Chapter 7
هذا هو المصير..
هذا هو القدر..
فقط إقترب و سوف تري..
إنها النهاية .
_____________________
أقدامنا كإنها كُسرت مليون مرة و لازالت صامدة .
في صمت، ظللنا نمشي لساعات متوصالة حتي أن الشمس قد غابت و لازلنا لا نعلم إلي أين نحن ذاهبون .
لا توجد خريطة ولا طعام او مياة ولا اي شئ..حتي شعرت بأن فمي قد جف من كثرة تعبي .
جلسنا تارة و مشينا تارة حتي لم يعد لدينا قدرة علي التحرك..
"اللعنة عليهم مصاصون الدماء..لقد أخذوا حقيبتي الذي بها كل إحتياجاتي ." أغمضت عيناي وانا اجلس مستندة علي الشجرة الضخمة التي ورائي احاول اخذ انفاسي و تهدئة جسدي المنهك .
عقلي كان متعباً مما حصل منذ البارحة و شعرت بألم التفكير بكمية الأحداث التي حصلت علي مدار الاربعة و عشرون ساعة الماضية .
عزمت علي الهروب، و إلتقيت برفيقي ثم اعتراف آليك بإعجابه لي..و كنا علي وشك الموت من عجوز مخبول يحمل بندقية..قوتي التي يعلم آليك عنها..مصاصين الدماء..
وان حمضي النووي مختلف .
عقدت حاجباي عندما تذكرت ما قاله لي ذلك المصاص..و لكن لماذا فحص احماضنا النووية بالاصل؟
"هيا فالكايتري لا تستسلمي.." صوت آليك كان منهك و برغم من تشجيعي ليحثني علي الإستمرار..كان قد استلقي بجانبي و جفونه قد أُغلقت و لم تعد تُفتح .
"أنت بالفعل علي وشك النوم..أين هو 'عدم الإستسلام' الآن؟" سألته بسخرية رافعة حاجباً علي مظهره، إلتففت برأسي و عيناي وقعت علي فالديمير الذي جلس علي الجزع الذي أمامي يرتاح قليلاً .
لم يكن يدور ببالي أي شئ منذ خروجنا من مملكة مصاصين الدماء سوي ذلك المنظر خاصته..
يداه في جيبه، يمشي بكل بساطة كإنه في منتزة و مصاصين الدماء يركضون عكس إتجاهه، هاربين منه .
لم يزل ذلك من المنظر من عقلي كإنه حُفر و لن يُمسح أبداً .
علي أن أعلم ما هي أسرارهم التي بخبونها عني .
آليك هز رأسه بخفة و أجاب بينما عيناه لازالت مغلقة .
"أنا بالفعل خلدت إلي النوم و أريد أحداً أن يحملني لأني لم أعد قادراً علي التحرك بعد الآن ." قلبت عيناي و انا اهز رأسي بخفة و أسندها خلفي علي الشجرة وأنا أملأ رئتاي متنفسة بعمق و أنا أضم ركبتاي إلي صدري ثم أزفره بقوة..
ذهني مليئ بالتساؤلات التي حتي عن نفسي و عن قوتي..
كأني سقطت إلي بحر من الشكوك و الاسئلة لا نهاية منه ولا بداية .
رأسي ثقل و افكاري ثقلت معها لتأخذي إلي عالمٍ آخر متناسية العالم الذي كنت فيه..
العالم غير واضح و غريب..
لقطات كثيرة سارت أمامي بسرعة كأنها في سباق مع الزمن .
و فجأة لم أري سوي نفسي في غرفتي التي في مجموعة كاسيوس في لحظة، مقيدة في السرير بينما هو يقف أمامي و الساحرات الأُخريات وراؤه و الجميع يبتسم لي إبتسامة غريبة و مرعبة .
قلبي إنقبض بقوة و أصبحت أتنفس بصعوبة عندما بدأت الساحرات في الترانيم و أنا لا أفعل شيئاً سوي الصراخ بهم كي يتوقفوا!
لكنهم لا يفعلون! لم تهدأ اصواتهم و لم تتوقف ترانيمهم بل زادت!
بدأ بالإقتراب نحوي و الإلتفاف حول السرير زادت ترانيمهم حتي أصبحت عالية و غطت علي صراخي و بكائي الهستيري!
"أرجوكم توقفوا! توقفوا!" صرخت بأعلي صوتي و جسدي كان يرتعش بقوة من الخوف من أياديهم التي وضعوها علي جسدي و الألم إجتاح أعصابي و إبتسامة كاسيوس لم تزل من علي وجهه بل زادت و أصبحت أكثر رعباً!
"توقفوا!" ظللت أصرخ و أصرخ و أحاول الإفلات منهم و لكن رئتاي أصبحت أضعف من قوة الحركة تجعلني غير قادرة علي سحب الهواء الكافي و الإختناق حتي سمعت فجأة من يصيح بإسمي!
"فالكايتري إستيقظي!" فتحت عيناي و أنا أشهق بقوة مستعيدة جميع الهواء الذي فقدته لأري فالديمير و آليك أمامي أعينهم متوسعة .
جسدي لازال يرتعش و أنفاسي القصيرة آخذها بسرعة و دموعي تنهمر علي خدي كالشلالات، نظراتي كان بها الهلع و الخوف لكني صمتت عندما نظرت حولي..
و وجدت الثلج ينتشر في البقعة التي أجلس بها كأنه خرج مني!
عيناي كانت متوسعة و بسرعة وجدت فالديمير جلس بجانبي و كوم وجهي بين يداه و دموعي ساخنة يمسحها بأصابعه .
"أنتي بخير..فقط مجرد كابوس!" كان يطمأنني و أنا صوت ضربات قلبي كانت تصل لأذني كالطبول و انفاسي بدأت تهدأ لأغمض عيني و أخفض رأسي ليضمني في حضنه و يجلس آليك أمامي وهو يضم يدي بين يداه و يفركها كي يهدأني .
المكان أصبح بارداً أكثر مما هو عليه بسبب رياح الخريف و ضربات قلبي أصبح اهدأ مما كانت عليه من دقيقتين .
