Love Shot|| طَلقَةُ حُب
طَلَقةُ حُب
بطولة:
كيم جونغ إن (كاي)
...
" لا أدري ما لَعنتُكَ معي، لكن عليكَ التَنحّي جانبًا، فصبري يكاد يفيض وأقتُلك!"
تَبسّم كاي حينما سمع تهديدات عدوّهُ المُنفعل، إستنشق نفسًا من سيجارته قبل أن يرميها أرضًا ويدوس عليها بقدميه.
كان يسير بلا خوف، يتوسط ساحة العِراك بين الجماعتين، جماعتهُ خلفه وجماعة عدوّه قِبالته.
لكنَّ كاي شخصية جريئة وإلا ما أندس يومًا في مِثل هذا المَجال الخطير، الذي قد يخطُف عُمره ببضع ثوانٍ وطَلقة.
فتح كاي زِنديه، إذ تَرك صدره بلا حماية، وكما يتحدث عادةً، فأنه حتى بأكثر المواقف خطورة -كهذا- لا يَتَّسِم بالجديّة، بل أن السُخرية والإنقاص من الآخرين مَنهَج حياة بالنسبةِ له.
لذا بإبتسامته اللعوب وبنبرته الساخرة قال.
" هيا عزيزي، اقتلني ما دام صبركَ قد فاض منّي وامتلأت جِراره"
لاقه صدى صوته ثم صمتٌ مُقتِع من طرفيّ العِراك؛ فارتفع ناجذه بإبتسامة ساخرة، وأخرج من جيبة عُلبة السجائر، لتكون إحداها تسكُن شفتيه مُجددًا.
تراجع حتى بَلَغَ قومه، وبحركة تكتيكية لاعادية، إنما هي إثر خِبرات ومهارات في البلطجة أتت، أخرج سِلاحه من على خَصره وسدده بإهمال إلى أعداءه.
ثم كان الكلام أن حفَّز أتباعه لنشأة حرب حينما قال فيما شفتيه تزفر من بينها دُخّان السجائر الكثيف.
" ما رأيكَ أن نَلعب؟!"
ضحك بلا رنّات حينما تضادَّ الطرفين بالأسلحة، لكن نظراته إحتدت بظرف هُنيهات، وأنقلبت سِنحته الساخرة إلى أُخرى خَشِنة وجادّة إلى أقصى حد.
عدوه الذي يضدُّهُ بالسلاح لم يَكُ هَيّن أيضًا، بل إنه قويٌّ فتّاك، مثل كاي وربما أكثر، فقلبهُ يكتنز من الحِقد ما يَتَّسِع عكس عدوّه، الذي لا يذكر ماذا أكل على العشاء البارحة.
إلا أن الفرق الواحد الظاهر بين قائدي العصابتين- البلطجيّة- أن كاي يقود جماعته بحِس من السُخرية، الذي يجده الآخر تفاهة مُزعجة تودي بغضبه إلى الجحيم، فهو جديّ وحاسم إلى أبعد حد، ولا يحتمل المُزاح أبدًا.
إلا أن الأمر لم يَصل بينهما إلى القَتل وتبادل طَلاقات النار أبدًا، بل أن لهم أساليبهم الأُخرى بإيذاء بعضهم البعض.
كالذي يحدث الآن؛ إذ يُخطط كاي وعِصابته أن يسطو مُسلَحين -للتهديد والتخويف فقط- على إحدى الفروع المَصرفيّة، لكن ها عدوه يظهر من العدم؛ ليُعرقِل خُطَّتُه ويظفر بالمال وحده.
المكان الذي يتجادلان فيه هو إحدى المخازن اللامكشوفة تقريبًا، إذ يقبع خلف الفرع المَصرفيّ ببضع مئات المِترات.
علاقة العداوة بين الطرفين عَريقة، رغم أن أحدهم لا يعرف الآخر، ولو رأى كاي وجه عدوّه لن يَتعرّف عليه، فهو يُناديه بالكتكوت صاحب اللِثام، نظرًا لصغر حَجمه وقِلة قامته.
لكنه خطير، كالصرصور يبثَّ الرُعب في قلوب الفتيات، لكن ليس في قلب كاي بالتأكيد، فهو يهوى قتل الصراصير أينما يراها.
" تُريد أن نُسفك الدماء أم تَغرُب عن وجهي أنت؟!"
حاول كاي ولآخر مرّة أن يمنح ذلك العدو المُتربص به فرصة لينجو، لكن ثباته في مكانه وتأهبه لإطلاق النار، جعل كاي يتنهد ثم صَوّب ناحيته يقول.
"ليست مُشكلتي أنكَ تُريد الموت"
أطلق كاي أرضًا لتخويفه؛ لعله فرّ ووفر عليه عناء قتله، لكنه عنيد ويأبى أن يتحرَّك، لذا ما كان بمقدور كاي إلا أن يُسدد ناحية صدره وقال.
" هذه المرة حقًا سأطلق أيها الأبكَم الأصَم!"
وحقًا أراد أن يُطلق هذه المرة، ولا يخرج من هذه الساحة إلا قاتل أو مقتول، لكن صوتًا صاخب عَبَّئَ المكان، وإذ بالبوابة تُدفع ورجلٌ عبر مُكبّر الصوت يُهدد.
" ألقوا أسلحتكم واستسلموا وإلا الموت مَصيركم!"
استشرست ملامح كاي، كذا رجاله، وهذه المرّة وبلا مُفاوضات؛ أطلق على عدوّه فأصابه في كَتفه يُهسهس.
" لولاكَ لما أدركونا الشُرطة أيها الغبيّ!"
سَقط المُلثّم، حينها تهاوى الطَلق الناري على كاي وأتباعه كالمَطر المُنهمر، هربوا معًا عَبر السلالم التي تتصل بالسطح، وتودي بهم إلى أسطُح المخازن الأخرى، ثم تَجمعُّات المكاتب ونجوا.
لكن، واحد منهم لم ينجو...!
لاي- وهو ضِمن جماعة كاي- سَقط أرضًا إثرَ طَلقة إخترقت ظهره، واضطروا الشُبان أن يتركونه ورائهم لينجوا بحياتهم.
وكاي الذي نال طَلقة أتت في كتفه وكأن الرَب أسدى المُلثّم حقّهُ سريعًا، فلقد أصابته طَلقة من ذات النوع الذي أطلقه على المُثلم وفي ذات الموضع جَرحته.
لكنه أستطاع أن يهرب رُغم هول الألم الذي يَتقد في كَتفه، بل يشعر وكأن كُل خليّة حَيّة في جسده تبعث فيه الألم، كالنار تُضرَم بالهشيم.
رغم ذلك؛ قلبه كان يؤلمه أكثر من حرارة هذه الطَلقة، فلقد خسر صديق لا تابع، ولا يدري أتذبل زهور شبابه بالموت أو السجن؟!
" سَنعود من أجل لاي!"
ذلك كان آخر ما همس به، وآخر ما سمعه كان صوتَ رِفاقه، صورة تشانيول وسيهون المشوَشة، ثم أحدهم يحمله ويركض به.
كُنّا نَعشو نَحو بعضِنا البعض حتى تَجمَّدت المشاعر فينا...
سماع صوتك الذي بَدى حادًا على سَمعي خَلَّ بي أفكارًا جَمّة أردتني صريعًا والأنفاس.
عيوننا مُغطاة بالغَضب...
قلوبنا يحرس أقفالها الحِقد...
كُنا نتبادل تِلك الحَرب السخيفة مِثل أيّ أخرقين لم يُدركا بعد أنهما في يد تدابير القدر مُجرد دُمى يلعب المَصير في خيوطها.
إنها طَلَقةُ حُب.
.....
مَرَّ على الواقعة بِضعة أيام، قضى كاي تلك الأيام القَليلة في مَقرّ العِصابة الكائن على أطراف أنشتون حيث لا يسكن الناس.
ولأنه مَقرّ لعِصابة معروفة على المستوى الدولي فإن مَقرّهم مُجهَّز بما يلزمهم من مُعِدّات؛ مِثل الرُكن الطبيّ بما أنهم لا يستطيعون التوجُّه للمُستشفيات لو أُصيبوا أثناء عمليّة سطو.
كاي كان يَقعُد في سريره، يَلفّ كتفه ضمّاد ثقيل، ويده مُكبّلة بحامل، ثم باقي معالم صدره مكشوفة للعيان.
أمامه شاشة التلفاز، وقد وضِع على إحدى القنوات الإخبارية، لأنه ينتظر أن يسمع خبرًا عن لاي، فلا يهمونه الآخرين بقدر صديقه العزيز.
المُذيع ذا البدلة الكُحليّة وربطة العُنق المبتذلة كان ينظر إلى الكاميرا فيما يتحدث، وجهه بلا إيحاءات ولا روح لكن صلعته تَلمع.
" قامت قوات الشُرطة بالقبض على أفراد عِصابة المُلثَّم وقائدهم، كما قامت بالقبض على إحدى عناصر عصابة الأسمر دونًا عن البقيّة.
غدًا ستُعقد مُحاكمهتم، إذ أن عصابة المُلثّم بما فيها قائدهم اعترفوا بأعمال البَلطجة التي قاموا بها، إلا أن عضو العصابة المُعادية يرفض الإدلاء بأقواله، وسيتعرض للمُحاكمة بلا تحقيق"
أغلق كاي التلفاز ثم إستدعى إخوانه إليه، فغدًا فُرصتهم لتهريب أخاهم من قبضة الشُرطة والسجن، وهو ينتظر هذه الفرصة مُذُّ أول ليلة.
إلتموا جميعًا من حوله في بضع دقائق، حينها قال.
" فُرصتنا الوحيدة لتهريب لاي هي غدًا بينما ينقلونه إلى المَحكمة"
" ماذا علينا أن نفعل؟!"
