نبذة
مقدمة
1: مريضة
2: الأرصاد تحذر من عواصف الذاكرة
3: القناع ينزلق بعيدًا
4: ليس كل مطرٍ خيرًا
5: النهاية: كفانا عبثًا!
3: القناع ينزلق بعيدًا
شعرت بأصابعٍ باردةٍ تبعد خصلات شعرها بعيدًا عن عينيها، لكن أجفانها كانت أثقل من أن تفتح عينيها بعد، همست باسم كونر و هي تحاول فتح عينيها لكنها لم تستطع، و آخر ما شعرت به هو رحيل تلك اليد العابثة.
.
.
كانت الغرفة مظلمةً عندما استيقظت، و نظرةٌ على النافذة أخبرتها أن الليل قد فرض سطوته و نجومه على العالم، أزالت القماشة المبللة التي كانت تزعجها عن جبينها فسمعت صوت رايان يقول:

" دعيها فأنتِ مصابةٌ بالحمى "

" ليست أنا، بل دارلين " قالت لا شعوريًا فكرر اسم دارلين مستفهمًا لتشهق بقوةٍ و هي تنتفض جالسةً مما أثار قلقه، و همست في صدمة:

" لقد ماتت! "

" ماذا؟ "

" هو كان يعلم.. " قالت بنبرةٍ هستيريةٍ باكيةٍ فردد اسمها في قلق.

" راين؟ "

" هو وقف يشاهدها تموت.. " تابعت و لا يبدو بأنها سمعته فردد اسمها بصوتٍ أعلى، لكن لم يبدُ أنه نجح هذه المرة أيضًا.

" هو أرادني أن أرى ذلك، صحيح؟ "

" راين! " صاح باسمها و هو يمسك بكتفيها لتصمت و هي تراقبه بنظراتٍ تائهةٍ و أنفاسٍ غير منتظمة، سحبها في عناقٍ طويلٍ و لم يتركها تبتعد حتى تأكد أنها هدأت تمامًا.

" أنتِ فقط تتخيلين "

" لكن يا رايان... " قاطعها بوضعه إصبعه أمام شفتيها ثم نهض و أحضر لها حبة دواءٍ مع كوبٍ من الماء و قال: " يقال بأن المالك السابق لهذا المنزل لم يرد لأحدٍ شراءه من بعده فأشاع بأن فتاةً في الخامسة قتلت هنا في الحديقة الأمامية منذ ثلاثة أعوام "

" ليست إشاعة، الفتاة هي دارلين! " همست لنفسها دون أن يسمعها قبل أن تتناول الدواء منه فهمس لها: " كل شيءٍ سيكون أفضل في الصباح "

لم تستطع تصديق تلك الجملة، لكنها أومأت له على كل حالٍ قبل أن تنهض لتبدل ثيابها لثوب نومها الأبيض و تعود إليه ليناما و يده مستقرةٌ على خصرها لتقربها إليه، و لكنه لم ينم مثلها، الحبة التي تناولتها لم تكن سوى دواءٍ منوم.
.
.
بدا كصباحٍ هادئٍ و مسالمٍ آخر، ربما أهدأ من اللازم فهما لم يتحدثا أو يمزحا معًا كما اعتادا أن يفعلا فقط يأكلان في صمت، أو هو يأكل، لم تكن لدى آيمي شهيةٌ للطعام نظرًا لمرضها، هي فقط أكلت بضع لقيماتٍ كي لا تقلق رايان عليها.

" أرأيتي؟ طعامك أفضل من خاصتي، عليكِ أنتِ إعداد الفطور "

" أنت فقط تهرب من واجباتكِ يا عزيزي " قالت في خبثٍ قبل أن تترك الصمت يسود بينهما مجددًا، رأت كونر يقف خلف رايان مباشرةً و قد رفع لها هاتفه الذي كتب عليه:

" أمنا زارتكِ بالأمس، أخبريه "

" رايان؟ أريد إخبارك بأمرٍ ما "

" ما هو؟ " سأل باهتمامٍ فابتلعت ما في جوفها ثم قالت في تلكؤ: " لقد زارتني أمي بعد ذهابك للعمل بالأمس "

" ماذا؟ " سأل في صدمةٍ و قد ارتفعت نبرته بعض الشيء فقالت هي في تردد: " لقد.. أرادت مني تركك، حاولت إقناعي مجددًا "

" لمَ لم تخبريني؟ لمَ لم تتصلي بي؟ "

" أنا لا أعلم، لم أظنك ستنزعج لهذا الحد "

" لم تظني؟ أعلم أنني ما كنت لأصل يومًا لمستواكم، أتريدين العودة إليهم؟ هل تفعلين؟ "

