01
02
03
04
05
04

في الخارج كان الجو لا يزال جميلاً، نور الشمس صار أضعف لكنه لم يتلاشى بشكل كاملٍ بعد. الحرارة اعتدلت والهواء صار أخف وأكثر انعاشاً.

بعد أن خرجا من منزلها شعر تشانيول بنفسه أكثر راحة وعلى سجيته، ليس والدها من النوع الذي يشعر المرء معه بالتوتر إلا أن انفرادهما وابتعادهما عنه أشعرا تشانيول بحرية أكبر وأعطاه مساحة للتمادي قليلاً.

خطا بضع خطوات فقط قبل أن يبدأ بلهجة حذرة ليقيس قدر الاستجابة الذي ستبديها ..

"هل أحببت المكان هنا؟"

بإهمال للهجتها أجابت ..

"يبدو مملاً "

أضاف بعيون لامعة لنفسه و هو يرمقها دون أن تنتبه له ..

" كان ..  "

وفي رأسه أكمل جملته ..ليس بعد أن أتيتي .. وكشّر بابتسامة عريضة كـأبله.

هي كانت تمشي وعيونها تقوم بمسح الطريق على كلا الجانبين كطفل تائه في المركز التجاري وهنا بدأ دور تشانيول كابن المنطقة الخبير و كـمرشد سياحيّ لا فائدة منه  ..

أشار بإصبعه وذراعه الطويلة المفرودة بقصد جذبها إلى حديث ما ..

" هذا المنزل هنا تصميمه لطيف لكنه مهجور "

أضاف مقرباً و جهه منها بينما هي تمشي دون أن تعيره انتباهاً  أو تركيزاً .. و بقصد إخافتها كما يظن ..

"والبعض يقول أنه مسكون .. وووه !! "

صنع بعض الأصوات مقلداً ما يظنه صوت شبح أو رياح مرفقاً المشهد بحركات قردة غريبة.

توقفت بريسا بحاجبٍ مرفوع وبتعابير تجمع القرف مع العجب وهي تراقب جسده النحيل يقوم بحركاته التهريجية والتي لا تقل فظاعةً عن فكرة العيش في منزل جدها العتيق وهذا الحي القديم.

لكنها عند نقطة ما وبعد أن بالغ بحركاته حدّ اللامعقول ولم يبقي على صوتٍ مريع إلا وقلّده وجدت نفسها تبتسم ببساطة واستسخاف وتتابع بعدها سيرها وهي تقول باستكبار مصطنع ..

"لا أؤمن بالأشباح .. ولا أخافها "

لحقها بحماس وابتسامة شقاوة جعلت من انتفاخ وجنتيه يعلو حدّ الضغط على أجفانه السفلى ..

"إذاً .. هل نقتحمه معاً ذات يوم ؟؟ "

كان يضطر للانحناء قليلاً كلما أراد النظر لوجهها بسبب فرق الطول ..

أجابته مركزة على الطريق أمامها ..

"لا بأبس .. فكرة جيدة"

توقف لهول الصدمة وبصوت عالٍ جهور و وجهه يشعّ بـفرحةِ عدم تصديق..

"حقاً ؟؟؟!!!"

التفت إليه فرأت كل تلك التجاعيد الظريفة التي تتوّق عينيه اللوزيتين ومبسمه وذكرتها وجنتيه السعيدتين بأختها وكم كانت سترغب بلمس كل هذه التوغوتات ماجعلها هي أيضاً ترغب بلمس وجهه المشعّ النّـضر.

لكن على أي حال  تمالكت نفسها وعلّقت على شكله بـوجهٍ  خالي من التعابير ..

"أنت تبتهج بسهولة"

كشّر عن طقم أسنانه بفخر ..

" أدري "

لمحت من خلفه كائناً زغباً يلتف عند منعطف ..

"اوه .. هل ذاك جرو؟؟"

استدار للخلف ليتحقق ..

"امم .. إنه كلب يدعى رانمبو .. ضخم لكنه لطيف"

إلتفت إليها وبطرف عينيه تتعلق نظرة مشاكسة ..

