1: مريضة
وجدته يجلس على طرف فراشها يتفحص حاسوبها باهتمامٍ فأخذت نفسًا عميقًا ثم صرخت: " كونر، أيها الأحمق! لقد
أخفتني! "
التفت إليها مفزوعًا و سرعان ما انفجر ضاحكًا، رمقته بغيظٍ قبل أن تلتفت لتخرج لكنه سحبها في عناقٍ و ابتسم معتذرًا:
" أنا آسف.. اشتقت لكِ يا فتاة "
" و أنا أيضًا، لقد طال شعرك " قالت آخر جملةٍ ببعض الانزعاج و هي تقف على أطراف أصابعها لتبعده عن عينيه بينما هو قهقه قائلًا: " لم أعد وسيمًا إذًا؟ "
" ذكرني أن أقصه لك لاحقًا " قالت مراوغةً إياه قبل أن تبتعد عنه و تجلس حيث كان جالسًا قبل قليل فأسرع بانتزاع الحاسوب من بين يديها مما جعل نبرتها أكثر حدةً حين سألته: " ماذا تفعل هنا على أي حال؟ "
" لاڤيسا غاضبةٌ مني " رمقته باستغرابٍ فقال ببعض الانزعاج: " إنها زوجتي، لمَ تنسين ذلك دائمًا؟ " تجاهلت سؤاله و قرصت أنفه بخفةٍ قائلة: " و أية حمقاء تبقى غاضبةً من هذا الوجه؟ "
" إياكِ أن تفعلي ذلك مجددًا "
" ظريفٌ جدًا " قالت لإغاظته ثم قالت كي لا تعطيه فرصة الرد: " دعني أرى ما فعلته بحاسوبي "
" لا شيء، فقط كنت أريد قراءة كتاباتك الغبية لكنكِ قاطعتني "
" ليست غبيةً أيها السطحي عديم
الذوق! " اكتفى برفعٍ حاجبٍ كإجابةٍ لها لتزفر في مللٍ محاولةً إخراج ذاك الانزعاج مع زفيرها قبل أن تترك الحاسوب و تنهض متجهةً نحو المطبخ فتبعها متسائلًا في اهتمام: " ماذا تفعلين؟ "
" رايان ليس هنا، سأعد البطاطس
المقلية "
" خيانةٌ عظمى! " قال متظاهرًا بالصدمة ليسخر منها فأجابته عاقدةً ذراعيها: " إنه أحمق، إنه يمنعني من الكثير من الأطعمة و عندما أعدها يشاركني بها أو حتى يأكلها بمفرده بحجة أنه.. و أنا أقتبس.. قد يفعل أي شيء كي لا أتناول هذا الطعام المضر بالصحة! "
" و هو لم يخطئ " لكن لم يبدُ أنها سمعته.. أو أنها فقط تتجاهله لذا وقف أمامها مما أدى لاصطدامها به.
" أنا جاد، و الآن.. لتكوني فتاةً مطيعةً و لتبدلي ثيابك لأنكِ ذاهبةٌ للطبيب اليوم "
" أهذا اليوم؟ " سألت في هلعٍ ليومئ و هو يحاول كبح ابتسامته ثم يرمقها بنظرةٍ تحذيريةٍ بمجرد أن نجح في ذلك.
" لكن ماذا عن لاڤيسا؟ "
" ما بها؟ "
" أريد مصالحتكما "
" لنؤجل ذلك لوقتٍ لاحق "
" لا، سنذهب إليها "
" لاحقًا " قال و هو يدفعها بخفةٍ نحو الغرفة لكنها تابعت كلامها متجاهلةً إياه:
" و سنجلس معًا و نتناقش في هدوء "
" لاحقًا "
" و لن أترككما... "
" لاحقًا " قال مقاطعًا إياها فرمقته بنظرة انزعاج فقال بنبرةٍ تعمد أن تكون مستفزةً بعض الشيء: " إن تجاهلتني فسأفعل أنا أيضًا ذلك "
" حتى تحلا مشكلتكما للأبد " أنهت جملتها مع ابتسامةٍ حاولت استفزازه بها، و لتوها انتبهت أنها صارت أمام باب الغرفة لذا سارعت بدخولها و أغلقت الباب بقوةٍ في وجهه، أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تلقي بنفسها على السرير، هي حتى لم تهتم عندما سمعت الباب يفتح و علمت أنه لحق بها، و لم تلتفت إليه عندما جلس على حافة سريرها بل اكتفت بالتحديق بالسقف.
