الفصل الأول
_السادس من شهر أكتوبر عام ٢٠١٥م_
-كـعادتِها تُـتابع شروق الشمس في كل غِسق فجرٍ، بـرشفةٍ من كوب القهوة خاصتها المُكوَب بين يديها الباردة، تارة تُمرر بـنظرها علي جُمل الكتاب المُلقي أمامها بـشرود، وتارة أُخري تُحلق بـعينيها بعيدًا صوب السماء المُغيمة بـالسحُب لـتستقبل الرياح الباردة المُحملة بـقطراتِ الندي التي تُنعش ملامحها الباهتة.
علي ذلك الحال حتي تناغمت أصوات العصافير عُلوًا، وأصبحت الشوارع مُمتلئة بـالناس من مُختلف الأعمار بـمُختلفِ تعبيرات وجوههم، فـاليوم هو البداية للـعامِ الدراسي الجديد، هي لا تُبالي بـالأمرِ.. فـمنذُ سنتان قررت ألا تلتحق بـالجامعة وحتي الآن، لأسبابٍ مُختلفة.
بغتةً، أتاها صوت أخيها الصغير من خلفِها مُقاطعًا هدوءها لـتنتفض..
آنچل بريسكوت، صاحب الستِ أعوام، أخيها الصغير الوحيد.
"روز روز، أرأيتِ الزيّ خاصتي الجديد؟" قالها بـلهفة وهو يركض نحوها، حيثُ كان قميصٌ بنفسجيّ مُزرر مع بنطال فضفاضي كُحليّ اللون.
ألقت روز نظرة واحدة عليه.. فـقالت:"جيد.." بينما لا يُبدي علي وجهها أية تعبيرات وديَّة.
أنتبه لـحُزنها، لـيُداعبها قائلًا:"أأنتِ بخير؟ إنظُري في عَيناي هكذا.." وقف أمامها لـيُقابلها بـعينيه البُنيتان وهو يتشبث علي أطرافِ أصابعه،
لم تهتم روز لأية تراهات فعلها، وألقت نظرها بعيدًا عنه.
"المدرسة جيدة؟ أي سـأستطيعُ تكوين صداقات وهكذا؟ لا أُريد أن أكون وحيدًا هُناك.." سأل آنچل بـبراءة، لطالما كانت أول سنة يلتحق بها في المدرسة بعدما تخرَّج من الروضة.
بعدما تفوه، زفرت روز أبتسامة ساخرة.
حلّقت بـعينيها في السماء وهي تُجيب بـتنهد:"رُبما.. إما أن تكون صديقهم الودود، أو فجأة سـينقلب بكَ الحال دون مُقدمات، وتكُن وحيدًا وهذا من المُحتمل حدوثُه، علي أية حال.. الأمر سـيتغير مرارًا وتكرارًا.. " صرَّحت هي من منظورها التجريبي، رغم أن الأطفال لم يعوا علي هذا، لـيومئ أخيها بعدما فهِمَ نصف ما قالتهُ، لـعدم نُضجه وكونه مازالَ صغيرًا لم يَعي علي تجارُب الحياة، لـيودّعها أخيها أخيرًا مُغادرًا غرفتها.
فورما غادر أستقامت شاهقةً بـعمق وزفرت مُتأففة حياله، هو ليس شقيًا ولكن ثرثار ولا يليقُ به كونه أخيها، وكونها لا تُحب تشكيل خيطًا من الأحاديث والمُناقشات.
أغلقت النافذة الباعثة بـضوءِ الشمس الساطع في كل أنحاءِ الغُرفة، مُتجهة لـفراشها تُحاول أخذ قسطًا من الراحة كـعادة كُل يوم تستيقظ فيه فجرًا، لطالما كانت أحداث الماضي تكتسح عقلها بـكُل ما فيه وهو ما يـسببُ لها الأرق، ولا يفعل الكافيين سوي أنهُ يُعدِّل مزاجِها قليلاً.
