4: ليس كل مطرٍ خيرًا
" ألن تأكلي شيئًا؟ "
" لا " أجابت آيمي بمللٍ و هي منهمكةٌ بالكتابة على حاسوبها، لقد ظلت نائمةً ليومٍ كاملٍ و استيقظت فقط مساء أمس، بالكاد كانت تذكر أي شيءٍ سوى أنها لسببٍ ما غاضبةٌ من رايان، و إن لم يكن هذا طبيعيًا كليًا فأتمنى أنكم لم تتوقعوا أن يواصلوا حياتهم التي تشبه نهايات قصص الأطفال، " بسعادةٍ للأبد " كما يسمونها، و التي ما هي سوى هراءٍ لإسعاد الأطفال، قد ترضي براءتنا في طفولتنا لكنها لا ترضيني و قد صرت أعلم أن الحياة مغامرةٌ ليست بسهلة بقدر ما هي مثيرة، و مغامرتنا لا تنتهي فلا وجود للنهايات في الحياة و لو حتى بالموت.. كلها محطات توقف أو انتقالٍ في حياتنا لا أكثر، و لأننا كائنات متشائمةٌ بطبعها فقد أطلقنا عليها " نهاية "
أعاد رايان شعره للخلف في نفاذ صبرٍ و هو يزفر بقوة، لقد أدرك بالفعل أنه تمادى في غضبه منها سابقًا لكن تبادلهما الأدوار لن يحل المشكلة، تجمد في مكانه للحظةٍ عندما تذكر شيئًا ثم قال:
" لقد ألغيت موعد الغد مع طبيبك، أعلم كم تكرهين الذهاب " همهمت آيمي كإجابةٍ و عيناها لا تفارقان شاشة الحاسوب، هي لا تعرف سبب غضبها لكنها تعرف أنه أمرٌ كبير.. لدرجةٍ أنها تريد الابتعاد عن ذاك المنزل في أقرب فرصة، لا يعقل أن يحدث كل ذلك لأنه نسي أن يقول لها " صباح الخير " أو لأنه وضع لها بعض السكر الزائد في الشاي بالتأكيد.
" و في الواقع إن كنتي لا تريدين الذهاب إليه مجددًا فأنا لا أمانع "
قال بنبرةٍ أقرب للرجاء و قد آلمه الفتور في نبرتها، تلك النبرة آلمتها أيضًا، أرادت معانقته و مصالحته في تلك اللحظة أكثر من أي شيءٍ آخر.. لكنها فقط لم تستطع، لم تعد تستطيع فعل ذلك بعد الآن، كانت تملك ذاك الشعور المجنون بأن شيئًا ليس صائبًا، خوفٌ غير مبررٍ بينما هي تسير وسط الفوضى، و كرد فعلٍ قررت الخروج من المنزل، من دون رايان و لا حتى غيره، قد تعود مساءً.. و قد لا تفعل، لكنها لم تحتج للكثير من التفكير لتتيقن صحة قرارها.
" أعددت لكِ الشاي كما تحبين "
" رائع " همست بهدوءٍ على غير عادتها لكن تلك الابتسامة التي ارتسمت على شفتيها للحظةٍ أو اثنتين كانت مؤشرًا جيدًا، و إن كان وقتهما الصباحي انتهى.
" لقد تأخرت، أنا ذاهب للعمل " قال بهدوءٍ فحولت نظرها إليه للحظاتٍ ثم أومأت له، استدار ليرحل لكنه توقف ليسمعها قبل رحيله:
" فترةٌ و ستمر يا رايان "
" لا أصدق! أنتِ بخير! أنتِ بخير! " شعرت بكونر يعانقها من الخلف و هو يهمس بتلك الكلمات في سعادةٍ بالغة.
" لم أقتلكِ " اتسعت عيناها عند سماعها لتلك الجملة، و أيضًا خف إحكام عناقه لها و يبدو أنه أدرك الخطأ الذي تفوه به لكنها اختارت التجاهل كالعادة و اكتفت بإبعاد يديه عنها برفقٍ و قالت:
" و لمَ قد لا أكون كذلك؟ "
رمقها بشكٍ محاولًا معرفة إن كانت سمعته أم لا لكنه أدرك بأنه استغرق وقتًا أطول من اللازم في إجابتها فقال مسرعًا: " لا شيء! "
" حسنًا؟ " قالت بنبرةٍ أقرب للسؤال منها كإجابةٍ فزفر و قال بنبرةٍ أكثر إقناعًا:
" كنت قلقًا عليكِ فحسب "
اقتربت و هي تقف على أطراف أصابعها لتدفع جبهته بخفةٍ بإصبعها قائلةً بابتسامة ثقة : " ليس عليك فعل ذلك "
عادت للجلوس على الفراش مجددًا و الحاسوب موضوعٌ فوق ساقيها، توقفت قبل أن ترتشف من كوب الشاي و سألت في اهتمام: " كونر، أنت تملك معملًا للتحاليل و لاڤيسا تديره الآن، أليس
كذلك؟ "
" أنتِ تذكرين " همس في انبهارٍ فرمقته بنظرةٍ حادةٍ جعلته يسعل منظفًا حلقه في توترٍ ثم أجابها: " نعم، هذا صحيح "
" أيمكنهم القيام بخدمةٍ من أجلي؟ " بدا عليه التوتر للحظاتٍ ثم قال: " أظنه كان واضحًا أن لاڤيسا لا تستلطفكِ "
" واضحٌ كالشمس، أنا لست بذاك الغباء.. كان عليك أن تحرص أنها تتفهم أنني حبك الأول قبل أن تتزوجها.. لكن بجديةٍ ما شأنها بالأمر؟ إنه عمل، ليس أمرًا بيني و بينها "
" ماذا تريدين منها؟ "
" ليس من شأنك، فقط اكتب لي العنوان "
.