" ما الأمر؟ "
" لا شيء، أشعر.. بالتعب فجأةً؟ "
" أليس لديكِ أدويةٌ لأخذها؟ "
" لا أعلم، أنا لا أريدها "
" اتصلي برايان "
" لا، أستطيع تخيله الآن، جالسًا أمام مكتبٍ مرتديًا نظاراته و هو يكتب شيئًا ما بخطٍ منمقٍ و يبدو مستغرقًا جدًا في الأمر.. يبدو ظريفًا جدًا عندما يفعل ذلك فلا أفكر حتى في مقاطعته "
أصدر ضحكةً حاول أن تبدو ساخرةً فنهضت لتجلس على الفراش كذلك و قالت: " بالتفكير في الأمر.. لا أريد لزميلاته التحديق به، ربما علي الاتصال به بالفعل و تخريب المنظر عليهن "
أراد قول شيءٍ لكنها أسرعت بالنهوض لجلب هاتفها، ابتسمت عندما سمعته يلفظ اسمها على الجهة الأخرى فقالت بنبرةٍ غنائية: " إن كنت أنا ملكة فأنت ستكون ملكي "
سمعته يقهقه على الجهة الأخرى فقالت مبتسمةً و هي تعبث بخصلةٍ من شعرها الأشقر: " اشتقت لك "
" أنا أيضًا.. اسمعي، لا أريد إفساد اللحظة و لكن.. لدينا موعدٍ مع الطبيب اليوم كما أخبرتكِ سابقًا "
" لم تفعل "
" بلى فعلت "
" لكنك... "
" راين، أنتِ فقط نسيتي، سأعود باكرًا اليوم لأخذك.. ثم سيكون لدي عملٌ صغيرٌ أقوم به "
" ستتركني مجددًا "
" لبضع دقائق فقط، و بقية اليوم لنا "
" تقصد للكسل "
" حسنًا، نحن كسولان وأنت تعلمين ذلك.. آمل ألا تكوني أكلتي شيئًا لا يفترض بك في غيابي "
" بحقك، رايان! تعلم أنني لا أفعل ذلك! " قالت ببراءةٍ و قد أمكنها تخيله يرفع لها حاجبه في استخفافٍ بكلامها لتقهقه قائلةً قبل أن يعارضها: " حسنًا، أنا أفعل.. لكن ليس اليوم "
توقفت للحظةٍ ثم قالت بنبرة الابنة التي تشتكي لوالدها من شقيقها اللئيم:
" الأحمق الكبير يمنعني من ذلك " وقد استطاعت سماع صوت نقره طاولة المكتب بالقلم، عادةٌ يقوم بها عندما يفكر، و قد أزعجها بشدةٍ صمته.
" أهناك شيءٌ خاطئ؟ " سألت في شيءٍ من القلق فقال بنبرةٍ بدت في بداية الأمر غريبةً لها: " لا، لا شيء، أنا فقط مشغولٌ جدًا، علي تسليم ذاك المقال لينشر في الصحيفة غدًا.. أرسلي له تحياتي يا آيمي "
تمتمت بـ: " حسنًا " في فتورٍ قبل أن تغلق المكالمة معه، هو لا يدعوها
بـ" آيمي " إلا عند انزعاجه منها، كان نوعًا من العقاب نظرًا لإزعاجها له دائمًا بأن اسميهما متشابهان جدًا، أو نوعًا من التلميح لانزعاجه من خطأٍ ما ارتكبته.
" ربما ما كان ينبغي علي الاتصال به " لكنها لم تجد محادثها في الغرفة، و لا في المنزل كله.
.
.
" مرحبًا يا آيمي راين، أنا الطبيب آرمان، أنا طبيبك و أنا هنا لمساعدتكِ على ألا تنسي بعد الآن "
" أولًا، بما أنكِ تستخدم اسمي أرى أنه سيكون أفضل لو كنت الطبيب كودي "
" لا مشكلة، و ثانيًا؟ "
" ثانيًا، أنا فقط أنسى بعض التفاصيل الصغيرة ثم أتذكرها مجددًا، الجميع ينسون صحيح؟ ربما ليس بنفس الطريقة، لكنهم يفعلون "
" أنت محقةٌ تمامًا، لكنكِ مخطئة "
" كيف هذا؟ "
" أتعلمين أنني أراكِ كل أسبوع، و أنكِ في كل مرةٍ تقولين نفس الكلام؟ "
" ماذا؟ مستحيل! "
" إنها الحقيقة، لذا سأقول نفس ما أقوله لكِ كل مرة " سعل لينظف حلقه ثم قال بنبرةٍ رسميةٍ علميةٍ مملة: " أنا ألقي اللوم هنا على نظامكِ الغذائي السيء.. "
" لست أول من تعاني من سوء التغذية، أنا لست عارضة أزياءٍ كي أراقب طعامي بكل هذا الحرص، و بالتأكيد لست سمينة "
قاطعته في انزعاجٍ فقال محاولًا أن تكون نبرته لطيفةً قبل أن تعود لتشبه نبرته السابقة: " بالتأكيد لستِ كذلك، إنما تواجهين مشكلةً خطيرةً مع ڤيتامين ب١، تناول أي كربوهيدرات يزيد من سوء وضعك.. هذا ما يجعلك تنسين، هذا ما يجعلك تمرين بكل تلك الأشياء.. هذا ما لم يكن لديكِ أمرٌ تريدين إطلاعي عليه.. حادثٌ أو صدمةٌ ما؟ شيءٌ يزعجكِ ربما؟ لا بأس إن لم تتذكري فورًا "
" مازلت على رأيي ثم أنا أجلس كل يومٍ بين أربعة جدران، و بصراحةٍ لست مهتمةً بمغادرتهم كثيرًا، لست بحاجةٍ لذلك فلدي رايان.. لذا أشك بحدوث أيٍّ مما قلته "
" حسنًا، لكنني مازلت سأتابع حالتك، هلا أرسلتي السيد ماكارتان إلي؟ "
" إن كنتما ستتحدثان عني فتحدثا
أمامي " قالت في انزعاجٍ قبل أن تخرج لرايان الجالس خارج الغرفة ينتظرها، جلست بجواره ثم أخبرته أن يدخل متجاهلةً سؤاله عنها تمامًا.
