الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الرابع
                                        ســـؤال



  
" لا أريدك أن تحمل في نفسك أي ندم،  مثلك لا يقاتل ليكسب شيئًا،  مثلك يقاتل ليبقى يا لارس، فقط ليبقى، وليس عليه أبدًا أن يتردد أو يتحير، لئلا يصير ضعيفًا فيهلك أو تسلب منه أبسط حقوقه، حقه في أن يعيش!."



طافت هذه الكلمات في عقل لارس الصغير بينما كان يراقب إلتماع سيفة تحت آشعة الشمس، ابتسم في رضى، ثم حركه ليعاين إنعكاس صورته على النصل،

حينها أحس مزيدًا من الرضى فانفرجت شفتاه لتبرز اسنانه معلنة عن ابتسامة عريضة إتسعت أكثر وأكثر حين لمح رفاقه في الجوار، يتجولون ويتسوقون: آريا، وميلينا، أوليڤيا واخوها طوني والصديق رونان.

وحين فكر في أنه مسؤل عن حمايتهم اليوم، إلتقط نفسًا عميقًا في زهاء وتصور جماعة من اللصوص تهاجمهم، وخيل إليه أنه ينقض عليهم فيفرقهم بددا، بل ويطرحهم جميعهم ارضَ.

لكن شيء من ذلك لم يحدث، إذ ظهر عوضًا عن ذلك أخر شخص كان يتوقع تواجده، كان يحوم حول أصدقائه في إحتراس، يحاول أن يبقى بعيدًا عن الأنظار، وعلى الرغم من انه يبدو من هيئته أنه قد تجاوز الأربعين، ألا أنه بدا في تلك الحالة أخرقًا بشعرة القصير وابتسامه الظفر التي علت وجهه.

بدأ لارس يتسلل بين الباعة آخذًا في الإقتراب بحركات سريعة ومدروسة، فلقد تربص به فترة كافية ليضع خطة محكمة توصلة إلى عنقه تمامًا، وحين وصل الصغير على بعد خطوات إعتلى احدى عربات الباعة في حركة رشيقه ثم قفز من أعلاها ليسقط ذلك الشخص أرضًا في لحظة، وفي الآخرى كان سيف الصغير على عنقه.

إبتسم الأخر من بعد فزع، وكان أصدقاء لارس قد إلتفوا جميعًا حول الرجل، حينها قهقه بقوة، وخاطبهم قائلاً:

_"يبدوا أنني قادر على حمايتكم داخل الملجأ فقط، أما هنا فلدينا هذا البطل الشجاع"

إختلج لارس لوهلة واحمرت وجنتاه خجلًا من هذا الثناء، وبخاصة لانه لاحظ أصدقائه يتطلعون إليه بعيون تلتمع إعجابًا، أغمد السيف في حركة منضبطة، ثم إعتذر للسيد توماس الذي راح يمسح على رأس الصغير وهو يضحك بخفه، ثم سألهم عن ما اذا كان العرض قد أشعرهم بالجوع كما فعل به؟.

في الجوار، كان عدد من الناس قد تجمهروا نتيجة لهذه الجلبة، لكنهم حين رأوا توماس والاطفال انصرفوا، وكأنهم قد اعتادوا افتعالهم للمشاكل.

-"يبدوا أنه طفل خطير"

قالها احدهم لرفيقه بخبث وهما يتابعان توماس والاطفال بعينيهما بينما هم راحلون.

-" خطير لكنه يساوي ثروة، تخيل أن ما رأيناه الان لربما كلف القصر الملكي كيسًا من الذهب"

قهقه الرجلان، ثم اتفقا على العودة إلى ليومنت، فلم تعد لهما حاجة بالبقاء، وهما تاجران ليومنت، يتاجران في " ميدوريا" البلدة التجارية النائية التي يسيطر عليها إيفان، الرجل المقاتل والتاجر، والسياسي الداهية، والذي صنع منها مركزًا تجاريا ضخمًا، بعد ان ادخل إليها مختلف البضائع المشروعة منها او حتى الغير مشروعه، وبطرق ايضا مشرعة او غير ذلك،

حتى أن عددا من الممالك، لا يستطيع الإستغناء عنها كمصدر رئيس لكل ما هو محظور او غير متداول بسهولة،
بلدة نائية لكن فيها من الأسرار ما فيها، لذلك فإن ايا من تلك الممالك لم تخفى عنهم أهمية الأستيلاء عليها، لكن ذلك كان بمثابة الحلم بعيد المنال، ففي وجود إيڤان، وفي حال فكرت احدى الممالك باعلان الحرب على ميدوريا، كان ذلك بمثابة اعلان الحرب على عدد من الممالك في الآن ذاته، وليس فقط مجرد بلدة.

