الفصل الثامن
"أنَا مُجَرَدُ بَقَايَا لشَئ مَا مُحَطَم"
______________________________________
أشرقت الشمس معلنة بدأ يوم جديد.
تسللت اشاعتها من النافذة تداعب وجهه محاولة التخفيف من حزن هذا الفتى، لكن لا فائدة.
بعد أن عاد مع أخيه ليلة أمس، صعد إلى غرفته ولم يأبه بنداء شقيقه المستمر.
هو يبحث الأن عن الهدوء والراحة، لتهدئة المعركة بداخله.
يجلس في منتصف سريره ضاماً ركبتيه إلى صدره بينما قام بدفن وجهه بينهم.
عيناه حمراء ومتورمة بسبب كثرة البكاء.
كلما يطبق جفناه، يرى تشانيول أمامه.
همساته تتسلل بهدوء إلى مسامعه تواسيه بأسى. حتى ازداد الأخر تشتتاً.
أمسك هاتفه للمرة المائة ليعاود الإتصال بهذا الرقم مرة أخرى، ليجده مغلقاً كما كان لا جديد.
يحتاج أي شئ يخبره أن تشانيول حقيقي.
ليس مجرد وهم قام عقله برسمه له..
يحتاج أي شئ يكذب ما رآه، بيكهيون متأكد أن تشانيول حقيقي.
هو يشعر به كل يوم، يراه كل يوم، يسمعه كل يوم وأيضاً يتحدث معه!
كيف يمكن أن يكون مجرد هلاوس؟
______________________________________
لم أنم منذ ليلة أمس، كيف لي على أي حال؟
أنا لم أصدق حرفاً من ما قاله بيكبيوم والطبيب.
لكن .. تشانيول هاتفه مغلق أيضاً منذ أن عدت للمنزل أمس.
أنا قلق عليه. ربما أصابه مكروه.
أو قام زوج والدته المتعجرف بإيذاءه.
قطع تفكيري صوت بعض الطرقات على الباب.
بالتأكيد هو شقيقي، يحاول إخراجي من غرفتي منذ البارحة.
لمَ كل هذا؟
فأنا دائماً أجلس وحدي في غرفتي، لم هو قلق لهذا الحد؟
أنا لن أرتكب جرماً في حق نفسي بالتأكيد ... أو ربما.
"بيكهيون الفطور جاهز"
قالها بهدوء خوفاً من أن أكون نائماً.
لكنني لم أجيب.
لساني يأبى التحرك، وصوتي يأبى الخروج.
لأتنهد بضيق وأدفن رأسي بين قدماي مجدداً، كل ما جاء في تفكيري وقتها ذكرياتي مع تشانيول.
أهو حقاً وهم؟
لكن ماذا عن حديثنا وعن ذكرياتنا؟ وأيضاً الوعد الذي بيننا؟
هو وعدني أنه لن يتركني مهما كلفه الأمر، وأنه سيبقى معي دائماً.
طرق بيكبيوم على الباب مجدداً
"بيكهيون أرجوك دعنا نتحدث قليلاً في هذا الأمر. أخرج الآن من غرفتك."
سمعت صوته من خلف الباب لكنني لازلت أفكر في تشانيول.
هو لن يستطيع فتح الباب بالتأكيد، لقد أغلقته من الداخل.
أمسكت هاتفي مرة أخرى لأجرب الإتصال بتشانيول.
لم ولن أمل من المحاولة.
لكنه لازال مغلق.
هل يجب علي زيارته؟
لم أفكر في القرار مرتين. نهضت مسرعاً لأتجهز. بالرغم من برودة الجو، ارتديت ملابس خريفية.
فلن أضيع وقتي في البحث عن شئ ليدفئ جسدي.
فلم أعد أشعر بشئ على كل حال.
فتحت الباب لأنزل مسرعاً على الدرج.
"بيكهيون أين ستذهب؟"
أوقفني أخي عندما رأى أنني قمت بتبديل ملابسي مستعداً للخروج.
"سأذهب لتشانيول"
قلتها بهدوء غير مبال بردة فعله.
"بيكهيون أرجوك توقف، هذا يكفي!" قالها بنبرة مترجية لكنها لم تحرك جزء صغير مني.
"دعني أذهب له ما مشكلتك؟"
دفعت يده التي تمسك معصمي ببطئ لأتجه مسرعاً للباب.
