٥) قوةُ الخوف.
في عقولنا جميعاً نحفظ اموراً لا تحصى ولا تُعد ابتداءً مِن ذكرياتنا المختلفة الى الامور التي تعلمناها في المدرسة.
لكن في نفس الوقت دائماً ما يكون هنلك جزء خاص مِن ادمغتنا ، جزء مظلم و لا احد يحبه .. مقفول في غرفة خاصة بمفرده لشدة اهميته ، و هذا الجُزء قوي لدرجة انه يستطيع التحكم بِنا ... و الذي هو الخوف.
نعم .. كلمة بسيطة، و في نفس الوقت تحملُ آلاف المعاني و المستويات. مثلاً ما هو اول ما تفكر به عندما تسمع هذه الكلمة ؟
ربما قد يأتي على بالك افاعي ، حشرات ، مرتفعات ، غرق، ظلام الى آخره ...
لكن عندما تجلس مع نفسك و انت تفكر بمعنى اعمق للخوف ستجد اموراً اسوء ... و اسوء ،
بالنسبة لشخصٍ جرب اموراً كثيرة و مواقف و ذكريات غير سارّة مِثل كلاريس ستتحول هذه الغرفة المظلمة الى وحوش حقيقيين لديهم اسامي ، عندما تُذكر امامها إحدى الاسامي فقط .. يستيقظ هذا الوحش فوراً في عقلها ليهاجمها بقوة.
و هذا بالضبط ما كان يحدث لها عندما كانت واقفة عند الباب في منتصف الليل ... و معركة هوجاء كانت تحدث داخل عقلها ..
" لا تكوني جبانة و افتحيه ! تستطيعين القتال و استخدام السلاح إضافة إن لكِ سكينين ما اسوء ما قد يحدث !؟"
قالت لنفسها بينما تقف هناك تقدر كل ثانيةٍ مِن تواجدها داخل المنزل ..
فالدقائق اصبحت قصيرة جداً و الثواني تجري بسرعة كبيرة لتوترها اكثر ،
" عودي للداخل ... هنالك مهربٌ واحد. حياتكِ ليست بهذا الجمال اصلاً. "
بدأت المحادثة مع نفسها تصبح اكثر ظلاماً لتعود خطوة الى الوراء.
" لا داعي لأن نمر بهذا ، لقد تألمتِ كثيراً و هذا يكفي الا تعتقدين ؟"
فكرت بالأمر ... بل كانت على حافة اقناع نفسها بان هذا هو الصواب.
" لديكِ سكين و مسدس .. الامر يستطيع ان يكون اكثر بساطة مع القليل مِن الالم. "
اخرجت سكينها الحاد مِن دون تفكير ... عادت الى وعيها فقط عندما شعرت ببرودة السكين فوق معصمها تماماً،
" لديكِ المعصم ، القلب ، او اخرجي مسدسك فهو اسرع خاصتاً __"
رن الهاتف مقاطعاً افكارها التي سيطرت عليها بالكامل او بالاحرى 'شياطينها' .. اجابت المكالمة فوراً على امل انه غير رأيه المجنون !
" لن تخرجي ؟ استسلمتِ منذ المهمة الاولى ؟" كانت طريقة كلامه تستفزها اكثر كونه يسخر منها وهي في موقفٍ كهذا ! اي احد يراقبها كفاية سيجد ان لديها خوفاً لا يصدق مِن الاقتراب مِن الباب حتى ! ..
" ليس لك حق الكلام ، لو كُنت رجلاً كفاية لاظهرت وجهك يا جبان !"
" لا تقلقي ستريهِ في الوقت المناسب. ثم لما انتِ خائفة، تستطيعين القتال و لديكِ سلاحين ! هيا اخرجي لا تكونِ جبانة هكذا، او سافوز. "
يبدوا ان استفزازه قد نفع معها لانها اعادت السكين الى مكانه و فتحت قفل الباب ببطئ ... سحبت نفساً عميقاً لتصفي ذهنها قليلاً مِن كل تلك الافكار السلبية و التخيلات المرعبة لتخطوا اول خطوة خارج المنزل .. اغلقت الباب ورائها بيد و في يدها الثانية الهاتف ، قد تكون مجنونة تماماً لكن وجود احدٍ معها على الهاتف يعطيها بعض الأمان ..
و هكذا كانت قد وصلت اعلى مراحل جنونها في ثوانٍ ..
" انا اكرهك جداً ، انت سافل لعين ..
اتعلم ماذا !؟ لا تظهر وجهك افضل ، لانني اقسم ساطعنك و سأرمي جُثتك للكلاب حتى تموت ببطئ. "
" هذا ليس مبتكر .. فكري بشئ آخر. هيا اعطيني بعض الافكار !"
