الْـفَـصْـلُ الأَوَّلُ
...
بـالـنـسـبـة لـهـا كـانـت مـشـاعـر الـجـمـيـع، بـلـون الـكـراهـيـة؛ و الـشّـفـقـة و الاشـمـئـزاز، مـا هـي إلاّ تـدرجـات لـهـٰذا الـلـون.
...
تجلس على قارعة الطريق، تحمل على ظهرها حقيبتها المدرسية، تحرّك حصوة صغيرة بسبابتها، و تدندن أغنيتها المحببة بصوت حزين.
قاطعها صوت أبيها المتفاجئ، الذي صدح من السيارة، عندما توقف لحظة لمحه لها؛ سائلاً:
«سالي!، مالذي تفعلينه هنا؟!»
ترجل من سيارته ليقترب منها، و واصل استفساره:
«لمَ لستِ في مدرستكِ؟، هل حدث شيء سيء معكِ؟»
ابتعدت سحابة الحزن من فوق رأسها لتحل محلّها أخرى خائفة، تخبّط قلبها بقوة في جوفها، وقفت تقول بتلعثم إثر ارتباكها:
«أ... أبي... أنا...»
أخذ منه القلق و أمر بصبر نافذ:
«أنطقي سالي، ستصيبينني بسكتة قلبية، مالذي حدث معكِ؟»
ظهرت حبيبات العرق تلمع على وجهها، و ترددت قليلاً قبل أن تنفجر باكية و تصرخ بلا سبب:
«لقد هربت من المدرسة، لم أعد استطيع تحمل تنمر الطلبة علي...»
صمتت تشهق الهواء، و تكمل بنبرة منكسرة:
«كنت أكذب عليك طوال هذه المدة؛ عندما قلت إنني سعيدة بمدرستي الجديدة وكلهم جيدون معي!»
تقطع قلب الأب على ابنته، و أحس بالعجز.
احتضن كفيها الصغيرة بخاصته الكبيرة و الدافئة، و همس بحنان:
«لماذا صغيرتي؟، لماذا أخفيتِ عني أمراً مهماً كهذا؟»
بعينيها الدامعة تطلعت إليه لحظة قبل أن تنكس رأسها أرضاً، و تهمس:
«لم أشأ أن أحمّلك أعبائي، إلى متى سأبقى أشكو لك أحزاني كالطفلة، قريباً سأتجاوز الثامنة عشر!»
حرر يديها من إحدى كفيه ليرفع بها رأسها، و بابتسامة دافئة ألقاها في وجهها، ثم قال كمّن يحدث طفلاً صغيراً:
«أنا أباكِ و أنتِ ابنتي، و من واجبي أن أهتم بكِ. و حتى لو كنتِ في الخمسين من العمر؛ ستبقين دائماً صغيرتي»
قبّل جبينها المجعّد، و قال بعد أن ابتعد:
«لنذهب إلى منزلنا، و هناك ستعترفين لي بكل شيء»
...
استقبلت الخادمة سيدها أليكس و الأنسة الصغيرة سالي. دخل الأب إلى مكتبته الكبيرة، و وقف في منتصفها؛ ينتظر لابنته أن تلحق به. و ما أن انتصبت واقفة أمامه، حتى بادر بالسؤال:
«منذ متى تتعرضين للمضايقات؟، و هل هذه المرة الأولى التي تهربين فيها؟»
فركت يديها المترهلة كحال جسدها كله، و همست بالجواب:
«المضايقات بدأت منذ أول يوم لي في المدرسة...»
ألقت نظرة على وجه أبيها غير الراضي بما يسمعه، و أكملت:
«أيضاً هذه مرتي الثانية في الهروب، و إن كنت تتساءل كيف أن المدرسة لم تعلمك؟، فسأقول: إنني عبثت بهاتفك»
أنكست رأسها خجلاً، و واصلت:
«لم أعد أرغب بالذهاب للمدرسة، سأكمل تعليمي في البيت»
أبجس والدها بغير تصديق:
«تمزحين بكل تأكيد؟!»
و عندما أجابت بالرفض، واصل يقول بتوبيخ:
«لن أسمح لكِ بفعل هذا، ستواصلين الذهاب للمدرسة، لستِ أول أو أخر شخص يصاب بهذا المرض، عليكِ مواجهة كل من حاول مضايقتكِ؛ و ليس الهرب و الانزواء...»
قاطعته صارخة بقهر:
«لا أرغب بسماع هذه المحاضرة، لقد أكلت من كلامك هذا حتى شبعت!»