"أتريدين الحديث عنه -الكابوس- ؟" سألني آليك و لكني هززت رأسي بالنفي..
اللعنة علي تعبي الذي جعلني أغفو و أحلم بكابوس مثل هذا .
بعد بعض الوقت، أخرجت رأسي من بين ذراعا فالديمير قائلة: "هيا بنا ." الإثنان نظروا لي بتردد و لكني وقفت من مكاني و تجاهلت الجليد الذي علي الأرض و بدأت بالمشي مرة أخري ليتبعوني .
بصعوبة أكملنا الطريق و الليل قد حل علينا..و أصبحت الغابة مظلمة بشكل مرعب مرة أخري .
تنهدت بسبب خوفي من الظلام ولكن شعرت بفالديمير يمسك بيدي ليجعلني أكمل .
و لكن لم يمر وقتاً حتي وجدنا مكان يشع منه النور الخفيف .
"ما هذا؟" عقد فالديمير حاجباه ضيق عيناه ليأخذ نظرة جيدة عليه و لكن عيني أضائت عندما نظرت لذلك المكان و شعرت بالراحة أخيراً .
نظرت لآليك بفرح و لكن عيناه كانت تعكس نظرة "ليس مجدداً" .
"هيا بنا!" إلففت ناحية المكان و خطواتي أسرعت له .
"أُقسم إن خرج من هذا المكان عجوزاً آخر يوجه بندقيته ناحيتنا، سأفجرها في وجهكم!"
نعم..كان آليك من قال ذلك .
لم يكن لدي أي طاقة للتفكير أو قول أي شئ..فقط ظللت أمشي و فالديمير بجانبي و آليك ورائنا ناحية ما تبينا أنه نُزل!
الراحة سكنت في قلوبنا و بكل حماس تحركنا إلي الداخل .
كان هناك مكتب إستقبال صغير تراه عند دخولك علي الفور يجلس عليه شاباً إبتسم عندما رآنا ة أمام المكتب كانت هناك مساحة لا بأس بها موجود بها طاولتان و أربع كراسي، كل كرسيان علي طاولة وراؤهم بار للمشروبات مقابلاً لمكتب الإستقبال .
"مرحباً بكم في نُزل ديلفين! كيف يمكنني مساعدنكم؟" قالها الشاب و كإنه لم يستضف أية ضيوف منذ سنين..أو أنه بالفعل كذلك .
"مرحباً يا.." تقدم فالديمير إلي المكتب ثم إستند عليه بمرفقيه الإثنتين أمام الفتي .
"آيرون..إسمي هو آيرون ." اومئ له فالديمير ليكمل ما كان يريد قوله:
"آيرون! هل لديك غرف شاغرة؟" أكمل فالديمير حديثه ليومئ له الفتي، جعلنا فالديمير هو من يتولي زمام الأمور بينما أنا و آليك نظرنا لبعض بأعين نصف مغلقة ثم ضحكنا علي مناظرنا .
"لدي غرفتان شاغرتان..أعني..هذا هو عدد الغرف التي لدي بالفعل ."تحدث الفتي بتوتر ليومئ فالديمير له .
غرفتان أفضل من لا شئ .
"حسناً، سنأخذهم ." إبتسم الفتي و هو يخرج دفتر ليضع فيه إسم الحجز و لكن أتي إلي السؤال الذي توقعته أن يسأله و لكني لم أرده أن يفعل .
"هل معكم اية أموال؟" إلتفت فالديمير لنا و نظرنا جميعنا لبعض نظرة "تباً" ثم أعاد فالديمير النظر للفتي و هو يسلك حلقه .
اللعنة علي مصاصون الدماء لأخذ حقيبتي .
"لا ليس لدينا ." تغيرت تعبيرات وجه الفتي حتي وضع الدفتر مكانه و قال بنبرة جافة .
"آسف و لكني لن أستطيع إعطائكم الغرف ." أعاد فالديمير نظره إلينا مرة أخري و عيناه المتوسعة كانت تعكس شعورنا جميعاً .
أقسم بأنه كلمة أخري و سنجلس علي الأرض نلطم في صمت .
تنهدت بتذمر و آليك ظل يدلك ما بين حاجبيه .
"حسناً..ليس في يدينا أي شئ لنفعله.." قلتها بإحباط لفالديمير و نظرت لآليك الذي لازال في وضعيته .
"أريد النوم أرجوكم..أقسم بأني سأبكي ." فركت ذراع آليك بيدي لأواسيه . إلتفت فالديمير للآيرون و فجأة صوته أصبح أعمق و أغمض .
"نحن سنحجز الغرف لمدة ليلتين..ستستضيفنا و تكرمنا و سنعطيك الأموال فيما بعد ."
عقدت أنا و آليك حاجبانا علي طريقته و تسآلنا لم تكلم بالطريقة..و لكن سرعان ما إبتسم الفتي و اخرج المفاتيح لنا لتتوسع أعيننا!
"تفضل ."
ماذا؟!
نظرت لآليك لأراه مصوماً مثلي بضبط ليلتفت لنا فالديمير بإبتسامة مرتاحة و يرفع المفاتيح أمام وجوهنا .
"هيا بنا ."
_______________________
دخل الفتيان غرفتهم ليقف الإثنان يحدقون في نفس الشئ .
"واو..لا يوجد سوي سريراً واحداً..هذا ما كان ينقصني ." قلب فالديمير عيناه علي ما قاله آليك و هو يخلع معطفه الجلدي و يضعه علي الكرسي الذي يوجد عن النافذة .
"لا أصدق بأني أخيراً سأنام..لم أنم منذ البارحة ." قفز علي السرير محتضناً له لبعض الوقت و إبتسامة بلهاء علي وجهه .
فالديمير كان ينظر للنافذة ناحية الأشجار شارداً في ذهنه حتي ناداه آليك .
"هاي فالديمير!" إلتفت له ليكمل آليك كلامه .
"أنظر أنا أحب النوم وحدي في السرير و لكن بسبب ظروفنا هذه فسأحاول تقبل النوم بجانبك، لذا أرجوك لا تقترب مني أو تحاول لمسي.."
