Synopsis
Chapter One: نقطة الانهيار
Chapter Two:ظلال متغيرة
Chapter Three:في قبضة الظلال
Chapter Four: وجه جديد في الظلال
Chapter Five : بقايا الرماد
Chapter Six: خيوط متشابكة
Chapter Seven: خيوط خفية
Chapter Eight: الاستحواذ
Chapter Nine: ليلة السيطرة و وسم الخضوع
Chapter Ten: استيقاظ الروح المتروكة
Chapter Eleven: شباك الاكاذيب
توقف مؤقت
Chapter Two:ظلال متغيرة
تسلل ضوء الصباح الرمادي من شرفة ليو الضيقة في أوريليا، يلقي بظلال طويلة على الأوراق المتناثرة والفرشاة المبعثرة التي كانت تمثل عالمه. كانت شقته الصغيرة، في حي فني نابض بالحياة بعيداً عن رونق وسط المدينة، تعكس فوضى منظمة وجمالية فريدة. الألوان الصارخة تلطخ جدرانها، والرسومات نصف المكتملة تتكئ على كل سطح متاح، وفرش الرسم الملونة تبرز من الأكواب المتسخة. كان هذا عالمه، حيث كان الفن تعبيراً خاماً عن روحه التي لا تهدأ، وحيث كل خط ولون كان هروباً من قيود العالم المعتاد.
استيقظ ليو على إحساس غريب بالخفة، كأن جزءاً منه قد تحرر أخيراً. لم يكن الأمر راحة، بل كان ترقباً لاذعاً، ناتجاً عن تلك الابتسامة الخفية التي لم تفارق وجه ديمون، وعن اللمسة الباردة التي أيقظت ناراً داخل ليو لم يكن يعلم بوجودها من قبل. أمسك فنجان قهوته المعتاد، المصنوع يدوياً، وتتبع خطوط لوحة قماشية معلقة: دراسة لألوان الليل الداكنة والوميض النيون الحاد. كان يرى ديمون فيها، في الظلال العميقة، وفي الضوء الخادع الذي يكشف عن أكثر مما يخفي.
كان ليو يفضل الراحة والعملية في ملابسه، مفضلاً سروالاً رياضياً باهت اللون وقميصاً قطنياً فضفاضاً يحمل بقعاً خفيفة من الطلاء عندما يكون في المنزل. جسده كان لوحته، والملابس مجرد إطار. خارجاً، كانت اختياراته بسيطة لكنها مميزة: جينز داكن وممزق بعض الشيء، تي شيرتات بيضاء أو سوداء سادة، سترة جلدية قديمة اعتاد عليها، وأحذية رياضية قماشية مهترئة. كانت ملابسه تعكس شخصيته: مريح، غير متكلف، وبتفاصيل خفية تكشف عن ذوق فريد، بعيداً كل البعد عن بدلات ديمون المصممة خصيصاً.
كانت هواية ليو كفنان رسوم توضيحية تمنحه حرية الجدول الزمني قبل بدء دراسته الجامعية. كانت هذه الحرية تسمح له بالانغماس في شغفه، وفي بعض الأحيان، في نزواته الأكثر خطورة. عادة ما تكون أيامه هادئة، مليئة بالتركيز على مشاريعه الفنية. اليوم، كان هناك همهمة مختلفة تحت السطح. كانت أفكاره تتأرجح، لا بين ضربات الفرشاة، بل بين كلمات ديمون، وبين الإحساس بالصفعة، وبين النشوة الغريبة التي شعر بها في حرمانه العام. كان هذا التحدي الجديد، هذه اللعبة الحصرية، قد أثارت شيئًا بداخله.
