٨
{ الفصِل الثامن}.
__
ركضَ قدِّر المُستطاع ولكنهُ فقد آثار أقدامها، لايعلم إليَّ أين ذهبت؟، شعر بالندم لأنهُ لم يستطيع اللحاق بها، سَمِع صُراخ قوي صادِر من أعلى التـل، شعر بالفزع لكّونهُ صُراخ حاد، لم ينتظر ليتأكد إذ كان صوتها أم لا، وأسِرع راكضاً بإتجاه الصوت، كُلما زادت خطواتهُ، زاد وضوح الصوت، نبرتها الآلمة والمُختنقة.
كان يعلم لمـن ينتمي، كان مُوقِّن بأنهـا هيَّ، ولكنهُ حـاول الكذبَ علي نفسهُ حتى ظهر كيانها الضعيف، جاثية علي رُكبتيها بآلم وتصِرُخ بكُل قوة لديها، لم ينتبهَ لدموعهُ الحارِقة والتيِّ سَرِت علي وجنتيه، كان يعلم أن حُزنها مُتعلق بحلق شعرها، كانت واضِعة ذراعيها حُـول رأسِها وكأنها غير مُصدِقة أن تـاج جمالها، قد ضـاع وأختفـى.
قصِ الشعر لم يَكُن يوماً نقطة قوة، كان الضعف بذاتهُ، المراءة لاتستطيع الإستغناء عن بطاقة هويتها وكان شعرها هُو ذلكَ، هو الذيِّ يُعبر عنها، أنُـثـي.
أنخفض ليصـل إليها ويُعانِق ظهرها هاتفـاً بآلـم:
- كـفى وجعاً!
نبرتهُ المهزوزة والحـزينة، وكأنـهُ يواسيها ولكن صُراخها لم يتوقف، كان بداخلها كبدًا كبيراً حـول العالـم، حـول مشاكلها، أنهتها بالصُراخ وكأنهُ هو السبيل الوحيد للتعبير.
__
لم تكُنْ "سـارا" مُنتظِرة إجابـة"كونغُ سو" لأنها بالفعل، أمسكت كفيه وذهـبـا للمدينة، كانت الثُلوج تتساقطِ ولكّونهُم أصبحُ فِي فصِل الشتاء.
كان كفها المُتمسكِ بكف "كونغُ سو" مُشدداً عليهِ، كانت تعلم أن هذه المرة الأولى التيِّ يخرجِ بها فِيِّ هذهِ الأماكن، وقفـا عنـد إحدى الصناديق العملاقة للتصوير، عقـد حاجبيهِ مُستفهمـًا غرضها، لتقـول:
- دعنـا نلتقطِ صُور لنـا!
أمسكتَ يديهِ ليجلسِ بجانبها، كان قلبهُ يهتزِ بعُنف غِير مُصدِقًا بـأنهُ معها، دُون أن تتحدثِ عن سيهُون!، وأنهُما سيمرحـان معـًا ولأول مرة، كانت ملامِحها عـنْ قُربِ أجمـل، وخُصوصًـا أنِهُ أستطاع رؤية الحـلق الجديد الذيِّ وضعتهُ بشفتيها، إنتهيا من التصوير لتخـرج وتمسكَ بالصُور..
شعـر من ملامِحها بأنها مِصُدومة لـأمر، ليهتِفُ قائِلاً:
- هـل منظِرنـا مُريع!
هـزت رأسها نـافية لتقول وعينيها مُلتصِقة بالصِور:
- بـل نحنُ رائعيـن!
قطب حاجبيهِ من قُولـها، لم يستطيع فهمها حتى أعطتهُ صورتان مِنْ أصـل أربعة، إنتبهَ لشـىء واحد من ضمن الصور، أن عينيهِ لم تغب عنها، إحـدى الصور كانت تضحك وهُو يشاركها الضحك نـاظرِاً نحوها..
شعـرت "سـارا" بالتوتر ولكّونهُ أظهر إعجابهُ بها بطريقة غير مُباشرة، نظـر إليها وجدهـا تضع إحـدى خُصلات شعرها الصهباء خـلف أذِنها، أقتـرب منها وعـلى شفتيهِ إبتـسـامة هـادِئـة قائِلاً:
- ألـن نُكمـل جولتنا؟!.
