نبذة
1: ولعنت ضاد..
2: لا ضاد بعد اليوم!
3: الاقتراب من المحال
1: ولعنت ضاد..
صفق أهل البيت بحرارةٍ لتلك الشابة عربية ذات الملامح ساحرة الجمال التي كانت تنشدهم الشعر كعادتها في كل مجلسٍ و تجمعٍ للأسرة، هذه هي أسرة " لسان
العرب " و هي من أكثر الناس اعتزازًا بلغتهم، لغة الضاد، تتكون الأسرة من أبٍ مكافحٍ يعمل كمترجم، تعامل مع شتى اللغات و الألسنة لكن لم تنجح أي لغةٍ بأسر قلبه غير اللغة العربية، لغته الأم و مصدر فخره بين الناس، و من أم حنونٍ معينةٍ لزوجها تساهم بمحو أمية القرية بكل ما استطاعت من جهد، و بالطبع من ابنتهما الشابة الفاتنة الشاعرة ضاد لسان العرب، كانت مرهفة الحس، شرقية الحُسن، شاعرةً بليغةً، و كاتبةً عاشقةً للغتها التي سميت تيمنًا بها، و كانت أسرة لسان العرب معروفةً بين الناس مُقدَّرة الجهود في بث الثقافة بين أبناء القرية التي لم تعد مجرد قريةٍ صغيرةٍ نائيةٍ بعدما ذاع صيتها لمدى وعي سكانها بقدر لغتهم.

أينما وجدت ضاد وجدت البهجة في القرية، كانت رقيقةً كبتلات الزهر، متمسكةً بالحق ثابتةً كالصخر في وجه تيار الظلم، مرحةً لا تراها إلا باسمة الثغر أو آسرةً القلوب بضحكاتها حين تلاعب الأطفال، عطوفةً على أطفال القرية كأمٍ لهم، أختًا ناصحةً لفتيات القرية، و حلمًا لشباب القرية الطامعين و لو ببسمةٍ منها.

كانت ضاد جالسةً عند باب صف والدتها بعدما أنهت تعليم الأطفال باكرًا في هذا اليوم، تحيط بأناملها الدقيقة كتابًا يخفي ملامحها المدفونة بين صفحاته، عيناها الحالكتي السواد الآسرتين تتعلقان بكل سطرٍ و كل كلمةٍ بينما تتجرع بنهمٍ من معرفة هذا الكاتب الذي تداعب كلماته عقلها و قلبها بشكلٍ جميل، كان من النادر رؤيتها خالية اليدين.. دائمًا تحتضن الكتب إلى صدرها حيثما ذهبت لتشغل بها أوقات فراغها، و عندما لا تفعل ذلك تخرج الريشة و الأوراق التي تستقر في حقيبتها التي تتعلق بكتفها أينما ذهبت و تبدأ بالكتابة، قصيدة تحرك مشاعر سامعيها أو قصة تحلق بعقول متلقيها إلى أبعد البلاد حيث المغامرات و السحر و الحب و كل ما هو عجيبٌ بهذه الدنيا أو حتى بخيال ضاد نفسها.

تعجبت من خروج والدتها هكذا؛ فهي دائمًا تنتظر خروج طلابها أولًا، بالرغم من فضولها فهي لم تسأل بل أعادت الكتاب للحقيبة المتعلقة بكتفها و أحكمت الخمار على شعرها كما فعلت والدتها و انطلقتا عائدتين للمنزل، و بعدما حل المساء و اجتمعت الأسرة لتناول وجبة العشاء أخبرت الأم ابنتها ضاد بسبب تأخرها اليوم، لقد كانت قد أنهت الدرس في موعدها المعتاد و لكن قد زارها اليوم شابٌ يطلب عونها، كان شابًا أندلسيًا يريد منها أن تشاركه بجزءٍ من علمها و بلاغتها ليجيد التحدث بالعربية بطلاقةٍ لأنه ينوي الاستقرار بين العرب، و بعد نقاشٍ مع الأب بينما كانت ضاد تعد الطعام اتفقا على أن تعلمه ضاد بنفسها لتفرغها بعد أن تنهي درسها مع الأطفال، لم تدرِ ضاد كيف عليها أن تشعر أو ماذا تفعل بهذا الشأن، لكن إن كان والداها قد اتخذا قرارهما فلتثق بهما و تكتفِ بالسمع و الطاعة كأي ابنةٍ مهذبة، و ما إن أنهت صلاة العشاء سرحت بفكرها بعيدًا في قصة ذلك الشاب الغريب الذي من المفترض أن تلتقيه غدًا.
.
.
بمجرد أن ودعت ضاد الأطفال و تأكدت من انصراف كلٍ منهم في طريق منزله أخرجت الكتاب من حقيبتها و انغمست في قراءته، لم يصل السيد الأندلسي بعد و على الرغم من إنزعاجها إلا أنها التمست له العذر، و لم تجد أفضل من القراءة تنسيها ملل الانتظار، دلف شابٌ طويل القامة غربي الملامح حسن المظهر إلى حجرة الدراسة، تأمل ضاد للحظاتٍ قبل أن يتقدم ليقف مقابلًا لطاولتها، هذه ليست المعلمة التي قابلها بالأمس! لم تسمعه ضاد عندما طرق الباب لسيطرة القراءة على جميع حواسها و لكنها عادت لإدراك ما حولها عندما لاحظت أن ظلًا غريبًا يحجب عنها ضوء قراءتها.