"بيكهيون لا تعذب نفسك هو غير حقيقي على أي حال هو مجرد وهم في خيالك"
أوقفتني كلماته تلك.
لمَ شعرت بأنها قاسية؟ هل هو تعمد جرحي بها؟
فتحت الباب لأخرج تاركاً بيكبيوم خلفي. يندب حظه.
بقيت أهرول وسط الطرقات. لا أهتم بتلك الريح العاصفة.
سوف أؤكد للجميع أن تشانيول موجود.
وصلت بعد مدة ليست بطويلة لبيت تشانيول.
لأجده ساكناً، لا حركة فيه.
اقتربت ببطئ لأجد أن زهور الحديقة التي يراعاها تشانيول ذبلت. وتحول لونهم للبني القاتم بدلاً من لونهم الأخضر.
لمستهم بهدوء ليكسروا بين أناملي.
تلك الحديقة، لم تكن هكذا منذ بضعة أيام.
وأيضاً تلك الزهور، شكلها يوحي أنها لم تُروى منذ سنوات.
اتجهت للنافذة لأجدها مليئة بالتراب لأسعل بخفة.
قمت بنفض التراب بهدوء لأنظر عبر النافذة.
الأثاث وكل شئ بالداخل مغطى بقطع من القماش.
كان يبدو شكله كالمنازل المهجورة في أفلام الرعب.
هذا المنزل هُجر منذ سنوات. نظرت مجدداً لرقم المنزل لأتأكد أنني لم أخطئ. لكن لسوء حظي لم أخطئ.
إذاً تشانيول غير حقيقي فعلا؟ هو فقط وهم قمت بتخيله للهروب من واقعي؟
نزلت دموعي مجدداً.
كل شئ أختفى ...
______________________________________
بعد خروج بيكهيون اتصلت بسرعة بالطبيب النفسي.
"مرحباً؟"
أتاني الرد بسرعة.
حاولت إخفاء نبرة حزني وقلقي، لأرد
"مرحبأ سيدي، أنا بيون بيكبيوم. قابلتك البارحة بخصوص حالة شقيقي."
قلت هذا لأجعل الطبيب يتذكرني.
"أجل، كيف حالك بني؟"
ابتسمت بخفة على لطافته في الكلام.
"بخير ، أردت إخبارك بشئ ما بخصوص بيكهيون."
قلت هذا ليرد علي بنبرة جادة
"بالطبع تفضل."
بلعت ريقي لأبدأ بالكلام مجدداً
"بيكهيون منذ البارحة، حبس نفسه في غرفته ولم يتحدث إلي ولم يأكل، لكن منذ قليل، خرج مسرعأ ليبحث عن تشانيول، حاولت منعه لكنني لم أنجح. أنا خائف من أن يؤذي نفسه."
كان ينصت لي بإهتمام وكان يهمهم لي كلما قلت شئ ما.
ليتنهد بعدما انتهيت.
"لا تمنعه من هذا، سيدرك لاحقاً أنه مجرد وهم، سأضطر لإحتجازه في المشفى تحت ملاحظة الممرضين حتى لا يؤذي نفسه."
قال هذا لتتوسع عيناي
"هل تعني أنك سترسل بيكهيون للمصحة؟"
قلتها بصوت منخفض قليلا بنبرة شبه مهزوزة.
"أجل هذا لمصلحته على أي حال."
فكرت لثواني فقط
"حسناً ومتى ستأخذه؟"
قلت هذا ليجيبني بعد تفكير
"بعد أسبوع تقريبا."
شكرته لأغلق الخط بعدها.
فكرت في كلامه لأشعر برغبتي في البكاء.
هل سيذهب بيكهيون للمصحة بسببي؟ لو لم أهمله منذ البداية لما حصل كل هذا.
كم أنا أحمق ، أشعر بغباء فعلتي بعدما أعاقب بنتائجها.
اتصلت بجونميون لينجدني من مأساتي تلك.
بضع رنات فقط ليرد علي
"مرحباً بيكبيوم."
رد علي بنبرة عفوية قليلاً لأرد عليه لكنني لم أستطع إخفاء نبرة حزني
"مرحباً جونميون."
لاحظها بالتأكيد ليسألني مسرعاً.
"ما الأمر؟ هل حصل شئ ما؟"
قالها لأتنهد.
"علم بيكهيون بحقيقة تشانيول وهو الآن يبحث عنه."