لانه وفي حال وقعت في يد احدى الممالك، ذلك من شأنه ان يقلب الموازين، فيصير خللا في توزيع القوى، ويكون الصراع بين هذه الممالك المتجاورة  محسوم لتلك الاخيرة.

______________________________________

جلس إيفان يدقق في تفاصل صورة كان يحملها في يده،
صورة لأمرأة حسناء في مقتبل العمر يرى في نظرتها البساطة والخضوع جنبًا إلى جنب مع الآنفة والإعتزاز في رأسها المرفوع ثقة بجمالها على الأرجح، راح يتأملها في آسى فتسللت ذكريات لطالما أبغضها، لطالما تمنى لو يجد طريقًا إلى الخلاص منها.

لقد كان يتمنى لو يلقي نظرة على صورتها فقط بسلام، يتمنى لو لم تفلح ذاكرته هذه المرة ككل مرة في جمع أجزاء قصتهما المنسية، واستحضار المبتورة منها، أو حتى المقتولة!،

جل ما تمناه أن لا ينسى صورتها، لكن هذه الصورة تأبى إلا أن تجتر معها ذكريات مقيته تسحق قلبه بلا رحمه، تذكر يوم رآها لأول مرة، يوم سقطت من أعلى جذع الشجرة، فحاول إلتقاطها، لكنها سقطت فوقه عوضًا عن ذلك، بل وحاولت صفعه أيضًا،

_" ماذا كانت تحاول فعله تلك الخرقاء أعلى الشجرة؟"

تسائل في قرارة نفسه،ثم إبتسم في مرارة، لانه إسترجع ذاكرة آخرى طويلة ملؤها طيش مشابه، ولكم كان محببًا ذلك الطيش، لكم ينقصة طيشها ذاك، كم هو ثقيل العيش بدونه.

في تلك اللحظة انطلق صوت صاخب فجأة، انفتح الباب من خلفه بعنف، ولم تمهلة ملامح الجندي الفزعة لحظة ليستدرك فيها ما يجري، اذ صاح فيه ذللك الأخير:

-" لقد تعرض الملجأ لهجوم يا زعيم."

_________________________________________

كان الصغير لارس يقضي معظم وقته في الملجأ منغمسًا في التفكير، غارقًا في تأملاته وتساؤلاته، لا يغادرة ذلك الشعور بالغربة، بالتشتت والحيرة، ورغم انه لم يكف يوما عن تلك الأسالة، ورغم ان ايا من توماس او ايڤان لم يبخل عليه يومًا بالاجابات، على الرغم من سنه الصغير، إلا انه لا يزال يستشعر في داخلة ذلك الشعور الغامض بالقلق، والخوف من مجهول ما لا يعرف حقيقته،

يحس في داخلة وحشة غريبة، يتأمل أصدقاءة، يحبهم، يأنس بهم، ويعي جيدا انهم ايضًا يفعلون، لكنه لا يستطيع أن يهرب من ذلك الشعور في جوفة، يحس نفسه في داخلة مختلفًا، يراه بعيدا عن ان يكون تمامًا مثلهم، ويربكه أن يجهل السبب، يربكه اكثر أن يفتش في عيونهم فلا يرى ذلك الأختلاف، ولا يجد لتلك المسافة وجودًا.

تسائل ان كانت الاجابات غير كافية؟، أم أن هناك سؤالًا لم يطرح بعد حتى يتثنى له أن يحصل على اجابة شافية؟

-" وهل ينتصر الخير في النهاية دائمًا؟"

سألت آريا توماس في لهفة، فانتبه لارس الذي كان شاردًا إلى صوتها المألوف، والمحبب، تأملها للحظات مبتسمًا، كان منشغلًا بما يشهده من لطف منقطع النظير، وذكاء ملفت،  فراحت اجابات توماس تسري ضبابية في عقلة :

_" الخير منتصر لكونه خيرًا حتى النهاية يا آريا "

_" اكره الشر والأشرار "

قاطعته آريا في غضب بعد ان قطبت حاجبيها فراح الجميع يضحكون، وعلى رأسهم لارس،

-" من الشر أن تكرهي احدا يا آريا"
علق رونان، فوافقته ميلينا، وأومأ كل من طوني وأولوفيا لبعضهم البعض مؤيدين، فتراجعت آريا في خيبة، في حين بقي لارس محتارًا في ذلك السؤال أيضًا.

