنَهَّد تشَانيُول بعُمقٍ بعدَ ان أعَاد رَأسه للخَلف وَ أغمَض عَينَيه. هُو نَوعًا مَا تَوقَّع حدُوث امرٍ كهَذا، لذَلك لَم يُصدَم عِندَما غَادر بِيكهيُون بُقعتَه ، ردَّة فِعل كهذِه كَانَت مُنتظَرة ، فهُو لَم يتَوقع ان يَجلِس و يَستَمع الَى حدِيثِه .. في الوَاقع جلُوسُه لِما يُقارِب العِشرِين دَقيقَة يُعدُّ انجَازًا .
فَتحَ عَينَيه ليُعيد رَأسَه لِلأمَام ، عِندمَا احسَّ بأصَابِع يدِها تَتخَلَّل خُصلَات شَعرِه تُحاوِل مُساعَدتَه علَى الإستِرخَاء، فيُغمض عَينَيه مِن جدِيد سَامِحا لَها بإبعَاد بَعضٍ مِن قَلقه، على الرَّغم مِن عِلمه بأن ذلِك لَن يُجدِي نَفعًا.
“Mach dir keine Sorge, alles wird gut..!”
”لَا تَقلَق، سيَكونُ كلُّ شَيء عَلى مَا يُرَام ..!“ هيَ تَحدَّث بلُغتِها الأم.. مُربِّتة علَى كتِفيه بَعد ابعَدت يَديهَا عَن شَعرِه.
🌿
استَقامَ بيكهيُون عَن كُرسِيه ليَدفَع للخَلف ، ثمَّ يخرُج مِن الغُرفَة، تاركًا الأطوَل مكَانه ساكنًا. لَم يَمسَّ مِن الفطُور المُحضَّر خصِّيصًا لَه شَيئًا ، ترَكه و تركَ الأطوَل خلفَه ليُغادِر بَاحثًا عنِ الدرَج الذِي نزلَه ليَسلُك طَريقَه صاعدًا للطَابقِ الأوَّل .
خطوَات مَعدُودة حتَّى وصَل للطَابقِ الأوَّل ليَبدَأ بالصيَاح و الطَّرقِ علَى كلِّ بَاب وَجدَه أمَامه.
”لُوهَان.. كيُونغسُو.. اينَ انتُما؟“ هو صَاح بصَوتٍ عالٍ ، غيرَ آبِه بكونِه في مَنزِل غرِيب لَا يَعرفُه او يعرِف سكانَه غيرَ تشَانيُول، ربَّما هوَ لوَالدَيه ، و همَا هنَا أيضًا . بيكهيُون لَم يتَوقَّف لثَانيَة للتَّفكِير في ذلِك ، مُستمرًا بمَا يفعَله فقَد كانَ غَاضبًا و بشدَّة . ”اعلَم انَّكما خلفَ احدَى هاتِه الأبوَاب؟“.
بِيكهيُون تَقرِيبا فقَد صَوتَه، دُون ان يُجِيبَه أحَد . تنَهَّد بِعُمق قبلَ ان يركُض نحوَ الغُرفَة التِي استَيقَظ بِها و قَد كانَ غريبًا وجُود لَوحَة بإسمِه علَى البَاب . هوَ يشكُر اللوحَة التِي ساعَدته على تَحدِيد الغُرفَة ، فَذلِك الطَابق اللَّعينُ يَحوِي كَثيرًا مِن الغُرف اللَّعينَة .
دَلف للدَاخِل ليَجد الغُرفَة قَد رُتبَت.. كمَا لَو لَم تَطأهَا قدَمه مِن قَبل، السرِير قَد رُتِّب و الملَّاءات قَد عدلَت فَوقَه، حتَّى حقيبَته التِي كانَت بجَانِب السرِير لَم تَعُد موجُودَة.
بخُطوَات سرِيعَة هُو تقدَّم مِن الخزَانَة العملَاقَة و بصُعوبَة فتَح ابوَابها، و بالتَأكيد كانَت تلكَ ملَابسُه، المُرتبَة بدَاخلِها. هُو تنَهد بعُمق بعدَ ان اغمَض عَينَيه، ”هَل يُمازِحني؟ هُو تجَرأ و أحضَرنِي الَى هنَا دونَ موَافقَتي؟“ بنَبرَة عَميقَة هُو حدَّث نَفسَه قبلَ ان يُمسِك قطعَة مِن ملَابسِه و يَرمِيها علَى الأرض، ثمَّ قطعَة أخرَى، ثمَّ اخرَى.
بِغضبٍ هُو افرَغ مُحتَوى الخزَانَة عَلى الأرضيَّة ليَلتفَت محدِّقا بالسَرير قَبل أن يركُض نَاحيَته، يُمسِك ملَاءَاتِه ، غِطاءه و جمِيع الوسَائِد التِي علَيه ليَرمِيهَا علَى الأرضيَّة قبلَ ان يَبدَأ بالصُّراخ. ”ايُّها السَّافِل..، كيفَ تفعَل مَا يَحلُو لَك دَائما ؟“.
”هَاتِفي!!“ هو حدَث نفسَه بعدَ ان تَوسَّط الغُرفة التِي قامَ بتَخرِيب تَرتيبِها في ثوَانٍ ، يَجول بِعَينَيه بأرجَائهَا بَاحثًا عَن هَاتفِه ، ”يَجب ان اتَّصِل بلُوهَان و كيُونغ..! علَي اخبَارُهمَا !!“ .
”مهلًا.. !“ بيكهيُون تَوقَّف عَن البَحث للَحظَة، ”لَا يُمكِن ان يَكونَا ورَاء هذَا؟ مُستَحيل.. همَا يكرَهانِ تشَانيُول!“ حدَّث نَفسَه ثابِتا بذَات بُقعَته مشوَّش الفِكر ، يُقلِّب الهرَاء الذِي يحدُث مُنذ الأَمس.
همَا فَجأة ظهرَا بعدَ امتحَانِه، مقتَرحَين فِكرَة العُطلَة، ثمَّ تعَاملُهما مع سيهُون و كاي المُثيرِ للرَّيبَة ، و صدَاقتَهما المُفاجئَة ، و اخيرًا ظهُور تشَانيُول مِن اللَّامكَان بمَظهَره الغرِيب ذَاك . بيكهيُون امسَك رَأسَه مَغمِضا عَينَيه، يَأخُذ نفسًا عَميقًا، مُحاولًا ارخَاء رَأسه الذِي يُوشِك عَلى الإنفِجار مِن كَثرَة الأحدَاث التِي تهَاجِم ذَاكرَته .
انفِتاح البَاب المُفاجِئ و البَطيء قَد أخرَجه مِن دوَّامَة أفكَارِه، ليَظهرَ مِن خَلفِه الفتَى الشَّاحِب مُطلًا برَأسه مُتفحِّصا الغُرفَة ، ليَفغَر فَاهَه قبلَ ان يَسمَح لنَفسِه بِعبُور المَدخَل دونَ ان ينتَبه لوُجود بِيكهيُون بالغُرفَة ، و الذِي يَرمُقه بِنظَرات حَانِقَة .
التَفت فَجأَة لتَقع عَينَاه علَى الجُرم الصَغِير الذِي يتَوسَّط الفَوضَى ، هوَ أمسَك يسَار صَدرِه مُغمِضا عَينَيه بِفزَع، ”لقَد أخَفتنِي.. لَم ارَك!“. تحدَّث سِيهُون ليَعتَدل فِي وُقوفِه بعدَ ذلِك يُكمِل تفَحُّص الغُرفَة بعَينَيه ، ”مالـ-... “.
”مالذِي تُريدُه..!؟“ بيكهيُون قَاطَع حدِيثَه بنَبرَة حَازمَة و بنَظرَة مُخيفَة هوَ رمَق الأصغَر الذِي ابتَلع بصُعوبَة قبلَ ان يُدخِل يدَه بِجيبِ سروَالِه يُخرِج بهَا هَاتفًا بدَى مَألُوفا لبيكهيُون . ”هاتِفك..!“ هو تحدَث و قبلَ ان يجفَل هوَ شعَر بالفرَاغ يُحاوِط كفَّ يدِه.
”وَالدَتك اتصَّلت و أخبَرتهَا انَّك نَائِم ، يُمكِنك الإتِّصَال بهَا بمَا انَّك مُستَيقِظ!“ تحدَّث سيهُون مُجدَّدا مُحدِّقا ببِيكهيُون المُستَغرِق بتَفحُّص هَاتِفه دونَ ان يُلقِي بالًا لوُجودِ الشَّاحب. ”لَا دَخل لَك، غَادَر فحَسب..“ هُو أمرَه دونَ أن ينظُر الَيه و نَبرَة صوتِه كانَت كَافيَة بإرسَال سِيهُون نَحوَ المَخرَجِ دُون تَردُّد .
”ااه.. لُوهَان و كيُونغسُو هنَا صَحِيح ؟ اعلَم انكُم خَططتُم للأمرِ معًا ، لذَا أعلِمهمَا أن يَأتِيا الَى هنَا حَالًا..“ بِيكهيُون أمَر الأصغَر مُجددًا و الذِي أوشَك علَى إغلَاق البَاب مِن خَلفِه بعدَ خرُوجِه ، ليَدلَف للدَاخل مُجددًا بعدَ حَدِيثِ الأكبَر.
”نعَم .. هُما هنَا !“ اجابَ الشَّاحِب بينمَا يتَّكؤ علَى البَاب مُتكتِّفًا ، ”لَكن الأسهَل ان تَذهَب انتَ الَيهمَا. همَا عندَ البُحيرَة يستَمتعَان بوَقتِهما، و مِن الأفضَل ان تفعَل ايضًا.. فهَذه عطلَة لَك!“ هُو أردَف مشِيرًا برَأسِه للشُرفَة المَفتُوحَة .
”تشَانيُول غيرُ موجُودٍ حَاليًا ان كُنت ستَستَمرُّ بتَفادِيه ،فقَد خرَج!“ هو اكمَل، يلقِي نَظرَاتِه عَلى الأقصَر الذِي يَجلِس علَى حافَة السرِير مُحتَضنًا هاتِفه بصَمت.
”لَا دَخلَ لَك فيمَا علَي فِعلُه.. سَأرحَل مِن هنَا فِي أقرَب وَقت لذَا إهتَم بشُؤونِك!“ زمجَر بِيكهيُون بإنزعَاج ليقِف مُتجِها نَحوَ الأصغَر ليَدفعَه خَارجَ الغُرفَة و يُغلِق البَاب خَلفه، عَائدًا الى السَرِير.
تَنهَّد بعُمقٍ قَبلَ ان يَضغَط على شَاشَة هَاتِفه يَدخُل لِجهَة الإتِّصَال ، يَضغَط عَلى آخرِ إتصَال لِهاتِفه.. والِدتُه. وقفَ ليَقتَرب مِن الشُّرفَة بينمَا هَاتفُه عِند اذنِه ، مُنتظِرًا وَالدَته لتَرفَع السَماعَة.
هوَ أصبَح عِندَ الشُرفَة مُطلًا علَى المَرج الوَاسِع المُخضَر ، و بمَسافَة مُعتبَرة تظهَر البُحيرَة الصغِيرة بلَونِها الأزرَق مُبرزَة جمَالَها الأخَّاذ، و قد انتَشرَت علَى حافَتها كرَاسٍ خشبِيَّة و بعضُ الطَاولَات الخَاصَة بالنُّزهَات. ايضًا استَطاعَ بيكهيُون ملَاحظَة الدُّخان المُتصَاعد، و يُمكِن ان يحزِر ان الرِّفاق يقُومُون بالشِّواء تَحضِيرًا للغَداء.
بيكهيُون لِم يستَطع وضعَ حدُودٍ للحدِيقَة، فالسيَاج الأسوَد المُرتفِع و الذِي مِن المُفترَض ان يُحيط المَنزِل كانَ بَعيدًا عَن مجَال نَظرِ بيكهيُون و مِن الصَّعب علَيه رُؤيته بوُضوح . هوَ ادرَك و اللعنَة أنَّ هذَا المَنزِل ضَخم ،و مُؤكدٌ هوَ ملكٌ لعَائلَة تشَانيُول ، و هذَا الأمر برُمتِه و الرِّحلة برُمتهَا تُربِكُه و لَا تُشعِره بالرَّاحَة اطلَاقًا .
”بِيكهيُون عزِيزِي..“ انتَشر صوتُ السيَّدة بيُون فَجأَة ليَصلَ لمسَامِع بِيكهيُون يُخرجِه عَن شرُودِه ليَلتَفت عَائدًا للدَاخل سرِيعًا ، يُعدِّل الملَاءة علَى السرِير ليَجلِس علَى حافَّته . ”امِّي.. انتِ ..!“ هو تَحدَّث، صوتُه أصبَح اكثَر حدَّة.
”اكَانَ ذلِك اتفَاقًا بَينَكم!؟ جمِيعُكم خطَّطتُم لفِعل ذلِك؟! أنَا حقًا لَا استَطيعُ تَصدِيقكِ“ تذمَّر بِيكهيُون و هوَ يضغَط علَى الهَاتِف بَين اصَابعِه بغَضب ، و سمَاع ضِحكَة والِدتِه افقَدته صوَابه .
”لقَد ارغَمتنِي علَى ذلِك. لَو لَم تعَانِد لمَا تَجرَّأتُ علَى تَنوِيمِك!“ تذَّمرَت السيِّدة بيُون بمرَح، مستَمتعَة بغَضبِ ابنِها الذِي كانَ جادًا كاللعنَة، فهِي قَد ارسَلتهُ مُرغمًا الَى رحلَة يَرفضُها، و الأسوَء انَّها ارسَلتهُ و هُو فَاقدٌ لوَعيِه. ”لا اُصدِّق انَّك حَقا قُمتِ بوَضعِ مُنوِّم فِي الشَّراب ، انتِ لَا تُصدَّقين.. كانَ يجِب أن أعرِف“.
”لَيسَ مُنوِّما عَزيزِي ، لقَد كَان دَواء الأرَق خَاصتُك .. كُنتَ تَستَهلِكهُ مُنذ كنتَ فِي الثَانوِيَّة أتَذكُر و حتَّى بعدَ تَخرُّجك!“ هِي شَرحَت وَ بِيكهيُون تَنَهد بِعُمق ليَقلِب عَينَيه عَلى حَديثِها، هِي مَازَالت لَا تُصدَّق بالرَّغمِ مِن ذلِك.
”تَعلَم عَزيزِي ، جَسدُك ضَعِيف و مُستَقبلُ جَيدٌ لِأي شَيءٍ يُمنَح لَه ، لذَا رَفعتُ التَّركِيز قلِيلًا فَحَسب . ثُم ذَلكَ لَن يَقتلَك ، قَد سَألتُ طَبيبَتك و أكدَّت سلَامَة الأمر ..عزِيزِي!“ أنهَت حَدِيثَها بضِحكَة مُنتَصرَة، يُمكِن لبِيكهيُون مَعرفَة سَعادَتها مِن خلَال صَوتِها .
لَم يسَع بِيكهيُون سوَى التَنهُّد و التَّنهد ، أهِي حقًا أمُّه ؟ هوَ متَفهِّم كونُها قلقَة بِشَأنه و بشَأنِ اكتِئابِه كمَا تَزعَم .. لَكن ان تُرسلَه وَسطِ اغمَائِه هوَ ما لَم يتَقبَّله عَقلُه .. أهِي حقًا أمُّه ؟ عَقلُ بيكهيُون رَددَ بغَضب .
”لَا تُزعِج نَفسَك و إحضَى بوَقتٍ سَعيد!“ اختَتمَت كلامَها ليُبعِد بيكهيُون الهَاتِف عَن أذنِه غيرَ مُستَعدٍ لسَماعِ المَزيد ، مُكتَفيًا بمَا سَمعَه بالفِعل . ”وَ تذَكر أن تُجهِّز خِطابَ شُكرٍ لِي!“ لتُغلِق الخَط ، بيكهيُون لَم يسمَعها فقَد حَدَّق مُطولًا بالفَراغ بينمَا هَاتفُه بينَ يدَيه ليَتركَه مكَانَه و يَقف مُتجهًا الَى الشُرفَة.
تَنفَّس بِعُمق عِندمَا دَاعَبت نَسمَات الهوَاء العلِيلَة وَجهه سَامِحة لنَفسهَا بالتَخلُّل بَين خُصلَات شَعرِه الشَّقرَاء ، اغمَض عَينَيه بينَما يرتَكز بِيدَيه علَى حَافَة الشُرفَة. عَقلُه مشغُول بأمُور عدَّة و اغلَبها ان لَم تكُن جمِيعُها.. تدُور حَولَ تشَانيُول.
فضُوله اللَّعينُ يَقتَله ، تشَانيُول.. تشَانيُول و كلُّ شَيء عَنه. بيكهيُون يرِيد ان يَعرِف.. أ هَاتِه خدعَة لَعينَة اخرَى مِنه ؟ بيكهيُون ارَاد الإبتِسام بإستِخفَاف ، كلُّ ما يَحدُث مثِيرٌ للسُّخريَة.. فالجمِيع هنَا يتلَاعَب بِه و لَا يَعلَم لمَن يَلجَأ، حتَّى والدَته.
خطَّط بِيكهيُون للضَّحك علَى كلِّ ما يَحدُث حقًا و هوَ يتذَكر احدَاث الأمسِ و اليَوم. يَتذَكر تلكَ اللَّحظة مِن الصبَاح لتتَصلبَ عضلَات وَجهِه، حسنًا هوَ كَان مُشوَّش و لَم يَحضَى بفُرصَة للتَّفكير بمَا حدَث هذَا الصبَاح، و لَم يَحضَى بفُرصَة لتَرتِيب افكَارِه و المشَاهِد التِي برَأسه ، و أخيرًا هوَ لَا يعلَم فيمَا كانَ يُفكِّر قبلَ لحظَات ... للتوِّ استَوعَب.
شَيء مَا كانَ غَريبًا حولَ تشَانيُول، و غضَبه العَارم أغفَله عَن رُؤيَة ذلِك .. كمَا لَو أنَّه لَم يرَى شَيئا و للتَو تفَتحَت عينَاه مُستَدركًا .
بيكهيُون قَد بدَأ صبَاحَه مع تشَانيُول ، هوَ كانَ جالِسا امَامه ، بَعد اختِفائه الثانِي. هوَ لَم يرَه مُنذ سنَة كامِلة، و قَد كانَ امَامه هذَا الصبَاح . تشانيُول قَد بدَا عاديًا ، طبِيعيًا أمَام عينَيه المُغلفَّتين بالغَضبِ و الحِقد و أمَامَ عَقلِه و قَلبِه المُحمَّلين بالكُره، بشَعر طَوِيل يصلُ لذِقنِه و ملَامِح مُرهقَة ، الأفضَع في المَوضُوع و الذِي لَم يُدرِكه بيكهيُون سوَى الآن.
تشانيُول .. و ذلِك الكُرسيُ المُتحرِّك اللَّعين . حسنًا ، حتَى و بعدَ أن لمَعت ملَامِح تشَانيُول من هذَا الصبَاح بعَقلٍ بيكهيُون .. شعرُه الطوِيل و ملَامِحه المُتعبَة و وجهُه الشَّاحِب ، كلُّ شَيء به باتَ غريبًا الآن . بيكهيُون لعنَ داخِله، لَابدَّ أنَّه قد فوَّت الكَثير.
عَقلَه قَد اصبَح فَارغًا و عضَلات وجهِه تيَبَّست، أحَقا ترَاودُه رَغبَة بالبُكاء الآن؟ هوَ لَم يَعلَم مَا اصَابه لَكن كثِيرٌ مِن المشَاعِر خَالَجته و ليَعترِف، ردَّة فِعله الأولَى لتشَانيُول كانَت لِتكُون مُختلِفة ، لَكن صَدمَته منَعتهُ مِن ابدَاء ايِّ ردَّة فِعل .
تنهَّد بِيكهيُون و هوَ يَمسَح علَى وَجهِه ليَضغَط عَلَيه بأكفُف يدَيه ، هوَ علَيه رُؤية تشَانيُول .. ربَّما ؟ سيَسأله بكلِّ بسَاطَة عمَا يَحدُث و سيُشبِع فضُولَه فَحسب.. هوُ فكَّر و قَد بدَا عَازمًا علَى فِعل ذلِك ، عِندَما عَلت رَنَّة هَاتِفه لتَصدَح دَاخل الغُرفَة ، دَلف بِيكهيُون للدَاخِل ليُغلِق بَاب الشُّرفَة متَقدمًا نحوَ هَاتِفه مُتفقدًا الإتصَال.
زفَر ليُبعثِر شَعرَه بإنزِعَاج، عِندمَا ادرَك انَّ لُوهَان يتَّصِل. ثَوانٍ مِن توَقُّف رنِين الهَاتِف ليَهتزَّ معلنًا عَن ورُود رسَالَة.
« سَتستَغرِق للأبَد حتَّى تَنزِل؟ تَعال بِسُرعَة » — لوهَان
اغلَق بيكهيُون الهَاتِف ليُدرِجه دَاخِل جيبِه قبلَ ان يدلَف خَارجَ الغُرفَة و قَد قرَّر اخيرًا النزُول، مُستَغلًا عدَم وُجود تشَانيُول في الأرجَاء.
نزَل بِيكهيُون الدرَج بتَأنٍ ، يُلقِي بِأنظَارِه علَى الأرجَاء مسَتعدًا لِأيِّ ظهُور مُباغِت لتشَانيُول ، يَجب أن يُجهِّز ردَّات فِعل طبِيعيَّة لذلِك . ثوانٍ قَد مرَّت ليَخطُو اخرَ خطوَاتِه مُبتَعدًا عَن الدَرج، فيَرتَد للخَلفِ بظَهرٍ مُقوَّسٍ عِندَما اندَفعَت امَامه الفتَاة، ذاتُ الملَامِح الحَادَّة.
ابتَلع بِيكهيُون قبلَ ان يُعدِّل وَقفَته، يقِف بشُموخٍ عِندمَا تَحدَّثت الفتَاة بلُغتهَا الكُوريَّة الرَكيكَة مُشيرَة بِيدِها نَحوَ المَدخَل الرَئِيسِي، ”رفَاقُك عندَ البُحيرَة سيِّدي الصغِير! أترغَب بأن آخذَك الَيهِم!؟“.
تَحمحَم بِيكهيُون و هُو يَنظُر لَها بطَرف عَينَيه ، ”شُكرًا .. سَأذهَب بِمفرَدي!“ هوَ تحدَّث بصَوتٍ عَميقٍ هازًا رَأسَه نَافيًا، قبلَ ان يُدخِل يدَيه بِجيُوب سروَالِه مُسترسِلًا حدِيثه.. ”و أنَا لَست سيِّدك الصَغير!“.
انهَى بِيكهيُون حدِيثَه ليُسَارع خطُواتِه نَحوَ المَخرَج بَعدَ أن حَاولَ تَجاهُلها بِالكَامل ، ”ان كنتِ تحَاولِين التَباهِي فلغتُكِ الكورِيَّة سَيئَة للغَاية!“ هَو تَمتَم بصَوتٍ مَسمُوعٍ قبلَ أَن يُغادِر ، يتَمنَّى أن يَكونَ مَسمُوعًا كفَايَة لتتَلقَاه و تفهَمه ،فهِي بطَريقَة مَا تُزعِجه.
ابتَسمَت بإشرَاقٍ و هيَ ترَاقِب صاحِب الجُرم الصَغيرِ مبتَعدًا عَن مجَال رُؤيتها ، لتَضحكَ بخفَّة بعدَ سمَاعهَا لحدِيث بِيكهيُون ، ”الَهي ..كَم هُو لطِيف!!“.
🌿
امسَك بيكهيُون ببَطنِه الذِي بدَا مُنتفخًا، حدَّق بِه ليُربِّت علَيه معَ شِبه ابتِسامَة، علَيه ان يَعترِف الغدَاء كانَ لذِيذًا، و قَد كَان جَائعًا للغَايَة فقَد نسيَ متَى أكَل آخرَ مرَّة.
”أخبَرتُكم أن خِبرتِي في الشوَاء ليسَت مُزحَة..!“ هزَّ سيهُون كتِفيه ليُعدِل قميصَه بتَفاخُر و ماكَان علَى مَن مِن حولِه سوَى ان يهزُّوا رُؤوسَهم على الأصغَر الذِي بدَى مُتحمِسًا لسَماعِ اعترَافِهم.
”كانَ ممَلحًا بشَكلٍ مبَالَغ فِيه!“ ، ”خاصتِي كانَت مَحروقَة!!“ ، ”أشعُر بأنِّي على وشَك التَقيء.. ابتَعدُوا!“.
ثلَاثَتهُم تحدَّثُوا، كيُونغسُو، كاي و لُوهَان آخرُهم ليَرفعُوا كُؤوس النَبيذِ بلَونِه المِخمَلي الأنِيقِ في نفسِ الوَقت، ليَقهقهُوا معًا، مُستَمتعِين بإغَاظة الأصغَر و الذِي بدَا غَاضبًا بحَق.. حينَ زفَر وَاضعًا كَأسه، يعُود للخَلف مُغمضًا عَينَيه.
”كانَ لذِيذًا.. انتَ جيَّد!“ ، سِيهُون استَقامَ مِن جلُوسِه بإِنفِعَال ، يحَاول التَّأكد ممَا سَمِعه.
”جيِّد ألَيسَ كذلِك..! أعلَم انِّي رَائِع!“ ابتَسم سِيهُون بوُسع يرمِي بنفسِه على الأقصَر الذِي انتَفض بفَزع ،عندَما شعَر بأذرُع سيهُون تلتَف حولَ جسدِه الضَّئيلِ بعِنَاق مُحكَم.
”أ-أجَل ..جيِّد ، و الآن أتـ-رُكني!!“ حاوَل بِيكهيُون التَملُّص مِن عنَاق الأصغَر لَكن مِن دُون جَدوى ، فسِيهُون قَد قرَّر اغرَاقَه بالحُب بعدَ ان مدَحه، و بيكهيُون فكَّر بأنَّه من الخَطأ مَدح هذَا الشَقي.
”اللعنَة، لِم هوَ قوَي هكذَا!“ بيكهيُون تذَمَّر يضَع كوبَ نبيذِه مِن يدِه و يدَلِّك ذرَاعه التِي إلتَوت بسبَب الأصغَر بعدَ ان ابتَعد عَنه عَائدًا لمَقعدِه ، يَترُك لَه المجَال ليتَنفَّس .
”أجَل ، أنَا كذلِك..! انتَ لَم تَرنِي و انَا أقَاتِل !!“ تَحدَّث سِيهُون بإعجَاب، و كَم احبَّ عِندَما مدَحه الأقصَر على الرَّغم مِن ان نيَّة بِيكهيُون لَم تَكن مَدحَه. ”أنت..؟ تُقاتِل؟!“ سَخِر لُوهَان لتَرتَفع ضِحكَاته، ”أذكُر انَّك افتَعلتَ ضجَّة كبِيرة في رِحلَة التَخيِيم، فقَط لِأننا نِمنا في العرَاء!!“ اردَف شبِيه الغزَال مُهاجمًا الأصغَر .
”أكرَه الحشرَات أجل..! لكِنك حقًا لَم ترنِي و أنا اقَاتِل! كنتَ لتَسحَب قولَك هذَا سرِيعًا!؟“ ركَل سِيهُون بقَدمَيه على الأرضِ ليَرفعَ احدَاها و يركُل معَ كلِّ كلمَة يقُولُها ، ثمَّ يَلكُم الهوَاء متظَاهرًا بالقِتَال . ”كَاي أخبِرهُم ، كَيفَ قاتَلنَا فتيَان مَدرسَة دَاي جُون.. ذلِك الفتَى يُونغ رَاي شقِيق يُونغ جِي !! أخبِرهُم“.
عدَّل بِيكهيُون جلسَته لأخرَى مرِيحَة و قَد كانَ مُستَعدًا للنَوم قلِيلًا ، يرمِي بجسَدِه للخَلفِ مقَابلًا أشعَة الشَّمس الدَافئَة ، لطَالمَا كانَ جوُّ بدايَة الصَّيفِ محَببَة بالنِّسبَة لَه . لَكنَّه إستَقام فَجأَة و بذُعر عِندَما سَمع حدِيث الأصغَر الذِي بدَى مُتحمِّسًا و هوَ يحاوِل ابرَاز نَفسِه.
”أُصمُت..!“ هَمس كَاي و الإنزِعاجُ وَاضحٌ مِن خلَال صَوتِه ، مُحدِّقا بسِيهُون الذِي تَوقَف عمَّا يَفعَله ليُشيحَ بنَظرِه نحوَ بيكهيُون. بيكهيُون تَقريبًا فقَد لَونَ وجهِه ليَشحَب بشَكل مخِيف، ليَبتَسم بتَوتُّر يَرغَب بصَفعِ نفسِه، ”أكَان مِن المُفتَرض أن الأمرَ سِر؟!“ هوَ قالَ بصَوتٍ مُنخفِض ليَعُود و يَجلِس في مكَانِه.
”مالذِي تتَحدَّثانِ عَنه؟!“ بِيكهيُون تحدَّث جالبًا انتِباه الجمِيع بعدَ ان رمَق لُوهَان و كيُونغسُو بغرَابَة كمَا لَو انَّه يُعاتِبهُما، لَكِنِّه لَم يعلَم انَّهما كانَا في نَفس المَوقِف، الإختلَاف الوحِيد هوَ انَّ اِسم الفتَى الذِي ذُكِر كانَ غَريبًا عَنهُم، لكِنهمَا تمكَّنا مِن تحدِيد هويَّة الفتَاة.
”حسنًا..!“ سيهُون ابتدَأ بتَوتَّر و هوَ يضعَ كوبَه جانبًا ليُشابِك يدَيه ببَعض. ”كنَا نعلَم بشَأن مَا تَعرَّضت لَه، و مِن المُفترَض ان يبقَى الأمرُ سرًا ..لَكن ..“ هو اردَف ليَنظُر لكَاي الذِي طَأطَأ رَأسَه ، يَتركُه بمُفردِه ليُواجِه الأمر.