-بدت الشمس كـنصف قُرص أسفل لوحة السماء، بينما روز لازالت قابعة في فراشها تُحدق في السقفِ بـعينيها الخضرواتين الداكنتين المُغرورقة بـالدموعِ مع الشهقات الغير مُنتظمة التي تُغادر شفتيها، تشعُر وكـأنها تسلبُ أنفاسها في كُل مرة فكَّرت كيف سـتُكمل حياتها وهي تُعاني، في كُل مرة فكَّرت في ماضيها وكم الخذلان التي ألتقتهُ، في كُل مرة فكَّرت كم ينتظرها القادم بـشوقٍ لـيقضي عليها نفسيًا أكثر فـأكثر، في كُل مرة بكَت فيها مرارًا وتكرارًا بلا حيلة.
نقرت علي هاتفِها لـرُبما تنشغل.. وإن رأت شئ بـنظرها المُشوش بـالدموع..
'أعزائنا القُرَّاء، من المُفترض إنتهاء ميعاد تسليم إستعارة الكُتب منذُ الإسبوع الماضي. وعلاوةً علي ذلك، علي كُل فرد إجباري غرامة عشرين جنية إسترليني حق تأخير تسليم الكُتب، وبـرجاء التسليم بـأقربِ وقت، وشكرًا.'
قابلها ذاك المنشور بـواسطة 'مكتبة لندن' ، لـتقلب عينيها بـتذمُر وهي تُلقي نظرة علي كُتبها المبعثرة علي المكتب.
"هذا ما كان ينقُص.." تمتمت وهي تمسح علي وجهها بـنفاذ صبر.
أستقامت، وجمعت أغراضها، وخطَت صوب دورة المياه.
تُراقب إنعكاسها بـالمرآة وهي تسدل ثيابها تمامًا، بينما تأملت ظهرها المُمتلئ بـالندوب والكدمات الزرقاء، كُلما
صفعها الألم النفسيّ.. كُلما رُسمَت الندوب علي جسدها، حتي لا تنسي مسآوئ ما مضي كـذكري أليمة.
وما لبث حتي غطست بـجسدها وبـكامل وجهِها بـمياه حوض الإستحمام الدافئة، تود ألا تستيقظ مُجددًا كـإستسلامٍ لـلإنتحارِ.
تجهزَت، ثم وقفت أمام المرآة تضع طبقة من الكريم الذي يُلائم لون بشرتها علي وجهِها، وبـالأخص أسفل عينيها حتي يُخفي أثآر الإرهاق، ثم جمعت كُتبها المُستعارة بـحقيبةِ ظهرها التي بدت ثقيلة جدًا بـالنسبة لـجسدِها النحيل.
"إلي أين أنتِ ذاهبة؟" أستوقفتها أُمها يولندا سائلة وهُما بـالطابقِ الأرضي.
"للـمكتبة.. سـأُعيدُ إستعارة الكُتب.." أجابت روز بـبوحٍ، لـتودِّعها أُمها بـبساطة مُتمنية لها العودة بـسلامٍ.
ثم شقَّت طريقها صوب المكتبة، وهي ترتدي سماعة الرأس خاصتها بـأغاني هادئة حزينة.. ثم دسَت كلتا يداها بـجيوبها قبل أن تغطي شعرها الحريري الذهبي بـبعض خصلاته الداكنة
بـالقبعة الملتصقة بـالمعطفِ، وكـأنها منعزلة ممَن حولها.
وصلت للـمكانِ المُراد، تُقابل المبني الأثريّ الشامخ المُطلّي بـدرجاتِ اللون السُكري، مع الزخرفة والعواميد البارزة التي تُزين كُل نافذة حالما تعكسُ ضوء الشمس المحمِر حين غروبِها، وسطح المبني المُزيَّن بـالشكلِ الهندسي المُثلثيّ المُزخرف بـالخطوطِ الطوليّة البارزة.. بدا كـمبني أثريٍ عتيق.