وبما أن لكل منهم إختصاصه فكان وضع الخُطة وتقسيم الأدوار فيما بينهم ليس مُنهِكًا، فهم ليسوا مجرد بلطجيّة، بل هم محترفين بإختصاصهم هذا.
...
في اليوم التالي؛ كان تنقل لاي سيارة سِجن تسبقها سيارة شُرطة، وتتبعها مُدرَّعة، يخرج من فُتحة سقفها جُندي، يضع البُندقية التي يوجهها نحو سيارة الشحن على حامل ثقيل.
كل تلك الإحتياطات بإعتبار لاي مُجرم خَطير...
في داخل سيارة نقل السُجناء فأن لاي بمعصمين مُقيدين إلى السياج الداخلي للنافذة، قد ألبسوا كفّيه كيسيّ خَيش، وكاحليه مُكبّلين، كذلك في قدميه كيسي خيش آخرين وأمامه شُرطيان يسددان فوهة أسلحتهم نحو رأسه.
إلتوت شفتيّ لاي بسُخرية.
" كل هذه الإحتياطات خوفًا مني! لا أصدق يا إلهي!"
" أصمت!"
أجابه الشُرطي بنبرة غليظة فأومئ يهمس.
" سنرى من سيصمت في النهاية!"
توقفت سيارة الشُرطة على قارعة الطريق حينما أتاهم بلاغًا يقول.
" عِصابة الأسمر تحاول إستعادة عُنصرهم، ووردتنا معلومات من الداخل أنهم ينتظرونكم تَصلون أحراش قَصر العدل ليهاجموكم"
" ماذا علينا أن نفعل سيدي؟!"
" قِفوا على قارعة الطريق حتى يصلكم الدعم، إنها ثلاث سيارات من قوات الجيش"
" أمرُكَ سيدي!"
طَرق الكف الكف فيما بين بيكهيو،ن الذي تحدث معهم وعبقري الإلكترونيات سيهون، الذي إخترق أجهزتهم، و سرق صوت رئيس الشُرطة؛ ليستخدمه بيكهيون.
توقفت السيارات الثلاث على القارعة بإنتظار الدَعم الذي يخالونه، وحينما وَصلت السيارات الثلاث؛ خرج كاي لهم يُعرّف بنفسه على قائد الوِحدة على أنه جينرال في الجيش.
أتَمَّ الخُدعة خُصوصًا ببطاقة تعريفه المُزيفة، ثم طلب أن تتَخلَّل سياراته سيارات الشُرطة لتعزيز الحِماية، فأصبحت السيارة التي تحوي لاي بين سيارتين لعِصابة كاي.
تشانيول هدّاف ماهر، يستخدم قُدراته الفذّة بالرماية بإطلاق إبر التخدير على الشُرطيان بسيارة الشحن من الخلف.
أما تشين؛ فقد ظهر عبر النافذة الخلفيّة للسيارة التي في الأمام، يُشير ببُندقيته نحو الرجل الذي يقود سيارة الشَحن.
تأكد سيهون أن الأتصال بينه وبين الوِحدة مقطوع، لذا ما كان له خيار إلا أن ينقاد لأوامر العِصابة، وإلا خَسر روحه بطلقة على يد تشين.
تشانيول من السيارة الثانية خَرج ببُندقيّة كالتي يملكها الجُندي الشارد ذِهنه، وكان نشانيول أسبق بقَنص البُندقية التي يحملها الجُندي قبل أن يُضَرب هو.
فأصبحت المُدرّعة بلا سلاحها الرئيس، والجندي دخل هلِعًا إليها.
خرجت الأربع السيارات عن البقيّة، فأخذت سيارة الشرطة تُطلق عليهم الرصاص، لكنهم بشاحنات مقاومة للرصاص بما فيها العَجلات والزُجاج.
وهكذا أصبح لاي حُرًا من قَبضة العدالة.
.........................
بعد مرور شهور عِدَّة...
ما زالت أعمال عِصابة كاي مُستمِرة حتى اللحظة، لكنهم بعد الواقعة قبل شهور؛ الآن هُم أكثر حذرًا وأقل نشاطًا من السابق، فما عادت أيُ الكنوز تُغريهم.
عِصابة المُلثَّم وقائدها حُكم عليهم بالسِّجن المؤبّد، رغم ذلك فأحكامهم قابلة للتخفيف إن أحسنوا السلوك في السجن.
وأما الفريق فقد إستعاد روحه وطاقاته كذا عاداته القديمة، فهُم بنهاية كُل أسبوع يجتمعون في مَلهى، ويصطادون الفتيات طواعية إلى أسرَّتِهم إن توفر المزاج والجمال في الآن ذاته.
الشباب يستولون على طاولة للشخصيات الهامّة في الطابق العُلوي للمَلهى، والذي يَطلّ على ساحة الرقص في الأسفل، كان كاي الأكثر إطلاعًا عليها بما أن الرقص يستهويه، وهو الطريقة المُثلى لإغراءه.
وها هي بطلة هذه الليلة تَطل، ينتصف ساحة الرقص مَنصّة في مُنتصفها مُثبّت عامود لمَن ترغب أن ترقص بعونه.
وكانت هي التي لأجلها وضع كاي كأس الفودكا جانبًا، وأخذ يثمل من النظر إليها فحسب.
فتاة سمراء البشرة، ناعمة الملامح وحَسنة، شعرها بُنيٌّ أصيل، يطغى على نِصف طول ظهرها.
لها معالم أنثوية شاهقة وخصر منحوت دقيق، قامة متوسطة الطول، وساقين رشيقة، ترتدي فُستان رَقص ذهبيّ اللون بأكمام كاملة وشديد القُصر له هدائب، شفّاف من مناطق كثيرة ولاشفاف من مناطق أُخرى.
كانت ترقص إلى عامود الرقص بمهارة، عرضها الباهر جذب أنظار الجميع، إذ كانت تتسلقه، ثم تلوي ساقيها حوله وتدور، ثم تنقلب وتدور، ثم تنزل عنه وتؤدي حركات يميل بها خصرها ذا مُنحنيات الخمر والسُكَّر.
إنتهى عرضها والجميع صفّق لها حتى كاي، وبلا أي تأخير قرر أن يهبط إليها بما أنها فُرصة لا تُعوّض معها.
كانت تَجلس إلى البار فيما تَشرب المياه حتى ترتوي.
جلس بجانبها، فنظرت إليه، وإذ به ينظر لها بتلك النظرات المغموسة بالإغراء، والملامح التي تفوح منها الرجولة.
قال للساقي.
" حِساب الفتاة على حسابي واعطني كأس نبيذ"
لم تقل شيء، فقط نظرت إليه، ثم بعد حين حينما وصله كأسه قالت.
" ما الذي تُريده؟"
أجاب بلا تورية ولا تواني.
" أن أكشف عنك ما يستره هذا الفُستان وأجول بين تضاريسكِ بحُريّة"
ظنّ أنها ستغضب، أو تطرده، لكنها فقط إبتسمت ثم أخذت رَشفة من كأسها.
" احجز فُندقًا لائقًا ولا تُعاملني كبائعة هوى، حينها ستُحبني وأحبك كما تُريد وأُريد"
إرتفع حاجبه لكنه أومئ، أجرى إتصالًا، تجهّزت أموره، ثم خرج بها من المَلهى.
الطريق إلى الفُندق المقصود لم يَكُ بعيد، إذ أنه يقع ضِمن الأحياء القريبة، لكن أيٌ منهما لم يَقل شيء.
كاي يُريد جَسد وحسب لمرة واحدة ثم تنتهي الحكاية، المُتعة لِقاء المُتعة، وجسدها مُقابل جسده، عادل كفايّة!
لكنه حينما أصبح معها في غُرفة واحدة رأى وجهًا آخر لم يره لها في المَلهى، فهناك كانت ترقص بحرية، تتكلم بجراءة وتَميل بإثارة.
لكن الحياء الذي دَبَّ بها، والخجل الشديد الذي أصابها أربكها وهو فقط أسقط عن نفسه قميصه، لم يحدث شيء بعد!
قبض حاجبيه وتقدم منها ليقول.
" ألا تريدين؟!"
لم تَجبه، فقط أغمضت عيناها وأخذت نفسًا عميقًا ثم زفرته بهدوء، لكن كاي من النوع العَجول، لن يتفهم خجلها وهي كانت ترقص مع عامود قبل قليل.
ليس وكأنها عروسه، ليس وكأنه الرجل الأول لها بالتأكيد، فتلك الشخصيّات النقيّة لا تتواجد في المَلهى عادة.
توجه ناحية الباب وفتحه يقول بغلاظة.
" اخرجي إذن"
لكنها قالت.
" بلى، أُريد"
" مُتأكدة؟!"
أومأت فعاد لها، وقف أمامها وبلا مُقدِمات كَبَّل ذقنها بين أنامله، رفع وجهها إليه واصطاد شفتيها الزكيّتين.
جعل يتقدم وتتأخر حتى سَقطت على السرير وكان هو في مكانه المعلوم أعلاها، دَق ناقوص الرغبة، ومَرَّ في ليلةٍ حمراء شهيّة، أروت عَطشه.
كان قاسيًا ولامُراعيًا، لكنه لم يَكُ باردًا بل يحترق كنار تَضترم، قدمت له الحُب الذي أراد وفعل هو أيضًا.
لكن المُفاجئ، أنه وفيما يجلس على الأريكة التي تُجاور السرير عاري الصدر، كان ينظر إليها بلا أن تهرب نظرة من عينيه إلى شيء غيرها.
"لِمَ أنا؟!"
تسآل.
كانت تستتر بالغِطاء الأبيض، حينها إبتسمت إبتسامة موجِعة، إذ بان له أن شيئًا ما لا يسير كما العادة، وأكد ذلك كلامها، حينما نظرت في عينيه وأجابته.