إتسعتَ إبتسامتها لـهُ، لتقول وهيَّ تضرب كفيها ببعضِ:
- سنذهبِ لرِكُوب الدراجات، مـا رائيك؟
تحمسِ لحماسـها الزائـد ولكنهُ يـرى إبتسامتها الشغوفة لأول مرة، تمنـى للحظات بأن يتوقف بهما الزمن، ليتأملها كما يريد، فهذهِ المرة الاولى التيِّ يشعر بـأنهُ يستحوذِ علي عقلـها لُو ثانية من الزمن.
صعدتَ لإحدى الدراجات المُزينة، وصعـد هُو علي أخـرى، ليتسابقا، كانت تُنافسهُ فِي الوصول إلـى أعلى تـل المدينة، ولكّونهُ كان يودَّ أن تفرح، كان يبطئ من سرعتهُ عندما يُقارب علي الوصول، ليتيح لها فُرصة الفوز، عندما وصلت أولاً، صـرخت بحماس قائِلة:
- لقـد فعلتـها!
ضحك علي مظهرها، هتفتَ لـهُ:
- كُنت أعلم من البداية أننيَّ سُوف أفوز!
ضحك علي غُرورها المُصطنع، ليقولك
- أيِّ أقتراح بالذيِّ قادم؟
وضعت كفها علي فكِها لتُفكِر قائِلة:
- لقد تعبت، مارائيك بتناول كُوب قهوة؟!
نـطق مُوافقـاً:
- حسنـًا.
وضعـا الدارجتان علي جانب الرصيف القريب مِنْ المقهي، دخلت أولاً ثُم تابِعها، جلسـا سُويـاً علي الطاولة، طلبا كُوبان من القهوة الساخِنة بجانب حلـوى الخضم، كان يُراقبِ ملامحها السعيدة، شعرها الأصهب الذيِّ يغُطيِّ نصف وجهها وشفتيها الوردية، كان يودِّ الإعتراف بإعجابهُ لها، ولكن الخُوف من الرفض يراوغهُ كثيراً، نطق وهُو ينظرُ لكُوبهُ:
- هـل لكِ أمُنية أو ماشابهَ وتُريدين تحقيقها؟.
نظرتَ إليه ضـامة شفتيها تتفحص عقلها، عضت علي شفتيها قائِلة:
- كُنت أتمنى الرقصِ على أغُنية " طيـر بي إلي القمر".
إبتسـم بإتسـاع قبـل أن ينِطُق بنبرة غنـائية:
" طيـر بي إلي القمر
ودعنـي ألعب بين النُجوم..
دعنـي أري ماهُو الربيع علي ..".
كان يُغني واقفـًا، أمـال جسدهُ مادِدًا كَفهُ لها، لتتفـاجئ بالأمر، وضعت يديها بين كفهُ بخجل عندما وضع كفهُ الأخرى علي خصِرها مُكملاً بغِنـاءَ:
"أنت كُل ما أشتاق إليه.
وكُل ما أعبدهُ وأعشقهُ
بمعنـي أخر، أرجوك كُن صادِقـاً".
تنهد مُكملاً وهُو ينِظُر لعينيها:
" بمعنـى آخـر، أنا أحبك".
كان كُل الموجودين بالمقهي مُنتبهين لهُما، يصفقون لهما، ضحكت بعد أن أنتهـى، مسحت دَموعها التيِّ كادت أن تسقط:
- غِنائكَ رائع!
سَمعـا صوت صفير عالي مِنْ حولهم، أقتربت منهُ قائلة:
- إحدى أمُنياتي قد تحققت بفضلك.
- تحت أمركَ أنستي الجميلة.
توقفت عـنْ الإبتسام لحظة، ولكن ماتفعلهُ خاطئ، هيَّ لاتكِّن أي مشاعر لهُ، حتى أنها ليست مُعجبة بهِ، شعرت بالندم والخجل لما فعلتهُ أعطتهُ أمل علي لاشئ، عاتبت نفسها علي جعلهُ يرافقها للذهاب للمدينة.
