1-البِداية
2- هل أنا سيئة
3- لقد سئمت
4- أنا أم القدر
5- حفنةٍ مِنَ المجانين
3- لقد سئمت
'وجهه نظر داريان'

واقفين فى مُنتصَفِ الليل أنا وجون و آلين، مِنَ المُفتَرض أن يكُونُ اليوم عيدُ ميلادى ولكِننى نسيتُ كالعادة

تشه، متى تذكرتُ يوماً عيد ميلادى ؟

عِندَما أحضر كُل مِنَ جون وآلين الصندوق، تفاجأتُ كَثيراً، لم أتوقع أن يفعلوا كُل ذلِك مِنَ أجلى، شعرتُ بِأننى مُميز حقا .

"ما بِداخِل الصندوق سيُفاجِأُك كثيراً، دارى" قالها جون وهو يغمِزُ بِبراءة، ما الذى خطط له هذان الاثنان ؟ يبدو بِأننى سأُجن .

أتجهتُ بِخطواتٍ بطيئة إلى الصندوق بِحذر، أُفكِرُ بِماذا قد يحتو ى الصندوق، بترت أصواتِ المُوسيقي الهادِئة أفكارى، يبدو أننا لسنا وحدنا فى الغابة .

كُنتُ لِأُصِدق أن الليلة ستكُونُ هادِئةً إذا خططَ آلين بِمُفردِه، ولكِن بِوجود صديقي العزيز جون، لن أُخدَع بِهذا الهدوء المُريب .

فتحتُ الصندوق بِبطئ لِأنظُر لِجون وآلين قبل أن أُعيد نظرى إلى الصُندوق، فتحتُ الغِطاء، لِأجِد سيلين أمامى .

صرختُ مُتفاجِئاً "سيلين !" وأنا أنظُر بِصدمة إليها ‏

لأسمع ضحِكاتِ جون والذي لم يتمكَن مِنَ كتمِها وصوت المُتذمِر بِجانِبه مُتسائلاً بِسعادة "ما رأيُكَ بِمُفاجاتُنا؟، هل أعجبتكَ ؟"

كُنتُ عاجِزاً عن النُطق حتى، مُتسِعة عيناي بِشدة، ما الذى حل بِسيلين !.

"أيُها الأحمق المدعو بِجون، ماذا فعلتَ بى أيُها الحقير" صرختَ بِها سيلين بِحدة لِتهِمُ بِالوقوفِ لِتقع مُجدداً بِداخِل الصندوق .

أختفت أبتسامة آلين تدريجياً عندما رأى سيلين ثُم أتجهَت أنظارِه إلى جون وهو يصرُخ بِه "جون ! لِمَ تبدو سيلين بِهذا الشكل؟"

"إِنها لطيفه أكثر هكذا" قالها بِبساطة وهو يهِزُ كتِفيه بِعدم أهتِمام لِينفجِر ضاحِكاً مُجدداً .

"جون، أخبِرنى ماذا فعلتَ" أردفتُ بِخفوتٍ وحِدة وكاد جون يتحدث لِتُقاطعهُ سيلين صارخةً "هذا اللعين وضع صندوقاً ما عِندما فتحتُه لطخنى بِالألوان"

"أُنظرا لها، لقد تحولَ فُستانها الأبيض إلى حفلة ألوان بينما وجهها أصبَح كالمُهرجين"

"جون، كفى !، لِمَ فعلتَ ذلِك" صرخ بِها آلين بِحدة

"كُنتُ أُريد مُفاجاة دارى ولم أُخطِطُ بِالتأكيد لِأن تفتحه سيلين" قال جون وهو يُحاوِل كتم ضحِكاتُه .

"آلين لا تنظُر إلى هكذا، سيلين فقط فضولية لِلغاية" ثُم أكمل جون ببراءة وسط نظراتِ آلين القاتِلة المُوجهه لهُ .

"أتعلم كم مِنَ الوقت أمضيتُ في تصفيف شعرى أيُها الأحمق, وكم أمضيتُ مِنَ الوقت أضع طلاء الأظافر !، لقد ذهبتُ قرابةً الثلاثِ ساعات حتى أختار فُستاناً فقط، تباً لقد أمضيتُ النهار كُله حتى أكُونُ جاهِزة، لقد كنتُ -"

"حسناً حسناً فهمتُ، صوتكِ مُزعِج للغاية"

"من ساعدك فى هذا، جون" قُلتُ بِهدوء ناظِراً لِجون، أُقسِم أن نظراتى كادت تقتلهُ .

"م.. ماذا، أنا من خططتُ دار.. دارى"

"كريس، أليس كذلِك ؟" قُلتُ بِنفاذِ صبر مُجعِداً حاجباى

"ما الذي تتحدثُ عنهُ، لم -"

"توقف عن ذلِك وأخبرنى بِالحقيقة" كُنتُ أشتعِلُ غضباُ فصرختُ بِه بِحدةٍ وكان الشرارُ يتطايرُ مِنَ عيناى، أنا الآن غاضِبُ حد اللعنة.

شعرتُ فجأةً بِمطرقة تضرِبُ رأسى بِعُنف، هاجمنى الصُداع، شعرتُ أننى فقدتُ توازُنى لِثوانٍ معدودة وهبطتُ على الأرض أُمسِك بِرأسى حتى أُخلِص نفسى مِنَ تِلك الآلام المُفاجِئة

لِأفقِد الوعى

عِندما أستيقظتُ كانت ملامِح الصدمة تعتلى وجوههُم، حاولتُ النهوض واضِعاً كِلتا يداى على رأسى بِألم لِتُساعِدنى سيلين على الوقوف، نظرتُ إلى جون والذى كاد الجنون يُصيبه، أهذا لِأننى صرختُ عليه ؟

"ل.. لقد صرختَ فى وجهى مِنَ أجلِها -" قال جون بِهدوء وهو يتراجعُ بِعده خطواتِ إلى الوراء وقد أمتلأت عيناهُ بِالدموع، كما توقعتُ، ثُم أكمل جون "لقد ساعدنى كريس كما قُلت، آسف، أردتُ فقط مُمازحتك -" ثُم أكمل وهو يُشيرُ إلى سيلين "كما أننى أمقُتها"