" ربما لأنّي أُحبّك"
اتسع مَحجِر عينه وارتفع حاجبه، ثم اتكز بمرفقه على فخذه وأشار إلى نفسه بإستنكار.
" تُحبيني وقد ألتقينا مُذُّ ساعات فحسب؟!"
بانت إبتسامة ساخرة على شفتيها وقالت.
" ألستَ كيم كاي قائد عِصابة الأسمر؟!"
دُهِش مما قالت، سُرعان ما نهض وأصبحت السكين التي كانت ضمن سلة الفواكة على عنقها، تسلّقها يقيدها به وقال.
" كيف تعرفين؟! من أنتِ؟!"
تكلّمت، لم تَكُ خائفة منه إطلاقًا، بل إن نبرتها ثابتها وعيناها لا تُراقب بل تتأمل ملامحه التي استشرست.
" لن أُسلّم نفسي لرجل لا أعرفه، ولن أسمح له أن يكون أول رجل لي وآخر رجل وأنا أجهله، أنا واقعة في حُب مُجرِم مُذُّ سنين!"
لم يَكُ يدري كاي ماذا يفعل في هذا الموقف، هو لا يعرف هذه المرأة ولا يثق بها، لذا لم يَكُ له خيار سوى أن يسحبها معه، ولأسره تصبح طيّعة حتى يَجد حلًا معها.
" ارتدي ثيابك وامشي معي بصمت وإلا هذه السكين اللطيفة ستخترق حلقكِ، حسنًا حُلوتي؟!"
لم تَكُ لتتحرك بخلاف ما هو آمن ويريد، لكنها بنبرة واثقة أعلمته أنها تعلم عنه أكثر مما قد يظن قالت.
" أدري أنك لا تقتل أحد، ربما تُصيب أحدهم، لكنك لا تقتل، أنا لا ارغب في إيذاءك أو إيذاء نفسي، أنا فقط تحدثتُ معك بصراحة عن أسبابي"
تَحرقني نار حُسنكِ الموقَدة على فؤادي، وأكاد أنسى كيف أتنفس بين حسناتكِ، أشعر وكأنني أنفصم إلى جُزئين، جُزءًا يحترق وجزءًا يختَنق.
أنا أَعطُشَكِ، ومع هذا الكأس منكِ؛ سأتجاوز كل الحُدود معكِ في هذه الليلة الخطيرة المُسممة بحلاوتكِ.
إنها جُرعَة حُب.
...................
ما لم تتوقعه إيري حَدث، إذ وجدت نفسها حبيسة غُرفة ضيّقة ومُعتِمة لثلاثةِ أيام، لم يزُرها فيها أحد، فقط في اليوم الأول دخل إحدى رِفاقه.
كان طويل القامة ذا جسدٍ رياضي تكسوه العضلات المفتولة، حِنطي البشرة وملامحه خشنة ووسيمة، كذلك صوته عميق.
عرّف عن نفسه أنه تشانيول، إحدى أفراد العِصابة وأصدقاء كاي المُقرّبون، كان من حمل لها الطعام في أول صباح ومن حمله لها في الثلاثة أيام التالية.
لم يتحدث معها بشيء ولم تعرف عنه أكثر من اسمه، الليلة وهو يوصل لها العشاء استوقفته بسؤالها.
" إلى متى سأبقى هُنا هكذا؟! ألن يأتي كاي؟!"
إلتفت لها، ثم اقترب ليجلس القُرفصاء قُربها أرضًا.
" آنستي، كاي بجديّة يُفكّر بقتلك، لا أرى أن حضوره هُنا سيكون خيارًا جيدًا لكِ."
لم تخشى فكرة أنه يفكر بقتلها بقدر ان تضيع فُرصتها معه هباءً لِقاء بقائها حبيسة هكذا.
" أهذا يعني أننا سأبقى هكذا؟!"
أومئ لها تشانيول ثم تنهد.
" أظن ذلك، الآن فلتبقي هكذا حتى نتدبر أمرك ونفعل شيئًا ما"
خَرج وتركها ككل ليلة وصباح وحدها، إحدى يديها مُقيدة بسلاسل مُثبّتة إلى الحائط، تَطول حتى تقدر أن تصل دورة المياه فقط، ولا تَطول حتى الباب، فلا تقدر أن تطرقه ولا أن تفتعل فوضى حتى ضمن هذه الجُدران العازلة كما أعلمها تشانيول.
شعرت بالندم الشديد أنها أخبرت كاي بمعرفتها المُسبقة به، هي أرادت أن تكون مُميزة بالنسبة له، ليست مُجرَّد جَسد تَسلّقه ثم عَبر عنه وحسب.
أرادت أن تَعلق في ذهنه بأي طريقة كانت، لأنها لا تَنوي الخلاص منه بليلة واحدة، تُريده العُمر كُله.
ولهذا تتبَّعتهُ إلى المَلهى الذي يقصده، وتصرّفت على غير سجيتها المُعتادة، إذ رقصت بإثارة وجنون، فقط لأجله.
توالت بِضع ليالٍ أُخَر حتى آتاها أخيرًا، كان يَلبس نَظرات قاتمة وملامحه مُتعبة، عيناه حمراء لِقاء السُكر والسَهر وبيده قدح خمر، يغمر به شفتيه كُل فينة.
كان ينظر لها وكأنها جُرحه، جُرح لا يعرف كيف تسبب به لنفسه، لا تنكر أنها خَشته؛ وخصوصًا عندما إنحنى على عقبيه قُربها، واجتذبها من معصمها إليه حتى تكاد الأنفاس أن تختلط.
" تعلمين شيء؟!"
دقّ صدره بثمالة واتبع.
" أنتِ تُعذبيني...
لِمَ لم تكوني مُجرّد إمرأة منحتُها الحُب مُقابل جسدها في ليلة عابرة وحسب؟!
لِمَ كان عليكِ أن تعرفيني وتضعيني في مِثل هذه الضائقة بيني وبيني؟"
تنهد، وجلس أرضًا، ثم كان ينظر في عينيها المُسبَّلة بأهدابٍ تتلاقى بعاطفة مُشفِقة عليه.
" صحيح أنني أكبر سارق عرفتهُ كوريا، وعندي من الأجهزة والأسلحة ما يقدر أن يهزّ أمن البلاد، لكنني لم أقتل إنسانًا قط!"
ثم ضحك بثمالة واتبع النظر في عينيها، لكن عينيه استشرست واحتدت مع نبرته هذه، ويده التي أطبقت كالفكّ على فكّها.
" لكنني حاولتُ مرّة ولستُ أندم عليها، لذا لا ضَرر في تجربة أُخرى، قد تنجح، أليس كذلك؟!"
أخرج مسدَّسه ووضعه في صِدغها، أغمضت عيناها برهبة وأثّاقلت أنفاسها، لكنها بنبرة مُهتزة حاولت تهدئته، وقول ما يسعها قوله في مثل هذه الحالة المُرعِبة.
" لو أنني أردتُ التبليغ عنك لم استدرجتكَ إلى جُرعة حُب ثم اعترفتُ لك بما أعرفه عنك، لكنتُ بلَّغتُ عنك واستدرجتُك لأجل الشُرطة، لا لأجلي"
تراخت يده التي تحمل السلاح على صِدغها، حينها فتحت عيناها ونظرت إليه، قد شعرت بضياعه لذا حاولت تصحيح مَساره بكلماتها العطوف.
" أنا حينما قُلتُ لكَ إنني أُحبُّك فلقد عَنيتُها بكل جوارحي ومشاعري، أنا أُحبُّكَ يا كاي، أرجوكَ صدّقني!"
يكاد الحُب والعاطفة الجياشة أن تَنفر من عينيها اللامعة ونبرتها الحَساسة، أفاضت كأس العاطفة لديه وهو لم يسبق له أن أحبه أحد.
الناس تخشاه، تتناقل عنه الأخبار، يتمنون له الموت، والصالحون منهم يتمنون له عيشة أبديّة ذليلة في السِجن.
لأول مرة أن تحبه إحداهن رغم أنها تعلم من هو، هي إمرأة أرادت الولوج إلى قبله، وهو رجل يحمل على قلبه أقفال صَدئة، لا تحتاج سوى كلمة حُب لتفتح.
وها قد فُتِح وولجت، لأنه يتعطش للحب مُذُّ زَمن، ربما لم يَكُ يُدرك ذلك من قبل لكنه يدركه الآن.
هو أحوج ما يكون إلى إمرأة ليّنة طيّبة تحتويه في كل ظروفه وحالته مهما بَلغ من حُسنٍ أو سوء، أراد إن يكون مُجرّد رجل عادي يحظى بحياة هادئة مع إمرأة يُحبها.
كانت تبكي أمامه، وكذلك هو من فَرط الثمالة والألم، لا تتكلم الألسنة في مِثل هذه اللحظات، لكن العيون تتكلم أفضل من أي لسانٍ بليغ فصيح.
يده التي كانت على فكّها بقبضه إحتوت ذقنها برِقّة، واجتذب وجهها إليه، ثم جعل يُقبل تلك الشِفاه، دفّاتها ومعالمها كلها، جَوهر الحُسن.
وهكذا يبتدأ فصل جديد من الحُب بينهما.
حتى لو عَصبتُ عينيّ عن عينيكِ التي توحي لي بصدق أحاسيسكِ، ولو صممتُ أُذناي عن لسان العَندليب في حُنجرتكِ.
حتى لو أجبرتُ نفسي ألا أُصدقك وآتسآل بيني وبيني عمّا أكِنّه لكِ وتكنّيه لي، الإجابة هي الحُب دومًا وبلا مُنازع.
لطالما مَلأتني بالغرور وجوّعت نفسي عن كل شيء قد يُحطط من غروري، كالحُب.