" ماذا حدث بالضبط؟ "
" هي أكثر عدائيةً هذه المرة، لم تكن بهذا العناد المرات السابقة.. هي ليست مقتنعةً بكونها مريضة عكس المرات السابقة "
" إذًا هذه هي المشكلة؟ "
" نعم، رايان أنت تتساهل معها، لا أنكر أنها صارت أفضل بعض الشيء منذ آخر زيارةٍ لكن أن تنسى كونها مريضة سيؤثر على فاعلية العلاج، بل في الواقع يشير إلى أن حالتها ازدادت سوءً "
" أتساهل؟ و ما الذي لم أفعله؟ "
" لا أعلم، أنت تدري أكثر مني في هذا الأمر.. جربا شيئًا جديدًا، خذها لزيارة عائلتها ربما "
" لقد ماتوا، هي لا تملك أحدًا "
" ربما عليها أن تعرف أحدًا، ربما أنت لم تعد كافيًا لتشجيعها على مواصلة العلاج "
" و ماذا أفعل معها؟ "
" بدايةً لقد ذكرت جلوسها وحيدةً في المنزل، يبدو أن الأمر يزعجها قليلًا، و بالطبع لن أحدثك عن خطورة بقائها وحيدةً في المنزل فقد فعلت كثيرًا سابقًا "
" كان لدينا مدبرات منزل، و كنت أكلفهن بإبقاء أعينهن عليها في غيابي، أغلبهن لم يحتملن، قيل لي أكثر من مرةٍ أنها بدأت تخيفهن، و أحيانًا كن يتطفلن على بعض الأمور التي لا تحب راين الحديث عنها لذا كنت أضطر لطردهن "
" أوافقك أن موقفك صعب.. "
" شكرًا لك أيها طبيب آرمان "
" الممرضة ستعطيك موعد الزيارة
القادمة " قال الطبيب لرايان و هو يرافقه للخارج، وقفت آيمي على الفور عند رؤيتهما و بمجرد أن ترك الطبيب رايان حتى أسرعت إليه تتشبث بذراعه بخفةٍ و تطلب منه الإسراع، و متجاهلًا نظرات من في العيادة لخطيبته الغريبة نفذ ما قالته إلى أن وصل للمكتب حيث تجلس الممرضة قرب الباب، أبعد يد آيمي في رفقٍ بينما يمسك بيدها بيده الأخرى كي لا ترحل من دونه و بيده الحرة أشار للممرضة بأن تسرع فأعطته ورقةً أن موعد زيارتهما التالية هو الأسبوع القادم، توقف رايان ليقرأها في اهتمامٍ لكن آيمي كانت تجره معها- أو تحاول على الأقل - كاد يضحك عليها لكنه اكتفى بالخروج معها في هدوء.
" ما بالكِ اليوم؟ "
" لا أحب هذا المكان "
" حبيبتي، أحيانًا كنا نزور هذا المكان كل يومٍ في بداية مرضك و لم تكوني تتذمرين هكذا "
" أنا لست مريضة " قالت معارضةً إياه و الغضب واضحٌ في نبرتها، لم يجبها، لم يرفع نبرة صوته و يخبرها بأنها مخطئة، هذا فقط سيزيد الموقف سوءً، لكنه اكتفى بالوقوف و تأملها فقط.