- هل فعلت شئ خاطئ؟
قالها وهُما يسيران بإتجـاه الأكاديمية، إسترسلت ناطِقة:
- لا، لم تفعل شئ، لِما السُؤال؟
- أراكِ صامتة مُنذ خُروجنا من المقهى.
وقفـا أمام الأكاديمية لتقول:
- أريد أن اخبرك بشئ.
- حسنًا، تحدثي ونحنُ بداخل.
أومأت لهُ، ليقفـا فِيَّ وسطَ الأكاديمية بالتحديد أمام النـافورة العمِلاقة، كانت الكلمات لاتُريد الخُروج من بين شفتيها، وقد جَفَ حلقها، وكأن شفتيها لاتُودِّ الكسِر بخاطرهُ..
هتفت مُقتربة منهُ قائِلة وهيِّ تتجنب النظِر إليه:
- أنتَ بالتأكيد تعلم أن من يُحِب شخص يتمني السعادة لهُ، أليس كذلك؟
تعجب من كلماتها قائِلاً بإستغراب:
- بالتأكيد ولكن لما هذه الكلمات الآن؟
تنهدتَ قاضمة شفتيها قائلة:
- أعلم أنك تكَّن لي بعض المشاعر
أكملت بإختناق:
- ولكني أحُبِّ سيهون.
حاولت إمساك يديهِ ولكنهُ إبتعد عنها ومع نظراتهُ الحزينة وخائبة الامل، إبتعد عنها راحلاً، كانت كلماتها مؤلمة لهُ، هُو فقط وضع آملاً بأنها ستبتعد عن سيهون وأنها بهذه النُزهة قد محت كُل شئ وستبدأ معهُ، ولكن لم يكُن يعلم بأنها تشفق عليه، ألهذه الدرجة لا أحد يحبهُ، هكذا تساءل بداخلهُ.
قضمت أظفارها بتوتر لما فعلتهُ، لتشدِّ علي خُصلات شعرها بتوتر:
- اللعنة عليِّ، ماذا فعلت للتو؟
__
كانت "هـايـلي" قد نست بعض الأشياء الخاصة بها فِي غُرفة التدريب التابعة لصفها، سمعت صوت مُوسيقي هـادِئة نابعـة مِنْ الغُرفة لتسير بِبُطئ تـام، حتى ظهر جسد مارلين بأكملهُ أمامها، طرقت الباب بهدوءِ قائلة:
- ماذا تفعلين في هذا الوقت؟.
قالتها بنبرة هـادِئـة عكسِ مابداخلها من بُركان غـاضب، لتقـول مارلين بتوتر:
- أتمـرن قليلاً.
إبتسمت "هـايـلى" لها، أخذت أغراضهـا ولكن قبل أن تخَطُو خطوة للخـارج، نظرت لـ مارلين قائلة:
- مارلين عزيزتي، أعلم ان أفعال وأقوال السيد سام تُزِعجك..
ظهر الإمتعاض علي وجهه مارلين، لتبتسِم بداخلها مُكملة:
- ولكن بإمكانكَ فعل شئ لتجنُب أفعالهُ
- ماذا عـليَّ أن أفعل؟
أقتربتَ منهـا قائلة:
- أذهبي غدًا صباحاً للسيدة كارولينا، وتحدثي معها وسأكون معك، سوف توقفهُ السيدة كارولينا عن عملهُ لمدة أسبوعين وبذلك سيتعلم الدرسِ.
- ولكن..
قاطعتها واضِعة كفها علي كتفيها:
- يجب وضع حد لأفعالهُ هذهِ، لايمكنك أن تعلمي ماذا يمكن أن يحدث بالمُستقبل، أليس كذلك؟.
ثوانٍ وأومأت مُوافقة على أقتراحها، وكان هذا أنتقام بسيط عما فعلهُ لها..
__
فِيِّ الصباح الباكِر بالتحديد الساعة التاسِعة صباحـاً.