.
" صباح الخير يا رايان " قالت راين بهدوءٍ عندما وجدت رايان يحدق بها في تردد، لقد استيقظ كلاهما للتو، لكن أيًا منهما لا يريد النهوض.. فقط بقيا على وضعيتهما مقابلين لبعضهما البعض يبحث كلٌ منهما عن إجابةٍ لسؤالٍ مجهولٍ بعيني الآخر، تستيقظ كل يومٍ لمواجهة العالم و محاولة إقناعه بتقبلك كما أنت فيفاجئك بضربةٍ تعيدك للتظاهر بأن كل شيءٍ بخيرٍ و تزج بكِ بين الآخرين و مطلوبٌ منك ألا تتألم لقوة الضربة، يالها من حياة مجنونة تلك التي نعيشها! و كلاهما ليس مستعدًا لمواجهة العالم اليوم، ليس و عالمهما الصغير السعيد ينهار أمامهما و هما فقط عاجزين أمامه.
ربما ما زال عقلها نائمًا، ربما هي التي لم تستفق بعد، لكنها في الواقع لم تكن تفكر من الأساس عندما اقتربت و أراحت رأسها على صدره، تسمع دقات قلبه التي اضطربت من قربها.. أو ربما من المفاجأة، لم يكن ذلك مهمًا فهي مازالت مقطوعتها المفضلة، كانت تمنحها الأمل بأنه بالرغم من الصعوبات التي يواجهها حبهما فهما باقيان معًا ليحميا ذاك الحب، نكون نحن من بدأ العلاقة و نكون نحن من سننهيها، حبنا يحيا و يموت بنا، لا يمكننا حمايته من عواصف الحياة.. لكن يمكننا أن نقرر هل سيقاوم و يصبح أقوى أم أنه سيضيع رمادًا مع الرياح.
" سأعد لك الفطور، لديك مستقبلٌ باهرٌ أرفض أن أمنعك عنه "
" ماذا إن كنت لا أريده؟ "
" إذًا أنتَ كاذب، أنتَ تريد كلينا.. و لكن أنا سأكون هنا عند عودتك "
" أعلم أنكِ تحبين ذاك الأحمق يا ملكتي، لكن عليك تقبل أن من يحبك هو أنا "
عضت على شفتها بخفةٍ كي تمنع تلك الابتسامة من الظهور قبل أن تلتفت إليه قائلةً بنبرةٍ غامضة: " هيا أخبرني كذبةً أخرى! "
راقبته من نافذة المنزل و هو يبتعد بسيارته، ربما هذا فقط أحد الأوقات حين تمر العلاقة بفتورٍ ثم تعود لطبيعتها، هكذا فكرت راين ثم أعادت تذكير نفسها بأن ذلك يحدث في الأفلام فقط.
" أمي.. أعلم أنكِ تسمعينني، هلا رفعتي تلك السماعة رجاءً؟ " قالت بيأسٍ عندما لم تجب والدتها اتصالها و التي كالمعتاد تركتها للمجيب الآلي.
" وداعًا أمي " همست و هي تترك هاتفها يسقط على السرير، أرادت البكاء في تلك اللحظة، لكن لمَ البكاء؟ و ما نفع الدموع؟
سمعت الباب يفتح بالخارج فذهبت لإلقاء نظرة، وجدت رايان قد عاد من عمله.. مبكرًا، رمقها بنظرةٍ متفحصةٍ بشكلٍ غريبٍ قبل أن يذهب لغرفتهما لوضع أغراضه في مكانها.
" عدت باكرًا؟ " قالت بنبرةٍ أقرب للسؤال فأجابها في هدوءٍ دون أن يلتفت إليها:
" شعرت بالملل "
أومأت له بحاجبين معقودين في عجبٍ من أمره ثم قالت: " لا بأس، سأحضر لنا
العشاء " همهم كإجابةٍ و هو يتجه لوضع أغراضه في الدرج المخصص لها، انتفضت عندما شعرت بيدين تمسكان بخصرها من الخلف قبل أن تأخذ زفيرًا و تهمس متذمرة:
" تبًا يا رايان! معي شيءٌ حادٌ هنا لذا هل لك ألا تخيفني؟ " أحكم ذراعيه حولها و هو يستند بذقنه على كتفها و همس في شرودٍ: " لا تتركيني يا راين "
للحظاتٍ نست كيف يتنفس البشر الطبيعيون و اتسعت عينها قليلًا فقط قبل أن تستعيد نفسها بسرعةٍ و تقول متداركةً الوضع:
" لن أفعل " حتى هي تعجبت من الثقة في نبرتها لكنها حاولت ترك الأمر يمر.. خاصةً و هو مازال متمسكًا بها.