”ما قَصدُك..!؟“ سَأل كيُونغسُو يرغَب بمَعرفَة مَا فَاتَه و تفَاصيلِه و كذَا لُوهَان الذِي وسَّع عينَيه بفُضول. ”بِيكهيُون.. كانَ ضحيَّة تَنمُّر..!“ قالَ سِيهُون ليَتنهَّد، يُدلِّك جبِينَه و يتَمنَى فقَط لَو يَتم اخرَاسُه للأبَد .
أغمَض بيكهيُون عَينَيه بشِدَّة، يَشعُر بثِقلٍ بمُؤخرَة رَأسَه . صرَّ علَى أسنَانِه و شدَّ عَلى قَبضَة يدِه بإِحكَام يتَمنَّى لَو يُغمَى علَيه الآن و ألَا يَسمَع ذلِك . هوَ كرِه تِلك الحقِيقَة ، كَونُه تعرَّض للتَنمَّر، كَون تِلك الحَقيقَة تُكشَف الآن امَام رفِيقَيه بعدَ ان أخفَاها لمدَّة طوِيلَة . لاسِيمَا بَعدَ النظَراتِ التِي تلقَّاها مِنهمَا في تلكَ اللَّحظَة، هوَ رغبَ بالمَوت فِعليًا.
”يُونغ رَاي، شقِيق يُونغ جِي ، الفتَاة مِن الصَف ألف ذاتُ الشَّعر الأسوَد . هوَ في مَدرسَة مُختَلفة ، مَن كانَ يتَنمَّر علَى بيكهيُون!“ سِيهُون اكمَل بعدَ ان شعَر بأنَّه وجبَ علَيه انهَاء ما بدَأه، فكيُونغسُو و لُوهَان يجبُ ان يعلَما.
”يُونغ جِي كانَت مُعجبَة بتشَانيُول، لكِنه رفضَها و بعدَ مُدَّة انتَشرَ خبَر علَاقَته ببِيكهيُون ، و يبدُو انهَا اعلَمت شقِيقهَا.. لذَلك!“ أنهَى سِيهُون حدِيثَه ليتَنفَّس بِعُمق، هوَ مستَعد لتَلقِي الضربِ مِن كاي الآن و هُو غيرُ نادِم .. لَا مزِيدَ مِن الأسرَار بعدَ الآن.
”كـ-كيفَ عـ-عرَفتمَا!؟“ بِيكهيُون سَأل بصَوتٍ شِبه مَسمُوع فدَواخِله تغلِي ، و قَد رَاودَته رغبَة شدِيدَة فِي الصُراخ.
اغمَض صاحِب الشَّعرِ الذهبِي عينَاه ليَزفرَ الهوَاء خَارجًا بهدُوء . يَشعُر بحرَارَة تُحيط يَديه، فكيُونغسو و لُوهَان قَد احتَضنا يدَيه بنفسِ الوَقت ، ليَفتَح عَينَيه مُستَعدًا لتَلقِي تَوبِيخهِما لَه، لَكنّ كيُونغسُو هزَّ رَأسَه مع ابتِسامَة متَوتِّرة .
يُمكِن لبِيكهيُون إستِشعَار الدِفئ الذِي تنشُره عينَا كيُونغسُو و مِن دُونِ ان يتَحدَّث حتَى. لُوهَان ايضًا ، هوَ تقرِيبًا علَى وشَك البُكَاء و يحَاول مَنع نَفسِه مِن معَانقَة بيكهيُون و البكَاء فِي أحضَانِه.
”تشَانيُول..!“ رفَع كَاي رَأسَه بَعدَ أن قَال، يَأخذ دَورَه فِي القَاء القصَّة. ”تشَانيُول أخبَرنا أن نَفعَل مَا فَعلنَاه لأنَّه لَم يَكن مَوجُودًا ليُعاقِب الفتَى بنَفسِه..!“ اردَف و نظرُه مُرتكزٌ علَى اصَابِعه المُتشابكَة ببَعضِها بتَوتُّر، و بإستِطاعَته رُؤيَة الصَّدمَة على وجُوه الصِبيَة الثلَاثَة .
”بالتَّأكِيد.. أنتَ تَتسَاءل كَيفَ عَرفَ تشَانيُول؟!“ كاي تحَدثَ مجدَدًا مُوجهًا سُؤالَه الى بِيكهيُون، الذِي ارتَجف بضُعف يحَاوِل تَحضِير نَفسِه لتَلقِي الكلَام ، يَشعُر ان ما سيَسمعُه تَاليَا سيَصدِمه اكثَر.
”فلتَتوقَّف عندَ هذا الحد! ما تبَقى قَولُه رَاجِع لقَرار تشَانيُول الخَاص..!“ سِيهُون نهَاه و قَد بدَى جادًا عندَما تقابَلت عينَاه معَ خاصَة كاي لمدَّة مِن الزمَن ، ثمَّ يَخفضَ كلَاهمَا نَظرَه ، ليُقرِّر كاي الصَّمت عِندَها.
لَم يَستَطع بِيكهيُون أن يَكذِب علَى نفسِه و لَم يستَطع اخفَاء ذلِك عَمن كانُوا جالِسِين معَه ، فلَطالَما كانَ فضُوليًا و مايزَال كذلِك ، و الآن فضُولُه يقتُله .
فكَّر مُحاولًا جَمع المعلُومَات التِي تلقَّاها قبلَ قَلِيل ، تشَانيُول كانَ يعلَم عَن تَعرُّضِه للتَنمُّر و مَن كَان خَلفَ ذلِك! أعلَم سِيهُون و كَاي و همَا تصَرفَا في الخفَاء! همَا كانَا سبَب تَوقُّف راي عَن الظهُور في حيَاتِه، و ليسَ بسَببِ شقِيقتِه التِي طلَبت مِنه التَوقُّف كمَا إدَّعى.
لكِن تشَانيُول ، أينَ كانَ و لِمَا لَم يتَصرَّف بنَفسِه؟ بيكهيُون ارَاد تَوجِيه ذلِك لجِهة اكثَر اشرَاقًا دَاخِل رَأسِه، فلَا يُمكِنه أن يُفسِّر ذلِك بكَونِ تشَانيُول خلفَ التَنمُّر او هوَ مَن أمَر بِه؟ هوَ قَادر علَى التفكِير بذلِك و لَه الحَق ، فقَد بدَا مِن ناحيَة مَا مَنطقيًا .. هوَ تركَته و رحَل بعدَ استِغلَالِه ، يُمكِنه القيَام بأَسوء مِن ذلِك بدُون ندَم. لِكن الجُزء الأكبَر مِن عقلِه يَمنعه مِن تصدِيق ذلِك ، تشَانيُول و مهمَا وَصلَت وقَاحتَه و سفَالتُه و انحِطاطُه ..هوَ لَن يفعَل شَيء كالتَّحرِيضِ على التَّنمرِ علَيه .
لكِن و اللعنَة .. أينَ كان ؟ بيكهيُون صرخَ بصَخب داخِل عَقلِه ، هوَ و اللَعنَة مُتعَب مِن كلِّ شَيء و لَا طَاقَة لَه للمُتابعَة، لذَا هوَ قرَّر.. لَا يَهمُه الأمر ان بدَا غريبًا او انَّه سيَحط مِن كِبريَائه ، لكنَّه سيَقفُ امَام تشَانيُول و يُحادِثه و يُطالِبه بالحَقيقَة و سيَتقبَّلهَا مَهمَا كَانَت . هوَ سيُنهِي الأمر حتَى يُخرجِه مِن حَياتِه نهائيًا و يَمضيَ قدمًا بدُون تعب.
”الأمرُ مضَى الآن.. لَا تَشغَل بالَك بالمَوضُوع !!“ أخبَره كَاي عِندمَا لَاحظ شُرودَه و قَد حزَر أن الآخَر بالفِعل يتَخبَّط في فضُولِه ، ليهزَّ بيكهيُون رَأسَه و كاي لَم يتوَقع إستِجابَة كتِلك مِنه. ”لَا حَاجة للتَفكيرِ في ذلِك الآن“ هو تحدَّث بعدَ ان تنهَّد ليَجلِس بوَضعيَّة مُريحَة ، بعدَ أن قَررَ نِسيَان المَوضُوع.. علَى الأقَل حَاليًا.
مدَّة مِن الزَمنِ و الصَّمتُ يُغلِّف الصَّمت المَجلِس ، كلُّ مِنه يشِيح بنَظرِه لجِهِة مَا مُختلِفة عَن خاصَة الآخر .
”بالرَّغمِ من ذَلك ، مَازِلت غيرَ قَويٍ فِي نَظرِي !“ تحدَّث لُوهَان مِن العدَم ، نبرَة صوتِه كانَت سَاخرَة في محَاولَة مِنه تغيِير الجَو الكئِيب الذِي حلَّ على هذَا الصبَاح و معَاتبَة بيكهيُون ستَأتي فيمَا بَعد ، يُحرِّك القلِيل مِن النَّبيذ الذِي تبَقَّى فِي كُوبِه بينمَا يَنظُر لسِيهُون بتَحدٍّ و قَد كانَت نيتُه مُضايقَته كالعَادة ، و التِي بَاتَت هوَايتُه المُفضلَة مُؤخرًا .
لكِن الشَّاحب قَد هزَّ كتِفيه بغَيرِ إهتِمَام ، لَا يُبدِي ايَّ ردَّة فِعل . لُوهَان ابتَسم بإستِفزَاز دُون ان يَكفَّ عَن منحِ نظرَات سَاخرَة للشَاحِب، يَرغَب بإثارَة غضبِه بأيِّ طرِيقَة مُنذ أنَّه شعرَ بالمَلل و ليسَ لَه غيرُ الأصغَر ليَمرَح معَه .
”فَاشِل .. ضَعيف“ هوَ حرَّك شفَاهه دونَ ان يُبعِد عينَاه عنِ الأصغَر الشَاحِب الذِي قلبَ عَينَيه ليَقفَ مِن مكَانِه ، يُشعِر شبِيه الغزَال بلذَّة الإنتصَار بعدَ ان نجحَ بإزعَاجه و قلِيل مِن الأسفِ كَونُه لَم يبدِي ردَّة الفِعل التِي ارَادهَا . رفَع كَأسَه يشرَب ما تبقَا مِن محتَواه دفعَة وَاحدَة مُغمضًا عينَيه مُستشعرًا طَعمَه الحلُو .
لَم يَشعُر لُوهَان بإقرَاب الأصغَر مِنه سوَى عندَما تنفَس أمامَ وجهِه ليَشعُر بدِفئ غَريبٍ ارغَمه على فتحِ عَينَيه، ليَرتَد للخَلفِ بفَزع ، عندَما اصبَح وَجه سِيهُون امَامه تمَامًا حيثُ كانَت انُوفهُما قريبَة مِن الإحتكَاك.
”مَـ-ماذ-..!“ حَسنًا ، تِلك لَم تكُن حركَة مُتوقَّعة مِن الأصغَر ، و مَا فعلَه تاليًا لَم يَكن بالحُسبَان أيضًا . فحَديثُ لُوهَان قَد قُطع عِندَما شعَر بجَسدِه يَرتَفع عالِيًا، بثَوانٍ هوَ أصبَح بينَ ذرَاعَي الأصغَر الذِي يحمِلُه بمرَح و يرفَعه عاليًا ، بينَما هوَ يحِيط ذرَاعَاه حولَ عُنقِه ، لتَسقُط الكَأسُ مِن يدِه التِي اصَابهَا التَّخدر كمَا جسدُه.
صِدقًا، لَم يكُن لدَى لُوهان أيُّ كلمَات ليُضيفَها، يَشعُر بِحرَارَة جَسدِه التِي ارتَفعَت فَجأَة و وَجنتَاه قَد اكتَسبَت ظلَالًا زَهريَّة . ”مَا دُمت قَادرًا علَى حَملِك فَمُؤكدٌ لستُ ضعيفًا ..“ رَمى بكلَامِه سَاخرًا، و مُتوقِّع أن لُوهَان قَد التَقط مَا يَقصِده ، هوَ ليسَ بذلِك الغبَاء.
”ابعِد يَديكَ عنِّي ايَّها الأحمَق..!“ لُوهَان صَاح بِصخب، يَركُل بسَاقَيه فِي الهوَاء و يُحاوِل الإفلَات مِن الشَّاحِب الذِي قبَض علَيه بإحكَام خوفًا مِن اسقَاطه، مُؤكدٌ سيِكون فِي عدَاد المَوتَى ان فَعل.
”تَوقُّف ستَسقُط..“ حذَّره الأصغَر مُستَمتِعا بغَضب مَن بينَ ذراعَه. ”كيفَ لَك أن تُشيرَ الَى انِّي سمِين.. يا لك مِن شقِي!!“ تذَمرَ مجددًا و بشَكلٍ اكثَر ازعَاجًا، و سِيهُون بالفِعل اصابَه الإرهَاق لكِن لَم يرغَب بإنزَاله، هوَ و اللَّعنة مُستَمتِع، و كَذا الرِفاق مِن حولِه .
كَاي سمَح لعَينَيه بأن تَتجِه ناحيَة بيكهيُون، بتَوتُّر هوَ نظرَ له مِن خلفِ كيُونغسُو، ليَبتسِم بخفَّة، عندَما رأى ضِحكَة بيكهيُون الجمِيلَة و تفَاعلَه اللطِيف مَع كيُونغسُو على مَا يَحدثُ امَامَهم، و بِطرِيقَة ما هوَ كانَ سعيدًا، يَشعُر بأن الأمُور قَد اصبَحت أقرَب بخُطوَة للإستِقرَار.
و بلَحظَة عَمَّ الهدُوء ، و صوتُ لوهَان قَد اختَفى. كاي نظرَ ناحيَّة الثنَائي الذِي كان سبَب ضِحكة بِيكهيُون و التِي تلَاشت تلقَائيًا لتَحلَّ مَحلَّها تَعابِير مَصدُومَة فيمَا كيُونغسُو بجَانبِه تَقريبًا قَد بصَق مافِي فمِه.
”الهِي..“ كاي وضعَ يدَه على فمِه يُوشِك على الصرَاخ. عِندمَا رَأى لُوهَان و الذِي مازَال بَين اذرُع الشَاحِب و ذرَاعَاه تَلتفَّان حولَ عُنقِه، و صَدمَته لَم تكُن أخفَّ مِن الفتيَان حَولَه.
جسَده بالكَامل طفَا عاليًا، يشعُر بِه كالهُلام و لَو كانَ على قدَميه لسَقط ارضًا، كلَّ ذلِك الصُراخِ المَكبُوت بدَاخلِه ، كلُّ تلكَ اللعَنات التِي علَى لسَانِه و التِي تَم مَنعُه مِن اخرَاجِه ، كلَّ ذلِك بسَببِ شفَاه الشَاحِب الذِي تدَاخلَت مع خَاصتِه بقُبلَة دبِقَة ، يَستلِم قيَادَتها الأصغَر بينمَا لُوهَان ما يزَال غَارقًا فِي صَدمَته.
لَم يَرغَب سِيهُون بفَصلِ القُبلَة فبمَا ان الفُرصَة قَد سنَحت هوَ سيَستَغلهـا . ليَعتَرف .. هوَ احبَّ تنَاسِب شفَاه لُوهان الصغِيرَة مع خَاصتِه، و كيفِية تدَاخِلها مع خَاصتِه اثنَاء القُبلَة، ليَعبَث بهَا برَغبَة عَارمَة .
يَمتَص سُفليَّته بلذَّة ثمَّ يدَاعب العُلويَّة ، مُنتقلًا بينَهما يُبللِهما بلعَابِه ليَمتصَّهما معًا مُستَشعرًا حلَاوَة النَبيذِ العالِق بهَا و الذِي أكسَب شفَاه شبِيه الغزَال لَون زهرِيًا لطِيف ، مُتمنِيا ان تَكتمِل لَحظَته بمُبادلَة لُوهَان لَه.
حينَ بقِي لُوهَان علَى حالِه، طبعَ سِيهُون قبلَة سَطحيَّة اخيرَة علَى شفَاه شبِيه الغزَال ليَبتَعد ، مُنزلًا ايَّاه ثمَّ يساعدُه على الوُقوف ، و لُوهان حَرفيًا قَد تَمسَّك بِذرَاعه بإحكَام ، فقَد بدَى له الوُقوف بإعتدَال امرًا شِبهَ مستَحيلٍ.
عادَ سِيهُون ليَجلِس مكَانِه بعدَ ان ترَك لُوهَان ذرَاعَه ، بينمَا الثلَاثَة قَد نقلُوا انظَارَهم بينَ سِيهُون و لُوهان بفُضول، و سِيهُون قَد هزَّ كتِفيه بغَير اهتِمام ليَجذِب كأسَه و يملَأه مُجددًا و يرتَشفَ مِن نبِيذِه ... ان استَمرَّ على هاتِه الحَالَة هوَ سيَثمَل فِي وضحِ النَهار.
”لِوهلَة ظَننتُ انِّي اشَاهِد فيلمًا ..! ظَننتَ ان هنَاك شَيء بَينهُما حقًا“ كيُونغسُو تَمتَم لبِيكهيُون الذِي ابتَلع بينمَا يُحدِّق بلُوهَان الوَاقِف داخِل هَالَة الصَّدمة التِي لَم تتلَاشَى بَعد.
”أنا لَن أسَاعدَك فِي هذَا ..!“ وضَع بِيكهيُون كَأسَه جَانبًا و نظَر لكيُونغسُو الذِي نَفى برَأسِهه ،”ولَا أنَا!!“ . ”انَا ايضًا ، أبقِني خَارِج المَوضُوع!!“ تحدَّث كاي بتَوتُّر و هوُ يحدِّق بكيُونغسُو و بيكهيُون. ليَنقُل نظَره للُوهَان، و الذِي ركَّز نظرَه على سيهُون الجَالس بتَباهٍ.
”مَاذا؟ مَا خَطبُكم ..!؟“ سيهُون تحدَّث، نبرَته كانَت عمِيقَة و تَعابِيره برِيئَة ، لَم يَعلَم لمَ كانُوا يتهَامسُون و نظرَات التَرقُّب بأعيُنهِم . ”آه لَا شَيء ، انتَ فَقَط ستَمُوت بَعدَ دقَائِق ..!“ ، ”ستُواجِه غضَب لُوهَان العَارِم..“ كيُونغسُو و بيكهيُون تحدَّثا، فهمَا اعلَم بصَديقِهما.
”اقتَرح أن تَركُض لغُرفتِك و تُغلقَ البَاب، لَكنَّه سيُحاوِل كَسرَه عَلى ايِّ حَال..“ ، ”احمِي رَأسَك ، يُمكِن ان يَقذِف اي شَيء على نَافذَتك ليَكسرَها ايضًا..“ مُجددًا همَا تَحدثَا و كَاي حدَّق بغرَابَة ، هل همَا جِديَّان حقًا؟.
حسنًا، هو لَم يَعلَم انَّهما يَبتسِمان بإستِمتَاع على ما يَحدُث ، غيرَ نادِمين على مبَالغتِهما في الأمر ، و لَم يَعلَم ايضًا انَّ لُوهَان مخِيفٌ عِندمَا يَغضَب لَكنَّه مُخيفٌ كقِطَّة؟ ، كلُّ ما سيَفعلُه هوَ الرَّكض و الصرَاخ، و ذلِك مُزعِج للغايَة.
”كيفَ أمكَنك؟“ نظَر لُوهَان بسَخطٍ و قَد كانَ صَدرُه يَعلُو و يَنزِل بسَببِ تَنفُّسه القوِي ، قَد بدَى عَلى استِعدَادٍ لكَسرِ رَأس الأصغَر دُون تَردُد.
”حسنًا أعتَذر . انتَ لَستَ سَمينًا ، جسمُك جَذَّاب و مُثير ، عليَّ الإعتِراف..! رَاضٍ؟“ لوَّح سيهُون بيَديه امَام وَجهِه مُعتذرًا ، يَأمل فقَط الَّا يسُوء الأمر فقَد كانَت هاتِه أوَّل مرَّة يرَى فيهَا لُوهَان غَاضبًا هكذَا .
في تِلك الأثنَاء، و بَينَما الجمِيعُ مُترقِّب لِما قَد يُقدِم لُوهَان علَى فِعلِه فقَد بدَى غَاضبًا كاللَّعنَة، صدَح صوتٌ غَريب.. كانَ عاليًا كفَايَة ليَجذِب انتِباه الجمِيع.
فُتحَت البَوابَة السَّودَاء العملَاقَة للمكَان مُصدِرة ضجِيجًا مَسمُوعًا لتَتخطَاهَا سيَّارَة سَودَاء ضَخمَة تَتبعُها عدَّة سيَاراتٍ سودَاء صغيرَة خلفَها، لتتَوقَّف علَى مَسافَة مُعتبَرة مِن البُحيرَة. هالَة مِن الخَوفِ احَاطَت بيكهيُون و هوَ يصبُّ كافَّة اهتِمامه على ما يحدُث أمَامه.
تَرجَّل عددٌ لَا يُحصَى مِن الرِجال ببَذلَاتٍ سَودَاء ليَركُضوا في الأرجَاء ثمُّ ليَصطُّفُوا كلُّ بجَانِب بعضٍ مُشكلِين خطًا طويلًا أمَام السيَارَة الكبِيرة البَارزَة.
لمَح بيكهيُون بابَ المَنزِل الذِي فُتحَ على مَصرعَيه لتَدلَف الفتَاة ذاتُ الملَامِح الأجنبيَّة خَارجًا تَمشِي بسُرعَة ناحيَة السيَارَة ، و بإمكانِه أن يحزِر مَا يَحدُث ، تشَانيُول قَد عادَ الى المَنزل.
رجلٌ بهَيئَة ضَخمَة فتَح بابَ السيَارَة ليَظهَر تشَانيُول مِن خلفِه، يمدُّ يدَه ليُساعِده على الخرُوج ثمَّ ليَرفَعه بخفَة يقُودُه نحوَ كرسيِّه المُتحرِّك الذِي دفَعتهُ الفتَاة امَامَه، ثمَّ لتَقفَ أمَامَه واضعَة غِطاءًا صُوفيًا علَى جُزءِه السُفلِي تُحادِثه مُبتسِمة و يردُّها تشَانيُول بإبتسَامَة لطِيفَة ثمَّ يهزُّ رَأسه فيَبدُو انَّهما يَحضيَان بمُحادَثة لَطيفَة . زفَر بيكهيُون علَى ما يرَاه ليَهزَّ رَأسَه بإنزِعاج ، هوَ لَم يشعُر بالرَّاحَة على الإطلَاق لذَا اشَاحَ بنظَره عَنهُما باحثًا عَن هَاتفِه.
رَبتَت علَى رَأسِه بخفَّة ثمَّ أشَارَت الى البُحيرَة، لتتَقدَّم الى جَانِب تشَانيُول الذِي حرَّك كرسِيَّه بجهَازِ التَّحكُّم خاصَته، يقُودُه حَيثُ يجلِس الفتيَة.
ابتَلع بيكهيُون بصُعوبَة عِندَما رفَع نظرَه ليَلمحَ الأطوَل و هوَ يقتَرب بسُرعَة حيثُ مكَان جلُوسِهم. قلبُه ركَض لأميَال و تَقريبًا فقَد انفَاسَه، يشعُر كمَا لَو أنَّه سيُغمَى علَيه في أيِّ لَحظَة.
هوَ و اللَّعنَة غيرُ مستَعدٍ بَعدُ لمُواجهَة تشَانيُول أو حتَى النَظرِ في عَينَيه ، حتَى تواجُده مَعهُ في ذاتِ المكَان بدَى غيرَ صَائبٍ ، مُتنَاسيًا فِكرَة مُحادثَة الأطوَل ليَرمِي بهَا لأبعَد نُقطَة في رَأسِه.
بيكهيُون حملَ هاتِفه مُستعدًا للمُغادَرة قبلَ أن يصلَ تشَانيُول فيَتعقَّد أمرُ مُغادرَته ، لكِنهُ شعَر بيدِ كيُونغسُو تُحكِم القَبض على خَاصَته تمنَعه مِن المغَادرَة. ”فلتَبقَى قليلًا بَعد..!“ حدَّثه بصَوتِه العَميق، و قَد بدَت نظَراتُه مُخيفَة اكثَر مِن مُترجِيَة، مُجبرَة بِيكهيُون علَى العَودَة للجلُوس ببُطء.
”مَرحبًا..!“ تشَانيُول تَحدَّث ، عِندَما أصبَح أمَام رفَاقِه بالقُربِ مِن البِركَة . ”ااه تشَانيُول .. مَرحبًا“ سِيهُون حيَّاه رَافعًا يدَه نَاحيَته ليُحرِّكها بخفَّة، بينمَا تبعَه البَقيَّة بتَحيَّتهم البَسيطَة ، و لُوهَان الذِي أجَّل مَوضُوع سِيهُون لوَقتٍ آخر جَلس بعدَ ان ضرَب كفَّ الأطوَل بكفِّه .
بينمَا ذُو الشَّعر الذَهبِي يجلِس بوَجهٍ فَارِغ و نظَره قَد وَجدَ أن البِركَة مُثيرَة للإهتِمام في تِلك اللَّحظَة . حَرفيًا يَشعُر برُوحِه قَد غَادَرت جسدَه و بأنفَاسِه تُغادِره دُون أن تَعُود.
كُل تِلك النَظرَات التِي يَمنحُها ايَاه جلِيس الكُرسي المُتحرِّك و التِي ترَاقبِه بتَمعُّن، مُحاولًا صُنع اتِّصال أعيُن مَعه ، دُون أن يُجدِي ذلِك نَفعًا . فالأقصَر مُصرٌ عَلى تجنُّب عينَي تشَانيُول التِي تَنظُر الَى بشَوقٍ مُميت، مُشيحًا بنَظرِه للجَانِب الآخر .
”كيفَ سَار مَوعِدك..؟“ سَأل سِيهُون مُستَفسرًا بقَلق ، يَجلِب كلَّ الأنظَار الَى الأطوَل مُنتَظرِينه ليَتكَلَّم . ”ايُّ تَطوُّرَات !؟“ أردَف مُجددًا ، و لَا يُمكِن لبِيكهيُون الإنكَار بأنَّ ذلِك الحَدِيث قَد أشعَل فُضولَه.
”جيِّد ، لَا تُوجَد حَقًا أي تَطوُّراتٍ لِكنِّي احَاوِل!!“ تَمتَم تشَانيُول ، صوتُه مُنخَفض و لَم تَخفَى علَى مسَامعِهم البَحة التِي ظهَرَت بِه، رَأسُه مُطأطَأ لأسفَل و تلَاعُبه بأصَابِه كَفيلٌ بإظهَار إحبَاطِه.
تَنفَّس بِيكهيُون بِعُمقٍ و هوَ يَستَمع بإِهتِمامٍ لتِلك المُحادَثة ، أي مَوعِد؟ و أيُّ نَوعٍ مِن المَواعِيد هوَ !؟ و مَالذِي جعَل تشَانيُول يَذهَب الَيه ؟ أكَان مَوعدًا غرَاميًا ؟ هَل وَالدَا تشَانيُول يُرسلَانِه بمَواعِيد الآن ؟ و قَد احضرَانِي لهُنا ليُرسلَا مُعارضَتهمَا الغيرَ مبَاشرَة لمَا كانَ بينَهما سَابقًا ؟..
بيكهيُون فكَّر ، و لَا يعلَم كيفَ تجمَّع ذلِك الكَم الهَائل مِن الأفكَار دَاخلَ رَأسِه في ثَوانٍ . هوَ علَى وشَك الإنفجَار ، يشعُر بأنَّ كل مَا يَحدُث غرِيبٌ و غيرُ مفهُوم ، و لَا يَعلَم حقًا ان كانَ الوَحيدَ الجَاهل هُنا.
”لَا تزَال لدَيك مَواعِيدُ أخرَى، سيَتحَسَّن الأمرُ مَع الوَقت!“ ابتَسم كاي بخِفَّة هازًا رَأسَه للأطوَل الذِي بَادَله الإبتِسَام، سعِيدًا بكَونِهما يُصبحَان أقرَب كسَابِق عَهدهِما مع الوَقت .
إستَقَام بِيكهيُون فَجأَة ليَلتَفت للرِفَاق، ”أنَا مُتعَب ، سأذهَب لغُرفتِي..!“ رمَى بكلَامِه ليُغادِر على الفَور، مُتجهًا صوبَ غُرفَته مُقرِّرا المُكوثَ بهَا لأطوَل وَقتٍ مُمكِن.
”يبدُو لطِيفًا عِندمَا يَكونُ مُنزعِجا..!“ الفتَاة تحدَّثت كاسرَة الصَّمت مُستخدِمن لَكنَة كُوريَة لَطيفَة ، ليبتَسمَ تشَانيُول بأسَى هَازًا رَأسَه ، بَعدَ أن مَسحَ علَى وَجهِ مدلِّكا ملَامِحه المُرهقَة ، هُو لَم يتوَقعَ بقَاء بيكهيُون في ذاتِ البُقعَة معَه ، مُؤكدٌ ذلِك يُشعِره بالضِيق .
”لَم تتنَاول الغدَاء؟ لَابدَّ انَّك جَائِع . لَكنَّنا لَم نترُك شَيئًا. للأسَف أنهَينَا كلَّ شَيء!“ لُوهَان تحدَّث بسُرعَة محَاولًا اظهَار اهتِمامِه بتشَانيُول ، يقِف مُتجهًا لطَاولَة الغدَاء، ليَعبِس عندَما لَم يجِد شَيئًا، هُم بالفِعل استَهلكُوا كل شَيء.
”لَا بَأس لَستُ جائعًا..!“ هُو أجَابَه نَافيًا بيَديه ، ليُردِف ”سَأرتَاح قلِيلًا فَأنا مُتعَب“ و بسُرعَة هو لفَّ كُرسِيه مُغادِرا . ”علَيكُم الدخُول أيضًا، الجوُّ سيُصبِح أبرَد فسَتمطِر اليَوم!“ قالَت الفتَاة لتَلحَق بتشَانيُول ، ليَهزَّ الجَالسُون رَؤُوسَهم، يُومِئون لبَعضِهم قبلَ ان يستَقيموا و يجمعُوا اغرَاضَهم ، مُتجهِين للمَنزِل.
