العاشر:الهوس بريقُ الحياة.
-قبلَ يوم-
”أمي، أيمكنكِ تغيير محطة المذياع؟“
طلبتُ مِن والدتي بينما كنتُ أتصفح هاتفي كَالعادة، أخبارُ المشاهير، آخر صيحات الموضة، وما يليه مِن أشياء تصييع الوقت.
كنا متوجهون إلى المطار؛ فَسنقضي عطلتنا في أحد الجُزر الفرنسية المدعوة بِكورسيكا.
حيث هناك تقضي عائلة والدتي عطلتها.
لستُ مغرمةً بِجلسات العائلة والشواء الجماعي وما شابه.
ولكن شيء أفضل مِن لا شيء.
”كيف وجدت روايتي الجديدة عزيزي؟“
سألت أمي أخي، تنظر إليه مِن خلال المرآة الأمامية العاكسة لهيئته.
غارقًا في الكتاب، نظرهُ مُركز على صفحاته وشغوفٌ للغاية، هكذا بدا مظهره.
لِيرد عليه قائلًا دون إعارتها أيّ إنتباه:
”لا بأس به.“
◇◆◇
وصلنا إلى هناك قبل غروب الشمس بِساعة تقريبًا، كان منزل عائلة والدتي يطل على البحر مُباشرةً.
كنا قد خططنا بأن نتناول الطعام في المساء والآن نرتاح.
”آه، أرأيتِ صغيري كونراد كم يعشق رواياتي؟“
عبرت أمي عن بهجتها بابنها وكأنها حققت انجازًا يُفيده في حياته.
”أجل، جميل للغاية.“
أجبتها بينما كنت أتصفح المجلة بين يداي، أغلقتها وأعتدلتُ في جلستي لِأواجه أمي بِكل صراحة:
”ما رأيك بأن تهتمي في ابنك ولو قليلًا؟ واتركيكِ مِن عالمكِ الخيالي.“
”ماذا تقصدين؟“
اِستفهمت وقد بدت ظلال الغضب تغزو تعابيرها.
”أعني نحن نعلم أنَّ ابنكِ لم يتعافى بعد!
تعلمين وجدًا أنهُ لو أصبح مهووسًا بِقط مثلًا، سوف يُحاكي تصرفاته فورًا!
هو لا يعي الخطأ من الصح.
ابنكِ طفلًا في جسدِ بالغ!“
”أرجوكِ تصرفي كَأختٍ له وتوقفي عن قول هذه السخافات عن أخيكِ!“
ردت على كلماتي التي بِالرغم مِن أنها جارحة إلا أنها حقيقية.
اِقتربت مني وهي تُحاول كبت غضبها، أتريد صفعي؟ ولكن سرعان ما غيرت وجهتها إلى الشُرفة واستجمعت نفسها قائلة:
”أخوكِ لن يصيبه مكروه أبدًا طالما أنا أتنفس.“
ظنت أنها سوف تراه يجلس أمام البحر ويحتسي مشروبٍ بارد في هذا الصيف الحار ولكن كل توقعاتها خابت.
لِم قد تخاف أنهُ ليس موجود؟
قد يكون في أي مكان ولكنها حست أنَّ هناك خطبٌ ما، شعورٌ سيئ يُخالجها.
رأيتُ ذلك في عينيها، هي تؤيد حديثي الآن.
هبطت إلى الأسفل عبر السلالم الخشبية، مسرعةً وقلقة جدًا.
سارت ناحية الرمال الذهبية الممزوجة بِزرقة البحر وألوان غروب الشمس.
تحرت عنهُ بِعينيها، تَرغب في إيجاده.
ولكن ما إن رأت ذلك الجسد يطفو حتى تناثرت خشيةً مِن أن يكون هو وقد حصل لهُ مكروه.
اِندفعت بِاتجاهه، صارعت أمواج المياه السطحية، لم تكترث لتلف ثيابها الغالية ومجوهراتها وأكملت حتى تصل لهُ.
ذلك هو قلب أم!
تنسى نفسها وتتدكرك.
سحبتهُ لِحضنها حتى تُرجعهُ معها لليابسة.
”اِتصلي بِالإسعاف سريعًا!“
قالت والدتي بينما كانت تهزه بِقوة.
”حاضر.“
أجبتها وقد أخرجتُ هاتفي مِن جيبي لكنني ترددتُ في أن اتصل، لا أعلم ولكنني أريدهُ أن يموت ويرتاح.
”أرجوك اِستيقظ، كونراد عزيزي، أرجوك...“
كانت والدتي تتوسل إليه، تستنجد به بِأن يستيقظ.