كان عالم ليو غنياً بالانغماس الحسي. لياليه الهادئة غالبًا ما كانت تتردد بصوت الجاز المظلم، بينما تدفعه إيقاعات الروك الصاخبة خلال جلسات الرسم المكثفة. لم يكن يقرأ الروايات التقليدية؛ بل كانت مكتبته المزدحمة، حيث تتكدس الكتب في أكوام غير مستقرة، مرآة لعقله الفضولي والمتسائل، مليئة بالسير الذاتية لأساطير الفن والموسيقى، والدراسات النفسية عن السلوك البشري، وحتى المقالات الفلسفية المعقدة. كان يتوق لاستكشاف أوريليا سيراً على الأقدام، يتجول في الشوارع الجانبية الضيقة، يزور صالات العرض الفنية الصغيرة، ويجلس في المقاهي المزدحمة يراقب الحياة. كانت هذه التجولات مصدر إلهامه، حيث يختزن التفاصيل الدقيقة للأوجه والظلال والألوان التي يرى فيها قصصاً لا تُروى. في بعض الأحيان، كان يزور الأماكن المهجورة على أطراف المدينة، حيث يجد جمالاً غريباً في التدهور والإهمال، يلتقط صوراً بهاتفه، ثم يحولها إلى لوحات تجريدية في وقت لاحق.
مشى إلى نافذته، ينظر إلى صخب الشارع أدناه. كان يرى الأنماط، الإيقاع، الجمال الخام للعادية. لكن عالمه الخاص قد تغير. كان هناك رجل الآن، رجل يمتلك سلطة عليه، لم يكن يمتلكها أحد من قبل. وكانت هذه السلطة، المفارقة، تجعله يشعر بالقوة. ليس ضعفًا، بل وعدًا باكتشاف حدود لم يكن يعلمها.
جرس هاتفه رن. كانت كلير، صديقته القديمة وفنانة زميلة تتميز بشعرها القرمزي اللامع ونظرتها الثاقبة، على الطرف الآخر من الخط. كان صوتها النابض بالحياة، الذي كان دائماً مصدراً للراحة، يبدو بعيداً اليوم عبر السماعة.
"ليو، هل أنت موجود؟" سألت، ضحكتها الرقيقة تعلو الصوت. "ظننت أنك قد اختفيت في عالم ما بعد الليسيوم الخاص بك مرة أخرى. هل كانت الليلة الماضية... مثيرة للاهتمام؟"
"أكثر مما تتخيلين، كلير،" أجاب ليو، وابتسامة خافتة انتشرت على شفتيه. لم يشارك تفاصيل حياته في الليسيوم مع كلير، ليس لعدم ثقته بها، بل لأن هذه كانت منطقة خاصة به، حدود لا يمكن لأحد أن يفهمها إلا من يختار المشي فيها.
"هذا هو الجزء الذي يثير قلقي دائماً،" تنهدت كلير. "لكنك تعود دائماً... بوهج مختلف في عينيك. على أي حال، هل أنت حر لتناول العشاء؟ لقد وجدت ذلك المطعم المكسيكي الجديد الذي كنت ترغب في تجربته."
"أنا حر،" قال ليو، متفاجئًا بمدى سهولة الكذب، أو على الأقل الإغفال. "بالتأكيد، في السابعة؟" كان عليه أن يرسخ نفسه في العالم العادي، العالم الذي لا يعرف شيئًا عن أسياده وخضوعه.
بعد المكالمة، عاد إلى لوحته القماشية. كانت يده ترسم الآن بخطوط أكثر جرأة، وظلال أعمق. كانت هناك حاجة جديدة للخلق، لدفع حدوده الفنية، تمامًا كما دفع ديمون حدوده الشخصية. لم يكن يعرف ما يخبئه له ديمون، ولا إلى أي مدى سيمتد "استسلامه" الحصري. لكنه شعر بإثارة هائلة، بجوع للمجهول. كانت هذه اللعبة الجديدة، هذه السيطرة التي سمح بها، قد بدأت تتخلل كل جانب من جوانب وجوده، حتى في خصوصية عالمه الصغير. كان ليو قد وافق على أن يكون "لعبة". والآن، كان عليه أن يكتشف ما يعنيه ذلك حقًا.
مع اقتراب الساعة السابعة، تخلص ليو من سرواله الرياضي الملون، وارتدى سروال جينز داكناً جديداً، وقميصاً قطنياً أسود، وسترة جلدية خفيفة. ألقى نظرة أخيرة على شعره الفوضوي في المرآة، ابتسامة خفية تلعب على شفتيه. كان هناك لمعان جديد في عينيه، وهج لم يكن موجوداً من قبل، لمسة من الجرأة لم تكن تتعلق فقط بعالم الفن.