صمت جونميون لبرهة ثم أجابني بعدها
"سأتي لك الآن فأنا قريب منك، وسنخرج سوياً نبحث عنه، حسناً؟"
لأرد عليه بضيق "حسناً"
______________________________________
مشيت وسط الطرقات لا أعلم أين تقودني قدماي.
تركت لها التحكم هذه المرة.
الجميع يمشي ويضحك مع عائلته او أصدقائه بسبب أن هذا يوم العطلة.
بالتأكيد ستقضيه مع من تحب.
لكن بالنسبة لي، فمن أحبهم اختفوا من الحياة.
بقيت عالقاً في تفكيري بينما أمشي لمكان ما..
لا أعلم لمَ ذهبت له.
اشتريت باقة ورد في طريقي لأكمل سيري.
تحركت ببطئ لهذا المكان مجدداً.
حيث توجد تلك الصخرة.
حيث يوجد تشانيول. أو حيث يرقد ربما.
جثوت على ركبتاي لأضع باقة الأزهار ببطئ.
أكملت بكائي لأتحدث بنبرتي المهزوزة.
"تشانيول، هل تسمعني؟ هل تشعر بوجودي؟ أم أنا وحدي من يشعر به؟ أنا وحدي من يشعر بتلك الغصة، أنا وحدي من يشعر بهذا الألم في قلبي."
صمت قليلاً لألتقط أنفاسي التي سلبت مني بسبب البكاء.
لكنني أكملت
"تشانيول انت حي بداخلي بالنسبة لي. لم أستطع رؤيتك كثيراً وأنت حي، لكنني أراك الآن. لن أنسى أنك كنت السبب في نبض قلبي من جديد. ولن أنسى أيضاً أنك كنت السبب في موته."
أشعر به بجانبي الآن .. وكأن طيفه يواسيني.
فهل يعلم بوجودي حتى؟
يعلم مقدار حبي له حتى ولو لم أقابله؟
لم أكتفي بعد من البكاء، بدأ قلبي يؤلمني وأنفاسي تسلب مني ببطئ.
"لماذا؟ لماذا حصل كل هذا لي؟ لماذا ظهرت في حياتي منذ البداية؟"
تعالت شهقاتي فجأة حتى أصبح صداها يتردد.
أيقنت أن تلك الهياكل قد تصحوا على صوتي في أي وقت.
شعرت بشخص يجذبني ليعانقني بقوة، لم أكلف نفسي عناء النظر.
أنا أحتاج لهذا على أي حال حتى لو كان شبحاً.
______________________________________
ما هي إلا دقائق معدودة فقط ليصل جونميون.
تحركت بخمول لأفتح له الباب.
استقبلته ثم أفسحت له الطريق ليدخل.
"ليس لدينا وقت لهذا، هيا لنبحث عن بيكهيون" قالها ليقوم بسحبي بعدها دون سماع ردي حتى.
أسرعنا في سيرنا قليلاً حتى نتمكن من لحاق بيكهيون.
"فلنذهب لمنزل تشانيول، ربما اتجه بيكهيون لهذا المكان."
قلتها بينما أتتفس بصعوبة بسبب خطواتنا السريعة.
لحظات قليلة لنصل بعدها.
اتجه جونميون ببطئ لأتبعه، كان المكان ساكناً لدرجة مرعبة.
"بوابة الحديقة مفتوحة، بالتأكيد جاء بيكهيون لهنا لكنه رحل على ما يبدو."
قالها جونميون لأسرح قليلاً مفكراً في مكان وجوده.
"جونميون أظنني عرفت مكانه."
قلتها بهدوء لينظر لي جونميون بإهتمام.
"أين؟"
"اتبعني." سحبته ورائي بينما أمشي لوجهتي.
أتمنى أن أجده هناك.
مشينا طويلاً بعض الشئ على ما يبدو فجونميون يلهث خلفي.
وصلت لأجول بعيني في المكان.
كانت ظنوني في محلها.
كان يبكي بشدة حتى شعرت أن قلبي يتمزق على حالته المذرية لأتجه له مسرعاً لأعانقه.
ربما سيخفف هذا من الوضع صحيح؟
"اهدئ بيكهيون، كل شئ سيكون على ما يرام."
هو لم يتوقف لحظة عن البكاء.
نزلت دموعي دون إرادة مني.