🌿
تَقلَّب علَى الجَانِب الآخَر ليُقابِل سَاعَة الحَائِط الكَبيرَة التِي ترَاقَصت عقَاربِها ببُطء مُصدرَة اصوَات خَفيفَة كانَت مُزعجَة كاللَّعنة بالنِسبَة للصَبي الذِي يُحاوِل النَّوم مُنذ ثلَاثِ سَاعَات.
حرَّك سبَّابَته فَوق الملَاءة بدَوائِر ، مُقلبًا أنظَاره بينَ السَاعَة التِي تُشِير لتَمام السَاعَة الثَالثَة مسَاءًا و بَينَ الشُرفَة المَفتُوحَة التِي أظهَرت السَماء المَكسوَّة بغيُومٍ رَماديَّة . تِلك كانَت المرَّة التِي لَا يُمكِن أن يُحصِي عدَدها ، عِندمَا قرَّر بِيكهيُون نسيَان مَا يدُور في رَأسِه و اخرَاج تشَانيُول مِن عَقلِه، و الذِي بأسهَل الطُرق يعُود ليَقتَحمه.
لَم يَبدُو أن تشَانيُول خرجَ بمَوعِد ! بيكهيُون عقَد حَاجبَيه يحَاوِل ارضَاء فضُولِه ببَعض التَفسِيرَات . ربَّما الفتَاة التِي تَلتَصق بِه هيَ حبِيبَته! أو ربَّما زَوجتُه بالفِعل!؟ نظرًا للحَميميَّة التِي بينَهمَا . ارخَى عُقدَة حَاجبَيه ليُغمِض عَينَيه ، الأمر برُمتِه مُزعِج و محاولَة وضعِ اسبَاب و تفسِيرات لأفعَال الأطوَل تُرهِق عَقلَه، هَل تشَانيُول احضَره ليُثيرَ غيرَته ؟ .
ربَّما احضَره ليَعتذِر؟ يَمنحَه تفسِيرًا؟.. سلسِلة تحلِيلات بيكهيُون استَمرَّت دونَ توقُّف، كيفَ سيَحظَى بقلِيل مِن النَوم و هوَ على هاتِه الحَالَة؟
”تشَانيُول، لِم أحضَرتنِي الى هنَا!؟“ تَمتَم بينَ شفَتيه.
استَقام بِيكهيُون مِن إستِلقَائِه ليَجلِس مُقوسًا ظَهرَه، يُفكِّر في كونِه على بُعد خُطوَة مِن الرَّكضِ ناحيَة تشَانيُول و مُحادَثتِه ، لَم يَعد بإمكَانِه الإحتمَال.
وَقف و اتجَه ناحيَة البَاب يفتَحه ليَدلَف خَارجًا . انهَا أوَّل و آخِر فُرصَة لتشَانيُول ، يَمنحُها ايَاه ليُمنحَ التَّفسِير المُناسِب للَّعنة التِي بدَأت مُنذ اكثَر مِن اربَعِ سنَوات . نزلَ الدرَج بسُرعَة، مُتجهًا للطَّابق السُفلي بَاحثًا عَن تشَانيُول فِي ايِّ مَكان، و بسُهولَة هوَ وجَده، لَكن تَعابِيرُه تجهَّمت فَجأة ممَا يرَاه.
الفتَاة كانَت راكِعَة علَى احدَى رُكبتَيها ، تبسِط يدَيها على ركبتَي تشَانيُول الجَالِس على كُرسِيه أمَامهَا ، بإبتِسامَة سَعيدَة هيَ مدَّت يدَيهَا لتُربِّت على وَجنَته بعدَ أن مَسحَت بإبهَامها على عينِيه، و تشَانيُول أمَامها قَد هزَّ رَأسه بينمَا يُنزِل نظَره للأسفَل.
مسَّد بيكهيُون جَبينَه بحَنق، ليَبتسِم لسُخريَة القَدر. أحقًا فكَّر في أن تشَانيُول أحضرَه ليُحَاول اصلَاح ما افسَده بينَهما ؟ للأبَد هو غبِي و تَافه و سَيء في وضعِ الأعذارِ لأفعَال الأطوَل.
🌿
لَم تتمَالَك نَفسهَا عِندَما رَأت تعَابير وَجهِه المَصدُومَة و بيَده الهَاتِف، يَحصُل على أحدِ افضَع الأخبَار التِي تخصُّ شقِيقَه. لتَأخذ الهَاتف مِنه و تُحاوِل انهَاء المكَالَمة سرِيعًا ، و تَحتَضن جسدَه العِملاق بقُوة تُربِّت على ظَهرِه، بينَما إرتَجف بينَ ذراعَيهَا كَفتًا في العَاشرَة مِن عُمرِه .
”أكنتِ تَعلمِين؟! هَل حَاوَلتِي اخفَاء الأمرِ عنِّي ؟“ سَأل تشَانيُول و قَد بدَأت دمُوعُه بالإنهِمَار . ”لَم أشَأ إخبَارَك تشَانيُول ، لَم يَمرَّ وَقتٌ طَوِيل مُنذ-.. ، أعنِي أنتَ تَحتَاج للرَّاحة و اخبَارَك سيُسيء مِن حَالتِك النَّفسيَة !“ ، تنَهدَت بعُمقٍ و هِيَ تَدعَك جبِينَها بتَوتُّر ، لَم تتوَقَّع أن يتَّصلُوا مُجددًا بعدَما طَلبَت اخفَاء الأمر عَن تشَانيُول .
”لَكِن جُولِيا ، هُو ..!“ تشَانيُول تحدَّث، البَحَّة قد طغَت علَى صَوتِه الهَامِس. ”هُو شقِيقُك أعلَم!“ قاطَعته بصَوتٍ حنُونٍ و هيَ تَبتَعِد عَنه لتَجثُوَ عَلى رُكبتَيها أمَامَه.
”لَكن علَيه أَن يَحصُل على عقَابِه، و سيَكُون بِخيرٍ لذَا لَا تَقلَق..!“ طَمأنَته بينَما تمدَّ يدَها لتَمسَح البَلل اسفَل عَينَيه ، ثمَّ لتُربِّت على وَجنَته بخفَّة كطِفلٍ صغِير ، تَأمَل أن تُخفِّف عَنه و لَو قلِيلًا ، ليتَنفَّس تشَانيُول بعُمق.
”ماذَا عَنكِ ..؟!“ سَأل تشَانيُول و قَد شعَر بتَردُّدها في الإجابَة، عِندنَا بَاعدَت عَن شفَتيها مُستعدَّة للحدِيث لَكنَّها ترَاجعَت مُغلفَّة المَوقِف بإبتِسامَة مُصطَنعَة بوُضوح.
”سَأكُون بِخَير لَا تَقلَق؛ سَأنتَظرُه..!“ ، وكَم كَانَت سيئَة في اخفَاء مشَاعرِها التِي كانَت ظَاهرَة لتشَانيُول ، فَقد أفسَدت البَحة صَوتُها الجمِيل و أصَاب البَلل اسفَل عَينَيها ، و مهمَا حَاولَت كبحَ دمُوعَها هِي فضَحتهَا أمَام الفتَى الأصغَر ، و الذِي يَشعُر بألَمها الذِي يَفوقُ ألمَه بأَضعَاف.
”أمَّا أنتَ عزِيزِي .. فسَتصلِح الأمُور معَ فتَاك، و أنَا سَأساعِدك!!“ ، طَمأنَته لتَستَقيم مُعدلَة ثَوبَها الوَاسِع و الذِي يصِل لِرُكبتَيهَا ، و إبتِسامَتها لَم تُفارِق ملَامحَها الجمِيلَة تُضفِي بريقًا جَذَّابًا علَيها.
”و أعتقِدُ أنَّك تَستغرِق وقتًا أطوَل مِن اللَّازِم، و تَعمَل على ابعَادِه فَحَسب. فتًا بعِنادِه لَن يُعجبَه كَونُه الوَحيدَ الجَاهِل هنَا!“ بأكثَر النَبرَات اقنَاعًا اقتَرحَت على تشَانيُول الذِي هزَّ رَأسَه مُؤيدًا، فقَد بدَى كلَامهَا مَنطقيًا.
”لِم تُحادِثيننِي بالكُوريَة!؟“ تشَانيُول تسَاؤَل يَحصُل على انتِباهِها عَن هاتفِها الذِي بيَدهَا. ”أريدُ أن أجِيدَها، و التَحدُّث بِها مَع كُورِيين هيَ أفضَل طَرِيقَة لتَحسِينِها لذلِك فلتُحادِثنِي بالكُوريَّة فَقط“ فسَّرت و قد بدَت مُتحمِّسة لذَلك ، و تشَانيُول هزَّ رَأسَه بِتفهُّم.
”كمَا أن الفتَى بدَى جَاهلًا للُغة، و لَا يَبدُو انَّه يُحب ذلِك ..!“ تحدَّثت مُجددًا ليَرفعَ تشَانيُول نظَره الَيها ،يصُب كلَّ تركِيزهِ على حدِيثهَا . ”انتَ لَم ترَى وَجهَه عِندَما حدَّثته بالألمَانيَّة لِأوَّل مرَّة، لقَد كانَت تعَابيرُه مُضحكَة“ قَهقَهت بإِستِمتَاع و هي تَصفُ للأطوَل مَا حدَث مُظهرَة تعابِيرًا غريبَة علَى انَّها تعَابيرُ الأصغَر كمَا رَأتها و تشَانيُول ابتَسم بوُسع، سعِيدٌ بالحدِيث عَن بيكهيُون .
”أتَعلمِين ، بيكهيُون ذكيٌ جدًا. هوَ جيدٌا في العلُوم لكنَّه الأسوَء في اللغَات ، فمَهما حاوَلت تعلِيمَه لَا يَحتَفظ بأي مِنها في عَقلِه!“ حرَّك تشَانيُول يدَاه في الهوَاء يشرَح بسَعادَة لجُوليَا الوَاقفَة متَكتفَة أمَامَه ، سعيدَة بتَفاعُله اللطِيف معهَا و الذِي لَم يُبدِيه مِن قَبل .. فتشَانيُول يبدُو كطِفلٍ صغِير مُتحمِّس عِندَما يتَحدَّث عَن بِيكهيُون.
”لَقَد كُنت أغيضُه بالحدِيث بالألمَانيَّة، و كانَ دائمًا يغضَب و يقُوم برَميِ الأشيَـ-..!“ توقَّف تشَانيُول عنِ الحدِيث فِي تِلك اللَّحظَة عندَما صَدَح صوتُ اغلَاق البَاب بقُوَّة ليَلفَّ كرسَيَّه مواجهًا البَاب.
”اعتَقدُ انَّه بيكهيُون !! لقَد خرَج للتَو“ أشَارَت للبَاب بإستِغرَاب ثمَّ أعَادَت نظَرهَا لتشَانيُول الذِي فَقد حمَاسَه و ابتِسامَته ليُحدِّق بالبَاب قبلَ أن يُطَأطأ رَأسه .
”أتَذهَب الَى غُرفتِك أَم ..!“ ، ”سَأنتَظرُه هنَا حتَى يعُود ، سَأحَادثُه“ .
🌿
بِيكهيُون كانَ في الخَارِج لمدَّة تُعدُّ طويلَة و لَم تَكُن لَه نيَّة العودَة لذلِك المَنزِل ، هوَ استَمرَّ بالتَجوُّل مُستغلًا فُرصَة خرُوجِه لإستِكشَاف المَكان، مُحاولًا ايجَاد حدُودٍ لَه، كانَت تِلك فِكرَته الوَحيدَة التِي قَد تُخلِّصه مِن التَّفكِير فِي تشَانيُول و ألَاعيبِه.
الجَو كانَ جميلًا مسَاءا ، فغُروب الشَّمس الذِي بسَط ألوَانَه البنَفسجيَّة مع خلِيط مِن البُرتقالِي على السَّماء المُلبَّدة ، يَمنحَها مَنظرًا سَاحرًا و مُسرًا لأعيُن الفتَى الأشقَر .
لَكِن المَطر قَد بدَأ بالنُّزولِ فَجأَة مُخرِّبًا جَولَته ، يُرغِمه عَلى الرَّكضِ عَائدًا الى المَنزِل. جرَّ قدَماه مُحتَضنا جسدَه مِن نسمَات الهوَاء البَاردَة مسَاءًا. فقَد كانَ الجَو المسَائي مُحببًا لبِيكهيُون ، لكِنه عدوٌ لدُود للمَطر و الجوُّ البَارد قَد كانَ عَاملًا آخَر مُزعجًا لبيكهيُون الذِي خرَج بقمِيص أبيَض صيفِي خَفِيف ، فلَم يَكن بحُسبَانِه ان الجوَّ بهَذه البرُودَة مسَاءًا ،و لَم يَكن على علمِ بنُزول الأمطَار أيضًا ، و عِند هاتِه النُقطَة هوَ لعنَ حظَّه.
توَقَّف عَن الرَّكض عِندَما اتضَّح لَه المَنزِل ، لَكنَّه ارتَدَّ للخَلفِ بسُرعَة ، خشيَة أن يَلمَحه مَن يقبَع أمَام البَاب مُراقبًا المَطر بهيُام . تشَانيُول الذِي تَكوَّر دَاخِل الغِطاء الصُوفِي الذِي يلُفُّه مُتابعًا مرَاقبَته الهَائمَة بالمَطر و مَنظَر غرُوب الشَمس أسفَل ذرَّاتِه ، يقِف عندَ المَدخَل الرِئيس أسفَل السَّقف يَحمِي نَفسَه مِن المَطرِ و بنَفس الوَقت يُمتِّع عَينَيه.
فِي الحَقيقَة لَم تَكُن لَديه فِكرَة عَن وُجود بِيكهيُون في الخارِج حتَّى هذا الوَقت ، فقَد انتَظر عَودتَه لمُدة طَويلَة ليَعُود لغُرفَته بعدَ أن فقَد الأمَل . لَكنَّه خرجَ مُجددًا عِندَما لمَح ذرَّات المَطر التِي تَضرِب بنَوافِذ شُرفَة غُرفتِه ، ليَتحمَّس للخُروج و مرَاقبَة المَطر و التِي اكتَسبهَا كعَادة ، لحبِّه الشدِيد للجَوِّ الغَائِم . مُتأكدًا مِن أن بيكهيُون قَد عادَ لغُرفتِه الآن ، فهُو لَم ينسَى مُقتَ الأصغَر للمَطر و كُرهَه للتَبللِ به.
لَكن بِيكهيُون فِي الخَارِج الآن ، و لَم يَجِد مَكانًا ليَختَبئ فِيه مِن المَطر . كمَا أن العَودَة للدَاخِل كانَت فِكرَة سيئَة فَآخِر مَا يَرغَب بِه هوَ موَاجَهة تشَانيُول الآن .
كانَ لبِيكهيُون نصِيبٌ كافٍ مِن الحَظ السَيء ، فقَد تبَللَت ثيَابُه بالكَامِل و شَعرُه أيضًا ليَركُض في الأرجَاء كجَروٍ ضَائع ، يبحَث بِجدٍ عَن مكَان يقِي نفسَه بِه مِن المطَر الذِي اصبَح اكثَر غزَارَة ، ليُختتَم يَومُه السَيء بِتَعثُّره ليَسقُط في العُشب و استَاخ كافَّة ملَابسِه .
جلَس بِيكهيُون على العُشبِ اسفَل المَطر الذِي لَم يَرحَمه ، ليَعطِس بلَطافَة ثمَّ يحُك انفَه ، ثمَّ ليَتَخبط و يَركُل بقَدمَيه على الأرضِ و قَد رَاودَته رغبَة في البُكاء ، يشعُر بأنَّ كلَّ شَيء ضدُّه في هذَا العَالم حتَّى الطبِيعَة قررَت أن تُمطِر بعدَ أن خرَج مِن المَنزِل و بَعد أن أغلَق علَيه تشَانيُول طرِيق العَودَة الَيه.
مرَّت عِشرُون دقِيقَة مُنذُ ركَض بيكهيُون و اختَبأ اسفَل شجَرة قَد ظهَرت فَجأَة أمَامَه ، ليَركُلها بقُوة يعَاتبِها لأنَّها استَغرـقت وقتًا طوِيلًا لتَظهَر أمامَه . كانَ متعَبًا و مُرهَقًا ، يَتنهَّد بضِيق و هوَ يتَفحَّص مَلابِسه التِي أُفسِدت بالكَامِل ليَرفَع يدَه و يضَعهَا عَلى جبِينِه، مُتأكِّد مِن انَّه سيَمرَض و بِقوَّة ، فجَسدُه أضعَف مِن أن يكُون ضَعِيفا ، و هوَ يَكرَه ذلِك بشِدَّة .
وَقفَ ليَرفَع جَسدَه عَلى رُؤوسِ أصَابِعه يتَفقَّد مَدخَل المَنزِل الذِي كَان بَعيدًا نِسبيًا عَن مكَان جلُوسِه . و قَد قفَز بسَعادَة عِند لَم يَجد الأطوَل أمَامَه فتِلكَ فُرصَته لمُغادَرة المكَان و العودَة للدَاخل ، و بغَير تَردُّد هُو رَكضَ ناحِيَة المَنزِل متنَاسيًا تَعبَه.
🌿
”أينَ بِيكهيُون !؟“ ألقَى لُوهَان بإِستِفسَارِه بينَ تثَاؤباتِه المُتكَررَة ، عَلى الرِفاقِ المُتجمِّين أمَام التِلفَاز بعدَ أن لَاحَظ عدَم وجُوده عِندَما تقدَّم مِنهُم . يَجلِس بجَانِب كَاي الذِي يَعبَث بهَاتِفه و الذِي هزَّ رَأسه نَافيًا دُون أن يُبعِد عَينَيه عَن هَاتِفه . ”لَم أرَه مُنذُ دخَلنَا ..!“ تَحدَّث كيُونغسُو ليُومِئ سيهُون مُؤيِّدًا ، ”ولَا أنَا ، لَقد كنتُ نائمًا ..“.
”ربَّما في غُرفَتِه يُغلِق البَاب عَلى نَفسِه ، فقَد طَرقتُ البَاب قبلَ نزُولي و لَم يَفتَح ، لَكنِّي أخبَرتُه أنَّ العشَاء جَاهِز “ أجَاب كَاي مُشبِعًا فضُول الفِتيَة و مُخففًا مِن قَلقِهم ، ”أيَجدُر بِي تفَقدُه مُجددًا ؟“ أردَف مُجددًا عِندَما لَم يلقَى ردًا مِن الجَالسِين أمَامه. ”لَا علَيك.. هُو عنِيد و لَن يَستَمع لأحد!“ لوَّح لُوهَان نافيًا ليَجلِس كَاي بعدَ ان هزَّ رَأسه بخفَّة .
”العشَاء جَاهِز !“ صَاحَت جُوليَا مِن المَطبَخ لتَخرُج بعدَ ذلِك حَاملَة آخِر الأطبَاق، و التِي كَانَت عبَارَة عَن دجَاجَة كبِيرَة مَطبُوخَة ، بعدَ ان فَرغَت مِن تَحضِير الطَاولَة ليَجلِس الجَمِيع .
”أرِيد أكبَر قِطعَة ، أرجُوكِ نُونَا !؟“ تَرجَّى كَاي كَالأطفَال و هُو يَدفَع طبَقهُ أمَامَ جُوليَا بينَما يَحمِل شَوكَته فِي يَدِه مُستَعدًا لمُهاجمَة تِلك الدَّجاجَة بغَيرِ تَردُّد .
”أسرعِي بوَضع البَعضِ مِن أجلِه إنَّه يَمُوت !“ تَحدَّث سِيهُون سَاخرًا لتُقهقِه جُوليَا ثمَّ تهزَّ رَأسهَا، ”دَعنِي أبقِي القلِيل لتشَانيُول و بِيكهيُون ، بمَا أنَّ العنِيدَين يَرفضَان الخرُوج لتنَاوُل العشَاء!“.
🌿
أغمَض تشَانيُول عَينَيه سَامحًا للهَواء اللَّيلِي البَارِد بمُداعبَة وَجهِه و التَّخلُّلِ بينَ خلَات شعرِه الأسوَد الطَّويل ، علَى الرَّغمِ مِن تَوقُّف المَطر الَّا أنَّ الهوَاء قَد كانَ قَويًا و بَاردًا ، الَّا أن تشَانيُول يُحبَّ ذلِك ، يحِب فتحَ بابِ شُرفَته و الجُلوس عِندهَا بملَابِس غَيرِ ثقيلَة ، و لَا يمَانِع حتَّى إن مَرض بِسببِ ذلِك .
تِلك الأصابِع الخشِنة التِي تَحتَضن السجَارة تحرَّكت نحوَ فَمه لتَضعهَا بينَ ثُخن شفَتيه، ينهِي ما تَبقَّى منهَا ليُكوِّر شفَتَيه سَامحًا للدُّخان بالخُروجِ علَى شَكل دوَائر ، ليدَهسَها على الصَّحن المُخصصِ لهَا و المَوضُوع على الطَّاولَة بجَانبِه قبلَ أن يَضغَط عَلى جهَاز التَّحكُّم الخَاص بكُرسيَه المُتحرِّك ليَستدِير عَائدًا للدَاخِل ثمَّ للخُروجِ مِن غُرفتِه مُتجهًا نحوَ المَطبَخ علَّه يروِي عطشَه بكُوب مَاء.
أعَاد الكُوب للطَاولَة بَعدَ أَن أنهَى مُحتَواهُ دُفعَة وَاحدَة ، عِندَما سمِعَ صَوتًا غرِيبًا قَادمًا مِن الدَّرج ليَتقدَّم بحذَرٍ ناحيَته .
”مَاء..!“ تشَانيُول قَد سمِع ذلِك معَ اقتِرابِه على الرَغمِ مِن انَّ الصَوتَ قَد كَانَ خَافتًا ، و لَم يَكن صوتًا غريبًا على مَسامِعه إطلَاقًا . الأنِين الذِي صَاحَب ذلِك جعَله يُسرِع للوُصولِ للمكَان ، عندَما وجدَ الفتَى مُلقًا عَلى الأرضِيَّة البَاردَة ليَظنَّه مُغمًا علَيه قبلَ أن يتَحرّك ببُطء محَاولًا الوُقوفَ لكِن دونَ أن يَنجَح.
و كردَّة فِعلٍّ طبِيعيَّة بالنِسبَة لتشَانيُول الذِي يرَى فتَاه و هوَ يُكافِح ليَقفِ قبلَ أن يَهوِي جَسدُه عَلى الأرضِ مُجددًا ، في ظلِّ صَدمَتِه هوَ القَى بجَسدِه علَى الأرضِ ليَدفَع الكُرسَي ثمَّ يزَحف مُقترِبًا مِن بِيكهيُون ، ليَحتَضنَه بَينَ ذرَاعَيه و يرَفعَ وجَهه بيدِه ثمَّ يَبدَأ بصَفعِه بخفَّة ، ”بِيكهيُون .. بِيكهيُون ، ما خَطبُك ؟ إستَيقِظ أرجُوك !!“ .
”إلهِي..!“ تَيبَّست أطرَاف تشَانيُول عِندمَا أحسَّ بإِرتِجَاف جَسدِ بيكهيُون ضدَّ خَاصتِه ، و الذِي كانَ يتَمتِم بكلِماتٍ غيرِ مفهُومَة. ”بَارِد!!“ تشَانيُول إستَطاع فَهمَ تلكَ الكلِمة بأعجُوبَة بعدَ أن إقتَربَ مِنه بِيكهيُون و لَفَّ ذرَاعَيه حَولَ جذعِه ليَدفِن وجهَه داخِل بطنِ الأطوَل.
تشَانيُول حزَر سرِيعًا أنَّ الأصغَر مُصابٌ بنَزلَة بَرد و هَاهوَ الآن مُلقَى بَينَ أحضَانِه بكلِّ هدُوء ، فهُو بالتَّأكيدِ لَا يَعي مَا يَحدُث حَولَه . و بسُرعَة هُو التَقطَ هَاتفَه مِن جَيبِه ليَتصِل بأحدِ الفتيَة كحَلٍ سرِيع، يجبُ نقلُه للمَشفَى حالًا ، و أوَّل رَقمٍ صادَفه كانَ سيهُون .
”أصمُد قلِيلًا هيُون ، سَنأخذُك للمَشفَى!“ ربَّت تشَانيُول على رَأسِه بينَما يدُه الأخرَى تَضغَط مجَددًا عَلى شَاشَة الهَاتِف تعَاوِد الإتصَال بالشَّاحِب عِندَما تَحرَّك الأصغَر داخِل أحضَانِه هازًا رَأسه ضدَّ صَدرِه. ”لا لُوهَان.. لُوهَان لَا تَأخُذنِي للمَشفَى!“ تحدَّث الصبيّ ليُحكِم العنَاق على جَسدِ الأطوَل قبلَ أن يفقِد الوَعي.
🌿
فُتحَ بابُ الغُرفَة فَجأَة ليَلفَت إنتبَاه جمِيع مَن يقبَع خَارِج غُرفَة تشَانيُول، يَدلَف خَارجِها الطبِيبُ و هوَ يُمسِك حقِيبَته ليَقتَربَ مِنه تشَانيُول قبلَ ان يبدَأ بالحدِيث بلغَة جَهلَها البَقيَّة ، يُمكِن ان يَحزرُوا أن مَن أمَامهُم يتَناقشُون باللَّغة الألمَانيَة.
عِندَما انحَنى الطَبِيب و غَادرَ ، دخَل تشَانيُول ليَلحَق بِه البقيَّة ، مُتجمِّعينَ حولَ السَرِير الضَخمِ الذِي يتوَسطُه بِيكهيُون بجسَدِه الضَئِيل و وَجهِه الأبيَض الشَّاحِب . ”قالَ الطبِيب أنَّه سيَكونُ بِخَير، علَيه فقَط أن يحضَى ببَعضِ الرَّاحَة و يتنَاولَ دوَاءه!!“ تحدَّث تشانيُول دونَ أن تغَادر عينَاه وجهَ الأصغَر بينمَا يمسِك بيدُه بين خَاصَتيه بإحكَام .
”هذَا مرِيح..!“ جَلسَ لُوهَان عَلى حَافَة السَرِير و ربَّت عَلى خدِّ بِيكهيُون بَعد أن حدَّق طوِيلًا بوَجهِه . ”سأقُوم بتَجهِيز الغُرفَة المُجاورَة لأجلِ بيكهيُون، سَأهتَم بِه ، يجِب أن تَرتَاح !“ تَحدَّثت جُوليَا مُربِّتة على كتفِ تشَانيُول الذِي هزَّ رأسَه نَافيًا سرِيعًا ، عَينَاه ما تزَال على الأصغَر ”دَعِيه يَبقَى هنَا ، سَأبقَى مَعه!“.
هزَّت جُوليَا رَأسَها بقِلَّة حِيلَة ، لتَدلَف خَارجًا أولًا فيمَا يلحَق بهَا البَقيَّة، ”شُكرًا لَك .. سِيهُون!“ تَحدَّث تشَانيُول مُستَوقفًا سِيهُون الذِي كانَ علَى وَشكِ الخُروج ، ليَبتَسم هازًا رَأسه بتَفهُّم ، ”اتَّصل بِي ان احتَجتَ شَيئًا!“.
”مُتأكِّد مِن أنَّك لَا تَحتَاج مَن يسَاعدُك في تَغيِير ملَابِسه ؟“ استَفسَر سِيهُون بطِيبِ نيَّة لكِن تشَانيُول ابقَى علَى رَفضِه ، ”لَا حَاجَة لذَلِك!“.
🌿
نِصفُ سَاعَة مِن الزَّمن مرَّت ، و تشَانيُول يجلِس بظَهرٍ مُقوسٍ علَى كُرسيِّه أمَام السَرِير ، مُمسكًا بقَبضَة بِيكهيُون الصغِيرَة بَين يدَيه و جبِينُه علَيهِما . يُلقِي بنَظرِه علَى القَميصِ الكَبير خَاصتَه المُرمَى علَى الكُرسِي أمَامَه ، و الذِي مِن المُفتَرض أن يرتَدِيه بِيكهيُون الآن بدَل الثيَاب الثَقيلَة التِي ارتدَاها سابقًا .
بِيكهيُون لَم يُبدِي أيَّ تَحرُّك سوَى بعضِ نَوبَات السُّعال التِي تأتِيه بُغتَة ، تَجعلُه ينتَفض و كَأنَّها تَقتُله ، و قَد كانَ ذلِك مُقلقًا لحدِّ المَوتِ بالنسبَة لتشَانيُول الذِي لَم يقَع في حالَة كهذِه ، لَا سيَما و أن مَن أمامَه ليسَ أي شَخص إنمَّا أعزُّ شَخص قَد بقِي لدَيه .
الوَقتُ يمرُّ و تشَانيُول مَا يزَال في وَضعيَّته ، فقَط يُحدِّق ببِيكهيُون بتِيه ، غيرَ قادرٍ على الإقدَام علَى تجرِيدِه مِن ملَابسِه، بعدَ ان طلبَ مِنه الطبِيب تَغييرَ ملَابِس المَريضِ لأخرَى خفِيفَة . فِي كلِّ مرَّة يحَاوِل ابعَاد الغِطاء عَن الصبِي سيُعيدُه في الثَانيَة التَّاليَة ليُشيحَ بنَظرِه بَعد ذلِك .
”حرَارتُه لَم تَنخَفِض!!“ حدَّث تشَانيُول نَفسَه بعدَ ان انتزَع الخَرقَة مِن على جبِين الأصغَر و وَضع كفَّه علَيه يستَشعِر حرَارَته ليتَفَآجأ بإرتِفَاعها . عِند تلكَ اللحظَة هوَ استَجمَع شجَاعَته و ابعَد الغطَاء بسُرعَة . بغَير تردُّد يجرِّده مِن الأقمصَة ، فبِيكهيُون قَد ارتَدى اكثَر ممَا تَوقَّع تشَانيُول.