" المعكرونة ستحترق يا رايان " قالت منبهةً في نبرةٍ متسائلةٍ عمَّ يريد منها، تفاجأت بزيادته لإحكام ذراعيه عليها، لكنها فقدت السيطرة على تنفسها عندما همس بنبرةٍ غاضبةٍ:
" أنتِ تكذبين! "
" ماذا؟ " سألت في توترٍ و هي تضع يديها فوق يديه محاولةٌ إبعادهما ففعل كما أرادت، لكن بمجرد استدارتها إليه أعاد محاصرتها هامسًا في نبرة هدوء ما قبل العاصفة:
" أنتِ سترحلين عني.. و أنا لا يمكنني السماح لكِ بذلك " كان النظر بعينيه أمرًا مخيفًا لكنها فعلتها بأي حالٍ على أمل أن يهدأ و لو قليلًا، لسببٍ ما كانت متأكدةً أن تصرفه ذلك تليه مصيبة! أخذت زفيرًا عندما رأت تأثيرها عليه و أبعدت يده قليلًا مما سمح لها بالكاد أن تطفئ النار على الطعام نظرًا لأنه لم يبتعد.
" لمَ تظن أنني قد أفعل ذلك؟ " كان لجملتها رد فعلٍ عكسيٍّ حيث لاذ بالصمت و بدا و كأنه يملك الكثير لقوله و لا يعلم من أين يبدأ، و كونه غاضبٌ بشدةٍ في هذه اللحظة لا يساعد، هي رأته هكذا من قبل، لا تعلم أين و لا متى، لكنها تعلم أن شجارهما انتهى نهاية فظيعة، لقد أخافها، لذا فعلت ما أملته عليها غريزة بقائها، همست معتذرةً قبل أن تصفعه بكل قوتها!
تراجع في صدمةٍ محررً إياها بينما هي لم تمهل نفسها و لا لحظةً حتى لاستيعاب ما فعلته بل ركضت بسرعةٍ لغرفتها فلو ركضت نحو الباب لأمسك بها بلا شك.
" لقد اتصلتي بوالدتكِ قبل قليل، قلتي أنكِ لن تفعلي ذلك مجددًا، قمتي بحجز غرفةٍ في فندق يا راين! "
سمعته يصيح بالخارج و كان جليًا أنه مازال مذهولًا منها، صمتت للحظاتٍ تتساءل في خوفٍ كيف عرف، و لم تستطع منع نفسها من الصياح بغضبٍ ردًا عليه:
" أتراقب بطاقة ائتماني الآن يا رايان؟ "
" فعلت ما علي فعله! " شهقت عندما وجدت أن صوته صار أقرب و بسرعةٍ فتحت النافذة و قفزت للخارج، لم يكن بالأمر الصعب لأنه منزلٌ من طابقٍ واحد، لكن تسلق النافذة أعاقها للحظاتٍ مكنتها من سماع انفتاح الباب بقوةٍ خلفها، من دون أن تتوقف لحظةً للنظر خلفها أو للتفكير بوجهتها ركضت إلى أن انتبهت أنها الآن صارت عند الباب الأمامي لمنزلهما، استدارت خلفها قبل أن تتنفس بارتياحٍ عندما لم تجده في أثرها و هي تمسح على جبينها في ألمٍ من الصداع، داهمتها فكرة أن تأخذ المال الذي يبقونه في الدرج القريب من الباب للطوارئ، على الأرجح رايان الآن قد قفز من النافذة و يبحث عنها، أخذت نفسًا عميقًا و فتحت الباب ببطءٍ كي لا تصدر أي صوت، أخذت زفيرًا في راحةٍ عندما لم تجد رايان أمامها، تسللت للداخل لتأخذ المال، ربما يمكنها الهرب لفندقٍ آخر فلا شك أن رايان يعرف موقع حجزها السابق.
التفتت في فزعٍ بسبب صوت انغلاق باب غرفتهما خلفها لتشعر بظهرها ضد الجدار الصلب و رايان يثبت يديها لمنعها من الهرب.
" رأيتي؟ ها أنتِ تؤكدين كلامي "
" لأنك تخيفني أيها الأحمق، ابتعد! "
لم يتحرك إنشًا واحدًا، في الواقع لم يبدُ أنه تأثر أو سمع حتى بما قالته، ركلته بقوةٍ و استدارت لتهرب لكنها لم تستطع سوى اتخاذ خطوةٍ واحدةٍ قبل أن يسحبها من معصمها إليه مجددًا!
" دعني يا رايان! " همست في خوفٍ و هي تحاول تنظيم أنفاسها المضطربة، لكن يده مازالت تحيط بمعصمها و كأنها تنوي تحطيم العظام هناك، أغلقت عينيها للحظةٍ و قالت ملتفتتةً إليه:
" هذا فقط يزيد الأمر سوءً، سأرحل للآن فقط لا للأبد " هُيئ لها أن قبضته خفت على معصمها قليلًا، لكن عينيها اتسعتا فجأةً قبل أن تهمس باسمه.