" بالطبع لستِ كذلك " همس بابتسامةٍ و يداه تستقران على كتفيها ليتمكن من النظر لعينيها الخضراوين اللامعتين، بدت هادئةً للحظاتٍ قبل أن يبدو عليها الانزعاج- و إن كانت ما تزال هادئةً بعض الشيء- و سألت:
" منذ متى؟ " فاجأه سؤالها بعض الشيء.. كثيرًا في الواقع، لكنه حاول جعل قناع هدوئه يصمد أمامها قبل أن يجيبها في هدوء: " إنها بضعة أشهر قليلة فقط " دققت النظر به للحظاتٍ فقال محاولًا طمأنتها: " أنتِ فقط تظهرين أعراض بداية المرض، لا شيء خطير.. و قد لا يحدث شيءٌ أبدًا، حتى الأطباء يخطئون "
دفعت بنفسها لعناقه، كانت مشاعرها مضطربةً بشدة، كما أرادت الاعتذار، و عندما زاد تضارب مشاعرها بحثت عن أمانه، و عندما ينبض القلب بالعديد من الكلمات التي لا يمكن قولها فالعناق هو وسيلةٌ لقولها كلها دفعةً واحدة، بئس صديق لا يجيد لغة صمتك! ابتسمت له عندما شعرت بأصابعه تمر على ظهرها بلطفٍ ثم فصلت العناق ليتجها للسيارة متشابكي اليدين، بدأ بالقيادة بينما هي أسندت رأسها للمقعد في تعب، كان يراقبها من مرآة السيارة التي يتعمد دائمًا ضبطها عليها ليسترق النظر إليها، في البداية لم يرد قول شيء، لكن مرت بعقله فكرةٌ جعلته يبدأ الكلام:
" أنتِ هكذا تعطينني تلميحًا بأن غدًا سيكون يومًا شاقًا لكلينا " لم يبدُ أنها فهمت مقصده، و بصراحةٍ لم تهتم لسؤاله في تلك اللحظة، هو قالها في بادئ الأمر لأنه علم بأنها لن تفهم، بدا مترددًا بشأن جملته التالية لكنه قالها على أي حال:
" أظنني أملك فكرةً عن سبب كراهيتكِ للعيادة " بدا أنه أثار اهتمامها، لكن مجددًا.. لم تسأله، لم يكن يعلم بمَ سيجيبها لو سألت لكنه توقع سؤالها، أو أرادها أن تفعل ذلك، بدأ القلق يبدو عليه فسأل: " أنتِ بخيرٍ يا راين؟ "
" صداعٌ لا أكثر يا عزيزي " أراد فعل شيءٍ لها لكنه لم يدرِ ما هو لذا تابع القيادة في صمتٍ قبل أن يبتسم قائلًا: " ماذا لو أحضرتُ لكِ المثلجات؟ أكانت لتشعركِ بتحسن؟ "
" ربما " قالت بابتسامةٍ بعد لحظاتٍ من الصمت فابتسم و أوقف السيارة قائلًا:
" شوكولاتة؟ "
" بالضبط " دخلا المتجر متشابكي الأيدي في سعادة.
" مثلجات الشوكولاتة للجميلة " أشار لآيمي فأومأت البائعة بابتسامةٍ بينما آيمي همست له بشيءٍ ما، فهمس لها بالمقابل: " أريد مثلجات الفستق كعينيكِ و أخرى بمذاق التوت كشفتيكِ "
" مؤسف، أحمر شفاهي بالفراولة اليوم " قالت في نبرة لؤمٍ ليقهقه، ثم أخبرت البائعة عندما لاحظت مراقبتها لهما بابتسامة: " أحضري له واحدةً بالفستق
رجاءً "
" و أظنني سأتكفل بالباقي " همست ليسمعها رايان الذي ابتسم و هو يقوم بدفع ثمن المثلجات ، و لأن البائعة أعجبت بمظهرهما اللطيف فقد أعطتهما واحدةً إضافيةً كهدية، و بعد تناول المثلجات و الكثير من الحديث و الضحك و مراقبة البائعة لهما كان من الأفضل لهما المغادرة فهما صارا الشغل الشاغل لكل زبائن المتجر.
" هيا، أخبرني كذبةً أخرى! " قالت آيمي بابتسامةٍ و قد كان رايان يخبرها قبل خروجهما من المتجر عن عمله اليوم و كم هو رائعٌ و أن مديره سعيدٌ به، لكنه ابتسم في خبثٍ و قبلها بجوار شفتيها ثم همس:
" كما ظننت، كله منكِ جميل.. صدقيني أنا على وشك أن أحب الفراولة، و الآن أخبريني إن كانت هذه كذبة "
" ماذا فعلت في حياتي لأستحقك؟ " همست آيمي لنفسها لكنه سمعها فأجابها كأنما يقترح عليها بنبرةٍ أقرب للسؤال:
" كنتِ أجملهن على الإطلاق؟ "
أشاحت ببصرها في شيءٍ من الخجل و هي تتشبث بيده عائدين للسيارة.