ليُغادِر المكان، نظرتَ إلى سيلين بِأعيُن دامِعةً وهى تقُولُ بِنبرة هادِئةً وهى تُحاوِطُ عُنقى بِكلتا يديها "لا بأس، لقد أنفعلتُ قليلاً على جون، أنه صديقُك، أرجوكَ داريان أعتذِر مِنهُ، لا أُريدُ مِنكُم أن تتشاجروا بِسببى"

بادلتُها العِناق بِسُرعة وأنا أتحدث بِنبرةٍ هادِئة مُربِتاً على ظهرِها "سيلي، أنا من أعتذِرُ على تصرُفاتِ جون الحمقاء، لا أعلم لِما يكرهُكِ، ولكِن سأُحاول جعلِه يُحسِن مِنَ تصرُفاته معكِ"

"لا بأس، هذا لأنهُ يشعُر بِالغيرة فقط، دارى، أنه يُحِبك كثيراً"

بتر عِناقُنا الدافئ حمحمه آلين وهو يقُولُ بِتلعثُم "حسناً .. سأذهبُ الآن لأن الوقت .. مُتأخِرُ ويجِبُ على أن .. سأرحلُ الآن أراك غداً داريان" ثُم غادر بِسُرعة

بدا على ملامِح وجهِه الغضب، هل هو غاضِبُ لِتلك الدرجة مِنَ جون ؟

"أتعلم، أرى أن آلين لطيفُ للغاية" أردفت مُبتسِمةً لِأرُد عليها

"أنا كذلِك، سيلين"

"حسناً، الساعة الآن الثانية عشر، يجِبُ على العودة إلى المنزِل، لقد تأخر الوقتُ كثيراً" كادت ترحل حتى حاوطتُ خصرها بِيدٍ وبِاليدِ الآخرى أُبعِد بعض الخصلاتِ المٌتمرِدة على عُنقِها، لِأُقرِبُها أكثر إلى وأُعانٍقُها مِنَ الخلف وأنا أهمِسُ بِنبرةً دافِئة "تبدين رائعةً اليوم"

قالت وهى تُحاوِلُ أبعاد ذِراعى عن خصرِها بِتلعثُم "ولكِن.. ولكِننى مُتلطِخةً بِالألوان"

"لقد زادتكِ جمالاً" قُلتها ووضعتُ بِثغرى أبتسامة صغيرة لِتدفع يدى وهى تلتفِتُ قائلةٍ بِتوتر "داريان، يجِ.. يجِبُ على الذ... الذهاب، أراك لاحِقاً، إلى اللقاء"

ذهبتَ بِسُرعة تارِكةً شخصٍ ضائع هُنا، ضائعاً فى متاهه حُبِها، هذا ليس عدلاً هى تُفلِتُ منى كُل مرة .

أنها حقاً خجولة، لِلغاية !

وصلتُ إلى منزلى والعبوس يجتاحُ وجهى، عزمتُ على وضع قِناع البرودِ على وجهى، قابلنى كريس مُتلهِفاً وهو يسأل بِحماسٍ "داريان !، أنت مُتلطِخ بِبعضِ الألوان، ماذا فعلتُم اليوم" .

أدركتُ أن جون لم يُخبِرهُ بِشئ، تجاهلتُه وسِرتُ مُبتعِداً، كان يصرُخ ورائى وهو يركُض "داريان، ماذا حدث"

كان الشرارُ يتطاير مِنَ كِلتا عيناى كُلما تذكرتُ ما فعلوه، سُخفاء !، دخلتُ غُرفتى ودفعتُ الباب بِقوة وأتجهتُ مُباشرةٍ إلى سريرى، أوقف كريس حركة الباب ودخل إلى غُرفتى، جلسَ بِجانبى وهو يسألُنى بِأهتمامٍ "داريان، لِمَ أنت حزينُ هكذا"

"كريس، لِمَ خططتَ أنت وجون إلى كُل ذلِك"

"ما الذي تتحدثُ عن-"

"توقف، لقد أخبرنى جون بِكُل شئ، لِمَ فعلتُم ذلِك بِسيلين؟ أعلم أنكُم تكرهونها، ولكِننى أُحِبُها كثيراً، أنا حقاً أُحِبُها، كريس، أُريدكُم أن تتقبلونها، على الأقل مِنَ أجلى، فقط كونوا مِثل آلين"

"داريان، هى ليست مُناسِبةً لك -"

"هل سنتحدث عن ذلِك مرةً آخرى؟"

صمتَ كريس وهو ينظُر إلى الأرض لِأضع يدى على كتِفه قائلاً "لا تقلق، كريس، لم أعُد طِفلاً بعد الآن، أعلم جيداً ماذا أفعل، أُريدُ مِنكَ فقط الوثوق بى"

"حسناً، كما تُريد داريان، ولكِن لا تُجبِرُنى على التحدُث معها"

"كما تُريد"

نظرَ كريس إلى ساعتُه ثُم قال وهو يهِمُ بِالنهوض "الوقتُ تأخر كثيراً، إنها الثانية بعد مُنتصف الليل، سأذهب لِأنام وأنت يجِبُ عليك النوم"

وقفتُ معهُ لِأُعانِقه وأنا أقول "أُحِبُك"

"أنا أيضاً، أخى الصغير" فصلَ كريس عِناقنا وخرجَ مِنَ غُرفتى وأغلقها ورائه، أستلقيتُ على السرير وفتحتُ هاتفى لِأجِد صورتِها، صورة سيلين، عانقتُ هاتِفى ونِمتُ بِسلام .

حياتى مِثالية، مِثاليةً لِلغاية، أنا راضٍ نوعاً ما .

-----

'وِجهه نظر ميلينا'

حسناً، مرّت عشرة أيام، عُدتُ وحيدةً مرة آخرى، واقِفةً الآن أنتظِرُ قدوم سوزى لِنذهب إلى المدرسة، أنا مُتعبة ووجهى شاحِبُ للغاية، مُجدداً أفسدتُ كُل شئ بِسبب تهورى وغبائى، أنا أنانية حقاً، كُل شئ عزمتُ على بِناؤه تحطم فى ثانية، قطع حبلُ أفكارى عِندما شعرتُ بِيدٍ على كتفى، ألتفتتُ إلى الوراء بِسُرعة لِأجدها سوزى .

