1-البِداية
2- هل أنا سيئة
3- لقد سئمت
4- أنا أم القدر
5- حفنةٍ مِنَ المجانين
2- هل أنا سيئة
-فى هذا العالمِ لا وجودَ للنِهايات الجَميلة إلا في الأفلام فقط لإنها مِنَ خيالِ المُؤلِف !-



خاطرة جديدة أختتِمُ بها ورقه آخرى فى دفترى المُميز، الذي تمكنتُ مِنَ إنهاء نِصفه بِالفعل، نظرتُ إلى السماء وتمعنتُ النظر فى الغيوم الكثيفه التى تُميزها، ومع بِداية تسلُل الخيوطٍ الذهبية مِنَ بين تجمُعات الغيومِ الذى تمكن مِنَ إعطائها جمالُ خاصٍ، كان يُمكنُنى رؤية التفاصيل بِوضوحٍ ومُلاحظتُها وقد ساعدنى الوقوف على سطح المدرسة فى تأمُلى أكثر .



لم أتمكن مِنَ إبعاد نظرى عن تلك اللوحة الفنية المُبهِرة، تقدمتُ بِبطئ وجلستُ على السورِ، فتحتُ دفترى وأمسكتُ قلمى وبدأتُ في الرسم، السماء، ثُم الغيوم، ثُم خيوط الشمس الذهبية، لم أشعُر بِالوقت ابداً، بعد أن أنتهيتُ مِنَ الرسم وضعتُ الدفتر جانبًا .



أستطيعُ الشعور بِنسمات الهواء البارِدة تضرِبُ جسدى بِعنف، أستطيع الشعور بِأهتزاز أغصان الأشجار وأوراقها بِسبب نسمات الهواء نفسها 'على الرغم مِنَ أننا فى فصل الصيف'.



وبينما كُنت أتامل الجمالُ مِنَ حولى لاحظتُ اننى اجلس على سور المدرسة، متى جلستُ عليه بِحق الاله ؟ أنا حتى أخافُ مِنَ المُرتفعات كثيرًا



صرختُ طالبةٍ لِلنجدة وبدأتُ أشعُر بِالآم شديدة تضرِبُ رأسى بِعُنف، لقد تجمدتُ مكانى ولا أستطيع التحرُك، يا إلهى هل هذِه النهاية؟ لم أجتاز السادسة عشر حتى !، بدأتُ أشعُر أننى أنزلِقُ بِبطئ وأننى سأسقُط فوضعتُ يداى على مِقلتاى اللتان اغلقتهُما بِسرعة وحين أوشكتُ على السقوط شعرتُ بِذراعٍ تُحيط خصرى وتسحبُنى إلى الخلف .



كُنت أنتظر سماع صوتِ إرتطام جسدٍ ما بِالأرض بِقوة، او أن أشعُر بِالالم أكبر، ولكِن لم يحدُث ذلِك، فتحتُ عيناي لِأجِد نفسي على السطح، وكان هو واقِفًا أمامى، هو مُجددًا !.



"أتسائلُ دائمًا، متى ستتمكن آنسة ميلينا مِنَ التركيز فى دِراستِها ومُذاكرة دروسِها عوضًا عن التسلُل والهروبِ مِنها والمجئ إلى سطحِ المدرسة والوقوعِ فى المِشاكل ؟"



"أظُن أن الأمر لا يعنيك" قُلتها بينما أُقلِبُ عيناى بِضجر



"هل تتصرفين بِوقاحة حتى بعد إنقاذكِ مِنَ السقوطِ؟، يُفترض إن تكونِ شاكرةٍ لى"



"حقاً ؟، آسفه ولكن لم يُخبرني أحدُ مِنَ قبل أن عليّ تقديمُ شُكرٍ للحيوانات !!"



قَامَ الحقير بِإحكامِ قبضتِه ثُم قال بِنبرة تهديدٍ "يبدو أنكِ ناكِرة لِلجميل .."، أرسلتُ إليه نظراتِ القاتلة، لم ترى شيئاً بعد أيُها الأحمق !



نَظَرَ إلى ساعتِه ثُم أردف بِملل "كُنت أُريد البقاء والعبث معكِ أكثر ولكِننى مشغول كثيرًا وعندى الكثير مِنَ العمل و.."



قاطعتُه بِسُرعة قائِله "فقط أُغرب عن وجهى" ولم أنتَظِر رده وإلتفتتُ، كانت دموعى تحجِبُ الرؤيه عن عيناى ولكِننى تمكنتُ مِنَ حبسِها، دائِمًا ما أقوم بِذلِك، ولكِنَنى لم أتمكن مِنَ إخفاء لمعانُ عيناى بِسبب دموعى المحبوسة ولم أكن أُريد أن يعلم أننى على وشك البُكاء، تماسكى ميلينا، على الأقل أمامه !، يُمكِنُكِ البُكاء كما تُريدين عِندما نعود إلى المنزِل، أعدك !



لم يتزحزح فيليب مِنَ مكانِه لِذلك جلستُ على رُكبتاى أقوم بِلم أشيائى وأدوات الرسم ودفاتِرى التى أكتِبُ بِها خواطِرى والعديد مِنَ الأشياء، سُحقًا متى جلبتُ كُل تِلك الأشياء ؟ ولِم هى مُلقاه هكذا، أوه تذكرتُ، صفعتُ وجهى بِكف يدي ثُم ضحكتُ !، لقد بعثرتُهم عِندما كُنتُ أبحثُ عن فُرشاة الرسم، يالى مِنَ حمقاء، أنسي كُل شئ حين يتعلق الأمرُ بِالرسم أو بِالكِتابة .



كُنت مشغُولة بِالتحدُث مع ذاتى غافِلةً عن فيليب الذي جَلَسَ بِجانِبى بِصمت، هو قريبُ أكثر مِنَ اللازِم ! من سَمَحَ له بِالأقترابِ لِتلك الدرجة؟ حتى بعدما تحدثتُ لهُ بِوقاحه مازال يلتصِقُ بى، أى نوعٍ مِنَ البشر هو؟، ألا يوجد عِنده شئ يُسمى بِ'الكرامة' ؟.