" ما من داعٍ لهذه العصبية، لقد فقدت أعصابي عليها أصلًا "

" لكنها ستعود، اذهبي معها إذا شئتي فهذا ليس سجنًا " رددت اسمه في استنكارٍ لكنه أخذ أشياءه و خرج للعمل غاضبًا متجاهلًا نادءها له تمامًا، بقيت لدقائق لم تعلم عددها بالخارج، تفكر هل أخطأت أم لا؟ إلى أن أرهقها التفكير في ذلك فعادت للداخل، بدأت تتساءل أين و لماذا يختفي كونر لكنها لم تجده، هي أرادت سؤاله بشدةٍ عن شيءٍ ما لا تذكره!

جلست أمام التلفاز تتناول الشوكولاتة في مللٍ قبل أن تغلقه و تتجه لإحضار هاتفها، طلبت رقمًا لا تدري لمَ مازالت تذكره بعد كل هذا الوقت، و انتظرت في صبرٍ و هي تعض على أصابعها، تسأل نفسها مرارًا و تكرارًا أن تلغي المكالمة فحسب، قفزت من مكانها عندما أجابتها السيدة على الطرف الآخر.

" أمي؟ " لم تتلقَ ردًا، لكنها علمت بأنها تستمع لذا قالت في توتر: " أردت الاعتذار لكِ عما بدر مني بالأمس "

لم تكن واثقةً من أنه كان بالأمس، لكن ذلك ما أخبرها به كونر، قالت والدتها بنبرةٍ باردةٍ و غير مقنعةٍ إطلاقًا: " لقد سامحتك "

" كونر يظن بأن كلتانا مخطأتان، إنه يقول بأن رايان شخصٌ جيد "

سمعت الصوت المألوف الدال على إغلاق والدتها المكالمة بوجهها بعد ذكر اسم كونر مباشرةً.

" هل هي غاضبةٌ منك أيضًا يا كونر؟ " توقفت في مكانها للحظاتٍ و كأنها تفكر في شيءٍ ما ثم اتجهت لتبديل ثيابها، تركت ملاحظةً على طاولة المطبخ في حال عاد رايان باكرًا و تأكدت من إغلاق الباب بالمفتاح و خرجت، لم يكن مسموحًا لها بالقيادة بحسب أوامر الطبيب لذا اضطرت لأخذ سيارة أجرة.
.
.
" آيمي؟ " تساءلت لاڤيسا و هي تعبث بشعرها الأشقر في توترٍ قبل أن تسمح لها بالدخول.

" اعذريني فالمكان في حالة فوضى بعض الشيء، دايڤيد كان يلعب الكرة "

" دايڤد؟ "

" ابننا، كنت حاملًا عندما وقع الحادث " أومأت آيمي في هدوءٍ و هي تراقب الفتى الصغير الذي يحاول الوصول لصحن الكعك و الذي تأكدت أمه بأنه لن يصل إليه قبل إنهاء تناول خضرواته، هي لم تدرِ أي حادثٍ هذا، لكنها لم تهتم أيضًا للسؤال عنه.

" كونر، حسبتها طردتك " همست في استغرابٍ عندما وجدته يجلس بجوارها، فأجاب هامسًا مثلها: " لقد تسللت معكِ للتو "

لطالما انتهى الأخر بشجار كونر و لاڤيسا على أتفه الأشياء ثم تصالحهما من تلقاء ذاتهما، ربما هما فقط يحتاجان إلى دفعةٍ صغيرة.. و أيضًا هي أرادت قول شيءٍ ما، لكنها ليست متأكدةً ما هو.

" لاڤيسا، أنا لست ضيفةً لأشرب شيئًا تعالي هنا فقط سأخبركِ بشيءٍ و أرحل "

أومأت لها لاڤيسا و هي تجلس مقابلةً لهما، و قد بدت هادئةً و غير منزعجةٍ من وجود كونر، اقترب دايڤد منهما في ترددٍ و جلس بجوار كونر ممسكًا بوسادةٍ ليتمكن من تمرير كعكةٍ لوالده دون أن تنتبه والدته.

" ألا يمكنكِ زيارة كونر في وقتٍ قريب؟ إنه.. حزينٌ و وحيد، هو يحتاجك "

" دايڤد! أنت تعلم أنني هنا أليس كذلك؟ " سمعت كونر يسأل ابنه في صدمةٍ بجوارها، لم تفهم معنى كلماته لذا قررت تجاهل وجوده.