" رايان! " أفلتها فورًا في قلقٍ من تغير نبرتها، لكن أصابه الفزع عندما خذلتها قدماها و كادت تسقط لولا أنه لا إراديًا لف ذراعه حول خصرها ليمسكها بإحكام بينما هي كانت تمر بحالة صدمة، هي لم تستطع الشعور بساقيها! و كذلك لم تستطع استيعاب أيًا كان ما قاله رايان.
مرت دقائق و هي على هذه الحالة بينما هو فقط حائرٌ و خائف، يلتفت حوله مضطربًا بحثًا عن حلٍ لما هي فيه، شعر بيدها تحط على وجنته بخفةٍ قبل أن تغلق عينيها، ردد اسمها بضعةٍ مراتٍ في شيءٍ من القلق لكن لا رد!
.
.
كان كل شيءٌ طبيعيًا في الصباح التالي، لكنها مع ذلك تشعر بشيءٍ غريب، عثرت على رايان في المطبخ و الذي رمقها بنظرةٍ غريبةٍ للحظاتٍ قبل أن يبتسم لها و هو يعد المائدة للفطور.
" ما بكِ؟ " سأل و هو يضع الصحن الأخير عندما لاحظ أنها مازالت واقفةً في مكانها مع أمارات التعجب.
" أشعر.. لا أعلم، هذا غريب! "
" هل أنتِ بخير؟ "
" نعم، هل.. حدث شيءٌ بالأمس؟ "
" تجادلنا و حللنا الأمر كما نفعل دائمًا، ليس بالأمر الهام "
هي و رايان يختلفان كثيرًا ثم يصلحان الوضع، لا شيء غريب، لكن..
جلست إلى جواره على أحد الكراسي و أسندت مرفقيها للطاولة لتغطي وجهها بيديها، شعرت بيده تهبط برفقٍ فوق يدها و كأنه يطلب منها إبعادها عن وجهها، نفذت له ما أراد ثم نهضت و عانقته، لم تبكي كما توقع كلاهما أنها ستفعل، هي فقط احتاجت ملاذًا آمنًا.
" راين؟ "
" أنا خائفة "
" ممَ؟ "
" بل مِن مَن "
" ممن؟ " صمتت قليلًا ثم همست في توتر: " أنت" شد على عناقها دون أن يزيد بكلمة، هو مدركٌ لأن كلاهما -و خاصةً هو- تجاوز الحد تمامًا ليلة أمس، هو واثقٌ بأنه مخطئ.. لكنه لسببٍ ما فقد صوابه عندما فكر بأنها قد ترحل و تتركه، قضى ليلته كلها يتقبل تأنيب ضميره و هو يراقبها في ندم، جزءٌ منه شعر بالراحة عندما لم تتذكر ما حدث، لكن هذا أيضًا يعني بأنه لن يتمكن من تعويض الأمر لها لاحقًا، فهي لا يمكنها مسامحته على ما لا تعلم أنه فعله.
أفاق من شروده عندما شعر بأناملها تبعد خصلةً من شعره عن وجهه، و قال محاولًا ألا يتجلى الندم في نبرته: " إن كنت أشعركِ بعدم الراحة يمكنني الرحيل الآن "
" لا، لا، إن ذهبت فستخيفني أكثر، رايان، إياك أن ترحل بدوني " تعجب منها، لمَ هي تخبره بهذا؟ بل و بهذه الطريقة، لكنه همس مجاريًا إياها:
" لن أفعل أبدًا " شعر بشفتيها تلامسان الغمازة على خده الأيمن قبل أن تفصل العناق و يبدآ بتناول الفطور و كأن شيئًا لم يكن.
" ألا يمكنك أخذ عطلةٍ اليوم؟ " سألت و هي ترافقه للباب فابتسم و قال في شيءٍ من خيبة أمل: " ليس اليوم.. لكن سأحاول غدًا "
اتسعت ابتسامته عندما تسببت جملته الأخيرة في ابتسامها هي أيضًا قبل أن يتركها مكرهًا ليتجه لعمله البغيض، أخذت تتجول في المنزل بعد رحيله.. تقرأ ما كتب على الأدراج و تتأمل جدار صورهما إلى أن رن هاتفها، لم يكن أمرًا معتادًا فهي بالكاد تعرف أحدًا، لكنها أسرعت بالرد دون النظر حتى على أمل أن تكون والدتها أو كونر.