" تريد افكاراً !؟ ما رأيك ان اُقطعَ يديك و قدميك ثم ارميك مِن اعلى الجُرف !؟"
" انتِ ممتعة بل مناسبة ، عودي الى الوراء و انعطفي يساراً لقد اخذتي الاتجاه الخاطئ. "
فعلت ما قاله بتوترٍ شديد، ثم خطر على بالها سؤال ...
" كيف تراقبني !؟ .. في المنزل كاميرات فهمنا. لكن كيف تستطيع مراقبتي الآن !؟"
" لما لا تحزرين ؟"
نظرت مِن حولها في كل الاتجاهات ليقع نظرها على كاميرات المراقبة خارج المتاجر التي مِن حولها
" هل تستخدم تلك الكاميرات ؟"
نظرت لإحداها وهي تمشي
" ربما. "
تابعت المشي وهي حذرة بشدة فصحيح انها تتكلم على الهاتف لكن حواسها كلها تعمل فالتوتر و الخوف يكادان يقتلانها تقريباً ..
اما هو فاستمر باعطائها التوجيهات كلما اخطئت ، ازداد خوفها و توترها عندما لاحظت بانها لن تستطيع العودة حتى لو ارادت لانها ضاعت بالكامل !
" رائع لقد ضعت ! "
" لا تقلقي عندما تنتهي مهمتك ساعيد إرشادكِ الى منزلك. لذا انصحكِ ان تسرعي قليلاً في المشي .."
تابعت المشي مِن دون قول اي كلمة أخرى .. حتى تخيل لها بانه لم يعد على الهاتف معها لترى بان المكالمة لاتزال مستمرة ..
" لا تصمت هكذا تكلم ! " قالت بنفاذ صبر فمشاعرها الآن لا احد يستطيع فهمها .. مزيج مِن الخوف و التوتر و الرعب ، حتى انه توهم لها وجود احدٍ ورائها عدة مراة.
" ثوانٍ يا جميلة .."
" لا لاتتركني بمف__"
لا فائدة لانه اغلق الخط قبل ان تكمل جملتها ، ما ان اغلق الهاتف حتى اصابتها رعشة في جسدها .. و لا تعتقد ان هذه كانت رعشة برد.
تابعت السير الى الامام كما اخبرها سابقاً لكن خطواتها تسارعت اكثر .. اينما كانت ذاهبة فهو افضل لانها على عكس باقي البشر تشعر بالأمان في الاماكن المغلقة و تخاف في الامكان المفتوحة ، خاصتاً ان كانت هذه الاماكن هي شارعٌ فارغ نصف مظلم عند منتصف الليل ..
كانت ستموت تقريباً من رعبها هذا قبل ان ترى مجموعة مِن الرجال يقفون على جانب الطريق و هم يتكلمون بشئ ما بجدية تامة حتى مشت امامهم في منتصف الطريق ليحل صمتٌ مخيف و جميع الاعين تتوجه نحوها .. في هذه اللحظة حقاً كانت ستخرج السكين لتطعن نفسها و هي تتسائل لما تحديداً خرجت من المنزل في هذا الوقت !؟ لتلعن نفسها الف مرة ،
" هاي يا جميلة هل انتِ ضائعة ؟"
" تحتاجين لتوصيلة ؟" قال الآخر بسخرية
توقفت فجأه عن المشي ... لا تعلم لما تحديداً لكن شئ انفجر في داخلها للتو.
اقترب احدهم منها ببطئ خطوتين حتى رنت هواتفهم جميعاً ليتوقف و هو يتفحص المتصل كالجميع .. ما ان رأوا المتصل حتى عادت ملامحهم للجدية التامة
" دعها و عد الى هنا. "
استدارت هي ايضاً لمواجهتهم لتبتسم ابتسامة واثقة و اكثر نظرة قاتلة تملكها كمظهرها حالياً في منتصف الليل بملابس و شعرٍ اسود كالليل مع مسدس و سكين حول خصرها ..
" لا شكراً اعرف طريقي. "
فتحوا افواههم قليلاً و هم يتأكدون من جنونها لتكمل طريقها بخطواتٍ واثقة على عكس ما تشعر به حالياً ، و في عقلها شئ واحد ..
' ما الذي فعلته للتو بحق الجحيم !؟'
قاطع تلك الفكرة صوت الهاتف مجدداً لتجيب من دون تردد و هي تعلم من المتصل بالفعل.
" يالها مِن نظرة رائعة ، اعتقدت انكِ ستبكين لكن فاجئتيني. "
" اصمت ! ، كيف تغلق الخط في موقفٍ كهذا .. كنت تعلم انهم امامي !"