" السلام عليكم، أنا أدعى أمير العادلي و أنا هنا من أجل أن أتعلم اللغة العربية، و.. أنا أعتذر على تأخري "

" و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته، أنا معلمتك و اسمي ضاد.. و لا عليك "

" ألستي أصغر قليلًا من القيام بمهمةٍ كهذه؟ "

" ألست تتحدث العربية بالفعل؟ "

ابتسمت ضاد و سألته مقلدةً نبرته فضحك و قال: " ليس بطلاقة، ثم أنا ولدت ببلاد المغرب " فابتسمت ضاد بلطفٍ و أجابت:
" المعلمة التي قابلتها بالأمس تكون والدتي، و قد أسندت إلي مهمة تلقينك بنفسي، هذا إن لم تمانع بالطبع "

" كلا، أنا لا أفعل "

دعته ضاد للجلوس و أحضرت الكتب و بدأت بتدريسه بكل جدٍ و إخلاصٍ في عملها، و قد علمت ضاد الكثير من الأشياء عن طالبها الشاب و المجتهد، و لاحظت الكثير من سماته فقد كان شابًا ذكيًا، سريع الفهم، و مرحًا، و مهذبًا، لم يرتكب أو يتفوه يومًا بما قد يسيء إليها أو يزعجها بأي شكلٍ من الأشكال، و أيضًا كانت بعض الحصص تتم تحت إشراف والدتها عندما تنهي عملها باكرًا في بعض الأيام و قد راق لها أمير أيضًا، و مرت أشهرٍ على تلك الحال من انسجامٍ بين ضاد و أمير.

" كلا، بل العكس هو الصحيح؛ فالباء تدخل على المتروك و لذلك كان أولى أن يقال بالقصيدة أنا من بدل بالصحب الكتابا "

صححت له ضاد بابتسامتها اللطيفة التي يخالطها الحياء فابتسم و قال: " فهمت الآن"

" أتعلم؟أنت تبلي بلاءً حسنًا، و قريبًا جدًا لن أملك ما أعلمك إياه "

قالت ضاد مشجعةً إياه فرفع بصره إليها بدلًا من الكتاب و قال: " بل الفضل يرجع إليكِ يا آنسة ضاد، و لأسلوبكِ البسيط و الميسر، إن تفانيكِ في العمل لمثيرٍ للإعجاب حقًا "

" أنا حقًا أعشق لغتي التي سميت تيمنًا بها و أعتز بها كما أعتز بنفسي و اسمي "

قالت ضاد بفخرٍ ثم صمتت هنيهةً و تابعت: " الكثيرون يعيبون على أبي تركي أنا و أمي نعمل.. عمل المرأة مازال غير مستحبٍ هنا "

" بل أجد ذلك قرارًا حكيمًا من والدكِ يدل على مدى تفهمه و تفتح ذهنه، و مبادرةً مشكورةً منكم لنشر العلم و الثقافة في القرية، ثم الإسلام كفل للمرأة حق العمل و السعي لطلب الرزق "

وافقته ضاد متأثرةً بكلماته الصادقة التي كان وقعها لطيفًا عليها، و لكن هذه كانت نهاية حصة هذا اليوم فودعته ضاد هو و حارس المكان و بعض الطالبات اللاتي كن يرتبن حجرة دراستهن استعدادًا للمغادرة، ثم تأكدت من إغلاق حجرة الدرس، ثم عادت للمنزل حيث قالت والدتها أنها ستسبقها في الذهاب لأنها تريد الذهاب للسوق، و كعادة ضاد اتجهت للصلاة أولًا ثم لإعداد الغداء و التسامر مع أفراد الأسرة قبل أن تعزل نفسها في غرفتها لتكتب إلى أن يحين موعد العشاء.