عندما وصل إلى المطعم المكسيكي الجديد الذي اختارته كلير، كان المكان يعج بالصخب المبهج. الألوان الزاهية تلون الجدران، ورائحة الفلفل الحار والكزبرة تملأ الهواء. رصد كلير فوراً؛ شعرها القرمزي كان يبرز كشعلة صغيرة فوق الطاولات الخشبية الداكنة. كانت تلوح له بحماس، وعلى وجهها ابتسامة دافئة.
"ليو! ظننت أنك لن تأتي أبداً." قالت بابتهاج وهي تحتضنه، ثم سحبته ليجلس مقابلها. "كيف كان يومك؟ وماذا عن أمس؟ كنت أتساءل." كانت عيناها الثاقبتان تستكشفان وجهه، تبحثان عن الإجابات في أدق التفاصيل.
تناول ليو قائمة الطعام الكبيرة، متظاهراً بالتركيز. "كان جيداً. ويوم أمس… كان مختلفاً. كشفت عن بعض الأمور الجديدة." حاول أن يجعل نبرته عادية، لكن كان هناك تيار خفي من الإثارة تحت كلماته. "ماذا عنكِ؟ هل انتهيتِ من مشروع الألوان المائية ذاك؟"
هزت كلير رأسها بابتسامة متفهمة، وكأنها تعرف أن هناك الكثير مما لم يقله. "أنت تعرفني، دائماً أعمل على شيء. لكنني لاحظت شيئاً. هناك شيء مختلف فيك يا ليو. أكثر... هدوءاً، ربما؟" رفعت حاجبها، "هل وجدت شيئاً جديداً تلعب به في عالم الظلال الخاص بك؟"
ضحك ليو بصوت خافت ومحموم. "شيء من هذا القبيل. شيء يتطلب الكثير من... الانضباط." لمس كوب الماء البارد، إحساس البرودة على أطراف أصابعه كان تناقضاً غريباً مع الحرارة التي شعر بها في داخله. "لكن لا شيء لا أستطيع التعامل معه." كانت كلماته تلك نصف موجهة لكلير، ونصف موجهة لنفسه، تأكيداً داخلياً على قدرته على خوض هذه التجربة الجديدة.
انتقل الحديث إلى عوالمهما الفنية المختلفة. تحدثت كلير بحماس عن مشروعها الفني القادم ومعرض كانت تخطط للمشاركة فيه، وعن التحديات التي يواجهها الفنانون في أوريليا للحصول على التقدير. أومأ ليو برأسه، يشارك ببعض التعليقات عن شغفه كهاوٍ، لكن عقله كان يتجول. كان يفكر في ديمون، في صوته المنخفض، في الطريقة التي امتد بها صمت ديمون بالسلطة. كيف يمكن لمحادثة عادية مع صديقة أن تبدو باهتة جداً بعد ذلك؟
"أنت شارد الذهن يا ليو." قالت كلير، بصوت مليء بالعطف ولكن بحزم. "هل كل شيء على ما يرام؟ أنت لا تتوهج بالطريقة التي تفعلها عادة بعد الليسيوم. تبدو... أكثر تركيزاً، بطريقة أو بأخرى. هل هناك شيء ما؟"
استنشق ليو نفساً عميقاً، ثم أخرجها ببطء. "أنا بخير يا كلير. أفضل من أي وقت مضى، في الواقع." رفع عينيه، وابتسامة خفيفة تلون شفتيه. "لقد قابلت شخصاً. شخص... قد يدفعني إلى أقصى حدودي." لم يقل أكثر من ذلك. لم يكن يستطيع. جزء من الجاذبية كان في سرية هذا العالم، هذه المساحة التي كانت ملكه وحده.
لم تضغط كلير. كانت تعرف ليو جيداً بما يكفي لتعرف متى يضع حواجزه. لكنها نظرت إليه بعينين ثاقبتين، مليئتين بالاهتمام والقلق. "حسناً، طالما أنك بخير. أنت تعرف أين تجدني إذا احتجت إلى أي شيء."