دفعت روز الباب الخشبيّ الأملس، وقبلما تخطو خطواتها للـداخل أستوقفها رجلٌ يطلُب بطاقة العضوية لـيتأكد من كونِها ليست مُشتبهة، فـفعلت كما طلبَ.
أدارت رأسها للـداخل لـتتفاجئ بـكمِ عدد الناس الهائلة المُصطفَّة بـالصفِ، وكـأنهُم مُلتزمون جدًا بـتعليمات المكتبة، ثم أتخذت روز مكانًا بـنهايةِ الصف، بينما تمتمت بـ"اللعنة."
مرَّت دقائق عدَّة جعلت روز تـتذمر بـشقاوة كـالتأتأه والتأفُف، وأخيرًا أصبحت الفرد قبل الأخير.
"أقسمُ لكِ، ليس معي غيرهُم.. لا أعلمُ أين باقي الأموال! سُرقَت أم ماذا!" قال الرجل للـعميلة بـتوتُر وهو يبحث عن باقي أمواله بـجيوبه وحقيبته.. يبدو عليه الفقر.
كُل الناس تنظُر وكـأنهُ مشهد سينمائي.. لم تدفعهُم روح المروءة حتي! ولكن روز نكزت الرجل وهي تُقدم لهُ ما يحتاجهُ من أموال بـصمت.
أخذ الرجل الأموالِ بـتلهُف قائلاً:"شُكرًا.. شُكرًا لكِ بـحق.."
فورما غادر الرجُل، دفعت روز الكُتب بـسخطٍ علي المكتب لـمللِها من الإنتظار، بينما لم تُبالي بـالنظرة التي رمقتها العملية لها بـسبب تصرُفها.
"الأموال؟" طلبت العميلة أولاً بـفظاظة، لتـتفاجأ روز أن كُل ما كان معها أعطتهُ للـرجُل، وليس معها سوي بعض الفكَّة.
"ليس معي.. ما يكفي.." صرَّحت بـتلعثُم وهي تضع ما لديها من أموال علي المكتب.
سحبت العميلة الجُنيهات نحو عُلبة النقود بـإستهتارٍ قائلة:"حسنًا، فلـتبقَ معكِ الكُتب حالما تأتي بـباقيكِ. أعطيني الإسم ورقم التسلسُل خاصتكِ لـتسجيل ما بادرتيه." قالت العميلة بـإبتسامةٍ صفراء وهي تنظُر في حاسوبها، نقرت علي لوحة المفاتيح فورما نطقت روز:
"روزيْنا بريسكوت، خمسة آلآف وعشرين."
روزينا.. صاحبة العشرون عامًا، مُتوقفة تعليميًا، من أصلٍ إيطاليّ كـأُمِها، وأبيها المتوفي من أصلٍ إنجليزيّ، جمعَت بين الجنسيتين بـبشرةٍ برونزية مع ملامحٍ فاتنة ولكن أرهقها الحزن.
سبقَ وأن أخبرتها أُمها أن تُعالج عند طبيب نفسيّ، نظرًا لـبوادر الإكتئاب التي حلَّت عليها، بـسبب الضغوط النفسيّة، شعورها بـأنها منبوذة من أصدقائِها الذين ينفرون منها، وبـالأخصِ.. موت أبيها المُفاجئ الذي كان بـمثابةِ كُل شئٍ لها، ومع ذلك ترفُض أن تأُخذ لقب 'المُتعالِجة نفسيًا' وربما أيضًا لـسببٍ آخر..
أخذت روز مقعدًا من آخر طاولة المُصطفة بـالطُرقة، موجهة نظرها نحو النافذة التي تطُل علي الحديقة الواسعة المُزينة بـالأشجار، فـقد ملَّت من البقاء في المنزل، ولكنها تُحاول عدم الإختلاط بـأي روح تسير علي الأرضِ بـقدرِ الإمكان، لطالما سئمت من التعامُل معهُم، والخذلان التي ألتقتهُ منهم، وذلك لأن روحِها لا تُشبه روحهم القاسية البتَّة.