" بالطبع اعلم ، لهذا ارسلت لهم رسالة صغيرة. "
" تقصد المكالمة كانت منك !؟؟" قالت بتفاجئ و شبه صراخ
" اجل. "
" هل هم مِن رجالك، كيف سيطرت عليهم !؟"
" هذا يا صغيرتي امرٌ لن تفهميه بعد فالمسئلة معقدة ، الآن استديري لليمين عند اول منعطف يصادِفك ثم سيري للامام، ستجدين مخزناً مهجوراً .. ادخلي هناك و انتظري مكالمتي. "
اغلق الخط مجدداً في وجهها لتلعنه تحت انفاسها .. لا تعلم كم لعنة قالت منذ المغيب حتى الآن فهي لا تشتم عادةً لكن هذا اللعين يستفزها و بشدة !
انعطفت الى اليمين ليتحول المكان مِن الشارع العام الكبير و المخيف الى شارعٍ مهجورٍ تماماً ...
" رائع ، المكان المثالي لِأموت فيه. "
مشت وهمهما تحول مِن الموت الى خوف ان تعثر على جثةٍ في مكانٍ ما ،
وجدت المخزن اخيراً و الذي كان الوحيد في المنطقة، مع هذا خافت ان تدخل على ان يكون المكان الخاطئ ..
إن كان هنلك شئ واحد تكرهه كلاريس في نفسها فهو هذا التردد في فعل الأمور ، ليس فقط في تحديد المواقع ، بل حتى لا تستطيع طلب كوب قهوة في مقهى مِن دون ان تتوتر و تتلعثم في الكلام ...
و هذا امر مِن مليون شئ آخر.
قررت اخيراً الدخول لان المكان بدأ يخيفها اكثر و اكثر ... ما ان دخلت و اغلقت الباب حتى حاصرها الظلام مِن كل الاتجاهات غيرَ معطياً لها اي ذرة ضوء
اول ما خطر على بالها هو هاتفها العزيز لتشغل فوراً المصباح الآلي ،
ما ان انتشر الضوء في انحاء المكان مخففاً قليلاً مِن الرُعب حتى تفقدت اعيُنها المكان بتركيز ... و لحسن الحظ لا يبدوا ان هنلك احد.
على صدى اغنية هاتفها لتقفز مِن الخوف وهي تفتحه بسرعة ..
" اغنية جميلة .. " قال و هو يقهقه قليلاً
" اصمت ! الآن ماذا تريد ، انا على عجلة من امري . "
" لماذا !؟ للنوم ؟" قال بسخرية
" لا علاقة لك ! الآن ماذا تريد ؟"
" حسناً كما تشائين ، اذهبي الى نهاية الغرفة هل ترين ذلك الكرسي ؟"
" اجل. "
" فوقه صندوق ، خذيه و انتِ حرة بعدها. "
فعلت ما قاله لتأخذ علبة معدنية متوسطة الحجم.
" ماذا في داخلها ؟"
" افتحيها في غرفتك ، و ستعلمين..."
تحركت يدها الثانية لفتح الخزنة لكن صوته اوقفها فوراً ..
" قُلت في غرفتك! لا تجربيني. "
" تباً لك ، الآن اعدني لمنزلي !"
.
.
اعاد ارشادها الى منزلها ، الغريب ان الشوارع كانت شبه فارغة .. و حتى لو رأت احداً في طريقها لا احد ازعجها !
عندما خطت اول خطوة لداخل المنزل شعرت اخيراً بان روحها عادت لجسدها ..
" ارأيتي لاشئ حصل. لانها المهمة الاولى كانت سهلة لكن المرحلة القادمة ستكون اكثر صعوبة لهذا انصحكِ ان تستعدي جيداً، ليلة سعيدة. "
اقفل الخط اخيراً لتهرب بسرعة الى غرفتها مقفلةً لباب غرفتها ..
" هذا كان كابوساً. "
غيرت ملابسها و شغلت ضوء مكتبها الصغير لتضع العلبة على الطاولة وهي تجلس على الكرسي
" لنرى الآن ماذا يريد هذا المجنون."
فتحت القفل ببطئ و قلبها كان يدق بسرعة على ما ستعثر عليه في الداخل ، لكن في نفس الوقت الفضول كاد يقتلها ...
فتحت العلبة اخيراً لتقع اعينها على شارحة حاسوب صغيرة و تحتها ورقة صغيرة.
سحبت الورقة اولاً لترى ما المكتوب فيها ..
( وجدته في تسجيلات مركز الشرطة قبل عدة سنوات ، و لدي غيره. )
احتارت حقاً عنما يقصده ، اي مركز شرطة !؟
اخرجت حاسوبها فوراً لتضع الشريحة في داخله بسرعة ...
لحظات حتى ظهر على شاشة حاسوبها ملفاً جديداً لتقوم بفتحه ..
" مرحباً ، اريد ان ابلغ عن عملية لتجارة مخدرات غير قانونية. "
" اعطِنا العنوان رجائاً. "
" المكان هو _____ المنزل رقم مئة و عشرة. "
" انتظري قليلاً يا آنسة .."