" لا أعلم، لم أزره منذ مدة "

" ألا يمكنكما حل الأمر؟ إنه منزعجٌ أيضًا لأنكِ تتجاهلينه "

" كيف تعرفين ذلك؟ "

" لأنه أخبرني "

" هو فعل؟ "

" نعم، قال بأنكِ أيضًا غاضبةٌ منه بشدةٍ، هو يريد إرضاءك لكنه لا يعلم كيف "

" توقفي عن ذلك، ما الذي تحاولين فعله؟ هو قد رحل بالفعل للأبد "

" هذا غير صحيح "

" اسمعي جيدًا، كونر رحل بلا عودة، تقبلي الأمر كما فعلت "

" لن أفعل، و هو لم و لن يرحل! "

" على كل حالٍ سأفكر في الأمر، قد يكون من الجيد لدايڤد أن يلتقي والده "

" لكنه التقاه للتو "

" آيمي أرجوكي لا تزيفي الحقائق، أنا مشغولةٌ قليلًا أيمكننا متابعة هذا الحوار لاحقًا؟ "

" إنها غاضبةٌ على كلينا الآن " سمعت همس كونر خلفها لتومئ و ترحل في غيظ، لكن لاڤيسا لم تكن أفضل حالًا منها.

" لديها الجرأة لتأتي إلى هنا! بعد ما حدث لدارلين.. و كونر؟ بل و تدعي بأنه هنا و أنه يحادثها "

" لكن يا أمي، أبي كان هنا معها فعلًا "

" ماذا قلت؟ "

" لقد رأيته، لقد أعطيته قطعة كعك "

" من أين تعرفه؟ أنتما لم تلتقيا أبدًا! "

" من صوره عند مرآتكِ يا أمي... لقد قال بأنه غاضبٌ لأنكِ تلومين آيمي على شيءٍ لم تفعله "
.
.
وجدت رايان يشاهد التلفاز في مللٍ عندما عادت للمنزل، لم يعرها اهتمامًا فبالتالي اختارت طريق الصمت أيضًا، بدأ ينقر بإصبعه على ظهر جهاز التحكم بينما هي قررت التوجه للمطبخ لإعداد العشاء في محاولةٍ لإشغال نفسها عنه، لكنه تبعها قائلًا:

" لا تظني أنني سأتجاهلك لوقتٍ طويل "

" ماذا تريد؟ "

" ماذا أريد؟ "

" نعم، أنت من فقد أعصابه على لا شيء يا رايان "

" أتسمين ذلك لا شيء؟ "

" نعم "

" ألا تعلمين أنها تريد إبعادكِ عني؟ أنها في أقرب فرصةٍ ستأخذكِ معها ربما لقارةٍ أخرى حيث لن أجدكِ أبدًا! "

" أنا لن أذهب معها! أنا تعبت من تكرار ذلك طوال هذين العامين يا رايان "

" هي لا تحتاج موافقتك، ألا ترين أنني لن أكون جيدًا كفايةً يومًا؟ الأمر الآن يعتمد على حالتكِ أنتِ، لا يمكنني تحمل جنونكِ طويلًا و هم سيأخذونكِ بعيدًا عني
بسببه "

" أنا لست مجنونة! أتظنني لا أرى تلك النظرات التي يرمقني الجميع بها و أولها ذاك الطبيب الغبي؟ تعاملك المختلف معي و تنازلك عند كل جدالٍ و لو كنتَ محقًا؟ استمرار إنكار الناس لما أقول.. و خاصةً إن تعلق بشقيقي، أنا أيضًا تعبت، لا يمكنني أن أكون مثالية كما تريدون، و أنا أعلم أنني مقصرةٌ كثيرًا.. و أنا آسفة جدًا "

ساد الصمت للحظاتٍ فجأةٍ، عضت آيمي على شفتها السفلى محاولةً ألا تبكي و همست: " ربما أنا أيضًا لست جيدةً كفاية، ماذا لو كان ذلك خطأً منذ البداية؟ "

انتزعت خاتم خطوبتها و وضعته بيده قبل أن تذهب لغرفتهما و توصد الباب، ما كان عليه فعل ذلك، ما كان عليه افتعال جدالٍ جديد، ما كان عليه الابتعاد عنها و هو أمانها، ما كان عليهم معاملتها بتلك الطريقة، و بالتأكيد ما كان عليها أن تكون بذاك الضعف، بل و أيضًا هي في بدايات الزهايمر أو الخرف أو أيًا كان ما يعالجه ذاك الطبيب، وجهت قبضتها نحو الجدار خلفها بقوة، لكن ذلك لم يكن كافيًا، سيظل الألم مرافقًا لها، ستظل تشعر بذاك النقص في ذاكرتها و لكنها ستتجاهله، هي حرفيًا بالكاد تذكر الأحداث القريبة، لكنها تدعي لتبدو طبيعية، و من الواضح أن ذلك ليس كافيًا ليكون مرحبًا بها بين الناس.

