وماذا بعد..
الحرب ثلاثة أحرف مضافة إلى ال التعريف
الحاء وهو المعنيّ بالحب، حبّ الدّمار، حب القسوة، حب القتل، حب الدماء.
الحب الدّمويّ الذي يخافه الكثيرون
الرّاء المعنيّة بالرّبيع بالنّسبة لعبيد القتل والدّماء، ربيع الدّمار وهو حيث يزهر الحقد في قلوب البشر، والتعرّف على نشوة جديدة لا تصل لها النّفس إلا بالقتل، بقتل مَن هو من بني جنسه، فلَم يكفيهم قتل الحيوانات بحجّة أنّها مفترسة أو مؤذية أو حتى خطرة، بل توسّعوا إلى قتل كلّ نفس لا تخدم مصالحهم
الباء المعنيّ بالبناء، أي بناء امبراطوريّات لتشكيل جيش يتغذى على الحقد بين الأمم، جيش خائن لبلاده يُزرع في أيّ أمّة مهمته تدميرها داخلياً.
قصص كثيرة هدّمتها الحروب، فهدف الحرب دائما مايكون التّدمير.
------------------------
1-ملك اذهبي افتحي الباب
2-حاضرة، أمّي هناك شاب في الخارج يريد التّحدّث معك
3-مرحباً يا خالة، اسمي نزار أنا أحد زملاء ابنك في المقرّ
2-أهلاً نزار أهلاً بني، لمَ لمْ يأتِ معك أحمد، هل كل شئ بخير؟
3- خالتي هل بإمكاننا الجلوس قليلاً؟ عليّ التّحدّث معك بشئ ضروري.
2-حسناً بني تفضل بالدخول
3- خالتي ما سوف أخبرك به سيكون صعباً، ولكن يجب أن أقوله
*يكمل نزار ويقول: أحمد لن يأتِ بعد الآن خالتي، ليس لأنه لا يريد بل لا يستطيع.
ملك أتت بسرعة بسبب صوت والدتها الصّارخ
2-ابني.... لا أنت كاذب..... ابني سيعود.... لا لن أصدق ماتقول.
*تقول الوالده بصوتها الصارخ الحزين، تحاول كتمان غصّتها لعل هذه إحدى مقالب أحمد
تقف ملك تشاهد ما يحدث غير قادرة على النّطق أو حتى السّير ولو خطوة واحدة
أخاها استشهد.
تأتي جارتهم مسرعة تدقّ الباب: ماذا يحدث هل أنتِ بخير؟
2-ذهب، ابني حبيبي ذهب، لن أراه مجدداً يا أم سامر
تقول أم أحمد وعينيها ملئهما الدّمع، رجلاها خانتاها وسقطت باكيةً على الأرض ثم تكمل: لن أراه، أخبرني أنّه سيأتي وطلب منّي طبخ المحشي له، كنت أجهّز ما أحتاجه، ولكنه لن يأت ليأكل، لن يأت ليقول لي سلمت يداك يا أم أحمد، لن يأت بعد الآن.
الجميع صامت، الصّدمة تغلّبت على الجميع، لم يعلموا ماذا يقولون لأم فقدت ابنها.
ابنها البِكر استشهد.
حلّت الصّدمة على المنطقة فهو كان كالجواهر في بريقها، لطيف وطيّب القلب، هكذا كان أحمد.
معرفة الشّبان للأمر زاد من حزن الموجودين، اطلاق الرّصاص في الجوّ بشكل عشوائي، سيّارات في كل مكان، الجميع يلبس الأسود في عزاء حبيبهم اللطيف، وصديقهم وجارهم.
انتهى اليوم على خير، عاد الجميع إلى منازلهم ماعدا أم سامر، ذهبت لتواسي أم أحمد في مصيبتها وتساعدها في الأعمال المنزلية الموجودة.
السّاعة الواحدة ليلاً ولم يرجع سامر إلى المنزل
-سارة اتصلي بسامر لقد تأخر.