تناولا العشاء، وتحدثا عن الفن، والأحداث الجارية، وحياة أوريليا اليومية، لكن بالنسبة لليو، كان هناك تيار خفي من الأفكار يجري تحت السطح، لا علاقة له بالعالم العادي. كان يشعر بثقل الوعد، وتوقع ما سيأتي مع ديمون. كانت حياته الشخصية مستمرة، ظاهرياً لم تتغير، لكنها الآن متجذرة في عالم جديد، عالم من السيطرة والرغبة، الذي كان بانتظاره.
بعد أن ودّع كلير على رصيف أوريليا، شعر ليو بنداء الليسيوم يجذبه بقوة لا تقاوم. لم تكن الرغبة في الانغماس في الأجواء العامة، بل كانت لهفة غامضة، توق لا يمكن تفسيره لوجود ديمون. في أعماقه، افترض ليو أن ديمون سيظهر، أن الاتفاقية غير المعلنة من ليلتهما الأولى ستتطلب استمرار اللعبة. خطى ليو إلى النادي، مستنشقاً بعمق رائحة الجلد المدبوغ والعطر الفاخر والمزيج الخفي للشهوة المكبوتة. كانت الأجواء كما تركها: إضاءة خافتة، همسات تتسلل، وموسيقى جاز آسرة تتلوى في كل زاوية.
على عكس زيارته السابقة التي كانت تتسم بالاستكشاف، كان ليو يعرف وجهته اليوم. توجه مباشرة إلى البار، وتجاوز الأزواج المتفاعلين وعبور الأسياد الواثقين. طلب مشروبه المعتاد — وسكي بنكهة مدخنة، لمسة من التعقيد تليق بليلة كهذه. وجلس على مقعد مرتفع، يحدق في الباب. كانت كل خلية في جسده تترقب وصول ديمون.
بعد دقائق معدودة، شعر ليو بوجود كيان هادئ لكنه ثاقب يراقبه من أقصى الغرفة، دون أن يتبين ملامحه بوضوح. ثم، بينما كان الوقت يمر، اقترب منه رجل ذو بنية قوية، يرتدي ملابس جلدية داكنة، وعلى وجهه ابتسامة جشعة. "أهلاً بك أيها الجميل،" تمتم الرجل، صوته أجش ويحمل نبرة أمرية. "تبدو وحيداً في هذا المساء. هل ترغب في بعض المتعة؟ أنا أعرف كيف أمنحك ليلة لن تنساها."
لم يغير ليو تركيزه عن الباب، لكن شفتيه انفرجت بابتسامة خافتة، لمعت في عينيه نظرة متملكة ومثيرة في آن واحد. التقط كأسه ورفعه قليلاً في إيماءة هادئة، ثم ألقى نظرة سريعة على الرجل. "ليلتي محجوزة بالفعل،" قال ليو بوضوح، صوته منخفض ودافئ، يحمل نبرة جنسية مبطنة، وكأنه يهمس بسر حميم. "أنا في انتظار شخص مميز. ليلتي محجوزة له وحده." لم يكن كلامه وقحاً، بل إعلاناً آسراً عن ملكيته المسبقة، نبرة صوته الموحية بأن "شخصاً مميزاً" هذا يتضمن عالماً من الرغبة لا يمكن لأحد سواه أن يشارك فيه.
تلاشت الابتسامة عن وجه الرجل. لقد شعر بـحاجز غير مرئي من الرغبة الموجهة والحصرية حول ليو. كانت نظرة ليو الواثقة، التي لم ترتبك أو تتزعزع، تشير إلى أن هذا الشاب لم يكن فريسة سهلة أو متنازعاً عليها. تردد الرجل للحظة، ثم انصرف، مدركاً أن ليو لم يكن مهتماً بمباراته، وأن إغراءه لن ينجح.