"تخافين الكلاب؟؟"

بينما تردّ شعرها للخلف أجابت بتكبّرٍ واستهتار ..

"لا .. أبداً "

أرجع رأسه للخلف بشكل خفيف تعبيراً عن الدهشة ..

"ووووه ! ... أنا حقاً ..  (أكّد مشدداً اللفظ) .. حقاً معجب بك!!"

جمدت مكانها و رمشت عيناها بضع مرات متتالية ثم أدارت وجهها عنه ..

" لم تر شيئاً بعد، هل سنواصل؟؟"

ومشت فلحق بها ..

"اكيد"

ارتبكت.

نعم ارتبكت .. بريسا التي تربت في أمريكا بين الشبان الوسيمين السُمر أربكها مديح بسيط من آسيوي أبيض اللون كثير التوغوتات.

يصعب مجارات تصرفاته، مندفع و عفوي و طيب وشديد اللطف والمداراة. أحست بريسا أن داخله أيضاً طري وغض كطفل أي أن حتى روحه هي توغوتات متكوّمة فوق توغوتات.

وحين حاولت في أفكارها تفسير الوضع الحالي وتصنيف تصرفاته و وضعه في خانة من أنواع الشبان وجدت بشكل مثير للعجب أن هذا الفتى لا يشبه أن ينوع تعرفه وإنما أقرب لكرة من الزغب اللطيف المتحرك، حيوان منزليّ أليف و وفيّ.

كائن حلو و ظريف مصنوع من توغوتات.

رباه !! كم تناسبه هذه الكلمة !!

حين التمعت الفكرة في رأسه لم يتردد لحظة، أخرج تشانيول هاتفه و أخذ يصورها من الخلف هي كانت شاردة و لم تنتبه لكنه كان اكثر حماساً لفكرته من أن ينتظرها لتكتشف .. تكلم على مسمعها ..

"هذا الفيديو سيكون ذكرى جميلة فيما بعد"

جعل صوته واثقةً ولطيفاً بما أنه سيظهر في التسجيل.

تجاهلته ولم تعترض فاستمر بالتصوير وهو يشرح لها عن الحي و يحاول قدر الإمكان التقاط تعابير وجهها وردّات فعلها ودهشتها كلما التقطت عيناها شيئاً جديداً.

أحب صمتها الغامض واستكشافها الهادئ للمنطقة وأحب كثيراً لجوءها لسؤاله عما ترغب بمعرفته. و نوعاً ما أحب المشهد الذي يصوره بكاميرة هاتفه.

تناسق لون الغروب والغيوم والشوارع وقراميد الأسقف مع ملابسها ولون شعرها وهدوء حركاتها، كلها كانت جميلة جنباً إلى جنب، وجودها بحد ذاته كان جميلاً و أشعره بالارتياح.

بعد عدة منازل استرعى شيء آخر فضول القطة التي بداخلها ..

"وااه .. ما هذه؟؟"

توقفت مكانها وارتفعت عيناها إلى شجرة ضخمة تطل من سياج أحد المنازل ويظلل فيؤها ما يقارب نصف الطريق ..على مهل وصل تشانيول إلى جانبها و هو ينظر إلى وجهها من خلال الكاميرا ..

"إنها دُرّاق .. ألا تعرفينها ؟؟"

أسهمت فيها تتفحص أغصانها وأوراقها وثمارها ..

" تبدو مختلفة قليلاً عن التي أعرفها، ولم يسبق لي أن رأيت الثمار على شجرتها "

تكلّم بـلسان المرشد الفهيم بعد أن أطفأ الكاميرا أخيراً ..

"في كوريا نزرعها حتى في حدائق البيوت "

كان قد اقترب من الأغصان وبدات يده بالمسح على إحدى الاوراق بشكل عفويّ ثم لاحظ أن عيناها لا تتزحزحان عن ثمرة ناضجة ..

"تريدين واحدة ؟؟"

التفتت إليه بحاجبان مرفوعان ومع شهقة بسيطة ..