1
2
3
4
5
6
7
8
أخفتني! "
التفت إليها مفزوعًا و سرعان ما انفجر ضاحكًا، رمقته بغيظٍ قبل أن تلتفت لتخرج لكنه سحبها في عناقٍ و ابتسم معتذرًا:
" أنا آسف.. اشتقت لكِ يا فتاة "
" و أنا أيضًا، لقد طال شعرك " قالت آخر جملةٍ ببعض الانزعاج و هي تقف على أطراف أصابعها لتبعده عن عينيه بينما هو قهقه قائلًا: " لم أعد وسيمًا إذًا؟ "
" ذكرني أن أقصه لك لاحقًا " قالت مراوغةً إياه قبل أن تبتعد عنه و تجلس حيث كان جالسًا قبل قليل فأسرع بانتزاع الحاسوب من بين يديها مما جعل نبرتها أكثر حدةً حين سألته: " ماذا تفعل هنا على أي حال؟ "
" لاڤيسا غاضبةٌ مني " رمقته باستغرابٍ فقال ببعض الانزعاج: " إنها زوجتي، لمَ تنسين ذلك دائمًا؟ " تجاهلت سؤاله و قرصت أنفه بخفةٍ قائلة: " و أية حمقاء تبقى غاضبةً من هذا الوجه؟ "
" إياكِ أن تفعلي ذلك مجددًا "
" ظريفٌ جدًا " قالت لإغاظته ثم قالت كي لا تعطيه فرصة الرد: " دعني أرى ما فعلته بحاسوبي "
" لا شيء، فقط كنت أريد قراءة كتاباتك الغبية لكنكِ قاطعتني "
" ليست غبيةً أيها السطحي عديم
الذوق! " اكتفى برفعٍ حاجبٍ كإجابةٍ لها لتزفر في مللٍ محاولةً إخراج ذاك الانزعاج مع زفيرها قبل أن تترك الحاسوب و تنهض متجهةً نحو المطبخ فتبعها متسائلًا في اهتمام: " ماذا تفعلين؟ "
" رايان ليس هنا، سأعد البطاطس
المقلية "
" خيانةٌ عظمى! " قال متظاهرًا بالصدمة ليسخر منها فأجابته عاقدةً ذراعيها: " إنه أحمق، إنه يمنعني من الكثير من الأطعمة و عندما أعدها يشاركني بها أو حتى يأكلها بمفرده بحجة أنه.. و أنا أقتبس.. قد يفعل أي شيء كي لا أتناول هذا الطعام المضر بالصحة! "
" و هو لم يخطئ " لكن لم يبدُ أنها سمعته.. أو أنها فقط تتجاهله لذا وقف أمامها مما أدى لاصطدامها به.
" أنا جاد، و الآن.. لتكوني فتاةً مطيعةً و لتبدلي ثيابك لأنكِ ذاهبةٌ للطبيب اليوم "
" أهذا اليوم؟ " سألت في هلعٍ ليومئ و هو يحاول كبح ابتسامته ثم يرمقها بنظرةٍ تحذيريةٍ بمجرد أن نجح في ذلك.
" لكن ماذا عن لاڤيسا؟ "
" ما بها؟ "
" أريد مصالحتكما "
" لنؤجل ذلك لوقتٍ لاحق "
" لا، سنذهب إليها "
" لاحقًا " قال و هو يدفعها بخفةٍ نحو الغرفة لكنها تابعت كلامها متجاهلةً إياه:
" و سنجلس معًا و نتناقش في هدوء "
" لاحقًا "
" و لن أترككما... "
" لاحقًا " قال مقاطعًا إياها فرمقته بنظرة انزعاج فقال بنبرةٍ تعمد أن تكون مستفزةً بعض الشيء: " إن تجاهلتني فسأفعل أنا أيضًا ذلك "
" حتى تحلا مشكلتكما للأبد " أنهت جملتها مع ابتسامةٍ حاولت استفزازه بها، و لتوها انتبهت أنها صارت أمام باب الغرفة لذا سارعت بدخولها و أغلقت الباب بقوةٍ في وجهه، أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تلقي بنفسها على السرير، هي حتى لم تهتم عندما سمعت الباب يفتح و علمت أنه لحق بها، و لم تلتفت إليه عندما جلس على حافة سريرها بل اكتفت بالتحديق بالسقف.