سمعت "تـايـلور" صوت طرق على بابِها، لتُظهِر هيئة عمتُها قائِلة بهُدوءِ:
- تايلور لديكِ ضيفة عزيزتي.
- من؟
تساءلت ولكنها رأت هيئة صديقتها الوحيدة، عائـشة، قفزت من فراشها مُتجهة إليها مُعانِقة إياها، أقفلت عمتها الباب لتركهُما يتحدثان براحـة.
فجـأة شهقت تايلور باكية بحرقة وآلم، ربتِّ عائِشة علي ظَهرهِا قائِلة بنبرة غَلفها الدفئ:
- هل يُمكنكِ الحديث عنْ مايُتعبكِ؟
أومـأت لها، لتقترب عائِشة قليلاً وتجعلها تستندِّ رأسها علي صِدرها، قالت تايلور بنبرة مُختنقة:
- كان يُعاملني مِثلهُم، كان حقير مِثلهُم.
قطبت عائِشة حاجبيها بإستفهام، لتقول مُتسائِلة:
- من؟
- آنسل.
مع تفوهها بإسمِهُ، هَّمِت باكية أكثر فأكثر، لتقترب عائِشة منها وتأخُذها فِي عنـاق وبدأت تايلُور بالحديث هادِئة :
- لم يُدافع عني، بل كان سبب فِيِّ آلامي، لقد تمَّ جرحي ولم يهتم، أليس من المُفترض الأصدقاءَ أن يهتمِوُا بِبعضهُم!، لماذا إذًا لم يتشاجرِ معها، لماذا صمت وتقبل ماقالتهُ عنـي بصدرِاً هادئ؟!
- أنا لا أستطيع فهمك، أشرحي لي الأمر.
سكبت عائشة كُوب مياه بارد من الإناء الموضوع بجانب فراش تايلور، لتعطيهِ لها وتتجرعهُ تايلور بأكملهُ هـدأت قليلاً ثُم قصت على عائِشة كُل شئ من اللقاء الأول إلي ماحدث فِي صـالة الطعام.
شعرت عائِشة بالإختناق من الحدث، لتُكمل تايلور حديثها قائِلة بِبُكاءِ:
- أنـا لم أحبهُ، أنا فقط أحببت كّونهُ صديقي، فقط أحببت قُربهُ ولطافتهُ معي ..
- بعض الناس يفهَمُون المشاعر البريئة بطريقة دنيئة، لا أحد مِثلك، لا أحد يشبه نقاء قلبك.
ثُم أضافت:
- فقط إبتعدي عنهُ، يجب عليكِ إثبات للسيد سـام أنك جيدة فِي التمثيل، هذا هُو الأهم، ودعـي الأمور الآخري لله، إتفقنا؟
أومأت قائلـة بصوت مبحوح:
- أتفقنا.
ولكن عـقل عائِشة لـن يهدئ حتى يـلقن هذا المدُعو آنسل بعض الكلمات، لأنهُ ببساطة كسَر نفسِ تايلور بدون أسباب مُقِنعة.
__
كان يسير بالحديقة الخلفية للأكاديمية، عقلهُ مشغول بأمر تايلور وأمر إهانة كاميل لها وكّونهُ لم يُدافع عنها، هـذا أمر أحبطهُ.
سمع أسمهُ برسمية من خَلفهُ، ظـن فِي البداية أنها السيدة كارولينا ولكن عندما أستدار رأى أنها الفتاة المُسِلمة صديقة تايلور.
إبتسم فِي البداية ولكن ملامحِ العبوس ظهرتَ حينما لمح الإمتعاض البـادي علي وجهها، شعر من غضبها الظاهر أنها علمت ماحدث بسببهُ لـ تايلور، وقبل أن يتحدث عنفتهُ بحدة:
- لماذا لم تكُّن صديق جيد معها؟، أخبرني!
نطق بعد أن أستجمع الكلمات بحلقهُ:
- كُنت سأفعل الكثير ولكني لم أستحمل الجلوس برفقة كاميل، كانت علاقتنا..
