الْـخَـاتِـمَـةُ
...
تسربت رائحة المعقمات إلى أنفها، و تناهت أصوات الأجهزة الطبية إلى مسمعيها، و بدأت جفونها بالانكماش دليلاً على استيقاظها، فتحت عينيها بتعب و لم تستطع إبقائها على حالها، لتعيد إغلاقها مجدداً.
...
«سالي، هل تشعرين بالتحسن؟»
جاءها صوته المألوف متسائلاً؛ جاعلاً قلبها يتخبط في أضلعها. تساءلت في سرّها: لِمَ هو هنا؟. فتحت عينيها تتأكد مما سمعته، و استقبلتها ابتسامته الصغيرة، و عاد طبيبها النفسي ليام كوبر يتكلّم بصوته العميق مجدداً:
«لقد أقلقتنا عليكِ»
تحاشت النظر إليه، و همست معتذرة:
«آسفة!»
أعادت نظرها إليه، و حدقت في عينيه الذكيتين و سألت بفضول:
«متى أتيت إلى ملبورن؟»
أجابها بينما يستند على الكنبة، و يكتف يديه أمام صدره العريض:
«منذ أن هاتفني أليكس، و أخبرني بحالتكِ»
صمت قليلاً و سأل بتوجس:
«إذاً مالذي حدث معك...
...
كان أليكس و طليقته ريانا، جالسان على مقاعد الانتظار أمام غرفة سالي، ينتظران الطبيب ليام إلى أن يخرج، و يشرح لهم ما يحدث معها.
كانت ريانا بملامحها الألمانية؛ هادئة، على عكس أليكس الذي بدى القلق حاضراً على وجهه المتعب.
«لماذا اتصلت بـ ليام؟»
بادرت ريانا الحديث بسؤال بينما تحدق في باب الغرفة أمامها. أجابها أليكس بقلة حيلة:
«لأنه الوحيد الذي تتجاوب معه. أعلم بأن هذا يؤذي ابنتنا لأنها تحبه، لكنها ترفض أن تتكلّم مع طبيب غيره، و هكذا لن نستطيع معرفة ما يحدث معها»
هزت الأخرى رأسها متفهمة، و أبجست بهدوء:
«أنت أب رائع أليكس!»
ابتسم قائلاً:
«و أنتِ أم رائعة أيضاً!»
انكست رأسها حزناً، و أردفت بنبرة منكسرة:
«لا، لست كذلك!»
صمتت تلملم شتات نفسها المنهارة، و استرسلت في حديثها قائلة:
«ليست أم جيدة من تترك طفلتها الرضيعة، و تذهب من أجل عملها، بل أنانية أيضاً»
دموع ندم حارقة أمطرتها زرقاويها قبل أن تشعر بكفه الدافئ على ظهر يدها النحيلة، و عقب حركته المواسية تكلّم بهدوء:
«رغم بعدكِ إلا إنكِ تمكنتِ من البقاء بجانبها، أهتميتِ بها و كأنكِ قريبة منها،...»
خروج ليام من الغرفة بتر حديثهما. كفكفت ريانا دموعها و استقامت واقفة كما فعل الآخر، و أذانهم متلهفة لما سيخرج من ثغر الطبيب.
...
جلسوا ثلاثتهم في مقهى المشفى، و بادر ليام بالحديث، قائلاً بهدوئه المعتاد:
«كما تعلمان سالي مولعة بفكرة السفر حول العالم، و لأنها تعلم أنها لن تعيش طويلاً لرؤيته على الواقع؛ باتت تقرأ الكتب التي تختصر العالم بداخلها.
لكن في الفترة الأخيرة أصبحت تعيش ما تقرأه. دماغها انسجم مع الكتاب بشكل كبير جداً، فعندما وجدتها باردة ذلك اليوم تقرأ عن القطب المتجمد، عقلها صدق أنه هناك، و بدأت مستقبلات الحرارة في جسدها تعمل على هذا الاساس، على إشارات خاطئة، و هذا يفسر أيضاً حالة الاختناق التي وجدتها فيها، ظنت نفسها تغرق في النهر؛ لذلك حبست أنفاسها، و حدث ما حدث»...
...
مكثت ريانا مؤقتاً مع زوجها السابق؛ لمساندته، و البقاء مع سالي أكبر وقتٍ ممكن، و أصبح ليام يتردد لزيارتهم كثيراً؛ لأجل الإهتمام بحالتها النفسية، فمنذ الحادثة الأخيرة تدهورت صحتها أكثر. و بعد شهر و نصف فارقت سالي الحياة إثر نوبة قلبية.
...
تقدم أليكس بقامته الطويلة من قبر ابنته،
وضع باقة الزهور الملونة فوقه، و تذكر آخر كلماتها التي لم يفهم مغزاها:
«الـجـمـال لا يـكـون إلا بـالألـوان، أمـا الـحـزن و كـل مـا يـخـصـه مـن ألـم و مـعـانـاة؛ سـيـكـون مـن الأفـضـل لـقـلوبـنـا الـضـعـيـفـة رؤيـتـه بـلـون واحـد».
...
الـنـهـايـة
Коментарі
Упорядкувати
- За популярністю
- Спочатку нові
- По порядку
Показати всі коментарі
(3)
الْـخَـاتِـمَـةُ
جميل..
Відповісти
2018-07-22 10:03:44
1
الْـخَـاتِـمَـةُ
السرد خرافي القصة خرافيه والنهايه نفس الشي شكرا
Відповісти
2018-08-29 15:18:10
2
الْـخَـاتِـمَـةُ
صراحة تأثرت .. حبيييت ♥♥
Відповісти
2021-05-02 18:37:05
Подобається