-" لدينا جميعًا اسباب، اسباب تكون كافية أحيانا لفعل أي شئ"

أجابه توماس ثم اغلق كتابًا كان يحمله في يده، أثنى على الصغيرة آريا ذات الثمان سنوات،  وصاح فيهم جميعًا بمرح ليخلدوا إلى النوم، ولم يكد ينه جملته تلك حتى انتشر في الارجاء صوت زجاج يتكسر ويتطاير، قبل أن يظهر عدد من الاشخاص من العدم.

________________________________________

_" لقد علمنا من التجار في ميدوريا ان إيفان يأوي بوكين في احد الملاجئ، ونحن لا ندري ما يفكر به ايفان، لذا أريدك أن تحضر ذلك الطفل حيًا، وإقتل دون ذلك كل من يقف في طريقك"

عند تلك النقطه إلتفت إلستر الذي كان شاردًا بحدة إلى مانولاس مستنكرًا، لكنه سرعان ما اشاح بنظره بعيدًا وراح يفكر مجددًا، هل كان ينقص هؤلاء القتلة نصائح بالقتل؟، تسائل وهو يتفحص الرجل الضخم الماثل أمام مانولاس وهو ينحني في إشارة إلى الطاعة، قبل أن يستدير مغادرًا يتبعه عددا من الرجال.

_" كان ممكنًا أن يختطفه التجار ذاتهم الذين شاهدوه؟"

علق إلستر في تردد، لانه لم يخفى عليه الانفعال البادي على محيا ذلك الاخر.

_" ميدوريا خطيرة جدا، وايڤان رجل صعب المراس، لا تنفع معه مثل هذه الحيل السخيفة، واخشى لو فشلوا فيستغل هذه المسألة لإثارة البلبلة.. في الحقيقة أنا لا أمانع، بل إنني أتوق للحظة التي سنمرح فيها سويةً.. لكن ليس الآن يا إلستر، ليس وذلك الشئ بحوزته، ثم إنني قلق من كونه ربما يدرك سرًا ما، سرًا لا يجب أن يعرفه أحد، لا في ليومنيت ولا حتى خارجها.

-" كنت فقط قلقًا على الاطفال في الملجأ من هذه الوحوش الضارية.. المساكين لا يكرهون أحدًا "

عقب إلستر في قلق بدا حقيقًا لمانولاس الذي رفع حاجبيه مصدومًا، وعلى الرغم من أن إلستر سرعان ما قهقه ليستدرك الامر إلا أن ذلك لم يرحمة من تعليقات مانولاس اللاذعة، إذ راهنه على ان فلسفاته تلك لا تصلح قصصًا لهؤلاء الأطفال، وأهان مركزه العسكري حين نصحه بأن يعمل موسيقارًا او رسامًا، وذلك لان مشاعرة المرهفة تلك لا تناسب ملابس الجندية كما يرى.

_________________________________________




وقف لارس مصدومًا ومتصلبًا أمام الجثة الضخمة التي ظهرت من العدم، لم تقوى قدماه على الحراك، وأحس ضئالته وصغره، إشتم الخوف وهو يفوح منه كفريسة ضعيفة فوجئت بصياد محترف وقد حاصرها، لوهلة أحس الزمن وقد توقف، هدوء يسبق عاصفة خيل إليه أنه يعرف عواقبها، حدسه يقول ذلك.

" إن هذا الذي تلوح به فرحًا لا يهب الواحد منا شيئًا، سيفك هذا يا لارس كالقتل، يقتل الإنسان لأسباب عديدة، فيظن أنه نال من الحياة شيئًا، يظن أنه أسكت غريزة كانت تلح عليه، وسواء قتل بدافع الإنتقام من شخص خانه، أو أخر يكثر الثرثرة، يبقى القتل قتلًا، وهو يا لارس شاق جدًا، شاق عند المرة الأولى، ثم بعد ذلك، بعد أن تعثر على سببك، بعد أن تفعلها، سيكون عليك أن تُقتل كل يوم وأنت تقتل رغبتك في القتل."