"و اذا فعلت..ماذا ستفعل؟" صمت آليك قليلاً قبل أن يرد عليه و هو يستلقي براحة علي السرير و يغمض عيناه .
"لا تجعلني أشُك في ميولك ." فجأة الصمت عم المكان ليشعر آليك بالغرابة ليفتح عيناه و ينظر لفالديمير الذي يحدق به .
"ماذا؟" ظل يحدق به قبل أن ترتسم إبتسامة غريبة علي وجه فالديمير قبل أن يقترب من السرير ليعتدل آليك بسرعة .
"ما بال تلك الإبتسامة؟" ساله بغرابة ليكمل فالديمير تمثيله و يساله .
"ستشك في ميولي هاه؟" قرب فالديمير وجهه لآليك أكثر لينتفض من علي السرير و عيناه علي مصرعها .
"ماذا تفعل أيها اللعين؟! يا فالكايتري!" نادي آليك عليها و لكن فالديمير إستمر فيما يفعله و نزل من علي السرير في طريقه لآليك .
"إبتعد عني أيها المثلي! يا فالكايتري! أنظري ماذا يفعل رفيقك!" أسرع في الإبتعاد عنه و فالديمير يضحك كلما إقترب منه، آليك يركض بعيداً .
رفع يداه ليوقف فالديمير و علامات الفزع علي وجهه و حتي نفسه كان متسارعاً بعض الشئ .
"توقف عندك!" بالفعل توقف فالديمير و دأت ضحكته منتظراً ما يريد آليك أن يقوله .
"أنا بالفعل كنت أتحدث بجدية..لا تلمسني و نحن نائمان ." صمت فالديمير لبعض الوقت قبل أن يفاجئ آليك بدغدغته له بسرعة قبل أن يصرخ صرخته الأنثوية و يركض بعيداً .
______________________
الساعة قاربت الثنية بعد منتصف الليل و لم ينغلق له جفن .
شارداً في ذهنه، يضع ذراعاً وراء دماغه ليسندها و ذراعاً فوق معدته .
ألقي نظرة علي المستلقي بجانبه مخموراً في النوم..
قال بأنه لا يريد التلامس و ها هو يحتضنه بذراعاه و قدماه، تنهد قبل أن يبعد جسده عنه بقوة و يسلك طريقه لأخذ معطفه و يذهب لصالة الإستقبال .
بمجرد ان نزل و رآها جالسة في طاولة لوحدها و أمامها زجاجة نبيذ أحمر و الكأس في يدها .
توجه إلي آيرون الذي كان في تلك المرة يقف البار ليستند بيده علي خشب طاولة البار الطويلة .
"أريد زجاجة ويسكي ." ذهب آيرون بسرعة لإحضارها و بقي فالديمير ينظر إلي فالكايتري ليراها تحدق به بإستغراب .
"ها هي، تفضل ." أخذ منه الزجاجة و الكأس و ذهب لها ليجلس علي الكرسي المقابل بينما هي تنظر له بحاجبان معقودان .
وضع ما بيده أمامه و ساد الضمت بينهم حتي تحدث هو..
"ماذا؟" سأل عندما رآي أن تحديقها قد طال .
"لمَ لازلت متيقظاً حتي الآن؟" شرد قليلاً و هو يبدأ بفتح الزجاجة بينما يرد عليها .
"لم ينغلق لي جفن.." أومئت بصمت لتعيد نظرها لكأسها و هو يقوم بإمالة كأسه قليلاً ليصب الويسكي بداخله .
"ماذا عنكِ؟" سألها بعدما وضع الزجاجة علي الطاولة و قبل أن يأخذ أول رشفة من الويسكي .
"أصابني الأرق.." اومئ لها قبل أن يتنهدا الإثنان و يكملا الشرود في كئوسهم .
النوافذ كانت مفتوحة، و الرياح كانت تدخل منها دون إستئذان ليقلل من حرارة الغرفة..و لكن هذا لم يزعجهم قط..فكان الوقت خريفاً و الهواء به لفحة برودة مُهدئة للأعصاب تستمتع بها و أنت تنظر لشروق الشمس الذي كان بعد ساعتين من وقتهم الحالي .
الصمت كان سائداً بينهم كإنهم يستمتعون به بالفعل..
أحداث اليوم الماضي كانت حافلة و مليئة بالصدمات..
كإنهم لم يعودوا قادرين علي التحدث و أذنهم في الحالة التي لا تريد سماع أي أصوات عالية و لكنها في ظل هذه الأجواء الهادئة..قامت فالكايتري بالتحدث و هي شاردة .
"أتعلم شيئاً، فالدي؟"
"فالدي؟"
اومئت قبل أن تكمل ما يدور ببالها تحت تعابيره ذات حاجب مرفوع من اللقب خاصته الجديد..
"هذا الشعور عندما تعيش حياة تعتقد بأن كل شئ فيها مثالي..و حتي يأتيك اليوم الذي تعرف بأن أكثر شخص إعتقدت بأنه يحبك كان لا يفعل، و حياتك عبارة عن كذبة؟"
ظل صامتاً قبل أن يتقدم بجزء جسد العلوي و يستند بمرفقيه علي ركبتاه أامامها محدقاً في عيناها التي تنظر للكأس و إستكملت ما تقوله .
"لم أتوقع بأني يوم هروبي من القطيع الذي به سأجد رفيقي.."
حرك رأسه ناحية اليمين و نظراته متعمقة في وجهها، إبتسامة يأس شققت ثغرها و هي تكمل شاردة في الكأس..
"نعم..أنا مستذئبة..أي نصفي ذئب و النصف الآخر إنسان..و أنت تكون رفيقي..أي زوجي..زوجي المطلوب من العدالة."
إبتسمت بتكلف علي آخر جملة و هو لازال شارداً في ضحكتها المستخفة بالأمر و هو يلف بمشروب الويسكي في كأسه .