"آسفة، لم أقصِد أخافتكِ"

"أنا بخير" قُلتُها بِسُرعة وأنا أتقدم على سوزى، كانت خطواتى بطيئة ومُتعبة، أسير ونظرى مُثبت على كِلتا قدماى، أتعلمون، أنها تبدو أصغر كُلما نظرتُ لها .

كانت أيما على وشك التحدُث حتى بتر جرس بدأ الحِصةُ الأولى جُملتِها، ذهبتُ مُباشرةً إلى صفى دون أن ألتفِتُ لهن وأودِعُهم، لم أكد أضع خطواتى الأولى حتى أُغلِق البابُ فى وجهى، ما اللعنة التى حدثتَ الآن ؟

فُتِحَ بِسُرعة لِأجد فتاةٍ لم أرها مِنَ قبل، جيدُ أن مدرستُنا خاصةً بِالفتياتِ فقط، تشه حمقى، ولكِن لحظة، تِلك الفتاة، نظرتُ لها بِغرابة، لم أرها مِنَ قبل فى المدرسة .

"ااا.. أعتذر أعتذر لم أقصِد" قالت جُملتها وهى تنحنى عِدة مراتٍ لِأوقِفها بِصوتى الحاد "لا يهم، أبتعدِ"

"هاااى .. هذا فظ" صاحَت بِتذمُر

أدعيتُ التفاجُئ لِأضع يدى على فمى ساخرةً "الأ تعلمين أننى فظة بِالفعل ؟"

ثُم دخلتُ الصف وقد عزمتُ على ضربِ كتفى بِكتفها، ويا ليتنى لم أفعل، شعرتُ وكأننى صُعِقتُ، تألمتُ حقاً، ما الذى حدث تواً؟

ألتفتتُ لِأنظُر لها لِأجدها تنظُر لى بِغرابة "ماذا ؟" صاحتَ بها بِتساؤل لأتجاهلِها وأتجِه مُباشرةٍ إلى مكانى فى آخر الصف، على طاولتى، كُل الطاوِلات فى الصف يجلِسُ أمامها أثنان ألا أنا أجلِسُ وحيدة .

هذا لا يُحزِنُنى، فقط أنا مُرتاحة هكذا .

دخلتَ المُعلِمة المُقزِزة إلى الصف لأُشيح بوجهى عنها، بعد التحياتِ وكُل ذلِك الهُراء تحدثت قائلة "اليوم أُعرِفُكم على الطالِبة الجديدة، تُدعى هانا، أرجوكم قدِموا لها المحبة" .

كانت ذو شعرِ يمتازُ بِقصره وبِلونِه الأسود القاتِم كسواد الليل مع لون مقلتيها البُنى، مُتوسِطة القامة وبشرتُها قمحية، تمتلِك شامةً أعلى شفتيها .

"آنسة ميلينا، ستجلِسُ هانا بِجانِبك"

"ما اللعن-"

"ألفاظكِ، آنسة ميلينا، فالمرةُ التالِية لن أستطيع تحمُلك" لم تكد تخطو خطوتِها الأولى حتى صرختُ بِحدة مُتجاهِلةً تهديدات العجوز "من ستتجرأ على الجلوسِ بِجانبى سأكسِرُ عُنقها"

"آنسة ميلينا، لا يوجد مقعدُ فارغُ آخر بِالصف"

"لا يهمُنى"

"بل يهُمكِ، لِأننى 'كما قُلت' لن أصمُت طويلاً على تصرُفاتكِ العدائية آنسة ميلينا والتى ستؤدى لِطردكِ مِنَ المدرسة" نصصت كلِمة 'كما قُلت' بِكلتا يديها

"تقصدين أننى مُضطرة لأن أسمح لها بِالجلوس، بِجانبى !"

"تماماً"

تبادلنا أنا والمُعلِمة النظراتِ الحادة حتى صحتُ بِحدة "أن قامتَ بِأزعاجى سأكسِرُ الطاوِلاتٍ فوق رؤوسِكُم"

"أجلسى بِجانِبها، آنسة هانا"

هل تجاهلتنى تواً ؟، ثُم ماذا، تُجبِرُنى على أحتِمال تِلك الهانا بِجانبى، هل تمزح؟، أنا غاضِبةٍ الآن حد اللعنة، أُقسِم إن تحدثت معى الان، أُقسم، أُقسِم أننى

"آنسة ميلينا، ستكُونُ هانا شريكتُكِ بِمشروع نهاية العام، كما أنكِ مسئولة عن-"

هممتُ بِالوقوف ورفعتُ أصبع السبابة فى وجهها صارخةٍ "أسمعى أيتُها العجوز المُقزِزة، أن لم تصمُتِ الآن، سأُحطِم جُدران تلك المدرسة الغبية فوق رؤوسِكُم"

نظرتَ إلى تِلك العجوز بِحدة، لم أُبالِغ صحيح؟

ماذا ؟ أنا فقط أقسمت ويجِبُ علٌى الألتِزام بِقسمى !

"أنتظِرُكِ بعد أنتِهاء الصف، آنسة ميلينا" قُضِى علّى، ماذا أفعل؟ لقد كُنتُ غاضِبةٍ، مهلا ! هل نعتُها بِالعجوز المُقزِزة؟ قضى علّى حقا .

جلستَ تلك الغبية بِجانِبى، نظرتَ إلى وهى تبتسِم بِأشراق، واللعنه عليكِ .

"هل يُمكِنُنى أن أدرُس معكِ، ميلي-"

"لا"قلتُ بِحزم لِأجِدها حزينة، أشعُر بِالذنب، ميلينا أنا أكرهُكِ

"حسناً ولكِن لا تُزعجينى"

"كُنتُ أعلم أنكِ لطيفة" هل غمزتَ لى للتو ؟، ثُم ماذا، و تُعانِقُنى الآن ؟ لم تتجرأ حتى سوزى وأيما على معُانقتى، لِتُعانِقُنى هى؟

دفعتُها بعيداً وأنا أقول بِحدة "أستمعى جيداً أيتُها اللطيفة، لا تُعانقيننى مرةً آخرى، هذا لا يعنى أننا أصدِقاء، أهتمى بِشئونكِ وأنا سأهتمُ بِشئونى، أتفقنا؟"

رفعتُ يدى لِأُصافِحُها ثُم أومأت وهى تصافِحُنى "لستُ لطيفة، ميلينا، فصدقينى، أنا سوف أُفاجِئكِ"

ثُم أكملتَ بِسُرعة قائلةً "أعِدُكِ بِأننا سنُصبِح أفضل الأصدِقاء"

"فى أحلامكِ الوردية فقط"

"لنتراهن أذاً" قالتها بِثقة لأومئ لها حتى تُكمِل

"لن أُخبِركِ بِالرهانِ الآن، ألا أذا كُنتِ خائفةٍ في -"

"موافِقة" قُلتُ بِثقة وأبتسامةٍ خفيفة لِتُبادِلُنى أياها .