" ما الأمر؟ "
" لا شيء، أشعر.. بالتعب فجأةً؟ "
" أليس لديكِ أدويةٌ لأخذها؟ "
" لا أعلم، أنا لا أريدها "
" اتصلي برايان "
" لا، أستطيع تخيله الآن، جالسًا أمام مكتبٍ مرتديًا نظاراته و هو يكتب شيئًا ما بخطٍ منمقٍ و يبدو مستغرقًا جدًا في الأمر.. يبدو ظريفًا جدًا عندما يفعل ذلك فلا أفكر حتى في مقاطعته "
أصدر ضحكةً حاول أن تبدو ساخرةً فنهضت لتجلس على الفراش كذلك و قالت: " بالتفكير في الأمر.. لا أريد لزميلاته التحديق به، ربما علي الاتصال به بالفعل و تخريب المنظر عليهن "
أراد قول شيءٍ لكنها أسرعت بالنهوض لجلب هاتفها، ابتسمت عندما سمعته يلفظ اسمها على الجهة الأخرى فقالت بنبرةٍ غنائية: " إن كنت أنا ملكة فأنت ستكون ملكي "
سمعته يقهقه على الجهة الأخرى فقالت مبتسمةً و هي تعبث بخصلةٍ من شعرها الأشقر: " اشتقت لك "
" أنا أيضًا.. اسمعي، لا أريد إفساد اللحظة و لكن.. لدينا موعدٍ مع الطبيب اليوم كما أخبرتكِ سابقًا "
" لم تفعل "
" بلى فعلت "
" لكنك... "
" راين، أنتِ فقط نسيتي، سأعود باكرًا اليوم لأخذك.. ثم سيكون لدي عملٌ صغيرٌ أقوم به "
" ستتركني مجددًا "
" لبضع دقائق فقط، و بقية اليوم لنا "
" تقصد للكسل "
" حسنًا، نحن كسولان وأنت تعلمين ذلك.. آمل ألا تكوني أكلتي شيئًا لا يفترض بك في غيابي "
" بحقك، رايان! تعلم أنني لا أفعل ذلك! " قالت ببراءةٍ و قد أمكنها تخيله يرفع لها حاجبه في استخفافٍ بكلامها لتقهقه قائلةً قبل أن يعارضها: " حسنًا، أنا أفعل.. لكن ليس اليوم "
توقفت للحظةٍ ثم قالت بنبرة الابنة التي تشتكي لوالدها من شقيقها اللئيم:
" الأحمق الكبير يمنعني من ذلك " وقد استطاعت سماع صوت نقره طاولة المكتب بالقلم، عادةٌ يقوم بها عندما يفكر، و قد أزعجها بشدةٍ صمته.
" أهناك شيءٌ خاطئ؟ " سألت في شيءٍ من القلق فقال بنبرةٍ بدت في بداية الأمر غريبةً لها: " لا، لا شيء، أنا فقط مشغولٌ جدًا، علي تسليم ذاك المقال لينشر في الصحيفة غدًا.. أرسلي له تحياتي يا آيمي "
تمتمت بـ: " حسنًا " في فتورٍ قبل أن تغلق المكالمة معه، هو لا يدعوها
بـ" آيمي " إلا عند انزعاجه منها، كان نوعًا من العقاب نظرًا لإزعاجها له دائمًا بأن اسميهما متشابهان جدًا، أو نوعًا من التلميح لانزعاجه من خطأٍ ما ارتكبته.
" ربما ما كان ينبغي علي الاتصال به " لكنها لم تجد محادثها في الغرفة، و لا في المنزل كله.
.
.
" مرحبًا يا آيمي راين، أنا الطبيب آرمان، أنا طبيبك و أنا هنا لمساعدتكِ على ألا تنسي بعد الآن "
" أولًا، بما أنكِ تستخدم اسمي أرى أنه سيكون أفضل لو كنت الطبيب كودي "
" لا مشكلة، و ثانيًا؟ "
" ثانيًا، أنا فقط أنسى بعض التفاصيل الصغيرة ثم أتذكرها مجددًا، الجميع ينسون صحيح؟ ربما ليس بنفس الطريقة، لكنهم يفعلون "
" أنت محقةٌ تمامًا، لكنكِ مخطئة "
" كيف هذا؟ "
" أتعلمين أنني أراكِ كل أسبوع، و أنكِ في كل مرةٍ تقولين نفس الكلام؟ "
" ماذا؟ مستحيل! "
" إنها الحقيقة، لذا سأقول نفس ما أقوله لكِ كل مرة " سعل لينظف حلقه ثم قال بنبرةٍ رسميةٍ علميةٍ مملة: " أنا ألقي اللوم هنا على نظامكِ الغذائي السيء.. "
" لست أول من تعاني من سوء التغذية، أنا لست عارضة أزياءٍ كي أراقب طعامي بكل هذا الحرص، و بالتأكيد لست سمينة "
قاطعته في انزعاجٍ فقال محاولًا أن تكون نبرته لطيفةً قبل أن تعود لتشبه نبرته السابقة: " بالتأكيد لستِ كذلك، إنما تواجهين مشكلةً خطيرةً مع ڤيتامين ب١، تناول أي كربوهيدرات يزيد من سوء وضعك.. هذا ما يجعلك تنسين، هذا ما يجعلك تمرين بكل تلك الأشياء.. هذا ما لم يكن لديكِ أمرٌ تريدين إطلاعي عليه.. حادثٌ أو صدمةٌ ما؟ شيءٌ يزعجكِ ربما؟ لا بأس إن لم تتذكري فورًا "
" مازلت على رأيي ثم أنا أجلس كل يومٍ بين أربعة جدران، و بصراحةٍ لست مهتمةً بمغادرتهم كثيرًا، لست بحاجةٍ لذلك فلدي رايان.. لذا أشك بحدوث أيٍّ مما قلته "
" حسنًا، لكنني مازلت سأتابع حالتك، هلا أرسلتي السيد ماكارتان إلي؟ "
" إن كنتما ستتحدثان عني فتحدثا
أمامي " قالت في انزعاجٍ قبل أن تخرج لرايان الجالس خارج الغرفة ينتظرها، جلست بجواره ثم أخبرته أن يدخل متجاهلةً سؤاله عنها تمامًا.