حاولتُ وضع قِناع البرود المُزيف على وجهى لِأتجاهله ثُم وضعتُ تركيزى بِأكمله على وضع أشيائى فى حقيبتى حتى أذهب بِسُرعه، شعرتُ بيدٍ على كتِفى .



إلتفتتُ إلى الوراء بِسُرعه لِأجد فيليب وكان قريباً منى لِلغاية، لم أتحمل ذلِك فقُمتُ بِصفعه بِقوة ثُم دفعتُه وإلتِقطتُ حقيبتى مِنَ الأرض وركضتُ قاصِدةً السُلَم، عِندما أبتعدتُ عنه توقفتُ عن الركض قليلاً وكُنت أنزِلُ السُلَم بِبُطئ شارِدة الذِهن، وصلتُ إلى صفى وكُنت مُتأخِرة كثيرًا على حِصه الرياضيات، عظيم .



دخلتُ إلي صفى خاصتي و جلستُ بِتملُل على مقعدى ، لم أنتبِه لوجودِ الماثِلة أمامي الآن تنظُر لى بِطريقة مُقزِزة ، مُعلمة الفصلِ ، وضعتُ قدمٍ فوق الآخرى أعلي الطاوِلة الخاصة بِمقعدي، لتكون موجهة لها، و نظرتُ لها بِتحدي، إبتسمت لى بِتقزُز ثُم خرجت مِنَ الصف لتُحضِر شيئًا مًا .



فتحتُ حقيبتي وأخرجتُ سماعات الأُذن الخاصة بى وبعضُ مِنَ الشطائر وعصير، لقد نسيتُ شيئًا !، ماذا كان على أن أُحضِر أيضًا ؟، تعِبتُ مِنَ ذاكِرة السمكة خاصتى، حسنًا لا يُهِم، عِندما بدأتُ فى إغلاق الحقيبة تذكرتُ أننى نسيتُ دفتر الرسم الخاص بِالصف، أجل ما سمِعتونه صحيح الخاص بِالصف، لأن جميع أفكارى تتولد عِندما أكُونُ بِالصف، يجِبُ أن تكُونُ أعمالى الفنية مُميزةً بِالنهاية.



وضعتُ سماعاتُ الأُذن الخاصة بى في أذنى وشغلتُ أغنيهً مًا وبدأتُ فى تناوِل الطعام وفتحتُ زُجاجة العصير، في الحقيقه، انا خائِفه مِنَ تِلك العجوز، كدتُ أُفصل مرةً فى المدرسة، ولكِن لِنفوذ عائلتى دورُ فى النِهاية، كان بِسبب تِلك العجوز، ولكِن أكتفى المُدير بِأعطائى تحذيراتٍ تافهه، ها أنا الآن مرةً آخرى أُغامِر وأتواقح عليها، ولكِن لا مانِع عِندى مِنَ المُخاطرة قليلًا، أُحِب المُخاطرة على أى حال، كان جميعُ من فى الصف ينظرونَ إلى بِإستحقار، تؤلِمُنى تلك النظرة ولكِن بتلك الطريقة لن أُوذى أحدُ مِنَهُم، من أخدع ؟ أنا أكرههم جميعاً، فهم لا يُجيدون سوى التصنع، فقط التصنع .



دخلتَ مُعلِمه الصف وأحضرت الشاى معها، وضعتهُ على طاوِلتها، ما إن رأتنى أرتشِفُ مِنَ العصير حتى جاءت إلى مُسرِعه، تِلك العجوز أعتقِدُ أننى لا أروق لها، أعتقِدُ ؟ مُنذ أن ألتحقتُ بِتلك المدرسة البائسة وهى لم تتوقف عن أفتِعال المشاكل لى.



بِأبتِسامة واسِعة تحدثتَ قائلة "آنِسه ميلينا أظنُ أن المشروباتِ ممنوعة فى الصف، لِذلك يؤسِفُنى بِالتأكيد أننى سأضطر لِألقاء عصيرُكِ بِالقُمامة، أعطيني إياه"، هل هى حمقاء؟ هل حقاً تجاهَلت تواً الشطائر التى بِيدي ووجدت أن العصير هو كُل المُشكِله؟



"إذا إلقى الشاى" أردفتُها بِبساطة مُشيرةٍ بِنظرى إلى الشاى الموضوع على مكتبِها وأنا أحشُر الشطائر بِفمى مُتجاهِلةٍ تماماً نظراتِها القاتِلة



نظر إلى جميعُ من بِالصف بِصدمه، حتى سمِعتُ شخصاً ما يهمِس بِأنه قُضى على، عِندما رجِعت المُعلِمه إلى مكتبِها وشرعت بِتناول التُفاحة التى جلبتها لها مُتملقة الصف، أقصد التلميذة المُتفوقة ووضعتها على طاوِلتها هذا الصباح، صُدِمَ كُل من في الصف فلم يتوقع أحد أنها ستتجاوز عن الأمر، حتى أنا شعرتُ بِالخوف قليلاً، ولكِن سُرعان ما أستطعتُ إخفاؤه واضعةٍ قِناع البرود المُعتاد بِبراعة، حتى أننى أنتهيت مِنَ تناول الشطائر ولم أتمكن مِنَ أنهاء عصيري فأعدتُه إلى الحقيبة .



أنتهت حِصه المُعلِمه العجوز أخيراً، أرتديتُ حقيبتى ولم أكد أخطو خطوةً واحِده خارِج الصف حتى سمِعتُ صوتها المُقزز خلفى "أريدُ التحدُث معكِ، آنسه ميلينا"



توقفتُ ولم أُكلفُ نفسى عناء الألتفاف لها حتى أكملتَ "أرجوكِ، أجلسى على المقعد أمام طاولتى"، ألتفتتُ إليها نِصف ألتفاته حتى أشارت إلى الكُرسي القابِع أمام مكتبها العتيق، ألتففتُ بِضجر وأنا أخلعُ حقيبتى لِأضعها على مكتبِها بِوقاحة وأجلِسُ على المقعد .