"رائع، أنا أُتعِبُ نفسى بِالشرح وأنتُما الأثنان تمزحان" قالتها العجوز بِحدة، عن أى مُزاحٍ تتحدث؟ كُنتُ أستعِدُ لِلرد عليها حتى قاطعتنى "لِتقِفا أنتُما الأثنان، إلى الخارج، الآن !"

"ولكِن مُعلِمُتى لم -"

"لا أُريدُ سماع الأعذار" أيتُها العجوز الحمقاء !، فتحتَ لنا الباب لنخرُج نحنُ الأثنان .

"يبدو أننى تورطتُ معكِ، تباً لِمَ ظهرتِ فى حياتى اللعينة" قُلتها بِحنق لأُقلِبُ عيناى بِضجر .

"أعترِفُ بِأن مُصادقتكِ كانت فِكرةً سيئة" رفعتُ نظرى لها بِعدم تصديق لِتهُز كتفيها بِضجر، كُنتُ أرفع أصبع سبابتى وأستعِدُ لِلرد عليها حتى تأففتَ بِضجر وجلستَ على أحد المقاعِد .

هذا كان .. صريحاً لِلغاية

على الرغم مِنَ أننى مُعتادة على كلامٍ مِنَ هذا القبيل، ولكِنها مُنذُ قليل كانت .. مُختلِفة ؟

أنتهى يومى الدراسى الشيق، أمضينا أنا والحمقاء هانا طوال النهار صامتين، حتى رن الجرسُ أخيراً، خرجتُ مِنَ المدرسة وأنا أشكُر الأله لأن العجوز نسيتنى تقريباً، فى طريقِ عودتِنا أنا وأيما وسوزى، كان الأثنان لا يتوقفان عن الثرثرة، حمقى .

"ميلينا ميلينا، أنظرى" صاحتَ بِها سوزى بِحماسٍ وهى تهزُنى ليتجِه نظرى إلى ثلاثة شبانِ ومعهن فتاة .

"يا ألهى، ألم تعرفيهم؟" أردفت أيما لأُقلب عيناى بِضجر ثُم نظرتُ أليهن متُسائلة .

"أنظُرا، الشاب ذو الشعر الطويل الذى يسير بِالمُنتصف، أنه وسيم، هو يُناسِبُنى بِالتأكيد !" قالتها سوزى بِهيام لِأنظُر لها بِسُخرية .

"الشاب الطويل ذو العيون الخضراء يُناسِبُ ميلينا، أبتسامتِه لطيفة" ما اللعنة "بِأحلامكِ !" صحتُ بِها وأنا أرفع إحدى حاجِباى بِسُخرية .

"أما ذو العيونِ العسلِية يبدو مُتحفِظ، يُناسِبُ جدتى أيما"

"أين خجلكِ يافتاة !" ربعتَ أيما يديها وهى تنظُر إلى سوزى بِغضب .

"أنها الثالِثة عصراً، وأنا حقاً جائعة" أردفتُ بِأعينٍ ناعِسة .

"أذا؟" سألت سوزى بِنفاذ صبر وهى تُربِع يديها وترفعُ حاجِبها لأُجاوِبُ

"لستُ فى مزاجٍ جيدٍ لِتلك الأشياء اللعينة" صرختُ بِهن فى حِدة لِتتجِه أنظارِهن علّى .

عقدتَ سوزى حاجبيها ثُم قالت "ميلينا، أصبحتِ مُزعِج-" بتر جُملتِها تعثُرِها بِأحدى الحِجارة لِتقع أرضاً وينسكِبُ العصير التى كانت تحمِله .

أنحنتَ أيما بِسُرعة وهى تتفحص سوزى بينما أنا واقِفة واضِعةٍ كلتا يداى فى جيبى أُحدِقُ بِتلك التى سُكِبَ العصير عليها بِنُعاس، وهى تشتعِلُ غضباً، بينما كان يضحك شابُ والآخران مُتجمِدان، أنهُم نفسُ الشُبان التى كانت تتحدث عنهُم سوزى .

"أيتُها اللعينة" صرختَ بِها تلك الفتاة وهى تركُل الأرضُ بِقدمِها.

"من تنعَتين بِاللعينة، أيتُها الحمقاء" قالتها سوزى أثناء مُحاولتِها للوقوفِ مُستنِدةٍ على أيما التى تنفُض الغُبار عن ملابِسها.

"كيف تتجرئين على تلطيخى بِهذا الشكل" صاحتَ بِها تِلك الفتاة لِتُقلِبُ سوزى عيناها بِضجر وهى تسخر مِنها "عزيزتى سيلين، أن أردتِ الشِجار فعليكِ الأنتظار، فجدولُ أعمالى مُزدحِمُ الآن" ثُم نظرتَ إلى أظافِرها وهى تنفُخ عليهم بِتكبُر، ليتقدَم ذلِك الشاب وهو يضحك ليصيح فى سوزى قائلاً "يافتاة، أنتِ رائعة، أُدعى جون، كفكك!"

لتبدأ سوزى فى الضحِك وضربتَ كفِها بِكف جون ذاك صائحةً "سوزى !" .

"ميلينا، أفعلى شيئاً" همستَ بِها أيما وهى تقتربُ منى لِأسأل بِضجر "من هؤلاء على أيةٍ حال، وكيف تعرِفُهم سوزى"

"أنها سيلين، هى معنا بِالصف، لن أُخبِركِ الآن سوى أنها مُتملِقة، جميعُ من بِالصف يمقُتها، وهى دائماً ما تفتعِلُ المشاكِل"

"فهمتُ" صحتُ بِها وأنا أتقدَم لِأدفع سوزى إلى الخلف مُقاطِعةً حديثها مع جون ذاك .