سارة تتصل وسامر لا يجيب، مرة، مرتين، ثلاث
-مرحباً، سامر لمَ لم ترجع حتى الآن؟ أين أنت؟
+مرحباً، هل أنتِ أخت سامر؟
-نعم أنا أخته، من أنت؟
+أرجو منك الجلوس لكي أستطيع الشّرح لك
تجلس سارة وتنتظر أن يتكلم
+لا أعلم كيف أخبرك، ولكن سامر في المستشفى، أصابه رصاص عشوائي طائش من عزاء أحمد، حالته شبه مستقرّة، أرجو الشّفاء له
الصّدمة زارتهم مرّة أخرى، أولاً أحمد جارهم والآن أخاهم في المستشفى
سارة لم تعلم كيف توصل الخبر لذا وقفت 5دقائق كاملة في مكانها أمام العائلة تنظر للفراغ.
استغربت العائلة جمعاء تصرّف سارة ولذلك حاولوا التكلّم معها.
1-سارة هل تكلمتي مع سامر؟ متى سيأتي؟
2-يا فتاة الطعام سيبرد هل ستأكلين أم لا
3-ابنتي مابك؟ هل سامر بخير؟
استغرقت دقائق تحاول الكلام ولكن لم يخرج شئ، بدأت بالبكاء، بكاء حاد.
وقفت العائلة وذهبت باتجاه الفتاة
الوالدة لم تستطع التحرّك أحسّت بقلبها يَعتصر ألماً
استطاعت الفتاة التحدّث أخيراً: المستشفى... هو في المستشفى، بسبب... بسبب الرصاص.... الطائش
هذا خرج من فاهها مع بكائها الحاد
الأب ذهب مسرعاً الى المستشفى، سأل عن رقم الغرفة وبسرعة اتجه إليها
شاهد ابنه بذلك الوضع... مُستلقٍ على السّرير الأبيض، يده وقدمه ملفوفتان بجبيرة رصاصيّة اللون ورأسه ملفوف بشاش أحمرّ لونه بسبب النّزيف، ثلاث طلقات لا بل أربع... عندما اقترب منه والده رأى شاشاً كثيراً حول منطقة الصّدر أيضاً
دخول الطبيب أيقظ الأب من شروده
-هل هذا رصاص طائش؟ كيف يمكن لرصاص طائش أن يتسبّب بكثير من الإصابات؟
+سيّدي بحسب جهة ميلان الرّصاص الموجود في جسده، نحن تأكدّنا بأنّ الرّصاص كان طائشاً، ولكنّي يجب أن أسأل شئً ما، هل لدى ابنك أيّ أعداء؟
-لا، لا أعتقد ذلك فالجميع يحبه، لمَ تسأل هكذا سؤال؟
+سيدي، عمق الرّصاص المصاب بها المريض يختلف عن الرّصاص الناتج ان السّقوط الحرّ، والذي يكون سقوط الرّصاص بعد وصوله إلى ارتفاع معيّن في الجوّ، وبالتالي فمن الممكن أن يكون أحد قد وجّه إليه الرّصاص من مكان مرتفع، فكما قلت أنت منذ قليل، الرّصاص الطائش لا يسبب الكثير من الإصابات.
################
عزاء أحمد:
يقف الجميع بصمت في المقبرة، المكان الذي يستلقي فيه الكثير من الشّباب بسبب الحروب غير العقلانية.
وكما في كلّ جنازة يقوم شيخ ما بالدّعاء والقراءة من الكتاب السماويّ ليرتاح الميّت في قبره، فحتى ولو كان شهيداً، فالتلاوة والدّعاء خير صديق للميت في هكذا أوقات
"نأسف على رحيل أحبّتنا... الجيّد يرحل أولاً... أنتم السّابقون ونحن اللاحقون... لا نستطيع ألا نذرف الدّموع مع علمنا ما هي النهاية... الموت... نعم الموت.... نحن الفانون وأنتم الباقون... ليسعكم الله برحمته وجنّته.... انتهت حياتكم ولكن ستبقون في قلوبنا جميعاً ولن ننسى وجودكم بيننا.... أدعو الإله أن يحيطكم برحمته، ادعو لهم بالرّحمة فهم اختيار الرّحمن للمكوث في جنّاته...