لم يكتمل التسجيل لانها اغلقت الخط مِن الجهة الثانية ...
لا تكاد تصدق انه اكتشف هذا الأمر ايضاً ! هي نفسها نسته منذ زمنٍ بعيدٍ جداً ،
" ايامٌ ذهبية. " ابتسمت لنفسها مِن دون وعي لتعود الى المشكلة الاكبر ،
تتسائل ماذا يخبئ لها ايضاً في المراحل القادمة ، هذه آخر مرة تسجل كل تفصيلٍ في حياتها لدفترٍ لعين !
" رائع ، اصبحت مشكلة قانونية و اثنتان شخصية."
اعادت النظر الى شاشة حاسوبها لتجد ان هنلك المزيد في الملف غير تسجيل الصوت ...
فتحت الفيديو ليظهر امامها شابين ما بين عمر السادسة عشرة و السابعة عشر يركبان سيارة الشرطة و هما مكبلان.
" القي القبض على شابين بتهمة تجارة المخدرات هذا المساء ، حيث عُثر على كميات هائلة من المخدرات في قبو المنزل. "
قالت المذيعة لتغلق كلاريس حاسوبها فوراً وهي تلعن حظها ... بالطبع عندما خَبرت على ابن عمها للشرطة استخدمت هاتفاً عاماً حيث لايوجد كاميرات و لهذا لا احد استطاع كشفها حتى اليوم،
لو عَلِم احد و خاصتاً مِن عائلتها لقاموا بتقطيعها إرباً مِن دون اي شك ! فهذا كان مدلل العائلة ابن عمها الوحيد لوالديه ... لا يعطون لعنة إن كان يتاجر بالمخدرات او حتى لو فجر مبناً.
مع هذا حمداً لله لا احد شك بها نهائياً ، فمن المستحيل ان تُفكر فتاةً في الثانيةِ عشر من عمرها بِكل هذا اليس كذلك !؟
' كانت مُجرد طفلة ! '
و في هذه اللحظة سمعت صوت هاتفها اللعين مجدداً لتفتح الخط بتافأف ..
" الآن ماذا تريد !؟"
" اشعر بالملل لذا قُلت لنفسي لما اغلقته !؟ لهذا اعدت الاتصال ، هل فتحتيه بعد ؟"
" فقط لو اعلم لما تبحث بامورٍ فارغة كهذه !؟؟ ماذا تستفيد من إيجاد التهم ضدي!؟"
" متعة غريبة بتحريك الاشخاص كما اريد. " قال بنبرة واثقة.
" و المطلوب الآن !؟"
" اوه حالياً مجرد سؤال .. "
" انا استمع. "
اخرجت الشارحة مِن حاسوبها لتضعها في العلبة وهي تعيد قفلها ، لو شاهد احدهم هذا ستنتهي حتماً.
" لما بلغتي عنه !؟" قال بنبرة مستمتعة حقاً بدئ يضغط على اعصابها ..
" اعتقدت انك قرأت المذكرات. "
" نعم لكن احب سماع السبب بوضوحٍ اكثر. "
" و لما متأكد من انني ساخبرك مثلاً !؟"
ضحك ضحكة شريرة ..
" عزيزتي لا اعتقد انكِ تلاحظين انني املك ادلة و اسرار العالم ضدكِ. "
لم تجبه بل بقيت صامتة ، ليست مستعدة ان تجيب على هذا السؤال لمجنون مثل هذا لكن لا حل لديها هو حرفياً يتحكم بمصيرها ..
" حسناً اذاً ساسداعدكِ ، مكتوبٌ هنا انه عودكِ على المخدرات. لكن اليست هذه مشكلتكِ ما دخل المسكين ؟"
" ليس مسكيناً ، لقد وضع لي مُخدراً في شرابي مرة مِن دون علمي ثُم شيئاً فشيئاً زودني بالمخدرات حتى اصبحت مدمنة عليها في مرحلة ما. "
" و قررتي ان تنتقمي ؟"
" اجل ، سجنه كان الطريقة الوحيدة لهذا .. ثم بدأت بترك هذا الادمان ببطئ حتى اصبحت لا اطيق اي نوع مِن المخدرات من ضمنها المشروب او حتى التدخين. "
" هل جميع مَن يحيط بكِ سفلة ، ام انتِ الساذجة !؟"
" الاثنان معاً. لحظة لما لازلت اتناقش معك !؟ "
" لانكِ ..... تحبين الحديث معي ؟"
" هاهاها اضحكتني حقاً. الآن دعني و شأني !"
" حسناً ، ليلة سعيدة غداً امامكِ امتحان صعب."