أبقيتُ على قلبي فارغ من عواطفي مِثل كأسٍ فارغ، لكنكِ الآن أتيتِ وملأتِه حتى شِغافه، وشِفاهه، وضِفافه...
لذا الآن دعيني أسمعكِ تقولينها لي...
قولي "أُحبُّكَ!"
إنها جُرعةِ حُب.
.....................
تَمُر الأيام بجمال وبهاء، الأيام الفارطة... تلك كانت أيامًا سعيدة، فيها قضى كاي في بحبوحة الحُب أيامه، وعرف نفسه وما يريد أكثر من ذي قبل، أفضل من أي وقت.
لا يدري كيف تَسللت تلك الفتاة إلى داخله، وكأنها تداخلت ودمّ شرايينه، ثم أخذت تتسكع في حُجرات قلبه؛ كما لو أن هذا القلب مِلكها وتحت تصرُّفها... وهكذا كان.
اليوم كان لجماعته إجتماعًا في المَقرّ الذي قلّما يخرج منه كاي، فهُنا مَركز أعماله وهُنا أبقى على إيري.
إلا أنه حينما وَلج قاعة الإجتماعات كانت الوجوه مقبوضة، وهكذا خَرج وحده لاحقًا.
لكنه خرج هزيلًا مُتآكلة روحه عكس ما دخل عليه، لقد صرخ ورفض التصديق، لكن الأدلة كُلها حقيقيّة ولا يُمكن تزويرها.
لقد ضمَّ أسفل جَناحه أفعى ظنّها طائر مُسالم، مُلوَّن، وجميل.
لم يَقل ما هو بفاعل بها، فقط ذهب إلى قعر داره ضمن أركان المَقرّ بخطى تكاد أن تعود أدراجها.
أمسك مِقبض الباب، لكنه تنفس بعمق قبل أن يفتحه، ثم دخل بملامح مُشرِقة تعوَّد عليها مؤخرًا، كذلك هي.
كانت تَجلس إلى تسريحتها، تضع مُرطباتها إستعدادًا للنوم، لكنه حينما دخل ابتسمت وسارت إليه حتى عانقت عُنقه بين ذراعيها النحيلين، وطبعت قُبلة مُعتادة وخفيفة على شفتيه.
إسترسل في النظر إلى مَعالمها المُشرقة، اجتذبها من خصرها إليه واتبع النظر فيها، هي لم يسبق لها أن تدخَّلت بعمله.
الأحاديث بينهما تقتصر على علاقتهما وخصوصياتهما فقط، لا شيء خارج هذا النِطاق قط.
عقدت حاجبيها، وأخذت تتحسس وجنته بأناملها حينما أحَسّت بأنه ليس على ما يُرام.
" أمِن خَطبٍ كاي؟"
نفى مُتنهدًا، ثم تجاوزها ليجلس على السرير، ثم أشار لها على ساقه؛ كي تجلس عليها، ففعلت ولفّت ذراعيها حول عُنقه.
غَلغَل أنامله الخَمس بين خُصل شعرها البُندُقيّة وراح يُداعبها عَبره، ثم هبطت يده ليسقط الروب عن كتفها فتعرّى، تحسس الوَشم الذي على كتفها.
خشونة بشرتها أسفل الوَشم لم تُشوِش تفكيره يومًا أو تقلقه بشأنها، تَبسّم ساخرًا من نفسه، شفتيه لم تكن حساسة لتلك الخشونة منذ أنه مغمور من رأسه حتى أخمصه فيها، الآن إسترد وعيه وأدرك أنه كان لها مجرد دُمية وانتقام.
" كاي، لا تبدو لي بخير وأنا بدأتُ أقلق!"
تبسّم لها ومسح على شعرها برقة يقول.
" تَعرّي"
" ها؟!"
تَبسّم.
" من كل خجلكِ الليلة وكوني لي مجددًا"
إجتذبها من مؤخرة عُنقها وأوصد على شفتيها بشفتيه، الليلة قرر أن يحبها للمرة الأخيرة كهدية وداع.
أخذ يَطبع قُبل ناعمة وهادئة على وجهها هُنا وهُناك وهي كانت بين يديه ساكنة لا تتحرك، تنتظر منه المزيد، وتَحِس بكل لَمسة رقيقة منه حتى أبعد رُقعة حِس تتضمنها روحها قبل جسدها.
أسدلها على الفِراش الوثير بحِرص تام؛ وكأنه يخشى أن يخدشها الفِراش حتى، ثم انبسط عليها يُحبها بطريقته وكما يُحب.
جعل يُقبل كل إنش من عُنقها ثم كتفها وتحديدًا فوق الوَشم، الذي وضعته؛ لتُخبئ نُدبة رصاصة كان هو من أصابها بها.
أحبها حتى تهالكت الأجساد وانتُهِكَت الأنفاس، ثم كانت بين ذراعيه تَنام، رأسها فوق صدره ويدها على قلبه، تنام على مِثل هذا التناغم الوثير.
ليتها تَعرّت من كل أقنعتها وأسرارها معه، وأخبرته أنها كذا وكذا، لربما كان قد غفر لها، الآن هي بالنسبة له مُجرّد تهديد بَحت.
بهذا الهدوء تَنام على صدره ضمن أجواء هادئة، وهو داخله ضجيج مُنفِر يكاد أن يتفجر منه ويَعبُره.
مَضى طيلة الليل مُستيقظًا، سلاحه بيده، يضع فوهته قُرب رأسها، طيلة الليل وهو يحاول أن يقتلها لأنها خانته بمثل هذه الطريقة البَشِعة، لكنه لم يستطع مهما ضغط على نفسه، يده مُكبّلة، لا يستطيع.
مع بزوغ الفجر خرج من عندها، أغلق الأبواب والنوافذ عليها، وأوصى إخوانه ألا ينسوها من الطعام، ثم غادر.
لا يعرف إلى أين وإلى متى... كاي فقط إحتاج عُطلة طويلة الأمد يقضيها بينه وبينه، لعله توصّل إلى نَتيجة لما سيفعله معها.
الحُب والكُره يتبادلان الأدوار في قلبي...
حينًا أرغب بضمّكِ حتى تنامي بين ذراعيّ بهناء ككل ليلة قضيناها معًا.
وحينًا أرغب بضمّكِ حتى تختلط عِظامك داخلك وتتكسري.
ذكرياتنا الجميلة تَصبَّغت بالأبيض، فقدت ألوانها ثم جَفّت داخلي ثم أخذت تتلاشى شيئًا فشيئًا، يومًا بعد يوم.
وكأننا يومًا لم نَكُن، وكأن الحُب الذي تَربى بيننا وأدناه.
إنها طَلقة حُب
........................
أعمال العِصابة عادت إلى سابق عهدها، تقتات على رِزق الأوباش من الناس، يسرقون السارقون، والمُرتشين، ومُطالبي الأتاوات، وما إلى ذلك.
الليلة وهم مُنتَهون من مُهمَّتُهم بنجاح كما العادة، كانوا جميعًا بسيارة النقل (الفان) التي تَخصّهم.
حينها وصلهم خَبر من صديقهم سيهون، الذي بَقيَّ في المَقر وأدار مَهمّاته عن بُعد، فلقد أمر كاي أن يبقى أحد في المَقر كي يعتني بفتاته الأسيرة ولا تضيع وجباتها، وكلما سُئلَ عنها قال أنه سيقتلها، تناقض عظيم بالفعل، هو يعلم!
كان سيهون يَلهث كما تبين من صوته، ويبدو مُتعَب، وربما يتوجّع بما أنه يأنّ.
إتصل سيهون بكاي وأعلمه على عَجلة وهو بحال صَعب.
" كاي، فتاتُكَ هَربت، ضربتني على رأسي ولا أدري كيف خرجت!"
أغلق كاي الخَط وبلا أي إنفعال طلب من أصحابه.
" دعونا يخرج كل واحد منّا في سيارته ويُحاصر المَنطقة، فتاتي هَربت ولكنّي لا أظنُّها ابتعدت، دعونا نُمسِك بها الليلة"
نُفِّذ الأمر، إذ خرج كل واحد منهم في سيارته، وحاصروا المنطقة ثم أخذوا يبحثوا في نِطاق المَنطِقة عنها.
مَرَّت ساعات على البَحث حتى اتصل سيهون بكاي وأعلمه.
" وَجدتُها، كانت تَختبئ بين الأحراش القريبة"
أدار كاي المِقوَد وبأسرع ما أمكَنه ذَهب إلى المَقر.
تفاجئ أن كل الشباب سبقونه إلى المَقر، لأنهم يدرون أن ردة الفعل الهادئة قبل وقت الآن يأتي نِتاجها، حاوطوه حينما سَحب من الدُرج إحدى الأسلحة وعرقلوا طريقه.
"أنت تُحبها! لا يُمكِنك إيذائها!"
جعل فوهة المُسدس براحة كفه، ثم أشار إلى أصدقائه بحاجب مرفوع وسبابته تُندِّد.
"من الأفضل ألا يتدخل أحد منكم في الأمر!"
ذهب إليها، فتح عليها الباب بقوّة، كانت تتكوم في الزاوية حول نفسها وتَبكي، لكنها حينما رأته نَهضت سريعًا، وركضت إلى ذراعيه التي تَضنُّها آمنة الآن.
"كاي! أين كُنتَ طيلة الفترة السابقة؟! كيف لكَ أن تَهجُرني هكذا؟!"
ما كان ليشعر بقلبها الذي ينبض بجنون، وذراعيها حول عُنقه ترتجف، ولا بنبرة صوتها المهزوزة، ولا حتى بدموعها وحسيسها.
فقط نَبس.
" كيف خرجتِ؟!"
ضيّقت ذراعيها عليه ولم تَجبه؛ لأنها خافت هذه النبرة، التي تعرفها جيدًا؛ لكنه قط لم يستخدمها معها.