و لكن في ذلك اليوم جرى أمرٌ على غير العادة.. أمرٌ جعل المنزل يفيض حبورًا و سرورًا، في ذلك اليوم بالذات زار أمير منزل آل لسان العرب معتذرًا عن عدم قدوم فردٍ من أهله معه بسبب سفرهما و بعد محادثةٍ طالت بينه و بين السيد لسان العرب نقلت والدة ضاد إليها الأنباء السارة بأن السيد أمير العادلي يطلبها زوجةً له!

ارتبكت ضاد ثم أشاحت بنظرها باستحياء بينما خيالها يسرح بها لزمنٍ آخر قد تكون فيه زوجةً لأمير حقًا، انتظرتها والدتها ريثما تتخطى آثار المفاجأة قبل أن تسألها عن رأيها فقررت ضاد التريث قليلًا و لو أنها كانت تكاد تحلق من السعادة و ما هي سوى دقائق معدودةٍ حتى تغلبت سعادتها عليها و وجدت نفسها تومئ لوالديها بالموافقة، و سرعان ما انتشر الخبر في القرية بأسرها بفضل الجيران و انهالت المباركات على ضاد و أمير.. ما عدا منزلًا واحدًا، هادئًا و منعزلًا عن باقي المنازل، لم يشارك أهل القرية بفرحتهم لابنتهم ضاد.

ففي ذلك المنزل الذي تعمد أهل القرية إبعاد سكانه عنهم لأنهم لم يأتوا سوى بالخراب معهم عاشت سيدةٌ عجوزٌ و ابنتها، سيدةٌ بالرغم من تقدمها بالسن و اكتساح التجاعيد لملامحها مازالت بكامل صحتها و قوتها و خبثها، لم يتقوس لها ظهرٌ و لا يضعف لها بصرٌ أو سمعٌ و لم تتهادَ في مسيرها و كأن الزمن بالكاد يملك سلطةً عليها! تلك السيدة المتمردة على الزمن كانت مشعوذةً شريرة، و بالرغم من عدم تمكن الأهالي من إثبات شكوكهم حولها إلا أنهم اعتبروها نذير شؤمٍ بسبب بعض الظواهر الغريبة التي كانت تتبعها أينما ذهبت بالإضافة للسانها السليط و عدم تحليها بأية أخلاق! و شاركتها السكن بالمنزل المشؤوم ابنتها الشابة ذات البشرة البيضاء النضرة و الشعر المجعد المصبوغ للأشقر الباهت بإهمالٍ و الأظافر الطويلة و الجسد النحيل الذي تبرزه ملابسها الضيقة غير المحتشمة و العينين الحادتين المحاطتين ببحارٍ سوداء من الكحل الذائب بفعل الدموع.

" أتصدقين يا أماه؟ أمير سيتزوج الليلة، سيتزوج من تلك المتذاكية التي تحسب نفسها تعلم كل شيء! "

" و إن يكن.. توقفي عن النواح
كالأطفال " قالت الساحرة بضجرٍ لابنتها سُميا التي لم تكف عن البكاء و الصراخ و تكرار نفس جمل الحسد و الغيرة بشأن ضاد فهبت سميا واقفةً و قالت بغيظ:

" كيف أتركه و أنتِ تعلمين أنني أحبه؟ لا بد أنها خدعته بإحدى قصائدها الركيكة! "

" اهدئي يا حلوة، أنا لا أسمح لأيٍّ كان أن يسطو على ما هو من حقنا، ثم من قال لكِ أنني سأترك شابًا ثريًا له مكانته يفلت منا بهذه السهولة؟ فقط امنحيني وقتًا لأفكر "

تلاشت ابتسامة سميا عندما تفوهت والدتها بآخر جملةٍ و قالت عائدةً لسيرتها الأولى:
" لكنه سيتزوج الليلة، و مازلتي تفكرين؟ هما سيتزوجان و يسافران الليلة بلا شك "

قاطعتها الأم قائلة: " أخبرتك أنهما سيستقران هنا " و لكن سُميا لم تهدأ بل واصلت الهمس و الغيرة تأكلها و هي تسير ذهابًا و إيابًا: " لو أن تلك الضاد لم تكن مقيتةً لهذا الحد! سارقة الرجال! مدعية البراءة و الثقافة! لو أنها لم تكن تتقن العربية لهذه الدرجة فقط.. "