"لقد كان أبي..أعني كاسيوس، هذا هو إسمه، كاسوس..هو قائد القطيع، و أنا كنت إبنته..حتي أتي اليوم الذي علمت بأنه كان يكذب و إحتمال بكونه الشخص الشرير في حكاية كبيرة رفض أن يتحدث عنها، و كان كل إسبوع يحكي عن قصة حرب مختلفة، لم نكن نعلم بأنه أرادنا نابي الإستماع أو تصديق اي شئ سوي كلامه.." عيناها أصبحت زجاجية من الدموع التي تجمعت بها و لكنه لم يفعل شئ..بل تركها تخرج كل ما تكتمه في قلبها له .
"و الآن الأمور أصبحت جنونية منذ أن حكي تلك القصة ذات علاقة بتلك الحكاية الكبيرة..و التي لها صلة بأبي الحقيقي..و لكن كل شئ أتي بسرعة كبيرة، و الصدمات تلاحق بعضها كإنها في سباق مع الزمن ضدي.."
دموعها بدأت بالهطول و شهقات صغيرة تخرج
نظر للأرض ثم أعاد ظهره ليسنده علي الكرسي مرة أخري متنهداً..لا يعلم كيف يقوم بمواسيتها .
هي تبدو حزينة و محطمة و لكن مع ذلك هي صامدة في كل ما عايشوه في الساعات السابقة..
ظل يحدق في كل إنش من وجهها حتي نظرت له أخيراً بعد رشفها لآخر ما تبقي في الكأس .
"أنا بالفعل لا أفكر بأي شئ سوي بمعاناتي الآن..و لكن ما يشغلني في الافكير هو أنك كيف تتحلي بهذا الهدوء؟"
إبتلع فالديمير ريقه قبل أن يبل شفتاه و ينظر بعيداً .
"نحن حرفياً واجهنا مصاصون دماء و عجوزاً مجنوناً و علمت للتو بأنك زوج مستذئبة لم تراها سوي بملهي، مالذي سيكون أكثر جنوناً من هذا؟" زفر بقوة ليعود متقدماً بجسده و مستنداً علي كوعيه و يمسك بيداها تحت عيناها المدمعتين .
"أعتقد بأنك عليكي الخلود للنوم الآن ." وقف من مكانه و شدها لتقف معه ليقودها إلي غرفتها .
كانت سعيدة بمسكه ليدها و تشبيك أصابعهم مع بعضهم، و رائحته التي تلفحها و تشمها في كل مكان يقابلوه..برغم من المسافة قصيرة ما بين الصالة ممر الغرفتين، لكنها إستمتعت بكل لحظة مشيت بها معه .
..حتي توقف أمام باب غرفتها ليترك يدها ثم يلتفت لها بملامح تعكس كثرة التفكير الذي يملأ عقله .
"نوماً هنيئاً اذاً.." ثم تقدم قليلاً ليقف أمام باب غرفته و هي بقت مكانها تراه يتحرك إلي أن إلتفت و نظر لها و رآها تحدق به .
كانت تشم رائحته التي علقت في أنفاسها الثقيلة كالصخرة التي إستقرت علي صدرها .
لم تعلم لمَ قلبها كان يدق كالمطرقة من أثر لمسته و لكنها ايضاً لم تعلم بأنه يشعر بالمثل تماماً .
و كإن عيناهم تحكي كل شئ..كإنها أرادت أكثر من لمسة يد..
"اللعنة!" شتم تحت أنفاسه قبل أن يذهب لها..
و يصفع شفتاه بخاصتها!
بمجرد أن تقابلت شفاههم، شعروا بأن ارواحهم عادت إليهم، كإنهم إنتظروا تلك اللحظة منذ الكثير من الوقت .
هي إحتاجت الراحة و هو إحتاج الهدوء.
و لم يجدا ذلك سوي في تلك القبلة .
يده اليمني علي رقبتها و اليسري علي خصرها، قبل ان تتركه -خصرها- و تفتح باب غرفتها و يدخلوا و يركل الباب مغلقاً له ورائهم .
كان يمسكها من خصرها يدلها علي طريقها و هي ذراعاها حول رقبته، مع كل لحظة كانت القبلة تتعمق أكثر و أكثر حتي سقطت علي السرير و هو فوقها .
"إنسي كل ما كان يزعجك..فقط أحبيني الآن ."
أمسك بيداها و ثبتهم علي جانبا رأسها ليتعمقا أكثر في قبلتهم..
كانوا ليكملوا ما يفعلوا إلا أنه إبتعدت ليتقطوا أنفاسهم..
وضع جبهته علي خاضتها و تحدث بأنفاس ثقيلة مخالطة مع انفاسها.
"ليس الآن، فالديمير..ليس اليوم ."
أغمضت عيناها منتظرة منه أن يقوم بتركها و يذهب لغرفته لهدم كل ما بناه في عقله علي ما كانوا سيفعلونه و لكنه إحتضنها و دفن رأسه في رقبتها..
"كما تريدين، كايتري.." تحدث ملامساً جلد رقبتها و تنفسه يلامسها..
"أنت لم تنزعج؟" إبتلعت ريقها بقلق و لكنه هز رأسه و أنفه يلامس جلدها..
إبتسمت براحة محدقة في السقف و هي تحضتنه و تسند رأسها علي خاصته..
فالديمير بشري..أو هذا ما نعتقده فقط .
بالرغم أنه من الطبيعي إنهم يقوموم بتلك الأمور عندما علمهم بأنهم رفقاء..
و لكن في حالة فالديمير، هم يأخذون الأمور بسرعة..
"أتعلمين؟..انا لم أعلم يوماً بأني سأعجب بأحداً لهذه الدرجة..لم أخطط بأن هناك من ستجعل لنفسها عرشاً بداخل عقلي لم أعتقد بأنه كان موجوداً.."
إبتسامتها زادت و تجعل أناملها تلعب بخفة في شعره المجعد ليبتعد عن رقبتها و ينظر في عيناها العسليتان .
"كأني كنت متوقعاً كوكباً واحداً فقط..و أتيتي أنتي تعرضين علي مجرة كاملة في عيناكي ."