"حسناً حسناً، لِمَ لا تغرُبين عن وجهى الآن، حتى لا أُفسِدُ لكِ مكياجكِ" أردفتُ بِعينين ناعِستين مُتعمِدةً وضع يدى فى جيبى، كم أنا رائعة، أُحِبُكِ يا أنا، أولم أكنُ أشتِمُ ذاتى صباحاً ؟، هل أنا خرقاء ؟ .

ليس الآن ميلينا، ليس الآن .

تراجعتَ تِلك السيلين وذهبتَ إلى الشابُ ذو الأعيُنِ الخضراء وهى تُمسِك ياقة قميصُه تقولُ بِأعيُن دامِعة "دارى، أُنظُر !، أنها تقُومُ بِأهانتى"

حكّ داريان ذاك رأسهُ بِخجل ثُم تقدَم بِبضع خطواتٍ ليقِف أمامى مُباشرةً مُمسِكاً بِيد سيلين ووضع أبتِسامةً هادِئة على ثغره ليردِف وهو ينحنى "أدعى داريان چيمس، أنا أعتذِرُ عن تصرُفات حبيبتى الطائشة" ثُم مدّ يدُه ليُصافِحُنى .

"داريان؟ أليس هذا أسم فتاة؟" سخرتُ مِنه بِفظاظة لِأسمع ضحِكاتٍ مكتومة، على الأرجح تكُونُ لسوزى أو لِجون .

ولكِن ما أثار غضبى حقاً أن ضحِكة داريان ذاك لم تختفى بل أتسعَت ضِحكتُه أكثر !، ليُردِف بِهدوء "أنتِ مُحِقة، ولكِن هذا يجعل منى مُميزاً أليس كذلِك ؟ .. أذاً ما رأيُكِ بِحل المُشكِلة؟" ماذا، لِمَ لم يصرُخ بِوجهى، ألا يمتلِكُ كبرياءاً ؟

"أذا أخبرتينى بِأسمكِ سأعتبِر المُشكِلة حُلت" أبتِسامتِه دافئة، بِماذا أُفكِر الآن؟

"ليكُن، ميلينا كاڤيوس" أردفتُ بِعينانِ ناعِستان وأنا أُصافِحه، أن سخِرتُ مِنه أكثر سأكُونُ المُخطِئة، كما أننى بِصراحةٍ لا أُريدُ السُخرية مِنه أكثر .

بتر جون مصافحتى لِداريان ذاك وهو يصيحُ بِحماسٍ "أذاً لقد حُلت المُشكِلة !"

"بِألتأكيد !" أردفتَ سوزى بِسعادة ليصرُخ الشابُ ذو الأعيُن العسلية وأيما معاً قائلين "أصمتا !" .

أبتعدتُ عنهُم بِعدة خطواتٍ لأضع يدى على رأسى مُتألِمة، لأشعُر بيدٍ على كتفى، ألتفتتُ مُسرِعةً لِأجِدهُ داريان ذاك .

"كيف تجرأتَ -!"

"أعتذِر، ظننتُ فقط أننى أخطأتُ معكِ وجئتُ لِأُعتذر" ألهى لِمَ هو لطيفُ للغاية؟، أنا من أخطأتُ معه ولكِنه جاء ليعتذِر، أهو ملاك ؟

"لا يُهم، فقط حافِظ على مسافةٍ بيننا" قُلتُ بِضجر وأنا أبتعِدُ عنه بعض خطواتٍ لتأتى سيلين تِلك وتلتصِق بِه بِتقزُز، يبدو مُختلِفاً عنها كُلياً .

"دارى، لِتأتى معى وتُساعِدُنى على غسل فُستانى، فقط تلطخ بِالعصير"

"أثر العصير لن يزول، لا تقلقى" سخِرتُ مِنها بِحنق لِتنظُر إلى بِتقزُز، هل هى أبنة مُعلِمة الصفِ أم ماذا ؟ شعرُها مُجعد ولكِنها تٌصفِف أطرافه فقط، بِحق الاله من يفعل ذلِك ؟، ترتدى عدساتِ زرقاء اللون، كما أنها قصيرة وترتدى حذاء ذو كعبِ عالٍ، أنها أيضاً تضع طلاء الأظافر، على رُشدِك، تهتمين بِمظهركِ وأنتِ مازلتِ بِالسادِسةً عشر ؟

"سأعودُ سريعاً، ميلينا"

سأذُوبُ مِنَ لطافتِه المُفرِطة، يجِبُ على أحدُكم أن يُخبِرهُ أنه يُفرِط فى أستخدام لطافتِه

عودى إلى رُشدكِ يا فتاة، كررتُ تِلك الجُملة لِلمرةٍ الألف، ولكِنه يُفقِدُنى صوابى ويجعلُنى غاضِبة، لا يوجد أحدُ هكذا، هذِه خدعه، أنه يتصنّع اللطافة لا أكثر .

ذهبتُ إلى سوزى وأيما لِأجِدهم يتبادلون الأحاديث مع جون والشابِ معهُ

"ميلينا تعالِ، هذا جون وهذا آلين" قالت سوزى وهى تُشيرُ إليهم لأهز كتفى بِلا مُبالاة .

"رفاق، تِلك هى ميلينا" أبتسمتُ بِسُخرية لهم، لقد مللتُ هُنا !.

"جون، آلين !" صرخَ بِها أحدهُم مِنَ بعيد، يبدو الصوتُ مألوفاً !

اوه لا، لا لا لا، ما اللعنة التى حلّت على سماء حياتى، لِمَ هو مِنَ بين جميعُ السُخفاء، لِتحِل اللعنة عليكُم جميعاً .

"فيليب ! كيف حالُك؟" صرخَ جون وهو يركُض لِيُعانِقه، فصل عِناقُهما بعد ثوانٍ لينظُر إلى بِصدمة، أبعدتُ نظرى عنه بِضجر .