انتَهى أخيرًا ليَقتَربُ مُحاولًا البَاسَه القَميص العرِيضَ خَاصتَه ليمسِك بنطَالَه القُطنِي مُتأملًا ألَّا يَكونَ قَد ارتَدَى اكثَر مِن وَاحِد ، يسحَبُه لأَسفَل مُحاولًا انتِزاعَه بصُعوبَة .
تَسطَّح بِيكهيُون أمَام تشَانيُول، و لَا يَستُر جَسدَه سِوَى قطعَة وَاحدَة مِن الملَابس، قَميصٌ يصِل لمُنتَصف فَخذَيه لَا يُخفِي شَيئًا مِن سَاقَيه. حَاولَ تشَانيُول اشَاحَة نَظرِه مرَّاتٍ عدَّة، لكِن يدُه التِي تُحاوِل اعَادَة الغطَاء على بيكهيُون تتيَبَّس عِند اقترَابِها مِنه.
أرَاد صَفعَ نَفسِه لِأنَّه يَستَحِق، كَيف لَه أن يُفكِّر بهَاتِه الطرِيقَة و مَن امَامَه يصَارِع المَرض، بينمَا عينَاه تُحاوِل اِمتَاعَه بشُحوبِ بَشرَة بيكهيُون التِي أمَامَه . لَكِن كيفَ يُمكِنه إيقَاف تضَارُب قلبِه، كيفَ يُمكِنه ايقَاف مشَاعرِه الهَائجَة ، إشتِياقِه و رغبَته العَارمَة بإِحتِضان الأصغَر و تَقبِيل كلِّ انشٍ مِنه ، هوَ حتَى لَا يُصدِّق أنَّه يرَى بِيكهيُون أمَامه دونَ ان يَهرُب مِنه أو يتَصرَّف بلُؤمٍ معَه.
بغَيرِ وعَيٍ هوَ وجدَ نفسَه يَرفعَ جَسدَه بذرَاعَيه ليَقتَرب مِن بِيكهيُون ، يَطبِع قبلَات متَفرقَة على عريِ سَاقَيه ليَرفعَ الغطَاء بعدَ ذلِك عَلى جَسدِ الأصغَر ، ثمُّ يعُود لنَزعِ الخَرقَة التِي عَلى جبِينِه يعِيد تَجدِيد بلَلهَا ثمَّ يضَعنَا عَلى جبِين الأصغَر مُجددًا. ثمَّ يُمسِك بيَده بينَ خَاصتِه و يضعَ رَأسَه علَيها، باقيًا علَى تِلك الحَالَة.
سَاعَة.. سَاعتَان، و بِيكهيُون عَلى حالِه، لَم يتَحرَّك او تَصدُر عَنه أيُّ ردَّة فِعل . تشَانيُول لَم يسمَح لجَفنَيه بالإلتِقاء لثَانيَة ، مُستَغرقًا بمُراقبَة الأصغَر المُستَلقِي عَلى ظَهرِه و درَجة حرَارَته انخَفضَت للعَادِي ، بينمَا ما يزَال يسعُل بينَ الحِين و الآخر.
بَينمَا تشَانيُول يَضعُ رَأسه عَلى حَافَّة السَرِير مُمسكَا بيدِ الأصغَر ، هُو أحسَّ بالفَراغِ يحَاوِط يدَيه بعدَ ذلِك لينتَفضَ بذُعر، بِيكهيُون يستَرجِع وَعيَه ؟ التَفكِير فِي ردَّة فِعلِه الآتيَة أرعَبه . ”تشَان-.. تشَـ-..!“ تمتَم بيكهيُون بكلِماتٍ غَيرِ مَفهُومة ، لَكِن بدَى وَاضحًا لتشَانيُول أنَّ الأصغَر ينَادِي بإِسمِه لَا غَير .
تحرَّك الأصغَر كثيرًا بِذاتِ بقعَته، يهَمهِم تارَة بِكلِمات غيرِ مفهُومة و تارَة أخرَى بإسمِ تشَانيُول. فيمَا تشانيُول يجلِس مُتكتِّفا أمَامه بإستِغرَاب ، هُو لَم يستَرجِع وَعيَه لَكنَّه يُهذِي بينَما يتقَلَّب بمكَانِه بدَل ذلِك . ”لَا ، لَا تَر-..“ صمَت قبلَ أن ينهِي كلمَته ليَإن أثنَاء تَحرُّكه للجَانِب ليَنَام على يمِينِه ، مُقابلًا الأطوَل الذِي تصنمَ لدَى فِعلتِه ، ليُعودَ لنَومِه .
لَم يَكُن بإمكَان تشَانيُول سوَى إشبَاع عَينَيه و قَلبِه بجَمال النَائِم أمَامِه، و بِهدُوء اتَكَأ على طرَف السرِير بكَوعَيه يَضعَ وَجههُ أمَام خاصَة الأصغَر المُستَغرِق في النَومِ و الغيرِ مُدرِك لمَا حَولَه.
يَختصِر مَا يفصِل بينَ وجهَيهِما مِن إنشَاتٍ لتتَلَامَس أنوفُهما بحمِيميَة و ليَشعُر الأطوَل بأنفَاس النَائم الحَارة، ”أتمنَى لَو بطرِيقَة مَا أسلُبُك مرَضك.. لَا أرِيدُك ان تَمرَض بأيِّ طرِيقَة! دَعنِي أخُذه بدلًا عَنك“ همَس تشَانيُول امَام شفَاه الأصغَر قبلَ أن يطبَق ثخِينتَيه على شفَاه بيكهيُون الصغيرَة .
دَاعبَها بلُطفٍ مُستَشعِرة حلَاوة لُعاب الأصغَر الدَافِئ الذِي غلَّف شفَاهَه الحمرَاء بِسبَب المَرض ، يمتَصُّ بالتَّناوُب العلوِية بعدَ السُفليَّة ، آخذًا القيَادَة منذُ أن الأصغَر تَقريبًا غَائبٌ عَن الوَعي و تشَانيُول احبَّ ذلِك نوعًا ما ، فلَم يَكن ليتَمكنَ من ذلِك ان كانَ بيكهيُون بكامِل وَعيِه ، هوَ سيُبرحُه ضربًا دُون رحمَة.
إقتَحمَ تشَانيُول جَوفَ بِيكهيُون ، يلُف لسانَه حولَ لسَان الأصغَر ليدَاعبَه بلُطفٍ قبلَ ان ينسَحبَ مِن القبلَة بعدَ ان طبعَ قبلَة طوِيلَة على شفَاه الآخر ثمَّ قبلَة سطحِيَّة على فكِّه، ليَبتعِد مُستَرجعًا أنفَاسَه.
🍃
جفَل بِيكهيُون عدَّة مرَّات قبلَ أن يفتَح عَينَيه ببُطء، حدَّق بالسَّقفِ مدَّة من الزَمن ليُقيمَ ظهرَه مُحاولًا الإستقَامَة ، مُمسكًا برَأسِه الذِي هَاجمَه صدَاع ، و للتوِ لاحَظ الخَرقَة التِي سَقطَت مِن علَى جبينِه.
جلَس علَى طرفِ السَرِير مدلِّكا عُنقَه ، يشعُر بوَهنٍ غرِيب بقدَميه و تعبٍ يَمنعُه مِن الحرَاك ، و رغبَة عَارمَة بتَرويَة حَلقِه، عطشٌ ممِيت. عِندَما حاوَل الوُقوفَ أمَام المِرآة الطوِيلَة القريبَة مِن السرِير ، توَسعَت عَينَاهُ بصَدمَة عِندَما رأَى عرِي سَاقَيه بسَبب القَمِيص العرِيض الذِي يَصلِ لمُنتَصف فَخذَيه ، و الذِي مَال على أحدِ الجوَانِب مظهرًا احدَ اكتَافِه و عظَمن تَرقوَته لكِبر حَجمِه .
ذلِك اللبَاس الفَاضِح .. القَميص ، الشَيء الوَحِيد الذِي يقِي جسَد بيكهيُون الضَئيل، بدَت رَائحَته مَألُوفة لَم تتغَير لأكثَر مِن أربَع سنَوات ، و إن امعَن النَّظر فيُمكِنه أن يَرى إحمِرار شفَتيه و إنتِفاخهَا و مدَى تضَررهَا ، و شَيء وَاحِد قَد طرَأ بعَقلِه و بالتَّأكيد لَم يَكن ذلِك جيدًا البَتَّة.
لمَح بيكهيُون ملَابسَه المُرتبَة على الكُرسِي أمَام سرِيرِه قبلَ أن يلتَقط البنطَال القُطنِي يرتدِيه سَريعًا، ثمَّ يُغيِّر القَميصَ ليَرتَدي خَاصتَه بدلًا عَنه و يَخرجَ سَرِيعًا مِن الغُرفَة الغريبَة التِي وجَد نَفسَه بهَا مُتجهًا للمَطبَخ أولًا، يروِي عطَشه قبلَ كلِّ شَيء ، فحَلقُه يؤلِمُه كاللَّعنَة .
وضَع الكُوب جانبًا بَعد أن شرِب مُحتوَاه، عِندَما سَمع صوتَ التِلفَاز الذِي كانَ مُرتَفعًا، و بفضُول اقتَرب مُتمنيًا أن يَجد تشَانيُول هنَاك.. مُخططًا لمُعاتبَته. تركَ المَطبَخ مُتجهًا لمَصدَر الصَوت، غرفَة المَعيشَة حيثُ البَاب مَفتُوح ، يُمكِنه سمَاع الصَوت بوُضوح، كَانت اللُّغة كوريَة ، لذَا لَا مجَال لبيكهيُون الَّا يفهَم مَا يحصُل .
يمكِنه سمَاع الكلَام الغَرِيب الذِي يُبثُّ ليَدخُل الغُرفَة بخُطًا بطِيئَة ، و تشَانيُول كانَ هنَاك فعلًا لكِن مَع رفقَة ، الفتَاة ذاتُ الملَامِح الحَادة تقفُ لجَانِب تشانيُول بَينمَا يُحدِّق كلَاهمَا بالتِّلفَاز بتَركيز . و شَخصٌ ثَالِث ، رجُل كَهل بشَعرٍ أسوَد مَع خصلَات بَيضَاء و وجهٍ شابٍ بالرَغمِ مِن ذلِك و بيكهيُون تَعرَّف عَليه بسُهولَة ، السيَّد لِي .. طبعًا ، استَاذ تشَانيُول و صدِيق والدِه المُقرَّب ، أقرَب شَخصٍ لتشَانيُول بعدَ والدَيه و شقِيقِه .
وقفَ الرَّجل بوَجهٍ باردٍ و ملَامِح جَادَّة يحدِّق بالتّلفَاز مُتكَتفًا ، بينمَا بدَت الفتَاة متَوترَّة فقَد كَانَت تَنقُل نَظرَها بينَ وجهِ تشَانيُول الشَّاحِب و بينَ التِّلفَاز، فيمَا بدَى تشَانيُول مُحطمًا بوَجههِ المَريضِ الأبيضِ بشَكلٍ مُبالَغ فِيه ، و ان أمعَن بِيكهيُون النَّظَر فسيَتمكَّن مِن رُؤية إرتِجافِ جهَاز التَحكُّم بينَ يدَي الأطوَل و اهتِزَاز كتفَيه، هوَ حتَّى رَآه يَمسَح عَينَيه.
”.. الإِبن الأكبَر لعَائلَة بَارك المَرمُوقَة بَينَ قَبضتَي الشُرطَة أخِيرًا ..-!“.
”مَجمُوعَة بَارك تَكشِف أخيرًا عَن الخَبر الصَادِم، السَببُ ورَاء اختِفَاء عائلَة بَارك لأكثَر مِن أربَع سنَوات!“.
”حتَّى الآن ، لَم يَشهَد أي ظهُورٍ للإبنُ الأصغَر حَاليًا ، السيِّد لي المُدِير التَّنفِيذِي و الرَئِيس المُستقبلِي لمَجمُوعَة بَارك سيَحضُر مُؤتمَر الغَد الذِي سيُعقَد في الشَّركَة الرَّئسيَّة ، لَم يتَم تأكِيد حضُور الإبنِ الأصغَر بَارك!“
”الإبن الأكبَر المَدعُو ش.ه ، المُتهَّم بالتَسبُّب بمَقتَل والدَيه قَبل مَا يقَارِب الأربَع سنوَاتٍ و نِصف ..! و المُشتبَه في قضيَّة اختِطافِ و تَعذِيبِ الإبـ-..“.
ضغَط تشَانيُول علَى ازرَارِ جِهازِ التَحكُّم بيدٍ مُرتجِفَة ليَرميَه ، ثمَّ يَخفِض رَأسَه و يُخفِي وجهَه بينَ اكفَاف يَديه لتَبدَأ كتفَاه بالإهتزَاز و يخرُج صوتُه مَكتُوما ، ”كانَ مِن المُفتَرض أن يبقَى المَوضُوع بَعيدًا عَن وَسائِل الإعلَام، الأمرُ خَارِج السَّيطرَة الآن!!“ .
صَوتُ تشَانيُول كَانَ مُهتزًا ، خَافتًا يُوشِك علَى الإختِفَاء بينَ دمُوعِه التِي انهَمرَت بقِلَّة حيلَة علَى الرَغمِ مِن محاولَاتِه لكَبحهَا و التحَليِ بالقُوة. علَى مَن يَكذِب بمُحاولَاتِه للظهُور بشَكل نَاضِج و قَوي ، فِفي تِلك اللَّحظَة هوَ بدَى كفتًا في الرَّابعَة قَد أوقَع مُثلجَانه و بدَأ بالنَّحيب ، لكِن الأمُور هنَا أضخَم من تُقارَن بقِطعَة مثلَّجات فتشَانيُول يرَى شقِيقَه الأكبَر و هوَ على وشَك أن يُجزَّ في السِّجن و يتعَفَّن فِيه.
”تشَانيُول..!“ نَادَى السيِّد لِي بعدَ أن جثَى على رُكبتَيه امَامَه مُحتضنًا رُكبتَي الأصغَر . ”تشَانيُول ، انظُر الَي ..!“ حَاولَ مرَارًا جَعلَ تشَانيُول يرفَع رَأسه ليُقابلَه لَكِنَّه كانَ مُحطمًا للغَايَة ليُواجِهه فِي حَالَة كتِلك.
”تمَاسَك أرجُوك، أنتَ الوَحيدُ الذِي تبقَّى و لَا ارِيد خسَارتَك أيضًا..!“ تحدَّث السيِّد لِي مُربّتًا علَى ركبَةِ تشَانيُول محَاولًا جلبَ انتبِاهِه، ليَرفعَ رَأسه قليلًا و يَنظُر في عَينَي مُعلِّمه بإنكِسار بَينمـا يتَنفَّس بصُعوبَة.
”لِأجل يُورا، يَجِب أن تَبقَى قَويًا.. أنتَ كلُّ ما تَبقَّى لهَا !“ حدَّثه مُجددًا بعدَ أن إستقَام، يضعَ يدَه علَى كتِفه. ”سنُحضرِها قرِيبًا، و سَأحرِص عَلى أن اجلِبهَا بنَفسِي.. !“ ، هوَ ابتَسم في نهايَة حدِيثِه ليُربِّت على كتِفه مُبتعدًا، مُقتربًا مِن جُوليا.. يحادِثها بخفُوت ، ”مكَان تشَانيُول يَجب أن يَبقَى سريًا ، علَيك الحذَر! لَا يَجب أن يَصل ذلِك للصَّحافَة “ .
”امنَعي وصُول الجَرائِد لهذَا المَنزِل..!“ قالَ الأطوَل بَعد أن لفَّ كُرسيَه ليُقابل جُوليَا مُخاطبًا ايَّاها ، بَعد أن مسَح دمُوعَه و أخذَ نفسًا عَميقًا ليُكمِل ، ”مِن الأحسَن ايقَاف شبَكة الإنتِرنِت أيضًا. لَا أرِيد لِأحدٍ أن يعلَم فِي الوَقت الحَالي..“.
نَظرَت جُوليَا للسيِّد لِي قبلَ أن تُجيب ”سأمنَع وُصولَ الجرَائد لكِن الإنتِرنت.. سيَكونُ صعبًا!!“ . ”فلتَفعلِي .. أرجُوكِي، مهمَا حصَل!“.
هزَّت جُوليَا رَأسهَا بذُعرٍ لتَنظُر للسيِّد لي مُجددًا، تَجدُه يهزُّ رَأسَه مُأييدًا. ”إفعَلي ايًا ممَا يطلُبه مِنك..!“ . هزَّ رَأسه أخيرًا ليُشابِك يدَيه امَامه ، ”تشَانيُول، عليَّ المُغادرَة لكُوريَا بعدَ ساعَة، فلتَـعتنِي بنَفسِك و بضُيوفِك . لَا تشغَل بَالك ، سَأعتَني بكلِّ شَيء لذَا خُذ قسطًا مِن الرَّاحة“ قبلَ أن يَنحنِي و يُغادِر..
اعَاد تشَانيُول رَأسه للخَلف بعدَ ان تُرك وحيدًا، جوليَا غادَرت لتَهتَم بأمر الجرَائد و السيدُ لي ليَهتم بأمور الشركَة و الفَوضَى التي عَمت بعدَ أن وصلَ الخبَر الى الإِعلَام. بعثَر غرَّة شعرَه لتَنزِل مُخفيَة عيُونَه، أجَل هُو اخفَى عيُونه حتَى يسمَح لدُموعِه بالإنهمَار مُجددًا دونَ أن يرَاه اي احَد.
بِيكهيُون يَجلِس خَلفَ البَاب ، بظَهرٍ مُقوَّس ضامًا رَكبَتيه لصَدرِه، بينمَا كفَّاه يغَطيَا فَاهه المَفتُوح بصَدمَة يُحاوِل كتمَ شهقَاتِه التِي تُهددُ بالخُروج فَتفضَحه. نظَره باتَ مُشوَّش و عيُونُه الحسَّاسَة التِي تسرَّب الدُموعَ قَد أصَابهَا الإحمرَار و بدَأت بإِيلَامِه بالفِعل.
أجَل هَو بَكى كثِيرًا ، يَجلِس خلفَ ذلِك البَاب مُنذ نصفِ ساعَة لَم يتَوقَّف فيهَا للَحظَة عَن البُكاء، كيفَ سيَتوقَّف ؟ و هوَ قَد حَصلَ عَلى الكَم الهَائِل مِن المَعلُومَات فِي فَترَة قَصيرَة ، كل ذلِك الذِي يسحَبه لذكريَات السنوَات التِي مَضت بدُون تشَانيُول. كلُّ تِلكَ المعلُومَات التِي تمنَحه خيطًا ضئيلًا مِن نُور، يدُلُّه الى التَّفسِير الذِي انتَظره، و الذِي يستَحقُّه.. لسنوَات.
وَخزٌ مؤلِم يسَار صَدرِه ، هو طَبطَب بخفَّة علَيه بقَبضَته الصغيرَة بينمَا يدُه الأخرى تغلقُ فمهُ بإحكَام، يحَاول الوُقوف و الإتكَاء بجَسدِه المُرتجِف على الحَائِط، قبلَ ان يخطُو على السلَالِم بسُرعَة، يُكافِح للوُصول للطَابِق الأول .
انفَاسه انقَطعَت بينمَا يطرُق بَاب غُرفَة سِيهُون بصَخب ، يَمسح دُموعَه التِي لَا تتوَقفُ عن النزُول ليَطرُق مُجددًا و مجَددًا، لَكن بدَى أن سِيهُون ليسَ بغُرفتِه، اينَ هو بحَق اللَّعنة ؟ .
لَم يمتَلك خيَارًا آخر، سوَى التَوجُه لغُرفَة كَاي. لَا حلَّ أمامَه سوَى كاي، يجِب علَيه مَعرفَة القصَّة كاملَة من احدِ صدِيقَيه فلَا جُرأة لدَيه ليَعرِف مِن صَاحِب القصَّة. هوَ طرقَ البَاب بصخَب بكلتَا يدَيه، ”كَاي، ارجُوك .... إ-إفتَح...!“ بصَوتٍ خَافِت هو همَس فلَا طَاقَة لدَيه للحَديث، هوَ هنا ليَسمَع فقَط.
ثوانٍ حتَى فتحَ كاي البَاب و بصَدمَة هوَ تركَ المِقبضَ عندَها تمَّ دفعُه بعيدًا مِن قبلِ بيكهيُون الذِي هَمَّ بالدُخولِ ليتَوسَّط الغُرفَة، كاي نظرَ نحوَه بصَدمَة يرَى وجهَه الذِي بدَى مُتعبًا و عيُونَه الحمرَاء و المُنتفخَة و أرنبَة أنفِه الحَمراء ليُغلِق البَاب بهدُوء مُحاولًا الإقترَاب مِن بِيكهيُون.
”أخبِرنِي مَا حدَث حالًا..“ صوتُ بيكهيُون الذِي خرَج بشَكل صَاخِب اوقَفه عَن التَقدُّم، هُو لَم يفهَم ما قَصدُ بيكهيُون، فحَسبمَا يَذكُر هوَ لَم يفعَل أيَّ شَيء خَاطئٍ له.
”مَاذَا تَقصِـ-..!“ سَأل كَاي بصَدمَة ، يحَاوِل الإقترَاب مِن بِيكهيُون بغَايَة تَهدِئته فقَد كان فقَط واقِفًا وسَط الغُرفَة يسمَح بذرَاعَيه بالتدَلي لأسفَل بينمَا تَهتزُّ كتفَاه وسطَ بكَائِه ، يحَدقُ بوَجه خَامل و شَاحِب .
”تشَانيُول ..!“ جفلَ كَاي مبتَعدًا للخَلف عِندمَا صرَخ بصَوتٍ عَالٍ ، ”أ-أخبِرك مَاذَا؟!“ أجابَه بتَوتُّر ، يَشعُر بتسَارُع ضربَات قَلبِه.. نَعم هُو كانَ خائفًا .
المَظهَر الذِي يرَاه امَامه لَم يسَاعد، هو حتَّى بدَأ بالإرتِجَاف ، فلَم يحتَمل رُؤيَة دمُوع الأصغَر و تحطُّمه ، ”لقَد عرَفت.. لقَد رأيتُ كلَّ شَيء!“ بِيكهيُون تَحدَّث و عيُونه تنظُر الى خَاصَة الأسمَر و التِي تترَجاه بأسَى ، هو رَأى ماذَا ؟ كاي تسَآءل لكنَّه حاوَل تجَاهل ذلِك على الرَّغم من صعُوبتِه .
”يجِب أن تسأَل تشَانيُول، هُو سيَخبرُك!“ تنهَّد كَاي، يحمِل هَاتِفه ليتَّجه لسرِيره محاولًا تجاهَل الأمر، هو غيرُ معنِي.
”أنتَ مَدِين لِي.. كَاي ، لذَا ستُخبرنِي !“ لحقَ به بِيكهيُون ليَقف امَامه يأخُذ مِنه هَاتِفه ليَرمِيه بقوَّة على السَرِير و يَحصُل عَلى انتبَاهه، و بينَ دمُوعِه و بحَّة صوتِه هو اخبرَه، ”مَدين؟“ .
”تِلك اللَّيلَة في المُخيِّم، أنتَ و تشَانيُول.. لقَد سمِعتكُما . تَقبِيلُك لي.. ما فعَلتَه سَيء، لكِن كل ذلِك لَا يُهمنِي الآن، سوَاءًا لمَصلحتِي أم لَا اريدُ ان اعرِف..!“ هُو توقَّف عَن الحدِيث ، ليَعلُو صَوتُ بُكاءَه، يشعُر بالتعبِ يصِيب سَاقَيه.
”ارجُوك كاي..!“ هو استَند الى ركبَتَي الأسمرَ ليَجلِس علَى الأرض، مُثيرًا فزَع الآخَر الذِي جلَس أمامَه على الفَور يَحتَضنه بقوَّة مربِّتا على صَدرِه، ليَبكي بِيكهيُون اكثَر ، ”أشعُر بالإختِناق، لَا يُمكِنني الإحتمَال.. بَعد الآن. لَقد تحمَّلت لسَنوَات و الأمر أصعَب بكَثير الآن“.
”أرجُوك فلتَهدَأ أولًا.. همم؟؟ تنَفَّس أرجُوك انتَ تَختَنق!“ كاي ترَجاه، يرفَع وجهَه ليَمسَح بلَل وجنَتيه التِي تلوَّنت باللَّون الزَّهري. ”لنَجلس هنَا..“ إحتَضن كتفَا بِيكهيُون يسَاعدُه على الوُقوف ليَجلسَ كلاهُما على السرِير.
تنهَّد كَاي و هو يُحدِّق ببِيكهيُون، بدَى كمَن يمُوت.. يشعُر بحَاجتِه للحصُول علَى تفسِير ملَائِم فَهو يَستَحق ذلِك. تنَفسَ بِيكهيُون بهدُوء .. كانَت تلك اللَّحظَة المُنتظَرة، عِندمَا كاي فتَح فَمه ليَتحدَّث.
”تشَانيُول لَم يتَوقَّف عَن حبِّك يَومًا، أَحبَّك و مازَال يَفعَل . لقَد كُنت كلَّ العالَم بالنِّسبَة لَه .... و الآن أنتَ كلُّ العالَم حَرفيًا ، كلُّ ما تبقَّى لَه هوَ أنت..!“
⅌
هيلووز *-*
طيب البارت كان المفروض انشره امس بس النت من مبارح ضعيفة، حاولت انشره بس ما ضبطت 😭
المهم، اعتذر على التأخر و لهيك حاولت اخلي البارت شوي طويل ، بس الظروف و النفسية تعبانة، اشتغلت على امتحاناتي و تعبت عليها بس النتايج كارثية، يعني تعبي كله راح علفاضي 👀 النفسية زفت.
نرجع للمفيد '-' البارت الي فات ماكان عليه تفاعل كثير، من ناحية التعليقات!! يعني في مشكلة، ولا الرواية طويلة و صارت مملة؟ ما قدرت افهم المشكلة 😥
على كل اتمنى تكونوا استمتعتوا بالبارت و عجبكم 🌸
آراءكم و تعليقَاتُكم؟~ 💁
اهتَمُّوا بأنفُسكُم و كُونُوا بِخيرٍ أحبَّتي 🙋
فُوتس ؟~
رجَاءًا علقُوا بينَ الفقَرات ؟~
[قَرأت؟ تَعلِيق عَن رَأيِك بصَراحَة 🌷 لَا تبخلُوا .. فمجرَّد تَعلِيق مُشجِّع لَن يَأخذ الكثِير مِن وَقتِك ، و سيَصنَع يَومِي]
∵
❜ هرُوب ❛
∵
❞ سَأُحبِّك مادُمتُ أتنَفَّس، مَا يزَال ذلِك غَيرُ كَافٍ بحَقِّك. دَعنِي أحبَّك حتَى و لَو مُؤقتًا.. إمنَحنِي لَحظَة . قنُوعٌ أنا مَا دُمت أرَاك أمَامي ، سَأكتَفي بِأصغَر قَدر مِنكَ و أعِيشُ كلَّ لَحظَة مَعك كمَا لَو أنَّ حيَاتِي ستَنتهِي بَعدهَا، سَأعِيشُها كمَا لَو انِّها حيَاتِي كلَّها.. ❝
⅌
تبَادُل التَّحدِيقَات كانَ اصعَب تحدٍ قَد واجَه كِلَيما. بقِلة حيلَة سحَب كلَاهمَا أنظَارهُ نحوَ الأرضِ بينَما يجلِس كلٌّ مِنهُما مقَابلًا الآخَر ، يَستعدَّان لتَناوُل الفَطُور علَى تِلك الطَّاولَة الكَبيرَة التِي تزَيَّنت بفطُور كُورِي فَخم... بمُفردِهما.
لَم تسنَح لكلَاهمَا التَحدُّث عِندَما اقتَطعَت عَليهمِا فتَاةٌ يَافِعة حفلَة تَحدِيقهِما الصَامِت، تُحدِّثهمَا مع ابتِسامَة بلُغة جهَلهَا بيكهيُون لتَدفَعه بعدَ ذلِك امَامهَا تَقودُه نحوَ غرفَة الطعَام بذاتِ الطَّابق غيرَ سامِحة لَه بالرَّفض ، ثمَّ تقُودُه لمَقعدِه المُجهَّز لأَجلِه و قَد حزَر انَّها كَانَت تُخبِرهمَا انَّ الفطُور جَاهزٌ ، فيَتبعَه تشَانيُول بهدُوء بكُرسيِّه المُتحرِّك.
اعيُن بِيكهيُون اتبَعت بإهتِمام الفتَاة التِي تخرُج من غُرفَة الطعَام لتَعُود اليهَا مُحملَة بأطبَاق كُوريَّة جانِبية. الفتَاة لَم تبدُو كوريَّة، ملَامحُها بدَت غيرَ كُوريَّة بشَكلٍ وَاضِح.
بعُيونِها الكبِيرَة، و اهدَابهَا الطوِيلَة البنِيَّة ، شَعرُها الذهبِي و كذا بَشرتُها البَيضَاء النَاصعَة، الفتَاة كانَت غَايَة في الجمَال و ذلِك لَم يُرح الأصغَر، فيُجبِره ذلِك علَى التَّحدِيق بملَامِحها الأجنَبيَّة الحَادة اكثَر.
”بصِحتِك..!“ قَالَت الفتَاة بشَكلِ مفَاجِئ بلُغة كُوريَّة رَكيكَة، مُبتَسمَة عندَما وضَعت آخِر طبَق جَانبِي لتَبتَسم لتشَانيُول قبلَ ان تغَادر الغُرفة، سَامِحة للإثنَين بالإنفِرَاد ببَعضهِما.