" مسموح ؟؟ "

أنزل راسه محاولاً إخفاء ضحكةٍ هزّت جسده كله وفضحت محاولته. سذاجتها ستقتله من كثرة الضحك لا محال، مسموح ؟؟ لو تعرف كم ان العجوز التي تسكن في هذا المنزل حادة اللسان والمزاج لما سألت سؤالاً كهذا. اعترضت ..

" أتسخر ؟؟ "

نفى بإماءات من يده ثم رفع راسه واستنشق انفه ليتوقف ضحكه، أشار نحو المنزل بإبهامه و وضّح وأثر الضحكة في صوته ..

" ساسرق لك واحدة خلسة !!"

أنهى جملته وبقي فمه فاغراً قليلاً بانتظار ردة فعلها على اقتراحه و حين ابتسمت وأومأت بالموافقة طفح صدره بالسعادة.

إنها لاترفض شيئاً !!

أمسك يدها وسحبها خلفه ..

"تعالي .."

لم يكن ليقطف من الشجرة من طرف الشارع العام، بل سحبها معه إلى شارع فرعي يجاور المنزل ذاته و يطل إليه شجرة أخرى من ذات المنزل وذات النوع، بل حتى أن الثمار من ذاك الطرف كانت أكثر نضجاً.

نزل القرفصاء و أنزلها إلى جانبه، كان السياج قصيراً من تلك الناحية.

استرق نظرةً سريعة من فوقه توضح خبرته بالتسلل والسرقة ثم همس لها ..

" إنها في المنزل "

توترت اليد التي يمسك بها وشدّت على أصابعه فالتفت ليجدها تعض شفتها السفلى  ..

" ربما علينا ألا نفعلها الآن "

كانت مترددة فـأضاف مهوّناً كي لا تفزع وكأن وجود صاحبة البيت آخر مايهمه ..

" امرأة واحدة .. واحدة فقط، ومن السهل خداعها لا تقلقي، انتظري هنا "

ترك يدها رغم تمسكها به و وقف منحنياً قليلاً بحيث لا يظهر من فوق السياج ومشى حتى صار تحت الشجرة تماماً وتجاوز مدى إطلالة نافذة المنزل، عندها وقف وامتدّ بكامل طوله نحو ثمرة و وصل إليها بسهولة.

وفي هذه الأثناء كانت بريسا والتي ترك تشانيول هاتفه بحوذتها قد شغلت الكاميرا بنية إلهاب الوضع وزيادة الإثارة وراحت تصور العملية الخطيرة بالفيديو المباشر وتشانيول يقوم بمهمته.

كان على وشك الوصول للهدف لكن في اللحظة الأخيرة رأى ثمرة دراق أكبر حجماً و أكثر حُمرةً ونضجاً و كذلك أبعد.

التفت إلى بريسا التي لا تزال تقرفص كما تركها وتتابعه بعينيها الملتمعة إثارة ومرح  وكأن حياتهما تعتمد على ذلك وهي تشير له بيدها بأن يسرع و يرجع و فجأة قرر أن هذه البريسا الجميلة والمشاكسة تستحق الثمرة الأشهى.

مدّ يده تجاه الثمرة، وقف على رؤوس أصابع قدميه، و استطال بجسده قدر استطاعته حتى كاد يلمسها فـفقد توازنه وتمسك بغصن فتحركت الشجرة واهتزّت بقوة إثر الثقل.

ثوانٍ وفتح أحدهم النافذة وصرخ صوت نسائي عجوز وحاد سائلاً عمن يعبث بحديقتها.

ارتبكت بريسا فسقط الهاتف من يدها وأغلقت بفزع عينيها بأصابع يدها وسكنت حتى انتهت صاحبة المنزل من صياحها وسبابها وأغلقت النافذة بعد أن فشلت برؤية أحد.

أزاحت بريسا يدها ببطء فوجدت تشان يجلس أمامها مُلصقاً ظهره بالحائط كأنه اتّـحد معه وصدره يخفق ..

" وووه !! .. كادت تراني !!"

عنّـفته بضربة خفيفة على ذراعه ..