لا ترغبُ في أن تذوق طعمَ خسارته هو الآخر.
”هيا اِسرعي! سوفَ نفقد أخاكِ مِن بين يدينا.“
زمجرت عليّ مجددًا وهي تحتضن جسدهُ المبلل.
”الحياةُ تضره وأنتِ تعلمين هذا جيدًا!“
أجبتها بعدَ أن رميتُ هاتفي في البحر، لا أدري إن كان ما فعلتهُ صحيح أم ماذا ولكنني أهتم لِأمره وهذا ما يجب أن يحدث.
❖❈❖
لا يُوجد يتبع بعد الآن.
كانت هذه نهايةٌ أخرى لِهوسٍ آخر، كونراد شاب الواحد وعشرين قد مات بعد أن اِبتلعى كمية كبيرة مِن المياه والباقي أنتم تعرفوه.
أحرقت والدتي جميع كتبها ومنها قصة "الفنان والجميلة." التي كان أخي يقرأها قبل موته.
لَم نعد نتحدث أنا وهي مجددًا؛ فَتظنني قتلتُ أخي وأنا أيضًا أعتقدُ ذلك.
رُبما هوسي كان قتل أخي؟
لا يُهم.
ذلك هو الهوس إما أن يُحييك ويُميتك.
أن تجد شيءً تُقدم لهُ الإهتمام والشغف والحب وأن تتعمق به وتبحث عنه وتُسجل عنهُ كل شيء.
قد يكون شخص، حيوان، جماد، أيًا كان!
ربما يروه الناس ضررًا عليك ولكن بِالنسبة لك هو سعادة حتى لو آلمتك وسلبت منكَ روحك وحياتك.
سوف تضل مهووسًا به حتى تجد هوسًا آخر؛ فالهوس بريق الحياة التي يجعل لها مذاقٌ خاص.
لذيذٌ لِلغاية حتى لو كان مُسمم.
على كلٍ هناك سطر لَم يُذكر في قصة "الفنان والجميلة."
«بريقنا تناثر لِيندمج مع جزيئات الهواء وتأخذه الرياح لِغيرنا.
أما نحنُ فقد اِندثرنا فنًا وجمالًا وجنونًا.»
أجل تحققت هذه الكلمات؛ فقد أخذتهُ الرياح لِأخي.
ولكن مَن التالي؟
◈النهاية◈
I M T R U E S T A R ©
”أمي، أيمكنكِ تغيير محطة المذياع؟“
طلبتُ مِن والدتي بينما كنتُ أتصفح هاتفي كَالعادة، أخبارُ المشاهير، آخر صيحات الموضة، وما يليه مِن أشياء تصييع الوقت.
كنا متوجهون إلى المطار؛ فَسنقضي عطلتنا في أحد الجُزر الفرنسية المدعوة بِكورسيكا.
حيث هناك تقضي عائلة والدتي عطلتها.
لستُ مغرمةً بِجلسات العائلة والشواء الجماعي وما شابه.
ولكن شيء أفضل مِن لا شيء.
”كيف وجدت روايتي الجديدة عزيزي؟“
سألت أمي أخي، تنظر إليه مِن خلال المرآة الأمامية العاكسة لهيئته.
غارقًا في الكتاب، نظرهُ مُركز على صفحاته وشغوفٌ للغاية، هكذا بدا مظهره.
لِيرد عليه قائلًا دون إعارتها أيّ إنتباه:
”لا بأس به.“
◇◆◇
وصلنا إلى هناك قبل غروب الشمس بِساعة تقريبًا، كان منزل عائلة والدتي يطل على البحر مُباشرةً.
كنا قد خططنا بأن نتناول الطعام في المساء والآن نرتاح.
”آه، أرأيتِ صغيري كونراد كم يعشق رواياتي؟“
عبرت أمي عن بهجتها بابنها وكأنها حققت انجازًا يُفيده في حياته.
”أجل، جميل للغاية.“
أجبتها بينما كنت أتصفح المجلة بين يداي، أغلقتها وأعتدلتُ في جلستي لِأواجه أمي بِكل صراحة:
”ما رأيك بأن تهتمي في ابنك ولو قليلًا؟ واتركيكِ مِن عالمكِ الخيالي.“
”ماذا تقصدين؟“
اِستفهمت وقد بدت ظلال الغضب تغزو تعابيرها.
”أعني نحن نعلم أنَّ ابنكِ لم يتعافى بعد!
تعلمين وجدًا أنهُ لو أصبح مهووسًا بِقط مثلًا، سوف يُحاكي تصرفاته فورًا!
هو لا يعي الخطأ من الصح.