قاطعتهُ:
- أنـا لايُهمني أي شئ عن علاقاتك السابقة سيد آنسل، ولكن أنظر حولك لمرة واحدة وشاهد ان الجميع يسِخرُ منها، والجميع لايُبالي، هيئتها عينيها قلبها لاداعي برؤيتها مدام قلبك مِثلهُم، لاداعِ بأن تؤذي نفس شخص وأنت غير قادرِ علي الدفاع عنكَ.
- إنها تتآلم كل يوم من نظرات الآخرين لها، هي ليست مُختلفة هنا، ولكن نحن البشر من وضع الإستثناءات ولو لمرة واحدة بحياتك كُن رجلاً وأعترف بضعفك!
أضافت راحلـة:
- الصديق يفي بوعودهُ، الصديق يقف ضد أي أحد يحاول أذية صديقهُ بأي شكل، ولكن أنا لاأرى غير شخص خـائب الرجاء!
رحلت وتركتهُ يفكر بكلماتها القاسية، هُو لم يكن يقصد عدم الدفاع عنها، هُو رحل قبل ذلك، مع التفكير بكلماتها هيَّ لديها الحق بمعاتبها، هُو لم يستطيع الدفاع عن نفسهُ يومـاً، فكيف كان يوهم نفسهُ بأنهُ سيأتي يوم ويدافع عن غيرهُ.
___
سمع طرق خفيف علي مكتبهُ، ليـرى إمراة واقفة، تـأمل ملامحها ، شعرها الأسود القصير، ملامحها الآسيوية الآسِرة للقلب، وطُولها المُناسب لهُ، سخر من نفسهُ قبل أن يقف هاتفًا لها بنبرة مُهذبة:
- ماذا تُريدين ياآنسة؟
تقدمت لهُ ومدَّت كفها قائِلة:
- أنـا غوين ويلاند، المُساعدة الجديدة للآنسة هايـلي آشور، ولكن يبدُو أني أضعت طريقي للمرة الثانية، هل يُمكنك أن تصف لي غُرفة تدريباتها؟
فلتت منهُ ضحكة رغما عنهُ، لتقطب حاجبيها بإستفهام من فعلهُ المُفاجئ، ليقول محاولا أن يُهدئ من روعهُ:
- أعتذر ولكنك تتحدثين بسرعة!
إبتسمت بتوتر قائلة وهيَّ تضع يديها خلف أذنها:
- فقط عندما أشعر بالتوتر، سيد؟
- نـايل جيمس آلبرتو، آنسة غوين
سحب كفهُ قائِلاً:
- يُمكنني مُرافقتكَ لغرفة التدريبات.
- حقاً، ولك جزيل الشُكر.
إبتسم لها، وتابعتهُ في السير مُتجاورة، كان يريد التحدث معها، ولكنها كانت تتحدث معهُ بالفعل ولكن بآمور لانفع لها.
- هذهِ مرتي الاولى التيِّ أسُافر بعيدًا عن دولتي، لذلك أشعر بالكثير من التوتر، ولكن مع التفكير أرى أنهُ لدي داعٍ بالتوتر، فـأنا فِي بلد غريبة وسأقابل أنـاس غريبة لذلك..
قاطعها:
- وستصبحين ثرثارة معهم أيضًا.
ضحكت بتوسع قائلة:
- صحيح.
قالت وهي تنفخ في شفتيها:
- هذا أمر مُحرج!
فتح باب الصالة بعد أن طرق الباب ليقول لـ هايلي:
- آنسة هايلي؟
أنتشلها من تفكيرها، لتُجيب عليهِ:
- نعم أستاذ نايل؟
- لقد جائت مُساعدتكِ.
دلفت غوين للداخل لتُطالع عليها هايلي بتفحُصِ لتهتفِ:
- أهـلاً انا هايلي آشور، مُدرسة الرقصِ، سيكُون من الشرف أن تكوني مُساعدتي.
هتفت غوين بتلقائية:
- أنتِ حقـاً لطيفة مِثلما أخبرويني.
ضحكت هايلي قائِلة:
- حقًا!، أسعدتني بصدق.