###############
يمر الوقت بصمت ثقيل، كلٌّ جالس في زاويته الخاصة لابساً الأسود والأحزان بادية على وجهه؛ كسماء حالكة السّواد تمطر دموعاً غير متوقفة، الرّعد يصدو كلّ فترة والتالية، بينما الأمّ الحنون في غرفتها تبكي؛ كشلّالٍ جارٍ في غابة استوائيّة لا تصلها آثار البشر، الأب مُحيطاً زوجته مواسياً لها، مُقدِّماً كتفه لترمي عليه أوجاعها، كأنّ أوجاعه لا تؤلمه ولا تُكسر ظهره.
#############
-سيدي المحقق هل توصّلتم الى شئ؟
+في الحقيقة نعم، هذه هي الرّصاصات التي دخلت جسد ابنك، استطعنا معرفة أنّ هذا النوع غير موجود أو بطريقة أصحّ غير متوافر إلا اذا طلبته من الشخص المصدر ليصنعه لك، وقد عرفنا من أشخاص موثوقين بأن هناك بلد معيّن قد تقدّم بطلبهم ولكن لا أحد يعلم كيف دخلت بلدنا
هناك طرق كثيرة للدخول وأحدها بأن تدخل عن طريق التجارة، أي أن تكون داخل إحدى البضائع المصنوعة من نفس المعدن حتى لا يتم الكشف عنها وخاصّة أنها صغيرة وغير مملوءة بالبارود بل سميكة قليلاً كما تلاحظ.
لقد وضعنا عدداً من الأشخاص داخل غرف التحقيق وخرجوا بريئين، والآن باقٍ لنا شخص واحد اسمه أسامة الدّبور، وسنبدأ التحقيق معه بعدما يصل.
-هل قلت الدّبور؟ صديق العائلة من بيت الدّبور، هل تظنّ أنّ له علاقة بالأمر؟
+من الممكن جداً حدوث هذا، هل لدى هذه العائلة أيّ سوابق أو حركات مريبة أو شئ كهذا؟
-في الحقيقة لا أعلم، لكنّي أذكر ابنهم منذ الصغر وهو يحب تعذيب الحيوانات الأليفة وقتلها، وبحسب معرفتي فهم عائلة محافظة جداً من المستحيل أن يفعلوا شئ ما بإنسان.
+لا تقلق سنعرف عمّا قريب
###############
داخل غرفة التّحقيق يجلس شاب في ثلاثينيات عُمره أصلع الشعر ذو بشرة حنطية اللون، ولحية خفيفة حمراء، يضع يديه فوق بعضهما ويجلس مستقيم الظهر مستريحاً على الكرسي.
+مرحباً أسامة كيف حالك؟
-أهلاً بك، بخير، كيف حالك أنت؟
+بخير كما ترى، أنت تتساءل لماذا جئت إلى هنا بالتأكيد، سأشرح لك.