______________________________________
هذا هو القدر..
فقط إقترب و سوف تري..
إنها النهاية .
_____________________
أقدامنا كإنها كُسرت مليون مرة و لازالت صامدة .
في صمت، ظللنا نمشي لساعات متوصالة حتي أن الشمس قد غابت و لازلنا لا نعلم إلي أين نحن ذاهبون .
لا توجد خريطة ولا طعام او مياة ولا اي شئ..حتي شعرت بأن فمي قد جف من كثرة تعبي .
جلسنا تارة و مشينا تارة حتي لم يعد لدينا قدرة علي التحرك..
"اللعنة عليهم مصاصون الدماء..لقد أخذوا حقيبتي الذي بها كل إحتياجاتي ." أغمضت عيناي وانا اجلس مستندة علي الشجرة الضخمة التي ورائي احاول اخذ انفاسي و تهدئة جسدي المنهك .
عقلي كان متعباً مما حصل منذ البارحة و شعرت بألم التفكير بكمية الأحداث التي حصلت علي مدار الاربعة و عشرون ساعة الماضية .
عزمت علي الهروب، و إلتقيت برفيقي ثم اعتراف آليك بإعجابه لي..و كنا علي وشك الموت من عجوز مخبول يحمل بندقية..قوتي التي يعلم آليك عنها..مصاصين الدماء..
وان حمضي النووي مختلف .
عقدت حاجباي عندما تذكرت ما قاله لي ذلك المصاص..و لكن لماذا فحص احماضنا النووية بالاصل؟
"هيا فالكايتري لا تستسلمي.." صوت آليك كان منهك و برغم من تشجيعي ليحثني علي الإستمرار..كان قد استلقي بجانبي و جفونه قد أُغلقت و لم تعد تُفتح .
"أنت بالفعل علي وشك النوم..أين هو 'عدم الإستسلام' الآن؟" سألته بسخرية رافعة حاجباً علي مظهره، إلتففت برأسي و عيناي وقعت علي فالديمير الذي جلس علي الجزع الذي أمامي يرتاح قليلاً .
لم يكن يدور ببالي أي شئ منذ خروجنا من مملكة مصاصين الدماء سوي ذلك المنظر خاصته..
يداه في جيبه، يمشي بكل بساطة كإنه في منتزة و مصاصين الدماء يركضون عكس إتجاهه، هاربين منه .
لم يزل ذلك من المنظر من عقلي كإنه حُفر و لن يُمسح أبداً .
علي أن أعلم ما هي أسرارهم التي بخبونها عني .
آليك هز رأسه بخفة و أجاب بينما عيناه لازالت مغلقة .
"أنا بالفعل خلدت إلي النوم و أريد أحداً أن يحملني لأني لم أعد قادراً علي التحرك بعد الآن ." قلبت عيناي و انا اهز رأسي بخفة و أسندها خلفي علي الشجرة وأنا أملأ رئتاي متنفسة بعمق و أنا أضم ركبتاي إلي صدري ثم أزفره بقوة..
ذهني مليئ بالتساؤلات التي حتي عن نفسي و عن قوتي..
كأني سقطت إلي بحر من الشكوك و الاسئلة لا نهاية منه ولا بداية .
رأسي ثقل و افكاري ثقلت معها لتأخذي إلي عالمٍ آخر متناسية العالم الذي كنت فيه..
العالم غير واضح و غريب..
لقطات كثيرة سارت أمامي بسرعة كأنها في سباق مع الزمن .
و فجأة لم أري سوي نفسي في غرفتي التي في مجموعة كاسيوس في لحظة، مقيدة في السرير بينما هو يقف أمامي و الساحرات الأُخريات وراؤه و الجميع يبتسم لي إبتسامة غريبة و مرعبة .
قلبي إنقبض بقوة و أصبحت أتنفس بصعوبة عندما بدأت الساحرات في الترانيم و أنا لا أفعل شيئاً سوي الصراخ بهم كي يتوقفوا!
لكنهم لا يفعلون! لم تهدأ اصواتهم و لم تتوقف ترانيمهم بل زادت!
بدأ بالإقتراب نحوي و الإلتفاف حول السرير زادت ترانيمهم حتي أصبحت عالية و غطت علي صراخي و بكائي الهستيري!
"أرجوكم توقفوا! توقفوا!" صرخت بأعلي صوتي و جسدي كان يرتعش بقوة من الخوف من أياديهم التي وضعوها علي جسدي و الألم إجتاح أعصابي و إبتسامة كاسيوس لم تزل من علي وجهه بل زادت و أصبحت أكثر رعباً!
"توقفوا!" ظللت أصرخ و أصرخ و أحاول الإفلات منهم و لكن رئتاي أصبحت أضعف من قوة الحركة تجعلني غير قادرة علي سحب الهواء الكافي و الإختناق حتي سمعت فجأة من يصيح بإسمي!
"فالكايتري إستيقظي!" فتحت عيناي و أنا أشهق بقوة مستعيدة جميع الهواء الذي فقدته لأري فالديمير و آليك أمامي أعينهم متوسعة .
جسدي لازال يرتعش و أنفاسي القصيرة آخذها بسرعة و دموعي تنهمر علي خدي كالشلالات، نظراتي كان بها الهلع و الخوف لكني صمتت عندما نظرت حولي..
و وجدت الثلج ينتشر في البقعة التي أجلس بها كأنه خرج مني!
عيناي كانت متوسعة و بسرعة وجدت فالديمير جلس بجانبي و كوم وجهي بين يداه و دموعي ساخنة يمسحها بأصابعه .
"أنتي بخير..فقط مجرد كابوس!" كان يطمأنني و أنا صوت ضربات قلبي كانت تصل لأذني كالطبول و انفاسي بدأت تهدأ لأغمض عيني و أخفض رأسي ليضمني في حضنه و يجلس آليك أمامي وهو يضم يدي بين يداه و يفركها كي يهدأني .
المكان أصبح بارداً أكثر مما هو عليه بسبب رياح الخريف و ضربات قلبي أصبح اهدأ مما كانت عليه من دقيقتين .