كتّفت ساعديها نحو صدرها بينما تعمقت بـمقعدها تاركة الشرود يأخذ بالها، لا تهتم بـالكتاب الذي أستعرتهُ الذي من المُفترض أن تقرأه.
سلبها النعاس أخيرًا دون تمهيد وهي دافنة رأسها بين ذراعها، بينما عقرب الساعة قارب التاسعة مساءًا الذي يوافق ميعاد غلق المكتبة.
"هيّ أنتِ! يجدُر بكِ الذهاب إنهُ ميعاد غلق المكتبة، سـتبقينَ كـالمُشردة!" أوقظتها فتاة بـطريقة مُتعجرفة وهي توكزها..
ولكن الصوت بدا مألوفًا علي مسامع روز، لـتفتح عينيها بـفزع، تستقيم مُنتفضة.
نظرت لـتلكَ الفتاة وتمتمت بـعدم تصديق:"آيدا!" ثم نظرت لـذلك الشاب الواقف جانبًا، بينما آيدا لم تـتفاجأ كـالمثل.
سحبت روز حقيبتها بـعُنف مُغادرة المكان، بينما الدموع تـتجمع بـعينيها وتشُق طريقها نحو وجنتيها بـغزارة، لطالما فورما رأتها تدفقت الذكريات اللعينة لـذاكرتها مُجددًا.
فـكَم من مرة بكت بـإنهيارٍ أثناء الطريق بـسبب خذلان أحدهُم لها؟
فاللي عاوز يتابعها احسن واتباد واللينك اهو 😂🖤
https://my.w.tt/R5Io2M4Fp8
-كـعادتِها تُـتابع شروق الشمس في كل غِسق فجرٍ، بـرشفةٍ من كوب القهوة خاصتها المُكوَب بين يديها الباردة، تارة تُمرر بـنظرها علي جُمل الكتاب المُلقي أمامها بـشرود، وتارة أُخري تُحلق بـعينيها بعيدًا صوب السماء المُغيمة بـالسحُب لـتستقبل الرياح الباردة المُحملة بـقطراتِ الندي التي تُنعش ملامحها الباهتة.
علي ذلك الحال حتي تناغمت أصوات العصافير عُلوًا، وأصبحت الشوارع مُمتلئة بـالناس من مُختلف الأعمار بـمُختلفِ تعبيرات وجوههم، فـاليوم هو البداية للـعامِ الدراسي الجديد، هي لا تُبالي بـالأمرِ.. فـمنذُ سنتان قررت ألا تلتحق بـالجامعة وحتي الآن، لأسبابٍ مُختلفة.
بغتةً، أتاها صوت أخيها الصغير من خلفِها مُقاطعًا هدوءها لـتنتفض..
آنچل بريسكوت، صاحب الستِ أعوام، أخيها الصغير الوحيد.
"روز روز، أرأيتِ الزيّ خاصتي الجديد؟" قالها بـلهفة وهو يركض نحوها، حيثُ كان قميصٌ بنفسجيّ مُزرر مع بنطال فضفاضي كُحليّ اللون.
ألقت روز نظرة واحدة عليه.. فـقالت:"جيد.." بينما لا يُبدي علي وجهها أية تعبيرات وديَّة.
أنتبه لـحُزنها، لـيُداعبها قائلًا:"أأنتِ بخير؟ إنظُري في عَيناي هكذا.." وقف أمامها لـيُقابلها بـعينيه البُنيتان وهو يتشبث علي أطرافِ أصابعه،
لم تهتم روز لأية تراهات فعلها، وألقت نظرها بعيدًا عنه.