" أهلًا يا آيمي " أجابها صوت لاڤيسا من الجهة الأخرى، شعرت بشيءٍ من خيبة الأمل، و بينما كانت لاڤيسا تحاول أن تبدو نبرتها أقل حدةً و كراهيةً، هي شعرت بالحاجة لقول شيء.. لكنها لم تعلم ما هو، كانت راين تحاول تذكر ما طلبته من لاڤيسا و الذي على الأرجح هو سبب اتصالها، و قد تذكرت فورًا عندما قالت لاڤيسا:
" التحليل يظهر أمرًا غريبًا جدًا، الشاي الخاص بكِ يحتوي على نسبةٍ ليست بالقليلة من الليثيوم "
و لو كانت لاڤيسا قد صفعتها لكان الأمر أهون لها، همست شاكرةً بنبرةٍ لم تستطع إخفاء التوتر بها لتنهي تلك المكالمة المشئومة ثم همست لنفسها:
" هو يبقيني مريضة! "
1
2
3
4
5
6
7
8
" لا " أجابت آيمي بمللٍ و هي منهمكةٌ بالكتابة على حاسوبها، لقد ظلت نائمةً ليومٍ كاملٍ و استيقظت فقط مساء أمس، بالكاد كانت تذكر أي شيءٍ سوى أنها لسببٍ ما غاضبةٌ من رايان، و إن لم يكن هذا طبيعيًا كليًا فأتمنى أنكم لم تتوقعوا أن يواصلوا حياتهم التي تشبه نهايات قصص الأطفال، " بسعادةٍ للأبد " كما يسمونها، و التي ما هي سوى هراءٍ لإسعاد الأطفال، قد ترضي براءتنا في طفولتنا لكنها لا ترضيني و قد صرت أعلم أن الحياة مغامرةٌ ليست بسهلة بقدر ما هي مثيرة، و مغامرتنا لا تنتهي فلا وجود للنهايات في الحياة و لو حتى بالموت.. كلها محطات توقف أو انتقالٍ في حياتنا لا أكثر، و لأننا كائنات متشائمةٌ بطبعها فقد أطلقنا عليها " نهاية "
أعاد رايان شعره للخلف في نفاذ صبرٍ و هو يزفر بقوة، لقد أدرك بالفعل أنه تمادى في غضبه منها سابقًا لكن تبادلهما الأدوار لن يحل المشكلة، تجمد في مكانه للحظةٍ عندما تذكر شيئًا ثم قال:
" لقد ألغيت موعد الغد مع طبيبك، أعلم كم تكرهين الذهاب " همهمت آيمي كإجابةٍ و عيناها لا تفارقان شاشة الحاسوب، هي لا تعرف سبب غضبها لكنها تعرف أنه أمرٌ كبير.. لدرجةٍ أنها تريد الابتعاد عن ذاك المنزل في أقرب فرصة، لا يعقل أن يحدث كل ذلك لأنه نسي أن يقول لها " صباح الخير " أو لأنه وضع لها بعض السكر الزائد في الشاي بالتأكيد.
" و في الواقع إن كنتي لا تريدين الذهاب إليه مجددًا فأنا لا أمانع "
قال بنبرةٍ أقرب للرجاء و قد آلمه الفتور في نبرتها، تلك النبرة آلمتها أيضًا، أرادت معانقته و مصالحته في تلك اللحظة أكثر من أي شيءٍ آخر.. لكنها فقط لم تستطع، لم تعد تستطيع فعل ذلك بعد الآن، كانت تملك ذاك الشعور المجنون بأن شيئًا ليس صائبًا، خوفٌ غير مبررٍ بينما هي تسير وسط الفوضى، و كرد فعلٍ قررت الخروج من المنزل، من دون رايان و لا حتى غيره، قد تعود مساءً.. و قد لا تفعل، لكنها لم تحتج للكثير من التفكير لتتيقن صحة قرارها.
" أعددت لكِ الشاي كما تحبين "
" رائع " همست بهدوءٍ على غير عادتها لكن تلك الابتسامة التي ارتسمت على شفتيها للحظةٍ أو اثنتين كانت مؤشرًا جيدًا، و إن كان وقتهما الصباحي انتهى.
" لقد تأخرت، أنا ذاهب للعمل " قال بهدوءٍ فحولت نظرها إليه للحظاتٍ ثم أومأت له، استدار ليرحل لكنه توقف ليسمعها قبل رحيله:
" فترةٌ و ستمر يا رايان "
" لا أصدق! أنتِ بخير! أنتِ بخير! " شعرت بكونر يعانقها من الخلف و هو يهمس بتلك الكلمات في سعادةٍ بالغة.
" لم أقتلكِ " اتسعت عيناها عند سماعها لتلك الجملة، و أيضًا خف إحكام عناقه لها و يبدو أنه أدرك الخطأ الذي تفوه به لكنها اختارت التجاهل كالعادة و اكتفت بإبعاد يديه عنها برفقٍ و قالت:
" و لمَ قد لا أكون كذلك؟ "
رمقها بشكٍ محاولًا معرفة إن كانت سمعته أم لا لكنه أدرك بأنه استغرق وقتًا أطول من اللازم في إجابتها فقال مسرعًا: " لا شيء! "
" حسنًا؟ " قالت بنبرةٍ أقرب للسؤال منها كإجابةٍ فزفر و قال بنبرةٍ أكثر إقناعًا:
" كنت قلقًا عليكِ فحسب "
اقتربت و هي تقف على أطراف أصابعها لتدفع جبهته بخفةٍ بإصبعها قائلةً بابتسامة ثقة : " ليس عليك فعل ذلك "
عادت للجلوس على الفراش مجددًا و الحاسوب موضوعٌ فوق ساقيها، توقفت قبل أن ترتشف من كوب الشاي و سألت في اهتمام: " كونر، أنت تملك معملًا للتحاليل و لاڤيسا تديره الآن، أليس
كذلك؟ "
" أنتِ تذكرين " همس في انبهارٍ فرمقته بنظرةٍ حادةٍ جعلته يسعل منظفًا حلقه في توترٍ ثم أجابها: " نعم، هذا صحيح "
" أيمكنهم القيام بخدمةٍ من أجلي؟ " بدا عليه التوتر للحظاتٍ ثم قال: " أظنه كان واضحًا أن لاڤيسا لا تستلطفكِ "
" واضحٌ كالشمس، أنا لست بذاك الغباء.. كان عليك أن تحرص أنها تتفهم أنني حبك الأول قبل أن تتزوجها.. لكن بجديةٍ ما شأنها بالأمر؟ إنه عمل، ليس أمرًا بيني و بينها "
" ماذا تريدين منها؟ "
" ليس من شأنك، فقط اكتب لي العنوان "
.