”هَـ-هَل .. أمم، أعـ-.. أعجَبتك غُرفـ-..فَتُك؟ أهِي مُريحَة ؟“ تشَانيُول تحدَّث اولًا ، كمُبادرَة مِنه لكَسر الصَّمت بعدَ صرَاعٍ داخِلي طوِيل فيَخرُج صَوتَه مَكسورًا بِتأتَأة ، و بَعد ترَددٍ طوِيل هُو اكمَل . ”لَقد جَعلتُها في الطَّابق الثَّاني ، حتَّى لا يَكون صعُود الدَرج مُتعبًا لَك .. وَ ..!“ هو توقَّف عَن الحدِيث ليَبتَلع بصُعوبَة ، يضُم اصَابِعها ببعضٍ تارَة ثمَّ يفصِلها عَن بَعضهَا تارَة اخرَى فيَطرُق بهَا علَى فَخذه بتَوتُّر.
”غُرفَتي في طَابِق مُختَلف .. الأرضِي ، حتَّى تشعُر برَاحَة اكبَر!!“ ، الغرَض مِن فِعلتِه كانَ واضحًا ، هوَ بحَق ارَاد ألَّا يُزعِج بِيكهيُون بوَضعِه بنَفسِ طَابِقه ، بذَلك هوَ لَن يَتقَابَل مَعه غَالبًا . يَعرِف جَيدًا عنَاد بِيكهيُون ، الذِي لَن يتَردَّد بإثَارَة ضَجة هنَا مِن أجلِ المُغادرَة ، و هوَ لَن يسمَح بذَلك... فإحضَارُه الَى هنا بحَد ذاتِه مُعجزَة.
تشَانيُول أنهَى حدِيثَه أخيرًا ليَتنَهَّد ، قبلَ أن يَرفعَ عَينَاه و يُركزَهما علَى بِيكهيُون امَامه ، حَدقَتا عَينَيه اهتَزتَا بذُعرٍ عِندمَا التَقت عينَاه بخَاصَة بِيكهيُون الثَّابتَة ، بإتصَال نظَر غَريب.. قَاتِل.
تشَانيُول لَم يَعلَم انَّ توتُّره و حدِيثَه المُتقطِّع قَد اغفَله عمَا يَحدُث امَامه، فبيكهيُون و مُنذ جلُوسِه يحدِّق به بِذاتِ النظرَة الفَارغَة مُنذ نطَق بأوَّل حَرف، نظرَة عتَاب.. غضَب.. و ايضًا عدمُ اهتِمام ، قَد احتَوت نظَراتُه مِن الإشتِياق الكثِيرَ ايضًا.. علَى الرَّغم مِن مُحاولَات الأقصَر اخفَاء ذلِك تحتَ برُودِه.
بيكهيُون لَم يُعلِّق ، لَم يَردَّ علَى الأطوَل أو يُبدي رَأيه ، لَم ينفَعل أيضًا بَل كانَ هَادِئا كمَا لَو انَّ جَسدَه قَد غادَرتهُ رُوحُه ، ذاتُ النَظرَات تُهاجِم عَينَي تشَانيُول مُتسبَّبة بسَلبِه لعَقله ، رُوحِه و أنفَاسِه ، كمَا تُرعبُه بشِدَّة.
إلتَقطَ تشَانيُول كوبَ المَاء أمَامه بِيدٍ مُرتَجفَة ، يَشرَب مُحتَواه دُفعَة وَاحدَة ، وَ قَبل اَن يُنهِي ذلِك سَمع صوتَ تزَحزُح الكُرسي الثَّقيل ، مُنذرًا ايَّاه بأَن بِيكهيُون قَد ابدَى اخيرًا ردَّة فِعل .. قَد كانَت مُتوقَّعة لحدٍ ما.
تنَهَّد تشَانيُول بعُمقٍ بعدَ ان أعَاد رَأسه للخَلف وَ أغمَض عَينَيه. هُو نَوعًا مَا تَوقَّع حدُوث امرٍ كهَذا، لذَلك لَم يُصدَم عِندَما غَادر بِيكهيُون بُقعتَه ، ردَّة فِعل كهذِه كَانَت مُنتظَرة ، فهُو لَم يتَوقع ان يَجلِس و يَستَمع الَى حدِيثِه .. في الوَاقع جلُوسُه لِما يُقارِب العِشرِين دَقيقَة يُعدُّ انجَازًا .
فَتحَ عَينَيه ليُعيد رَأسَه لِلأمَام ، عِندمَا احسَّ بأصَابِع يدِها تَتخَلَّل خُصلَات شَعرِه تُحاوِل مُساعَدتَه علَى الإستِرخَاء، فيُغمض عَينَيه مِن جدِيد سَامِحا لَها بإبعَاد بَعضٍ مِن قَلقه، على الرَّغم مِن عِلمه بأن ذلِك لَن يُجدِي نَفعًا.
“Mach dir keine Sorge, alles wird gut..!”
”لَا تَقلَق، سيَكونُ كلُّ شَيء عَلى مَا يُرَام ..!“ هيَ تَحدَّث بلُغتِها الأم.. مُربِّتة علَى كتِفيه بَعد ابعَدت يَديهَا عَن شَعرِه.
🌿
استَقامَ بيكهيُون عَن كُرسِيه ليَدفَع للخَلف ، ثمَّ يخرُج مِن الغُرفَة، تاركًا الأطوَل مكَانه ساكنًا. لَم يَمسَّ مِن الفطُور المُحضَّر خصِّيصًا لَه شَيئًا ، ترَكه و تركَ الأطوَل خلفَه ليُغادِر بَاحثًا عنِ الدرَج الذِي نزلَه ليَسلُك طَريقَه صاعدًا للطَابقِ الأوَّل .
خطوَات مَعدُودة حتَّى وصَل للطَابقِ الأوَّل ليَبدَأ بالصيَاح و الطَّرقِ علَى كلِّ بَاب وَجدَه أمَامه.
”لُوهَان.. كيُونغسُو.. اينَ انتُما؟“ هو صَاح بصَوتٍ عالٍ ، غيرَ آبِه بكونِه في مَنزِل غرِيب لَا يَعرفُه او يعرِف سكانَه غيرَ تشَانيُول، ربَّما هوَ لوَالدَيه ، و همَا هنَا أيضًا . بيكهيُون لَم يتَوقَّف لثَانيَة للتَّفكِير في ذلِك ، مُستمرًا بمَا يفعَله فقَد كانَ غَاضبًا و بشدَّة . ”اعلَم انَّكما خلفَ احدَى هاتِه الأبوَاب؟“.
بِيكهيُون تَقرِيبا فقَد صَوتَه، دُون ان يُجِيبَه أحَد . تنَهَّد بِعُمق قبلَ ان يركُض نحوَ الغُرفَة التِي استَيقَظ بِها و قَد كانَ غريبًا وجُود لَوحَة بإسمِه علَى البَاب . هوَ يشكُر اللوحَة التِي ساعَدته على تَحدِيد الغُرفَة ، فَذلِك الطَابق اللَّعينُ يَحوِي كَثيرًا مِن الغُرف اللَّعينَة .
دَلف للدَاخِل ليَجد الغُرفَة قَد رُتبَت.. كمَا لَو لَم تَطأهَا قدَمه مِن قَبل، السرِير قَد رُتِّب و الملَّاءات قَد عدلَت فَوقَه، حتَّى حقيبَته التِي كانَت بجَانِب السرِير لَم تَعُد موجُودَة.
بخُطوَات سرِيعَة هُو تقدَّم مِن الخزَانَة العملَاقَة و بصُعوبَة فتَح ابوَابها، و بالتَأكيد كانَت تلكَ ملَابسُه، المُرتبَة بدَاخلِها. هُو تنَهد بعُمق بعدَ ان اغمَض عَينَيه، ”هَل يُمازِحني؟ هُو تجَرأ و أحضَرنِي الَى هنَا دونَ موَافقَتي؟“ بنَبرَة عَميقَة هُو حدَّث نَفسَه قبلَ ان يُمسِك قطعَة مِن ملَابسِه و يَرمِيها علَى الأرض، ثمَّ قطعَة أخرَى، ثمَّ اخرَى.
بِغضبٍ هُو افرَغ مُحتَوى الخزَانَة عَلى الأرضيَّة ليَلتفَت محدِّقا بالسَرير قَبل أن يركُض نَاحيَته، يُمسِك ملَاءَاتِه ، غِطاءه و جمِيع الوسَائِد التِي علَيه ليَرمِيهَا علَى الأرضيَّة قبلَ ان يَبدَأ بالصُّراخ. ”ايُّها السَّافِل..، كيفَ تفعَل مَا يَحلُو لَك دَائما ؟“.
”هَاتِفي!!“ هو حدَث نفسَه بعدَ ان تَوسَّط الغُرفة التِي قامَ بتَخرِيب تَرتيبِها في ثوَانٍ ، يَجول بِعَينَيه بأرجَائهَا بَاحثًا عَن هَاتفِه ، ”يَجب ان اتَّصِل بلُوهَان و كيُونغ..! علَي اخبَارُهمَا !!“ .
”مهلًا.. !“ بيكهيُون تَوقَّف عَن البَحث للَحظَة، ”لَا يُمكِن ان يَكونَا ورَاء هذَا؟ مُستَحيل.. همَا يكرَهانِ تشَانيُول!“ حدَّث نَفسَه ثابِتا بذَات بُقعَته مشوَّش الفِكر ، يُقلِّب الهرَاء الذِي يحدُث مُنذ الأَمس.
همَا فَجأة ظهرَا بعدَ امتحَانِه، مقتَرحَين فِكرَة العُطلَة، ثمَّ تعَاملُهما مع سيهُون و كاي المُثيرِ للرَّيبَة ، و صدَاقتَهما المُفاجئَة ، و اخيرًا ظهُور تشَانيُول مِن اللَّامكَان بمَظهَره الغرِيب ذَاك . بيكهيُون امسَك رَأسَه مَغمِضا عَينَيه، يَأخُذ نفسًا عَميقًا، مُحاولًا ارخَاء رَأسه الذِي يُوشِك عَلى الإنفِجار مِن كَثرَة الأحدَاث التِي تهَاجِم ذَاكرَته .
انفِتاح البَاب المُفاجِئ و البَطيء قَد أخرَجه مِن دوَّامَة أفكَارِه، ليَظهرَ مِن خَلفِه الفتَى الشَّاحِب مُطلًا برَأسه مُتفحِّصا الغُرفَة ، ليَفغَر فَاهَه قبلَ ان يَسمَح لنَفسِه بِعبُور المَدخَل دونَ ان ينتَبه لوُجود بِيكهيُون بالغُرفَة ، و الذِي يَرمُقه بِنظَرات حَانِقَة .
التَفت فَجأَة لتَقع عَينَاه علَى الجُرم الصَغِير الذِي يتَوسَّط الفَوضَى ، هوَ أمسَك يسَار صَدرِه مُغمِضا عَينَيه بِفزَع، ”لقَد أخَفتنِي.. لَم ارَك!“. تحدَّث سِيهُون ليَعتَدل فِي وُقوفِه بعدَ ذلِك يُكمِل تفَحُّص الغُرفَة بعَينَيه ، ”مالـ-... “.
”مالذِي تُريدُه..!؟“ بيكهيُون قَاطَع حدِيثَه بنَبرَة حَازمَة و بنَظرَة مُخيفَة هوَ رمَق الأصغَر الذِي ابتَلع بصُعوبَة قبلَ ان يُدخِل يدَه بِجيبِ سروَالِه يُخرِج بهَا هَاتفًا بدَى مَألُوفا لبيكهيُون . ”هاتِفك..!“ هو تحدَث و قبلَ ان يجفَل هوَ شعَر بالفرَاغ يُحاوِط كفَّ يدِه.
”وَالدَتك اتصَّلت و أخبَرتهَا انَّك نَائِم ، يُمكِنك الإتِّصَال بهَا بمَا انَّك مُستَيقِظ!“ تحدَّث سيهُون مُجدَّدا مُحدِّقا ببِيكهيُون المُستَغرِق بتَفحُّص هَاتِفه دونَ ان يُلقِي بالًا لوُجودِ الشَّاحب. ”لَا دَخل لَك، غَادَر فحَسب..“ هُو أمرَه دونَ أن ينظُر الَيه و نَبرَة صوتِه كانَت كَافيَة بإرسَال سِيهُون نَحوَ المَخرَجِ دُون تَردُّد .
”ااه.. لُوهَان و كيُونغسُو هنَا صَحِيح ؟ اعلَم انكُم خَططتُم للأمرِ معًا ، لذَا أعلِمهمَا أن يَأتِيا الَى هنَا حَالًا..“ بِيكهيُون أمَر الأصغَر مُجددًا و الذِي أوشَك علَى إغلَاق البَاب مِن خَلفِه بعدَ خرُوجِه ، ليَدلَف للدَاخل مُجددًا بعدَ حَدِيثِ الأكبَر.
”نعَم .. هُما هنَا !“ اجابَ الشَّاحِب بينمَا يتَّكؤ علَى البَاب مُتكتِّفًا ، ”لَكن الأسهَل ان تَذهَب انتَ الَيهمَا. همَا عندَ البُحيرَة يستَمتعَان بوَقتِهما، و مِن الأفضَل ان تفعَل ايضًا.. فهَذه عطلَة لَك!“ هُو أردَف مشِيرًا برَأسِه للشُرفَة المَفتُوحَة .
”تشَانيُول غيرُ موجُودٍ حَاليًا ان كُنت ستَستَمرُّ بتَفادِيه ،فقَد خرَج!“ هو اكمَل، يلقِي نَظرَاتِه عَلى الأقصَر الذِي يَجلِس علَى حافَة السرِير مُحتَضنًا هاتِفه بصَمت.
”لَا دَخلَ لَك فيمَا علَي فِعلُه.. سَأرحَل مِن هنَا فِي أقرَب وَقت لذَا إهتَم بشُؤونِك!“ زمجَر بِيكهيُون بإنزعَاج ليقِف مُتجِها نَحوَ الأصغَر ليَدفعَه خَارجَ الغُرفَة و يُغلِق البَاب خَلفه، عَائدًا الى السَرِير.
تَنهَّد بعُمقٍ قَبلَ ان يَضغَط على شَاشَة هَاتِفه يَدخُل لِجهَة الإتِّصَال ، يَضغَط عَلى آخرِ إتصَال لِهاتِفه.. والِدتُه. وقفَ ليَقتَرب مِن الشُّرفَة بينمَا هَاتفُه عِند اذنِه ، مُنتظِرًا وَالدَته لتَرفَع السَماعَة.
هوَ أصبَح عِندَ الشُرفَة مُطلًا علَى المَرج الوَاسِع المُخضَر ، و بمَسافَة مُعتبَرة تظهَر البُحيرَة الصغِيرة بلَونِها الأزرَق مُبرزَة جمَالَها الأخَّاذ، و قد انتَشرَت علَى حافَتها كرَاسٍ خشبِيَّة و بعضُ الطَاولَات الخَاصَة بالنُّزهَات. ايضًا استَطاعَ بيكهيُون ملَاحظَة الدُّخان المُتصَاعد، و يُمكِن ان يحزِر ان الرِّفاق يقُومُون بالشِّواء تَحضِيرًا للغَداء.
بيكهيُون لِم يستَطع وضعَ حدُودٍ للحدِيقَة، فالسيَاج الأسوَد المُرتفِع و الذِي مِن المُفترَض ان يُحيط المَنزِل كانَ بَعيدًا عَن مجَال نَظرِ بيكهيُون و مِن الصَّعب علَيه رُؤيته بوُضوح . هوَ ادرَك و اللعنَة أنَّ هذَا المَنزِل ضَخم ،و مُؤكدٌ هوَ ملكٌ لعَائلَة تشَانيُول ، و هذَا الأمر برُمتِه و الرِّحلة برُمتهَا تُربِكُه و لَا تُشعِره بالرَّاحَة اطلَاقًا .
”بِيكهيُون عزِيزِي..“ انتَشر صوتُ السيَّدة بيُون فَجأَة ليَصلَ لمسَامِع بِيكهيُون يُخرجِه عَن شرُودِه ليَلتَفت عَائدًا للدَاخل سرِيعًا ، يُعدِّل الملَاءة علَى السرِير ليَجلِس علَى حافَّته . ”امِّي.. انتِ ..!“ هو تَحدَّث، صوتُه أصبَح اكثَر حدَّة.
”اكَانَ ذلِك اتفَاقًا بَينَكم!؟ جمِيعُكم خطَّطتُم لفِعل ذلِك؟! أنَا حقًا لَا استَطيعُ تَصدِيقكِ“ تذمَّر بِيكهيُون و هوَ يضغَط علَى الهَاتِف بَين اصَابعِه بغَضب ، و سمَاع ضِحكَة والِدتِه افقَدته صوَابه .
”لقَد ارغَمتنِي علَى ذلِك. لَو لَم تعَانِد لمَا تَجرَّأتُ علَى تَنوِيمِك!“ تذَّمرَت السيِّدة بيُون بمرَح، مستَمتعَة بغَضبِ ابنِها الذِي كانَ جادًا كاللعنَة، فهِي قَد ارسَلتهُ مُرغمًا الَى رحلَة يَرفضُها، و الأسوَء انَّها ارسَلتهُ و هُو فَاقدٌ لوَعيِه. ”لا اُصدِّق انَّك حَقا قُمتِ بوَضعِ مُنوِّم فِي الشَّراب ، انتِ لَا تُصدَّقين.. كانَ يجِب أن أعرِف“.
”لَيسَ مُنوِّما عَزيزِي ، لقَد كَان دَواء الأرَق خَاصتُك .. كُنتَ تَستَهلِكهُ مُنذ كنتَ فِي الثَانوِيَّة أتَذكُر و حتَّى بعدَ تَخرُّجك!“ هِي شَرحَت وَ بِيكهيُون تَنَهد بِعُمق ليَقلِب عَينَيه عَلى حَديثِها، هِي مَازَالت لَا تُصدَّق بالرَّغمِ مِن ذلِك.
”تَعلَم عَزيزِي ، جَسدُك ضَعِيف و مُستَقبلُ جَيدٌ لِأي شَيءٍ يُمنَح لَه ، لذَا رَفعتُ التَّركِيز قلِيلًا فَحَسب . ثُم ذَلكَ لَن يَقتلَك ، قَد سَألتُ طَبيبَتك و أكدَّت سلَامَة الأمر ..عزِيزِي!“ أنهَت حَدِيثَها بضِحكَة مُنتَصرَة، يُمكِن لبِيكهيُون مَعرفَة سَعادَتها مِن خلَال صَوتِها .
لَم يسَع بِيكهيُون سوَى التَنهُّد و التَّنهد ، أهِي حقًا أمُّه ؟ هوَ متَفهِّم كونُها قلقَة بِشَأنه و بشَأنِ اكتِئابِه كمَا تَزعَم .. لَكن ان تُرسلَه وَسطِ اغمَائِه هوَ ما لَم يتَقبَّله عَقلُه .. أهِي حقًا أمُّه ؟ عَقلُ بيكهيُون رَددَ بغَضب .
”لَا تُزعِج نَفسَك و إحضَى بوَقتٍ سَعيد!“ اختَتمَت كلامَها ليُبعِد بيكهيُون الهَاتِف عَن أذنِه غيرَ مُستَعدٍ لسَماعِ المَزيد ، مُكتَفيًا بمَا سَمعَه بالفِعل . ”وَ تذَكر أن تُجهِّز خِطابَ شُكرٍ لِي!“ لتُغلِق الخَط ، بيكهيُون لَم يسمَعها فقَد حَدَّق مُطولًا بالفَراغ بينمَا هَاتفُه بينَ يدَيه ليَتركَه مكَانَه و يَقف مُتجهًا الَى الشُرفَة.
تَنفَّس بِعُمق عِندمَا دَاعَبت نَسمَات الهوَاء العلِيلَة وَجهه سَامِحة لنَفسهَا بالتَخلُّل بَين خُصلَات شَعرِه الشَّقرَاء ، اغمَض عَينَيه بينَما يرتَكز بِيدَيه علَى حَافَة الشُرفَة. عَقلُه مشغُول بأمُور عدَّة و اغلَبها ان لَم تكُن جمِيعُها.. تدُور حَولَ تشَانيُول.
فضُوله اللَّعينُ يَقتَله ، تشَانيُول.. تشَانيُول و كلُّ شَيء عَنه. بيكهيُون يرِيد ان يَعرِف.. أ هَاتِه خدعَة لَعينَة اخرَى مِنه ؟ بيكهيُون ارَاد الإبتِسام بإستِخفَاف ، كلُّ ما يَحدُث مثِيرٌ للسُّخريَة.. فالجمِيع هنَا يتلَاعَب بِه و لَا يَعلَم لمَن يَلجَأ، حتَّى والدَته.
خطَّط بِيكهيُون للضَّحك علَى كلِّ ما يَحدُث حقًا و هوَ يتذَكر احدَاث الأمسِ و اليَوم. يَتذَكر تلكَ اللَّحظة مِن الصبَاح لتتَصلبَ عضلَات وَجهِه، حسنًا هوَ كَان مُشوَّش و لَم يَحضَى بفُرصَة للتَّفكير بمَا حدَث هذَا الصبَاح، و لَم يَحضَى بفُرصَة لتَرتِيب افكَارِه و المشَاهِد التِي برَأسه ، و أخيرًا هوَ لَا يعلَم فيمَا كانَ يُفكِّر قبلَ لحظَات ... للتوِّ استَوعَب.
شَيء مَا كانَ غَريبًا حولَ تشَانيُول، و غضَبه العَارم أغفَله عَن رُؤيَة ذلِك .. كمَا لَو أنَّه لَم يرَى شَيئا و للتَو تفَتحَت عينَاه مُستَدركًا .
بيكهيُون قَد بدَأ صبَاحَه مع تشَانيُول ، هوَ كانَ جالِسا امَامه ، بَعد اختِفائه الثانِي. هوَ لَم يرَه مُنذ سنَة كامِلة، و قَد كانَ امَامه هذَا الصبَاح . تشانيُول قَد بدَا عاديًا ، طبِيعيًا أمَام عينَيه المُغلفَّتين بالغَضبِ و الحِقد و أمَامَ عَقلِه و قَلبِه المُحمَّلين بالكُره، بشَعر طَوِيل يصلُ لذِقنِه و ملَامِح مُرهقَة ، الأفضَع في المَوضُوع و الذِي لَم يُدرِكه بيكهيُون سوَى الآن.
تشانيُول .. و ذلِك الكُرسيُ المُتحرِّك اللَّعين . حسنًا ، حتَى و بعدَ أن لمَعت ملَامِح تشَانيُول من هذَا الصبَاح بعَقلٍ بيكهيُون .. شعرُه الطوِيل و ملَامِحه المُتعبَة و وجهُه الشَّاحِب ، كلُّ شَيء به باتَ غريبًا الآن . بيكهيُون لعنَ داخِله، لَابدَّ أنَّه قد فوَّت الكَثير.
عَقلَه قَد اصبَح فَارغًا و عضَلات وجهِه تيَبَّست، أحَقا ترَاودُه رَغبَة بالبُكاء الآن؟ هوَ لَم يَعلَم مَا اصَابه لَكن كثِيرٌ مِن المشَاعِر خَالَجته و ليَعترِف، ردَّة فِعله الأولَى لتشَانيُول كانَت لِتكُون مُختلِفة ، لَكن صَدمَته منَعتهُ مِن ابدَاء ايِّ ردَّة فِعل .
تنهَّد بِيكهيُون و هوَ يَمسَح علَى وَجهِه ليَضغَط عَلَيه بأكفُف يدَيه ، هوَ علَيه رُؤية تشَانيُول .. ربَّما ؟ سيَسأله بكلِّ بسَاطَة عمَا يَحدُث و سيُشبِع فضُولَه فَحسب.. هوُ فكَّر و قَد بدَا عَازمًا علَى فِعل ذلِك ، عِندَما عَلت رَنَّة هَاتِفه لتَصدَح دَاخل الغُرفَة ، دَلف بِيكهيُون للدَاخِل ليُغلِق بَاب الشُّرفَة متَقدمًا نحوَ هَاتِفه مُتفقدًا الإتصَال.
زفَر ليُبعثِر شَعرَه بإنزِعَاج، عِندمَا ادرَك انَّ لُوهَان يتَّصِل. ثَوانٍ مِن توَقُّف رنِين الهَاتِف ليَهتزَّ معلنًا عَن ورُود رسَالَة.
« سَتستَغرِق للأبَد حتَّى تَنزِل؟ تَعال بِسُرعَة » — لوهَان
اغلَق بيكهيُون الهَاتِف ليُدرِجه دَاخِل جيبِه قبلَ ان يدلَف خَارجَ الغُرفَة و قَد قرَّر اخيرًا النزُول، مُستَغلًا عدَم وُجود تشَانيُول في الأرجَاء.
نزَل بِيكهيُون الدرَج بتَأنٍ ، يُلقِي بِأنظَارِه علَى الأرجَاء مسَتعدًا لِأيِّ ظهُور مُباغِت لتشَانيُول ، يَجب أن يُجهِّز ردَّات فِعل طبِيعيَّة لذلِك . ثوانٍ قَد مرَّت ليَخطُو اخرَ خطوَاتِه مُبتَعدًا عَن الدَرج، فيَرتَد للخَلفِ بظَهرٍ مُقوَّسٍ عِندَما اندَفعَت امَامه الفتَاة، ذاتُ الملَامِح الحَادَّة.
ابتَلع بِيكهيُون قبلَ ان يُعدِّل وَقفَته، يقِف بشُموخٍ عِندمَا تَحدَّثت الفتَاة بلُغتهَا الكُوريَّة الرَكيكَة مُشيرَة بِيدِها نَحوَ المَدخَل الرَئِيسِي، ”رفَاقُك عندَ البُحيرَة سيِّدي الصغِير! أترغَب بأن آخذَك الَيهِم!؟“.
تَحمحَم بِيكهيُون و هُو يَنظُر لَها بطَرف عَينَيه ، ”شُكرًا .. سَأذهَب بِمفرَدي!“ هوَ تحدَّث بصَوتٍ عَميقٍ هازًا رَأسَه نَافيًا، قبلَ ان يُدخِل يدَيه بِجيُوب سروَالِه مُسترسِلًا حدِيثه.. ”و أنَا لَست سيِّدك الصَغير!“.
انهَى بِيكهيُون حدِيثَه ليُسَارع خطُواتِه نَحوَ المَخرَج بَعدَ أن حَاولَ تَجاهُلها بِالكَامل ، ”ان كنتِ تحَاولِين التَباهِي فلغتُكِ الكورِيَّة سَيئَة للغَاية!“ هَو تَمتَم بصَوتٍ مَسمُوعٍ قبلَ أَن يُغادِر ، يتَمنَّى أن يَكونَ مَسمُوعًا كفَايَة لتتَلقَاه و تفهَمه ،فهِي بطَريقَة مَا تُزعِجه.
ابتَسمَت بإشرَاقٍ و هيَ ترَاقِب صاحِب الجُرم الصَغيرِ مبتَعدًا عَن مجَال رُؤيتها ، لتَضحكَ بخفَّة بعدَ سمَاعهَا لحدِيث بِيكهيُون ، ”الَهي ..كَم هُو لطِيف!!“.
🌿
امسَك بيكهيُون ببَطنِه الذِي بدَا مُنتفخًا، حدَّق بِه ليُربِّت علَيه معَ شِبه ابتِسامَة، علَيه ان يَعترِف الغدَاء كانَ لذِيذًا، و قَد كَان جَائعًا للغَايَة فقَد نسيَ متَى أكَل آخرَ مرَّة.
”أخبَرتُكم أن خِبرتِي في الشوَاء ليسَت مُزحَة..!“ هزَّ سيهُون كتِفيه ليُعدِل قميصَه بتَفاخُر و ماكَان علَى مَن مِن حولِه سوَى ان يهزُّوا رُؤوسَهم على الأصغَر الذِي بدَى مُتحمِسًا لسَماعِ اعترَافِهم.
”كانَ ممَلحًا بشَكلٍ مبَالَغ فِيه!“ ، ”خاصتِي كانَت مَحروقَة!!“ ، ”أشعُر بأنِّي على وشَك التَقيء.. ابتَعدُوا!“.
ثلَاثَتهُم تحدَّثُوا، كيُونغسُو، كاي و لُوهَان آخرُهم ليَرفعُوا كُؤوس النَبيذِ بلَونِه المِخمَلي الأنِيقِ في نفسِ الوَقت، ليَقهقهُوا معًا، مُستَمتعِين بإغَاظة الأصغَر و الذِي بدَا غَاضبًا بحَق.. حينَ زفَر وَاضعًا كَأسه، يعُود للخَلف مُغمضًا عَينَيه.
”كانَ لذِيذًا.. انتَ جيَّد!“ ، سِيهُون استَقامَ مِن جلُوسِه بإِنفِعَال ، يحَاول التَّأكد ممَا سَمِعه.
”جيِّد ألَيسَ كذلِك..! أعلَم انِّي رَائِع!“ ابتَسم سِيهُون بوُسع يرمِي بنفسِه على الأقصَر الذِي انتَفض بفَزع ،عندَما شعَر بأذرُع سيهُون تلتَف حولَ جسدِه الضَّئيلِ بعِنَاق مُحكَم.
”أ-أجَل ..جيِّد ، و الآن أتـ-رُكني!!“ حاوَل بِيكهيُون التَملُّص مِن عنَاق الأصغَر لَكن مِن دُون جَدوى ، فسِيهُون قَد قرَّر اغرَاقَه بالحُب بعدَ ان مدَحه، و بيكهيُون فكَّر بأنَّه من الخَطأ مَدح هذَا الشَقي.
”اللعنَة، لِم هوَ قوَي هكذَا!“ بيكهيُون تذَمَّر يضَع كوبَ نبيذِه مِن يدِه و يدَلِّك ذرَاعه التِي إلتَوت بسبَب الأصغَر بعدَ ان ابتَعد عَنه عَائدًا لمَقعدِه ، يَترُك لَه المجَال ليتَنفَّس .