في هذه السّنة أنت أدخلت الى البلد خمس دفعات من البضائع صحيح؟
-صحيح، هذه تجارتي كما تعلم
+نعم أعلم، أعلم أيضاً أنّ لكم مستودع ومصنع صغير بجانبه داخل البلد صحيح؟
-صحيح، أنا وأخوتي نشترك في العمل، فكلّ منّا يعمل بشئ للمساعدة في العمل
+نعم صحيح، ذهبت إلى أخيك صاحب المصنع وقال بأنّك تطلب كلّ شهر بضاعة تقدّر ب 500مليون وتبيعها، وهذه الأوراق الثبوتية لثلاث سنوات
وأيضاً هناك أخوك صاحب المستودع يقول أنك استأجرت المصنع منه منذ خمسة شهور، على ألا يدخل إليه عدا للأشياء الضرورية الهامّة، وحسب مافهمت فأنت كنت تضع به مايزيد عن المتجر الخاص بك، ولكنك في هذه الخمسة شهور كنت تضع به بضائع كاملة، لكنها لم تكن بضائع أخاك، بل تلك التي كنت تأتي بها إلى البلد صحيح؟
-ينظر الشاب الى المحقق ويقول: صحيح
+يكمل المحقق: هل لك أن تخبرنا لماذا تدخلها إن لم تُرد أن تبيعها؟ بل بحسب عاملي النّظافة فأنت ترميهم في القمامة أو تعطيها لهم دون مقابل مع العلم أنّك تدفع الجمارك عليها
لم يعلم الشاب ماذا سيقول ولكنه يجيب: اكتشف أنها مضروبة وبذلك لا أعرضها في المتجر وأطلب من أخي تصنيع بضائع للمتجر بدلاً منها.
+ولكن أخاك قال بأنّك طلبتها هكذا، لماذا؟ هل لأنك تريد إدخال شئ إلى البلد دون معرفة السّلطات؟ أسلحة؟ أم طلقات مصنّعة خصّيصاً لعمل ما؟
-لا لم أدخل شئ الى البلد ولن أُدخل *ينظر الى المحقق بعيون قلقة تقريباً ويبعد عيناه
+أتعرف هذا الشاب؟
-نعم إنّه صديقٌ للعائلة
+ألا تريد معرفة ما حلّ به؟
-واضح من الصّورة أنّه تصاوب وهو في المستشفى، وهو حيّ كما أرى
+نعم حيّ، فأنت لم تقتله بتلك الرّصاصات كما خططت
-لم أخطط لهذا *يرفع صوته باستهجان لاستجواب المحقق
يضرب المحقق على الطاولة بقوة ويقول: لا لم تخطط ليبقى حيّاً، ماذا؟ أفشلت محاولة الرّصاصات فبدأت تقتل بالسكّين؟ أنت من قتل محمود وسمير وفضل ذاك اليوم أليس كذلك؟ أليسوا أصدقاءك أيضاً؟
-لا لم أقتل أحداً *يحاول السيطرة على أعصابه ويحاول التكلم بقليل من الهدوء، مع الارتباك الواضح في تنفسه
+لمعلوماتك كان هناك بصمات وأدلّة كافية تدينك
-لا ليس هناك أدلّة، كنت أرتدي قفازات *صمت فجأة مستوعباً ماقاله ووضع يده على فمه ناظراً للمحقق الذي يبتسم ابتسامة انتصار على العدوّ ثم بصوت عالٍ يقول: حرّاس ضعوه في الزنزانة
-لا، لا لم أقتل أحداً، هم قالوا لي لأجل مستقبل البلد، نعم قالوا لي بأنٔه عليّ قتل المؤيدين حتى ترجع البلد لأصحابها، جميلة كما في السابق دون أولئك القلائل الذين لايعرفون الله، هم قالوا لي أنا لم أفعل شئ
+أخرجوه من هنا
#################
يعود المحقق لمكتبه يأخذ نفس عميق ويزفره ببطء ثم يمسك سماعة الهاتف ويتصل مع الوالد:
+مرحباً، لقد أمسكنا به، كثيرون لا يعرفون كيفية احترام الآخرين، لا يعرفون بأن وجودنا ليس خيارنا، ولا حتى موتنا، لا ديننا ولا عائلتنا خيارنا، ومع ذلك يقودون جيوشاً للقتل ويرمون بفشلهم على الآخرين، وهناك الكثير والكثير
-شكراً لك سيدي المحقق، أرجو أن يتعلّم هؤلاء الأولاد من حربنا هذه، فمن المعيب جداً ماحدث وما يحدث بين ابناء البلد الواحد
الحاء وهو المعنيّ بالحب، حبّ الدّمار، حب القسوة، حب القتل، حب الدماء.