"المدرسة جيدة؟ أي سـأستطيعُ تكوين صداقات وهكذا؟ لا أُريد أن أكون وحيدًا هُناك.." سأل آنچل بـبراءة، لطالما كانت أول سنة يلتحق بها في المدرسة بعدما تخرَّج من الروضة.
بعدما تفوه، زفرت روز أبتسامة ساخرة.
حلّقت بـعينيها في السماء وهي تُجيب بـتنهد:"رُبما.. إما أن تكون صديقهم الودود، أو فجأة سـينقلب بكَ الحال دون مُقدمات، وتكُن وحيدًا وهذا من المُحتمل حدوثُه، علي أية حال.. الأمر سـيتغير مرارًا وتكرارًا.. " صرَّحت هي من منظورها التجريبي، رغم أن الأطفال لم يعوا علي هذا، لـيومئ أخيها بعدما فهِمَ نصف ما قالتهُ، لـعدم نُضجه وكونه مازالَ صغيرًا لم يَعي علي تجارُب الحياة، لـيودّعها أخيها أخيرًا مُغادرًا غرفتها.
فورما غادر أستقامت شاهقةً بـعمق وزفرت مُتأففة حياله، هو ليس شقيًا ولكن ثرثار ولا يليقُ به كونه أخيها، وكونها لا تُحب تشكيل خيطًا من الأحاديث والمُناقشات.
أغلقت النافذة الباعثة بـضوءِ الشمس الساطع في كل أنحاءِ الغُرفة، مُتجهة لـفراشها تُحاول أخذ قسطًا من الراحة كـعادة كُل يوم تستيقظ فيه فجرًا، لطالما كانت أحداث الماضي تكتسح عقلها بـكُل ما فيه وهو ما يـسببُ لها الأرق، ولا يفعل الكافيين سوي أنهُ يُعدِّل مزاجِها قليلاً.
-بدت الشمس كـنصف قُرص أسفل لوحة السماء، بينما روز لازالت قابعة في فراشها تُحدق في السقفِ بـعينيها الخضرواتين الداكنتين المُغرورقة بـالدموعِ مع الشهقات الغير مُنتظمة التي تُغادر شفتيها، تشعُر وكـأنها تسلبُ أنفاسها في كُل مرة فكَّرت كيف سـتُكمل حياتها وهي تُعاني، في كُل مرة فكَّرت في ماضيها وكم الخذلان التي ألتقتهُ، في كُل مرة فكَّرت كم ينتظرها القادم بـشوقٍ لـيقضي عليها نفسيًا أكثر فـأكثر، في كُل مرة بكَت فيها مرارًا وتكرارًا بلا حيلة.
نقرت علي هاتفِها لـرُبما تنشغل.. وإن رأت شئ بـنظرها المُشوش بـالدموع..
'أعزائنا القُرَّاء، من المُفترض إنتهاء ميعاد تسليم إستعارة الكُتب منذُ الإسبوع الماضي. وعلاوةً علي ذلك، علي كُل فرد إجباري غرامة عشرين جنية إسترليني حق تأخير تسليم الكُتب، وبـرجاء التسليم بـأقربِ وقت، وشكرًا.'
قابلها ذاك المنشور بـواسطة 'مكتبة لندن' ، لـتقلب عينيها بـتذمُر وهي تُلقي نظرة علي كُتبها المبعثرة علي المكتب.
"هذا ما كان ينقُص.." تمتمت وهي تمسح علي وجهها بـنفاذ صبر.
أستقامت، وجمعت أغراضها، وخطَت صوب دورة المياه.
تُراقب إنعكاسها بـالمرآة وهي تسدل ثيابها تمامًا، بينما تأملت ظهرها المُمتلئ بـالندوب والكدمات الزرقاء، كُلما
صفعها الألم النفسيّ.. كُلما رُسمَت الندوب علي جسدها، حتي لا تنسي مسآوئ ما مضي كـذكري أليمة.