"هل توجد لديكِ مُشكلةً ما، تعلمين مُشكلةً شخصية او ما شابه" قالت بِهدوءٍ وهى تنظُر إلى بِأبتسامة لأُقلب عيناى بِضجر



"وحتى وإن كان لدى، ليس مِنَ شأنك" قُلتُ بِملل وأنا أستعدُ للرحيل حتى أكملت "ماذا عن صحتِك النفسية"



رفعتُ أحدى حاجِباى ثُم جلستُ مُجدداً حتى قُلت بحنق "ماذا تقصدين"



"أنا فقط كُنتُ أريدُ التأكُد مِنَ سلامتك، كُنت أظن أنكِ رُبما تكونِ مريضة أو ما شابه، أرجوكِ، أخبريني أن كان هُناك شئُ حتى أتمكن مِنَ مُساعدتِك"



تصنمتُ قليلاً ثُم بدأت أقول بِتهديد واضِحٍ بِنبرة صوتى "أن تفوهتِ بِذلك الهُراء أمامى مرةً أُخرى فأُقسِم لكِ بِأننى سأُحطم طاوِلتكِ القديمة فوق رأسكِ" هممتُ بِالخروجِ مِنَ الصف قبل أن أقتُلها، كم أكرهُها هى مُقزِزة ولِلغاية .



ألتقيتُ بِسوزى وأيما بِمكانُنا المُعتاد حتى نعودُ معاً إلى البيت، أريد أن أقول بِأنهُما رائعتان، أكتفى بِهُم فقط، هُم أفضلُ أصدقاءٍ على الأطلاق



"لِما تأخرتٍ كثيراً بِالداخل، هل تشاجرتِ مع أحدى الطالِباتٍ، مُجدداً؟" قالت إيما بِعتابٍ ولم أكد أتحدث حتى دفعتها سوزى قائلةً "أنا فخورة بِتصرُفاتكِ العِدائية مع الجميع"



"وهل هذا شئ يدعوا لِلفخر؟" أردفتها أيما بِتعب



"بِالتأكيد !"



"تِلك العجوز المُقززة" قُلتُ بِتقزز لينظُرا الأثنان إلى على الفور بِأستفهام، أخبرتهُم بِكل شئ حدث اليوم معى ماعدا فيليب .



"لو كنتُ مكانكِ لأحرقتُها حية" قالتها سوزى بِبساطه لتنظُر إليها أيما بِعدم تصديق حتى بدأت سوزى بِالضحك .



طوال الطريق كُنت شاردةً الذهن، هل يجِبُ أن أكون مكروهه مِنَ الجميع؟ كُنت دائماً أتسائل عن سبب تعلُق وحُب أيما وسوزى لى، على الرغمِ مِنَ أننى سيئة، لم أهتم يوماً بِهن ودائماً أُعامِلهُم بِقسوة وأشاجر معهُن، لا يستطيعُ أي شخصٍ أن يتحملنى ماعداهن .



نظرتُ إلى أيما، بِشعرِها الحريري الأسود القاتِم الطويل الذي يصِل إلى خصرِها، واللون البُنى الذى يلمعُ في مقلتيها عند سقوط خيوط الشمسِ عليه، لا ننسي بشرتِها الداكِنه التى تُميزها وتجعلُها أكثر جمالاً مع قامتِها الطويلة، أنها حقاً رائعه .



أنتقل نظرى بِبطئ إلى سوزى، بِشعرِها الأسود الممزوج بِبعض الخِصل البُنيه المُموج الذي يصِلُ إلى مُنتصفِ ظهرها، واللون البُنى المُميز الذى يُزين كلتا مقلتيها، مع بشرتِها القمحيه وقِصر قامتِها الفريد .



أخذتُ أتامل جمالهن، أنهن حقاً جميلات ومِثاليات، كيف لهن أن يتحملن شخصً مثلي بينهن؟ لا يجلِبُ لهُن سوى المشاكِل دائماً، حتى أنهم كانوا سيُفصلُون معى، أغلب الأوقات أظن أنهن يُشفقن على لا أكثر، أنا أُحبهن ولكِننى أنانية، أجعلهن دائماً بِجانبي على الرغم مِنَ أننى أُعرِضهن للمتاعِب .



لاحظت سوزى شرودى حتى نطقت مازِحةٍ "لِم جميلتِنا ميلينا صامتة اليوم؟"



"سوزى، أنها هكذا دائماً"



"أنا أتحدث مع ميلينا، لا دخل لكِ"



لم أتمكن مِنَ كتمِ ضحِكاتى لِذلك أنفجرتُ ضاحكةً، سوزى ظريفة لِلغاية ومُضحِكة .



هن الوحيداتٍ تقريباً من يجعلوننى أضحك مِنَ كُل قلبى، أعلم أنه لا ينبغى أن أكون أنانيةً وأجعلهن بِقربي هكذا وأن علىّ الأبتعاد، حسناً لقد حاولتُ كثيراً ولكِنهن مُتشبثاتِ بى، يجعلنى ذلِك أعلم صِدق حُبهِن لى .



أفقتُ مِنَ شرودى ثانيةً على صوتِ أيما وهى تطلُب أن نتوقف حتى تستطيع شراء بعضِ الأشياء، وقفنا أنا وسوزى نتحدثُ قليلاً مُنتظرين أيما، ولأنهن بِصفٍ آخر سوياً كانت تُخبِرنى عن تقلُبات مزاجِ مُعلماتهن، حتى أن واحدةً مِنهن سكبت الشاى على كِتاب سوزى .