ابنكِ طفلًا في جسدِ بالغ!“
”أرجوكِ تصرفي كَأختٍ له وتوقفي عن قول هذه السخافات عن أخيكِ!“
ردت على كلماتي التي بِالرغم مِن أنها جارحة إلا أنها حقيقية.
اِقتربت مني وهي تُحاول كبت غضبها، أتريد صفعي؟ ولكن سرعان ما غيرت وجهتها إلى الشُرفة واستجمعت نفسها قائلة:
”أخوكِ لن يصيبه مكروه أبدًا طالما أنا أتنفس.“
ظنت أنها سوف تراه يجلس أمام البحر ويحتسي مشروبٍ بارد في هذا الصيف الحار ولكن كل توقعاتها خابت.
لِم قد تخاف أنهُ ليس موجود؟
قد يكون في أي مكان ولكنها حست أنَّ هناك خطبٌ ما، شعورٌ سيئ يُخالجها.
رأيتُ ذلك في عينيها، هي تؤيد حديثي الآن.
هبطت إلى الأسفل عبر السلالم الخشبية، مسرعةً وقلقة جدًا.
سارت ناحية الرمال الذهبية الممزوجة بِزرقة البحر وألوان غروب الشمس.
تحرت عنهُ بِعينيها، تَرغب في إيجاده.
ولكن ما إن رأت ذلك الجسد يطفو حتى تناثرت خشيةً مِن أن يكون هو وقد حصل لهُ مكروه.
اِندفعت بِاتجاهه، صارعت أمواج المياه السطحية، لم تكترث لتلف ثيابها الغالية ومجوهراتها وأكملت حتى تصل لهُ.
ذلك هو قلب أم!
تنسى نفسها وتتدكرك.
سحبتهُ لِحضنها حتى تُرجعهُ معها لليابسة.
”اِتصلي بِالإسعاف سريعًا!“
قالت والدتي بينما كانت تهزه بِقوة.
”حاضر.“
أجبتها وقد أخرجتُ هاتفي مِن جيبي لكنني ترددتُ في أن اتصل، لا أعلم ولكنني أريدهُ أن يموت ويرتاح.
”أرجوك اِستيقظ، كونراد عزيزي، أرجوك...“
كانت والدتي تتوسل إليه، تستنجد به بِأن يستيقظ.
لا ترغبُ في أن تذوق طعمَ خسارته هو الآخر.
”هيا اِسرعي! سوفَ نفقد أخاكِ مِن بين يدينا.“
زمجرت عليّ مجددًا وهي تحتضن جسدهُ المبلل.
”الحياةُ تضره وأنتِ تعلمين هذا جيدًا!“
أجبتها بعدَ أن رميتُ هاتفي في البحر، لا أدري إن كان ما فعلتهُ صحيح أم ماذا ولكنني أهتم لِأمره وهذا ما يجب أن يحدث.
❖❈❖
لا يُوجد يتبع بعد الآن.
كانت هذه نهايةٌ أخرى لِهوسٍ آخر، كونراد شاب الواحد وعشرين قد مات بعد أن اِبتلعى كمية كبيرة مِن المياه والباقي أنتم تعرفوه.
أحرقت والدتي جميع كتبها ومنها قصة "الفنان والجميلة." التي كان أخي يقرأها قبل موته.
لَم نعد نتحدث أنا وهي مجددًا؛ فَتظنني قتلتُ أخي وأنا أيضًا أعتقدُ ذلك.
رُبما هوسي كان قتل أخي؟
لا يُهم.
ذلك هو الهوس إما أن يُحييك ويُميتك.
أن تجد شيءً تُقدم لهُ الإهتمام والشغف والحب وأن تتعمق به وتبحث عنه وتُسجل عنهُ كل شيء.
قد يكون شخص، حيوان، جماد، أيًا كان!
ربما يروه الناس ضررًا عليك ولكن بِالنسبة لك هو سعادة حتى لو آلمتك وسلبت منكَ روحك وحياتك.
سوف تضل مهووسًا به حتى تجد هوسًا آخر؛ فالهوس بريق الحياة التي يجعل لها مذاقٌ خاص.
لذيذٌ لِلغاية حتى لو كان مُسمم.
على كلٍ هناك سطر لَم يُذكر في قصة "الفنان والجميلة."
«بريقنا تناثر لِيندمج مع جزيئات الهواء وتأخذه الرياح لِغيرنا.
أما نحنُ فقد اِندثرنا فنًا وجمالًا وجنونًا.»
أجل تحققت هذه الكلمات؛ فقد أخذتهُ الرياح لِأخي.
ولكن مَن التالي؟
◈النهاية◈
I M T R U E S T A R ©
Коментарі