الحب الدّمويّ الذي يخافه الكثيرون
الرّاء المعنيّة بالرّبيع بالنّسبة لعبيد القتل والدّماء، ربيع الدّمار وهو حيث يزهر الحقد في قلوب البشر، والتعرّف على نشوة جديدة لا تصل لها النّفس إلا بالقتل، بقتل مَن هو من بني جنسه، فلَم يكفيهم قتل الحيوانات بحجّة أنّها مفترسة أو مؤذية أو حتى خطرة، بل توسّعوا إلى قتل كلّ نفس لا تخدم مصالحهم
الباء المعنيّ بالبناء، أي بناء امبراطوريّات لتشكيل جيش يتغذى على الحقد بين الأمم، جيش خائن لبلاده يُزرع في أيّ أمّة مهمته تدميرها داخلياً.
قصص كثيرة هدّمتها الحروب، فهدف الحرب دائما مايكون التّدمير.
------------------------
1-ملك اذهبي افتحي الباب
2-حاضرة، أمّي هناك شاب في الخارج يريد التّحدّث معك
3-مرحباً يا خالة، اسمي نزار أنا أحد زملاء ابنك في المقرّ
2-أهلاً نزار أهلاً بني، لمَ لمْ يأتِ معك أحمد، هل كل شئ بخير؟
3- خالتي هل بإمكاننا الجلوس قليلاً؟ عليّ التّحدّث معك بشئ ضروري.
2-حسناً بني تفضل بالدخول
3- خالتي ما سوف أخبرك به سيكون صعباً، ولكن يجب أن أقوله
*يكمل نزار ويقول: أحمد لن يأتِ بعد الآن خالتي، ليس لأنه لا يريد بل لا يستطيع.
ملك أتت بسرعة بسبب صوت والدتها الصّارخ
2-ابني.... لا أنت كاذب..... ابني سيعود.... لا لن أصدق ماتقول.
*تقول الوالده بصوتها الصارخ الحزين، تحاول كتمان غصّتها لعل هذه إحدى مقالب أحمد
تقف ملك تشاهد ما يحدث غير قادرة على النّطق أو حتى السّير ولو خطوة واحدة
أخاها استشهد.
تأتي جارتهم مسرعة تدقّ الباب: ماذا يحدث هل أنتِ بخير؟
2-ذهب، ابني حبيبي ذهب، لن أراه مجدداً يا أم سامر
تقول أم أحمد وعينيها ملئهما الدّمع، رجلاها خانتاها وسقطت باكيةً على الأرض ثم تكمل: لن أراه، أخبرني أنّه سيأتي وطلب منّي طبخ المحشي له، كنت أجهّز ما أحتاجه، ولكنه لن يأت ليأكل، لن يأت ليقول لي سلمت يداك يا أم أحمد، لن يأت بعد الآن.
الجميع صامت، الصّدمة تغلّبت على الجميع، لم يعلموا ماذا يقولون لأم فقدت ابنها.
ابنها البِكر استشهد.
حلّت الصّدمة على المنطقة فهو كان كالجواهر في بريقها، لطيف وطيّب القلب، هكذا كان أحمد.
معرفة الشّبان للأمر زاد من حزن الموجودين، اطلاق الرّصاص في الجوّ بشكل عشوائي، سيّارات في كل مكان، الجميع يلبس الأسود في عزاء حبيبهم اللطيف، وصديقهم وجارهم.
انتهى اليوم على خير، عاد الجميع إلى منازلهم ماعدا أم سامر، ذهبت لتواسي أم أحمد في مصيبتها وتساعدها في الأعمال المنزلية الموجودة.
السّاعة الواحدة ليلاً ولم يرجع سامر إلى المنزل
-سارة اتصلي بسامر لقد تأخر.