" اي امتحان ؟"
اغلق الخط قبل ان يجيبها لتضع هاتفها على السرير بجانب راسها بحيرة ..
" الهي رحمتك. "
...
لكن في نفس الوقت دائماً ما يكون هنلك جزء خاص مِن ادمغتنا ، جزء مظلم و لا احد يحبه .. مقفول في غرفة خاصة بمفرده لشدة اهميته ، و هذا الجُزء قوي لدرجة انه يستطيع التحكم بِنا ... و الذي هو الخوف.
نعم .. كلمة بسيطة، و في نفس الوقت تحملُ آلاف المعاني و المستويات. مثلاً ما هو اول ما تفكر به عندما تسمع هذه الكلمة ؟
ربما قد يأتي على بالك افاعي ، حشرات ، مرتفعات ، غرق، ظلام الى آخره ...
لكن عندما تجلس مع نفسك و انت تفكر بمعنى اعمق للخوف ستجد اموراً اسوء ... و اسوء ،
بالنسبة لشخصٍ جرب اموراً كثيرة و مواقف و ذكريات غير سارّة مِثل كلاريس ستتحول هذه الغرفة المظلمة الى وحوش حقيقيين لديهم اسامي ، عندما تُذكر امامها إحدى الاسامي فقط .. يستيقظ هذا الوحش فوراً في عقلها ليهاجمها بقوة.
و هذا بالضبط ما كان يحدث لها عندما كانت واقفة عند الباب في منتصف الليل ... و معركة هوجاء كانت تحدث داخل عقلها ..
" لا تكوني جبانة و افتحيه ! تستطيعين القتال و استخدام السلاح إضافة إن لكِ سكينين ما اسوء ما قد يحدث !؟"
قالت لنفسها بينما تقف هناك تقدر كل ثانيةٍ مِن تواجدها داخل المنزل ..
فالدقائق اصبحت قصيرة جداً و الثواني تجري بسرعة كبيرة لتوترها اكثر ،
" عودي للداخل ... هنالك مهربٌ واحد. حياتكِ ليست بهذا الجمال اصلاً. "
بدأت المحادثة مع نفسها تصبح اكثر ظلاماً لتعود خطوة الى الوراء.
" لا داعي لأن نمر بهذا ، لقد تألمتِ كثيراً و هذا يكفي الا تعتقدين ؟"
فكرت بالأمر ... بل كانت على حافة اقناع نفسها بان هذا هو الصواب.
" لديكِ سكين و مسدس .. الامر يستطيع ان يكون اكثر بساطة مع القليل مِن الالم. "
اخرجت سكينها الحاد مِن دون تفكير ... عادت الى وعيها فقط عندما شعرت ببرودة السكين فوق معصمها تماماً،
" لديكِ المعصم ، القلب ، او اخرجي مسدسك فهو اسرع خاصتاً __"
رن الهاتف مقاطعاً افكارها التي سيطرت عليها بالكامل او بالاحرى 'شياطينها' .. اجابت المكالمة فوراً على امل انه غير رأيه المجنون !
" لن تخرجي ؟ استسلمتِ منذ المهمة الاولى ؟" كانت طريقة كلامه تستفزها اكثر كونه يسخر منها وهي في موقفٍ كهذا ! اي احد يراقبها كفاية سيجد ان لديها خوفاً لا يصدق مِن الاقتراب مِن الباب حتى ! ..
" ليس لك حق الكلام ، لو كُنت رجلاً كفاية لاظهرت وجهك يا جبان !"
" لا تقلقي ستريهِ في الوقت المناسب. ثم لما انتِ خائفة، تستطيعين القتال و لديكِ سلاحين ! هيا اخرجي لا تكونِ جبانة هكذا، او سافوز. "
يبدوا ان استفزازه قد نفع معها لانها اعادت السكين الى مكانه و فتحت قفل الباب ببطئ ... سحبت نفساً عميقاً لتصفي ذهنها قليلاً مِن كل تلك الافكار السلبية و التخيلات المرعبة لتخطوا اول خطوة خارج المنزل .. اغلقت الباب ورائها بيد و في يدها الثانية الهاتف ، قد تكون مجنونة تماماً لكن وجود احدٍ معها على الهاتف يعطيها بعض الأمان ..
و هكذا كانت قد وصلت اعلى مراحل جنونها في ثوانٍ ..
" انا اكرهك جداً ، انت سافل لعين ..
اتعلم ماذا !؟ لا تظهر وجهك افضل ، لانني اقسم ساطعنك و سأرمي جُثتك للكلاب حتى تموت ببطئ. "
" هذا ليس مبتكر .. فكري بشئ آخر. هيا اعطيني بعض الافكار !"