قاطعتها والدتها ثانيةً مشيرةً لها أن تتوقف:" عزيزتي، لقد منحتني فكرةً للتو، نحن لن ننتقم من ضاد وحدها بل من لسان العرب! استعدي فأمير العادلي سيغدو ملكًا لكِ قريبًا جدًا "

و تم الزفاف و استقبلت ضاد حياتها الجديدة مع زوجها أمير في منزلهم الجديد الفخم و انقضت أشهر من الحياة الرغدة السعيدة دون أي تدخلٍ من الحاسدين.
.
.
فتحت ضاد الباب متسائلةً عن هوية الطارق؛ فزوجها لا يعود باكرًا هكذا، هي حتى لم تنهِ إعداد الغداء لهما لتجدها عجوزًا غزت التجاعيد وجهها بالرغم من نعومة يدها الممتدة لها في رجاء حسنةٍ منها، احدودب ظهرها بعض الشيء لكن ليس بشكلٍ كافٍ ليبدو عليها التقدم في السن، عيناها البنيتان دقيقتان و ملامحها تشي بأي قدرٍ من الحسن تمتعت في شبابها، طلبت العجوز منها بعض المال بحجة أنها لم تأكل منذ أيام فأصرت ضاد على دعوتها للداخل بالرغم من رفض العجوز في بادئ الأمر.

" أعتذر على التطفل هكذا يا حُلوة، لكن لم يرضَ أحدٌ بمساعدتي و لي ابنةٌ يتيمة الأب تنتظرني بالمنزل "

" لا تقولي ذلك يا سيدتي، إنه لخيرٌ أنكِ أتيتي إلي.. و لكن أهل هذه القرية أناسٌ عطوفون، أستغرب منهم هكذا تصرفات "

" إنهم عطوفون معكِ ابنة قريتهم، أما أنا فلست عربيةً حتى.. ربما هذا السبب يا ابنتي "

قالت العجوز و الدموع تترقرق بعينيها على الرغم من أن ضاد كانت قد دلفت إلى غرفة النوم فلم تكن قادرةً على رؤيتها، أما بالنسبة لضاد فقد قضمت شفتها السفلى بأسى، مستحيلٌ أن يفعل أهل قريتها أمرًا مشينًا كهذا! فهي تعرفهم جيدًا، هذا ليس صحيحًا، أخذت ضاد مبلغًا من المال بيدها اليمنى عشوائيًا، لم ترد عده فيصيبها الكبر لكنها كانت واثقةً أنه ليس بالقليل و أخذت سلةً و وضعت بها بعض الخبز و الفاكهة و الماء و قدمتهم للعجوز.

" و لكن يا ابنتي، هذا كثيرٌ علي! "

" كلا، ليس بكثيرٍ أبدًا، أرجوكِ فلتقبليه مني.. فالخير كثيرٌ و الحمد لله و زوجي لن يمانع "

" بارك الله فيكِ و في زوجكِ يا ابنتي، و في مولودكما أيضًا " ابتسمت ضاد شاكرةً و قد امتدت يدها لا شعوريًا لتستقر على بطنها، هي مازالت بالشهر الثالث و حملها ليس بهذا الوضوح، كيف عرفت؟ طردت ضاد تلك الأفكار من عقلها و توجهت نحو العجوز لتحمل لها السلة و تساعدها في السير قبل أن تعود للداخل متذكرةً الطعام الذي على النار.