"لم أستطع التحمُل وكُنتُ أستعدُ لِضربِها ولكِن أيما كالعادة أرغمتنى على الهدوء، أكره تِلك الفتاة"



"تلك الفتاة من أنقذت مُستقبلكِ يافتاه" نطقت بها أيما وهى تنزِلُ درجاتِ السُلم بِبُطئ مُمسكةً بِالعديد مِنَ أكياس البِقالة في يدها لِذلك أسرعنا أنا وسوزى إليها حتى نُساعِدُها بِحملهم



نظرت إلى أيما بِعدم تصديق لأردُف بِبساطة "لم أفعل ذلِك لأجلك، أشعُر فقط بأن عضلاتِ يدي قد خمُلت" حسناً حجتى غبية لِلغاية، حركت أيما رأسها بِأستسلام وهممنا بِالرحيل حتى قامت سوزى بِدفع أيما



"آوتش، هل أنتِ حمقاء لِمَ تدفعيننى"



"سأسيرُ بِالمُنتصَف" اردفتها سوزى ببساطة وهى تهُز كتفيها



"حقاً !" صاحت بِها أيما بِنفاذ صبر ونظرت إلى لأرفع كتفاى بِقلة حيلة وأبدا بِالسير مُبتعِدةٍ عنهن، أُريدُ العودة إلى البيت، ليس لأننى أشتقتُ لأهلى بِالطبع، ولكِننى أشتريتُ بعضً مِنَ الكُتبُ الجديدة والتى اود قرائتها .



سِرنا وعلى ما يبدو أن سوزى أنتصرت، إذ أننى أبطأتُ قليلاً حتى أسيرُ بِجانِبهم لأرى أيما ترمُق سوزى بِحنق وهى تسير بيننا .



وصلتُ إلى بيتى، وما أن فتحتُ الباب حتى أنهالت علىّ لونا بِوابلٍ مِنَ الشتائم لأننى لم أُنظِفُ غُرفتى قبل ذهابى لِلمدرسة، أكتفيتُ بِالنظرِ إليها لتُحمحم وتتراجع عِده خطواتِ لِلخلف، تجاهلتُها ودخلتُ إلى غُرفتى بعدما تأكدتُ مِنَ أغلاقِها ورائى، لونا دوماً ما تُفسِد على خُططى، أنها أُختى الصغيرة التى لم تتجاوز حتى الثانية عشر، حتى أخى الأكبر جاك يخافُ مِنها



شعرُها المُميز بِالبُنى مع بعضِ الخصلاتِ الصفراء، وعيناها الخضراوتان، مع قِصر قامتِها وبشرتِها القمحيه تبعث إليك شعور الخوفِ قليلاً، ولكِننى لا أهتمُ بِها



وهل سأخافُ مِنَ طِفلة ؟



سمعتُ جاك أخى الذي يبلُغ الرابعة والعشرون يتشاجر مع لونا،بِسببي، أخى المُفضل، كانت لونا تُخبِرهُ بِأننى متوحشة، هل أُبالِغ فى مُعاملتِهم بِقسوة؟، ما آثار صدمتى حقاً هو صُراخ جاك فى وجهِها دِفاعاً عنى، ذلِك القِردُ الطويل الذي أتشاجرُ معه بِأستمرار يُدافِعُ عنى؟



"لونا، أن وشيتِ بِميلينا فسأُحطِمُ جسدكِ الصغير"



"هل تُدافِع عنها على الرغمِ مِنَ أنك أكثرُ شخص تتصرف معهُ ميلينا بِقسوة ؟ هل سحرتك أم ماذا"



"ميلينا هى أفضلُ مِنكُم، على الأقل هى لا تتصنع حُبها لى على عكسِكُم، أن تحدثتِ عنها بِتلك الطريقة مره آخرى فسأُحطِم لكِ ظوافِركِ المُقززة تِلك" صرخ جاك فى وجهِها بِعُنف، شعرتُ بِخطواتِه الغاضبة مُبتعِداً عن لونا حتى شعرتُ بِصوتِ صفعةٍ قوية وصوتِ أرتطام جسدٍ ما بِالأرض .



لم أتمالك نفسي وفتحتُ باب غُرفتى بِبطئ حتى أجد جاك واضِعاً يده على خدِه بِعدم تصديق واقفاً أمامُه أبى، رائع .



"غير مسموحِ لك وأنا على قيد الحياة الصُراخ فى وجه لونا مِنَ أجل ميلينا"



"ولكِنها أبنتُك"



"ولكِننى أكرهُها" اردفها أبى بِبساطة غافِلاً عنى، هل كان طوال الوقت يتصنع صبرهُ علّى، وأنا من كُنتُ أعتقِدُ أننى السيئة وأننى أظلِمُه كثيراً وكُنتُ أشعُر بِالذنب، بينما جاك من كان يُدافِع عنى في كُل مره وأنا كُنتُ كالحمقاء أقسو عليه كثيراً



سأرُد لك الجميل جاك



"حسناً حسناً" تقدمتُ بِبُطئ وأنا أُصفِق بيدى واضعةٍ أبتسامة واسعه على وجهى، سأُريك أيُها الحقير .



أنخفضتُ إلى مُستوى جاك وأنا أُساعِده على الوقوف مُتغاضيةٍ نظراتِهم لى المُتفاجئة .



"كُنت تكرهُنى طوال الوقت أيُها الحقير مُدعياً أنك الأب المِثالى، حتى أننى كُنت ألوم نفسى على تحدُثى معك بِقسوة دائماً" قُلتها بِبرودٍ ساحبةٍ معى جاك قاصِدةً غُرفتى، لم أكد أخطو خطوتى الأولى إلى داخِلها حتى أوقفنى صوتُ أمى



"هذا صحيح، نحنُ نكرهُكِ كثيراً ونودُ فقط التخلُص مِنكِ، ولكِن أخوكِ العظيم كان يُدافِع عنكِ دائماً"



"أنا أكرهُ وجودكِ بيننا ميلينا حتى أننى دائماً ما أطلُب مِنَ والداى أن يلقوكِ خارج المنزل"



"لولا أننى أخافُ مِنَ أحاديثُ الناس لكُنا تخلصنا منكِ على الفور، ولكن جاك كان يُهددنا دائماً بِتركِ البيت معكِ"



شعرتُ بِوابِل مِنَ السِهام تخترِقُ قلبى وأنا أستمِعُ إلى حديثهم، لم أُصدق يوماً أنهم يكرهوننى إلى الحد الذي يجعلهُم يتخلون عنى، كُنتُ أشكُ بِالامرِ دائماً ولكِننى لم أتوقع أن يكُونُ صحيحاً إلى تلك الدرجة، أن يكُون حديثهُم صريحاً إلى ذلِك الحد .



