مقدمة
القطعة الأولى
القطعة الثانية
القطعة الثالثة
القطعة الرابعة و الأخيرة
القطعة الثالثة
كان يا مكان في قديم الزمان، في أرض بعيدة تدعى مملكة الفرسان. تتحدث الأسطورة عن وحش أسطوري يدعى طائر الرعد.
بعد أن كانت الغضارة والدَّعة كسوة مسدولة على كل أنحاء المملكة، دار الدهر دورته وطرق بابها ما قض مضجعها وروّع أهلها. في ليلة سحماء فاحمة، اِصطبغ فيها القمر بلون أحمر دموي .
تراءى من بعيد ظل طائر عملاق جناحاه يغطيان الأفق بحجمهما المهول. يمشي والأديم يرتعد من تحته. حتى الآن لم يتبين أحد هويته الحقيقية، غير تلك الأشلاء الناجية من براثنه.
ومع إشراقة الشمس تعالى العويل والأنين وتوشح الجميع رداء الحزن. منذ ذلك الحين والمملكة تعيش مجزرة جماعية، الكل اِعتبر نفسه هالكًا وما هي إلا مسألة وقت فقط .
أكثر مملكة كانت تنعم بالأمن والرفاهية والبحبوحة والبذخ لحد التبذير، الآن باتت ساحة حرب، وعدوهم لا طاقة لهم به. موجة من الخنوع لقدرهم اِكتسحت صفوفهم و بددت كل محاولاتهم للمقاومة.
ولحسن الحظ تخاذلهم لم يدم طويلا؛ فالحمية ثارت لدى بعض الفرسان وصاروا يشنون غارات ليلية على طائر الرعد. لكن لا أحد منهم عاد سالمًا. إلى أن انقطع لديهم الأمل في الخلاص من هذه الويلاء.
الخسائر كانت فادحة؛ فجلّ الأسر تشتت. الذي فقد والديه والذي خسِر أبناءه، وهناك من أضحى وحيدا يقاسي مرارة الفقدان. حتى الأزقة باتت خاوية من أهاليها، ما عدا شخصًا واحدًا كان يطوف بالمملكة خالي الوفاض، غير عابئ بالأهوال التي تحيق به؛ لأنه ما من شيء سيخسره بعد هلاك أهله جميعا. رغم أن الإحساس بالوحدة والشوق استحال بطانة لفؤاده، غير أنه لم يذعن ليأسه. بل ما حمله على التصرف بتوان واستهتار هو تفكيره الدؤوب في وسيلة لمحق واِجتثاث ذلك الطائر الكاسر.
هو تقريبا وضع خطة لتحقيق انتقامه من عدوه الكاسح؛ لأنه لا يواجه ندا سهلا بل فطحلا طول جناحه خمسة أمتار. لذا يجب أن تتحقق معجزة لدحره دون أن يفقد أحد أعضائه، و ليتم المعجزة غادر بلده على عجل قاصدًا جبل الأرجوان، وهو أعظم طود في المنطقة. سامق منيف جاوز شموخه علو الغمام، هامته اصطبغت بمركب من حمرة وردية وسماوية .
مبتغاه لم يكن القمة بعينها بل ما اكتنزته ثغورها، إنه يتطلع إلى حجر الأماتيست.
في رحلة لا تخلو من العوائق والأهوال و التضحيات، واصل تسلقه للجبل وهو يواجه أقسى وأعتى العقبات. لم تحن منه التفاتة؛ لأنه أقسم على المضي قدما. ولأكثر من مرة كاد يهوي. ناهش الصقور الجارحة حتى شارف على الهلاك. كان يلفي الموت في كل صخرة تخط عليها قدمه، إلى أن أدرك مبتغاه واعتلى شعفة الجبل.
وجد نفسه محاطا ببلورات خزامية اللون، تأسر الناظر إليها وتسلب لبه. وفي خضم عُجبه وقف مشدوهًا يتأمل آيات الجمال تلك، ثم تقدم بخطوات واثقة نحو أكبر حجر أماتيست ليجتثه من بين الصخور. لكن ما إن لامسه حتى جلجل صوت في الأجواء:
-أنت في قمة جبل الأرجوان، لتنال مرادك أجب على هذا السؤال وإلا فقل على روحك السلام .
سرت قشعريرة غريبة في جسد الرجل لكنه تغاضى عنها، وعلق بصوت أجش صارم:
-هات ما عندك و أنا بإذن المولى مجيب.
تكاثفت غيوم بلون زهرة الفيولا لتشكل هذه الكلمات
(أنا إكسير الحياة و حجر الفلاسفة. فمن أكون؟)
أصابته الحيرة وبهت لوهلة.
-ما اللعنة! لم اللغز بهذه الصعوبة والغموض؟
أخذ نفسا عميقا و بدأ باستيعاب معاني هذه العبارة:
-إكسير الحياة هو عقار أسطوري يضمن لشاربه الشباب الأبدي، ولكن ما علاقته بحجر الفلاسفة؟ الحجر المستخدم في تحويل الفلزات الرخيصة إلى ذهب خالص.. آه، أجل إكسير الحياة يمكن تركيبه من حجر الفلاسفة.
حدق فيما حوله بنظرات تحليلية ثم صرخ بانتصار:
-الإجابة هي الروح !
ما إن أنهى قوله حتى طفقت الأرض تموج و تدمدم من تحته. تساءل :
- لمَ لمْ تعمل ؟ ما الذي أغفلته بحق خالق الجحيم؟
حك مؤخرة رأسه باِنفعال ثم أردف قائلا:
-نعم، الحجر. كيف لم أفكر بهذا؟
هذه المرة وقف بشموخ و ثقة أكثر من سابقتها وجهر بأعلى صوته والأرض تميد من تحته:

- الجواب هو حجر الروح !
سكت كل شيء حوله وتفتتت الصخور لتتناثر أحجار الأماتيست. تدحرجت أجملهم نحوه ليتلقفها بيده المترعة بالرضوض. لينبس بعدها بفخر:
-أخيرا ظفرت بك يا حجر الروح !

عاد أدراجه إلى موطنه وهو يأمل نفسه بالنصر؛ لأن بجعبته سلاحًا ليس له مثيل، سلاح يقوي الروح. فكم من هزائم كان مبعثها ضعف الروح و فتورها .
عندما أدرك عتبة مملكته كان الليل قد حلّ وأرخى سدوله. أعد العدة للمواجهة واِنتظر إقبال طائر الرعد.
بعد نصف ساعة برز العدو من بعيد، فشمر الرجل عن ساعديه، وشحذ سيفه المرصع بحجر الأماتيست. أغار عليه و ضربه ضربة أودت به ولقي الوحش على إثرها مصرعه .
بعد هذا الحدث العظيم اِحتفى كل الناس بالرجل الشهم الذي أنقذ حيواتهم، و صار فخرا لقومه. إذ لقبوه بفارس الأماتيست.

أحب هذه القصة كثيرا لأنها تذكرني بالأيام الخوالي التي كانت تجمعني بجدي. كان دائما يقص علي
أسطورة فارس الأماتيست. في ذلك العمر، كان أجلّ أحلامي هو أن أغدو مثل فارس الأماتيست، وأقهر كل الصعاب والعقبات التي تعيق طريق نجاحي. لكن الآن لم يعد لدي أي حلم، فقط ما أرغب به هو العودة لما كنت عليه سابقا.

© Unbreakable ,
книга «ألملم شتات روحي».
القطعة الرابعة و الأخيرة
Коментарі