صرخت عندما شعرت به ينتشلها عنه من شعرها، وهَدرَ بوجهها صارخًا.
" كيف خَرجتِ؟!"
إزدرئت جوفها.
" كاي، أنا..."
" أنتِ ماذا؟"
أفلتها فيما يدفعها عنه فسقطت أرضًا، اقترب منها، ثم جلس القُرفصاء قُربها، يرى الخوف يتغذّى في عينيها، وفكّها يرتجف لِفرط الخوف، كذلك قد شحب لونها، والعرق يتصبب من على جبهتها.
" ولِمَ أسألكِ حتى؟"
تحسس وجنتها بقِفا أصابعه واتبع.
" فأنتِ خبيرة بتلك الأمور بما أنكِ قائدة عِصابة"
شهقت واتسعت عيناها، لا يُعقَل أنه إكتشف الأمر، فيما هو اتبع ينظر في عينيها.
" أليس كذلك، أيّتُها المُلثَّم؟!"
إزدرئت جوفها مُجددًا، ثم أخذت تَنفي برأسها تُهمه، هي صحيحة لكن ما يُفكر به ليس صحيح، حُبها لم يَكُ مكيدة لإسقاطه، هي تُحبّه بالفعل.
" كاي، ما تُفكر به ليس صحيحًا!"
نفى برأسه، ثم فاجئها حينما قبض على عُنقها بقبضة من حديد؛ فجعل يخنقها.
" أنا لن أسمع المزيد من أكاذيبك!"
تمسّكت بيده على عُنقها، وحاولت الإفلات منه لكنه يأبى حتى إحمرّ وجهها وباتت تلفظ أنفاسها الأخيرة، حينها سقطت من عينها دمعة وهمست قبل أن يُغشى عليها.
" لقد أحببتُكَ حقًا!"
حينها أفلتها ونظر لها تسقط من بين يديه لتحتضنها الأرض، شعر بالدُنيا تضيق عليه وتَسوّد، رؤيتها هكذا آلمته، بهذا الضُعف، وكأن الذي تجرأ وخنقها لم يَكُن هو.
سُرعان ما حَملها على ذراعيه ورَكض بها إلى غُرفة العيادة يصرخ.
" بيكهيون بسرعة تعال!"
هرع بيكهيون ليرى ما بها، إنه مُمرِّض سابق لذا هو المسؤول هُنا عن العيادة.
فحصها، ما زالت حيّة، لكن نبضها ضعيف، وذلك ما دفع بيكهيون أن يشتم صديقه الذي ينظر لها من بعيد ويبكي.
" يا لكَ من مخبول!"
الجِراح أصبحت تَحفر في روحي أعمق وأعمق كل يوم.
إهدأ يا أنا...!
تِلك الجِراح من صُنع الكلمات، تؤلم!
أصبح قلبي يغشوه السواد والظُلمة...
أين الحُب؟!
....................
مَرّت تِلك الليلة المجنونة بهدوء أخيرًا، إيري نائمة في فِراش كاي الوثير، وكاي يجلس على الأريكة التي تجاور السرير ويُراقبها بلا كَلل حتى حَلَّ الصباح عليه.
إستيقظت على ضوضاء الظُهر، فتحت عيناها وإذا به بجانبها، لم يَكُن ليجرؤ أن يسأل عن كيف تَشعُر، لأنه من أودى بها إلى تِلك الحالة اللاطيّبة.
إن أصابعه قد تركت علامة أليمة على عُنقها، وهي بالفعل تَسخط عليه، فكيف يُكلّمها؟!
أشاحت بوجهها إلى الجِهة التي تَخلو منه وفيما تَنحدر دمعة من عينيها همست.
" دعنا ننفصل"
تنهد ثم وقف إلى النافذة، كفّاه في جيوب بِنطاله، بدى باردًا لكنه لم يَكُن في الحقيقة، إنه مُجرد قِناع يُخفي به عنها خوفه من الفُراق وأفتراقها.
" علاقتنا ليست عادية لتنتهي برغبتكِ بالإنفصال لأننا أشخاص لاعاديون، ما إن تَدخُلي حياتي لا تخرجي أبدًا!"
نظرت إلى ما يواجهها منه، ظهره المَنصوب بكبرياء.
" إذًا اقتلني، ليس وكأنَّك لم تحاول!"
إنتهت بنبرة ساخرة فجعل يواجهها إذ إلتفت ونظر لها.
" لو استطعت لقتلتك مُذُّ زمن، ينتهي عذابكِ بطلقة، ماذا عني؟!"
تنهد واتبع.
"سأُعاني طيلة حياتي"
هطلت غيومها بسخاء تسقي أراضي وجنتيها كذا تُبلل روحها ذات النُدَب.
" لِمَ؟ لا يُعقَل أنكَ تُحبُّني مثلًا، ليس وكأنّ سبق لك أن قُلتها لي حتى!"
عقد حاجبيه بأستياء واستنكر.
" أعلي قولها لتشعري بحُبي؟!
الافعال لها لسان، لولا أنني أُحبك لما ابقيتكِ حيّة حتى الآن"
أومأت وابتسمت هازئة فيما تمسح دموعها.
" من الجيد أنني سمعتها مرة على الأقل، لكن ليس بمثل هذا الموقف!"
تنهد كاي وساق نفسه إلى الخارج.
" تعافي سريعًا ولا تحاولي أن تهربي مني مُجددًا!"
وهذا ما حدث بالضبط، حياة عاديّة لكنها ليست إعتيادية، فلقد إعتاد أن يرجع لها مُحمَّل بأثقال يومه، لكنه حينما يراها تبتسم وتقفز إلى جِذعه تعانقه ينسى كل مشاغله ولا يتذكر سواها أمرًا.
لكنه أصبح يعود ولا يراها تنتظره، إما نائمة، وإما تقرأ كتابًا، وإما تُشاهد عروض التلفاز، لا شيء مهم، لا تُلقي عليه نظرة حتى.
تنام وتمنحه ظهرها ولا تُكلمه أبدًا، بل تعتبره غير موجود.
في إحدى الأيام قرر الشباب أن يجتمعوا لِفَضّ العِصابة، فإن وجد كاي فتاة ليعيش معها بقيّة حياته البقيّة لم يفعلوا وهُم مقيدين بِنطاق إجرامي كهذا.
لم يستطع كاي أن يمنعهم، لأن لا حق له في هذه المسألة، لقد اجتمعوا على هذا الأمر لأنهم يريدون، وسيفضّوه لأنهم يريدون.
لا بأس بخسارة مفهوم هذه العِصابة، لا بأس...
لكنهم سيبقوا أصدقاء أوفياء كما روح واحدة بتِسع أجساد، حتى لو اختلفت مضاجعهم، وحتى لو فرّقتهم المسافات لبعض الوقت، وأصبح لكل منهم حياته الخاصّة.
المال الذي أتوا به من هذه العُصبة ليس بقليل، استطاع كل واحد منهم البِدء بمشروعٍ شريف، والإلتحاق بوظائق لائقة، كذلك حصل كل منهم على منزل فسيح على الطراز الحديث وسيارة فاخرة.
وهكذا أصبحت مسارات حياتهم مُختلفة، كاي مثل غيره منهم، اشترى منزلًا وسيارة، إلتحق بوظيفة لائقة وافتتح مشروعه الخاص، وهي مدرسة رَقص.
أما أيري فانتقلت من سجن ضيق إلى سجن أوسع فحسب، مع صِفر تقدم في علاقتها مع كاي، ما زالت تتجاهله ولا تُحدِّثه رغم مُضيّ شهور على الحادثة.
أُناس يأتون وأُناس يَرحلون... هكذا هي الحياة.
لكنني أنا وأنتِ بَقينا عالقين معًا في عالمنا الصغير هذا...
بِبُطء أصبحنا مُعتادين على خمول المشاعر القائم بيننا...
.........................
للرجال حُدود مع الصبر كما لا حُدود للتجاهل مع النِساء... هكذا هي الحال.
العمل الوظيفي ثم العمل بمشروعه ثم يعود إلى المنزل، يجدها قد وضّبت البيت، ووضعت لأجله العشاء، ومَكثت للنوم.
لكن هو لم يُرِد مثل هذه الحياة المُمِلّة والمَقيتة هذه، لم يُرِدها مُدبّرة منزل، طاهية، خادمة بمعنى آخر.
أرادها شريكة حياة...
أذلك مُستَحيل؟
ألا يستحق معها فرصة جديدة؟!
إلى متى ستُعاقبه بمثل هذه الطريقة المَقيتة؟!
ألن تَحِن؟ ألن تغفر؟!
عادة ما يعود ويفعل ما تُمليه عليه.
تناول عشاءك... خُذ حمامك... اخلد للنوم.
وكأن تحضيرها لهذه الأمور أوامر مُجحِفة تُطلِقها عليه ومجبور عليه تنفيذها، يشعر هكذا بما أنها تبذل جهدًا في تحضير كل شيء.
لكنه تحمَّل كثيرًا، صحيح أنه مُلام، لكنها مُلامة أيضًا، هي للآن لم تُقدم تفسير، ربما لأنه لم يسألها.
اليوم حينما عاد ووجد الطعام مصفوفًا على الطاولة سَخر من نفسه، ومنها، ومن هذا الطعام حتى، وتركه، وصعد إلى الغرفة.
كالعادة تنام على الطرف البعيد وتمنحه ظهرها، هو ألقى السُترة بقوّة على الفِراش، شعر بها ارتعشت، لم يهتم، فقط دخل إلى دورة المياه ليستحم.
حينما خَرج اقترب منها حتى وقف أمامها.
" أدري أنكِ مُستيقظة، انهضي، أُريد أن أتكلّم معكِ"
لم تجبه بل أكملت في تمثليتها الفاشلة، فحركت حدقتيها أسفل جفونها المُنسدلة ورموشها المُنغلقة بإضطراب، كذلك يديها التي تكمشهما زيادة على الغِطاء، كل ذلك يراه.