بينما كانت هذه التفاعلات تتكشف، كانت عينا جوليان تراقبه من أقصى الغرفة. لم تكن نظراته متطفلة، بل هادئة وثاقبة، وكأنه يدرس كل إيماءة وكل كلمة، يفهم الديناميكية المعقدة التي يتنقل فيها ليو ببراعة. رأى ليو وهو يدافع عن مساحته، لا بالرفض الوقح، بل بـتأكيده المطلق على رغبته وحصريته، وتلك النبرة الجنسية التي كانت لا تستهدف أحداً سوى غائبه. لقد رأى جوليان ليو وهو يواجه هؤلاء المتطفلين، ويثبت أنه ليس متاحاً، وظل صامداً دون أن ينحني.
الساعة تتجاوز المنتصف، ثم الواحدة، ثم الثانية صباحًا. الأجواء في الليسيوم بدأت تتغير، وتتحول من طاقة الإثارة المكبوتة إلى إرهاق خفيف. بدأ الرواد في المغادرة، و ديمون لم يظهر. كان ليو يراقب الباب، كل حركة فتح وإغلاق تثير نبضة أمل، ثم خيبة أمل. كان هاتف ليو صامتًا تمامًا، لم يتلقَ أي رسالة، ولا أي اتصال. مجرد صمت.
بدأت خيبة الأمل تتسلل إلى أعماقه، تيار بارد يطفئ لهيبه السابق. لم يكن هناك ما يسمى بـ "موعد" محدد، لكن ليو كان قد افترض، بعد تلك الليلة الماضية، أنه سيكون هناك نوع من التوقع، نوع من الاتصال. كان ديمون قد ألقى شباكه، ووافق ليو على الدخول، ثم اختفى. كان هذا النوع من السلوك غير مفهوم بالنسبة لليو، فنان الفوضى المنظمة، الذي كان دائماً ملتزماً بكلمته، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالرغبة.
ارتفعت ابتسامة مريرة على شفتي ليو. هل هذا هو "الانضباط" الذي تحدث عنه ديمون؟ نوع من الاختبار غير المعلن، لإثبات ولائه، أو صبره؟ أم أنه مجرد إهمال؟ كان ليو يكره أن يشعر بالجهل، وأن يُترك في الظلام. كان يفضل الألم الواضح على هذا الغموض المزعج. لقد أدرك ليو الآن. الليسيوم ليس مكاناً للانتظار السلبي. إنه مكان للمشاركة. وبتأكيده على حصريته لديمون، كان قد أعلن فعلياً عن عدم توفره للغالبية العظمى من النادي. ومع غياب ديمون، أصبح وجوده هنا بلا هدف.
نهض ليو أخيراً، تاركاً كوبه فارغاً على البار. لم تكن هناك كلمة وداع، ولا نظرة أخيرة على أي شخص. كان الليسيوم الآن يبدو فارغاً، مجرداً من جاذبيته. غادرت الطاقة الغامضة التي كانت تحيط به، وتركت وراءها شعوراً بالبرودة.
عندما خرج ليو إلى هواء أوريليا الليلي البارد، شعر بانكماش غريب في صدره. لم يكن حباً، ولا حتى إعجاباً خالصاً. كان مزيجاً من الفضول المثار، والوعود غير المحققة، وإحساس لا يمكن إنكاره بأن ديمون بلاكوود قد تركه معلقاً، وهو شعور لم يختبره ليو من قبل، ولم يكن متأكداً كيف يتعامل معه. كانت هذه اللعبة الجديدة، التي بدأت بهذه النشوة المكثفة، قد أظهرت له وجهها الأول من الوحدة والغموض.
مشى ليو بخطوات سريعة عبر شوارع أوريليا الهادئة في الليل، عائداً إلى شقته. كان ذهنه لا يزال يضج بالارتباك، والأسئلة تتراقص في رأسه. لماذا لم يأتِ ديمون؟ هل كان هذا جزءاً من خطة؟ أم أنه كان مجرد تجاهل؟
خلفه، بين ظلال المباني المرتفعة والأزقة المظلمة، تحركت شخصية ببراعة شبه خفية. لم يتبعه عن قرب، بل حافظ على مسافة بعيدة، كظل ينساب عبر الظلام. لم يدرك ليو أي شيء عن هذه المتابعة، لم يسمع خطوات، ولم تلتقط عيناه أي حركة غير مألوفة. ومع ذلك، في أعماق قلبه، كان هناك وخز خفي، إحساس غريب بالدفء أو البرودة، كأن عينين خفيتين لا تزالان تراقبان كل حركة له. كان شعوراً غامضاً، إحساساً بأن هناك وجوداً يشاركه هذا الليل، وجوداً يعرف انتظاره، وخيبة أمله. لم يكن ليو يعرف لماذا، لكن قلبه شعر به، كأن خيطاً غير مرئي قد ربط بينهما في صمت الليل، بينما لا يزال اسم الشخص الذي يراقبه مجهولاً له.