بيكهيون يتحمل كل هذا الكم من الألم وحده.
يتخطى كل تلك المحن وحده، كيف له أن يكون بهذه القوة بالرغم من صغر سنه.
قلبي يعتصر ألماً بسبب رؤيته بهذا الشكل.
هو انهار حرفياً لا يمكنه التظاهر بالقوة بعد الآن.
بدأت نوبة البكاء تلك تهدئ بعد مرور مدة طويلة لم احسبها بالضبط.
ليبدأ في تظبيط أنفاسه.
"بكيهيون، دعنا نذهب من هنا. فلنعود للمنزل"
استقام بيكهيون فقط كرد على كلامي ليستعد للعودة معي.
امسكته بإحكام بعض الشئ بسبب تنبؤي بسقوطه في أي وقت.
جونميون فقط يواصل النظر لنا بشفقة. ليس بمقدوره فعل شئ لنا، تماماً كحالي مع بيكهيون.
لا أقدر على مواساته بشئ .
تذكرت كلام الطبيب فجأة لأبقى شارداً به .
مصحة؟ ألا يوجد حلول أخرى؟ أشعر أن ارساله لهذا المكان المخيف سيزيد الأمر سوء ليس الا.
فبمجرد تكرير الكلمة في عقلي تشل أطرافي من شدة الخوف عليه.
سوف أتحدث مع الطبيب حول إمكانية علاج بيكهيون في المنزل.
على الأقل سوف يطمئن هو بوجوده معي بدلاً من بقائه وحده في غرفة يكسوها اللون الأبيض ليس بها ما يبهج.
تذكرت وجود بيكهيون معي لأنظر له، هو فقط شارد.
ملامحه هادئة بشكل مخيف. وكأنه ينوي فعل شئ ما.
"هل تود تناول المثلجات؟"
قلت هذا قاصداً لفت انتباهه. فأنا أعلم مقدار حبه لها.
وأنه يحب أن يشاركها مع الجميع.
هز رأسه نافياً دون إبداء أي ردة فعل أخرى.
كما كنت اتوقع.
دقائق فقط لنصل للمنزل
"بيكبيوم، سأصعد إلى غرفتي لأستريح قليلاً"
قالها بهدوء لأنظر له بسرعة أحاول أن أمنعه بمبرر منطقي.
استغرقت وقتاً طويلاً في التفكير حتى قطع بيكهيون نصف السلم تقريباً
"بيكهيون انتظر فلتبق معنا أفضل."
"لا تقلق علي فأنا لن أقتل نفسي أو ما شبه.."
قالها بلا مبالاة بينما لم يتوقف أو يلتفت لي حتى.
لأصمت فحسب واتجه لجونميون الصامت منذ رؤيتنا لبيكهيون.
عندما اتجهت له سارع بسؤالي عن ما كان يثير فضوله
"كيف علمت كل هذا عن تشانيول؟"
لأنظر له صابباً كل إهتمامي نحوه "من سيهون، سأشرح لك."
______________________________________
صعدت إلى غرفتي باحثاً عن الهدوء ، ليس وكأن أخي سيثرثر في تراهات لكن الأجواء بالأسفل قد تكون موترة ، خاصة بعد رؤية بيكبيوم لي بهذه الحالة.
هو لم يراني هكذا منذ عامين.
أغلقت باب الغرفة لأستند عليه وأسقط على الأرض.
لتعود لي تلك الدموع مجدداً تسير على خطى سابقتيها في مسارهما الجاف على وجنتاي.
لا أشعر بأنفاسي أبداً، بينما رؤيتي أصبحت ضبابية بالكامل.
أصبحت خائفاً، خائفاً من العودة لأكون وحيداً مرة أخرى.
أخشى أن يموت هذا الشعور الذي زُرع بداخلي منذ مدة، بسبب أن من كان يرويه قد أختفى بالفعل ..
ربما أنا أيضاً سأتلاشى...
دون أن يكترث أحد لي، سأعود لبيون بيكهيون السابق، غريب الأطوار، البائس والممل .
هل سيلحظ أحد هذا ؟
لا ..
الجميع سيعتقد أنني بخير دون التمعن في التفكير بي.
عدت لأكون مُهمَلاً من جديد.
شعرت بيد باردة تتمركز على كتفي لأنظر لصاحبها بفزع، فليس هناك غيري بالغرفة.