وضعت كفها علي شفتيها وثغرها واسِع الإبتسامة، شعرت بالسعادة تغمرها فقط لأنها رأتهُ ينظر إليها عبر النافذِة، لمحت الغضب علي ملامحهُ، لتبتهج ظنـًا منها بأنهُ غاضب من الشكوى التي قدمتها مارلين عنهُ.
__
كان صوت خطواتها هُو المَسِموع في الطابق، سمعت نداء بإسمها من الخلف، لتستدير وتواجه لـوغن والذيِّ لم تستطيع تفسير مشاعرهُ من نظراتهُ، هتف مُتسائلاً:
- هل يُمكنني سؤالكَ عن أمر شكوتك ضد سام؟
- بالطبع.
تنهد قائِلاً وهُو يضع كفهُ في جيب بنطالهُ:
- لماذا فعلتِ ذلكَ؟
- لأضع حدًا لهُ، وإذا كانت أفعاله بالنسبة لك مُزاح، أنا لا أظُن ذلكَ.
تفهمها مُردِفـاً:
- ولكنك لم تكوني غاضبِة عندما رحلنا من المقهى سويـاً؟، ما الذيِّ جعلك تغيرين رائيك فجـأة هكذا؟
عضت علي شفتيها قائِلة:
- الآنسة هايـلي أخبرتني أن السيد سام لن يصمت عن هذه الأمور حتى تتحول أقوالهُ لأفعال وأخبرتني أن شكوتي ستجعلهُ يبتعد عني.
هتف وهُو يفكر:
- الآنسة هايلي إذًا؟
ثُم أضاف :
- ولكنهُ فعل خطـأ بنظري لأن سام لن يجرؤ علي لمسك أبدًا.
عقد حاجبيها:
- ولما أنت مُتأكد لذلك الحد؟
- لأن سام ببساطة لايلمس العذروات!
قالها مما جعلها تصمتِ خجلة من الوضع الذيِّ فعلتهُ، أما هُو فهو شعر بالندم لأنهُ أفصح عن شئ يُخص صديقهُ، ليهتف:
- هذا بيننا، اتفقنا؟
أومأت مُتفهمة:
- حسنًا
___
وصل "سيهون" أخيراً لـغرفتهُ التيِّ يشُاركها "كُونغ سو" معهُ والذيِّ لم يُجيب علي مكالماتهُ، فتح الباب وجد "كونغ سو" مُنغمساً بالرسم ولكن رسوماتهُ كانت سوداء ..
رفع حاجبيه متعجبـاً عندما لاحظ إحدى رسوماتهُ موضوعة علي الأرض بشكل مُعاكـس، كانت عبارة عن شخص واقفـا امام فتاة ويقفان بجوار نـافورة عملاقة، تنهـد سيهون قائلاً بهمس:
- أعتقد أنني رأيت هذه النافورة من قبل.
سئِم من التفكير ليضع حقيبتهُ على الفراش الخاص بهِ، قال وهُو يقف بجانب كونغ سو:
- ألم تشتاق إليِّ؟
- كلا لم أفعل.
زمَّ سيهون شفتيهِ بحزن وهُو يرى صديقهُ غاضب من أمر ليتجهَ نحو معانقًا إياه من الخلف:
- ولكني أشتقتُ لك كثيراً.
أبعدهُ" كونغُ سو" بطريقة عنيفة قائِلاً لـ سيهون بملامح حادة:
- إبتعد عني يُستحسن لك.
خرج كونغ سو من الغرفة، ليجلس سيهون قائلاً بتساءُل:
- هل حدث لهُ أمر وأنا غائب؟
- ليهتف صارخاً:
- "يا إلهي ماذا على فعلهُ الآن؟
__
كانت تاخذ خطواتها للمسرح بحذر وعينيها علي الطريق، كان قلبها مضطرب تارة يؤنيبها علي فعلتها وتارة يشمت بهَ، هيِّ خائفة قليلاً بأن يكون علم بالشكوى التيَّ قامت بها مارلين وعلم أنها وراء ذلك، قاربت علي الوصول للمسرح، كّونهُ قام بطلب مجيئها المسرح يُزيد أضطرابها، تُفكر هل يُريد أن يُصلح ماحدث صباحاً وحديثهُ الموجع لها.