.
" صباح الخير يا رايان " قالت راين بهدوءٍ عندما وجدت رايان يحدق بها في تردد، لقد استيقظ كلاهما للتو، لكن أيًا منهما لا يريد النهوض.. فقط بقيا على وضعيتهما مقابلين لبعضهما البعض يبحث كلٌ منهما عن إجابةٍ لسؤالٍ مجهولٍ بعيني الآخر، تستيقظ كل يومٍ لمواجهة العالم و محاولة إقناعه بتقبلك كما أنت فيفاجئك بضربةٍ تعيدك للتظاهر بأن كل شيءٍ بخيرٍ و تزج بكِ بين الآخرين و مطلوبٌ منك ألا تتألم لقوة الضربة، يالها من حياة مجنونة تلك التي نعيشها! و كلاهما ليس مستعدًا لمواجهة العالم اليوم، ليس و عالمهما الصغير السعيد ينهار أمامهما و هما فقط عاجزين أمامه.
ربما ما زال عقلها نائمًا، ربما هي التي لم تستفق بعد، لكنها في الواقع لم تكن تفكر من الأساس عندما اقتربت و أراحت رأسها على صدره، تسمع دقات قلبه التي اضطربت من قربها.. أو ربما من المفاجأة، لم يكن ذلك مهمًا فهي مازالت مقطوعتها المفضلة، كانت تمنحها الأمل بأنه بالرغم من الصعوبات التي يواجهها حبهما فهما باقيان معًا ليحميا ذاك الحب، نكون نحن من بدأ العلاقة و نكون نحن من سننهيها، حبنا يحيا و يموت بنا، لا يمكننا حمايته من عواصف الحياة.. لكن يمكننا أن نقرر هل سيقاوم و يصبح أقوى أم أنه سيضيع رمادًا مع الرياح.
" سأعد لك الفطور، لديك مستقبلٌ باهرٌ أرفض أن أمنعك عنه "
" ماذا إن كنت لا أريده؟ "
" إذًا أنتَ كاذب، أنتَ تريد كلينا.. و لكن أنا سأكون هنا عند عودتك "
" أعلم أنكِ تحبين ذاك الأحمق يا ملكتي، لكن عليك تقبل أن من يحبك هو أنا "
عضت على شفتها بخفةٍ كي تمنع تلك الابتسامة من الظهور قبل أن تلتفت إليه قائلةً بنبرةٍ غامضة: " هيا أخبرني كذبةً أخرى! "
راقبته من نافذة المنزل و هو يبتعد بسيارته، ربما هذا فقط أحد الأوقات حين تمر العلاقة بفتورٍ ثم تعود لطبيعتها، هكذا فكرت راين ثم أعادت تذكير نفسها بأن ذلك يحدث في الأفلام فقط.
" أمي.. أعلم أنكِ تسمعينني، هلا رفعتي تلك السماعة رجاءً؟ " قالت بيأسٍ عندما لم تجب والدتها اتصالها و التي كالمعتاد تركتها للمجيب الآلي.
" وداعًا أمي " همست و هي تترك هاتفها يسقط على السرير، أرادت البكاء في تلك اللحظة، لكن لمَ البكاء؟ و ما نفع الدموع؟
سمعت الباب يفتح بالخارج فذهبت لإلقاء نظرة، وجدت رايان قد عاد من عمله.. مبكرًا، رمقها بنظرةٍ متفحصةٍ بشكلٍ غريبٍ قبل أن يذهب لغرفتهما لوضع أغراضه في مكانها.
" عدت باكرًا؟ " قالت بنبرةٍ أقرب للسؤال فأجابها في هدوءٍ دون أن يلتفت إليها:
" شعرت بالملل "
أومأت له بحاجبين معقودين في عجبٍ من أمره ثم قالت: " لا بأس، سأحضر لنا
العشاء " همهم كإجابةٍ و هو يتجه لوضع أغراضه في الدرج المخصص لها، انتفضت عندما شعرت بيدين تمسكان بخصرها من الخلف قبل أن تأخذ زفيرًا و تهمس متذمرة:
" تبًا يا رايان! معي شيءٌ حادٌ هنا لذا هل لك ألا تخيفني؟ " أحكم ذراعيه حولها و هو يستند بذقنه على كتفها و همس في شرودٍ: " لا تتركيني يا راين "
للحظاتٍ نست كيف يتنفس البشر الطبيعيون و اتسعت عينها قليلًا فقط قبل أن تستعيد نفسها بسرعةٍ و تقول متداركةً الوضع:
" لن أفعل " حتى هي تعجبت من الثقة في نبرتها لكنها حاولت ترك الأمر يمر.. خاصةً و هو مازال متمسكًا بها.