أكملتُ سيري وأنا أسحبُ جاك ومِنَ ثُم أغلقتُ الغُرفة، تركتُه واقِفاً وفتحتُ النافِذة ووقفتُ على الشُرفة .



كانت الشمس على وشك الغروب، ولِان منطِقتنا شِبه خاليةً أستطعت التمتُع بِغروب الشمس المُبهِر مُنذ طفولتى



وقفَ جاك بِجانبى وهو ينظُر إلى الغروبِ معى، مرت دقائق مِنَ الصمت حتى سألنى بِجدية "هل دافعتِ عنى لِأنكِ أشفقتِ علّى؟"



لم يُفكِر جاك بِتلك الطريقة؟ حسناً أنا أيضاً أُفكر مِثله بِأغلب الأوقات، لكِن أنا لم أفعل ذلك لأننى شعرتُ بِالشفقة، نظرتُ إلى وجهه ولِأول مره أُدقق النظر بِتفاصيله، وجهه مُتعب، شعرُه البُنى الحريري الذي يلمع مع لون عيناه الزُمردى الباهت، وبشرتُه القمحيه مع طول قامتِه، تواً لاحظتُ أنه وسيم .



"لم أُشفق عليك، أشفقتُ على نفسى فقط" قلتُ وقد أشحتُ بِنظرى بعيداً عنهُ ثُم قاطعتُ زفيره مُتمتمه بِخفوت "آسفه"



لم أنتظِر رده ودخلتُ إلى غُرفتى ثُم أتجهتُ إلى مِرحاض غُرفتى الصغير، غسلتُ وجهى عِدة مراتِ بِتعب ثُم نظرتُ إلى المرآه .



عينان ناعستانِ بِاللون الزمردى يُزينها بعضُ الخطوطِ الحمراء، شعرُ قصيرُ يكاد يصل إلى مُقدِمه كتِفاى، يتخلل خِصاله الناعِمة اللون الأبيض الذى أُزينه به كُل يوم، لونه الاصلى هو البنى ولكِننى أُفضِل الأبيض، بشره بيضاء باهِتة كوردة ذابِلة ومتوسِطة القامة.



كان يدور فى داخِلى سؤالُ واحِد فى تلك اللحظة، هل أنا سيئة ؟



تأملتُ ملامِح وجهى شفقةٍ على حالى، لستُ جميلةً حتى، أكره ذاتى وأكره تشويهي لها أكثر.



خرجتُ مِنَ المِرحاض لِأجِد جاك جالِساً على المِقعد وكان يلعب لِعبةً ما فى هاتِفه، قردُ طويل يتمتع بِعقل طفل



"لم أعلم أن القرود تلعب تلك الالعاب الخاصة بِالاطفال" سخرتُ مِنه حتى ضحِك قليلاً



"ميلينا، أعلم أنكِ تُعانين مِنَ شئ ما خفيه، يُمكِنُك أخبارى"



"توقف عن التكلُم بِتلك الطريقة، أيُها القِرد" قُلتها بِبساطة لِننفجرُ نحنُ الأثنان مِنَ الضحك، لم أظن يوماً أن علاقتى بِجاك ستتحسن .



"حسناً، سأعقِدُ معكِ صفقة" رفعتُ إحدى حاجباى بِتملل،ولكِن الحماس الموجود بِعيناه دفعنى لِهز رأسى موافقةً



"لِنكُن الأخوة الخارقون" أردفها بِحماس لأرمُقه بِأستفهام حتى يُكمل قائلاً



"لِتتصرفى بِطبيعية معى، لستِ مُضطرة لتصنُع البرود معى"



"مُقابِل ماذا؟" أردفت بِنبرة أمتزجت ببعض السعادة التى لم أتمكن مِنَ أخفائها



تظاهر جاك بِالتفكير واضِعاً أصبعه على فمِه "همم، سأشترى لكِ ما تُريدين مِنَ الكُتب"



لم أتمكن مِنَ السكون ووقفتُ صارخةٍ بِحماسة "موافِقة، ولكِن كيف علمتَ أننى أُحب القراءة؟"



"حسناً هذا سري الصغير"



جلسنا قرابة الساعتان نتحدث ونلعب كثيراً، لم أشعُر بِالوقتِ يمضى، أعترف بأنه لطيفُ جِداً، لقد أحببتُ جاك



نظرتُ إلى ساعة يدى لِأجِدُها تُشير إلى التاسعة، لقد حان الوقت .



"جاك، سأذهبُ لأُحضِر بعض الطعام، أستعِد فأمامنا ليلةً طويلة !"



"أنتظِرُكِ"



'وِجهه نظر جاك'



ذهبت ميلينا لأحضارِ الطعام فلم يتناولَ أحدُ مِنا الطعام بعد، لقد تقربنا أنا وميلينا كثيراً، لم أُدرِك حتى الآن كم هى مُمتِعة، أمضينا عدة ساعات نتحدث كثيراُ، لم أشعُر بِالملل أطلاقاً عِندما كانت تُخبِرُنى الكثير عن عِلم النفس، فهى تُحِبه، لمحتُ لمعان كِلتا حدقتيها وهى تتحدث عنه، وكأنها وجدت شخصاً يستمِعُ لها، كُنت أعلمُ مِنَ البداية .