”أجَل ، أنَا كذلِك..! انتَ لَم تَرنِي و انَا أقَاتِل !!“ تَحدَّث سِيهُون بإعجَاب، و كَم احبَّ عِندَما مدَحه الأقصَر على الرَّغم مِن ان نيَّة بِيكهيُون لَم تَكن مَدحَه. ”أنت..؟ تُقاتِل؟!“ سَخِر لُوهَان لتَرتَفع ضِحكَاته، ”أذكُر انَّك افتَعلتَ ضجَّة كبِيرة في رِحلَة التَخيِيم، فقَط لِأننا نِمنا في العرَاء!!“ اردَف شبِيه الغزَال مُهاجمًا الأصغَر .
”أكرَه الحشرَات أجل..! لكِنك حقًا لَم ترنِي و أنا اقَاتِل! كنتَ لتَسحَب قولَك هذَا سرِيعًا!؟“ ركَل سِيهُون بقَدمَيه على الأرضِ ليَرفعَ احدَاها و يركُل معَ كلِّ كلمَة يقُولُها ، ثمَّ يَلكُم الهوَاء متظَاهرًا بالقِتَال . ”كَاي أخبِرهُم ، كَيفَ قاتَلنَا فتيَان مَدرسَة دَاي جُون.. ذلِك الفتَى يُونغ رَاي شقِيق يُونغ جِي !! أخبِرهُم“.
عدَّل بِيكهيُون جلسَته لأخرَى مرِيحَة و قَد كانَ مُستَعدًا للنَوم قلِيلًا ، يرمِي بجسَدِه للخَلفِ مقَابلًا أشعَة الشَّمس الدَافئَة ، لطَالمَا كانَ جوُّ بدايَة الصَّيفِ محَببَة بالنِّسبَة لَه . لَكنَّه إستَقام فَجأَة و بذُعر عِندَما سَمع حدِيث الأصغَر الذِي بدَى مُتحمِّسًا و هوَ يحاوِل ابرَاز نَفسِه.
”أُصمُت..!“ هَمس كَاي و الإنزِعاجُ وَاضحٌ مِن خلَال صَوتِه ، مُحدِّقا بسِيهُون الذِي تَوقَف عمَّا يَفعَله ليُشيحَ بنَظرِه نحوَ بيكهيُون. بيكهيُون تَقريبًا فقَد لَونَ وجهِه ليَشحَب بشَكل مخِيف، ليَبتَسم بتَوتُّر يَرغَب بصَفعِ نفسِه، ”أكَان مِن المُفتَرض أن الأمرَ سِر؟!“ هوَ قالَ بصَوتٍ مُنخفِض ليَعُود و يَجلِس في مكَانِه.
”مالذِي تتَحدَّثانِ عَنه؟!“ بِيكهيُون تحدَّث جالبًا انتِباه الجمِيع بعدَ ان رمَق لُوهَان و كيُونغسُو بغرَابَة كمَا لَو انَّه يُعاتِبهُما، لَكِنِّه لَم يعلَم انَّهما كانَا في نَفس المَوقِف، الإختلَاف الوحِيد هوَ انَّ اِسم الفتَى الذِي ذُكِر كانَ غَريبًا عَنهُم، لكِنهمَا تمكَّنا مِن تحدِيد هويَّة الفتَاة.
”حسنًا..!“ سيهُون ابتدَأ بتَوتَّر و هوَ يضعَ كوبَه جانبًا ليُشابِك يدَيه ببَعض. ”كنَا نعلَم بشَأن مَا تَعرَّضت لَه، و مِن المُفترَض ان يبقَى الأمرُ سرًا ..لَكن ..“ هو اردَف ليَنظُر لكَاي الذِي طَأطَأ رَأسَه ، يَتركُه بمُفردِه ليُواجِه الأمر.
”ما قَصدُك..!؟“ سَأل كيُونغسُو يرغَب بمَعرفَة مَا فَاتَه و تفَاصيلِه و كذَا لُوهَان الذِي وسَّع عينَيه بفُضول. ”بِيكهيُون.. كانَ ضحيَّة تَنمُّر..!“ قالَ سِيهُون ليَتنهَّد، يُدلِّك جبِينَه و يتَمنَى فقَط لَو يَتم اخرَاسُه للأبَد .
أغمَض بيكهيُون عَينَيه بشِدَّة، يَشعُر بثِقلٍ بمُؤخرَة رَأسَه . صرَّ علَى أسنَانِه و شدَّ عَلى قَبضَة يدِه بإِحكَام يتَمنَّى لَو يُغمَى علَيه الآن و ألَا يَسمَع ذلِك . هوَ كرِه تِلك الحقِيقَة ، كَونُه تعرَّض للتَنمَّر، كَون تِلك الحَقيقَة تُكشَف الآن امَام رفِيقَيه بعدَ ان أخفَاها لمدَّة طوِيلَة . لاسِيمَا بَعدَ النظَراتِ التِي تلقَّاها مِنهمَا في تلكَ اللَّحظَة، هوَ رغبَ بالمَوت فِعليًا.
”يُونغ رَاي، شقِيق يُونغ جِي ، الفتَاة مِن الصَف ألف ذاتُ الشَّعر الأسوَد . هوَ في مَدرسَة مُختَلفة ، مَن كانَ يتَنمَّر علَى بيكهيُون!“ سِيهُون اكمَل بعدَ ان شعَر بأنَّه وجبَ علَيه انهَاء ما بدَأه، فكيُونغسُو و لُوهَان يجبُ ان يعلَما.
”يُونغ جِي كانَت مُعجبَة بتشَانيُول، لكِنه رفضَها و بعدَ مُدَّة انتَشرَ خبَر علَاقَته ببِيكهيُون ، و يبدُو انهَا اعلَمت شقِيقهَا.. لذَلك!“ أنهَى سِيهُون حدِيثَه ليتَنفَّس بِعُمق، هوَ مستَعد لتَلقِي الضربِ مِن كاي الآن و هُو غيرُ نادِم .. لَا مزِيدَ مِن الأسرَار بعدَ الآن.
”كـ-كيفَ عـ-عرَفتمَا!؟“ بِيكهيُون سَأل بصَوتٍ شِبه مَسمُوع فدَواخِله تغلِي ، و قَد رَاودَته رغبَة شدِيدَة فِي الصُراخ.
اغمَض صاحِب الشَّعرِ الذهبِي عينَاه ليَزفرَ الهوَاء خَارجًا بهدُوء . يَشعُر بحرَارَة تُحيط يَديه، فكيُونغسو و لُوهَان قَد احتَضنا يدَيه بنفسِ الوَقت ، ليَفتَح عَينَيه مُستَعدًا لتَلقِي تَوبِيخهِما لَه، لَكنّ كيُونغسُو هزَّ رَأسَه مع ابتِسامَة متَوتِّرة .
يُمكِن لبِيكهيُون إستِشعَار الدِفئ الذِي تنشُره عينَا كيُونغسُو و مِن دُونِ ان يتَحدَّث حتَى. لُوهَان ايضًا ، هوَ تقرِيبًا علَى وشَك البُكَاء و يحَاول مَنع نَفسِه مِن معَانقَة بيكهيُون و البكَاء فِي أحضَانِه.
”تشَانيُول..!“ رفَع كَاي رَأسَه بَعدَ أن قَال، يَأخذ دَورَه فِي القَاء القصَّة. ”تشَانيُول أخبَرنا أن نَفعَل مَا فَعلنَاه لأنَّه لَم يَكن مَوجُودًا ليُعاقِب الفتَى بنَفسِه..!“ اردَف و نظرُه مُرتكزٌ علَى اصَابِعه المُتشابكَة ببَعضِها بتَوتُّر، و بإستِطاعَته رُؤيَة الصَّدمَة على وجُوه الصِبيَة الثلَاثَة .
”بالتَّأكِيد.. أنتَ تَتسَاءل كَيفَ عَرفَ تشَانيُول؟!“ كاي تحَدثَ مجدَدًا مُوجهًا سُؤالَه الى بِيكهيُون، الذِي ارتَجف بضُعف يحَاوِل تَحضِير نَفسِه لتَلقِي الكلَام ، يَشعُر ان ما سيَسمعُه تَاليَا سيَصدِمه اكثَر.
”فلتَتوقَّف عندَ هذا الحد! ما تبَقى قَولُه رَاجِع لقَرار تشَانيُول الخَاص..!“ سِيهُون نهَاه و قَد بدَى جادًا عندَما تقابَلت عينَاه معَ خاصَة كاي لمدَّة مِن الزمَن ، ثمَّ يَخفضَ كلَاهمَا نَظرَه ، ليُقرِّر كاي الصَّمت عِندَها.
لَم يَستَطع بِيكهيُون أن يَكذِب علَى نفسِه و لَم يستَطع اخفَاء ذلِك عَمن كانُوا جالِسِين معَه ، فلَطالَما كانَ فضُوليًا و مايزَال كذلِك ، و الآن فضُولُه يقتُله .
فكَّر مُحاولًا جَمع المعلُومَات التِي تلقَّاها قبلَ قَلِيل ، تشَانيُول كانَ يعلَم عَن تَعرُّضِه للتَنمُّر و مَن كَان خَلفَ ذلِك! أعلَم سِيهُون و كَاي و همَا تصَرفَا في الخفَاء! همَا كانَا سبَب تَوقُّف راي عَن الظهُور في حيَاتِه، و ليسَ بسَببِ شقِيقتِه التِي طلَبت مِنه التَوقُّف كمَا إدَّعى.
لكِن تشَانيُول ، أينَ كانَ و لِمَا لَم يتَصرَّف بنَفسِه؟ بيكهيُون ارَاد تَوجِيه ذلِك لجِهة اكثَر اشرَاقًا دَاخِل رَأسِه، فلَا يُمكِنه أن يُفسِّر ذلِك بكَونِ تشَانيُول خلفَ التَنمُّر او هوَ مَن أمَر بِه؟ هوَ قَادر علَى التفكِير بذلِك و لَه الحَق ، فقَد بدَا مِن ناحيَة مَا مَنطقيًا .. هوَ تركَته و رحَل بعدَ استِغلَالِه ، يُمكِنه القيَام بأَسوء مِن ذلِك بدُون ندَم. لِكن الجُزء الأكبَر مِن عقلِه يَمنعه مِن تصدِيق ذلِك ، تشَانيُول و مهمَا وَصلَت وقَاحتَه و سفَالتُه و انحِطاطُه ..هوَ لَن يفعَل شَيء كالتَّحرِيضِ على التَّنمرِ علَيه .
لكِن و اللعنَة .. أينَ كان ؟ بيكهيُون صرخَ بصَخب داخِل عَقلِه ، هوَ و اللَعنَة مُتعَب مِن كلِّ شَيء و لَا طَاقَة لَه للمُتابعَة، لذَا هوَ قرَّر.. لَا يَهمُه الأمر ان بدَا غريبًا او انَّه سيَحط مِن كِبريَائه ، لكنَّه سيَقفُ امَام تشَانيُول و يُحادِثه و يُطالِبه بالحَقيقَة و سيَتقبَّلهَا مَهمَا كَانَت . هوَ سيُنهِي الأمر حتَى يُخرجِه مِن حَياتِه نهائيًا و يَمضيَ قدمًا بدُون تعب.
”الأمرُ مضَى الآن.. لَا تَشغَل بالَك بالمَوضُوع !!“ أخبَره كَاي عِندمَا لَاحظ شُرودَه و قَد حزَر أن الآخَر بالفِعل يتَخبَّط في فضُولِه ، ليهزَّ بيكهيُون رَأسَه و كاي لَم يتوَقع إستِجابَة كتِلك مِنه. ”لَا حَاجة للتَفكيرِ في ذلِك الآن“ هو تحدَّث بعدَ ان تنهَّد ليَجلِس بوَضعيَّة مُريحَة ، بعدَ أن قَررَ نِسيَان المَوضُوع.. علَى الأقَل حَاليًا.
مدَّة مِن الزَمنِ و الصَّمتُ يُغلِّف الصَّمت المَجلِس ، كلُّ مِنه يشِيح بنَظرِه لجِهِة مَا مُختلِفة عَن خاصَة الآخر .
”بالرَّغمِ من ذَلك ، مَازِلت غيرَ قَويٍ فِي نَظرِي !“ تحدَّث لُوهَان مِن العدَم ، نبرَة صوتِه كانَت سَاخرَة في محَاولَة مِنه تغيِير الجَو الكئِيب الذِي حلَّ على هذَا الصبَاح و معَاتبَة بيكهيُون ستَأتي فيمَا بَعد ، يُحرِّك القلِيل مِن النَّبيذ الذِي تبَقَّى فِي كُوبِه بينمَا يَنظُر لسِيهُون بتَحدٍّ و قَد كانَت نيتُه مُضايقَته كالعَادة ، و التِي بَاتَت هوَايتُه المُفضلَة مُؤخرًا .
لكِن الشَّاحب قَد هزَّ كتِفيه بغَيرِ إهتِمَام ، لَا يُبدِي ايَّ ردَّة فِعل . لُوهَان ابتَسم بإستِفزَاز دُون ان يَكفَّ عَن منحِ نظرَات سَاخرَة للشَاحِب، يَرغَب بإثارَة غضبِه بأيِّ طرِيقَة مُنذ أنَّه شعرَ بالمَلل و ليسَ لَه غيرُ الأصغَر ليَمرَح معَه .
”فَاشِل .. ضَعيف“ هوَ حرَّك شفَاهه دونَ ان يُبعِد عينَاه عنِ الأصغَر الشَاحِب الذِي قلبَ عَينَيه ليَقفَ مِن مكَانِه ، يُشعِر شبِيه الغزَال بلذَّة الإنتصَار بعدَ ان نجحَ بإزعَاجه و قلِيل مِن الأسفِ كَونُه لَم يبدِي ردَّة الفِعل التِي ارَادهَا . رفَع كَأسَه يشرَب ما تبقَا مِن محتَواه دفعَة وَاحدَة مُغمضًا عينَيه مُستشعرًا طَعمَه الحلُو .
لَم يَشعُر لُوهَان بإقرَاب الأصغَر مِنه سوَى عندَما تنفَس أمامَ وجهِه ليَشعُر بدِفئ غَريبٍ ارغَمه على فتحِ عَينَيه، ليَرتَد للخَلفِ بفَزع ، عندَما اصبَح وَجه سِيهُون امَامه تمَامًا حيثُ كانَت انُوفهُما قريبَة مِن الإحتكَاك.
”مَـ-ماذ-..!“ حَسنًا ، تِلك لَم تكُن حركَة مُتوقَّعة مِن الأصغَر ، و مَا فعلَه تاليًا لَم يَكن بالحُسبَان أيضًا . فحَديثُ لُوهَان قَد قُطع عِندَما شعَر بجَسدِه يَرتَفع عالِيًا، بثَوانٍ هوَ أصبَح بينَ ذرَاعَي الأصغَر الذِي يحمِلُه بمرَح و يرفَعه عاليًا ، بينَما هوَ يحِيط ذرَاعَاه حولَ عُنقِه ، لتَسقُط الكَأسُ مِن يدِه التِي اصَابهَا التَّخدر كمَا جسدُه.
صِدقًا، لَم يكُن لدَى لُوهان أيُّ كلمَات ليُضيفَها، يَشعُر بِحرَارَة جَسدِه التِي ارتَفعَت فَجأَة و وَجنتَاه قَد اكتَسبَت ظلَالًا زَهريَّة . ”مَا دُمت قَادرًا علَى حَملِك فَمُؤكدٌ لستُ ضعيفًا ..“ رَمى بكلَامِه سَاخرًا، و مُتوقِّع أن لُوهَان قَد التَقط مَا يَقصِده ، هوَ ليسَ بذلِك الغبَاء.
”ابعِد يَديكَ عنِّي ايَّها الأحمَق..!“ لُوهَان صَاح بِصخب، يَركُل بسَاقَيه فِي الهوَاء و يُحاوِل الإفلَات مِن الشَّاحِب الذِي قبَض علَيه بإحكَام خوفًا مِن اسقَاطه، مُؤكدٌ سيِكون فِي عدَاد المَوتَى ان فَعل.
”تَوقُّف ستَسقُط..“ حذَّره الأصغَر مُستَمتِعا بغَضب مَن بينَ ذراعَه. ”كيفَ لَك أن تُشيرَ الَى انِّي سمِين.. يا لك مِن شقِي!!“ تذَمرَ مجددًا و بشَكلٍ اكثَر ازعَاجًا، و سِيهُون بالفِعل اصابَه الإرهَاق لكِن لَم يرغَب بإنزَاله، هوَ و اللَّعنة مُستَمتِع، و كَذا الرِفاق مِن حولِه .
كَاي سمَح لعَينَيه بأن تَتجِه ناحيَة بيكهيُون، بتَوتُّر هوَ نظرَ له مِن خلفِ كيُونغسُو، ليَبتسِم بخفَّة، عندَما رأى ضِحكَة بيكهيُون الجمِيلَة و تفَاعلَه اللطِيف مَع كيُونغسُو على مَا يَحدثُ امَامَهم، و بِطرِيقَة ما هوَ كانَ سعيدًا، يَشعُر بأن الأمُور قَد اصبَحت أقرَب بخُطوَة للإستِقرَار.
و بلَحظَة عَمَّ الهدُوء ، و صوتُ لوهَان قَد اختَفى. كاي نظرَ ناحيَّة الثنَائي الذِي كان سبَب ضِحكة بِيكهيُون و التِي تلَاشت تلقَائيًا لتَحلَّ مَحلَّها تَعابِير مَصدُومَة فيمَا كيُونغسُو بجَانبِه تَقريبًا قَد بصَق مافِي فمِه.
”الهِي..“ كاي وضعَ يدَه على فمِه يُوشِك على الصرَاخ. عِندمَا رَأى لُوهَان و الذِي مازَال بَين اذرُع الشَاحِب و ذرَاعَاه تَلتفَّان حولَ عُنقِه، و صَدمَته لَم تكُن أخفَّ مِن الفتيَان حَولَه.
جسَده بالكَامل طفَا عاليًا، يشعُر بِه كالهُلام و لَو كانَ على قدَميه لسَقط ارضًا، كلَّ ذلِك الصُراخِ المَكبُوت بدَاخلِه ، كلُّ تلكَ اللعَنات التِي علَى لسَانِه و التِي تَم مَنعُه مِن اخرَاجِه ، كلَّ ذلِك بسَببِ شفَاه الشَاحِب الذِي تدَاخلَت مع خَاصتِه بقُبلَة دبِقَة ، يَستلِم قيَادَتها الأصغَر بينمَا لُوهَان ما يزَال غَارقًا فِي صَدمَته.
لَم يَرغَب سِيهُون بفَصلِ القُبلَة فبمَا ان الفُرصَة قَد سنَحت هوَ سيَستَغلهـا . ليَعتَرف .. هوَ احبَّ تنَاسِب شفَاه لُوهان الصغِيرَة مع خَاصتِه، و كيفِية تدَاخِلها مع خَاصتِه اثنَاء القُبلَة، ليَعبَث بهَا برَغبَة عَارمَة .
يَمتَص سُفليَّته بلذَّة ثمَّ يدَاعب العُلويَّة ، مُنتقلًا بينَهما يُبللِهما بلعَابِه ليَمتصَّهما معًا مُستَشعرًا حلَاوَة النَبيذِ العالِق بهَا و الذِي أكسَب شفَاه شبِيه الغزَال لَون زهرِيًا لطِيف ، مُتمنِيا ان تَكتمِل لَحظَته بمُبادلَة لُوهَان لَه.
حينَ بقِي لُوهَان علَى حالِه، طبعَ سِيهُون قبلَة سَطحيَّة اخيرَة علَى شفَاه شبِيه الغزَال ليَبتَعد ، مُنزلًا ايَّاه ثمَّ يساعدُه على الوُقوف ، و لُوهان حَرفيًا قَد تَمسَّك بِذرَاعه بإحكَام ، فقَد بدَى له الوُقوف بإعتدَال امرًا شِبهَ مستَحيلٍ.
عادَ سِيهُون ليَجلِس مكَانِه بعدَ ان ترَك لُوهَان ذرَاعَه ، بينمَا الثلَاثَة قَد نقلُوا انظَارَهم بينَ سِيهُون و لُوهان بفُضول، و سِيهُون قَد هزَّ كتِفيه بغَير اهتِمام ليَجذِب كأسَه و يملَأه مُجددًا و يرتَشفَ مِن نبِيذِه ... ان استَمرَّ على هاتِه الحَالَة هوَ سيَثمَل فِي وضحِ النَهار.
”لِوهلَة ظَننتُ انِّي اشَاهِد فيلمًا ..! ظَننتَ ان هنَاك شَيء بَينهُما حقًا“ كيُونغسُو تَمتَم لبِيكهيُون الذِي ابتَلع بينمَا يُحدِّق بلُوهَان الوَاقِف داخِل هَالَة الصَّدمة التِي لَم تتلَاشَى بَعد.
”أنا لَن أسَاعدَك فِي هذَا ..!“ وضَع بِيكهيُون كَأسَه جَانبًا و نظَر لكيُونغسُو الذِي نَفى برَأسِهه ،”ولَا أنَا!!“ . ”انَا ايضًا ، أبقِني خَارِج المَوضُوع!!“ تحدَّث كاي بتَوتُّر و هوُ يحدِّق بكيُونغسُو و بيكهيُون. ليَنقُل نظَره للُوهَان، و الذِي ركَّز نظرَه على سيهُون الجَالس بتَباهٍ.
”مَاذا؟ مَا خَطبُكم ..!؟“ سيهُون تحدَّث، نبرَته كانَت عمِيقَة و تَعابِيره برِيئَة ، لَم يَعلَم لمَ كانُوا يتهَامسُون و نظرَات التَرقُّب بأعيُنهِم . ”آه لَا شَيء ، انتَ فَقَط ستَمُوت بَعدَ دقَائِق ..!“ ، ”ستُواجِه غضَب لُوهَان العَارِم..“ كيُونغسُو و بيكهيُون تحدَّثا، فهمَا اعلَم بصَديقِهما.
”اقتَرح أن تَركُض لغُرفتِك و تُغلقَ البَاب، لَكنَّه سيُحاوِل كَسرَه عَلى ايِّ حَال..“ ، ”احمِي رَأسَك ، يُمكِن ان يَقذِف اي شَيء على نَافذَتك ليَكسرَها ايضًا..“ مُجددًا همَا تَحدثَا و كَاي حدَّق بغرَابَة ، هل همَا جِديَّان حقًا؟.
حسنًا، هو لَم يَعلَم انَّهما يَبتسِمان بإستِمتَاع على ما يَحدُث ، غيرَ نادِمين على مبَالغتِهما في الأمر ، و لَم يَعلَم ايضًا انَّ لُوهَان مخِيفٌ عِندمَا يَغضَب لَكنَّه مُخيفٌ كقِطَّة؟ ، كلُّ ما سيَفعلُه هوَ الرَّكض و الصرَاخ، و ذلِك مُزعِج للغايَة.
”كيفَ أمكَنك؟“ نظَر لُوهَان بسَخطٍ و قَد كانَ صَدرُه يَعلُو و يَنزِل بسَببِ تَنفُّسه القوِي ، قَد بدَى عَلى استِعدَادٍ لكَسرِ رَأس الأصغَر دُون تَردُد.
”حسنًا أعتَذر . انتَ لَستَ سَمينًا ، جسمُك جَذَّاب و مُثير ، عليَّ الإعتِراف..! رَاضٍ؟“ لوَّح سيهُون بيَديه امَام وَجهِه مُعتذرًا ، يَأمل فقَط الَّا يسُوء الأمر فقَد كانَت هاتِه أوَّل مرَّة يرَى فيهَا لُوهَان غَاضبًا هكذَا .
في تِلك الأثنَاء، و بَينَما الجمِيعُ مُترقِّب لِما قَد يُقدِم لُوهَان علَى فِعلِه فقَد بدَى غَاضبًا كاللَّعنَة، صدَح صوتٌ غَريب.. كانَ عاليًا كفَايَة ليَجذِب انتِباه الجمِيع.
فُتحَت البَوابَة السَّودَاء العملَاقَة للمكَان مُصدِرة ضجِيجًا مَسمُوعًا لتَتخطَاهَا سيَّارَة سَودَاء ضَخمَة تَتبعُها عدَّة سيَاراتٍ سودَاء صغيرَة خلفَها، لتتَوقَّف علَى مَسافَة مُعتبَرة مِن البُحيرَة. هالَة مِن الخَوفِ احَاطَت بيكهيُون و هوَ يصبُّ كافَّة اهتِمامه على ما يحدُث أمَامه.
تَرجَّل عددٌ لَا يُحصَى مِن الرِجال ببَذلَاتٍ سَودَاء ليَركُضوا في الأرجَاء ثمُّ ليَصطُّفُوا كلُّ بجَانِب بعضٍ مُشكلِين خطًا طويلًا أمَام السيَارَة الكبِيرة البَارزَة.
لمَح بيكهيُون بابَ المَنزِل الذِي فُتحَ على مَصرعَيه لتَدلَف الفتَاة ذاتُ الملَامِح الأجنبيَّة خَارجًا تَمشِي بسُرعَة ناحيَة السيَارَة ، و بإمكانِه أن يحزِر مَا يَحدُث ، تشَانيُول قَد عادَ الى المَنزل.
رجلٌ بهَيئَة ضَخمَة فتَح بابَ السيَارَة ليَظهَر تشَانيُول مِن خلفِه، يمدُّ يدَه ليُساعِده على الخرُوج ثمَّ ليَرفَعه بخفَة يقُودُه نحوَ كرسيِّه المُتحرِّك الذِي دفَعتهُ الفتَاة امَامَه، ثمَّ لتَقفَ أمَامَه واضعَة غِطاءًا صُوفيًا علَى جُزءِه السُفلِي تُحادِثه مُبتسِمة و يردُّها تشَانيُول بإبتسَامَة لطِيفَة ثمَّ يهزُّ رَأسه فيَبدُو انَّهما يَحضيَان بمُحادَثة لَطيفَة . زفَر بيكهيُون علَى ما يرَاه ليَهزَّ رَأسَه بإنزِعاج ، هوَ لَم يشعُر بالرَّاحَة على الإطلَاق لذَا اشَاحَ بنظَره عَنهُما باحثًا عَن هَاتفِه.
رَبتَت علَى رَأسِه بخفَّة ثمَّ أشَارَت الى البُحيرَة، لتتَقدَّم الى جَانِب تشَانيُول الذِي حرَّك كرسِيَّه بجهَازِ التَّحكُّم خاصَته، يقُودُه حَيثُ يجلِس الفتيَة.
ابتَلع بيكهيُون بصُعوبَة عِندَما رفَع نظرَه ليَلمحَ الأطوَل و هوَ يقتَرب بسُرعَة حيثُ مكَان جلُوسِهم. قلبُه ركَض لأميَال و تَقريبًا فقَد انفَاسَه، يشعُر كمَا لَو أنَّه سيُغمَى علَيه في أيِّ لَحظَة.
هوَ و اللَّعنَة غيرُ مستَعدٍ بَعدُ لمُواجهَة تشَانيُول أو حتَى النَظرِ في عَينَيه ، حتَى تواجُده مَعهُ في ذاتِ المكَان بدَى غيرَ صَائبٍ ، مُتنَاسيًا فِكرَة مُحادثَة الأطوَل ليَرمِي بهَا لأبعَد نُقطَة في رَأسِه.
بيكهيُون حملَ هاتِفه مُستعدًا للمُغادَرة قبلَ أن يصلَ تشَانيُول فيَتعقَّد أمرُ مُغادرَته ، لكِنهُ شعَر بيدِ كيُونغسُو تُحكِم القَبض على خَاصَته تمنَعه مِن المغَادرَة. ”فلتَبقَى قليلًا بَعد..!“ حدَّثه بصَوتِه العَميق، و قَد بدَت نظَراتُه مُخيفَة اكثَر مِن مُترجِيَة، مُجبرَة بِيكهيُون علَى العَودَة للجلُوس ببُطء.
”مَرحبًا..!“ تشَانيُول تَحدَّث ، عِندَما أصبَح أمَام رفَاقِه بالقُربِ مِن البِركَة . ”ااه تشَانيُول .. مَرحبًا“ سِيهُون حيَّاه رَافعًا يدَه نَاحيَته ليُحرِّكها بخفَّة، بينمَا تبعَه البَقيَّة بتَحيَّتهم البَسيطَة ، و لُوهَان الذِي أجَّل مَوضُوع سِيهُون لوَقتٍ آخر جَلس بعدَ ان ضرَب كفَّ الأطوَل بكفِّه .
بينمَا ذُو الشَّعر الذَهبِي يجلِس بوَجهٍ فَارِغ و نظَره قَد وَجدَ أن البِركَة مُثيرَة للإهتِمام في تِلك اللَّحظَة . حَرفيًا يَشعُر برُوحِه قَد غَادَرت جسدَه و بأنفَاسِه تُغادِره دُون أن تَعُود.
كُل تِلك النَظرَات التِي يَمنحُها ايَاه جلِيس الكُرسي المُتحرِّك و التِي ترَاقبِه بتَمعُّن، مُحاولًا صُنع اتِّصال أعيُن مَعه ، دُون أن يُجدِي ذلِك نَفعًا . فالأقصَر مُصرٌ عَلى تجنُّب عينَي تشَانيُول التِي تَنظُر الَى بشَوقٍ مُميت، مُشيحًا بنَظرِه للجَانِب الآخر .
”كيفَ سَار مَوعِدك..؟“ سَأل سِيهُون مُستَفسرًا بقَلق ، يَجلِب كلَّ الأنظَار الَى الأطوَل مُنتَظرِينه ليَتكَلَّم . ”ايُّ تَطوُّرَات !؟“ أردَف مُجددًا ، و لَا يُمكِن لبِيكهيُون الإنكَار بأنَّ ذلِك الحَدِيث قَد أشعَل فُضولَه.