"أتريدين الحديث عنه -الكابوس- ؟" سألني آليك و لكني هززت رأسي بالنفي..
اللعنة علي تعبي الذي جعلني أغفو و أحلم بكابوس مثل هذا .
بعد بعض الوقت، أخرجت رأسي من بين ذراعا فالديمير قائلة: "هيا بنا ." الإثنان نظروا لي بتردد و لكني وقفت من مكاني و تجاهلت الجليد الذي علي الأرض و بدأت بالمشي مرة أخري ليتبعوني .
بصعوبة أكملنا الطريق و الليل قد حل علينا..و أصبحت الغابة مظلمة بشكل مرعب مرة أخري .
تنهدت بسبب خوفي من الظلام ولكن شعرت بفالديمير يمسك بيدي ليجعلني أكمل .
و لكن لم يمر وقتاً حتي وجدنا مكان يشع منه النور الخفيف .
"ما هذا؟" عقد فالديمير حاجباه ضيق عيناه ليأخذ نظرة جيدة عليه و لكن عيني أضائت عندما نظرت لذلك المكان و شعرت بالراحة أخيراً .
نظرت لآليك بفرح و لكن عيناه كانت تعكس نظرة "ليس مجدداً" .
"هيا بنا!" إلففت ناحية المكان و خطواتي أسرعت له .
"أُقسم إن خرج من هذا المكان عجوزاً آخر يوجه بندقيته ناحيتنا، سأفجرها في وجهكم!"
نعم..كان آليك من قال ذلك .
لم يكن لدي أي طاقة للتفكير أو قول أي شئ..فقط ظللت أمشي و فالديمير بجانبي و آليك ورائنا ناحية ما تبينا أنه نُزل!
الراحة سكنت في قلوبنا و بكل حماس تحركنا إلي الداخل .
كان هناك مكتب إستقبال صغير تراه عند دخولك علي الفور يجلس عليه شاباً إبتسم عندما رآنا ة أمام المكتب كانت هناك مساحة لا بأس بها موجود بها طاولتان و أربع كراسي، كل كرسيان علي طاولة وراؤهم بار للمشروبات مقابلاً لمكتب الإستقبال .
"مرحباً بكم في نُزل ديلفين! كيف يمكنني مساعدنكم؟" قالها الشاب و كإنه لم يستضف أية ضيوف منذ سنين..أو أنه بالفعل كذلك .
"مرحباً يا.." تقدم فالديمير إلي المكتب ثم إستند عليه بمرفقيه الإثنتين أمام الفتي .
"آيرون..إسمي هو آيرون ." اومئ له فالديمير ليكمل ما كان يريد قوله:
"آيرون! هل لديك غرف شاغرة؟" أكمل فالديمير حديثه ليومئ له الفتي، جعلنا فالديمير هو من يتولي زمام الأمور بينما أنا و آليك نظرنا لبعض بأعين نصف مغلقة ثم ضحكنا علي مناظرنا .
"لدي غرفتان شاغرتان..أعني..هذا هو عدد الغرف التي لدي بالفعل ."تحدث الفتي بتوتر ليومئ فالديمير له .
غرفتان أفضل من لا شئ .
"حسناً، سنأخذهم ." إبتسم الفتي و هو يخرج دفتر ليضع فيه إسم الحجز و لكن أتي إلي السؤال الذي توقعته أن يسأله و لكني لم أرده أن يفعل .
"هل معكم اية أموال؟" إلتفت فالديمير لنا و نظرنا جميعنا لبعض نظرة "تباً" ثم أعاد فالديمير النظر للفتي و هو يسلك حلقه .
اللعنة علي مصاصون الدماء لأخذ حقيبتي .
"لا ليس لدينا ." تغيرت تعبيرات وجه الفتي حتي وضع الدفتر مكانه و قال بنبرة جافة .
"آسف و لكني لن أستطيع إعطائكم الغرف ." أعاد فالديمير نظره إلينا مرة أخري و عيناه المتوسعة كانت تعكس شعورنا جميعاً .
أقسم بأنه كلمة أخري و سنجلس علي الأرض نلطم في صمت .
تنهدت بتذمر و آليك ظل يدلك ما بين حاجبيه .
"حسناً..ليس في يدينا أي شئ لنفعله.." قلتها بإحباط لفالديمير و نظرت لآليك الذي لازال في وضعيته .
"أريد النوم أرجوكم..أقسم بأني سأبكي ." فركت ذراع آليك بيدي لأواسيه . إلتفت فالديمير للآيرون و فجأة صوته أصبح أعمق و أغمض .
"نحن سنحجز الغرف لمدة ليلتين..ستستضيفنا و تكرمنا و سنعطيك الأموال فيما بعد ."
عقدت أنا و آليك حاجبانا علي طريقته و تسآلنا لم تكلم بالطريقة..و لكن سرعان ما إبتسم الفتي و اخرج المفاتيح لنا لتتوسع أعيننا!
"تفضل ."
ماذا؟!
نظرت لآليك لأراه مصوماً مثلي بضبط ليلتفت لنا فالديمير بإبتسامة مرتاحة و يرفع المفاتيح أمام وجوهنا .
"هيا بنا ."
_______________________
دخل الفتيان غرفتهم ليقف الإثنان يحدقون في نفس الشئ .
"واو..لا يوجد سوي سريراً واحداً..هذا ما كان ينقصني ." قلب فالديمير عيناه علي ما قاله آليك و هو يخلع معطفه الجلدي و يضعه علي الكرسي الذي يوجد عن النافذة .
"لا أصدق بأني أخيراً سأنام..لم أنم منذ البارحة ." قفز علي السرير محتضناً له لبعض الوقت و إبتسامة بلهاء علي وجهه .
فالديمير كان ينظر للنافذة ناحية الأشجار شارداً في ذهنه حتي ناداه آليك .
"هاي فالديمير!" إلتفت له ليكمل آليك كلامه .
"أنظر أنا أحب النوم وحدي في السرير و لكن بسبب ظروفنا هذه فسأحاول تقبل النوم بجانبك، لذا أرجوك لا تقترب مني أو تحاول لمسي.."