" حسنًا، لا تنهضي بنفسك، سأجعلك تنهضي على طريقتي"
سُرعان ما فتحت عيناها ودون النظر إليه تسآلت.
" ماذا تُريد؟"
" ألم تَملّي من الوضع الذي نحنُ فيه؟"
" حَررني إذًا!"
أمسك بمعصمها، وانهضها قاعدة على الفراش، ثم أحاط وجنتيها بكفيه فيما ينفي برأسه وهمس لها.
"لا يُمكن، ما تَطلُبينه مُستَحيل!"
أراد أن يُقبلها لكنها أشاحت عنه وظفرت في عينيها دَمعة.
"أنا وأنتِ نَعلم جيدًا أننا نُحب بعضنا، وكلٌ منّا يعيش لأجل الآخر.
كان بإمكانني تحريرك وكان بإمكانكِ الهروب، كُلٌ منا إنتظر أن يتخلى عنه الآخر، لكننا لم نَستطع وبقينا مع بعضنا هكذا مُعلَّقين"
جعلها تنظر إليه واتبع.
"ألا يُمكن أن تَغفري لي إنفعالي ذلك اليوم مُقابل إخفاءكِ لحقيقتك، أليس هذا عادلًا كفاية؟!"
فَلّتت نفسها منه، ثم نهضت تضع على جسدها الروب الناعم، سارت حتى وقفت مُستندة على الحائط، تعقد ساعديها إلى صدرها وتتحدث بنبرة هادئة.
" عِصابة المُلثَّم وجِدت لإنهاء عِصابة الأسمر، لا للسرقة ولا لمنافستك عليها."
كاي عقد حاجبيه لا يفهم فاتبعت توضح.
" أنتَ لا تذكرني، لكننا كُنا زُملاء في مدرسة الرقص، كنتُ شريكتكَ في التدريبات"
حاول أن يتذكر تلك الصورة لتلك الفتاة الغابرة من مراهقته، لديه ذاكرة سيئة بالفعل.
" كنتُ أُراقبك أنت وأصدقائك الثمان، جميعكم كنتم ضِمن نُخبة الطُلاب، أذكياء لكن متنمرون.
شعرتُ بالخوف والإنحطاط، وهذا ما منعني أن أخبركَ عن مشاعري الفتيّة آنذاك، أنتَ أذكى مني، خشيتُ أن تراني غبية ولستُ أليق بك، وما خشيته أكثر أن أكون إحدى ضحايا تنمرك، ولهذا أبقيتُ الأمر لنفسي.
بعد مرور السنين لٌجّ الشارع بسيرة عِصابة الأسمر.
شككتُ بك، لا أدري لِمَ، ربما لأنك كنتَ تملك مثل تلك الميول العنيفة من البداية، كنت أتتبعك ونحن في الثانوية، وكنت أراك تجتمع برفاقك بذلك المخزن المهجور.
حينما عُدتُ بعد سنين إكتشفتُ أنه مُباع لأحدهم، ويبدو أفضل من الخارج، تمت صيانته، وبدى صرحًا ضخمًا وخطيرًا.
حينما نقّبتُ عن اسم المشتري كان كيم جونغ إن، اسمكَ الكوري الذي لا يعرفه أحدى سوى الأساتذة في المدرسة وأنا.
علمتُ أنك الأسمر المقصود، وأنشأت ذلك التنظيم البسيط كي أعرقلك، ويظنوا الناس أن المُجرم تاب او اختفى بما أن لا جرائم تُرتَكَب، أي شيء بالنسبةِ لي كان أفضل من أن تُقتَل أو تُزَج بالسجن.
بعدما ضربتني بالرصاص قررتُ طريقة أخرى لعرقلتك، الدخول إلى قلبك بما أنكَ في قلبي، لم أكن واثقة لكنني حاولت فقط.
ولمعلوماتك؛ لم أُسجَن أنا أو جماعتي، لي أيدي طويلة عند المسؤولين.
هذه هي قصّتي معك"
نهض واقترب منها، ثم اجتذبها من ذراعها وجعلها بين ذراعيه، عانقها بحرارة، بكل ما في فؤاده من حُب، وبلا أي أسئلة أخرى قال.
" ونجحت مُهمّتك، الآن لا تتركيني ولا تتخلي عني، سأحسن معاملتك، أعدك!"
حينها إبتسمت ورفعت يديها لتٌحيط خصره.
" فرصتكَ الأولى والأخيرة، حسنًا؟!"
سُرعان ما أومئ وطبع على كتفها قُبلة محمومة بالحُب ومشاعر أُخَر.
رفع رأسه عن كتفها وهذه المرة حرص أن يُقبلها كما يشتهي، ثم يُشاركها خصوصيتها القُسوى لأنه لفرط الأشتياق يكاد أن ينفطر، ثم ينام بين ذراعيها الحنونين كما لم ينم من قبل، ثم لا ينتهي هذا الحُب أبدًا.
في ماضٍ ما؛ كان لي قلبٌ مُحتَرِق، لا يَحس ولا يهتم...
كان ضميري جافّ، كقطعة جماد قابلة للتحطيم... كنتُ بلا ضمير.
الآن تحول هذا الجماد لكائن حيّ يترعرع بداخلي بفضلك.
كما لو أنكِ حملتِ شُعلة من نور وأضأتِ بها قلبي.
حينها فقط شعرت أن ظلامي إنتهى، وأنني أقدر أن أعيش بصلاح.
إنها جُرعة حُب.
.................
في إحدى الأُمسيات الرومنسيّة، كانت إيري تَرقص على ألحان البوب، وكاي يجلس وينظر لها، ترتدي فُستان أحمر اللون إختمر على جسدها كاللون الذي على شفتيها.
ترقص لأجل أن تمرح لا لأن تُقدم على إغراءه، لكن ذلك ما حدث مع حبيبة الجامح، إذ إجتذبها حتى سَقطت في حُضنه، وبلا أي مُقدمات أخذ يُجرّدها من هذا الفستان الذي أشعره بالغيرة.
" حان وقت جُرعَتي من الحُب؟!"
" جُرعة؟! إنها بالنسبة لي طَلَقة!"
" لا يهم طالما إنه حُب!"
....................
سلاااااااااام
آااااخ * تمسح عرقها*
أكثر وانشوت مُتعب بس يستاهل، أحسه أحلى وانشوت كتبته👏👏👏👏
طبعا كلمات الأغنية بالخط الغامق نالها بعض التحريف مني، لكن احتفظت بنفس المعنى المطلوب، لكن عبّرت عنه بطريقتي.
حلوة هالطريقة؟ ولا قبل أحلى؟
المهم إذا عجبكم ادعموه
الوانشوت الجاي بعد 50 فوت و100 كومنت
رأيكم بشخصية كاي؟
رأيكم بشخصية إيري؟
الشخصيات الأخرى؟
رأيكم بالقصة؟
تقييمها من عشرة؟
إقتراحكاتكم للوانشوت الجاي؟
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
بطولة:
كيم جونغ إن (كاي)
...
" لا أدري ما لَعنتُكَ معي، لكن عليكَ التَنحّي جانبًا، فصبري يكاد يفيض وأقتُلك!"
تَبسّم كاي حينما سمع تهديدات عدوّهُ المُنفعل، إستنشق نفسًا من سيجارته قبل أن يرميها أرضًا ويدوس عليها بقدميه.
كان يسير بلا خوف، يتوسط ساحة العِراك بين الجماعتين، جماعتهُ خلفه وجماعة عدوّه قِبالته.
لكنَّ كاي شخصية جريئة وإلا ما أندس يومًا في مِثل هذا المَجال الخطير، الذي قد يخطُف عُمره ببضع ثوانٍ وطَلقة.
فتح كاي زِنديه، إذ تَرك صدره بلا حماية، وكما يتحدث عادةً، فأنه حتى بأكثر المواقف خطورة -كهذا- لا يَتَّسِم بالجديّة، بل أن السُخرية والإنقاص من الآخرين مَنهَج حياة بالنسبةِ له.
لذا بإبتسامته اللعوب وبنبرته الساخرة قال.
" هيا عزيزي، اقتلني ما دام صبركَ قد فاض منّي وامتلأت جِراره"
لاقه صدى صوته ثم صمتٌ مُقتِع من طرفيّ العِراك؛ فارتفع ناجذه بإبتسامة ساخرة، وأخرج من جيبة عُلبة السجائر، لتكون إحداها تسكُن شفتيه مُجددًا.
تراجع حتى بَلَغَ قومه، وبحركة تكتيكية لاعادية، إنما هي إثر خِبرات ومهارات في البلطجة أتت، أخرج سِلاحه من على خَصره وسدده بإهمال إلى أعداءه.
ثم كان الكلام أن حفَّز أتباعه لنشأة حرب حينما قال فيما شفتيه تزفر من بينها دُخّان السجائر الكثيف.
" ما رأيكَ أن نَلعب؟!"
ضحك بلا رنّات حينما تضادَّ الطرفين بالأسلحة، لكن نظراته إحتدت بظرف هُنيهات، وأنقلبت سِنحته الساخرة إلى أُخرى خَشِنة وجادّة إلى أقصى حد.
عدوه الذي يضدُّهُ بالسلاح لم يَكُ هَيّن أيضًا، بل إنه قويٌّ فتّاك، مثل كاي وربما أكثر، فقلبهُ يكتنز من الحِقد ما يَتَّسِع عكس عدوّه، الذي لا يذكر ماذا أكل على العشاء البارحة.