تمَّ سحبها لخزانة ضيقة وقبل أن يصدر من شفتيها صرخةـ وضع كفهُ علي فمها، ليوقفها عن الصراخ، ولكنها توقفت عن الحركة حينما أستشعرت رائحة عطرهُ، كان صدرها يعلُو ويهبط بعنفِ ولكّونهُ أطبق كفهُ علي كِلتا أنفها وفمها، عندما تدارك فعلتهُ ابعد كفهُ عنها، لتشهق علي الفور واضعة كفها علي صدرها بوجع أستدارت لهُ وهتفت بصوت مبحوحك
- لماذا فعلت ذلك.
وضع يديهِ فِي جيبهُ وهُو يحاول أن يظهر ندمهُ على مافعلهُ بها، لينطِق مُقاطعـا الصمت:
- فِي البداية أودِّ الإعتذار على جعلك تفقتين الهواءَ
وثانيا لم اكون أستطيع الوصول لك غير عن هذه الطريقة!
هتفت وقد ضيقت عينيها بنبرة لائمة:
- وماذا ستقول عن ماتفوهت بهِ صباحاً!
عض علي شفتيهِ، هُو لن يبوح عن الأمر كلهُ ولأنهُ يعلم الحقيقة دائمًا تؤلم ولكنه سيحاول عدم إلامها كما هُو الحال بينهما:
- لقد أتي لي أتصال جعلني أفعل وأقول ماحدث صباحا ولاتسأليني عن سر المكالمة.
حذرها ولكنها لم تنصاع لهُ ولانها ستحاول أن تجعلهُ يندم ولكن بطريقتها الخاصة.
- الفضول يُآكلني عن المكالمة، سـام أخبرني عن أمر المكالمة ولماذا جعلك بهذا التقلب؟
كان صوتها حادًا فِي أخر جُملتها، أقترب بخطوات عدِّة فاجئها، إبتعدت خطوتين للخلف ليلتصق ظهرها بالحائطِ البارد، مـال رأسهُ عليها قائِلاً بنبرة غامِضة:
- أنـا لا أحب هذا الجانب منك، لا أحب هايلي الفضولية.
لتبتسم بتوتر:
- وهل أنت للتو أعترفت أنك تحب جميع جوانبي ماعدا هذا الجانب الفضولي، أي أنك تُحبني.
- لم أصُرحَ بهذهِ الكلمة "أحُبك"، لتأخذيها علي عقلكِ.
شعرت بالغضب منهُ وكادت أن تمسك بمقبض الغرفة ليهتف سريعًا:
- حسنًا، أعتذر عن حديثي الغير مقبول لك في هذا الصباح.
أكمل قائِلاً وهُو ينظرِ لعينيها:
- هل يُمكنكِ أن تهدئ من روعك قليلاً؟!
تركت المقبض لتتنهد قائلة:
- حسنـاً، انا هادِئة الآن.
قال وهُو يحيط ذراعيهِ بخصرها ليقلص المسافات بينهُما:
- أحببتُ أن أعتذرِ إليكِ هُنا قبل أن نذهب للمنزل!
ضيقت عينيها عليهِ لتفهم مَقصدهُ، لتضربهُ ضربة خفيفة علي صدرهُ قائِلة:
- مُنحـرِف!
- هذا هُو أنـا.
طبع قُبِّلة علي جبينها قائِلاً:
- أعلم أنك تريدين منى أعتراف عن علاقتنا، ولكني لاأرى أنهُ الوقت المُناسب
- وماهُو الوقت المُناسب برائيك؟
- عندما أريد أنا ذلك.
رفعت إحدى حاجبيها قائلة بإستنكار:
- هل أنت رافض لذلك؟أ
- نعم!