”جيِّد ، لَا تُوجَد حَقًا أي تَطوُّراتٍ لِكنِّي احَاوِل!!“ تَمتَم تشَانيُول ، صوتُه مُنخَفض و لَم تَخفَى علَى مسَامعِهم البَحة التِي ظهَرَت بِه، رَأسُه مُطأطَأ لأسفَل و تلَاعُبه بأصَابِه كَفيلٌ بإظهَار إحبَاطِه.
تَنفَّس بِيكهيُون بِعُمقٍ و هوَ يَستَمع بإِهتِمامٍ لتِلك المُحادَثة ، أي مَوعِد؟ و أيُّ نَوعٍ مِن المَواعِيد هوَ !؟ و مَالذِي جعَل تشَانيُول يَذهَب الَيه ؟ أكَان مَوعدًا غرَاميًا ؟ هَل وَالدَا تشَانيُول يُرسلَانِه بمَواعِيد الآن ؟ و قَد احضرَانِي لهُنا ليُرسلَا مُعارضَتهمَا الغيرَ مبَاشرَة لمَا كانَ بينَهما سَابقًا ؟..
بيكهيُون فكَّر ، و لَا يعلَم كيفَ تجمَّع ذلِك الكَم الهَائل مِن الأفكَار دَاخلَ رَأسِه في ثَوانٍ . هوَ علَى وشَك الإنفجَار ، يشعُر بأنَّ كل مَا يَحدُث غرِيبٌ و غيرُ مفهُوم ، و لَا يَعلَم حقًا ان كانَ الوَحيدَ الجَاهل هُنا.
”لَا تزَال لدَيك مَواعِيدُ أخرَى، سيَتحَسَّن الأمرُ مَع الوَقت!“ ابتَسم كاي بخِفَّة هازًا رَأسَه للأطوَل الذِي بَادَله الإبتِسَام، سعِيدًا بكَونِهما يُصبحَان أقرَب كسَابِق عَهدهِما مع الوَقت .
إستَقَام بِيكهيُون فَجأَة ليَلتَفت للرِفَاق، ”أنَا مُتعَب ، سأذهَب لغُرفتِي..!“ رمَى بكلَامِه ليُغادِر على الفَور، مُتجهًا صوبَ غُرفَته مُقرِّرا المُكوثَ بهَا لأطوَل وَقتٍ مُمكِن.
”يبدُو لطِيفًا عِندمَا يَكونُ مُنزعِجا..!“ الفتَاة تحدَّثت كاسرَة الصَّمت مُستخدِمن لَكنَة كُوريَة لَطيفَة ، ليبتَسمَ تشَانيُول بأسَى هَازًا رَأسَه ، بَعدَ أن مَسحَ علَى وَجهِ مدلِّكا ملَامِحه المُرهقَة ، هُو لَم يتوَقعَ بقَاء بيكهيُون في ذاتِ البُقعَة معَه ، مُؤكدٌ ذلِك يُشعِره بالضِيق .
”لَم تتنَاول الغدَاء؟ لَابدَّ انَّك جَائِع . لَكنَّنا لَم نترُك شَيئًا. للأسَف أنهَينَا كلَّ شَيء!“ لُوهَان تحدَّث بسُرعَة محَاولًا اظهَار اهتِمامِه بتشَانيُول ، يقِف مُتجهًا لطَاولَة الغدَاء، ليَعبِس عندَما لَم يجِد شَيئًا، هُم بالفِعل استَهلكُوا كل شَيء.
”لَا بَأس لَستُ جائعًا..!“ هُو أجَابَه نَافيًا بيَديه ، ليُردِف ”سَأرتَاح قلِيلًا فَأنا مُتعَب“ و بسُرعَة هو لفَّ كُرسِيه مُغادِرا . ”علَيكُم الدخُول أيضًا، الجوُّ سيُصبِح أبرَد فسَتمطِر اليَوم!“ قالَت الفتَاة لتَلحَق بتشَانيُول ، ليَهزَّ الجَالسُون رَؤُوسَهم، يُومِئون لبَعضِهم قبلَ ان يستَقيموا و يجمعُوا اغرَاضَهم ، مُتجهِين للمَنزِل.
🌿
تَقلَّب علَى الجَانِب الآخَر ليُقابِل سَاعَة الحَائِط الكَبيرَة التِي ترَاقَصت عقَاربِها ببُطء مُصدرَة اصوَات خَفيفَة كانَت مُزعجَة كاللَّعنة بالنِسبَة للصَبي الذِي يُحاوِل النَّوم مُنذ ثلَاثِ سَاعَات.
حرَّك سبَّابَته فَوق الملَاءة بدَوائِر ، مُقلبًا أنظَاره بينَ السَاعَة التِي تُشِير لتَمام السَاعَة الثَالثَة مسَاءًا و بَينَ الشُرفَة المَفتُوحَة التِي أظهَرت السَماء المَكسوَّة بغيُومٍ رَماديَّة . تِلك كانَت المرَّة التِي لَا يُمكِن أن يُحصِي عدَدها ، عِندمَا قرَّر بِيكهيُون نسيَان مَا يدُور في رَأسِه و اخرَاج تشَانيُول مِن عَقلِه، و الذِي بأسهَل الطُرق يعُود ليَقتَحمه.
لَم يَبدُو أن تشَانيُول خرجَ بمَوعِد ! بيكهيُون عقَد حَاجبَيه يحَاوِل ارضَاء فضُولِه ببَعض التَفسِيرَات . ربَّما الفتَاة التِي تَلتَصق بِه هيَ حبِيبَته! أو ربَّما زَوجتُه بالفِعل!؟ نظرًا للحَميميَّة التِي بينَهمَا . ارخَى عُقدَة حَاجبَيه ليُغمِض عَينَيه ، الأمر برُمتِه مُزعِج و محاولَة وضعِ اسبَاب و تفسِيرات لأفعَال الأطوَل تُرهِق عَقلَه، هَل تشَانيُول احضَره ليُثيرَ غيرَته ؟ .
ربَّما احضَره ليَعتذِر؟ يَمنحَه تفسِيرًا؟.. سلسِلة تحلِيلات بيكهيُون استَمرَّت دونَ توقُّف، كيفَ سيَحظَى بقلِيل مِن النَوم و هوَ على هاتِه الحَالَة؟
”تشَانيُول، لِم أحضَرتنِي الى هنَا!؟“ تَمتَم بينَ شفَتيه.
استَقام بِيكهيُون مِن إستِلقَائِه ليَجلِس مُقوسًا ظَهرَه، يُفكِّر في كونِه على بُعد خُطوَة مِن الرَّكضِ ناحيَة تشَانيُول و مُحادَثتِه ، لَم يَعد بإمكَانِه الإحتمَال.
وَقف و اتجَه ناحيَة البَاب يفتَحه ليَدلَف خَارجًا . انهَا أوَّل و آخِر فُرصَة لتشَانيُول ، يَمنحُها ايَاه ليُمنحَ التَّفسِير المُناسِب للَّعنة التِي بدَأت مُنذ اكثَر مِن اربَعِ سنَوات . نزلَ الدرَج بسُرعَة، مُتجهًا للطَّابق السُفلي بَاحثًا عَن تشَانيُول فِي ايِّ مَكان، و بسُهولَة هوَ وجَده، لَكن تَعابِيرُه تجهَّمت فَجأة ممَا يرَاه.
الفتَاة كانَت راكِعَة علَى احدَى رُكبتَيها ، تبسِط يدَيها على ركبتَي تشَانيُول الجَالِس على كُرسِيه أمَامهَا ، بإبتِسامَة سَعيدَة هيَ مدَّت يدَيهَا لتُربِّت على وَجنَته بعدَ أن مَسحَت بإبهَامها على عينِيه، و تشَانيُول أمَامها قَد هزَّ رَأسه بينمَا يُنزِل نظَره للأسفَل.
مسَّد بيكهيُون جَبينَه بحَنق، ليَبتسِم لسُخريَة القَدر. أحقًا فكَّر في أن تشَانيُول أحضرَه ليُحَاول اصلَاح ما افسَده بينَهما ؟ للأبَد هو غبِي و تَافه و سَيء في وضعِ الأعذارِ لأفعَال الأطوَل.
🌿
لَم تتمَالَك نَفسهَا عِندَما رَأت تعَابير وَجهِه المَصدُومَة و بيَده الهَاتِف، يَحصُل على أحدِ افضَع الأخبَار التِي تخصُّ شقِيقَه. لتَأخذ الهَاتف مِنه و تُحاوِل انهَاء المكَالَمة سرِيعًا ، و تَحتَضن جسدَه العِملاق بقُوة تُربِّت على ظَهرِه، بينَما إرتَجف بينَ ذراعَيهَا كَفتًا في العَاشرَة مِن عُمرِه .
”أكنتِ تَعلمِين؟! هَل حَاوَلتِي اخفَاء الأمرِ عنِّي ؟“ سَأل تشَانيُول و قَد بدَأت دمُوعُه بالإنهِمَار . ”لَم أشَأ إخبَارَك تشَانيُول ، لَم يَمرَّ وَقتٌ طَوِيل مُنذ-.. ، أعنِي أنتَ تَحتَاج للرَّاحة و اخبَارَك سيُسيء مِن حَالتِك النَّفسيَة !“ ، تنَهدَت بعُمقٍ و هِيَ تَدعَك جبِينَها بتَوتُّر ، لَم تتوَقَّع أن يتَّصلُوا مُجددًا بعدَما طَلبَت اخفَاء الأمر عَن تشَانيُول .
”لَكِن جُولِيا ، هُو ..!“ تشَانيُول تحدَّث، البَحَّة قد طغَت علَى صَوتِه الهَامِس. ”هُو شقِيقُك أعلَم!“ قاطَعته بصَوتٍ حنُونٍ و هيَ تَبتَعِد عَنه لتَجثُوَ عَلى رُكبتَيها أمَامَه.
”لَكن علَيه أَن يَحصُل على عقَابِه، و سيَكُون بِخيرٍ لذَا لَا تَقلَق..!“ طَمأنَته بينَما تمدَّ يدَها لتَمسَح البَلل اسفَل عَينَيه ، ثمَّ لتُربِّت على وَجنَته بخفَّة كطِفلٍ صغِير ، تَأمَل أن تُخفِّف عَنه و لَو قلِيلًا ، ليتَنفَّس تشَانيُول بعُمق.
”ماذَا عَنكِ ..؟!“ سَأل تشَانيُول و قَد شعَر بتَردُّدها في الإجابَة، عِندنَا بَاعدَت عَن شفَتيها مُستعدَّة للحدِيث لَكنَّها ترَاجعَت مُغلفَّة المَوقِف بإبتِسامَة مُصطَنعَة بوُضوح.
”سَأكُون بِخَير لَا تَقلَق؛ سَأنتَظرُه..!“ ، وكَم كَانَت سيئَة في اخفَاء مشَاعرِها التِي كانَت ظَاهرَة لتشَانيُول ، فَقد أفسَدت البَحة صَوتُها الجمِيل و أصَاب البَلل اسفَل عَينَيها ، و مهمَا حَاولَت كبحَ دمُوعَها هِي فضَحتهَا أمَام الفتَى الأصغَر ، و الذِي يَشعُر بألَمها الذِي يَفوقُ ألمَه بأَضعَاف.
”أمَّا أنتَ عزِيزِي .. فسَتصلِح الأمُور معَ فتَاك، و أنَا سَأساعِدك!!“ ، طَمأنَته لتَستَقيم مُعدلَة ثَوبَها الوَاسِع و الذِي يصِل لِرُكبتَيهَا ، و إبتِسامَتها لَم تُفارِق ملَامحَها الجمِيلَة تُضفِي بريقًا جَذَّابًا علَيها.
”و أعتقِدُ أنَّك تَستغرِق وقتًا أطوَل مِن اللَّازِم، و تَعمَل على ابعَادِه فَحَسب. فتًا بعِنادِه لَن يُعجبَه كَونُه الوَحيدَ الجَاهِل هنَا!“ بأكثَر النَبرَات اقنَاعًا اقتَرحَت على تشَانيُول الذِي هزَّ رَأسَه مُؤيدًا، فقَد بدَى كلَامهَا مَنطقيًا.
”لِم تُحادِثيننِي بالكُوريَة!؟“ تشَانيُول تسَاؤَل يَحصُل على انتِباهِها عَن هاتفِها الذِي بيَدهَا. ”أريدُ أن أجِيدَها، و التَحدُّث بِها مَع كُورِيين هيَ أفضَل طَرِيقَة لتَحسِينِها لذلِك فلتُحادِثنِي بالكُوريَّة فَقط“ فسَّرت و قد بدَت مُتحمِّسة لذَلك ، و تشَانيُول هزَّ رَأسَه بِتفهُّم.
”كمَا أن الفتَى بدَى جَاهلًا للُغة، و لَا يَبدُو انَّه يُحب ذلِك ..!“ تحدَّثت مُجددًا ليَرفعَ تشَانيُول نظَره الَيها ،يصُب كلَّ تركِيزهِ على حدِيثهَا . ”انتَ لَم ترَى وَجهَه عِندَما حدَّثته بالألمَانيَّة لِأوَّل مرَّة، لقَد كانَت تعَابيرُه مُضحكَة“ قَهقَهت بإِستِمتَاع و هي تَصفُ للأطوَل مَا حدَث مُظهرَة تعابِيرًا غريبَة علَى انَّها تعَابيرُ الأصغَر كمَا رَأتها و تشَانيُول ابتَسم بوُسع، سعِيدٌ بالحدِيث عَن بيكهيُون .
”أتَعلمِين ، بيكهيُون ذكيٌ جدًا. هوَ جيدٌا في العلُوم لكنَّه الأسوَء في اللغَات ، فمَهما حاوَلت تعلِيمَه لَا يَحتَفظ بأي مِنها في عَقلِه!“ حرَّك تشَانيُول يدَاه في الهوَاء يشرَح بسَعادَة لجُوليَا الوَاقفَة متَكتفَة أمَامَه ، سعيدَة بتَفاعُله اللطِيف معهَا و الذِي لَم يُبدِيه مِن قَبل .. فتشَانيُول يبدُو كطِفلٍ صغِير مُتحمِّس عِندَما يتَحدَّث عَن بِيكهيُون.
”لَقَد كُنت أغيضُه بالحدِيث بالألمَانيَّة، و كانَ دائمًا يغضَب و يقُوم برَميِ الأشيَـ-..!“ توقَّف تشَانيُول عنِ الحدِيث فِي تِلك اللَّحظَة عندَما صَدَح صوتُ اغلَاق البَاب بقُوَّة ليَلفَّ كرسَيَّه مواجهًا البَاب.
”اعتَقدُ انَّه بيكهيُون !! لقَد خرَج للتَو“ أشَارَت للبَاب بإستِغرَاب ثمَّ أعَادَت نظَرهَا لتشَانيُول الذِي فَقد حمَاسَه و ابتِسامَته ليُحدِّق بالبَاب قبلَ أن يُطَأطأ رَأسه .
”أتَذهَب الَى غُرفتِك أَم ..!“ ، ”سَأنتَظرُه هنَا حتَى يعُود ، سَأحَادثُه“ .
🌿
بِيكهيُون كانَ في الخَارِج لمدَّة تُعدُّ طويلَة و لَم تَكُن لَه نيَّة العودَة لذلِك المَنزِل ، هوَ استَمرَّ بالتَجوُّل مُستغلًا فُرصَة خرُوجِه لإستِكشَاف المَكان، مُحاولًا ايجَاد حدُودٍ لَه، كانَت تِلك فِكرَته الوَحيدَة التِي قَد تُخلِّصه مِن التَّفكِير فِي تشَانيُول و ألَاعيبِه.
الجَو كانَ جميلًا مسَاءا ، فغُروب الشَّمس الذِي بسَط ألوَانَه البنَفسجيَّة مع خلِيط مِن البُرتقالِي على السَّماء المُلبَّدة ، يَمنحَها مَنظرًا سَاحرًا و مُسرًا لأعيُن الفتَى الأشقَر .
لَكِن المَطر قَد بدَأ بالنُّزولِ فَجأَة مُخرِّبًا جَولَته ، يُرغِمه عَلى الرَّكضِ عَائدًا الى المَنزِل. جرَّ قدَماه مُحتَضنا جسدَه مِن نسمَات الهوَاء البَاردَة مسَاءًا. فقَد كانَ الجَو المسَائي مُحببًا لبِيكهيُون ، لكِنه عدوٌ لدُود للمَطر و الجوُّ البَارد قَد كانَ عَاملًا آخَر مُزعجًا لبيكهيُون الذِي خرَج بقمِيص أبيَض صيفِي خَفِيف ، فلَم يَكن بحُسبَانِه ان الجوَّ بهَذه البرُودَة مسَاءًا ،و لَم يَكن على علمِ بنُزول الأمطَار أيضًا ، و عِند هاتِه النُقطَة هوَ لعنَ حظَّه.
توَقَّف عَن الرَّكض عِندَما اتضَّح لَه المَنزِل ، لَكنَّه ارتَدَّ للخَلفِ بسُرعَة ، خشيَة أن يَلمَحه مَن يقبَع أمَام البَاب مُراقبًا المَطر بهيُام . تشَانيُول الذِي تَكوَّر دَاخِل الغِطاء الصُوفِي الذِي يلُفُّه مُتابعًا مرَاقبَته الهَائمَة بالمَطر و مَنظَر غرُوب الشَمس أسفَل ذرَّاتِه ، يقِف عندَ المَدخَل الرِئيس أسفَل السَّقف يَحمِي نَفسَه مِن المَطرِ و بنَفس الوَقت يُمتِّع عَينَيه.
فِي الحَقيقَة لَم تَكُن لَديه فِكرَة عَن وُجود بِيكهيُون في الخارِج حتَّى هذا الوَقت ، فقَد انتَظر عَودتَه لمُدة طَويلَة ليَعُود لغُرفَته بعدَ أن فقَد الأمَل . لَكنَّه خرجَ مُجددًا عِندَما لمَح ذرَّات المَطر التِي تَضرِب بنَوافِذ شُرفَة غُرفتِه ، ليَتحمَّس للخُروج و مرَاقبَة المَطر و التِي اكتَسبهَا كعَادة ، لحبِّه الشدِيد للجَوِّ الغَائِم . مُتأكدًا مِن أن بيكهيُون قَد عادَ لغُرفتِه الآن ، فهُو لَم ينسَى مُقتَ الأصغَر للمَطر و كُرهَه للتَبللِ به.
لَكن بِيكهيُون فِي الخَارِج الآن ، و لَم يَجِد مَكانًا ليَختَبئ فِيه مِن المَطر . كمَا أن العَودَة للدَاخِل كانَت فِكرَة سيئَة فَآخِر مَا يَرغَب بِه هوَ موَاجَهة تشَانيُول الآن .
كانَ لبِيكهيُون نصِيبٌ كافٍ مِن الحَظ السَيء ، فقَد تبَللَت ثيَابُه بالكَامِل و شَعرُه أيضًا ليَركُض في الأرجَاء كجَروٍ ضَائع ، يبحَث بِجدٍ عَن مكَان يقِي نفسَه بِه مِن المطَر الذِي اصبَح اكثَر غزَارَة ، ليُختتَم يَومُه السَيء بِتَعثُّره ليَسقُط في العُشب و استَاخ كافَّة ملَابسِه .
جلَس بِيكهيُون على العُشبِ اسفَل المَطر الذِي لَم يَرحَمه ، ليَعطِس بلَطافَة ثمَّ يحُك انفَه ، ثمَّ ليَتَخبط و يَركُل بقَدمَيه على الأرضِ و قَد رَاودَته رغبَة في البُكاء ، يشعُر بأنَّ كلَّ شَيء ضدُّه في هذَا العَالم حتَّى الطبِيعَة قررَت أن تُمطِر بعدَ أن خرَج مِن المَنزِل و بَعد أن أغلَق علَيه تشَانيُول طرِيق العَودَة الَيه.
مرَّت عِشرُون دقِيقَة مُنذُ ركَض بيكهيُون و اختَبأ اسفَل شجَرة قَد ظهَرت فَجأَة أمَامَه ، ليَركُلها بقُوة يعَاتبِها لأنَّها استَغرـقت وقتًا طوِيلًا لتَظهَر أمامَه . كانَ متعَبًا و مُرهَقًا ، يَتنهَّد بضِيق و هوَ يتَفحَّص مَلابِسه التِي أُفسِدت بالكَامِل ليَرفَع يدَه و يضَعهَا عَلى جبِينِه، مُتأكِّد مِن انَّه سيَمرَض و بِقوَّة ، فجَسدُه أضعَف مِن أن يكُون ضَعِيفا ، و هوَ يَكرَه ذلِك بشِدَّة .
وَقفَ ليَرفَع جَسدَه عَلى رُؤوسِ أصَابِعه يتَفقَّد مَدخَل المَنزِل الذِي كَان بَعيدًا نِسبيًا عَن مكَان جلُوسِه . و قَد قفَز بسَعادَة عِند لَم يَجد الأطوَل أمَامَه فتِلكَ فُرصَته لمُغادَرة المكَان و العودَة للدَاخل ، و بغَير تَردُّد هُو رَكضَ ناحِيَة المَنزِل متنَاسيًا تَعبَه.
🌿
”أينَ بِيكهيُون !؟“ ألقَى لُوهَان بإِستِفسَارِه بينَ تثَاؤباتِه المُتكَررَة ، عَلى الرِفاقِ المُتجمِّين أمَام التِلفَاز بعدَ أن لَاحَظ عدَم وجُوده عِندَما تقدَّم مِنهُم . يَجلِس بجَانِب كَاي الذِي يَعبَث بهَاتِفه و الذِي هزَّ رَأسه نَافيًا دُون أن يُبعِد عَينَيه عَن هَاتِفه . ”لَم أرَه مُنذُ دخَلنَا ..!“ تَحدَّث كيُونغسُو ليُومِئ سيهُون مُؤيِّدًا ، ”ولَا أنَا ، لَقد كنتُ نائمًا ..“.
”ربَّما في غُرفَتِه يُغلِق البَاب عَلى نَفسِه ، فقَد طَرقتُ البَاب قبلَ نزُولي و لَم يَفتَح ، لَكنِّي أخبَرتُه أنَّ العشَاء جَاهِز “ أجَاب كَاي مُشبِعًا فضُول الفِتيَة و مُخففًا مِن قَلقِهم ، ”أيَجدُر بِي تفَقدُه مُجددًا ؟“ أردَف مُجددًا عِندَما لَم يلقَى ردًا مِن الجَالسِين أمَامه. ”لَا علَيك.. هُو عنِيد و لَن يَستَمع لأحد!“ لوَّح لُوهَان نافيًا ليَجلِس كَاي بعدَ ان هزَّ رَأسه بخفَّة .
”العشَاء جَاهِز !“ صَاحَت جُوليَا مِن المَطبَخ لتَخرُج بعدَ ذلِك حَاملَة آخِر الأطبَاق، و التِي كَانَت عبَارَة عَن دجَاجَة كبِيرَة مَطبُوخَة ، بعدَ ان فَرغَت مِن تَحضِير الطَاولَة ليَجلِس الجَمِيع .
”أرِيد أكبَر قِطعَة ، أرجُوكِ نُونَا !؟“ تَرجَّى كَاي كَالأطفَال و هُو يَدفَع طبَقهُ أمَامَ جُوليَا بينَما يَحمِل شَوكَته فِي يَدِه مُستَعدًا لمُهاجمَة تِلك الدَّجاجَة بغَيرِ تَردُّد .
”أسرعِي بوَضع البَعضِ مِن أجلِه إنَّه يَمُوت !“ تَحدَّث سِيهُون سَاخرًا لتُقهقِه جُوليَا ثمَّ تهزَّ رَأسهَا، ”دَعنِي أبقِي القلِيل لتشَانيُول و بِيكهيُون ، بمَا أنَّ العنِيدَين يَرفضَان الخرُوج لتنَاوُل العشَاء!“.
🌿
أغمَض تشَانيُول عَينَيه سَامحًا للهَواء اللَّيلِي البَارِد بمُداعبَة وَجهِه و التَّخلُّلِ بينَ خلَات شعرِه الأسوَد الطَّويل ، علَى الرَّغمِ مِن تَوقُّف المَطر الَّا أنَّ الهوَاء قَد كانَ قَويًا و بَاردًا ، الَّا أن تشَانيُول يُحبَّ ذلِك ، يحِب فتحَ بابِ شُرفَته و الجُلوس عِندهَا بملَابِس غَيرِ ثقيلَة ، و لَا يمَانِع حتَّى إن مَرض بِسببِ ذلِك .
تِلك الأصابِع الخشِنة التِي تَحتَضن السجَارة تحرَّكت نحوَ فَمه لتَضعهَا بينَ ثُخن شفَتيه، ينهِي ما تَبقَّى منهَا ليُكوِّر شفَتَيه سَامحًا للدُّخان بالخُروجِ علَى شَكل دوَائر ، ليدَهسَها على الصَّحن المُخصصِ لهَا و المَوضُوع على الطَّاولَة بجَانبِه قبلَ أن يَضغَط عَلى جهَاز التَّحكُّم الخَاص بكُرسيَه المُتحرِّك ليَستدِير عَائدًا للدَاخِل ثمَّ للخُروجِ مِن غُرفتِه مُتجهًا نحوَ المَطبَخ علَّه يروِي عطشَه بكُوب مَاء.
أعَاد الكُوب للطَاولَة بَعدَ أَن أنهَى مُحتَواهُ دُفعَة وَاحدَة ، عِندَما سمِعَ صَوتًا غرِيبًا قَادمًا مِن الدَّرج ليَتقدَّم بحذَرٍ ناحيَته .
”مَاء..!“ تشَانيُول قَد سمِع ذلِك معَ اقتِرابِه على الرَغمِ مِن انَّ الصَوتَ قَد كَانَ خَافتًا ، و لَم يَكن صوتًا غريبًا على مَسامِعه إطلَاقًا . الأنِين الذِي صَاحَب ذلِك جعَله يُسرِع للوُصولِ للمكَان ، عندَما وجدَ الفتَى مُلقًا عَلى الأرضِيَّة البَاردَة ليَظنَّه مُغمًا علَيه قبلَ أن يتَحرّك ببُطء محَاولًا الوُقوفَ لكِن دونَ أن يَنجَح.
و كردَّة فِعلٍّ طبِيعيَّة بالنِسبَة لتشَانيُول الذِي يرَى فتَاه و هوَ يُكافِح ليَقفِ قبلَ أن يَهوِي جَسدُه عَلى الأرضِ مُجددًا ، في ظلِّ صَدمَتِه هوَ القَى بجَسدِه علَى الأرضِ ليَدفَع الكُرسَي ثمَّ يزَحف مُقترِبًا مِن بِيكهيُون ، ليَحتَضنَه بَينَ ذرَاعَيه و يرَفعَ وجَهه بيدِه ثمَّ يَبدَأ بصَفعِه بخفَّة ، ”بِيكهيُون .. بِيكهيُون ، ما خَطبُك ؟ إستَيقِظ أرجُوك !!“ .
”إلهِي..!“ تَيبَّست أطرَاف تشَانيُول عِندمَا أحسَّ بإِرتِجَاف جَسدِ بيكهيُون ضدَّ خَاصتِه ، و الذِي كانَ يتَمتِم بكلِماتٍ غيرِ مفهُومَة. ”بَارِد!!“ تشَانيُول إستَطاع فَهمَ تلكَ الكلِمة بأعجُوبَة بعدَ أن إقتَربَ مِنه بِيكهيُون و لَفَّ ذرَاعَيه حَولَ جذعِه ليَدفِن وجهَه داخِل بطنِ الأطوَل.
تشَانيُول حزَر سرِيعًا أنَّ الأصغَر مُصابٌ بنَزلَة بَرد و هَاهوَ الآن مُلقَى بَينَ أحضَانِه بكلِّ هدُوء ، فهُو بالتَّأكيدِ لَا يَعي مَا يَحدُث حَولَه . و بسُرعَة هُو التَقطَ هَاتفَه مِن جَيبِه ليَتصِل بأحدِ الفتيَة كحَلٍ سرِيع، يجبُ نقلُه للمَشفَى حالًا ، و أوَّل رَقمٍ صادَفه كانَ سيهُون .
”أصمُد قلِيلًا هيُون ، سَنأخذُك للمَشفَى!“ ربَّت تشَانيُول على رَأسِه بينَما يدُه الأخرَى تَضغَط مجَددًا عَلى شَاشَة الهَاتِف تعَاوِد الإتصَال بالشَّاحِب عِندَما تَحرَّك الأصغَر داخِل أحضَانِه هازًا رَأسه ضدَّ صَدرِه. ”لا لُوهَان.. لُوهَان لَا تَأخُذنِي للمَشفَى!“ تحدَّث الصبيّ ليُحكِم العنَاق على جَسدِ الأطوَل قبلَ أن يفقِد الوَعي.
🌿
فُتحَ بابُ الغُرفَة فَجأَة ليَلفَت إنتبَاه جمِيع مَن يقبَع خَارِج غُرفَة تشَانيُول، يَدلَف خَارجِها الطبِيبُ و هوَ يُمسِك حقِيبَته ليَقتَربَ مِنه تشَانيُول قبلَ ان يبدَأ بالحدِيث بلغَة جَهلَها البَقيَّة ، يُمكِن ان يَحزرُوا أن مَن أمَامهُم يتَناقشُون باللَّغة الألمَانيَة.
عِندَما انحَنى الطَبِيب و غَادرَ ، دخَل تشَانيُول ليَلحَق بِه البقيَّة ، مُتجمِّعينَ حولَ السَرِير الضَخمِ الذِي يتوَسطُه بِيكهيُون بجسَدِه الضَئِيل و وَجهِه الأبيَض الشَّاحِب . ”قالَ الطبِيب أنَّه سيَكونُ بِخَير، علَيه فقَط أن يحضَى ببَعضِ الرَّاحَة و يتنَاولَ دوَاءه!!“ تحدَّث تشانيُول دونَ أن تغَادر عينَاه وجهَ الأصغَر بينمَا يمسِك بيدُه بين خَاصَتيه بإحكَام .