إلا أن الفرق الواحد الظاهر بين قائدي العصابتين- البلطجيّة- أن كاي يقود جماعته بحِس من السُخرية، الذي يجده الآخر تفاهة مُزعجة تودي بغضبه إلى الجحيم، فهو جديّ وحاسم إلى أبعد حد، ولا يحتمل المُزاح أبدًا.
إلا أن الأمر لم يَصل بينهما إلى القَتل وتبادل طَلاقات النار أبدًا، بل أن لهم أساليبهم الأُخرى بإيذاء بعضهم البعض.
كالذي يحدث الآن؛ إذ يُخطط كاي وعِصابته أن يسطو مُسلَحين -للتهديد والتخويف فقط- على إحدى الفروع المَصرفيّة، لكن ها عدوه يظهر من العدم؛ ليُعرقِل خُطَّتُه ويظفر بالمال وحده.
المكان الذي يتجادلان فيه هو إحدى المخازن اللامكشوفة تقريبًا، إذ يقبع خلف الفرع المَصرفيّ ببضع مئات المِترات.
علاقة العداوة بين الطرفين عَريقة، رغم أن أحدهم لا يعرف الآخر، ولو رأى كاي وجه عدوّه لن يَتعرّف عليه، فهو يُناديه بالكتكوت صاحب اللِثام، نظرًا لصغر حَجمه وقِلة قامته.
لكنه خطير، كالصرصور يبثَّ الرُعب في قلوب الفتيات، لكن ليس في قلب كاي بالتأكيد، فهو يهوى قتل الصراصير أينما يراها.
" تُريد أن نُسفك الدماء أم تَغرُب عن وجهي أنت؟!"
حاول كاي ولآخر مرّة أن يمنح ذلك العدو المُتربص به فرصة لينجو، لكن ثباته في مكانه وتأهبه لإطلاق النار، جعل كاي يتنهد ثم صَوّب ناحيته يقول.
"ليست مُشكلتي أنكَ تُريد الموت"
أطلق كاي أرضًا لتخويفه؛ لعله فرّ ووفر عليه عناء قتله، لكنه عنيد ويأبى أن يتحرَّك، لذا ما كان بمقدور كاي إلا أن يُسدد ناحية صدره وقال.
" هذه المرة حقًا سأطلق أيها الأبكَم الأصَم!"
وحقًا أراد أن يُطلق هذه المرة، ولا يخرج من هذه الساحة إلا قاتل أو مقتول، لكن صوتًا صاخب عَبَّئَ المكان، وإذ بالبوابة تُدفع ورجلٌ عبر مُكبّر الصوت يُهدد.
" ألقوا أسلحتكم واستسلموا وإلا الموت مَصيركم!"
استشرست ملامح كاي، كذا رجاله، وهذه المرّة وبلا مُفاوضات؛ أطلق على عدوّه فأصابه في كَتفه يُهسهس.
" لولاكَ لما أدركونا الشُرطة أيها الغبيّ!"
سَقط المُلثّم، حينها تهاوى الطَلق الناري على كاي وأتباعه كالمَطر المُنهمر، هربوا معًا عَبر السلالم التي تتصل بالسطح، وتودي بهم إلى أسطُح المخازن الأخرى، ثم تَجمعُّات المكاتب ونجوا.
لكن، واحد منهم لم ينجو...!
لاي- وهو ضِمن جماعة كاي- سَقط أرضًا إثرَ طَلقة إخترقت ظهره، واضطروا الشُبان أن يتركونه ورائهم لينجوا بحياتهم.
وكاي الذي نال طَلقة أتت في كتفه وكأن الرَب أسدى المُلثّم حقّهُ سريعًا، فلقد أصابته طَلقة من ذات النوع الذي أطلقه على المُثلم وفي ذات الموضع جَرحته.
لكنه أستطاع أن يهرب رُغم هول الألم الذي يَتقد في كَتفه، بل يشعر وكأن كُل خليّة حَيّة في جسده تبعث فيه الألم، كالنار تُضرَم بالهشيم.
رغم ذلك؛ قلبه كان يؤلمه أكثر من حرارة هذه الطَلقة، فلقد خسر صديق لا تابع، ولا يدري أتذبل زهور شبابه بالموت أو السجن؟!
" سَنعود من أجل لاي!"
ذلك كان آخر ما همس به، وآخر ما سمعه كان صوتَ رِفاقه، صورة تشانيول وسيهون المشوَشة، ثم أحدهم يحمله ويركض به.
كُنّا نَعشو نَحو بعضِنا البعض حتى تَجمَّدت المشاعر فينا...
سماع صوتك الذي بَدى حادًا على سَمعي خَلَّ بي أفكارًا جَمّة أردتني صريعًا والأنفاس.
عيوننا مُغطاة بالغَضب...
قلوبنا يحرس أقفالها الحِقد...
كُنا نتبادل تِلك الحَرب السخيفة مِثل أيّ أخرقين لم يُدركا بعد أنهما في يد تدابير القدر مُجرد دُمى يلعب المَصير في خيوطها.
إنها طَلَقةُ حُب.
.....
مَرَّ على الواقعة بِضعة أيام، قضى كاي تلك الأيام القَليلة في مَقرّ العِصابة الكائن على أطراف أنشتون حيث لا يسكن الناس.
ولأنه مَقرّ لعِصابة معروفة على المستوى الدولي فإن مَقرّهم مُجهَّز بما يلزمهم من مُعِدّات؛ مِثل الرُكن الطبيّ بما أنهم لا يستطيعون التوجُّه للمُستشفيات لو أُصيبوا أثناء عمليّة سطو.
كاي كان يَقعُد في سريره، يَلفّ كتفه ضمّاد ثقيل، ويده مُكبّلة بحامل، ثم باقي معالم صدره مكشوفة للعيان.
أمامه شاشة التلفاز، وقد وضِع على إحدى القنوات الإخبارية، لأنه ينتظر أن يسمع خبرًا عن لاي، فلا يهمونه الآخرين بقدر صديقه العزيز.
المُذيع ذا البدلة الكُحليّة وربطة العُنق المبتذلة كان ينظر إلى الكاميرا فيما يتحدث، وجهه بلا إيحاءات ولا روح لكن صلعته تَلمع.
" قامت قوات الشُرطة بالقبض على أفراد عِصابة المُلثَّم وقائدهم، كما قامت بالقبض على إحدى عناصر عصابة الأسمر دونًا عن البقيّة.
غدًا ستُعقد مُحاكمهتم، إذ أن عصابة المُلثّم بما فيها قائدهم اعترفوا بأعمال البَلطجة التي قاموا بها، إلا أن عضو العصابة المُعادية يرفض الإدلاء بأقواله، وسيتعرض للمُحاكمة بلا تحقيق"
أغلق كاي التلفاز ثم إستدعى إخوانه إليه، فغدًا فُرصتهم لتهريب أخاهم من قبضة الشُرطة والسجن، وهو ينتظر هذه الفرصة مُذُّ أول ليلة.
إلتموا جميعًا من حوله في بضع دقائق، حينها قال.
" فُرصتنا الوحيدة لتهريب لاي هي غدًا بينما ينقلونه إلى المَحكمة"
" ماذا علينا أن نفعل؟!"
وبما أن لكل منهم إختصاصه فكان وضع الخُطة وتقسيم الأدوار فيما بينهم ليس مُنهِكًا، فهم ليسوا مجرد بلطجيّة، بل هم محترفين بإختصاصهم هذا.
...
في اليوم التالي؛ كان تنقل لاي سيارة سِجن تسبقها سيارة شُرطة، وتتبعها مُدرَّعة، يخرج من فُتحة سقفها جُندي، يضع البُندقية التي يوجهها نحو سيارة الشحن على حامل ثقيل.
كل تلك الإحتياطات بإعتبار لاي مُجرم خَطير...
في داخل سيارة نقل السُجناء فأن لاي بمعصمين مُقيدين إلى السياج الداخلي للنافذة، قد ألبسوا كفّيه كيسيّ خَيش، وكاحليه مُكبّلين، كذلك في قدميه كيسي خيش آخرين وأمامه شُرطيان يسددان فوهة أسلحتهم نحو رأسه.
إلتوت شفتيّ لاي بسُخرية.
" كل هذه الإحتياطات خوفًا مني! لا أصدق يا إلهي!"
" أصمت!"
أجابه الشُرطي بنبرة غليظة فأومئ يهمس.
" سنرى من سيصمت في النهاية!"
توقفت سيارة الشُرطة على قارعة الطريق حينما أتاهم بلاغًا يقول.
" عِصابة الأسمر تحاول إستعادة عُنصرهم، ووردتنا معلومات من الداخل أنهم ينتظرونكم تَصلون أحراش قَصر العدل ليهاجموكم"
" ماذا علينا أن نفعل سيدي؟!"
" قِفوا على قارعة الطريق حتى يصلكم الدعم، إنها ثلاث سيارات من قوات الجيش"
" أمرُكَ سيدي!"
طَرق الكف الكف فيما بين بيكهيو،ن الذي تحدث معهم وعبقري الإلكترونيات سيهون، الذي إخترق أجهزتهم، و سرق صوت رئيس الشُرطة؛ ليستخدمه بيكهيون.
توقفت السيارات الثلاث على القارعة بإنتظار الدَعم الذي يخالونه، وحينما وَصلت السيارات الثلاث؛ خرج كاي لهم يُعرّف بنفسه على قائد الوِحدة على أنه جينرال في الجيش.
أتَمَّ الخُدعة خُصوصًا ببطاقة تعريفه المُزيفة، ثم طلب أن تتَخلَّل سياراته سيارات الشُرطة لتعزيز الحِماية، فأصبحت السيارة التي تحوي لاي بين سيارتين لعِصابة كاي.
تشانيول هدّاف ماهر، يستخدم قُدراته الفذّة بالرماية بإطلاق إبر التخدير على الشُرطيان بسيارة الشحن من الخلف.