" المعكرونة ستحترق يا رايان " قالت منبهةً في نبرةٍ متسائلةٍ عمَّ يريد منها، تفاجأت بزيادته لإحكام ذراعيه عليها، لكنها فقدت السيطرة على تنفسها عندما همس بنبرةٍ غاضبةٍ:
" أنتِ تكذبين! "
" ماذا؟ " سألت في توترٍ و هي تضع يديها فوق يديه محاولةٌ إبعادهما ففعل كما أرادت، لكن بمجرد استدارتها إليه أعاد محاصرتها هامسًا في نبرة هدوء ما قبل العاصفة:
" أنتِ سترحلين عني.. و أنا لا يمكنني السماح لكِ بذلك " كان النظر بعينيه أمرًا مخيفًا لكنها فعلتها بأي حالٍ على أمل أن يهدأ و لو قليلًا، لسببٍ ما كانت متأكدةً أن تصرفه ذلك تليه مصيبة! أخذت زفيرًا عندما رأت تأثيرها عليه و أبعدت يده قليلًا مما سمح لها بالكاد أن تطفئ النار على الطعام نظرًا لأنه لم يبتعد.
" لمَ تظن أنني قد أفعل ذلك؟ " كان لجملتها رد فعلٍ عكسيٍّ حيث لاذ بالصمت و بدا و كأنه يملك الكثير لقوله و لا يعلم من أين يبدأ، و كونه غاضبٌ بشدةٍ في هذه اللحظة لا يساعد، هي رأته هكذا من قبل، لا تعلم أين و لا متى، لكنها تعلم أن شجارهما انتهى نهاية فظيعة، لقد أخافها، لذا فعلت ما أملته عليها غريزة بقائها، همست معتذرةً قبل أن تصفعه بكل قوتها!
تراجع في صدمةٍ محررً إياها بينما هي لم تمهل نفسها و لا لحظةً حتى لاستيعاب ما فعلته بل ركضت بسرعةٍ لغرفتها فلو ركضت نحو الباب لأمسك بها بلا شك.
" لقد اتصلتي بوالدتكِ قبل قليل، قلتي أنكِ لن تفعلي ذلك مجددًا، قمتي بحجز غرفةٍ في فندق يا راين! "
سمعته يصيح بالخارج و كان جليًا أنه مازال مذهولًا منها، صمتت للحظاتٍ تتساءل في خوفٍ كيف عرف، و لم تستطع منع نفسها من الصياح بغضبٍ ردًا عليه:
" أتراقب بطاقة ائتماني الآن يا رايان؟ "
" فعلت ما علي فعله! " شهقت عندما وجدت أن صوته صار أقرب و بسرعةٍ فتحت النافذة و قفزت للخارج، لم يكن بالأمر الصعب لأنه منزلٌ من طابقٍ واحد، لكن تسلق النافذة أعاقها للحظاتٍ مكنتها من سماع انفتاح الباب بقوةٍ خلفها، من دون أن تتوقف لحظةً للنظر خلفها أو للتفكير بوجهتها ركضت إلى أن انتبهت أنها الآن صارت عند الباب الأمامي لمنزلهما، استدارت خلفها قبل أن تتنفس بارتياحٍ عندما لم تجده في أثرها و هي تمسح على جبينها في ألمٍ من الصداع، داهمتها فكرة أن تأخذ المال الذي يبقونه في الدرج القريب من الباب للطوارئ، على الأرجح رايان الآن قد قفز من النافذة و يبحث عنها، أخذت نفسًا عميقًا و فتحت الباب ببطءٍ كي لا تصدر أي صوت، أخذت زفيرًا في راحةٍ عندما لم تجد رايان أمامها، تسللت للداخل لتأخذ المال، ربما يمكنها الهرب لفندقٍ آخر فلا شك أن رايان يعرف موقع حجزها السابق.
التفتت في فزعٍ بسبب صوت انغلاق باب غرفتهما خلفها لتشعر بظهرها ضد الجدار الصلب و رايان يثبت يديها لمنعها من الهرب.
" رأيتي؟ ها أنتِ تؤكدين كلامي "
" لأنك تخيفني أيها الأحمق، ابتعد! "
لم يتحرك إنشًا واحدًا، في الواقع لم يبدُ أنه تأثر أو سمع حتى بما قالته، ركلته بقوةٍ و استدارت لتهرب لكنها لم تستطع سوى اتخاذ خطوةٍ واحدةٍ قبل أن يسحبها من معصمها إليه مجددًا!
" دعني يا رايان! " همست في خوفٍ و هي تحاول تنظيم أنفاسها المضطربة، لكن يده مازالت تحيط بمعصمها و كأنها تنوي تحطيم العظام هناك، أغلقت عينيها للحظةٍ و قالت ملتفتتةً إليه:
" هذا فقط يزيد الأمر سوءً، سأرحل للآن فقط لا للأبد " هُيئ لها أن قبضته خفت على معصمها قليلًا، لكن عينيها اتسعتا فجأةً قبل أن تهمس باسمه.