"أنا بِخير، أوه ميلينا، كيف حالُكِ ؟" هل لفظَ أسمى ذلِك العاهِر للتو؟ ثُم، ما الذى يفعله، لا أحد يعلم بِأننا نعرِف بعضنا، ما الذى يُخطِط له ؟

"تعرِفان بعضِكُما؟" صاح جون بِحماس لِتتسع عينيه وتُردِف أيما بِشك "لِمَ لم تُخبرينا عن صديقُكِ هذا ؟"

"لِمَ لا تضعين أنفكِ فى وجهكِ ولا تُدخلينه فيما لا يعنيكِ ؟" قُلتُ بِبرود وكُنتُ أستعِدُ لِلرحيل لِيسحبُنى أحدهم مِنَ رسغى "إلى أين" الحقير العاهر يتلذذ بِمُضايقتى، "لا .. شأن .. لك !" صحتُ بِحدة وأنا أُشدِدُ على كُل حرف لِأصرُخ بِنهاية جُملتى وأسحب يدى .

تركتُ أيما وسوزى وسط صُراخُهم المُزعِج مُتجِهةٍ إلى بيتى، أحِنُ وبِشدة لِسريرى الآن، فأنا على وشك فِقدان السيطرة، ودموعى ستنهمِرُ فى أى لحظة، وصلتُ إلى البيت لِأدخُل إلى غُرفتى مُباشرةٍ وسط صُراخ تِلك الآخرى، لونا، لونا عزيزتى أتعلمين ؟ وجدتُ لكِ أُختاً رائعةً آخرى، تُدعى سيلين، ستُناسِبُكِ !

قفزتُ إلى سريرى بِتعب لِأُخبئ وجهى فى وسادتى وأبكى بِحرقة، هُم لا يعلمون أننى أتصنع كُل تِلك القوة، وأننى بِداخلى هشهً جداً .

أنا كغُصن الشجرة الضعيف، أذا ركلتَه بِقوة، كُسِر على الفور .

لم أُدرِك إلى الآن كم كُنتُ ضعيفة، كُنتُ أكذِبُ على نفسى دائماً، أكرهُنى، أتمنى حقاً موتى .

أُحرِكُ رأسى بِتعب لِتقع عيناى على دفترى الخاص بِرسوماتى وكِتاباتى، وإلى حدٍ ما بدا الدفترُ مُغرياً .

أنتشلتُه بِسرعة وفتحتُه، عِند وقوعى على أول ورقةٍ بيضاء، بدأت جميعُ الأفكار تتولد بِداخلى، العديدُ مِنها، ظللتُ أرسِمُ العديد مِنَ الرسومات التى أجِدُها تُمثِلُنى بِشكلٍ مُخيف، فتحتُ الصفحة الحادية عشرٍ الليلة والآن أشعُر بِأن الكِتابة تروقنى .

نظرتُ قليلاً إلى الورقة لِتتحول رؤيتى وتُصبِح ضبابيةً قليلاً، أن الدموع الحمقاء تتشكل مرةً آخرى وتستعِدُ لِلنزول ومُعانقة وجنتاى، لِتُبتل الورقة بِدموعى .

-أجلسِ فى بُقعتى السوداء المُفضلة بِداخلى، مُمسكةٍ بِكتاب حياتى، لِأُبلل أوراقه بِدموعى المُعتادة، ككُل يوم، أكره ذاتى التى تُشعِرُنى بِالأهانة دائماً، أكره شعورى بِالشفقة عليها، لقد خذَلنى الجميعُ وتخلوا عنى، ما أسوء ما قد يحدُث؟، عِندما حاولتُ الهدوء وتحليتُ بِبعض مِنَ الشجاعة حتى أُقلِب بين صفحات كِتابى الكئيب، وجدتُ جميع أوراقِه مُبللة، ولا أثر لِحبرٍ فى أى ورقةٍ مِنَ أوراقِه، لِأُدرِك أخيراً أن حياتى بِأكملِها كانت مُظلِمة، وأُدرِك أيضاً أننى أضعتُها فى البُكاء، أننى فضلتُ الهروب فى كُل مرة ولم أواجِه وحش أحزانى الذى يُطارِدُنى بِأستِمرار يوماً . -

بِيدٍ مُرتجِفة كتبتُ خاطرةً آخرى أستوحيتُها مِما حدث تواً، أشعُر بِالتعب الآن .

أعدتُ الدفتر مكانُه، ذهبتُ إلى المِرحاض لِأُبلِلُ وجهى بِقطراتٍ مِنَ الماء، نظرتُ إلى المرآة، أُصِبتُ بِالصدمة، أن حالتى تسوء، تسوء للغاية، اللون الاسود الذى كان يُزين أسفل عيناى والذى كان بسيطاً أصبح الآن ملحوظٍ بِشكلٍ مُريب، وجهى أصبح شاحِباً أكثر مِنَ ذى قبل، عيناى يحتلهُما اللون الأحمر أكثر، أبدو .. كالوحش !

تجمعتَ الدموع بِعيناى، لِتلتقِطان مقصاً موضوعِ بِأهمالٍ فى الرفُ الزُجاجى، أسفل المرآه مُباشرةً .

أمسكتُ بِه وقد بدأت الأفكار المُظلِمة تتسلل إلى بِبطئ، لِأُمسِك بِخصلةٍ مِنَ شعرى الأسود المُمتزِجة خِصالُه بِاللون الأبيض، وأقُصها، أزداد بُكائى وأنا أقوم بِقص شعرى، كان بِالكاد يصِل إلى مُقدِمة كتِفاى، والآن هو قريبُ قليلاً مِنَ أُذناى، قصصتُه بِأهمال، لِأقوم بِصبغِه كالعادة بِاللون الأبيض مُجدداً، بات الأبيضُ باهِتاً لِلغاية لِذلك وُجِب علّى أن أقوم بِصبغِه مُجدداً بِالأبيض، أُحِب أن أصبُغه بِذلِك اللون، أنا مُرتبِطة بِذلك اللون إلى حدٍ ما .

خرجتُ مِنَ المِرحاض واضِعةٍ يدى على رأسى بِألم، ينهش الصُداع رأسى الآن .

"عِندما حاولتُ الهدوء وتحليتُ بِبعض مِنَ الشجاعة حتى أُقلِب بين صفحات كِتابى الكئيب -"

"ماذا ؟" صرختُ بِفزع قافِزةً مِنَ مكانى واضِعةً كِلتا يداى على فمى، أهذا جاك ؟، ماذا يفعلُ هُنا ؟، واقِفاً بِجانِب سريرى ناظِراً إلى بِتملُل، نقلتُ نظرى إلى دفترى الموجود بين يديه، أيُها الحقير .