" ماذا حدث بالضبط؟ "
" هي أكثر عدائيةً هذه المرة، لم تكن بهذا العناد المرات السابقة.. هي ليست مقتنعةً بكونها مريضة عكس المرات السابقة "
" إذًا هذه هي المشكلة؟ "
" نعم، رايان أنت تتساهل معها، لا أنكر أنها صارت أفضل بعض الشيء منذ آخر زيارةٍ لكن أن تنسى كونها مريضة سيؤثر على فاعلية العلاج، بل في الواقع يشير إلى أن حالتها ازدادت سوءً "
" أتساهل؟ و ما الذي لم أفعله؟ "
" لا أعلم، أنت تدري أكثر مني في هذا الأمر.. جربا شيئًا جديدًا، خذها لزيارة عائلتها ربما "
" لقد ماتوا، هي لا تملك أحدًا "
" ربما عليها أن تعرف أحدًا، ربما أنت لم تعد كافيًا لتشجيعها على مواصلة العلاج "
" و ماذا أفعل معها؟ "
" بدايةً لقد ذكرت جلوسها وحيدةً في المنزل، يبدو أن الأمر يزعجها قليلًا، و بالطبع لن أحدثك عن خطورة بقائها وحيدةً في المنزل فقد فعلت كثيرًا سابقًا "
" كان لدينا مدبرات منزل، و كنت أكلفهن بإبقاء أعينهن عليها في غيابي، أغلبهن لم يحتملن، قيل لي أكثر من مرةٍ أنها بدأت تخيفهن، و أحيانًا كن يتطفلن على بعض الأمور التي لا تحب راين الحديث عنها لذا كنت أضطر لطردهن "
" أوافقك أن موقفك صعب.. "
" شكرًا لك أيها طبيب آرمان "
" الممرضة ستعطيك موعد الزيارة
القادمة " قال الطبيب لرايان و هو يرافقه للخارج، وقفت آيمي على الفور عند رؤيتهما و بمجرد أن ترك الطبيب رايان حتى أسرعت إليه تتشبث بذراعه بخفةٍ و تطلب منه الإسراع، و متجاهلًا نظرات من في العيادة لخطيبته الغريبة نفذ ما قالته إلى أن وصل للمكتب حيث تجلس الممرضة قرب الباب، أبعد يد آيمي في رفقٍ بينما يمسك بيدها بيده الأخرى كي لا ترحل من دونه و بيده الحرة أشار للممرضة بأن تسرع فأعطته ورقةً أن موعد زيارتهما التالية هو الأسبوع القادم، توقف رايان ليقرأها في اهتمامٍ لكن آيمي كانت تجره معها- أو تحاول على الأقل - كاد يضحك عليها لكنه اكتفى بالخروج معها في هدوء.
" ما بالكِ اليوم؟ "
" لا أحب هذا المكان "
" حبيبتي، أحيانًا كنا نزور هذا المكان كل يومٍ في بداية مرضك و لم تكوني تتذمرين هكذا "
" أنا لست مريضة " قالت معارضةً إياه و الغضب واضحٌ في نبرتها، لم يجبها، لم يرفع نبرة صوته و يخبرها بأنها مخطئة، هذا فقط سيزيد الموقف سوءً، لكنه اكتفى بالوقوف و تأملها فقط.