قاطع حبل أفكارى دخول ميلينا الغُرفة وهى تحمل ف يدٍ العديد مِنَ رقائق البطاطِس المُقرمِشة، واليد الآخرى كانت تحمِلُ طبقانِ مِنَ المعكرونة، كاد يسقط طبقُ مِنها حتى ذهبتُ مُسرِعاً إليها وأمسكتُهم .



وضعنا طاولةً مُستديرة فى الشُرفة ووضعنا فوقها الطعام كُله، لقد أعدَت ذلك المكان بِشكلٍ رائع، لاعجب فى أنها لا تُغادِر الشُرفة مُطلقاً، كان المكانُ هادئ ويبعث القليل مِنَ الطمأنينة بِداخلى .



كِدتُ أنتزِع كِيساً مِنَ رقائق البطاطس حتى ضربتنى على يدى بِخفة لِذلك أبعدتُ يدى بِسُرعة، رفعتُ نظرى لها مُستفهِماً لِتُردِف "سنتناولهُم فى رِحلتِنا"



أومأت بِهدوء وأنا لا أعلمُ مقصِدها، أى رحلة هذه؟ تباً لكِ ميلينا، أنا أُريدُ تناولهُم، الآن !.



وضعت الكُرسى بِجانبى ثُم تحدثت مُشيرة إلى السماء "ما رأيُك بِعالمى المُميز؟"



نظرتُ بِتمعُن إلى السماء، العديد مِنَ النجوم تلمع بِها، لا يوجد شئ مُميزُ آخر



"ما المُميز بِها؟" قلتُ مشيراً إلى السماء لِتقول مُبتسمةً



"أُريدك أن تُدقق بكافة التفاصيل، بِتفاصيل السماء، إن السماء مُميزةً ياعزيزى، كُل شئ بِها مُميز" ثُم رفعت يدي وقالت "تخيل أن النجوم هى بلوراتِ مُنيرة، أغمض عينيك وتخيل أنك تلمِسُها"



أغلقتُ عينى وفعلتُ كما قالت لى، ولكِن سُرعان ما شعرتُ بِالملل لِذلك بدأت فى فتح عيناى حتى أغلقتهم ميلينا مرةً آخرى "هل مللتَ بِهذه السُرعة؟"



حركتُ رأسى أيجاباً حتى أكملت



"حسناً سأُساعِدُك، أفتح عيناك مُجدداً" فتحتُ عيناى بِبطئ ثُم نظرتُ إليها وأردفتُ بِضجر "ما فائدة كُل ذلِك؟"



"جاك لِمَ تنظُر إلى النجوم بِتلك الطريقة السطحية؟"



"كيف مِنَ المُفترض أن أراها؟" أردفتُ بِتملُل، حقاً ما الفائدة مِنَ كُل ذلِك ؟ .



"أُريدك أن تشعُر بِها ـ"



أغلقت ميلينا عيناى مُجدداً، وهذِه المره كُنتُ أكثر صبراً، ثُم أردفتَ "أتعلم، قرأتُ خاطرةً تقول بِأن النجوم هى خرائِط لِلهروبِ مِنَ العالم"



"حقاً !!، كيف يُمكِنُنا الهروب مِنَ العالم أذاً" سخِرتُ مِنها بِحدة قليلاً لِتتجاهل سُخريتى وتُكمِل "بِواسطة هذا" ثُم شعرتُ بِأصبعِها على رأسى "ماذا ؟"



"بِواسِطة خيالِك، جاك" أكملت بِنبرةً هادِئة



"دع ضوء النجوم يتسلل إلى قلبِك، دعه يُنير قلبِك ويُشعِرُكَ بِالدفئ ـ" ثُم وضعتَ يدها على قلبى وأكملتَ



"فقط أُشعر بِه" .



أغلقتُ عيناى عازِماً على ذلِك، لا أعلم أن نجحتُ أم لا، ولكِن، وكأننى أشعُر بِضوء النجومِ حقاً، أشعُر بِه يُداعِبُ قلبى بِرفق، ولِأول مرة أشعُر بِالدفئ، والأمان !.



أبتسمتُ، حقاً أشعُر بِأننى مُختلِف، أعترفُ أن ميلينا الأفضل، إلهى كم أنا محظوظ بِأمتِلاكى أُختاً مِثلها .



"أنتِ رائعة" قُلتها بِنبرة تخللها الدِفئ وفتحتُ عيناى بِبطئ لِأجدها تنظُر إلى بِسعادة عارِمة، إلهى أنها لطيفة للغاية، لا أعلم لِمَ يراها الجميع وحشاً .



حسناً، فى الحقيقة هى تُعامِلهُم بِقسوة، ولكِنها دافِئة .



لا يُحبُها والداى لِأنهُم يرونها عِبئاً عليهم، أتذكر حينما وُلِدت ميلينا حينما كُنتُ بِالثامِنة، كانوا يُرِيدونَ أن تكُونُ صبياً، وحينما أكتشفوا أنها فتاة، تحدثَ أبى مع دارٍ للأيتام، ظللتُ أبكى كثيراً وقتُها، ولكِن الدار رفضتَ، حين عرض عليهم المال، كاد أن يُسجَن لِمُحاولتِه لِرشوة الدار، ولكِن عائلتنا 'عائلة كاڤيوس' تتمتع بِنفوذِ هائل، لِذلِك تمكنَ أبى مِنَ أسكاتِهم، لازلتُ أتذكر كم كانوا يجعلونَ الخدم بِغيابِهم يعتَدون على ميلينا، كان جسدُها يُزيَن بِالكدمات كُل مرة، وعِندما كانت تُخبِرُهم، كانوا يُكذِبونها، أنهُم مرضى، لقد عانت كثيراً بِطفولتِها، أننى فخُورُ بِها وبِقُدرتِها على التحمُل .