" رايان! " أفلتها فورًا في قلقٍ من تغير نبرتها، لكن أصابه الفزع عندما خذلتها قدماها و كادت تسقط لولا أنه لا إراديًا لف ذراعه حول خصرها ليمسكها بإحكام بينما هي كانت تمر بحالة صدمة، هي لم تستطع الشعور بساقيها! و كذلك لم تستطع استيعاب أيًا كان ما قاله رايان.
مرت دقائق و هي على هذه الحالة بينما هو فقط حائرٌ و خائف، يلتفت حوله مضطربًا بحثًا عن حلٍ لما هي فيه، شعر بيدها تحط على وجنته بخفةٍ قبل أن تغلق عينيها، ردد اسمها بضعةٍ مراتٍ في شيءٍ من القلق لكن لا رد!
.
.
كان كل شيءٌ طبيعيًا في الصباح التالي، لكنها مع ذلك تشعر بشيءٍ غريب، عثرت على رايان في المطبخ و الذي رمقها بنظرةٍ غريبةٍ للحظاتٍ قبل أن يبتسم لها و هو يعد المائدة للفطور.
" ما بكِ؟ " سأل و هو يضع الصحن الأخير عندما لاحظ أنها مازالت واقفةً في مكانها مع أمارات التعجب.
" أشعر.. لا أعلم، هذا غريب! "
" هل أنتِ بخير؟ "
" نعم، هل.. حدث شيءٌ بالأمس؟ "
" تجادلنا و حللنا الأمر كما نفعل دائمًا، ليس بالأمر الهام "
هي و رايان يختلفان كثيرًا ثم يصلحان الوضع، لا شيء غريب، لكن..
جلست إلى جواره على أحد الكراسي و أسندت مرفقيها للطاولة لتغطي وجهها بيديها، شعرت بيده تهبط برفقٍ فوق يدها و كأنه يطلب منها إبعادها عن وجهها، نفذت له ما أراد ثم نهضت و عانقته، لم تبكي كما توقع كلاهما أنها ستفعل، هي فقط احتاجت ملاذًا آمنًا.
" راين؟ "
" أنا خائفة "
" ممَ؟ "
" بل مِن مَن "
" ممن؟ " صمتت قليلًا ثم همست في توتر: " أنت" شد على عناقها دون أن يزيد بكلمة، هو مدركٌ لأن كلاهما -و خاصةً هو- تجاوز الحد تمامًا ليلة أمس، هو واثقٌ بأنه مخطئ.. لكنه لسببٍ ما فقد صوابه عندما فكر بأنها قد ترحل و تتركه، قضى ليلته كلها يتقبل تأنيب ضميره و هو يراقبها في ندم، جزءٌ منه شعر بالراحة عندما لم تتذكر ما حدث، لكن هذا أيضًا يعني بأنه لن يتمكن من تعويض الأمر لها لاحقًا، فهي لا يمكنها مسامحته على ما لا تعلم أنه فعله.
أفاق من شروده عندما شعر بأناملها تبعد خصلةً من شعره عن وجهه، و قال محاولًا ألا يتجلى الندم في نبرته: " إن كنت أشعركِ بعدم الراحة يمكنني الرحيل الآن "
" لا، لا، إن ذهبت فستخيفني أكثر، رايان، إياك أن ترحل بدوني " تعجب منها، لمَ هي تخبره بهذا؟ بل و بهذه الطريقة، لكنه همس مجاريًا إياها:
" لن أفعل أبدًا " شعر بشفتيها تلامسان الغمازة على خده الأيمن قبل أن تفصل العناق و يبدآ بتناول الفطور و كأن شيئًا لم يكن.
" ألا يمكنك أخذ عطلةٍ اليوم؟ " سألت و هي ترافقه للباب فابتسم و قال في شيءٍ من خيبة أمل: " ليس اليوم.. لكن سأحاول غدًا "
اتسعت ابتسامته عندما تسببت جملته الأخيرة في ابتسامها هي أيضًا قبل أن يتركها مكرهًا ليتجه لعمله البغيض، أخذت تتجول في المنزل بعد رحيله.. تقرأ ما كتب على الأدراج و تتأمل جدار صورهما إلى أن رن هاتفها، لم يكن أمرًا معتادًا فهي بالكاد تعرف أحدًا، لكنها أسرعت بالرد دون النظر حتى على أمل أن تكون والدتها أو كونر.
" أهلًا يا آيمي " أجابها صوت لاڤيسا من الجهة الأخرى، شعرت بشيءٍ من خيبة الأمل، و بينما كانت لاڤيسا تحاول أن تبدو نبرتها أقل حدةً و كراهيةً، هي شعرت بالحاجة لقول شيء.. لكنها لم تعلم ما هو، كانت راين تحاول تذكر ما طلبته من لاڤيسا و الذي على الأرجح هو سبب اتصالها، و قد تذكرت فورًا عندما قالت لاڤيسا:
" التحليل يظهر أمرًا غريبًا جدًا، الشاي الخاص بكِ يحتوي على نسبةٍ ليست بالقليلة من الليثيوم "
و لو كانت لاڤيسا قد صفعتها لكان الأمر أهون لها، همست شاكرةً بنبرةٍ لم تستطع إخفاء التوتر بها لتنهي تلك المكالمة المشئومة ثم همست لنفسها:
" هو يبقيني مريضة! "
1
2
3
4
5
6
7
8
Коментарі