" تريد افكاراً !؟ ما رأيك ان اُقطعَ يديك و قدميك ثم ارميك مِن اعلى الجُرف !؟"
" انتِ ممتعة بل مناسبة ، عودي الى الوراء و انعطفي يساراً لقد اخذتي الاتجاه الخاطئ. "
فعلت ما قاله بتوترٍ شديد، ثم خطر على بالها سؤال ...
" كيف تراقبني !؟ .. في المنزل كاميرات فهمنا. لكن كيف تستطيع مراقبتي الآن !؟"
" لما لا تحزرين ؟"
نظرت مِن حولها في كل الاتجاهات ليقع نظرها على كاميرات المراقبة خارج المتاجر التي مِن حولها
" هل تستخدم تلك الكاميرات ؟"
نظرت لإحداها وهي تمشي
" ربما. "
تابعت المشي وهي حذرة بشدة فصحيح انها تتكلم على الهاتف لكن حواسها كلها تعمل فالتوتر و الخوف يكادان يقتلانها تقريباً ..
اما هو فاستمر باعطائها التوجيهات كلما اخطئت ، ازداد خوفها و توترها عندما لاحظت بانها لن تستطيع العودة حتى لو ارادت لانها ضاعت بالكامل !
" رائع لقد ضعت ! "
" لا تقلقي عندما تنتهي مهمتك ساعيد إرشادكِ الى منزلك. لذا انصحكِ ان تسرعي قليلاً في المشي .."
تابعت المشي مِن دون قول اي كلمة أخرى .. حتى تخيل لها بانه لم يعد على الهاتف معها لترى بان المكالمة لاتزال مستمرة ..
" لا تصمت هكذا تكلم ! " قالت بنفاذ صبر فمشاعرها الآن لا احد يستطيع فهمها .. مزيج مِن الخوف و التوتر و الرعب ، حتى انه توهم لها وجود احدٍ ورائها عدة مراة.
" ثوانٍ يا جميلة .."
" لا لاتتركني بمف__"
لا فائدة لانه اغلق الخط قبل ان تكمل جملتها ، ما ان اغلق الهاتف حتى اصابتها رعشة في جسدها .. و لا تعتقد ان هذه كانت رعشة برد.
تابعت السير الى الامام كما اخبرها سابقاً لكن خطواتها تسارعت اكثر .. اينما كانت ذاهبة فهو افضل لانها على عكس باقي البشر تشعر بالأمان في الاماكن المغلقة و تخاف في الامكان المفتوحة ، خاصتاً ان كانت هذه الاماكن هي شارعٌ فارغ نصف مظلم عند منتصف الليل ..
كانت ستموت تقريباً من رعبها هذا قبل ان ترى مجموعة مِن الرجال يقفون على جانب الطريق و هم يتكلمون بشئ ما بجدية تامة حتى مشت امامهم في منتصف الطريق ليحل صمتٌ مخيف و جميع الاعين تتوجه نحوها .. في هذه اللحظة حقاً كانت ستخرج السكين لتطعن نفسها و هي تتسائل لما تحديداً خرجت من المنزل في هذا الوقت !؟ لتلعن نفسها الف مرة ،
" هاي يا جميلة هل انتِ ضائعة ؟"
" تحتاجين لتوصيلة ؟" قال الآخر بسخرية
توقفت فجأه عن المشي ... لا تعلم لما تحديداً لكن شئ انفجر في داخلها للتو.
اقترب احدهم منها ببطئ خطوتين حتى رنت هواتفهم جميعاً ليتوقف و هو يتفحص المتصل كالجميع .. ما ان رأوا المتصل حتى عادت ملامحهم للجدية التامة
" دعها و عد الى هنا. "
استدارت هي ايضاً لمواجهتهم لتبتسم ابتسامة واثقة و اكثر نظرة قاتلة تملكها كمظهرها حالياً في منتصف الليل بملابس و شعرٍ اسود كالليل مع مسدس و سكين حول خصرها ..
" لا شكراً اعرف طريقي. "
فتحوا افواههم قليلاً و هم يتأكدون من جنونها لتكمل طريقها بخطواتٍ واثقة على عكس ما تشعر به حالياً ، و في عقلها شئ واحد ..
' ما الذي فعلته للتو بحق الجحيم !؟'
قاطع تلك الفكرة صوت الهاتف مجدداً لتجيب من دون تردد و هي تعلم من المتصل بالفعل.
" يالها مِن نظرة رائعة ، اعتقدت انكِ ستبكين لكن فاجئتيني. "
" اصمت ! ، كيف تغلق الخط في موقفٍ كهذا .. كنت تعلم انهم امامي !"
