مقدمة
القطعة الأولى
القطعة الثانية
القطعة الثالثة
القطعة الرابعة و الأخيرة
القطعة الثانية
زهرة إبريونيا أرجوانية، تفتحت بتلاتها وسط الفلاة المقفرة. كانت تلك أول لحظات اِنبعاثها.
أجفلت لما أبصرت مقلتاها مرتعها السرمدي. قيظ الهاجرة كان يلفحها، والهيف تعصف بساقها الغضة، أبت إلا أن تصرمها. تكالبت عليها الأهوال وتعاظمت عليها الكروب، إلى أن ذابت إشراقتها ونضارتها، ووهنت واعوجَّ عودها واحدودب جذعها. بتلاتها انشرمت وبَهت لونها.
هي لم تقترف أي جرم حتى تنبذ وتقصى إلى هذه اليهماء المدلهمة المقترة.
تساجلت مع أناها وحمي الوطيس بينهما، بادرته بالسؤال عما دار بخلدها . وأنى لها إشباع فضولها، وهي لم تدرك بعد سر وجودها.

أتُرانا نولد لنصلى في سعير هذا الكون ونشقى؟ أوَ نذاق نكالا فقط لأن عيبنا الوحيد هو أننا ولدنا ضعفاء؟
إن كان الكون عادلا كما تدعي، فلم تكبد عناء اِستقبالي للحياة بكل تلك الحفاوة؟
قيل أن البداية هي حجر الأساس، خلالها نختار دربنا، إما أن نستكين، أو أن نمضي قدما ونستكمل مسيرنا.
لكن لم آثرت الخنوع على المواصلة؟ أ لأنني استعصيت البداية؟ أم لأنها كانت أصعب مما ينبغي؟

إذا انبلج البدر وبان، وكسى الأرض غيهبان الظلام، وأسدل الليل ديجور ستاره. أوى كل مخلوق إلى مرقده، وعلق همومه ومشاغله على مشجب الأحلام ونام. إذا لم لا تغفو أجفاني؟ لم لا يجود علي العالم برشفة من الاِستقرار والأمان؟
لم تذوي بتلات وأوراق سقيت من ماء آسن؟ في حين تقمر أخرى رواها غيث مزن ماطر؟

لم ولم ولم... سئمتُ من كثر السؤال، ولو فتشتَ أفصح المعاجم وأبلغها لما عثرتَ لي على جواب.
الحياة تسير على حسب قانون الغاب. القوي فيها يقتات على الضعيف، ولكن بالأخير تنبح الكلاب على جيف السباع.

أيقنت في النهاية أن لا طائل من كل هذا ما دمت عدت إلى نقطة الصفر من جديد.

لم يكن من الصعب فهم مشاعر تلك الزهرة اليتيمة، لكن يبدو أنها ستتخذ قرار البداية من جديد وحدها. تعلم ماذا سيكون.

بعد أن رفع بصره عن الورقة التي كان يقرأ منها، نطق بتكلف وكثير من الاستحياء:
-هل راقت لكم كتابتي؟

كان يقف في صدر الغرفة، يحيط جمهوره بنظرات مرتبكة ومتوجسة. عيناه كانت مغرورقة بدموع بتول، لم يجد لها مسوغا. لعن حساسيته المفرطة سرا؛ فهي الآن تسبب له المزيد من الإحراج.
في الضفة المقابلة كانت قطع من الجليد تهمهم فيما بينها، وهي متمططة في المجلس كالفقم. لا أحد منهم ألقى له بالا وكأنه لم يكن يثرثر أمامهم قبل قليل.

تحمحم تم صرخ بصوت مخنوق :
-ماذا؟ ألم يعجبكم ما قرأته عليكم توا؟ لم لا أحد يجيبني؟
على إثر تلك الصرخة، توجهت الأبصار نحوه في تبرم واِمتعاض. ليرد عليه شاب عشريني بنبرة اِمتهان:

-بربك يا عناد! أتريدنا أن نعلق على هذه المهزلة؟ أي زهرة هذه التي تنبت في القفار؟ لا وأزيد من هذا أنها تتكلم، ومع من؟ مع ذاتها.
أطلق ضحكة ساخرة و على إثرها واصل اِمتهانه:
-يا صغير، كم عمرك؟ آه تذكرت: أربعة عشر عامًا. من علمك أن الكتابة تؤخذ بهذه البساطة بالنسبة لمبتدئ مثلك. أتعلم أنه ما زال أمامك مسيرة عقود من الزمن لتصل إلى الاِحترافية
في الكتابة؟ أنت بأسلوبك هذا تهين اللغة نفسها. هل أنت...
قاطعه صوت رجولي صارم:
-ماجد! ألا ترى أن ابنتي نائمة؟ إذا أردت إكمال هذا الجدال السخيف، فارق أنت وأخوك هذه الغرفة.

قالها وهو يربت على رأس الرضيعة النائمة في حضنه.

بعد سماع عناد لكل تلك الكلمات المدمية لقلبه، لم يستطع كتم شهقاته. ثم نعق بشجن:
-أمقتكم جميعا، أنتم أسوأ عائلة في العالم.
بعد أن صدح بما في جوفه، وجد أن لا عائد من المواجهة في مثل هذا الوضع. لذا نكص على عقبيه
وانسحب من المكان، يجرجر أذيال خيبته.

ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها للاِستحقار، وليست عائلته فقط من تنتقص من قيمته. الكل يزدريه، حتى والدته يحس أنها تشفق عليه.
أحس بغصة في صدره لم يقدر على كبحها. وحده عالم الأحلام هو من ينتشله من قعر نكاله.

© Unbreakable ,
книга «ألملم شتات روحي».
القطعة الثالثة
Коментарі