" أخفتني !! اوه رباه هاتفك !! "

تداركت وهي تحمل الهاتف وتتفقده بعد أن أسقطته.

لكن الحمد لله جاءت سليمة.

رمته في حضنه ليتفقده بدوره ثم رفعت رأسها أعلى السياج لتتأكد أن سيدة المنزل قد ذهبت لحالها.

"أوه ! .."

علّقت مثيرة فضول تشانيول ..

" ألم تقل أنها وحدها ؟؟!!"

نهض ليلقي نظرة كذلك وهو يشرح تفسيره للذي يراه ..

" تسكن وحدها، لكن يبدو أن لديها ضيفة "

دفع كتفها للأسفل فجأة و أجلسها ...

" انخفضي !! سيرونك !"

أضاف ..

"يبدو أنها ابنتها .. اذكر أني رايتها في الأرجاء من قبل "

عند ذلك التعليق اكتست الجديّة ملامح بريسا وعاودت اختلاس النظر إليهما حتى رقت نظرتها و خالطت تعابيرها ابتسامة حزينة.

تعجّب تشانيول من تصرفها و سأل من باب المزاح ..

" ما الذي تنظرين إليه؟؟ ألم يسبق أن رأيتي فتاة مع أمها ؟؟"

" بلى .. اعتدت أن أكون بوضع مشابه ومع حضن مشابه لكن ليس بعد الآن "

حين ابتعد قاطنوا المنزل عن النافذة جلست قرب تشانيول مسندة ظهرها لذات الحائط .. في البداية لم يبدو عليها الحزن الشديد، فقط صوتها كان هادئ للغاية وملامحها ساكنة ..

"لقد مضى على وفاة أمي سنة كاملة "

صمتت لبرهة ثم خرج صوتها متهدجاً وتفاصيل وجهها استسلمت لحزنها ..

" لهذا عاد أبي إلى كوريا .. ليهرب من ذكراها

رفعت عينيها الواسعتين نحوه بنظرة شاكية تنم عن ألم فظيع بينما تصبّ على شفتها السفلى كل حزنها بالعض عليها بقسوة شديدة ضربت قلب الذي يستمع إليها.

الحزن الذي انعكس في عينيه كاد يفوق حزنها، حتى أن شفتيه تقوستا وبدا على وشك البكاء حين راحت يده تمسح رأسها بحنوٍ و مواساة.

الحنان الذي شعرت به من لمساته المتعاطفة ورائحته الدافئة بجانبها واحساسها بالراحة معه كلها اجتمعت لترغم دموعها على النزول أكثر.

وجدت نفسها تشتكي مع شهقات بكائها ..

" لماذا لايفهم أن وجودي هنا يجعلني أشتاق لها أكثر ؟؟! "

لا ! لم يستطع منع نفسه، تعاطفه الإنساني وقلبه الهشّ واحاسيسه المفرطة المرهفة دفعته للاقتراب واحتضان راسها و وجهها الباكي.

وهي لم تقاوم.

كان تعاطفاً ناجماً عن تقارب روحيّ قويّ، نقيّ و طاهر.

لم يشعر بالخجل لأنه يحتضن فتاة ولم تشعر بالإحراج من إحتضان شخص غريب لها، لقد كانت تحتاجه وهو كان في المكان والزمان والقلب المناسب.

كان حضنه دافئ و رقيق، ويده تلك التي ترتاح على ظهرها استمرت بالتربيت عليها بلطف حتى هدأت وانتبهت أخيراً أنه يحتضنها منذ أكثر من خمس دقائق دون ان يهمس بحرف.

ورغم أنها لم ترد الابتعاد عن رائحته الأشبه برائحة وليدٍ غضّ تحركت قليلاً فأفلتها وببطء حررها من عناقه.

أحست بعينيه تحدق بها وتتمسك بروحها باحتضانٍ آخر لايُرى فهربت من الجو الذي ساد بينهما بضحكة مُغتصبة لا تناسب الموقف بتاتاً ومسحت دموعها بقفا كفّها ثم فردت كفها مطالبة وهي لاتزال تستنشق أنفها وتكفكف دموعها ..