نظرت بتمعن لتتوسع عيناي "تشانيول؟"
______________________________________
______________________________________
أشرقت الشمس معلنة بدأ يوم جديد.
تسللت اشاعتها من النافذة تداعب وجهه محاولة التخفيف من حزن هذا الفتى، لكن لا فائدة.
بعد أن عاد مع أخيه ليلة أمس، صعد إلى غرفته ولم يأبه بنداء شقيقه المستمر.
هو يبحث الأن عن الهدوء والراحة، لتهدئة المعركة بداخله.
يجلس في منتصف سريره ضاماً ركبتيه إلى صدره بينما قام بدفن وجهه بينهم.
عيناه حمراء ومتورمة بسبب كثرة البكاء.
كلما يطبق جفناه، يرى تشانيول أمامه.
همساته تتسلل بهدوء إلى مسامعه تواسيه بأسى. حتى ازداد الأخر تشتتاً.
أمسك هاتفه للمرة المائة ليعاود الإتصال بهذا الرقم مرة أخرى، ليجده مغلقاً كما كان لا جديد.
يحتاج أي شئ يخبره أن تشانيول حقيقي.
ليس مجرد وهم قام عقله برسمه له..
يحتاج أي شئ يكذب ما رآه، بيكهيون متأكد أن تشانيول حقيقي.
هو يشعر به كل يوم، يراه كل يوم، يسمعه كل يوم وأيضاً يتحدث معه!
كيف يمكن أن يكون مجرد هلاوس؟
______________________________________
لم أنم منذ ليلة أمس، كيف لي على أي حال؟
أنا لم أصدق حرفاً من ما قاله بيكبيوم والطبيب.
لكن .. تشانيول هاتفه مغلق أيضاً منذ أن عدت للمنزل أمس.
أنا قلق عليه. ربما أصابه مكروه.
أو قام زوج والدته المتعجرف بإيذاءه.
قطع تفكيري صوت بعض الطرقات على الباب.
بالتأكيد هو شقيقي، يحاول إخراجي من غرفتي منذ البارحة.
لمَ كل هذا؟
فأنا دائماً أجلس وحدي في غرفتي، لم هو قلق لهذا الحد؟
أنا لن أرتكب جرماً في حق نفسي بالتأكيد ... أو ربما.
"بيكهيون الفطور جاهز"
قالها بهدوء خوفاً من أن أكون نائماً.
لكنني لم أجيب.
لساني يأبى التحرك، وصوتي يأبى الخروج.
لأتنهد بضيق وأدفن رأسي بين قدماي مجدداً، كل ما جاء في تفكيري وقتها ذكرياتي مع تشانيول.
أهو حقاً وهم؟
لكن ماذا عن حديثنا وعن ذكرياتنا؟ وأيضاً الوعد الذي بيننا؟
هو وعدني أنه لن يتركني مهما كلفه الأمر، وأنه سيبقى معي دائماً.
طرق بيكبيوم على الباب مجدداً
"بيكهيون أرجوك دعنا نتحدث قليلاً في هذا الأمر. أخرج الآن من غرفتك."
سمعت صوته من خلف الباب لكنني لازلت أفكر في تشانيول.
هو لن يستطيع فتح الباب بالتأكيد، لقد أغلقته من الداخل.
أمسكت هاتفي مرة أخرى لأجرب الإتصال بتشانيول.
لم ولن أمل من المحاولة.
لكنه لازال مغلق.
هل يجب علي زيارته؟
لم أفكر في القرار مرتين. نهضت مسرعاً لأتجهز. بالرغم من برودة الجو، ارتديت ملابس خريفية.
فلن أضيع وقتي في البحث عن شئ ليدفئ جسدي.
فلم أعد أشعر بشئ على كل حال.
فتحت الباب لأنزل مسرعاً على الدرج.
"بيكهيون أين ستذهب؟"
أوقفني أخي عندما رأى أنني قمت بتبديل ملابسي مستعداً للخروج.
"سأذهب لتشانيول"
قلتها بهدوء غير مبال بردة فعله.
"بيكهيون أرجوك توقف، هذا يكفي!" قالها بنبرة مترجية لكنها لم تحرك جزء صغير مني.
"دعني أذهب له ما مشكلتك؟"
دفعت يده التي تمسك معصمي ببطئ لأتجه مسرعاً للباب.