" بالطبع لستِ كذلك " همس بابتسامةٍ و يداه تستقران على كتفيها ليتمكن من النظر لعينيها الخضراوين اللامعتين، بدت هادئةً للحظاتٍ قبل أن يبدو عليها الانزعاج- و إن كانت ما تزال هادئةً بعض الشيء- و سألت:
" منذ متى؟ " فاجأه سؤالها بعض الشيء.. كثيرًا في الواقع، لكنه حاول جعل قناع هدوئه يصمد أمامها قبل أن يجيبها في هدوء: " إنها بضعة أشهر قليلة فقط " دققت النظر به للحظاتٍ فقال محاولًا طمأنتها: " أنتِ فقط تظهرين أعراض بداية المرض، لا شيء خطير.. و قد لا يحدث شيءٌ أبدًا، حتى الأطباء يخطئون "
دفعت بنفسها لعناقه، كانت مشاعرها مضطربةً بشدة، كما أرادت الاعتذار، و عندما زاد تضارب مشاعرها بحثت عن أمانه، و عندما ينبض القلب بالعديد من الكلمات التي لا يمكن قولها فالعناق هو وسيلةٌ لقولها كلها دفعةً واحدة، بئس صديق لا يجيد لغة صمتك! ابتسمت له عندما شعرت بأصابعه تمر على ظهرها بلطفٍ ثم فصلت العناق ليتجها للسيارة متشابكي اليدين، بدأ بالقيادة بينما هي أسندت رأسها للمقعد في تعب، كان يراقبها من مرآة السيارة التي يتعمد دائمًا ضبطها عليها ليسترق النظر إليها، في البداية لم يرد قول شيء، لكن مرت بعقله فكرةٌ جعلته يبدأ الكلام:
" أنتِ هكذا تعطينني تلميحًا بأن غدًا سيكون يومًا شاقًا لكلينا " لم يبدُ أنها فهمت مقصده، و بصراحةٍ لم تهتم لسؤاله في تلك اللحظة، هو قالها في بادئ الأمر لأنه علم بأنها لن تفهم، بدا مترددًا بشأن جملته التالية لكنه قالها على أي حال:
" أظنني أملك فكرةً عن سبب كراهيتكِ للعيادة " بدا أنه أثار اهتمامها، لكن مجددًا.. لم تسأله، لم يكن يعلم بمَ سيجيبها لو سألت لكنه توقع سؤالها، أو أرادها أن تفعل ذلك، بدأ القلق يبدو عليه فسأل: " أنتِ بخيرٍ يا راين؟ "
" صداعٌ لا أكثر يا عزيزي " أراد فعل شيءٍ لها لكنه لم يدرِ ما هو لذا تابع القيادة في صمتٍ قبل أن يبتسم قائلًا: " ماذا لو أحضرتُ لكِ المثلجات؟ أكانت لتشعركِ بتحسن؟ "
" ربما " قالت بابتسامةٍ بعد لحظاتٍ من الصمت فابتسم و أوقف السيارة قائلًا:
" شوكولاتة؟ "
" بالضبط " دخلا المتجر متشابكي الأيدي في سعادة.
" مثلجات الشوكولاتة للجميلة " أشار لآيمي فأومأت البائعة بابتسامةٍ بينما آيمي همست له بشيءٍ ما، فهمس لها بالمقابل: " أريد مثلجات الفستق كعينيكِ و أخرى بمذاق التوت كشفتيكِ "
" مؤسف، أحمر شفاهي بالفراولة اليوم " قالت في نبرة لؤمٍ ليقهقه، ثم أخبرت البائعة عندما لاحظت مراقبتها لهما بابتسامة: " أحضري له واحدةً بالفستق
رجاءً "
" و أظنني سأتكفل بالباقي " همست ليسمعها رايان الذي ابتسم و هو يقوم بدفع ثمن المثلجات ، و لأن البائعة أعجبت بمظهرهما اللطيف فقد أعطتهما واحدةً إضافيةً كهدية، و بعد تناول المثلجات و الكثير من الحديث و الضحك و مراقبة البائعة لهما كان من الأفضل لهما المغادرة فهما صارا الشغل الشاغل لكل زبائن المتجر.
" هيا، أخبرني كذبةً أخرى! " قالت آيمي بابتسامةٍ و قد كان رايان يخبرها قبل خروجهما من المتجر عن عمله اليوم و كم هو رائعٌ و أن مديره سعيدٌ به، لكنه ابتسم في خبثٍ و قبلها بجوار شفتيها ثم همس:
" كما ظننت، كله منكِ جميل.. صدقيني أنا على وشك أن أحب الفراولة، و الآن أخبريني إن كانت هذه كذبة "
" ماذا فعلت في حياتي لأستحقك؟ " همست آيمي لنفسها لكنه سمعها فأجابها كأنما يقترح عليها بنبرةٍ أقرب للسؤال:
" كنتِ أجملهن على الإطلاق؟ "
أشاحت ببصرها في شيءٍ من الخجل و هي تتشبث بيده عائدين للسيارة.
1
2
3
4
5
6
7
8
Коментарі