"ألن تعطيني إياها ؟؟"

نظر تشانيول إليها ثم لكفها المفرود ثم للدراقة التي بيده ..

"اه .. بلى "

وسلمها إياها والذنب يعتصر ملامحه ويظهر في صوته ..

" آسف "

ابتسمت وهزّت رأسها متفهّمة لم تساله عمّا يتأسف لأجله، فهمت أن هذا هو إحساسه وحسب، لقد بدأت تنتبه بالفعل إلى أن الفتى يفصح عما في قلبه بشكل مباشر، سألت بوجه بدأ يميل للتعافي من حزنه ..

" ألن نذهب ؟؟"

لم يستطع تشانيول التخلص من ثقل كلماتها التي باحت بها بذات السرعة التي تخطت بها بريسا الموضوع، قال بجدية جعلت صوته أخشن ..

"اهدأي، سأحصل على واحدةٍ أخرى "

شدت قميصه لتمنعه ..

"يكفي"

وضع إصبعه أمام أنفه وهو يلقي نحو نظرة ..

"هشش !"

نهض وهذه المرة شدّ مرفقها معه فـنهضت ورافقته حتى الشجرة قطف ثمرتين أخريين ثم سحبها من يدها برفق .. وعندما وصلا بقعة ابعد صاح ..

"اركضي !!"

وركضا معاً.

تعثرا بالأرض وبساقيهما وببعضهما وكادا يسقطان عدة مرات من عجلتهما وضحكمها الذي استولى فجأة على الموقف السخيف ولم يتوقفا حتى وصلا باب محل البقالة بصدر خافق وأنفاسٍ لاهثة.

دخل تشانيول وهو محني يمسك بمعدته ويتمارض ..

" لنجمع الأغراض بسرعة .. أنا جائع جائع !! "

رمقته بعدم رضى ثم تبعته وهي تتذمر ..

"أنا المتعبة هنا ! قضيت نهاري على متن طائرة و حملت ذاك الصندوق حتى الأعلى وبسببك كان عليّ الركض و .. و.  "

استمر التذمر واستمر واستمر و انكسر جزء كبييير من الحاجز بينهما بفضل عذاب الجوع والتعب والانهاك المشترك.

فراحت تترجاه في طريق العودة لكي يصنع طعاماً شهياً وحدّثته عن عذابها واضطرارها للعيش على الأطعمة السريعة والمعلبة لافتقاد والدها لمهارات ربة المنزل.

و تفاخر هو بمهاراته و أبدع خياله بنسج البطولات و الطبخات التي سبق أن صنعها ومع تلك الأحاديث البسيطة بدأت أضواء الشارع تُنار و هبط الظلام دون أن يشعرا.

لكنه لم ينسى أن ينظر إلى عينيها المتوسعة كلما غفلت عنه ولم يوفر جهداً في إضحاكها ليرى تلك الابتسامة. وحين ينسجم في قص رواياته ومغامراته كانت بدورها تبحث عن التوغوتات التي يملكها وتحصيها من باب المعرفة والثقافة لا أكثر.

وعلى قائمة معارفها التي تضم توغوتاته أضافت تلك المنطقة الواسعة البيضاء الملساء الطرية المعروفة بـخدود الوجه و التي تستمر بالحركة أثناء حديثه جاذبة عينيها.

أحياناً تغريها بلمسها وأحياناً بصفعها وفق ما يتفوه به.

أما التوغوتات الأكبر فكانت توغوتات اكتشفت وجودها في داخله، في روحه. هي توغوتات لا تُرى بالعين المجردة لكن القلب يشعر بوجودها بسهولة.

"هنا كان يعيش رجل مهبول"

قال وهو يُغالب ضحكته في سكون الشارع بينما بريسا تُصغي و عيناها تتفقد البيت المقصود ..

مال نحوها وهو يروي بصوت عالي كعجوز يحكي لأحفاده ..

