عندما تجاوزتُ الأربعين
عندما تجاوزتُ الأربعينَ تغيَّرتْ عليَّ الكثيرُ منَ الأُمورِ، وَ كأنَّنِي أسكنُ بعالمٍ آخرٍ، أصبحتْ تلكَ المشاكلُ التي صدحَتْ رأسيَ يوماً تافهةً لا تحتاجُ إلى كلِّ ذاكَ التعقيِد، أصبحتْ معاملةُ البشرِ أيسرَ فَمِنْ بعيدٍ دونَ الدّخولِ بالعميقِ، وَ البقاءُ على السّطحياتِ دونَ جَلبِ وجعِ الرأسِ، أصبحتُ أدرِكُ أنّ الألمَ الوحيدَ هوَ ألمُ الجسدِ وَ باقي ما تبقى يسيرٌ، فلا نعمةَ تضاهي نعمةَ الصحةِ،
عندما تجاوزتُ الأربيعنَ أصبحتُ أكثرَ هدوءاً، لمْ أعدْ أتمايلُ بمشيتيَ طرباً بعدَ سماعيَ خبراً مفرحاً، وَ لا أصرخُ عندما أحقِّقُ إنجازاً، أصبحتْ ملامحُ وجهيَ كلها متشابهةٌ، فلا الغضبُ أوِ الحزنُ أوِ الفرحُ لهُ تعابيرٌ، لمْ يعدْ فقدانُ صديقٍ يؤلمنيَ، وَ لمْ تعدْ الخساراتُ تطعننيَ،
لكنْ رغمَ تجاوزيَ الأربعينَ أشعرُ بشيءٍ قريبٍ منَ الحسرةِ عندمَا أرَى الأطفالَ يلعبونَ، أتمنَى لو أتسابقُ معهم إلى بائعِ الحلوَى، أشتاقُ إلى لعقِ السكاكرِ الكبيرةِ، أتمنى لو ألعبُ بالدمَى المحشوَّةِ، و أصفِّقُ بيديَّ تصفيقاً قويّاً،
عندمَا تجاوزتُ الأربعينَ لمْ يكنْ جسديَ قَدْ بلغَ العشرينَ.
2020-08-09 10:45:30
6
0