كانت كلمات السيد توماس هذه تصدح في الأرجاء بينما هو يصارع الرجال جميعًا في محاولة بدت فاشلة للدفاع عن الأطفال، كان يسمعها، ويتذكر كيف كان يمليها عليه بنبرة قلقة، لم يدرك ماذا علية أن يفعل، وأدركة ذلك الشعور بالأختلاف، حين رأى أصدقاءه من خلفه متكورين على أنفسهم، يبكون مرتعبين، أحس في نفسه  غضبًا عارمًا يزاحم الخوف، وحين رأى توماس ينزف إستطاع أخيرًا أن يتنفس، على غير المتوقع!.

وخلال لحظات، كان توماس قد سقط مدرجًا بالدماء، بعد أن أنهك الرجال وأغضبهم بأصرارة ومقاومته العنيفة.

_"وهل ينتصر الخير في النهاية؟"

_" الخير منتصر لانه خير حتى النهاية يا آريا"

إختلج لارس وارتعشت كلتا يديه، حين رأى توماس يسقط، وإبتسامة مودعه تعلو محياه، الرجال يقتربون، ولارس يحاول أن يستل سيفه، لكن قوة ما هائلة ومجهولة كانت لا تزال تقهر الصغير.



"لا أريدك أن تحمل في نفسك أي ندم،  مثلك لا يقاتل ليكسب شيئًا،  مثلك يقاتل ليبقى يا لارس، فقط ليبقى، وليس عليه أبدًا أن يتردد أو يتحير، لئلا يصير ضعيفًا فيهلك أو تسلب منه أبسط حقوقه، حقه في أن يعيش!."

برقت صورة لأيڤان في عقل الصغير واختفت، فتذكر كلماته تلك واحس خزيًا، هل أقتل؟, هل يمكن أن أقتل؟.



عندها إضطرمت داخلة نيران الغضب فأستل سيفه في إقدام، وتوجه نحو ذلك الضخم، ولم يكد يصل عند قدميه حتى أحس جسده الصغير يحلق في الهواء، إذ رفعه الرجل إليه، وجعل عينه في عيني الصغير متحديًا، وإذ ذاك لم يتحمل لارس تلك الأهانة من الرجل الذي قتل توماس، فحاول أن يباغت الرجل ولكنه أمسك يده فأصابه جرح كبير في وجهة.

عندها إستشاط غضبًا وطرح الصغير أرضًا بقوة، فأحس دوارًا قبل أن يستشعر ألمًا شديدًا بعظمة، كانت الركلات تتوالى بقسوة في كل مكان من جسده الهزيل، قدم تركل، والأخرى تدهس يده التي كان يحمل بها السيف.

-" لقد تأخرنا، لابد أن إيفان قد علم بوجودنا، علينا أن نسرع"

أخرجت هذه الكلمات الرجل الضخم من نوبة الجنون التي كانت قد أصابته، إذ بقى يركل الطفل لفترة طويلة دون توقف، ولم يمنعه عن ذلك نحيب رفاقه،

إلتقط أنفاسة ثم هم بإلتقاط الطفل ليغادر به، وكانت أصوات أفراس آخذة في الإقتراب، فبدأت أفراسهم في الأخر تحدث جلبة هي الآخرى، فأسرع الرجال بالتحرك بعد أن غشيتهم حالة من القلق فجأة،

ولم يكد يخطو الرجل الضخم خارج الملجأ، والصغير في يده حتى أعاق حركتة جسم ما إلتصق بقدمة، وحين إلتفت إلى الأسفل، وجد طفلة لم تتجاوز الثمانية أعوام تتعلق بملابسة، وتتوعده بأنها لن تدعه يذهب بلارس إلى أي مكان!.

© hassan ,
книга «بوكيــن».
Коментарі
Упорядкувати
  • За популярністю
  • Спочатку нові
  • По порядку
Показати всі коментарі (2)
Jana Walied
الفصل الرابع
انا داخلة اسقف 😂😂😂💙 عظمة كالعادة
Відповісти
2020-08-19 15:03:00
1
hassan
الفصل الرابع
@Jana Walied القارئ المخلص رززق 😂🌸💙
Відповісти
2020-08-21 03:33:53
1