ولكِن أى أبٍ الآن يتخلص مِنَ أبنتِه بِتلك الطريقة، هل مازال يعيشُ فى أيامِ الجاهِليةٍ أم ماذا ؟



قاطع حبل أفكارى صوتِ ميلينا المرِح وهى تقولُ بِحماسةٍ "أنت الآن أصبحت جاهِزاً"



"جاهِزاً لِماذا؟"



"لِرحلتِنا" أتسعت أبتِسامتها حتى تصل مِنَ الأُذن إلى الأُذن، وافقتُها بِيأس



تِلك الفتاة تقودنى لِلجنون



"جاك، سأُخبِرُك بِسرى"



أعتدلتُ فى جلستى ونظرتُ إليها حتى تُكمِل، نظرتَ لى، كانت عينيها تلمع، ثُم قالت



"احِب النجوم كثيرًا، انها حقاً خريطتى لِلهروبِ مِنَ واقعى ..."



صمتتَ قليلاً، وكأن الظلام أحتل وجهها، ثُم قالت بِيأس



"لقد حاولتُ الأنتحار أكثر مِنَ مرة -" صُدِمتُ، حتى أن عيناى أتسعت، كانت دائما تُظهِرُ لنا بِأنها قوية، وهى كانت تتقطعُ آلماً؟، طالَ صمتُها لِتتجه مقلتاى إليها، أتسعَت عيناى أكثر عِندما وجدتُها تبكى، حاوطتُها بِذراعى، أتجهت بِعينيها إلى لِأحُثها على الأكمال



"ولكِننى جبانة، لم أستطع، وفى ليلةٍ مُظلمة، حين تراكمت الهمومُ على قلبى بِكثرة، وجدتُها"



"وجدتى ماذا"



"وجدتُها هى" رفعتَ يديها وأشارت بِأصبعِها إلى السماء



"لا أفهم"



"أُنظر جيداً، إيُها الغبى" صفعتنى بِخفة على وجنتى، لأُجعِد حاجِباى بِعدم فِهم



"أُنظر إلى النجمة اللامعة"



"ميلينا، كُل النجوم لامِعة"



"لِمَ أنت غبى لِلغاية؟، أُنظر إلى أكثر النجومِ لمعاناً، أيُها الغبى"



"حسناً حسناً" نظرتُ إلى المكانِ الذى تُشير إليه ميلينا، وظلتَ عيناى تبحث عن النجمة التى تتحدَث عنها .



"لقد رأيتُها"



"كاذِب، أذاً أين هى"



جعدتُ حاجباى أكثر وأنا أُشير إلى النجمة التى رصدتها عيناى



"أحسنتَ، أخى" أخى؟ ليُسجِل التاريخ أننى أستطعتُ أن أُغير ميلينا وأجعلُها لطيفة هكذا، أُريد أن تكُونُ ميلينا لطيفةً للابد .



"اذاً ماذا بِها؟"



"تُدعى سيريوس، أنها صديقتى"



قررتُ مُجاراتِها مُتسائلاً "ماذا عن أيما وسوزى؟"



"أيما وسوزى صديقتان لى فى دِراستى البائسة، ولكِن سيريوس، أنها الأقرب إلى، بِالحقيقة جاك، شجاراتِ الكثيرة معك كانت لِأننى أُريدُكَ أن تكُونُ بعيداً عن شخصٍ سئ مثلى" ما خطب ميلينا ؟ هى لا تتحدثُ قط عن سوزى وأيما هكذا



"ميلينا، توقفى عن هُرائكِ هذا"



قفزتَ أبتسامةً دافئة إلى ثغر ميلينا والتى سُرعان ما أستطاعت إخفائها



"حسناً أنها الثانية عشرة، أنه الوقتُ المناسِب" قفزتَ مِنَ الكُرسى فجأة وأخذت تسيرُ بِبُطئ على الشُرفة، نظرتُ إليها بِشكٍ، ذهبتَ إلى آخر الشُرفة وأنحنت بِبطئ، ذهبتُ إليها ووقفتُ بِجانِبها



"ما الذي تفعلي...." بترت جُملتى بِرفعِها لِأحدى الأحجار بِأرضية الشُرفة، شهقتُ بِصدمة، وضعت ميلينا يدها على فمى بِسُرعة "ماذا بِك أيُها القِردُ الطويل، ستفضحُنا" أومأتُ بِآسفٍ مُصطنع، سمعتُ شهِقاتٍ مكتومة، هل ميلينا تضحك علّى الآن؟



ألهى، ماذا فعلتُ لِتبتلينى بِأُختِ شرِسة؟ أُقسم أننى كُنت سأموتُ فزعاً، لو كنتُ أمراه حامِل كُنت سأُجهِضُ الطِفل على الفور، لتأتى بِالنهاية وتضحك علّى؟ أولم تكُن تصرُخ علّى مُنذ قليل؟، سأُجن .



وأنا من كُنتُ أشكُر الإله لِحصولى على أختٍ مِثلها، ألهى أنا أسحب شُكرى الآن



قطعتَ ميلينا حبلَ أفكارى وأخرجتَ صندوقٍ مِنَ الخشبِ العتيق، متوسِط الحجم، نهضتَ مُمسكةٍ بِرسغى ترفعُنى حتى أنهض معها، وضعت الصندوق فوق الطاوِلة وقامت بِفتحه .



كان بِالصندوقِ ريشةً وخمس أقلام، وصندوقٍ صغير مُلطخ بِالحبر، وكِتابُ متوسِط الطول .



أفرغتَ الصندوقِ ووضعتهُ جانِباً .



"ميلينا، ما كُل ذلِك؟"



"أنتظِر قليلاً، سأُفاجِئك"



"مُفاجأتكِ ستقتُلنى فزعاً"



صفعتَ ميلينا جبهتِها بِخفة، ماذا هى تُشعِرُنى بأننى طفل؟ .