" بالطبع اعلم ، لهذا ارسلت لهم رسالة صغيرة. "
" تقصد المكالمة كانت منك !؟؟" قالت بتفاجئ و شبه صراخ
" اجل. "
" هل هم مِن رجالك، كيف سيطرت عليهم !؟"
" هذا يا صغيرتي امرٌ لن تفهميه بعد فالمسئلة معقدة ، الآن استديري لليمين عند اول منعطف يصادِفك ثم سيري للامام، ستجدين مخزناً مهجوراً .. ادخلي هناك و انتظري مكالمتي. "
اغلق الخط مجدداً في وجهها لتلعنه تحت انفاسها .. لا تعلم كم لعنة قالت منذ المغيب حتى الآن فهي لا تشتم عادةً لكن هذا اللعين يستفزها و بشدة !
انعطفت الى اليمين ليتحول المكان مِن الشارع العام الكبير و المخيف الى شارعٍ مهجورٍ تماماً ...
" رائع ، المكان المثالي لِأموت فيه. "
مشت وهمهما تحول مِن الموت الى خوف ان تعثر على جثةٍ في مكانٍ ما ،
وجدت المخزن اخيراً و الذي كان الوحيد في المنطقة، مع هذا خافت ان تدخل على ان يكون المكان الخاطئ ..
إن كان هنلك شئ واحد تكرهه كلاريس في نفسها فهو هذا التردد في فعل الأمور ، ليس فقط في تحديد المواقع ، بل حتى لا تستطيع طلب كوب قهوة في مقهى مِن دون ان تتوتر و تتلعثم في الكلام ...
و هذا امر مِن مليون شئ آخر.
قررت اخيراً الدخول لان المكان بدأ يخيفها اكثر و اكثر ... ما ان دخلت و اغلقت الباب حتى حاصرها الظلام مِن كل الاتجاهات غيرَ معطياً لها اي ذرة ضوء
اول ما خطر على بالها هو هاتفها العزيز لتشغل فوراً المصباح الآلي ،
ما ان انتشر الضوء في انحاء المكان مخففاً قليلاً مِن الرُعب حتى تفقدت اعيُنها المكان بتركيز ... و لحسن الحظ لا يبدوا ان هنلك احد.
على صدى اغنية هاتفها لتقفز مِن الخوف وهي تفتحه بسرعة ..
" اغنية جميلة .. " قال و هو يقهقه قليلاً
" اصمت ! الآن ماذا تريد ، انا على عجلة من امري . "
" لماذا !؟ للنوم ؟" قال بسخرية
" لا علاقة لك ! الآن ماذا تريد ؟"
" حسناً كما تشائين ، اذهبي الى نهاية الغرفة هل ترين ذلك الكرسي ؟"
" اجل. "
" فوقه صندوق ، خذيه و انتِ حرة بعدها. "
فعلت ما قاله لتأخذ علبة معدنية متوسطة الحجم.
" ماذا في داخلها ؟"
" افتحيها في غرفتك ، و ستعلمين..."
تحركت يدها الثانية لفتح الخزنة لكن صوته اوقفها فوراً ..
" قُلت في غرفتك! لا تجربيني. "
" تباً لك ، الآن اعدني لمنزلي !"
.
.
اعاد ارشادها الى منزلها ، الغريب ان الشوارع كانت شبه فارغة .. و حتى لو رأت احداً في طريقها لا احد ازعجها !
عندما خطت اول خطوة لداخل المنزل شعرت اخيراً بان روحها عادت لجسدها ..
" ارأيتي لاشئ حصل. لانها المهمة الاولى كانت سهلة لكن المرحلة القادمة ستكون اكثر صعوبة لهذا انصحكِ ان تستعدي جيداً، ليلة سعيدة. "
اقفل الخط اخيراً لتهرب بسرعة الى غرفتها مقفلةً لباب غرفتها ..
" هذا كان كابوساً. "
غيرت ملابسها و شغلت ضوء مكتبها الصغير لتضع العلبة على الطاولة وهي تجلس على الكرسي
" لنرى الآن ماذا يريد هذا المجنون."
فتحت القفل ببطئ و قلبها كان يدق بسرعة على ما ستعثر عليه في الداخل ، لكن في نفس الوقت الفضول كاد يقتلها ...
فتحت العلبة اخيراً لتقع اعينها على شارحة حاسوب صغيرة و تحتها ورقة صغيرة.
سحبت الورقة اولاً لترى ما المكتوب فيها ..
( وجدته في تسجيلات مركز الشرطة قبل عدة سنوات ، و لدي غيره. )
احتارت حقاً عنما يقصده ، اي مركز شرطة !؟
اخرجت حاسوبها فوراً لتضع الشريحة في داخله بسرعة ...
لحظات حتى ظهر على شاشة حاسوبها ملفاً جديداً لتقوم بفتحه ..
" مرحباً ، اريد ان ابلغ عن عملية لتجارة مخدرات غير قانونية. "
" اعطِنا العنوان رجائاً. "
" المكان هو _____ المنزل رقم مئة و عشرة. "
" انتظري قليلاً يا آنسة .."