"و اذا فعلت..ماذا ستفعل؟" صمت آليك قليلاً قبل أن يرد عليه و هو يستلقي براحة علي السرير و يغمض عيناه .
"لا تجعلني أشُك في ميولك ." فجأة الصمت عم المكان ليشعر آليك بالغرابة ليفتح عيناه و ينظر لفالديمير الذي يحدق به .
"ماذا؟" ظل يحدق به قبل أن ترتسم إبتسامة غريبة علي وجه فالديمير قبل أن يقترب من السرير ليعتدل آليك بسرعة .
"ما بال تلك الإبتسامة؟" ساله بغرابة ليكمل فالديمير تمثيله و يساله .
"ستشك في ميولي هاه؟" قرب فالديمير وجهه لآليك أكثر لينتفض من علي السرير و عيناه علي مصرعها .
"ماذا تفعل أيها اللعين؟! يا فالكايتري!" نادي آليك عليها و لكن فالديمير إستمر فيما يفعله و نزل من علي السرير في طريقه لآليك .
"إبتعد عني أيها المثلي! يا فالكايتري! أنظري ماذا يفعل رفيقك!" أسرع في الإبتعاد عنه و فالديمير يضحك كلما إقترب منه، آليك يركض بعيداً .
رفع يداه ليوقف فالديمير و علامات الفزع علي وجهه و حتي نفسه كان متسارعاً بعض الشئ .
"توقف عندك!" بالفعل توقف فالديمير و دأت ضحكته منتظراً ما يريد آليك أن يقوله .
"أنا بالفعل كنت أتحدث بجدية..لا تلمسني و نحن نائمان ." صمت فالديمير لبعض الوقت قبل أن يفاجئ آليك بدغدغته له بسرعة قبل أن يصرخ صرخته الأنثوية و يركض بعيداً .
______________________
الساعة قاربت الثنية بعد منتصف الليل و لم ينغلق له جفن .
شارداً في ذهنه، يضع ذراعاً وراء دماغه ليسندها و ذراعاً فوق معدته .
ألقي نظرة علي المستلقي بجانبه مخموراً في النوم..
قال بأنه لا يريد التلامس و ها هو يحتضنه بذراعاه و قدماه، تنهد قبل أن يبعد جسده عنه بقوة و يسلك طريقه لأخذ معطفه و يذهب لصالة الإستقبال .
بمجرد ان نزل و رآها جالسة في طاولة لوحدها و أمامها زجاجة نبيذ أحمر و الكأس في يدها .
توجه إلي آيرون الذي كان في تلك المرة يقف البار ليستند بيده علي خشب طاولة البار الطويلة .
"أريد زجاجة ويسكي ." ذهب آيرون بسرعة لإحضارها و بقي فالديمير ينظر إلي فالكايتري ليراها تحدق به بإستغراب .
"ها هي، تفضل ." أخذ منه الزجاجة و الكأس و ذهب لها ليجلس علي الكرسي المقابل بينما هي تنظر له بحاجبان معقودان .
وضع ما بيده أمامه و ساد الضمت بينهم حتي تحدث هو..
"ماذا؟" سأل عندما رآي أن تحديقها قد طال .
"لمَ لازلت متيقظاً حتي الآن؟" شرد قليلاً و هو يبدأ بفتح الزجاجة بينما يرد عليها .
"لم ينغلق لي جفن.." أومئت بصمت لتعيد نظرها لكأسها و هو يقوم بإمالة كأسه قليلاً ليصب الويسكي بداخله .
"ماذا عنكِ؟" سألها بعدما وضع الزجاجة علي الطاولة و قبل أن يأخذ أول رشفة من الويسكي .
"أصابني الأرق.." اومئ لها قبل أن يتنهدا الإثنان و يكملا الشرود في كئوسهم .
النوافذ كانت مفتوحة، و الرياح كانت تدخل منها دون إستئذان ليقلل من حرارة الغرفة..و لكن هذا لم يزعجهم قط..فكان الوقت خريفاً و الهواء به لفحة برودة مُهدئة للأعصاب تستمتع بها و أنت تنظر لشروق الشمس الذي كان بعد ساعتين من وقتهم الحالي .
الصمت كان سائداً بينهم كإنهم يستمتعون به بالفعل..
أحداث اليوم الماضي كانت حافلة و مليئة بالصدمات..
كإنهم لم يعودوا قادرين علي التحدث و أذنهم في الحالة التي لا تريد سماع أي أصوات عالية و لكنها في ظل هذه الأجواء الهادئة..قامت فالكايتري بالتحدث و هي شاردة .
"أتعلم شيئاً، فالدي؟"
"فالدي؟"
اومئت قبل أن تكمل ما يدور ببالها تحت تعابيره ذات حاجب مرفوع من اللقب خاصته الجديد..
"هذا الشعور عندما تعيش حياة تعتقد بأن كل شئ فيها مثالي..و حتي يأتيك اليوم الذي تعرف بأن أكثر شخص إعتقدت بأنه يحبك كان لا يفعل، و حياتك عبارة عن كذبة؟"
ظل صامتاً قبل أن يتقدم بجزء جسد العلوي و يستند بمرفقيه علي ركبتاه أامامها محدقاً في عيناها التي تنظر للكأس و إستكملت ما تقوله .
"لم أتوقع بأني يوم هروبي من القطيع الذي به سأجد رفيقي.."
حرك رأسه ناحية اليمين و نظراته متعمقة في وجهها، إبتسامة يأس شققت ثغرها و هي تكمل شاردة في الكأس..
"نعم..أنا مستذئبة..أي نصفي ذئب و النصف الآخر إنسان..و أنت تكون رفيقي..أي زوجي..زوجي المطلوب من العدالة."
إبتسمت بتكلف علي آخر جملة و هو لازال شارداً في ضحكتها المستخفة بالأمر و هو يلف بمشروب الويسكي في كأسه .