وضعت الكِتاب في مُنتصف الطاوِلة وحولِه الخمس أقلام، تواً لاحظتُ جوهرةٍ شفافة بِنهاية كُلِ مِنهُم، فتحت الكِتاب لِأُلاحظ أن جميع صفحاتِه فارِغة، ماذا؟



فتحتَ ميلينا صندوقِ الحِبر بِحذر، كان حِبراً بِاللون الأحمر القاتِم، يُشبِه الدِماء، لطختَ ميلينا طرف الريشة بِالحِبر الأحمر وبدأت ترسُم .



دائرةً بيضاوية بِمُنتصفها زينتها بِبعض الرموزِ المُبهمة بِشكلِ دائرى، ثُم لطختَ إصبع سبابتِها بِالقليل مِنَ الحِبر وبصمتِهُ فى مُنتصَف الدائرة .



رفعتَ إصبعى و بِطرف الريشة الحاد خدشتنى بِخفه، صرختُ بِفزع وسحبتُ يدى بِسُرعة .



"ماهذا؟ تصرُخ كأمرأه على وشَك الوِلادة"



"هل تمزحين؟، لِمَ جرحتِ أصبعى الصغير"



"قردُ طويل بِعقل طِفل"



"عفواً !"



زينتَ الدِماء إصبعى الصغير، إنها متوحِشة بِحق، أمسكتَ أصبعى وزينت الدائرة بِدمائى، مهلاً هل تجاهلتنى للتو ؟؟



ما يُثيرُ حيرتى هو، لِمَ كُل ذلِك؟، لِمَ جرحت إصبعى ؟، ما فائدة كُل ذلِك ؟، والأهم .. أننى أشعُر بِالغرابة



مهلاً !، أردفتُ بالِعاً غِصتى بِقلق "ميلينا ..، لِمَ الحبرُ بِاللونِ الأحمر القاتِم"



"لِأننى أستبدلتُ الحِبر بِدمائى" قالت بِبساطة وهى تهُز كتِفيها .



وتقول لى أنها جبانة ولا تستطيعُ الأنتحار، بِربكَ !، أنا هو الجبانُ هُنا .



تواً لاحظتُ العديد مِنَ الندوب تزين يديها، متى ظهرت تِلك الندوب ؟ لم أراها قط .



"مهلاً، أهذا سِحر ؟" صرختُ فجأه بِخوف لِتُضيق عيناها وتنظُر لى بِملل .



"لقد أرتعبتَ مِنَ بعضِ الدماء، ماذا ستفعلُ لاحِقاً؟" قالت وهى تترُكنى وتتقدم ناحيه الأقلام وهى تُرتِبُها، أفقتُ مِنَ شرودى لأركُض إليها صارِخاً .



"ماذا سي .. سيحدُث لاحِقاً"



"أُنظر، لقد حان الوقت"



مُجدداً تجاهلتنى، ميلينا أنا أكرهُك .



"أى وقت؟" أردفتُ بِتملل وأنا أُضيق عيناى .



"أنت تُحِبُ علاء الدين، أليس كذلِك؟"



اللعنه على حياتى وعلى حياتُكِ أيضاً ميلينا، لِلمره الألف تتجاهلنى، أنا على وشك البُكاء حقاً .



"لن أُجيب" كتفتُ كِلتا يداي بِضجر وأنا أنظُر إلى الجانِب الأخر .



"المُشكِلة بِأنك أجبت، كان مِنَ المُمكِن فقط أن تكتفى بِالصمت" صفعتنى بِخفة على وجنتى .



"جاك، أُنظر" نادتنى بِحماسٍ لِأنظُر لها مُتغاضياً عن أهانتى قبل قليل .



"الآن، سيريوس مُستعدة، ميلينا كاڤيوس مُستعِدة وجاك كاڤيوس مُستعد"



"لِتنشق سماءَ العصرِ الحديث كاشفةً فى جوفِها عنَ العُصورِ السابِقة، العُصورِ التى دفنتها عبر الآفِ السنواتِ، لِينكشف سر السماء الذى دُفِنَ على مر الزمان" بسطتَ ميلينا ذِراعيها رافعةً رأسها لِلسماء صارخةٍ بِكُل كلِمة تتفوه بِها .



أرتفع الخمسُ أقلام ومعهُم الكِتاب فى الهواء، ولكِن الغريبُ حقاً أن الرسوماتِ التى رسمتها ميلينا على الكِتاب تتوهَج بِشدة، بينما يرتفِعُ كُلا مِنَ جسدى وجسد ميلينا فى الهواء لِنشعُر بِالريحِ وهى تضرِبُ أجسادنا بِعُنف، كان شعرُ ميلينا يتطايرُ بِالهواء، لاحظتُ توهُج العروقُ بِأجسادِنا لأشعُر بِالآلام تجتاحُ قلبى، حاولتُ التحدث ولكِننى لا أستطيعُ حتى تحريكُ جسدى، أرتطمتَ أجسادُنا بِعُنف على الأرض لِترتفع مِنَ جديد، وهذِه المره، تشكلت دوامه مِنَ الرياح،



"أنها سيريوس" همست بِها ميلينا بِصعوبة، ثُم أتجهت أجسادُنا بِبطئ قاتِل إلى الشقِ الموجودِ بِالأرض، كُنا كالدُمى تُحركَ بِواسطة شئ ما، "ميلينا، هل يُعقل أنت تكُونُ سيريسوس تلك هى ما تُحرِكُنا؟"



شعرتُ بِأهتِزاز جسدى بِخفة لأنظُر لميلينا التى تُحاوِل منع ضِحكتِها بِصعوبة "تُدعى سيريوس أيُها الأحمق، لقد أغضبتُها، ثُم أننى أخبرتُك بِالفعل أنها هيا، لم تقُل شيئاً جديداً"



لم أكد أتكلمُ حتى شعرتُ بِأجسادنا تسقُط، لِنسقُط داخِل الشق، أغلقتُ عيناى بِيأس، حتى لم أعُد أشعُر بِشئ، كان فى بالى سؤال واحِد، من تِلك الفتاة ؟ .
© مِـنّـة,
книга «J1407».
Коментарі