سارة تتصل وسامر لا يجيب، مرة، مرتين، ثلاث
-مرحباً، سامر لمَ لم ترجع حتى الآن؟ أين أنت؟
+مرحباً، هل أنتِ أخت سامر؟
-نعم أنا أخته، من أنت؟
+أرجو منك الجلوس لكي أستطيع الشّرح لك
تجلس سارة وتنتظر أن يتكلم
+لا أعلم كيف أخبرك، ولكن سامر في المستشفى، أصابه رصاص عشوائي طائش من عزاء أحمد، حالته شبه مستقرّة، أرجو الشّفاء له
الصّدمة زارتهم مرّة أخرى، أولاً أحمد جارهم والآن أخاهم في المستشفى
سارة لم تعلم كيف توصل الخبر لذا وقفت 5دقائق كاملة في مكانها أمام العائلة تنظر للفراغ.
استغربت العائلة جمعاء تصرّف سارة ولذلك حاولوا التكلّم معها.
1-سارة هل تكلمتي مع سامر؟ متى سيأتي؟
2-يا فتاة الطعام سيبرد هل ستأكلين أم لا
3-ابنتي مابك؟ هل سامر بخير؟
استغرقت دقائق تحاول الكلام ولكن لم يخرج شئ، بدأت بالبكاء، بكاء حاد.
وقفت العائلة وذهبت باتجاه الفتاة
الوالدة لم تستطع التحرّك أحسّت بقلبها يَعتصر ألماً
استطاعت الفتاة التحدّث أخيراً: المستشفى... هو في المستشفى، بسبب... بسبب الرصاص.... الطائش
هذا خرج من فاهها مع بكائها الحاد
الأب ذهب مسرعاً الى المستشفى، سأل عن رقم الغرفة وبسرعة اتجه إليها
شاهد ابنه بذلك الوضع... مُستلقٍ على السّرير الأبيض، يده وقدمه ملفوفتان بجبيرة رصاصيّة اللون ورأسه ملفوف بشاش أحمرّ لونه بسبب النّزيف، ثلاث طلقات لا بل أربع... عندما اقترب منه والده رأى شاشاً كثيراً حول منطقة الصّدر أيضاً
دخول الطبيب أيقظ الأب من شروده
-هل هذا رصاص طائش؟ كيف يمكن لرصاص طائش أن يتسبّب بكثير من الإصابات؟
+سيّدي بحسب جهة ميلان الرّصاص الموجود في جسده، نحن تأكدّنا بأنّ الرّصاص كان طائشاً، ولكنّي يجب أن أسأل شئً ما، هل لدى ابنك أيّ أعداء؟
-لا، لا أعتقد ذلك فالجميع يحبه، لمَ تسأل هكذا سؤال؟
+سيدي، عمق الرّصاص المصاب بها المريض يختلف عن الرّصاص الناتج ان السّقوط الحرّ، والذي يكون سقوط الرّصاص بعد وصوله إلى ارتفاع معيّن في الجوّ، وبالتالي فمن الممكن أن يكون أحد قد وجّه إليه الرّصاص من مكان مرتفع، فكما قلت أنت منذ قليل، الرّصاص الطائش لا يسبب الكثير من الإصابات.
################
عزاء أحمد:
يقف الجميع بصمت في المقبرة، المكان الذي يستلقي فيه الكثير من الشّباب بسبب الحروب غير العقلانية.
وكما في كلّ جنازة يقوم شيخ ما بالدّعاء والقراءة من الكتاب السماويّ ليرتاح الميّت في قبره، فحتى ولو كان شهيداً، فالتلاوة والدّعاء خير صديق للميت في هكذا أوقات
"نأسف على رحيل أحبّتنا... الجيّد يرحل أولاً... أنتم السّابقون ونحن اللاحقون... لا نستطيع ألا نذرف الدّموع مع علمنا ما هي النهاية... الموت... نعم الموت.... نحن الفانون وأنتم الباقون... ليسعكم الله برحمته وجنّته.... انتهت حياتكم ولكن ستبقون في قلوبنا جميعاً ولن ننسى وجودكم بيننا.... أدعو الإله أن يحيطكم برحمته، ادعو لهم بالرّحمة فهم اختيار الرّحمن للمكوث في جنّاته...