وما لبث حتي غطست بـجسدها وبـكامل وجهِها بـمياه حوض الإستحمام الدافئة، تود ألا تستيقظ مُجددًا كـإستسلامٍ لـلإنتحارِ.
تجهزَت، ثم وقفت أمام المرآة تضع طبقة من الكريم الذي يُلائم لون بشرتها علي وجهِها، وبـالأخص أسفل عينيها حتي يُخفي أثآر الإرهاق، ثم جمعت كُتبها المُستعارة بـحقيبةِ ظهرها التي بدت ثقيلة جدًا بـالنسبة لـجسدِها النحيل.
"إلي أين أنتِ ذاهبة؟" أستوقفتها أُمها يولندا سائلة وهُما بـالطابقِ الأرضي.
"للـمكتبة.. سـأُعيدُ إستعارة الكُتب.." أجابت روز بـبوحٍ، لـتودِّعها أُمها بـبساطة مُتمنية لها العودة بـسلامٍ.
ثم شقَّت طريقها صوب المكتبة، وهي ترتدي سماعة الرأس خاصتها بـأغاني هادئة حزينة.. ثم دسَت كلتا يداها بـجيوبها قبل أن تغطي شعرها الحريري الذهبي بـبعض خصلاته الداكنة
بـالقبعة الملتصقة بـالمعطفِ، وكـأنها منعزلة ممَن حولها.
وصلت للـمكانِ المُراد، تُقابل المبني الأثريّ الشامخ المُطلّي بـدرجاتِ اللون السُكري، مع الزخرفة والعواميد البارزة التي تُزين كُل نافذة حالما تعكسُ ضوء الشمس المحمِر حين غروبِها، وسطح المبني المُزيَّن بـالشكلِ الهندسي المُثلثيّ المُزخرف بـالخطوطِ الطوليّة البارزة.. بدا كـمبني أثريٍ عتيق.
دفعت روز الباب الخشبيّ الأملس، وقبلما تخطو خطواتها للـداخل أستوقفها رجلٌ يطلُب بطاقة العضوية لـيتأكد من كونِها ليست مُشتبهة، فـفعلت كما طلبَ.
أدارت رأسها للـداخل لـتتفاجئ بـكمِ عدد الناس الهائلة المُصطفَّة بـالصفِ، وكـأنهُم مُلتزمون جدًا بـتعليمات المكتبة، ثم أتخذت روز مكانًا بـنهايةِ الصف، بينما تمتمت بـ"اللعنة."
مرَّت دقائق عدَّة جعلت روز تـتذمر بـشقاوة كـالتأتأه والتأفُف، وأخيرًا أصبحت الفرد قبل الأخير.
"أقسمُ لكِ، ليس معي غيرهُم.. لا أعلمُ أين باقي الأموال! سُرقَت أم ماذا!" قال الرجل للـعميلة بـتوتُر وهو يبحث عن باقي أمواله بـجيوبه وحقيبته.. يبدو عليه الفقر.
كُل الناس تنظُر وكـأنهُ مشهد سينمائي.. لم تدفعهُم روح المروءة حتي! ولكن روز نكزت الرجل وهي تُقدم لهُ ما يحتاجهُ من أموال بـصمت.
أخذ الرجل الأموالِ بـتلهُف قائلاً:"شُكرًا.. شُكرًا لكِ بـحق.."
فورما غادر الرجُل، دفعت روز الكُتب بـسخطٍ علي المكتب لـمللِها من الإنتظار، بينما لم تُبالي بـالنظرة التي رمقتها العملية لها بـسبب تصرُفها.
"الأموال؟" طلبت العميلة أولاً بـفظاظة، لتـتفاجأ روز أن كُل ما كان معها أعطتهُ للـرجُل، وليس معها سوي بعض الفكَّة.
"ليس معي.. ما يكفي.." صرَّحت بـتلعثُم وهي تضع ما لديها من أموال علي المكتب.