"من سمح لك ؟" صرختُ بِحدة لِأتجِه له وأنتزِع مِنَه دفترى "هل جننتِ ؟-"

"هذا مِلكى، أُقسم أننى سأُحطِم عُنقك أن تجرأت وأن-" قاطع صُراخى الهيستيرى بِه بيديه التى قبضت على عُنقى، رفع جسدى عن الأرض راسِماً أحقر أبتِسامة رأيتُها على الأطلاق .

هذا شرير .. شريرُ جداً .. لا يُمكِنُنى التحمُل

تغير لون شعر جاك إلى الأسود، حتى عينيه أصبحتَ سوداء، هل هذا يُثبِت أنه أصبح شخصاً مُختلِفاً تماماً ؟ الغريبُ حقاً بِأن أحداً لم يُلاحِظ ..

"لا تفعلين شئ سوى التهديد، بربك ميلينا على الأقل حاولى تنفيذ شئ من تهديداتكِ" وضعتُ كامِل تركيزى فى نزع يدِه عن عُنقى، حاولتُ وبِشدة نزل يدِه ولكِنه أحكم قبضتِه عليها

"توقف، أنك .. تُمزِقُ عُنقى" همست بِخفوتٍ محاوِلةً ألتقاط أنفاسى، شعرتُ بِبعض الدوار، أصبح الهواء شِبه معدومٍ بِداخل رئتاى، أشعُر بِأننى هالِكة

لقد أستسلمت

تركتُ يده المُمسِكة بِعُنقى وتوقفتُ عن الصراع لِأبقى على قيد الحياة، أنا حقاً أُريد الموت، رغبتى تتحقق الآن

تركَ جاك عُنقى لِأسقُط على الأرض بِضعف، أشعُر بِالأهانة

"حسناً، ما رأيُكِ هذِه المرة، هل قررتِ تغيير رأيك وأعطائى أياها ؟"

"عن ماذا .. تتحدث" نطقتُ بِها بِضعف واضِعةٍ يدى على عُنقى، أسعُل بِشدة، أُريدُ جاك أخى الأحمق الذى أعرِفه، الآن

"لا تتظاهرى بِالغباء، قُلت لكِ، أعطينى أياها الآن" نطق جاك تِلك المره بِصُراخ

نظرتُ بِأستِفهامٍ له، ما الذى يتحدثُ عنه ؟ أنا حقاً .. لا أعلم !

"سأذهبُ الآن حتى لا أقتُلكِ"

"أذهب، أيها اللعين، أعلم بِأن أخى مازال موجودُ بِداخلك وسيتمكنُ منكَ" وقفَ مُتسمِراً فى مكانُه ثُم ألتفت إلى وهو يتحدثُ بِثقة

"لا وجود لأخاكى بعد الآن، أمازلتٍ حتى الآن متمسِكةً بِهذا الهُراء ؟ لقد قضينا على أخاكى، أنا هو أخوكِ جاك الجديد"

"لن يُصبِح عاهر مِثلك بِمثابة أخٍ لى يوماً"

"حقا ؟ -" وضعَ تلك الأبتسامة المُقزِزة مرةٍ آخرى، نزلَ إلى مُستواى ليِتحدث بِأحقر طريقةَ لم أتوقع بِأنها ستخرُج مِنه يوماَ

"ومن أنتِ؟ ميلينا .. من أنتِ حقاً ؟ أنتِ لا شئ .. أنتِ فقط مُجرد نكِرة، أنتِ أكبر عاهِرة قذفت بِأخيها إلى الهلاك مُلوحةٍ له بِأبتِسامةً -"

"توقف .. لم أفعل" وضعتُ يدى على أُذناى أصرُخ بِه بِهستيرية لِيُكمِل بِصوتٍ أعلى "أتتذكرين صوته المبحوح، والدموع التى تجمعَت بِعينيه يتوسل إليكِ لِكى تتوقفى عن -"

"أرجوك .. توقف .. هذا كذِب" قُلتُ بِنبرةٍ مُستسلِمة .

فقدتُ القُدرة على الشعور بِأى شئ، أغمضتُ عيناى، مستسلِمةً للرغبة التى جائتنى فجأة، وهى النوم، الذى سيُخلِصُنى مِنَ كُل هذا .

---

عشرون يوم، مرٌ عشرون يوم، بين جُدران تِلك المشفى الكئيبة، أتذكرُ بِأنه أُغمى علٌى، وعِندما أستيقظتُ وجدتُ نفسى هُنا، أتذكرُ أيضاً بِأننى ظللتُ غائبةً عن الوعى لِأسبوع، واو، هذا .. كثير

جائت تلك الهانا وجلست تُدردِشُ معى بِمُحادثةٍ بسيطة أنتهت بِطردى مِنَ غُرفتى، أجل بِطردى أنا

فى الحقيقة، هى مُسليةً جداً بِالواقِع، لم أود الأعتراف ولكِن أعتقِدُ بِأنها .. ظريفة ؟

بِالطبع جائت كُل مِنَ أيما وسوزى لِلأطمئنان علٌى، ومعهن جون وآلين، على الرغم مِنَ أننى لا أعلم عنهم الكثير، مُتأكِدةٍ مِنَ أن أيما وسوزى كانتا السبب فى جعلِهم يأتون إلى هُنا، قالوا بِأن داريان ذاك لم يستطِع المجئ لأن سوزى أصابها المرض، أنا واثِقةً بِأنها أختلقتَ ذلِك، لا أعلم لِما أكرهُها إلى تِلك الدرجة، ولكِنها سخيفة، سخيفةً جداً

لم يفوت فيليب تِلك الفُرصة وجاء بِحجة الأطمئنان علٌى، يُريدُ تِكرار فِعلتُه تِلك معى، ولكِنه نسى أننى ميلينا، لم أثِق بِحدسى أول مرة ولكِننى لن أٌكرِر ذلك .