###############
يمر الوقت بصمت ثقيل، كلٌّ جالس في زاويته الخاصة لابساً الأسود والأحزان بادية على وجهه؛ كسماء حالكة السّواد تمطر دموعاً غير متوقفة، الرّعد يصدو كلّ فترة والتالية، بينما الأمّ الحنون في غرفتها تبكي؛ كشلّالٍ جارٍ في غابة استوائيّة لا تصلها آثار البشر، الأب مُحيطاً زوجته مواسياً لها، مُقدِّماً كتفه لترمي عليه أوجاعها، كأنّ أوجاعه لا تؤلمه ولا تُكسر ظهره.
#############
-سيدي المحقق هل توصّلتم الى شئ؟
+في الحقيقة نعم، هذه هي الرّصاصات التي دخلت جسد ابنك، استطعنا معرفة أنّ هذا النوع غير موجود أو بطريقة أصحّ غير متوافر إلا اذا طلبته من الشخص المصدر ليصنعه لك، وقد عرفنا من أشخاص موثوقين بأن هناك بلد معيّن قد تقدّم بطلبهم ولكن لا أحد يعلم كيف دخلت بلدنا
هناك طرق كثيرة للدخول وأحدها بأن تدخل عن طريق التجارة، أي أن تكون داخل إحدى البضائع المصنوعة من نفس المعدن حتى لا يتم الكشف عنها وخاصّة أنها صغيرة وغير مملوءة بالبارود بل سميكة قليلاً كما تلاحظ.
لقد وضعنا عدداً من الأشخاص داخل غرف التحقيق وخرجوا بريئين، والآن باقٍ لنا شخص واحد اسمه أسامة الدّبور، وسنبدأ التحقيق معه بعدما يصل.
-هل قلت الدّبور؟ صديق العائلة من بيت الدّبور، هل تظنّ أنّ له علاقة بالأمر؟
+من الممكن جداً حدوث هذا، هل لدى هذه العائلة أيّ سوابق أو حركات مريبة أو شئ كهذا؟
-في الحقيقة لا أعلم، لكنّي أذكر ابنهم منذ الصغر وهو يحب تعذيب الحيوانات الأليفة وقتلها، وبحسب معرفتي فهم عائلة محافظة جداً من المستحيل أن يفعلوا شئ ما بإنسان.
+لا تقلق سنعرف عمّا قريب
###############
داخل غرفة التّحقيق يجلس شاب في ثلاثينيات عُمره أصلع الشعر ذو بشرة حنطية اللون، ولحية خفيفة حمراء، يضع يديه فوق بعضهما ويجلس مستقيم الظهر مستريحاً على الكرسي.
+مرحباً أسامة كيف حالك؟
-أهلاً بك، بخير، كيف حالك أنت؟
+بخير كما ترى، أنت تتساءل لماذا جئت إلى هنا بالتأكيد، سأشرح لك.