سحبت العميلة الجُنيهات نحو عُلبة النقود بـإستهتارٍ قائلة:"حسنًا، فلـتبقَ معكِ الكُتب حالما تأتي بـباقيكِ. أعطيني الإسم ورقم التسلسُل خاصتكِ لـتسجيل ما بادرتيه." قالت العميلة بـإبتسامةٍ صفراء وهي تنظُر في حاسوبها، نقرت علي لوحة المفاتيح فورما نطقت روز:
"روزيْنا بريسكوت، خمسة آلآف وعشرين."
روزينا.. صاحبة العشرون عامًا، مُتوقفة تعليميًا، من أصلٍ إيطاليّ كـأُمِها، وأبيها المتوفي من أصلٍ إنجليزيّ، جمعَت بين الجنسيتين بـبشرةٍ برونزية مع ملامحٍ فاتنة ولكن أرهقها الحزن.
سبقَ وأن أخبرتها أُمها أن تُعالج عند طبيب نفسيّ، نظرًا لـبوادر الإكتئاب التي حلَّت عليها، بـسبب الضغوط النفسيّة، شعورها بـأنها منبوذة من أصدقائِها الذين ينفرون منها، وبـالأخصِ.. موت أبيها المُفاجئ الذي كان بـمثابةِ كُل شئٍ لها، ومع ذلك ترفُض أن تأُخذ لقب 'المُتعالِجة نفسيًا' وربما أيضًا لـسببٍ آخر..
أخذت روز مقعدًا من آخر طاولة المُصطفة بـالطُرقة، موجهة نظرها نحو النافذة التي تطُل علي الحديقة الواسعة المُزينة بـالأشجار، فـقد ملَّت من البقاء في المنزل، ولكنها تُحاول عدم الإختلاط بـأي روح تسير علي الأرضِ بـقدرِ الإمكان، لطالما سئمت من التعامُل معهُم، والخذلان التي ألتقتهُ منهم، وذلك لأن روحِها لا تُشبه روحهم القاسية البتَّة.
كتّفت ساعديها نحو صدرها بينما تعمقت بـمقعدها تاركة الشرود يأخذ بالها، لا تهتم بـالكتاب الذي أستعرتهُ الذي من المُفترض أن تقرأه.
سلبها النعاس أخيرًا دون تمهيد وهي دافنة رأسها بين ذراعها، بينما عقرب الساعة قارب التاسعة مساءًا الذي يوافق ميعاد غلق المكتبة.
"هيّ أنتِ! يجدُر بكِ الذهاب إنهُ ميعاد غلق المكتبة، سـتبقينَ كـالمُشردة!" أوقظتها فتاة بـطريقة مُتعجرفة وهي توكزها..
ولكن الصوت بدا مألوفًا علي مسامع روز، لـتفتح عينيها بـفزع، تستقيم مُنتفضة.
نظرت لـتلكَ الفتاة وتمتمت بـعدم تصديق:"آيدا!" ثم نظرت لـذلك الشاب الواقف جانبًا، بينما آيدا لم تـتفاجأ كـالمثل.
سحبت روز حقيبتها بـعُنف مُغادرة المكان، بينما الدموع تـتجمع بـعينيها وتشُق طريقها نحو وجنتيها بـغزارة، لطالما فورما رأتها تدفقت الذكريات اللعينة لـذاكرتها مُجددًا.
فـكَم من مرة بكت بـإنهيارٍ أثناء الطريق بـسبب خذلان أحدهُم لها؟
-  ̄ ̄
فاللي عاوز يتابعها احسن واتباد واللينك اهو 😂🖤
https://my.w.tt/R5Io2M4Fp8
Коментарі
Упорядкувати
- За популярністю
- Спочатку нові
- По порядку
Показати всі коментарі
(1)
الفصل الأول
مش عارفة البنى آدم بعمل لايك ازاي، بس تمام اعتبرني عملت لأنه عظمة 😂💘
Відповісти
2020-07-26 02:36:05
Подобається