"لقد كان أبي..أعني كاسيوس، هذا هو إسمه، كاسوس..هو قائد القطيع، و أنا كنت إبنته..حتي أتي اليوم الذي علمت بأنه كان يكذب و إحتمال بكونه الشخص الشرير في حكاية كبيرة رفض أن يتحدث عنها، و كان كل إسبوع يحكي عن قصة حرب مختلفة، لم نكن نعلم بأنه أرادنا نابي الإستماع أو تصديق اي شئ سوي كلامه.." عيناها أصبحت زجاجية من الدموع التي تجمعت بها و لكنه لم يفعل شئ..بل تركها تخرج كل ما تكتمه في قلبها له .
"و الآن الأمور أصبحت جنونية منذ أن حكي تلك القصة ذات علاقة بتلك الحكاية الكبيرة..و التي لها صلة بأبي الحقيقي..و لكن كل شئ أتي بسرعة كبيرة، و الصدمات تلاحق بعضها كإنها في سباق مع الزمن ضدي.."
دموعها بدأت بالهطول و شهقات صغيرة تخرج
نظر للأرض ثم أعاد ظهره ليسنده علي الكرسي مرة أخري متنهداً..لا يعلم كيف يقوم بمواسيتها .
هي تبدو حزينة و محطمة و لكن مع ذلك هي صامدة في كل ما عايشوه في الساعات السابقة..
ظل يحدق في كل إنش من وجهها حتي نظرت له أخيراً بعد رشفها لآخر ما تبقي في الكأس .
"أنا بالفعل لا أفكر بأي شئ سوي بمعاناتي الآن..و لكن ما يشغلني في الافكير هو أنك كيف تتحلي بهذا الهدوء؟"
إبتلع فالديمير ريقه قبل أن يبل شفتاه و ينظر بعيداً .
"نحن حرفياً واجهنا مصاصون دماء و عجوزاً مجنوناً و علمت للتو بأنك زوج مستذئبة لم تراها سوي بملهي، مالذي سيكون أكثر جنوناً من هذا؟" زفر بقوة ليعود متقدماً بجسده و مستنداً علي كوعيه و يمسك بيداها تحت عيناها المدمعتين .
"أعتقد بأنك عليكي الخلود للنوم الآن ." وقف من مكانه و شدها لتقف معه ليقودها إلي غرفتها .
كانت سعيدة بمسكه ليدها و تشبيك أصابعهم مع بعضهم، و رائحته التي تلفحها و تشمها في كل مكان يقابلوه..برغم من المسافة قصيرة ما بين الصالة ممر الغرفتين، لكنها إستمتعت بكل لحظة مشيت بها معه .
..حتي توقف أمام باب غرفتها ليترك يدها ثم يلتفت لها بملامح تعكس كثرة التفكير الذي يملأ عقله .
"نوماً هنيئاً اذاً.." ثم تقدم قليلاً ليقف أمام باب غرفته و هي بقت مكانها تراه يتحرك إلي أن إلتفت و نظر لها و رآها تحدق به .
كانت تشم رائحته التي علقت في أنفاسها الثقيلة كالصخرة التي إستقرت علي صدرها .
لم تعلم لمَ قلبها كان يدق كالمطرقة من أثر لمسته و لكنها ايضاً لم تعلم بأنه يشعر بالمثل تماماً .
و كإن عيناهم تحكي كل شئ..كإنها أرادت أكثر من لمسة يد..
"اللعنة!" شتم تحت أنفاسه قبل أن يذهب لها..
و يصفع شفتاه بخاصتها!
بمجرد أن تقابلت شفاههم، شعروا بأن ارواحهم عادت إليهم، كإنهم إنتظروا تلك اللحظة منذ الكثير من الوقت .
هي إحتاجت الراحة و هو إحتاج الهدوء.
و لم يجدا ذلك سوي في تلك القبلة .
يده اليمني علي رقبتها و اليسري علي خصرها، قبل ان تتركه -خصرها- و تفتح باب غرفتها و يدخلوا و يركل الباب مغلقاً له ورائهم .
كان يمسكها من خصرها يدلها علي طريقها و هي ذراعاها حول رقبته، مع كل لحظة كانت القبلة تتعمق أكثر و أكثر حتي سقطت علي السرير و هو فوقها .
"إنسي كل ما كان يزعجك..فقط أحبيني الآن ."
أمسك بيداها و ثبتهم علي جانبا رأسها ليتعمقا أكثر في قبلتهم..
كانوا ليكملوا ما يفعلوا إلا أنه إبتعدت ليتقطوا أنفاسهم..
وضع جبهته علي خاضتها و تحدث بأنفاس ثقيلة مخالطة مع انفاسها.
"ليس الآن، فالديمير..ليس اليوم ."
أغمضت عيناها منتظرة منه أن يقوم بتركها و يذهب لغرفته لهدم كل ما بناه في عقله علي ما كانوا سيفعلونه و لكنه إحتضنها و دفن رأسه في رقبتها..
"كما تريدين، كايتري.." تحدث ملامساً جلد رقبتها و تنفسه يلامسها..
"أنت لم تنزعج؟" إبتلعت ريقها بقلق و لكنه هز رأسه و أنفه يلامس جلدها..
إبتسمت براحة محدقة في السقف و هي تحضتنه و تسند رأسها علي خاصته..
فالديمير بشري..أو هذا ما نعتقده فقط .
بالرغم أنه من الطبيعي إنهم يقوموم بتلك الأمور عندما علمهم بأنهم رفقاء..
و لكن في حالة فالديمير، هم يأخذون الأمور بسرعة..
"أتعلمين؟..انا لم أعلم يوماً بأني سأعجب بأحداً لهذه الدرجة..لم أخطط بأن هناك من ستجعل لنفسها عرشاً بداخل عقلي لم أعتقد بأنه كان موجوداً.."
إبتسامتها زادت و تجعل أناملها تلعب بخفة في شعره المجعد ليبتعد عن رقبتها و ينظر في عيناها العسليتان .
"كأني كنت متوقعاً كوكباً واحداً فقط..و أتيتي أنتي تعرضين علي مجرة كاملة في عيناكي ."
______________________________________
Коментарі