يا ترى كم من كلمةٍ جرحتها و نستها؟ كم من نظرةٍ تجاهلتها لتواصل حياتها؟ تعلم أن حالتها سيئةٌ كما يقول الطبيب لكنها ما كانت لتَصْدُقه و لو صدقته.

" كونر؟ " صدمت من وجوده أمامها فجأة، ذاكرتها ضعيفة لكنها تذكر أنها أغلقت الباب بالمفتاح.

" آيمي، بصراحة.. لقد حصلت على عملٍ خارج البلاد "

" ماذا؟ منذ متى؟ "

" منذ بعض الوقت، هذا ليس مهمًا.. حاولت إخباركِ عدة مراتٍ و لكنكِ لم.. أنتِ لم تريدي الاستماع، لكنني  راحلٌ غدًا و.. "

" متى سأراك؟ "

" لا أعلم، سيستغرق الأمر بعض الوقت "

" كونر! "

" أنا آسف، أنا راحلٌ يا آيمي " قامت بمسح دموعها بعنفٍ و وقفت مقابلةً له، لا مزيد من البكاء.

" ألهذا كنت تتصرف بغرابةٍ هذه الأيام؟ أتريد الابتعاد عني أنت أيضًا؟ لمَ تفعلون
ذلك؟ "

" لأنني ما عدت أحتمل فعل هذا بك!ِ "

" فعل ماذا؟ "

" آيمي أنا شقيقكِ و أحبك.. "

" فلتخبرني! "

" تدركين ذلك صحيح؟ " أومأت له في قلق، هي واثقةٌ بأنها لن تحب سماع ما سيقول.

" أنا علي الرحيل يا آيمي، و لن تستطيعي رؤيتي مجددًا "

" لمَ؟ " بدا فجأةً أكثر ثقةً و قال:
" لأنني... "

" اصمت! ليس هذا! " قاطعته بحدةٍ واضعةً يديها على أذنيها كي لا تسمعه، بطريقةٍ ما كانت متأكدةً أن ما ستسمعه لن يسرها على الإطلاق، بينما هو بدأ برفع صوته أكثر محاولًا جعلها تسمعه.

" إياك أن تقولها يا كونر! " قالت محذرةً في غضبٍ و إن كانت لا تدري ما الذي تتحدث عنه أصلًا مما أثار غضب كونر الذي دافع عن نفسه بشراسةٍ قائلًا:

" عليكِ تقبل الأمر.. أنا ميتٌ يا آيمي، أنا شبح! " أزالت يديها عن أذنيها فورًا، ما فائدتهما و قد فشلا في حجب كلماته عنها؟ أدرك أنه كان من الخطأ أن يغضب عليها كذلك، أن يقف ضدها مع علمه أن الجميع بالخارج ضدها كذلك، لكن صمتها بدأ يخيفه.

" آيمي؟ " ناداها و هو يلمس يدها بخفةٍ لتنتفض بقوةٍ مبعدةً يده و هي ترتجف بقوة، غطت أذنيها بقوةٍ في محاولةٍ لإيقاف صوت إطلاق النار عن التردد برأسها، بقيت هكذا للحظاتٍ قبل أن تسعل بقوةٍ ليتراجع في صدمة، هي ليست ميتة مثله و دارلين، لمَ يحدث ذلك؟

وجدت رايان فجأةً أمامها و لسببٍ ما كان مغطًا بالدماء، لكنها كانت تعلم بأنه حقيقي، همست باسمه في ضعفٍ و هي لم تعد قادرًا على الوقوف، لكنه سقط فجأةً وسط بحرٍ من الدماء، هل مات رايان أيضًا؟

اتجهت نحوه تريد مساعدته، لكنها شعرت بسائلٍ يتدفق على رأسها و بألمِ فظيعٍ يرافقه، ثم تهاوى جسدها أرضًا تمامًا كما لو أنها ماتت، مضى بعض الوقت قبل أن تصدر شهقةً من رايان و هو ينتفض مستيقظًا فجأةً و قد بدأ يسعل بقوة، لم يستوعب ما حدث فلم يحدث له شيءٌ كهذا من قبل، لكنه حاول إيقاف السعال و هو يتجه نحو جسد آيمي الساكن بجواره، حاول إيقاظها مرارًا و تكرارًا لكن لا حياة لمن ينادي! كان يرى دمًا غزيرًا على الأرض، ثم يعاود النظر فلا يجده!
1
2
3
4
5
6
7
8

© Queen MG,
книга «شظايا حلم لم يكتمل».
4: ليس كل مطرٍ خيرًا
Коментарі