عندما وصل ليو إلى شارع جانبي أضيق وأكثر هدوءاً، كان على بعد بضعة أحياء من شقته. فجأة، انزلق ثلاثة أشباح من الظلال المتجمعة بين صناديق القمامة والمباني المهجورة. رجال طوال القامة، بملامح خشنة، وعيون متلألئة في الضوء الخافت.
"أوه، انظروا ماذا لدينا هنا،" تمتم أحدهم، صوته أجش ومدبب، بينما يتقدمون بخطوات بطيئة ومتعمدة، حاصرين ليو. "تبدو رقيقاً جداً لتتجول وحيداً في هذا الجزء من المدينة في مثل هذا الوقت."
"ماذا تريدون؟" قال ليو، نبرة صوته خالية من الخوف، لكن جسده كان متوتراً. كان يعرف أن جسده ليس معداً للقتال. عضلاته كانت منحوتة من الفن، لا من القوة الخام.
"ما نريده؟" ضحك رجل آخر، ضحكة خشنة. "كل شيء تملكه. ومستعدون لأخذ القليل من جلدك أيضاً إذا حاولت اللعب بذكاء."
اندفع أحدهم نحو ليو. استجاب ليو بغريزته، محاولاً التملص، لكنه لم يكن سريعاً بما يكفي. ضربة قوية في بطنه أخرجت الهواء من رئتيه، وأتبعها دفع عنيف على جدار المبنى. ارتطم رأسه بقوة، وأطلق أنّة صغيرة من الألم. شعر بالدوار، وبدأ بصره يتشوش. سقط على ركبتيه، ورأسه يدور. لم يكن جسده مهيئاً لمثل هذا العنف.
"فاشل ضعيف!" سخر أحدهم، بينما يمد يده ليمسك قلادة ليو الفضية حول عنقه.
في تلك اللحظة بالذات، حدث شيء. لم يرَ ليو شيئاً بوضوح، فقط وميضاً من الظل يتحرك بسرعة خارقة. سمع صوتاً حاداً، كأنه ضربة قوية، ثم أنين خافتاً. ثم صوتاً آخر، أكثر هدوءاً، لكنه يحمل نبرة باردة ونهائية. اختفى الرجال الثلاثة بنفس السرعة التي ظهروا بها، متراجعين في الظلام، تاركين وراءهم صمتاً غريباً.
رفع ليو رأسه ببطء، يحاول تثبيت بصره. كان يلهث، جسده يؤلمه. وعندما تمكن من التركيز، رأى ظلاً طويلاً يقف فوقه. لم يكن ديمون. كان الرجل ذو العينين البندقيتين الذي كان يراقبه في النادي، جوليان. كان يقف بهدوء تام، بلا أي علامة على التعب أو الجهد، كأنه لم يتحرك من مكانه. كان هناك شيء قوي وحاسم في وقفته، لمسة من الفارسية التي لم تكن لتناسب أجواء الليسيوم الصاخبة. عيناه البندقيتان، اللتان كانتا تتسمان بالهدوء سابقاً، تحملان الآن بريقاً حاداً، حماية باردة.
انحنى جوليان ببطء، نزل إلى مستوى ليو. "هل أنت متأذٍ في مكان ما؟" سأل، صوته كان عميقاً، رناناً، وفوق كل شيء، طيباً بشكل مدهش. كانت نبرته هادئة وثابتة، تلامس ليو في أعماق روحه المنهكة. رفع ليو نظره، وفي ضوء الشارع الخافت، بدا جوليان أكثر من وسيم؛ كانت ملامحه منحوتة بدقة، وعيناه البندقيتان تحملان تعبيراً من القوة واللطف لم يره ليو في حياته. للحظة، ظل ليو عاجزاً عن النطق، يحدق في هذا الغريب الذي ظهر من الظلام لينقذه.