"بيكهيون لا تعذب نفسك هو غير حقيقي على أي حال هو مجرد وهم في خيالك"
أوقفتني كلماته تلك.
لمَ شعرت بأنها قاسية؟ هل هو تعمد جرحي بها؟
فتحت الباب لأخرج تاركاً بيكبيوم خلفي. يندب حظه.
بقيت أهرول وسط الطرقات. لا أهتم بتلك الريح العاصفة.
سوف أؤكد للجميع أن تشانيول موجود.
وصلت بعد مدة ليست بطويلة لبيت تشانيول.
لأجده ساكناً، لا حركة فيه.
اقتربت ببطئ لأجد أن زهور الحديقة التي يراعاها تشانيول ذبلت. وتحول لونهم للبني القاتم بدلاً من لونهم الأخضر.
لمستهم بهدوء ليكسروا بين أناملي.
تلك الحديقة، لم تكن هكذا منذ بضعة أيام.
وأيضاً تلك الزهور، شكلها يوحي أنها لم تُروى منذ سنوات.
اتجهت للنافذة لأجدها مليئة بالتراب لأسعل بخفة.
قمت بنفض التراب بهدوء لأنظر عبر النافذة.
الأثاث وكل شئ بالداخل مغطى بقطع من القماش.
كان يبدو شكله كالمنازل المهجورة في أفلام الرعب.
هذا المنزل هُجر منذ سنوات. نظرت مجدداً لرقم المنزل لأتأكد أنني لم أخطئ. لكن لسوء حظي لم أخطئ.
إذاً تشانيول غير حقيقي فعلا؟ هو فقط وهم قمت بتخيله للهروب من واقعي؟
نزلت دموعي مجدداً.
كل شئ أختفى ...
______________________________________
بعد خروج بيكهيون اتصلت بسرعة بالطبيب النفسي.
"مرحباً؟"
أتاني الرد بسرعة.
حاولت إخفاء نبرة حزني وقلقي، لأرد
"مرحبأ سيدي، أنا بيون بيكبيوم. قابلتك البارحة بخصوص حالة شقيقي."
قلت هذا لأجعل الطبيب يتذكرني.
"أجل، كيف حالك بني؟"
ابتسمت بخفة على لطافته في الكلام.
"بخير ، أردت إخبارك بشئ ما بخصوص بيكهيون."
قلت هذا ليرد علي بنبرة جادة
"بالطبع تفضل."
بلعت ريقي لأبدأ بالكلام مجدداً
"بيكهيون منذ البارحة، حبس نفسه في غرفته ولم يتحدث إلي ولم يأكل، لكن منذ قليل، خرج مسرعأ ليبحث عن تشانيول، حاولت منعه لكنني لم أنجح. أنا خائف من أن يؤذي نفسه."
كان ينصت لي بإهتمام وكان يهمهم لي كلما قلت شئ ما.
ليتنهد بعدما انتهيت.
"لا تمنعه من هذا، سيدرك لاحقاً أنه مجرد وهم، سأضطر لإحتجازه في المشفى تحت ملاحظة الممرضين حتى لا يؤذي نفسه."
قال هذا لتتوسع عيناي
"هل تعني أنك سترسل بيكهيون للمصحة؟"
قلتها بصوت منخفض قليلا بنبرة شبه مهزوزة.
"أجل هذا لمصلحته على أي حال."
فكرت لثواني فقط
"حسناً ومتى ستأخذه؟"
قلت هذا ليجيبني بعد تفكير
"بعد أسبوع تقريبا."
شكرته لأغلق الخط بعدها.
فكرت في كلامه لأشعر برغبتي في البكاء.
هل سيذهب بيكهيون للمصحة بسببي؟ لو لم أهمله منذ البداية لما حصل كل هذا.
كم أنا أحمق ، أشعر بغباء فعلتي بعدما أعاقب بنتائجها.
اتصلت بجونميون لينجدني من مأساتي تلك.
بضع رنات فقط ليرد علي
"مرحباً بيكبيوم."
رد علي بنبرة عفوية قليلاً لأرد عليه لكنني لم أستطع إخفاء نبرة حزني
"مرحباً جونميون."
لاحظها بالتأكيد ليسألني مسرعاً.
"ما الأمر؟ هل حصل شئ ما؟"
قالها لأتنهد.
"علم بيكهيون بحقيقة تشانيول وهو الآن يبحث عنه."