أحزروا ماذا فعلت ؟ ركلتُه خارِج غُرفتى

أنه يستحِق

اليوم موعِد خروجى مِنَ المشفى، أخيراً، أُريدُ فقط أمضاء وقتى الثمين فى عالمى الخاص، مع سمائى، حتى أننى لم أتمكن مِنَ صبغ شعرى بِالأبيض، حتى أصبح باهتاً جداً

أمامى الكثيرُ لِأفعلُه يارفاق

وصلتُ إلى البيت، مِنَ الغريب حقاً أن يقوم أهلى بِتجاهُلى، أعنى ماذا هُناك؟ هل أخطأت بِشئ ؟ هذا يخنقُنى

"أمى لقد عُدت" بِحماسٍ نطقتُ بِها

"ميلينااا لقد ... حسناً" بدت سعيدةً جِداً لِعودتى، ولكِنها فجأه بترتَ جُملتها وردتَ بِذلك الرد القاسى، ثُم أكملتَ ما كانت تفعلُه، لم أُركِز كثيراً معها

"أمى ؟ ماذا هُناك ؟ لقد أكتفيت، لِمَ الجميعُ هُنا يتجاهلُنى بِحق الله؟"

"تتصرفين بِحُمق، ثُم تدعين البراءة !"

"ما الذى فعلتُه !"

"الأ تعلمين حقاً"

"لا أعلم ! أخبرينى !!"

"ميلينا بِحق الله لقد نعتى والدكِ بِالحقير !"

"ماذا ؟ أنا ؟ متى حدثَ ذلِك ؟"

"مُنذُ ثلاثُون يوماً، ميلينا !"

صمتتُ قليلاً أُحاوِلُ أستوعاب كلامِ والدتى، أنا ؟ هل فعلتُ ذلِك حقاً ؟ بِجدية .. لا أتذكرُ أى مِنَ هذا ؟؟

"أمى، أنا حقاً لا أعلم ما الذى تتحدثينَ عنه"

"كنتُ لِأُصدِقُكى لو لم تتفوهى بِتُراهاتٍ أكبر، ميلينا"

"أى تُراهات ؟ أُقسِم بِأننى لم أفعل شيئاً !"

أتسعتَ عينا أُمى لِتصرُخ بِوجهى قائلةٍ "أُغربى عن وجهى، كاذِبة !"

وبِالفعل ركضت إلى غُرفتى، كيف، حقاً أنا لم أفعل شيئاً، كيف لها أن تقُول بِأننى كاذِبة ؟

دخلتُ إلى شُرفتى بِضيق، لقد سئمت، ما الذى يحدُث حقاً ؟ لا أفهمُ شيئاً، تاففتُ بِضجر ونظرتُ إلى السماء، أنها .. فاتِنة !

أمضيتُ الكثير مِنَ الوقتِ أُرتِبُ أمورى، صبغتُ شعرى، فعلتُ كُل ما كُنتُ أُخطِطُ له

الساعة الآن أصبحت الثانية عشر، واو، الوقتُ مُتأخِر، لقد أمضيتُ الكثير مِنَ الوقت حقاً فى ترتيب أغراضى

حدقتُ إلى السماء بِشرود لِأُلاحِظ سقُوط شيئٍ مِنَ السماء، هل هذا نيزك ؟

مهلاً، هل أتوهم أم أهذى ؟ هل يتجِه ذلِك النيزك مُباشرةٍ إلى شُرفتى ؟؟

أنه يقترِب، أوه لا، يالهُ مِنَ يومٍ ملئ بِالمُفاجأت، ماذا أفعل الآن !! هذِه مُصيبة

ولكِن أن سقط علٌى، عِندها سأمُوتُ كما أُريد وأرتاحُ، جئت فى وقتِك أيُها النيزك، لم أُبرِح عن مكانى الآن، أنتظِرُ بِأن يسقُط فوق رأسى

سقط ذلِك النيزك على شُرفتى بِالفعل لِأندفِع بِعُنف إلى الوراء، أنت نيزك سيئ، أخبرتُك بِأن تسقُط على رأسى

حسناً حسناً سأتوقفُ عن المُزاح الآن

ما هذا الشى واللعنة ؟ أنه يتوهجُ بِشدة، أليست النيازِك هى عُبارة عن صخُور؟ لِمَ تتوهجُ أذاً

أقتربتُ أكثر بِخوفٍ وأنا أُزيلُ العرق الذى تجمع على جبهتى، أنها .. عُلبةٍ معدِنية ؟؟

أنها فاتِنة، مُزينةٍ بِالألماس، لستُ مِنَ مُحبى تِلك الأشياء ولكِن تِلك الأشياء الفريدة التى تُميِزُ الصندوق، أنها حقاً، والتى لا أستطيعُ وصفها حتى، تلمعُ بِشدة

تنهدتُ لِأحصُل على بعضِ الشجاعة، وفتحتُها بِسُرعة .. ليخرُج مِنها شئ

أنه يطيررر !!!!

صرختُ بِشدة وأنا أندفِعُ إلى الوراء بِسُرعه "حشرة كبيرة، حشرة ... مُتوهِجة ؟"

هل أتوهمُ الآن أم أننى أرى بِالفعل حشرةً كبيرة ؟ وينبعِثُ مِنها النور الآن ؟

حجمها صغير، لون بشرتِها .. بيضاء؟ ينبعِث مِنها النور ولكِن أصبح أقل الآن، عينيها واسِعه، قرنانِ صغيران بِاللونٍ الأسود .. أنهم يجعلانِها تبدو ظريفةً أكثر ! تطوفُ فى الهواء ولكِن بِلا جِناحين، وكأن الجاذِبية مُنعدِمةً عنها

"لقد رأيتُ الكثير مِنَ ردودٍ فعلٍ مُختلِفة ولكِن ولِأول مرةً تُضحِكُنى واحِدة، كردة فعلِك !" هل هى تضحك الآن علٌى ؟ مهلاً .. حشرة مُتكلِمة !!!

هذا ليس يوم حظى بِالتأكيد

أقتربتُ مِنها بِفضول لأجعل رأسى أمامِها تماماً

"من .. أنتِ" أردفتُ بِتساؤل وأنا أتحسسُها بِفضولٍ قاتٍل

لِترفع رأسُها بِكبرياء وتُردِف بِأبتِسامةٍ مُستمتِعة "أشلى، مُرافقتكِ"
© مِـنّـة,
книга «J1407».
4- أنا أم القدر
Коментарі