في هذه السّنة أنت أدخلت الى البلد خمس دفعات من البضائع صحيح؟
-صحيح، هذه تجارتي كما تعلم
+نعم أعلم، أعلم أيضاً أنّ لكم مستودع ومصنع صغير بجانبه داخل البلد صحيح؟
-صحيح، أنا وأخوتي نشترك في العمل، فكلّ منّا يعمل بشئ للمساعدة في العمل
+نعم صحيح، ذهبت إلى أخيك صاحب المصنع وقال بأنّك تطلب كلّ شهر بضاعة تقدّر ب 500مليون وتبيعها، وهذه الأوراق الثبوتية لثلاث سنوات
وأيضاً هناك أخوك صاحب المستودع يقول أنك استأجرت المصنع منه منذ خمسة شهور، على ألا يدخل إليه عدا للأشياء الضرورية الهامّة، وحسب مافهمت فأنت كنت تضع به مايزيد عن المتجر الخاص بك، ولكنك في هذه الخمسة شهور كنت تضع به بضائع كاملة، لكنها لم تكن بضائع أخاك، بل تلك التي كنت تأتي بها إلى البلد صحيح؟
-ينظر الشاب الى المحقق ويقول: صحيح
+يكمل المحقق: هل لك أن تخبرنا لماذا تدخلها إن لم تُرد أن تبيعها؟ بل بحسب عاملي النّظافة فأنت ترميهم في القمامة أو تعطيها لهم دون مقابل مع العلم أنّك تدفع الجمارك عليها
لم يعلم الشاب ماذا سيقول ولكنه يجيب: اكتشف أنها مضروبة وبذلك لا أعرضها في المتجر وأطلب من أخي تصنيع بضائع للمتجر بدلاً منها.
+ولكن أخاك قال بأنّك طلبتها هكذا، لماذا؟ هل لأنك تريد إدخال شئ إلى البلد دون معرفة السّلطات؟ أسلحة؟ أم طلقات مصنّعة خصّيصاً لعمل ما؟
-لا لم أدخل شئ الى البلد ولن أُدخل *ينظر الى المحقق بعيون قلقة تقريباً ويبعد عيناه
+أتعرف هذا الشاب؟
-نعم إنّه صديقٌ للعائلة
+ألا تريد معرفة ما حلّ به؟
-واضح من الصّورة أنّه تصاوب وهو في المستشفى، وهو حيّ كما أرى
+نعم حيّ، فأنت لم تقتله بتلك الرّصاصات كما خططت
-لم أخطط لهذا *يرفع صوته باستهجان لاستجواب المحقق
يضرب المحقق على الطاولة بقوة ويقول: لا لم تخطط ليبقى حيّاً، ماذا؟ أفشلت محاولة الرّصاصات فبدأت تقتل بالسكّين؟ أنت من قتل محمود وسمير وفضل ذاك اليوم أليس كذلك؟ أليسوا أصدقاءك أيضاً؟
-لا لم أقتل أحداً *يحاول السيطرة على أعصابه ويحاول التكلم بقليل من الهدوء، مع الارتباك الواضح في تنفسه
+لمعلوماتك كان هناك بصمات وأدلّة كافية تدينك
-لا ليس هناك أدلّة، كنت أرتدي قفازات *صمت فجأة مستوعباً ماقاله ووضع يده على فمه ناظراً للمحقق الذي يبتسم ابتسامة انتصار على العدوّ ثم بصوت عالٍ يقول: حرّاس ضعوه في الزنزانة
-لا، لا لم أقتل أحداً، هم قالوا لي لأجل مستقبل البلد، نعم قالوا لي بأنٔه عليّ قتل المؤيدين حتى ترجع البلد لأصحابها، جميلة كما في السابق دون أولئك القلائل الذين لايعرفون الله، هم قالوا لي أنا لم أفعل شئ
+أخرجوه من هنا
#################
يعود المحقق لمكتبه يأخذ نفس عميق ويزفره ببطء ثم يمسك سماعة الهاتف ويتصل مع الوالد:
+مرحباً، لقد أمسكنا به، كثيرون لا يعرفون كيفية احترام الآخرين، لا يعرفون بأن وجودنا ليس خيارنا، ولا حتى موتنا، لا ديننا ولا عائلتنا خيارنا، ومع ذلك يقودون جيوشاً للقتل ويرمون بفشلهم على الآخرين، وهناك الكثير والكثير
-شكراً لك سيدي المحقق، أرجو أن يتعلّم هؤلاء الأولاد من حربنا هذه، فمن المعيب جداً ماحدث وما يحدث بين ابناء البلد الواحد
Коментарі