صمت جونميون لبرهة ثم أجابني بعدها
"سأتي لك الآن فأنا قريب منك، وسنخرج سوياً نبحث عنه، حسناً؟"
لأرد عليه بضيق "حسناً"
______________________________________
مشيت وسط الطرقات لا أعلم أين تقودني قدماي.
تركت لها التحكم هذه المرة.
الجميع يمشي ويضحك مع عائلته او أصدقائه بسبب أن هذا يوم العطلة.
بالتأكيد ستقضيه مع من تحب.
لكن بالنسبة لي، فمن أحبهم اختفوا من الحياة.
بقيت عالقاً في تفكيري بينما أمشي لمكان ما..
لا أعلم لمَ ذهبت له.
اشتريت باقة ورد في طريقي لأكمل سيري.
تحركت ببطئ لهذا المكان مجدداً.
حيث توجد تلك الصخرة.
حيث يوجد تشانيول. أو حيث يرقد ربما.
جثوت على ركبتاي لأضع باقة الأزهار ببطئ.
أكملت بكائي لأتحدث بنبرتي المهزوزة.
"تشانيول، هل تسمعني؟ هل تشعر بوجودي؟ أم أنا وحدي من يشعر به؟ أنا وحدي من يشعر بتلك الغصة، أنا وحدي من يشعر بهذا الألم في قلبي."
صمت قليلاً لألتقط أنفاسي التي سلبت مني بسبب البكاء.
لكنني أكملت
"تشانيول انت حي بداخلي بالنسبة لي. لم أستطع رؤيتك كثيراً وأنت حي، لكنني أراك الآن. لن أنسى أنك كنت السبب في نبض قلبي من جديد. ولن أنسى أيضاً أنك كنت السبب في موته."
أشعر به بجانبي الآن .. وكأن طيفه يواسيني.
فهل يعلم بوجودي حتى؟
يعلم مقدار حبي له حتى ولو لم أقابله؟
لم أكتفي بعد من البكاء، بدأ قلبي يؤلمني وأنفاسي تسلب مني ببطئ.
"لماذا؟ لماذا حصل كل هذا لي؟ لماذا ظهرت في حياتي منذ البداية؟"
تعالت شهقاتي فجأة حتى أصبح صداها يتردد.
أيقنت أن تلك الهياكل قد تصحوا على صوتي في أي وقت.
شعرت بشخص يجذبني ليعانقني بقوة، لم أكلف نفسي عناء النظر.
أنا أحتاج لهذا على أي حال حتى لو كان شبحاً.
______________________________________
ما هي إلا دقائق معدودة فقط ليصل جونميون.
تحركت بخمول لأفتح له الباب.
استقبلته ثم أفسحت له الطريق ليدخل.
"ليس لدينا وقت لهذا، هيا لنبحث عن بيكهيون" قالها ليقوم بسحبي بعدها دون سماع ردي حتى.
أسرعنا في سيرنا قليلاً حتى نتمكن من لحاق بيكهيون.
"فلنذهب لمنزل تشانيول، ربما اتجه بيكهيون لهذا المكان."
قلتها بينما أتتفس بصعوبة بسبب خطواتنا السريعة.
لحظات قليلة لنصل بعدها.
اتجه جونميون ببطئ لأتبعه، كان المكان ساكناً لدرجة مرعبة.
"بوابة الحديقة مفتوحة، بالتأكيد جاء بيكهيون لهنا لكنه رحل على ما يبدو."
قالها جونميون لأسرح قليلاً مفكراً في مكان وجوده.
"جونميون أظنني عرفت مكانه."
قلتها بهدوء لينظر لي جونميون بإهتمام.
"أين؟"
"اتبعني." سحبته ورائي بينما أمشي لوجهتي.
أتمنى أن أجده هناك.
مشينا طويلاً بعض الشئ على ما يبدو فجونميون يلهث خلفي.
وصلت لأجول بعيني في المكان.
كانت ظنوني في محلها.
كان يبكي بشدة حتى شعرت أن قلبي يتمزق على حالته المذرية لأتجه له مسرعاً لأعانقه.
ربما سيخفف هذا من الوضع صحيح؟
"اهدئ بيكهيون، كل شئ سيكون على ما يرام."
هو لم يتوقف لحظة عن البكاء.
نزلت دموعي دون إرادة مني.
بيكهيون يتحمل كل هذا الكم من الألم وحده.