صمتت قليلاً، لتتابع بنبرة جامدة:
«أنا مصابة بالشيخوخة المبكرة أبي، و لا أعرف كم سنة تبقت لي في هـٰذا العالم؛ لذا لن أضيع حياتي في محاولة لتلوين مشاعر البشر، و إقناعهم بتقبلي بينهم بشكلي البشع هـٰذا، لست مضطرة»
«لا تقولي هـٰذا يا ابنتي، أنتِ أجمل فتاة رأيتها، حتى و...»
«لا تشفق علي أرجوك، لست مجبراً على هـٰذا بمجرد أنك والدي»
بصقت كلماتها الظالمة في وجهه، قبل أن تتركه مع حسرته.
...
اليوم التالي وافق عيد ميلاد سالي، و تلقت هدية من والدتها ريانا المقيمة في برلين/ألمانيا، و التي قطنت فيها بعد أن غادرت أوستراليا، عقب انفصالها عن أليكس.
دخلت غرفتها، ألقت الهدية التي لا زالت بغلافها اللمّاع بإهمال على سريرها الكبير، و ألقت بدورها جسدها المترهل.
صفنت في سقف غرفتها، تفكر في حياتها الباهتة، الخالية من أي لون للحياة، ترغب برؤية ألوان أخرى عدا اللون الموجود، هنا لا تقصد بالألوان: الأحمر، الأصفر، الأخضر،...؛ بل تقصد بها مشاعر الناس، التي لم ترى منها إلا الكراهية...
مالت برأسها الكبير لجهة الهدية و سحبتها إليها، جلست و مزقت غلافه الرقيق، لتظهر ملامح المفاجأة و الاستغراب على وجهها؛ عندما وجدت أن الهدية كتاباً زُيّن غلافه بكلمة (الْـمُـنْـجِـدُ). و كأن والدتها علمت باحتياجها للمساعدة لتبعث لها من يُغثها.
فتحت على الصفحة الأولى لتقرأ المكتوب:
المقدمة
إن كنت ترغب بعيش الحياة بكل ألوانها؛ فـ الْمُنْجِدُ هنا لمساعدتك.
...
يـتـبـع...
بـالـنـسـبـة لـهـا كـانـت مـشـاعـر الـجـمـيـع، بـلـون الـكـراهـيـة؛ و الـشّـفـقـة و الاشـمـئـزاز، مـا هـي إلاّ تـدرجـات لـهـٰذا الـلـون.
...
تجلس على قارعة الطريق، تحمل على ظهرها حقيبتها المدرسية، تحرّك حصوة صغيرة بسبابتها، و تدندن أغنيتها المحببة بصوت حزين.
قاطعها صوت أبيها المتفاجئ، الذي صدح من السيارة، عندما توقف لحظة لمحه لها؛ سائلاً:
«سالي!، مالذي تفعلينه هنا؟!»
ترجل من سيارته ليقترب منها، و واصل استفساره:
«لمَ لستِ في مدرستكِ؟، هل حدث شيء سيء معكِ؟»
ابتعدت سحابة الحزن من فوق رأسها لتحل محلّها أخرى خائفة، تخبّط قلبها بقوة في جوفها، وقفت تقول بتلعثم إثر ارتباكها:
«أ... أبي... أنا...»
أخذ منه القلق و أمر بصبر نافذ:
«أنطقي سالي، ستصيبينني بسكتة قلبية، مالذي حدث معكِ؟»
ظهرت حبيبات العرق تلمع على وجهها، و ترددت قليلاً قبل أن تنفجر باكية و تصرخ بلا سبب:
«لقد هربت من المدرسة، لم أعد استطيع تحمل تنمر الطلبة علي...»
صمتت تشهق الهواء، و تكمل بنبرة منكسرة:
«كنت أكذب عليك طوال هذه المدة؛ عندما قلت إنني سعيدة بمدرستي الجديدة وكلهم جيدون معي!»
تقطع قلب الأب على ابنته، و أحس بالعجز.
احتضن كفيها الصغيرة بخاصته الكبيرة و الدافئة، و همس بحنان:
«لماذا صغيرتي؟، لماذا أخفيتِ عني أمراً مهماً كهذا؟»
بعينيها الدامعة تطلعت إليه لحظة قبل أن تنكس رأسها أرضاً، و تهمس:
«لم أشأ أن أحمّلك أعبائي، إلى متى سأبقى أشكو لك أحزاني كالطفلة، قريباً سأتجاوز الثامنة عشر!»