دفعتهُ عنها لتمسك بالمقبض وتديرهُ وقبل أن تخرج هُو أمسك بمعصمها بِعُنف جاعلاً إياها تصطدم بصدرهُ وأغلق الباب مرة أخري، ألصق جبينهُ بجبينها قائِلاً:
- حقـاً أود أن أزيح هَّم علاقتنا ولكن أريد أن أفعل ذلك بطريقة لائقة، لأنني أخاف علي سُمعتك أكثر مني، لذلك رجاءًا دعي الأمور تأخذ مجراها وسأفعل كل ماأستطيع لتظهر علاقتنا للنور، حسنـًا؟,
أومـأت لهُ بالموافقة، وهل لها رأي للرفض، كلماتهُ الصادِقة والتيَّ دائمًا تقنعها، أحتضنها بقوة، بادلتهُ العناق قائِلة:
- أنا لا أعلم أي شئ عن ماضيك ولكن أتمنى أن تفشيِّ عنهُ لي يومًا ما.
هتف وهُو يقبل جبينها:
- سـأفعل، أعدكِ.
سبقتهُ هايلي راحـلة للمنزل، يحاول سام تجميع الأوراق الخاصة بالعمل المسرحي السابق ولأنهُ لايودِّ تكرار الأعمال هذه السنة، أثنـاء ذلك، دلف "آيزاك" بإبتسامة علَّت وجهه.
هتف بنبرة حماسية:
- أستاذ سام!
إنتبه لهُ سام قائِلاً:
- ماذا تُريد الآن؟
- قُمت بالكتابة عن الموضوع الجديد، هل لديك الوقت لقرائتهُ؟
ترك سام الاوراق علي الطاولة وإتجهَ نحو آيزاك يـأخذ أوراقهُ قائِلاً وهُو يرفع إحدى حاجبيهِ بإستفهام:
- لما كُل هذا الحماس الزائد؟
- لا أعلم ولكن حدسي يُخبرني بأنهُ هذه المرة، سينال إعجابك
تبسم "سام" لهُ من ملامحهُ اللطيفة، قـرأ بعض الأوراق ليقول بعد أن صدر تنهيدة طويلة:
- أخيرًا سأقولها لك.
أضـاف مُبتسمـاً:
- هذا العمل هُو عمل هذه السنة.
قفز آيزاك بسعادة، ليقهقه سام مُعطيـاً إياه الأوراق:
- أريدهُ مُنتهيـاً بعد أسبوعين ومعك مُلخص عنهُ أيضاً.
أكمل:
- عليك إبهاج الشخص الذيِّ أستخلصت الفكرة منهُ.
توقف آيزاك عن القفز، ليهدأ جسدهُ، إبتسم بهدوءِ قائِلاً وهُو يعدِّل نظاراتهُ:
- يبدو انها حقا تحتاج لذلك.
__
كان الهُـواء يُداعب خُصلات شعرها السوداء وتذكرت ماحدث أمسِ.
..
هتف بصوت عـالي نسبياً لها:
- هـيـا أبعدي القُماش عنكِ.
فكت عقدة القُماش من عينيها لترى أنهُ مكان ما، حديقة ليست بالمكان المُعتاد لهما، لتستدير لهُ هاتفة بتعجب:
- ما هذا المكان؟
- أحببت أن أريكي مكان أحبهُ.
ثُم أشـار للسماءَ:
- النجوم فِي هذا الوقت تكون لامعة، هيا لنتسطح علي العُشب.
عقد حاجبيها ولكنهُ سحبها من معطفها دُون أن يلمس جلدها، جلسا علي العُشب وبينها وبينهُ مسافة كبيرة، نظرت لأعلى وبدأت بتأمل السماءَ، كان مظهرها خيالياً جميل، النُجوم في حلقات مُلونة والسماءَ السوداء تُعطي بريقاً أكثر ..
- لماذا جعلتني أرى هذا المكان؟
أبتسم وهُو ينظر للسماءَ معها مُتجاهلاً الرد علي سؤالها، ولكنهُ أجابها:
- كُلما كنت آتي لتأملها، أراك بين النجوم مُبتسمة الثغر.
نظرت لهُ ليكمل كلماتهُ وهُو لازال عينيه مُرتكز للسماءَ:
- أبدع الله بخلق السماء كما خلقك..
يتبع ..
Коментарі