"أنا... أنا بخير،" تمتم ليو أخيراً، بصعوبة في التقاط أنفاسه، لكنه أضاف فوراً، نبرة صادقة تلون صوته: "شكرًا لك. حقاً، شكراً جزيلاً." لم تكن مجاملة، بل كانت امتنانًا عميقاً لفارس غير متوقع.
ابتسم جوليان ابتسامة خفيفة، دافئة ومليئة بالارتياح. "لا شكر على واجب." مد يده، كبيرة وثابتة، لمساعدة ليو على الوقوف. "أنا جوليان."
"ليو،" رد ليو، بينما يصافح يده. كان مصافحته قوية ومطمئنة. "سعيد بلقائك، جوليان." وعلى الرغم من الظروف، شعر ليو بانجذاب فوري لهذا الرجل الهادئ والقوي.
"دعني أعيدك إلى منزلك،" قال جوليان، وقبل أن يعترض ليو، أضاف بنبرة حاسمة، "هذا الجزء من المدينة ليس آمناً بما يكفي لتتجول فيه وحدك في هذا الوقت. خاصة بعد ما حدث."
حاول ليو الاعتراض، "لا، لا بأس، شقتي ليست بعيدة..." لكن نظرة جوليان لم تترك مجالاً للنقاش. كانت هناك سلطة في عينيه، ليست بالقسوة التي رآها في ديمون، بل بسلطة واقية، لا تقبل الرفض. استسلم ليو.
مشيا جنباً إلى جنب في صمت مريح، جوليان يراقب ليو بتأمل، و ليو يستشعر حضور جوليان القوي والمهدئ بجانبه. كانت هذه المرة مختلفة عن متابعة جوليان له في الظلام؛ الآن، كان وجوده ملموساً وداعماً.
عندما وصلا إلى مبنى ليو، توقفا عند الباب. "شكراً لك مرة أخرى، جوليان،" قال ليو بصدق، وعيناه تبحثان عن تعبير في عيني جوليان.
"هل يمكنني الحصول على رقم هاتفك؟ فقط لأتأكد من أنك بخير لاحقًا،" اقترح جوليان، صوته لا يزال هادئاً لكنه يحمل إصراراً خفياً.
تبادلا أرقام الهواتف بسرعة.
"أي وقت يا ليو،" أجاب جوليان، وابتسامة خفيفة عادت إلى شفتيه. "اعتنِ بنفسك." أومأ برأسه بود، ثم استدار ليمشي.
"جوليان!" نادى ليو فجأة، مدفوعاً بنبضة مفاجئة.
استدار جوليان، رافعاً حاجبيه بتساؤل.
"أراك... قريباً،" قال ليو، شعور بالرغبة في رؤيته مرة أخرى يغمر كلماته.
ابتسم جوليان بوضوح أكبر هذه المرة، لمعة خفيفة في عينيه. "أراك قريباً، ليو." وبذلك، اختفى جوليان في الظلال، تاركاً ليو وحيداً في شقته، ولكن هذه المرة، لم يكن وحيداً تماماً. فقد ترك ديمون فراغاً، وملأ جوليان جزءاً منه بطريقته الخاصة، تاركاً ليو ليتساءل عن كليهما.

يتبع.....

إذا أعجبكم الفصل لا تنسو تحطو فوت و كومنتس
© Minami Haruka,
книга «Beyond The Collar».
Chapter Three:في قبضة الظلال
Коментарі
Упорядкувати
  • За популярністю
  • Спочатку нові
  • По порядку
Показати всі коментарі (2)
Sweety Marshmallow
Chapter Two:ظلال متغيرة
كثير حلو حبيبتي
Відповісти
2025-09-03 11:52:55
2
Sweety Marshmallow
Chapter Two:ظلال متغيرة
بس عندي سؤال هل ليو حبيب ديمون هلأ ولا لا ؟
Відповісти
2025-09-03 11:53:31
2