لم يكتمل التسجيل لانها اغلقت الخط مِن الجهة الثانية ...
لا تكاد تصدق انه اكتشف هذا الأمر ايضاً ! هي نفسها نسته منذ زمنٍ بعيدٍ جداً ،
" ايامٌ ذهبية. " ابتسمت لنفسها مِن دون وعي لتعود الى المشكلة الاكبر ،
تتسائل ماذا يخبئ لها ايضاً في المراحل القادمة ، هذه آخر مرة تسجل كل تفصيلٍ في حياتها لدفترٍ لعين !
" رائع ، اصبحت مشكلة قانونية و اثنتان شخصية."
اعادت النظر الى شاشة حاسوبها لتجد ان هنلك المزيد في الملف غير تسجيل الصوت ...
فتحت الفيديو ليظهر امامها شابين ما بين عمر السادسة عشرة و السابعة عشر يركبان سيارة الشرطة و هما مكبلان.
" القي القبض على شابين بتهمة تجارة المخدرات هذا المساء ، حيث عُثر على كميات هائلة من المخدرات في قبو المنزل. "
قالت المذيعة لتغلق كلاريس حاسوبها فوراً وهي تلعن حظها ... بالطبع عندما خَبرت على ابن عمها للشرطة استخدمت هاتفاً عاماً حيث لايوجد كاميرات و لهذا لا احد استطاع كشفها حتى اليوم،
لو عَلِم احد و خاصتاً مِن عائلتها لقاموا بتقطيعها إرباً مِن دون اي شك ! فهذا كان مدلل العائلة ابن عمها الوحيد لوالديه ... لا يعطون لعنة إن كان يتاجر بالمخدرات او حتى لو فجر مبناً.
مع هذا حمداً لله لا احد شك بها نهائياً ، فمن المستحيل ان تُفكر فتاةً في الثانيةِ عشر من عمرها بِكل هذا اليس كذلك !؟
' كانت مُجرد طفلة ! '
و في هذه اللحظة سمعت صوت هاتفها اللعين مجدداً لتفتح الخط بتافأف ..
" الآن ماذا تريد !؟"
" اشعر بالملل لذا قُلت لنفسي لما اغلقته !؟ لهذا اعدت الاتصال ، هل فتحتيه بعد ؟"
" فقط لو اعلم لما تبحث بامورٍ فارغة كهذه !؟؟ ماذا تستفيد من إيجاد التهم ضدي!؟"
" متعة غريبة بتحريك الاشخاص كما اريد. " قال بنبرة واثقة.
" و المطلوب الآن !؟"
" اوه حالياً مجرد سؤال .. "
" انا استمع. "
اخرجت الشارحة مِن حاسوبها لتضعها في العلبة وهي تعيد قفلها ، لو شاهد احدهم هذا ستنتهي حتماً.
" لما بلغتي عنه !؟" قال بنبرة مستمتعة حقاً بدئ يضغط على اعصابها ..
" اعتقدت انك قرأت المذكرات. "
" نعم لكن احب سماع السبب بوضوحٍ اكثر. "
" و لما متأكد من انني ساخبرك مثلاً !؟"
ضحك ضحكة شريرة ..
" عزيزتي لا اعتقد انكِ تلاحظين انني املك ادلة و اسرار العالم ضدكِ. "
لم تجبه بل بقيت صامتة ، ليست مستعدة ان تجيب على هذا السؤال لمجنون مثل هذا لكن لا حل لديها هو حرفياً يتحكم بمصيرها ..
" حسناً اذاً ساسداعدكِ ، مكتوبٌ هنا انه عودكِ على المخدرات. لكن اليست هذه مشكلتكِ ما دخل المسكين ؟"
" ليس مسكيناً ، لقد وضع لي مُخدراً في شرابي مرة مِن دون علمي ثُم شيئاً فشيئاً زودني بالمخدرات حتى اصبحت مدمنة عليها في مرحلة ما. "
" و قررتي ان تنتقمي ؟"
" اجل ، سجنه كان الطريقة الوحيدة لهذا .. ثم بدأت بترك هذا الادمان ببطئ حتى اصبحت لا اطيق اي نوع مِن المخدرات من ضمنها المشروب او حتى التدخين. "
" هل جميع مَن يحيط بكِ سفلة ، ام انتِ الساذجة !؟"
" الاثنان معاً. لحظة لما لازلت اتناقش معك !؟ "
" لانكِ ..... تحبين الحديث معي ؟"
" هاهاها اضحكتني حقاً. الآن دعني و شأني !"
" حسناً ، ليلة سعيدة غداً امامكِ امتحان صعب."
" اي امتحان ؟"
اغلق الخط قبل ان يجيبها لتضع هاتفها على السرير بجانب راسها بحيرة ..
" الهي رحمتك. "
...
Коментарі