"كان يطلب توصيل الوجبات الجاهزة ويخطئ في تلقيمهم العنوان، فيصلنا الطعام الذي يطلبه وأضطر دائماً لإعادته إليه بنفسي وجلالة قدري، حتى الطرود !!"

علقّت  منسجمةً مع حديثه ..

" ااه مقيت ! كيف احتملته ؟؟"

نفى بيده بينما الأخرى تحمل المشتريات ..

"لا .. لم يكن بذلك السوء ، فقد كان يدعوني لمشاركته أحياناً، كنت صغيراً وتمكن من إرضائي بأتفه الهدايا و في إحدى المرات .. "

ناداه صوت عجوز مقاطعاً حديثه ..

" تشانيول !! ماذا تفعل عندك ؟! "

" اوه .. جدتي !!"

ركض إلى العجوز التي تقف أمام باب منزلها اي أمام منزل جديه ايضاً ..

كانت امرأة في السبعين. ربما اكثر ؟؟؟

نحيلة صغيرة الحجم محنية الظهر، كثيرة التجاعيد وطيبة، أجل طيبة كان ذلك واضحاً دون أن يرتبط باي من تفاصيل وجهها. ربما لان تشانيول وقف بجوارها. ولانه حفيدها ..

مدّت العجوز رأسها الفضوليّ وحدّقت بالبنت التي تقف خلفه ..

" من هذه؟؟"

اقتربت بريسا وألقت التحية وشرح تشانيول لها وضعها ومن تكون.

" أومو !! .. لا أصدق ! .. أنت حفيدته؟ لقد أصبحتي شابة جميلة للغاية!!"

غرقت العجوز بذكرياتها ضامةً يديها المجعدتين كمراهقة حالمة ..

"كان جدك يرينا صورك حين كنت طفلة، حتى أن زوجي يحتفظ بإحداها سأبحث لك عنها، لقد كنت في غاية الجمال "

ضحك تشانيول بملئ فمه صافقاً العتبة المسكينة والجدار بجانبه ..

"هاها ها كانت؟ كانت ياجدتي!! .. هل يعني أنها قبيحة الآن؟؟"

لسعت جدته ذراعه و أوجعته..

"تأدب يا ولد ! .. أيقو .. (أكّدت بكل تعبير تمتلكه) بالطبع لاتزال جميلة، وبغاية الجمال، كقطعة سكّر! ألا ترى ؟؟"

هزّ رأسه مبتعداً يصارع ثقل حمولته ..

" أرى ! أرى ! لست أعمى !! "

قالها بنبرة أكثر خفوتاً لم تستطع بريسا رؤية وجهه لحظتها

سألته الجدة وهو يهمّ بالدخول .. فالبوابتان متجاورتان على أي حال ..

" ستطهون ؟؟"

أجابت بريسا وهي لا تزال تقف محاولة تطبيق ما تعرفه من آداب كورية في التعامل كضم كفيها معاً و والوقوف باستقامة..

" لم نتناول العشاء بعد "

تفّهمت العجوز الوضع ..

"أيقو ... (بأعلى صوت لديها ليسمعها حفيدها عبر السياج) .. أدخل ما تحمل وتعال لأخذ بعض الكيمتشي لا بد أنهم متعبون "

انحنت بريسا قبل أن تلحق به..

"شكراً جدتي "

ربّتت العجوز على كتفها و عيناها تطالع الصبية باستحسان ثم عادت لمنزلها تمتم ..

"أيقو .. لا زلت لا أصدق أنها كبرت هكذا .. أيقو لقد مرّت الأيام.. "

ابتسمت بريسا بارتياح وقد تسرب الكثير من الدفء والإلفة إلى قلبها بفضل تلك العجوز و كلماتها العفويّة البسيطة و مظهرها التقليدي الشعبي.

رفعت رأسها للأعلى فوجدت أن السماء قد أظلمت تماماً فدلفت إلى منزلها وأغلقت الباب خلفها.

__________

.
.
.

🐶.

يُتبع.

باقي برتوت صغير كتييير وبتخلص.

© Syram ,
книга «TogoTat || Park Chanyeol».
Коментарі