الْـفَـصْـلُ الـثَّـانِـي
...
كانت الغرفة تغرق في هدوء غريب، الستارة البيضاء الشفافة؛ تتمايل بفعل الرياح القادمة من الشرفة.
لم يكن انعكاس ضوء القمر المكتمل واضحاً على الأرضية البنية؛ بسبب الإضاءة المشتعلة في غرفة نوم سالي، التي بقيت مستيقظة لوقت متأخر من الليل، تقلب صفحات الكتاب، حيث قالت ساخرة:
«أعيش الحياة بكل ألوانها، و الكتاب بلون واحد.
يا لهم من مخادعين!. لم يكلّفوا أنفسهم حتى بطباعة الصور بألوانها: صورة العشاء الأخير، لا مينيناس، أكلوا البطاطا، مقبرة تشارنيل، حياة مع الغيتار،...؛ كلها بالأبيض والأسود»
استمرت بتقليب الصفحات، إلى أن استقرت على صفحة، فقرة منها تتحدث عن القطب الشمالي و الحياة هناك...
...
منذ أن ألقت سالي كلماتها تلك على مسامع أبيها؛ و أليكس لم ينفك يفكر فيه. تظن أنه يشفق عليها و هو يحبها كثيراً، ألا يكفي خوفه من تلك اللحظة التي يخشاها ألا وهو فراقها الفجائي؛ لذا عليه أن لا يهدر أي لحظة مع ابنته، سيلبي لها رغباتها في مقابل سعادتها.
انتصب واقفاً بطوله الفارع، و زيّن الرضى وجهه ذو الملامح اليونانية الجذابة، و بخطوات واسعة طوى المسافات لغرفتها؛ يتحسسها إن كانت مستيقظة أم لا. لمح ضوء الغرفة يخرج من تحت الباب، و قرر طرق الباب.
طرقة اثنتان ثلاثة و لا مجيب، فكر ربما نامت و نست إطفاء الإنارة، دخل للإطمئنان عليها؛ ليجدها تحشر رأسها في صفحات كتاب سميك، همس بإسمها لكن همسته ذهبت مع الريح، اقترب أكثر من سريرها إلى أن توقف بجانبها و استغرب انغماسها في قراءة هـٰذا الكتاب، سأل و قد نهشه الفضول:
«مالذي تفعلينه؟!»
ردّت بذهن مشغول، و ارتجافة لم يلحظها في صوتها:
«أتصفح العالم»
ابتسم، فهو يعرف عشق ابنته لهكذا كتب، و سأل مجدداً:
«و أين أنتِ الآن من هـٰذا العالم؟!»
أجابت و هي تكاد تموت برداً:
«أنا أتجمد الآن في الجزء الشمالي للكرة الأرضية»
كانت كلماتها صادقة و ليست سخرية كما اعتقد والدها. همهم متفهماً و اقترب جالساً بجوارها، حاوط كتفها؛ يريد البوح بما تكنه نفسه، إلا أن جسدها البارد شل لسانه، و أثار خيفته.
سحب الكتاب من يدها و أدارها إليه؛ ليلاحظ شفتها المزرقة و وجهها الشاحب، و استطاع النطق بفزع؛ عندما سأل:
«هل أنتِ بخير؟، لِمَ أنتِ باردة هكذا؟!»
أجابت و أسنانها تصطك ببعضها:
«لا أعرف، فقط أشعر بالبرد»
«برد و الجو ساخن؟!، أنا لست مطمئن، سأطلب طبيبكِ!»
...
خرج الطبيب إدوارد من غرفتها، و تكلم بعملية:
«الأنسة الصغيرة بخير، و قد ارتفعت درجة حرارتها لمعدلها الطبيعي الآن»
«هل لي أن أعرف سبب هذه الحالة؟»
«الفحص العام الذي أجريته؛ نتائجه كلها إيجابية، علينا أخذها للمشفى لعمل تحاليل أكثر دقة؛ ليتسنى لنا معرفة ما حدث معها»
في هذه الأثناء كانت سالي تحاول أن تفهم ما حصل لها. في البداية كانت تقلب الأوراق دون أن تبالي بما تحتويه، إلى أن جاءت عينها على فقرة لطالما جذبتها، و هي العيش في مكان قارس البرودة، كالقطب الجنوبي أو الشمالي.
أخذت تقرأ المعلومات المكتوبة، و تنظر للصورة المطبوعة بالقرب من الفقرة بحماس، و أحست نفسها تؤخذ بها شيئاً فشيئاً، إلى أن وجدت نفسها تعيش ما كُتب في الجزئية.
شعرت بأنها هناك، تقرص البرودة وجهها، و يرتجف جسدها برداً، اشتمت رائحة شجر الصنوبر التي دخلت لأنفها الصغير في نفحة هواء باردة؛ جعلته يتشرب بالحمرة، و بسبب المنامة الخفيفة المحاوطة لجسدها؛ تجمدت و بدأت شفتيها بالارتجاف.
المكان كان كما في الصورة، بلون الأسود و تدرجاته، و هذا ما جعله يبدو و كأنه جامد، حزين لغياب الألوان الأساسية للحياة، و بالرغم من حبها للثلج والبرودة، إلا أنها رغبت بالخروج منه بسرعة.
عادت بذهنها لتنظر إلى الكتاب القابع بجانبها، و رغبة شديدة في اكتشافه اجتاحتها، أمسكته لتعيد تصفحه، أخذت تقلب صفحاته بحثاً عن موضوع جيد يجذبها، توقفت عن التقليب عندما لاحظت عنوان يتحدث عن هيروشيما و ناجازاكي...