”هذَا مرِيح..!“ جَلسَ لُوهَان عَلى حَافَة السَرِير و ربَّت عَلى خدِّ بِيكهيُون بَعد أن حدَّق طوِيلًا بوَجهِه . ”سأقُوم بتَجهِيز الغُرفَة المُجاورَة لأجلِ بيكهيُون، سَأهتَم بِه ، يجِب أن تَرتَاح !“ تَحدَّثت جُوليَا مُربِّتة على كتفِ تشَانيُول الذِي هزَّ رأسَه نَافيًا سرِيعًا ، عَينَاه ما تزَال على الأصغَر ”دَعِيه يَبقَى هنَا ، سَأبقَى مَعه!“.
هزَّت جُوليَا رَأسَها بقِلَّة حِيلَة ، لتَدلَف خَارجًا أولًا فيمَا يلحَق بهَا البَقيَّة، ”شُكرًا لَك .. سِيهُون!“ تَحدَّث تشَانيُول مُستَوقفًا سِيهُون الذِي كانَ علَى وَشكِ الخُروج ، ليَبتَسم هازًا رَأسه بتَفهُّم ، ”اتَّصل بِي ان احتَجتَ شَيئًا!“.
”مُتأكِّد مِن أنَّك لَا تَحتَاج مَن يسَاعدُك في تَغيِير ملَابِسه ؟“ استَفسَر سِيهُون بطِيبِ نيَّة لكِن تشَانيُول ابقَى علَى رَفضِه ، ”لَا حَاجَة لذَلِك!“.
🌿
نِصفُ سَاعَة مِن الزَّمن مرَّت ، و تشَانيُول يجلِس بظَهرٍ مُقوسٍ علَى كُرسيِّه أمَام السَرِير ، مُمسكًا بقَبضَة بِيكهيُون الصغِيرَة بَين يدَيه و جبِينُه علَيهِما . يُلقِي بنَظرِه علَى القَميصِ الكَبير خَاصتَه المُرمَى علَى الكُرسِي أمَامَه ، و الذِي مِن المُفتَرض أن يرتَدِيه بِيكهيُون الآن بدَل الثيَاب الثَقيلَة التِي ارتدَاها سابقًا .
بِيكهيُون لَم يُبدِي أيَّ تَحرُّك سوَى بعضِ نَوبَات السُّعال التِي تأتِيه بُغتَة ، تَجعلُه ينتَفض و كَأنَّها تَقتُله ، و قَد كانَ ذلِك مُقلقًا لحدِّ المَوتِ بالنسبَة لتشَانيُول الذِي لَم يقَع في حالَة كهذِه ، لَا سيَما و أن مَن أمامَه ليسَ أي شَخص إنمَّا أعزُّ شَخص قَد بقِي لدَيه .
الوَقتُ يمرُّ و تشَانيُول مَا يزَال في وَضعيَّته ، فقَط يُحدِّق ببِيكهيُون بتِيه ، غيرَ قادرٍ على الإقدَام علَى تجرِيدِه مِن ملَابسِه، بعدَ ان طلبَ مِنه الطبِيب تَغييرَ ملَابِس المَريضِ لأخرَى خفِيفَة . فِي كلِّ مرَّة يحَاوِل ابعَاد الغِطاء عَن الصبِي سيُعيدُه في الثَانيَة التَّاليَة ليُشيحَ بنَظرِه بَعد ذلِك .
”حرَارتُه لَم تَنخَفِض!!“ حدَّث تشَانيُول نَفسَه بعدَ ان انتزَع الخَرقَة مِن على جبِين الأصغَر و وَضع كفَّه علَيه يستَشعِر حرَارَته ليتَفَآجأ بإرتِفَاعها . عِند تلكَ اللحظَة هوَ استَجمَع شجَاعَته و ابعَد الغطَاء بسُرعَة . بغَير تردُّد يجرِّده مِن الأقمصَة ، فبِيكهيُون قَد ارتَدى اكثَر ممَا تَوقَّع تشَانيُول.
انتَهى أخيرًا ليَقتَربُ مُحاولًا البَاسَه القَميص العرِيضَ خَاصتَه ليمسِك بنطَالَه القُطنِي مُتأملًا ألَّا يَكونَ قَد ارتَدَى اكثَر مِن وَاحِد ، يسحَبُه لأَسفَل مُحاولًا انتِزاعَه بصُعوبَة .
تَسطَّح بِيكهيُون أمَام تشَانيُول، و لَا يَستُر جَسدَه سِوَى قطعَة وَاحدَة مِن الملَابس، قَميصٌ يصِل لمُنتَصف فَخذَيه لَا يُخفِي شَيئًا مِن سَاقَيه. حَاولَ تشَانيُول اشَاحَة نَظرِه مرَّاتٍ عدَّة، لكِن يدُه التِي تُحاوِل اعَادَة الغطَاء على بيكهيُون تتيَبَّس عِند اقترَابِها مِنه.
أرَاد صَفعَ نَفسِه لِأنَّه يَستَحِق، كَيف لَه أن يُفكِّر بهَاتِه الطرِيقَة و مَن امَامَه يصَارِع المَرض، بينمَا عينَاه تُحاوِل اِمتَاعَه بشُحوبِ بَشرَة بيكهيُون التِي أمَامَه . لَكِن كيفَ يُمكِنه إيقَاف تضَارُب قلبِه، كيفَ يُمكِنه ايقَاف مشَاعرِه الهَائجَة ، إشتِياقِه و رغبَته العَارمَة بإِحتِضان الأصغَر و تَقبِيل كلِّ انشٍ مِنه ، هوَ حتَى لَا يُصدِّق أنَّه يرَى بِيكهيُون أمَامه دونَ ان يَهرُب مِنه أو يتَصرَّف بلُؤمٍ معَه.
بغَيرِ وعَيٍ هوَ وجدَ نفسَه يَرفعَ جَسدَه بذرَاعَيه ليَقتَرب مِن بِيكهيُون ، يَطبِع قبلَات متَفرقَة على عريِ سَاقَيه ليَرفعَ الغطَاء بعدَ ذلِك عَلى جَسدِ الأصغَر ، ثمُّ يعُود لنَزعِ الخَرقَة التِي عَلى جبِينِه يعِيد تَجدِيد بلَلهَا ثمَّ يضَعنَا عَلى جبِين الأصغَر مُجددًا. ثمَّ يُمسِك بيَده بينَ خَاصتِه و يضعَ رَأسَه علَيها، باقيًا علَى تِلك الحَالَة.
سَاعَة.. سَاعتَان، و بِيكهيُون عَلى حالِه، لَم يتَحرَّك او تَصدُر عَنه أيُّ ردَّة فِعل . تشَانيُول لَم يسمَح لجَفنَيه بالإلتِقاء لثَانيَة ، مُستَغرقًا بمُراقبَة الأصغَر المُستَلقِي عَلى ظَهرِه و درَجة حرَارَته انخَفضَت للعَادِي ، بينمَا ما يزَال يسعُل بينَ الحِين و الآخر.
بَينمَا تشَانيُول يَضعُ رَأسه عَلى حَافَّة السَرِير مُمسكَا بيدِ الأصغَر ، هُو أحسَّ بالفَراغِ يحَاوِط يدَيه بعدَ ذلِك لينتَفضَ بذُعر، بِيكهيُون يستَرجِع وَعيَه ؟ التَفكِير فِي ردَّة فِعلِه الآتيَة أرعَبه . ”تشَان-.. تشَـ-..!“ تمتَم بيكهيُون بكلِماتٍ غَيرِ مَفهُومة ، لَكِن بدَى وَاضحًا لتشَانيُول أنَّ الأصغَر ينَادِي بإِسمِه لَا غَير .
تحرَّك الأصغَر كثيرًا بِذاتِ بقعَته، يهَمهِم تارَة بِكلِمات غيرِ مفهُومة و تارَة أخرَى بإسمِ تشَانيُول. فيمَا تشانيُول يجلِس مُتكتِّفا أمَامه بإستِغرَاب ، هُو لَم يستَرجِع وَعيَه لَكنَّه يُهذِي بينَما يتقَلَّب بمكَانِه بدَل ذلِك . ”لَا ، لَا تَر-..“ صمَت قبلَ أن ينهِي كلمَته ليَإن أثنَاء تَحرُّكه للجَانِب ليَنَام على يمِينِه ، مُقابلًا الأطوَل الذِي تصنمَ لدَى فِعلتِه ، ليُعودَ لنَومِه .
لَم يَكُن بإمكَان تشَانيُول سوَى إشبَاع عَينَيه و قَلبِه بجَمال النَائِم أمَامِه، و بِهدُوء اتَكَأ على طرَف السرِير بكَوعَيه يَضعَ وَجههُ أمَام خاصَة الأصغَر المُستَغرِق في النَومِ و الغيرِ مُدرِك لمَا حَولَه.
يَختصِر مَا يفصِل بينَ وجهَيهِما مِن إنشَاتٍ لتتَلَامَس أنوفُهما بحمِيميَة و ليَشعُر الأطوَل بأنفَاس النَائم الحَارة، ”أتمنَى لَو بطرِيقَة مَا أسلُبُك مرَضك.. لَا أرِيدُك ان تَمرَض بأيِّ طرِيقَة! دَعنِي أخُذه بدلًا عَنك“ همَس تشَانيُول امَام شفَاه الأصغَر قبلَ أن يطبَق ثخِينتَيه على شفَاه بيكهيُون الصغيرَة .
دَاعبَها بلُطفٍ مُستَشعِرة حلَاوة لُعاب الأصغَر الدَافِئ الذِي غلَّف شفَاهَه الحمرَاء بِسبَب المَرض ، يمتَصُّ بالتَّناوُب العلوِية بعدَ السُفليَّة ، آخذًا القيَادَة منذُ أن الأصغَر تَقريبًا غَائبٌ عَن الوَعي و تشَانيُول احبَّ ذلِك نوعًا ما ، فلَم يَكن ليتَمكنَ من ذلِك ان كانَ بيكهيُون بكامِل وَعيِه ، هوَ سيُبرحُه ضربًا دُون رحمَة.
إقتَحمَ تشَانيُول جَوفَ بِيكهيُون ، يلُف لسانَه حولَ لسَان الأصغَر ليدَاعبَه بلُطفٍ قبلَ ان ينسَحبَ مِن القبلَة بعدَ ان طبعَ قبلَة طوِيلَة على شفَاه الآخر ثمَّ قبلَة سطحِيَّة على فكِّه، ليَبتعِد مُستَرجعًا أنفَاسَه.
🍃
جفَل بِيكهيُون عدَّة مرَّات قبلَ أن يفتَح عَينَيه ببُطء، حدَّق بالسَّقفِ مدَّة من الزَمن ليُقيمَ ظهرَه مُحاولًا الإستقَامَة ، مُمسكًا برَأسِه الذِي هَاجمَه صدَاع ، و للتوِ لاحَظ الخَرقَة التِي سَقطَت مِن علَى جبينِه.
جلَس علَى طرفِ السَرِير مدلِّكا عُنقَه ، يشعُر بوَهنٍ غرِيب بقدَميه و تعبٍ يَمنعُه مِن الحرَاك ، و رغبَة عَارمَة بتَرويَة حَلقِه، عطشٌ ممِيت. عِندَما حاوَل الوُقوفَ أمَام المِرآة الطوِيلَة القريبَة مِن السرِير ، توَسعَت عَينَاهُ بصَدمَة عِندَما رأَى عرِي سَاقَيه بسَبب القَمِيص العرِيض الذِي يَصلِ لمُنتَصف فَخذَيه ، و الذِي مَال على أحدِ الجوَانِب مظهرًا احدَ اكتَافِه و عظَمن تَرقوَته لكِبر حَجمِه .
ذلِك اللبَاس الفَاضِح .. القَميص ، الشَيء الوَحِيد الذِي يقِي جسَد بيكهيُون الضَئيل، بدَت رَائحَته مَألُوفة لَم تتغَير لأكثَر مِن أربَع سنَوات ، و إن امعَن النَّظر فيُمكِنه أن يَرى إحمِرار شفَتيه و إنتِفاخهَا و مدَى تضَررهَا ، و شَيء وَاحِد قَد طرَأ بعَقلِه و بالتَّأكيد لَم يَكن ذلِك جيدًا البَتَّة.
لمَح بيكهيُون ملَابسَه المُرتبَة على الكُرسِي أمَام سرِيرِه قبلَ أن يلتَقط البنطَال القُطنِي يرتدِيه سَريعًا، ثمَّ يُغيِّر القَميصَ ليَرتَدي خَاصتَه بدلًا عَنه و يَخرجَ سَرِيعًا مِن الغُرفَة الغريبَة التِي وجَد نَفسَه بهَا مُتجهًا للمَطبَخ أولًا، يروِي عطَشه قبلَ كلِّ شَيء ، فحَلقُه يؤلِمُه كاللَّعنَة .
وضَع الكُوب جانبًا بَعد أن شرِب مُحتوَاه، عِندَما سَمع صوتَ التِلفَاز الذِي كانَ مُرتَفعًا، و بفضُول اقتَرب مُتمنيًا أن يَجد تشَانيُول هنَاك.. مُخططًا لمُعاتبَته. تركَ المَطبَخ مُتجهًا لمَصدَر الصَوت، غرفَة المَعيشَة حيثُ البَاب مَفتُوح ، يُمكِنه سمَاع الصَوت بوُضوح، كَانت اللُّغة كوريَة ، لذَا لَا مجَال لبيكهيُون الَّا يفهَم مَا يحصُل .
يمكِنه سمَاع الكلَام الغَرِيب الذِي يُبثُّ ليَدخُل الغُرفَة بخُطًا بطِيئَة ، و تشَانيُول كانَ هنَاك فعلًا لكِن مَع رفقَة ، الفتَاة ذاتُ الملَامِح الحَادة تقفُ لجَانِب تشانيُول بَينمَا يُحدِّق كلَاهمَا بالتِّلفَاز بتَركيز . و شَخصٌ ثَالِث ، رجُل كَهل بشَعرٍ أسوَد مَع خصلَات بَيضَاء و وجهٍ شابٍ بالرَغمِ مِن ذلِك و بيكهيُون تَعرَّف عَليه بسُهولَة ، السيَّد لِي .. طبعًا ، استَاذ تشَانيُول و صدِيق والدِه المُقرَّب ، أقرَب شَخصٍ لتشَانيُول بعدَ والدَيه و شقِيقِه .
وقفَ الرَّجل بوَجهٍ باردٍ و ملَامِح جَادَّة يحدِّق بالتّلفَاز مُتكَتفًا ، بينمَا بدَت الفتَاة متَوترَّة فقَد كَانَت تَنقُل نَظرَها بينَ وجهِ تشَانيُول الشَّاحِب و بينَ التِّلفَاز، فيمَا بدَى تشَانيُول مُحطمًا بوَجههِ المَريضِ الأبيضِ بشَكلٍ مُبالَغ فِيه ، و ان أمعَن بِيكهيُون النَّظَر فسيَتمكَّن مِن رُؤية إرتِجافِ جهَاز التَحكُّم بينَ يدَي الأطوَل و اهتِزَاز كتفَيه، هوَ حتَّى رَآه يَمسَح عَينَيه.
”.. الإِبن الأكبَر لعَائلَة بَارك المَرمُوقَة بَينَ قَبضتَي الشُرطَة أخِيرًا ..-!“.
”مَجمُوعَة بَارك تَكشِف أخيرًا عَن الخَبر الصَادِم، السَببُ ورَاء اختِفَاء عائلَة بَارك لأكثَر مِن أربَع سنَوات!“.
”حتَّى الآن ، لَم يَشهَد أي ظهُورٍ للإبنُ الأصغَر حَاليًا ، السيِّد لي المُدِير التَّنفِيذِي و الرَئِيس المُستقبلِي لمَجمُوعَة بَارك سيَحضُر مُؤتمَر الغَد الذِي سيُعقَد في الشَّركَة الرَّئسيَّة ، لَم يتَم تأكِيد حضُور الإبنِ الأصغَر بَارك!“
”الإبن الأكبَر المَدعُو ش.ه ، المُتهَّم بالتَسبُّب بمَقتَل والدَيه قَبل مَا يقَارِب الأربَع سنوَاتٍ و نِصف ..! و المُشتبَه في قضيَّة اختِطافِ و تَعذِيبِ الإبـ-..“.
ضغَط تشَانيُول علَى ازرَارِ جِهازِ التَحكُّم بيدٍ مُرتجِفَة ليَرميَه ، ثمَّ يَخفِض رَأسَه و يُخفِي وجهَه بينَ اكفَاف يَديه لتَبدَأ كتفَاه بالإهتزَاز و يخرُج صوتُه مَكتُوما ، ”كانَ مِن المُفتَرض أن يبقَى المَوضُوع بَعيدًا عَن وَسائِل الإعلَام، الأمرُ خَارِج السَّيطرَة الآن!!“ .
صَوتُ تشَانيُول كَانَ مُهتزًا ، خَافتًا يُوشِك علَى الإختِفَاء بينَ دمُوعِه التِي انهَمرَت بقِلَّة حيلَة علَى الرَغمِ مِن محاولَاتِه لكَبحهَا و التحَليِ بالقُوة. علَى مَن يَكذِب بمُحاولَاتِه للظهُور بشَكل نَاضِج و قَوي ، فِفي تِلك اللَّحظَة هوَ بدَى كفتًا في الرَّابعَة قَد أوقَع مُثلجَانه و بدَأ بالنَّحيب ، لكِن الأمُور هنَا أضخَم من تُقارَن بقِطعَة مثلَّجات فتشَانيُول يرَى شقِيقَه الأكبَر و هوَ على وشَك أن يُجزَّ في السِّجن و يتعَفَّن فِيه.
”تشَانيُول..!“ نَادَى السيِّد لِي بعدَ أن جثَى على رُكبتَيه امَامَه مُحتضنًا رُكبتَي الأصغَر . ”تشَانيُول ، انظُر الَي ..!“ حَاولَ مرَارًا جَعلَ تشَانيُول يرفَع رَأسه ليُقابلَه لَكِنَّه كانَ مُحطمًا للغَايَة ليُواجِهه فِي حَالَة كتِلك.
”تمَاسَك أرجُوك، أنتَ الوَحيدُ الذِي تبقَّى و لَا ارِيد خسَارتَك أيضًا..!“ تحدَّث السيِّد لِي مُربّتًا علَى ركبَةِ تشَانيُول محَاولًا جلبَ انتبِاهِه، ليَرفعَ رَأسه قليلًا و يَنظُر في عَينَي مُعلِّمه بإنكِسار بَينمـا يتَنفَّس بصُعوبَة.
”لِأجل يُورا، يَجِب أن تَبقَى قَويًا.. أنتَ كلُّ ما تَبقَّى لهَا !“ حدَّثه مُجددًا بعدَ أن إستقَام، يضعَ يدَه علَى كتِفه. ”سنُحضرِها قرِيبًا، و سَأحرِص عَلى أن اجلِبهَا بنَفسِي.. !“ ، هوَ ابتَسم في نهايَة حدِيثِه ليُربِّت على كتِفه مُبتعدًا، مُقتربًا مِن جُوليا.. يحادِثها بخفُوت ، ”مكَان تشَانيُول يَجب أن يَبقَى سريًا ، علَيك الحذَر! لَا يَجب أن يَصل ذلِك للصَّحافَة “ .
”امنَعي وصُول الجَرائِد لهذَا المَنزِل..!“ قالَ الأطوَل بَعد أن لفَّ كُرسيَه ليُقابل جُوليَا مُخاطبًا ايَّاها ، بَعد أن مسَح دمُوعَه و أخذَ نفسًا عَميقًا ليُكمِل ، ”مِن الأحسَن ايقَاف شبَكة الإنتِرنِت أيضًا. لَا أرِيد لِأحدٍ أن يعلَم فِي الوَقت الحَالي..“.
نَظرَت جُوليَا للسيِّد لِي قبلَ أن تُجيب ”سأمنَع وُصولَ الجرَائد لكِن الإنتِرنت.. سيَكونُ صعبًا!!“ . ”فلتَفعلِي .. أرجُوكِي، مهمَا حصَل!“.
هزَّت جُوليَا رَأسهَا بذُعرٍ لتَنظُر للسيِّد لي مُجددًا، تَجدُه يهزُّ رَأسَه مُأييدًا. ”إفعَلي ايًا ممَا يطلُبه مِنك..!“ . هزَّ رَأسه أخيرًا ليُشابِك يدَيه امَامه ، ”تشَانيُول، عليَّ المُغادرَة لكُوريَا بعدَ ساعَة، فلتَـعتنِي بنَفسِك و بضُيوفِك . لَا تشغَل بَالك ، سَأعتَني بكلِّ شَيء لذَا خُذ قسطًا مِن الرَّاحة“ قبلَ أن يَنحنِي و يُغادِر..
اعَاد تشَانيُول رَأسه للخَلف بعدَ ان تُرك وحيدًا، جوليَا غادَرت لتَهتَم بأمر الجرَائد و السيدُ لي ليَهتم بأمور الشركَة و الفَوضَى التي عَمت بعدَ أن وصلَ الخبَر الى الإِعلَام. بعثَر غرَّة شعرَه لتَنزِل مُخفيَة عيُونَه، أجَل هُو اخفَى عيُونه حتَى يسمَح لدُموعِه بالإنهمَار مُجددًا دونَ أن يرَاه اي احَد.
بِيكهيُون يَجلِس خَلفَ البَاب ، بظَهرٍ مُقوَّس ضامًا رَكبَتيه لصَدرِه، بينمَا كفَّاه يغَطيَا فَاهه المَفتُوح بصَدمَة يُحاوِل كتمَ شهقَاتِه التِي تُهددُ بالخُروج فَتفضَحه. نظَره باتَ مُشوَّش و عيُونُه الحسَّاسَة التِي تسرَّب الدُموعَ قَد أصَابهَا الإحمرَار و بدَأت بإِيلَامِه بالفِعل.
أجَل هَو بَكى كثِيرًا ، يَجلِس خلفَ ذلِك البَاب مُنذ نصفِ ساعَة لَم يتَوقَّف فيهَا للَحظَة عَن البُكاء، كيفَ سيَتوقَّف ؟ و هوَ قَد حَصلَ عَلى الكَم الهَائِل مِن المَعلُومَات فِي فَترَة قَصيرَة ، كل ذلِك الذِي يسحَبه لذكريَات السنوَات التِي مَضت بدُون تشَانيُول. كلُّ تِلكَ المعلُومَات التِي تمنَحه خيطًا ضئيلًا مِن نُور، يدُلُّه الى التَّفسِير الذِي انتَظره، و الذِي يستَحقُّه.. لسنوَات.
وَخزٌ مؤلِم يسَار صَدرِه ، هو طَبطَب بخفَّة علَيه بقَبضَته الصغيرَة بينمَا يدُه الأخرى تغلقُ فمهُ بإحكَام، يحَاول الوُقوف و الإتكَاء بجَسدِه المُرتجِف على الحَائِط، قبلَ ان يخطُو على السلَالِم بسُرعَة، يُكافِح للوُصول للطَابِق الأول .
انفَاسه انقَطعَت بينمَا يطرُق بَاب غُرفَة سِيهُون بصَخب ، يَمسح دُموعَه التِي لَا تتوَقفُ عن النزُول ليَطرُق مُجددًا و مجَددًا، لَكن بدَى أن سِيهُون ليسَ بغُرفتِه، اينَ هو بحَق اللَّعنة ؟ .
لَم يمتَلك خيَارًا آخر، سوَى التَوجُه لغُرفَة كَاي. لَا حلَّ أمامَه سوَى كاي، يجِب علَيه مَعرفَة القصَّة كاملَة من احدِ صدِيقَيه فلَا جُرأة لدَيه ليَعرِف مِن صَاحِب القصَّة. هوَ طرقَ البَاب بصخَب بكلتَا يدَيه، ”كَاي، ارجُوك .... إ-إفتَح...!“ بصَوتٍ خَافِت هو همَس فلَا طَاقَة لدَيه للحَديث، هوَ هنا ليَسمَع فقَط.
ثوانٍ حتَى فتحَ كاي البَاب و بصَدمَة هوَ تركَ المِقبضَ عندَها تمَّ دفعُه بعيدًا مِن قبلِ بيكهيُون الذِي هَمَّ بالدُخولِ ليتَوسَّط الغُرفَة، كاي نظرَ نحوَه بصَدمَة يرَى وجهَه الذِي بدَى مُتعبًا و عيُونَه الحمرَاء و المُنتفخَة و أرنبَة أنفِه الحَمراء ليُغلِق البَاب بهدُوء مُحاولًا الإقترَاب مِن بِيكهيُون.
”أخبِرنِي مَا حدَث حالًا..“ صوتُ بيكهيُون الذِي خرَج بشَكل صَاخِب اوقَفه عَن التَقدُّم، هُو لَم يفهَم ما قَصدُ بيكهيُون، فحَسبمَا يَذكُر هوَ لَم يفعَل أيَّ شَيء خَاطئٍ له.
”مَاذَا تَقصِـ-..!“ سَأل كَاي بصَدمَة ، يحَاوِل الإقترَاب مِن بِيكهيُون بغَايَة تَهدِئته فقَد كان فقَط واقِفًا وسَط الغُرفَة يسمَح بذرَاعَيه بالتدَلي لأسفَل بينمَا تَهتزُّ كتفَاه وسطَ بكَائِه ، يحَدقُ بوَجه خَامل و شَاحِب .
”تشَانيُول ..!“ جفلَ كَاي مبتَعدًا للخَلف عِندمَا صرَخ بصَوتٍ عَالٍ ، ”أ-أخبِرك مَاذَا؟!“ أجابَه بتَوتُّر ، يَشعُر بتسَارُع ضربَات قَلبِه.. نَعم هُو كانَ خائفًا .
المَظهَر الذِي يرَاه امَامه لَم يسَاعد، هو حتَّى بدَأ بالإرتِجَاف ، فلَم يحتَمل رُؤيَة دمُوع الأصغَر و تحطُّمه ، ”لقَد عرَفت.. لقَد رأيتُ كلَّ شَيء!“ بِيكهيُون تَحدَّث و عيُونه تنظُر الى خَاصَة الأسمَر و التِي تترَجاه بأسَى ، هو رَأى ماذَا ؟ كاي تسَآءل لكنَّه حاوَل تجَاهل ذلِك على الرَّغم من صعُوبتِه .
”يجِب أن تسأَل تشَانيُول، هُو سيَخبرُك!“ تنهَّد كَاي، يحمِل هَاتِفه ليتَّجه لسرِيره محاولًا تجاهَل الأمر، هو غيرُ معنِي.
”أنتَ مَدِين لِي.. كَاي ، لذَا ستُخبرنِي !“ لحقَ به بِيكهيُون ليَقف امَامه يأخُذ مِنه هَاتِفه ليَرمِيه بقوَّة على السَرِير و يَحصُل عَلى انتبَاهه، و بينَ دمُوعِه و بحَّة صوتِه هو اخبرَه، ”مَدين؟“ .
”تِلك اللَّيلَة في المُخيِّم، أنتَ و تشَانيُول.. لقَد سمِعتكُما . تَقبِيلُك لي.. ما فعَلتَه سَيء، لكِن كل ذلِك لَا يُهمنِي الآن، سوَاءًا لمَصلحتِي أم لَا اريدُ ان اعرِف..!“ هُو توقَّف عَن الحدِيث ، ليَعلُو صَوتُ بُكاءَه، يشعُر بالتعبِ يصِيب سَاقَيه.
”ارجُوك كاي..!“ هو استَند الى ركبَتَي الأسمرَ ليَجلِس علَى الأرض، مُثيرًا فزَع الآخَر الذِي جلَس أمامَه على الفَور يَحتَضنه بقوَّة مربِّتا على صَدرِه، ليَبكي بِيكهيُون اكثَر ، ”أشعُر بالإختِناق، لَا يُمكِنني الإحتمَال.. بَعد الآن. لَقد تحمَّلت لسَنوَات و الأمر أصعَب بكَثير الآن“.
”أرجُوك فلتَهدَأ أولًا.. همم؟؟ تنَفَّس أرجُوك انتَ تَختَنق!“ كاي ترَجاه، يرفَع وجهَه ليَمسَح بلَل وجنَتيه التِي تلوَّنت باللَّون الزَّهري. ”لنَجلس هنَا..“ إحتَضن كتفَا بِيكهيُون يسَاعدُه على الوُقوف ليَجلسَ كلاهُما على السرِير.
تنهَّد كَاي و هو يُحدِّق ببِيكهيُون، بدَى كمَن يمُوت.. يشعُر بحَاجتِه للحصُول علَى تفسِير ملَائِم فَهو يَستَحق ذلِك. تنَفسَ بِيكهيُون بهدُوء .. كانَت تلك اللَّحظَة المُنتظَرة، عِندمَا كاي فتَح فَمه ليَتحدَّث.
”تشَانيُول لَم يتَوقَّف عَن حبِّك يَومًا، أَحبَّك و مازَال يَفعَل . لقَد كُنت كلَّ العالَم بالنِّسبَة لَه .... و الآن أنتَ كلُّ العالَم حَرفيًا ، كلُّ ما تبقَّى لَه هوَ أنت..!“
⅌
هيلووز *-*
طيب البارت كان المفروض انشره امس بس النت من مبارح ضعيفة، حاولت انشره بس ما ضبطت 😭
المهم، اعتذر على التأخر و لهيك حاولت اخلي البارت شوي طويل ، بس الظروف و النفسية تعبانة، اشتغلت على امتحاناتي و تعبت عليها بس النتايج كارثية، يعني تعبي كله راح علفاضي 👀 النفسية زفت.
نرجع للمفيد '-' البارت الي فات ماكان عليه تفاعل كثير، من ناحية التعليقات!! يعني في مشكلة، ولا الرواية طويلة و صارت مملة؟ ما قدرت افهم المشكلة 😥
على كل اتمنى تكونوا استمتعتوا بالبارت و عجبكم 🌸
آراءكم و تعليقَاتُكم؟~ 💁
اهتَمُّوا بأنفُسكُم و كُونُوا بِخيرٍ أحبَّتي 🙋
Коментарі