حرر يديها من إحدى كفيه ليرفع بها رأسها، و بابتسامة دافئة ألقاها في وجهها، ثم قال كمّن يحدث طفلاً صغيراً:
«أنا أباكِ و أنتِ ابنتي، و من واجبي أن أهتم بكِ. و حتى لو كنتِ في الخمسين من العمر؛ ستبقين دائماً صغيرتي»
قبّل جبينها المجعّد، و قال بعد أن ابتعد:
«لنذهب إلى منزلنا، و هناك ستعترفين لي بكل شيء»
...
استقبلت الخادمة سيدها أليكس و الأنسة الصغيرة سالي. دخل الأب إلى مكتبته الكبيرة، و وقف في منتصفها؛ ينتظر لابنته أن تلحق به. و ما أن انتصبت واقفة أمامه، حتى بادر بالسؤال:
«منذ متى تتعرضين للمضايقات؟، و هل هذه المرة الأولى التي تهربين فيها؟»
فركت يديها المترهلة كحال جسدها كله، و همست بالجواب:
«المضايقات بدأت منذ أول يوم لي في المدرسة...»
ألقت نظرة على وجه أبيها غير الراضي بما يسمعه، و أكملت:
«أيضاً هذه مرتي الثانية في الهروب، و إن كنت تتساءل كيف أن المدرسة لم تعلمك؟، فسأقول: إنني عبثت بهاتفك»
أنكست رأسها خجلاً، و واصلت:
«لم أعد أرغب بالذهاب للمدرسة، سأكمل تعليمي في البيت»
أبجس والدها بغير تصديق:
«تمزحين بكل تأكيد؟!»
و عندما أجابت بالرفض، واصل يقول بتوبيخ:
«لن أسمح لكِ بفعل هذا، ستواصلين الذهاب للمدرسة، لستِ أول أو أخر شخص يصاب بهذا المرض، عليكِ مواجهة كل من حاول مضايقتكِ؛ و ليس الهرب و الانزواء...»
قاطعته صارخة بقهر:
«لا أرغب بسماع هذه المحاضرة، لقد أكلت من كلامك هذا حتى شبعت!»
صمتت قليلاً، لتتابع بنبرة جامدة:
«أنا مصابة بالشيخوخة المبكرة أبي، و لا أعرف كم سنة تبقت لي في هـٰذا العالم؛ لذا لن أضيع حياتي في محاولة لتلوين مشاعر البشر، و إقناعهم بتقبلي بينهم بشكلي البشع هـٰذا، لست مضطرة»
«لا تقولي هـٰذا يا ابنتي، أنتِ أجمل فتاة رأيتها، حتى و...»
«لا تشفق علي أرجوك، لست مجبراً على هـٰذا بمجرد أنك والدي»
بصقت كلماتها الظالمة في وجهه، قبل أن تتركه مع حسرته.
...
اليوم التالي وافق عيد ميلاد سالي، و تلقت هدية من والدتها ريانا المقيمة في برلين/ألمانيا، و التي قطنت فيها بعد أن غادرت أوستراليا، عقب انفصالها عن أليكس.
دخلت غرفتها، ألقت الهدية التي لا زالت بغلافها اللمّاع بإهمال على سريرها الكبير، و ألقت بدورها جسدها المترهل.
صفنت في سقف غرفتها، تفكر في حياتها الباهتة، الخالية من أي لون للحياة، ترغب برؤية ألوان أخرى عدا اللون الموجود، هنا لا تقصد بالألوان: الأحمر، الأصفر، الأخضر،...؛ بل تقصد بها مشاعر الناس، التي لم ترى منها إلا الكراهية...
مالت برأسها الكبير لجهة الهدية و سحبتها إليها، جلست و مزقت غلافه الرقيق، لتظهر ملامح المفاجأة و الاستغراب على وجهها؛ عندما وجدت أن الهدية كتاباً زُيّن غلافه بكلمة (الْـمُـنْـجِـدُ). و كأن والدتها علمت باحتياجها للمساعدة لتبعث لها من يُغثها.
فتحت على الصفحة الأولى لتقرأ المكتوب:
المقدمة
إن كنت ترغب بعيش الحياة بكل ألوانها؛ فـ الْمُنْجِدُ هنا لمساعدتك.
...
يـتـبـع...
Коментарі
Упорядкувати
- За популярністю
- Спочатку нові
- По порядку
Показати всі коментарі
(2)
الْـفَـصْـلُ الأَوَّلُ
حلوه
Відповісти
2018-09-01 12:17:57
2
الْـفَـصْـلُ الأَوَّلُ
ابدعتيِ
Відповісти
2019-08-14 01:12:19
1