يتخطى كل تلك المحن وحده، كيف له أن يكون بهذه القوة بالرغم من صغر سنه.
قلبي يعتصر ألماً بسبب رؤيته بهذا الشكل.
هو انهار حرفياً لا يمكنه التظاهر بالقوة بعد الآن.
بدأت نوبة البكاء تلك تهدئ بعد مرور مدة طويلة لم احسبها بالضبط.
ليبدأ في تظبيط أنفاسه.
"بكيهيون، دعنا نذهب من هنا. فلنعود للمنزل"
استقام بيكهيون فقط كرد على كلامي ليستعد للعودة معي.
امسكته بإحكام بعض الشئ بسبب تنبؤي بسقوطه في أي وقت.
جونميون فقط يواصل النظر لنا بشفقة. ليس بمقدوره فعل شئ لنا، تماماً كحالي مع بيكهيون.
لا أقدر على مواساته بشئ .
تذكرت كلام الطبيب فجأة لأبقى شارداً به .
مصحة؟ ألا يوجد حلول أخرى؟ أشعر أن ارساله لهذا المكان المخيف سيزيد الأمر سوء ليس الا.
فبمجرد تكرير الكلمة في عقلي تشل أطرافي من شدة الخوف عليه.
سوف أتحدث مع الطبيب حول إمكانية علاج بيكهيون في المنزل.
على الأقل سوف يطمئن هو بوجوده معي بدلاً من بقائه وحده في غرفة يكسوها اللون الأبيض ليس بها ما يبهج.
تذكرت وجود بيكهيون معي لأنظر له، هو فقط شارد.
ملامحه هادئة بشكل مخيف. وكأنه ينوي فعل شئ ما.
"هل تود تناول المثلجات؟"
قلت هذا قاصداً لفت انتباهه. فأنا أعلم مقدار حبه لها.
وأنه يحب أن يشاركها مع الجميع.
هز رأسه نافياً دون إبداء أي ردة فعل أخرى.
كما كنت اتوقع.
دقائق فقط لنصل للمنزل
"بيكبيوم، سأصعد إلى غرفتي لأستريح قليلاً"
قالها بهدوء لأنظر له بسرعة أحاول أن أمنعه بمبرر منطقي.
استغرقت وقتاً طويلاً في التفكير حتى قطع بيكهيون نصف السلم تقريباً
"بيكهيون انتظر فلتبق معنا أفضل."
"لا تقلق علي فأنا لن أقتل نفسي أو ما شبه.."
قالها بلا مبالاة بينما لم يتوقف أو يلتفت لي حتى.
لأصمت فحسب واتجه لجونميون الصامت منذ رؤيتنا لبيكهيون.
عندما اتجهت له سارع بسؤالي عن ما كان يثير فضوله
"كيف علمت كل هذا عن تشانيول؟"
لأنظر له صابباً كل إهتمامي نحوه "من سيهون، سأشرح لك."
______________________________________
صعدت إلى غرفتي باحثاً عن الهدوء ، ليس وكأن أخي سيثرثر في تراهات لكن الأجواء بالأسفل قد تكون موترة ، خاصة بعد رؤية بيكبيوم لي بهذه الحالة.
هو لم يراني هكذا منذ عامين.
أغلقت باب الغرفة لأستند عليه وأسقط على الأرض.
لتعود لي تلك الدموع مجدداً تسير على خطى سابقتيها في مسارهما الجاف على وجنتاي.
لا أشعر بأنفاسي أبداً، بينما رؤيتي أصبحت ضبابية بالكامل.
أصبحت خائفاً، خائفاً من العودة لأكون وحيداً مرة أخرى.
أخشى أن يموت هذا الشعور الذي زُرع بداخلي منذ مدة، بسبب أن من كان يرويه قد أختفى بالفعل ..
ربما أنا أيضاً سأتلاشى...
دون أن يكترث أحد لي، سأعود لبيون بيكهيون السابق، غريب الأطوار، البائس والممل .
هل سيلحظ أحد هذا ؟
لا ..
الجميع سيعتقد أنني بخير دون التمعن في التفكير بي.
عدت لأكون مُهمَلاً من جديد.
شعرت بيد باردة تتمركز على كتفي لأنظر لصاحبها بفزع، فليس هناك غيري بالغرفة.
نظرت بتمعن لتتوسع عيناي "تشانيول؟"
______________________________________
Коментарі