...
يـتـبـع...
كانت الغرفة تغرق في هدوء غريب، الستارة البيضاء الشفافة؛ تتمايل بفعل الرياح القادمة من الشرفة.
لم يكن انعكاس ضوء القمر المكتمل واضحاً على الأرضية البنية؛ بسبب الإضاءة المشتعلة في غرفة نوم سالي، التي بقيت مستيقظة لوقت متأخر من الليل، تقلب صفحات الكتاب، حيث قالت ساخرة:
«أعيش الحياة بكل ألوانها، و الكتاب بلون واحد.
يا لهم من مخادعين!. لم يكلّفوا أنفسهم حتى بطباعة الصور بألوانها: صورة العشاء الأخير، لا مينيناس، أكلوا البطاطا، مقبرة تشارنيل، حياة مع الغيتار،...؛ كلها بالأبيض والأسود»
استمرت بتقليب الصفحات، إلى أن استقرت على صفحة، فقرة منها تتحدث عن القطب الشمالي و الحياة هناك...
...
منذ أن ألقت سالي كلماتها تلك على مسامع أبيها؛ و أليكس لم ينفك يفكر فيه. تظن أنه يشفق عليها و هو يحبها كثيراً، ألا يكفي خوفه من تلك اللحظة التي يخشاها ألا وهو فراقها الفجائي؛ لذا عليه أن لا يهدر أي لحظة مع ابنته، سيلبي لها رغباتها في مقابل سعادتها.
انتصب واقفاً بطوله الفارع، و زيّن الرضى وجهه ذو الملامح اليونانية الجذابة، و بخطوات واسعة طوى المسافات لغرفتها؛ يتحسسها إن كانت مستيقظة أم لا. لمح ضوء الغرفة يخرج من تحت الباب، و قرر طرق الباب.
طرقة اثنتان ثلاثة و لا مجيب، فكر ربما نامت و نست إطفاء الإنارة، دخل للإطمئنان عليها؛ ليجدها تحشر رأسها في صفحات كتاب سميك، همس بإسمها لكن همسته ذهبت مع الريح، اقترب أكثر من سريرها إلى أن توقف بجانبها و استغرب انغماسها في قراءة هـٰذا الكتاب، سأل و قد نهشه الفضول:
«مالذي تفعلينه؟!»
ردّت بذهن مشغول، و ارتجافة لم يلحظها في صوتها:
«أتصفح العالم»
ابتسم، فهو يعرف عشق ابنته لهكذا كتب، و سأل مجدداً:
«و أين أنتِ الآن من هـٰذا العالم؟!»
أجابت و هي تكاد تموت برداً:
«أنا أتجمد الآن في الجزء الشمالي للكرة الأرضية»
كانت كلماتها صادقة و ليست سخرية كما اعتقد والدها. همهم متفهماً و اقترب جالساً بجوارها، حاوط كتفها؛ يريد البوح بما تكنه نفسه، إلا أن جسدها البارد شل لسانه، و أثار خيفته.
سحب الكتاب من يدها و أدارها إليه؛ ليلاحظ شفتها المزرقة و وجهها الشاحب، و استطاع النطق بفزع؛ عندما سأل:
«هل أنتِ بخير؟، لِمَ أنتِ باردة هكذا؟!»
أجابت و أسنانها تصطك ببعضها:
«لا أعرف، فقط أشعر بالبرد»
«برد و الجو ساخن؟!، أنا لست مطمئن، سأطلب طبيبكِ!»
...
خرج الطبيب إدوارد من غرفتها، و تكلم بعملية:
«الأنسة الصغيرة بخير، و قد ارتفعت درجة حرارتها لمعدلها الطبيعي الآن»
«هل لي أن أعرف سبب هذه الحالة؟»
«الفحص العام الذي أجريته؛ نتائجه كلها إيجابية، علينا أخذها للمشفى لعمل تحاليل أكثر دقة؛ ليتسنى لنا معرفة ما حدث معها»
في هذه الأثناء كانت سالي تحاول أن تفهم ما حصل لها. في البداية كانت تقلب الأوراق دون أن تبالي بما تحتويه، إلى أن جاءت عينها على فقرة لطالما جذبتها، و هي العيش في مكان قارس البرودة، كالقطب الجنوبي أو الشمالي.
أخذت تقرأ المعلومات المكتوبة، و تنظر للصورة المطبوعة بالقرب من الفقرة بحماس، و أحست نفسها تؤخذ بها شيئاً فشيئاً، إلى أن وجدت نفسها تعيش ما كُتب في الجزئية.
شعرت بأنها هناك، تقرص البرودة وجهها، و يرتجف جسدها برداً، اشتمت رائحة شجر الصنوبر التي دخلت لأنفها الصغير في نفحة هواء باردة؛ جعلته يتشرب بالحمرة، و بسبب المنامة الخفيفة المحاوطة لجسدها؛ تجمدت و بدأت شفتيها بالارتجاف.
المكان كان كما في الصورة، بلون الأسود و تدرجاته، و هذا ما جعله يبدو و كأنه جامد، حزين لغياب الألوان الأساسية للحياة، و بالرغم من حبها للثلج والبرودة، إلا أنها رغبت بالخروج منه بسرعة.
عادت بذهنها لتنظر إلى الكتاب القابع بجانبها، و رغبة شديدة في اكتشافه اجتاحتها، أمسكته لتعيد تصفحه، أخذت تقلب صفحاته بحثاً عن موضوع جيد يجذبها، توقفت عن التقليب عندما لاحظت عنوان يتحدث عن هيروشيما و ناجازاكي...
...
يـتـبـع...
Коментарі