مرت الأيام كما المألوف.. على الأقل هذا ما حدث بعد أسبوعٍ كاملٍ من هذه الزيارة، إلى أن سئلت ضاد من قبل أحد الأطفال الذين تدرسهم عن معنى كلمةٍ ما و لأول مرةٍ في حياتها تعجز عن الإجابة! ارتبكت ضاد بشدةٍ و شعرت بالخجل من نفسها، كيف لها أن تنسى لغتها بهذه البساطة؟ تحججت بأن عليها التأكد من المعجم أولًا و أنها ستجيبه في اليوم التالي، و كعادتها عند عودتها انصرفت لصلاتها أولًا و ظلت تدعو ربها و تناجيه ثم حضرت الطعام لأمير فقط و ذهبت للغرفة لتراجع بعض الكلمات من المعجم، و كانت المفاجأة.. لقد نست العديد من المفردات، أعادت المعجم لمكانه و قد ألجمتها الصدمة، فكرت بأنه أمرٌ طبيعيٌّ للبشر بأن ينسوا و أن تقضي وقتها بأمرٍ تحبه ليزيل عنها التوتر، و بالطبع لم تجد راحتها إلا بالكتابة، و لكن ذلك لم يدم طويلًا فسرعان ما اكتشفت بأن عقلها يخذلها و أنها عاجزةٌ عن التوصل لمفرداتٍ توفي المعنى المقصود، و في بعض الأحيان كانت تعجز عن تكوين جملة! و من ناحيةٍ أخرى صارت معاملة أمير لها باردة، يعود من عمله و تجارته ليتناول الطعام معها دون أن يخاطبها بحرفٍ واحدٍ حتى كما اعتاد أن يفعل، ما عاد يفرط في تذكيرها بأنه يحبها و أنها أجمل من وقعت عيناه عليها بل صار يتصرف و كأنه لا يراها و كأنهما لا يعيشان معًا بعد الآن، شعرت ضاد بالنقص، بالانزعاج، بمشاعر عديدةٍ تخالجها لأول مرة، ثم أصابها الاكتئاب و اتجهت للوم نفسها على تغير زوجها، لكن ضاد لم تكن يومًا متقبلةً للهزيمة، حسها المرهف يجعل مشاعرها تسيطر عليها أحيانًا لكن بعد ذرف الدموع و الاعتراف بضعفها عليها أن تنتشل نفسها من قاع الحزن و تعود لقوتها و عزمها، حاولت بشتى الطرق العودة لسابق عهدها و قد نسبت لما تمر به أسباب ملل أمير منها و حتى صراخه عليها في بعض الأحيان، حاولت أن توليه اهتمامها أكثر حتى من السابق، أن تتسلل إلى عقله لتفهم ما الخطأ الذي يراه بها و يرفض الإفصاح عنه لها لتصلحه و يعودا كما كانا، لكن باءت محاولاتها بالفشل.

وضعت ضاد طفلين توأمين جميلين، تلك كانت الليلة التي عاد أمير كما كان عندما التقته أولًا.. مرحًا، لطيفًا، مهذبًا، و لكنه ما لبث أن عاد ملولًا متجهمًا و أسوأ حتى من ذي قبل! حتى أنه لم يلحظ- أو لم يبالِ- بحال زوجته التي بهتت ملامحها، و تلاشت ابتسامتها، شحب وجهها، و أصابها الهزال شيئًا فشيئًا، و كأنه لا يرى أنها مريضة، ترددت ضاد كثيرًا لكن مع ازدياد حالها سوءً ذهبت لزيارة عائلتها و قد لاحظت والدتها فورًا مدى سوء حالتها، لكنها في النهاية قررت الصمود و المثابرة على المحاولة مع زوجها.

توقف أمير عن تقدير ضاد و بدأ يشتكي من إهمالها و ينكر جهودها نادمًا على تسرعه و زواجه من " كسولةٍ بكاءةٍ مثلها " مع أن منزل ضاد كان بأحسن حالٍ و كذلك أطفالها، حتى أمير لم يقل اهتمامها به ذرةً واحدة، و هي لم تبكِ أمامه أبدًا، لم تسمح لنفسها بذلك مهما تطاول عليها بالألفاظ بالرغم من أن كلماته كانت تجرحها، ما عادت ضاد تلك الحسناء النشيطة الباسمة بل تلاشت ابتسامتها تمامًا و كأنها نست كيف تبتسم حتى، و لكن ذلك لم يؤثر بزوجها الذي انتقل بعد ذلك لذم العرب و أخلاقهم و مدح بلاده بأهلها و المباهاة بمدى " تقدمها "

و في إحدى المرات تجرأت ضاد أخيرًا على البوح بما في قلبها، بالكاد منع أمير نفسه من مخالفة مبادئه و ضربها ليخرسها و لكنه خرج من المنزل غاضبًا جدًا في تلك الليلة، و بجسدٍ يرتجف ضعفًا و ألمًا و خوفًا أخذت ضاد طفليها و ذهبت للاحتماء بأسرتها، سندها في هذه الحياة القاسية التي لا تتوانى عن كسر كل من يقاوم مرارتها!
1
2
3
4
5
6
7
8

© Queen MG,
книга «لعنة الضاد».
2: لا ضاد بعد اليوم!
Коментарі
Упорядкувати
  • За популярністю
  • Спочатку нові
  • По порядку
Показати всі коментарі (1)
Agera Tum
1: ولعنت ضاد..
عظمة
Відповісти
2020-07-23 15:08:27
1