أما تشين؛ فقد ظهر عبر النافذة الخلفيّة للسيارة التي في الأمام، يُشير ببُندقيته نحو الرجل الذي يقود سيارة الشَحن.
تأكد سيهون أن الأتصال بينه وبين الوِحدة مقطوع، لذا ما كان له خيار إلا أن ينقاد لأوامر العِصابة، وإلا خَسر روحه بطلقة على يد تشين.
تشانيول من السيارة الثانية خَرج ببُندقيّة كالتي يملكها الجُندي الشارد ذِهنه، وكان نشانيول أسبق بقَنص البُندقية التي يحملها الجُندي قبل أن يُضَرب هو.
فأصبحت المُدرّعة بلا سلاحها الرئيس، والجندي دخل هلِعًا إليها.
خرجت الأربع السيارات عن البقيّة، فأخذت سيارة الشرطة تُطلق عليهم الرصاص، لكنهم بشاحنات مقاومة للرصاص بما فيها العَجلات والزُجاج.
وهكذا أصبح لاي حُرًا من قَبضة العدالة.
.........................
بعد مرور شهور عِدَّة...
ما زالت أعمال عِصابة كاي مُستمِرة حتى اللحظة، لكنهم بعد الواقعة قبل شهور؛ الآن هُم أكثر حذرًا وأقل نشاطًا من السابق، فما عادت أيُ الكنوز تُغريهم.
عِصابة المُلثَّم وقائدها حُكم عليهم بالسِّجن المؤبّد، رغم ذلك فأحكامهم قابلة للتخفيف إن أحسنوا السلوك في السجن.
وأما الفريق فقد إستعاد روحه وطاقاته كذا عاداته القديمة، فهُم بنهاية كُل أسبوع يجتمعون في مَلهى، ويصطادون الفتيات طواعية إلى أسرَّتِهم إن توفر المزاج والجمال في الآن ذاته.
الشباب يستولون على طاولة للشخصيات الهامّة في الطابق العُلوي للمَلهى، والذي يَطلّ على ساحة الرقص في الأسفل، كان كاي الأكثر إطلاعًا عليها بما أن الرقص يستهويه، وهو الطريقة المُثلى لإغراءه.
وها هي بطلة هذه الليلة تَطل، ينتصف ساحة الرقص مَنصّة في مُنتصفها مُثبّت عامود لمَن ترغب أن ترقص بعونه.
وكانت هي التي لأجلها وضع كاي كأس الفودكا جانبًا، وأخذ يثمل من النظر إليها فحسب.
فتاة سمراء البشرة، ناعمة الملامح وحَسنة، شعرها بُنيٌّ أصيل، يطغى على نِصف طول ظهرها.
لها معالم أنثوية شاهقة وخصر منحوت دقيق، قامة متوسطة الطول، وساقين رشيقة، ترتدي فُستان رَقص ذهبيّ اللون بأكمام كاملة وشديد القُصر له هدائب، شفّاف من مناطق كثيرة ولاشفاف من مناطق أُخرى.
كانت ترقص إلى عامود الرقص بمهارة، عرضها الباهر جذب أنظار الجميع، إذ كانت تتسلقه، ثم تلوي ساقيها حوله وتدور، ثم تنقلب وتدور، ثم تنزل عنه وتؤدي حركات يميل بها خصرها ذا مُنحنيات الخمر والسُكَّر.
إنتهى عرضها والجميع صفّق لها حتى كاي، وبلا أي تأخير قرر أن يهبط إليها بما أنها فُرصة لا تُعوّض معها.
كانت تَجلس إلى البار فيما تَشرب المياه حتى ترتوي.
جلس بجانبها، فنظرت إليه، وإذ به ينظر لها بتلك النظرات المغموسة بالإغراء، والملامح التي تفوح منها الرجولة.
قال للساقي.
" حِساب الفتاة على حسابي واعطني كأس نبيذ"
لم تقل شيء، فقط نظرت إليه، ثم بعد حين حينما وصله كأسه قالت.
" ما الذي تُريده؟"
أجاب بلا تورية ولا تواني.
" أن أكشف عنك ما يستره هذا الفُستان وأجول بين تضاريسكِ بحُريّة"
ظنّ أنها ستغضب، أو تطرده، لكنها فقط إبتسمت ثم أخذت رَشفة من كأسها.
" احجز فُندقًا لائقًا ولا تُعاملني كبائعة هوى، حينها ستُحبني وأحبك كما تُريد وأُريد"
إرتفع حاجبه لكنه أومئ، أجرى إتصالًا، تجهّزت أموره، ثم خرج بها من المَلهى.
الطريق إلى الفُندق المقصود لم يَكُ بعيد، إذ أنه يقع ضِمن الأحياء القريبة، لكن أيٌ منهما لم يَقل شيء.
كاي يُريد جَسد وحسب لمرة واحدة ثم تنتهي الحكاية، المُتعة لِقاء المُتعة، وجسدها مُقابل جسده، عادل كفايّة!
لكنه حينما أصبح معها في غُرفة واحدة رأى وجهًا آخر لم يره لها في المَلهى، فهناك كانت ترقص بحرية، تتكلم بجراءة وتَميل بإثارة.
لكن الحياء الذي دَبَّ بها، والخجل الشديد الذي أصابها أربكها وهو فقط أسقط عن نفسه قميصه، لم يحدث شيء بعد!
قبض حاجبيه وتقدم منها ليقول.
" ألا تريدين؟!"
لم تَجبه، فقط أغمضت عيناها وأخذت نفسًا عميقًا ثم زفرته بهدوء، لكن كاي من النوع العَجول، لن يتفهم خجلها وهي كانت ترقص مع عامود قبل قليل.
ليس وكأنها عروسه، ليس وكأنه الرجل الأول لها بالتأكيد، فتلك الشخصيّات النقيّة لا تتواجد في المَلهى عادة.
توجه ناحية الباب وفتحه يقول بغلاظة.
" اخرجي إذن"
لكنها قالت.
" بلى، أُريد"
" مُتأكدة؟!"
أومأت فعاد لها، وقف أمامها وبلا مُقدِمات كَبَّل ذقنها بين أنامله، رفع وجهها إليه واصطاد شفتيها الزكيّتين.
جعل يتقدم وتتأخر حتى سَقطت على السرير وكان هو في مكانه المعلوم أعلاها، دَق ناقوص الرغبة، ومَرَّ في ليلةٍ حمراء شهيّة، أروت عَطشه.
كان قاسيًا ولامُراعيًا، لكنه لم يَكُ باردًا بل يحترق كنار تَضترم، قدمت له الحُب الذي أراد وفعل هو أيضًا.
لكن المُفاجئ، أنه وفيما يجلس على الأريكة التي تُجاور السرير عاري الصدر، كان ينظر إليها بلا أن تهرب نظرة من عينيه إلى شيء غيرها.
"لِمَ أنا؟!"
تسآل.
كانت تستتر بالغِطاء الأبيض، حينها إبتسمت إبتسامة موجِعة، إذ بان له أن شيئًا ما لا يسير كما العادة، وأكد ذلك كلامها، حينما نظرت في عينيه وأجابته.
" ربما لأنّي أُحبّك"
اتسع مَحجِر عينه وارتفع حاجبه، ثم اتكز بمرفقه على فخذه وأشار إلى نفسه بإستنكار.
" تُحبيني وقد ألتقينا مُذُّ ساعات فحسب؟!"
بانت إبتسامة ساخرة على شفتيها وقالت.
" ألستَ كيم كاي قائد عِصابة الأسمر؟!"
دُهِش مما قالت، سُرعان ما نهض وأصبحت السكين التي كانت ضمن سلة الفواكة على عنقها، تسلّقها يقيدها به وقال.
" كيف تعرفين؟! من أنتِ؟!"
تكلّمت، لم تَكُ خائفة منه إطلاقًا، بل إن نبرتها ثابتها وعيناها لا تُراقب بل تتأمل ملامحه التي استشرست.
" لن أُسلّم نفسي لرجل لا أعرفه، ولن أسمح له أن يكون أول رجل لي وآخر رجل وأنا أجهله، أنا واقعة في حُب مُجرِم مُذُّ سنين!"
لم يَكُ يدري كاي ماذا يفعل في هذا الموقف، هو لا يعرف هذه المرأة ولا يثق بها، لذا لم يَكُ له خيار سوى أن يسحبها معه، ولأسره تصبح طيّعة حتى يَجد حلًا معها.
" ارتدي ثيابك وامشي معي بصمت وإلا هذه السكين اللطيفة ستخترق حلقكِ، حسنًا حُلوتي؟!"
لم تَكُ لتتحرك بخلاف ما هو آمن ويريد، لكنها بنبرة واثقة أعلمته أنها تعلم عنه أكثر مما قد يظن قالت.
" أدري أنك لا تقتل أحد، ربما تُصيب أحدهم، لكنك لا تقتل، أنا لا ارغب في إيذاءك أو إيذاء نفسي، أنا فقط تحدثتُ معك بصراحة عن أسبابي"
تَحرقني نار حُسنكِ الموقَدة على فؤادي، وأكاد أنسى كيف أتنفس بين حسناتكِ، أشعر وكأنني أنفصم إلى جُزئين، جُزءًا يحترق وجزءًا يختَنق.
أنا أَعطُشَكِ، ومع هذا الكأس منكِ؛ سأتجاوز كل الحُدود معكِ في هذه الليلة الخطيرة المُسممة بحلاوتكِ.
إنها جُرعَة حُب.
...................
ما لم تتوقعه إيري حَدث، إذ وجدت نفسها حبيسة غُرفة ضيّقة ومُعتِمة لثلاثةِ أيام، لم يزُرها فيها أحد، فقط في اليوم الأول دخل إحدى رِفاقه.
كان طويل القامة ذا جسدٍ رياضي تكسوه العضلات المفتولة، حِنطي البشرة وملامحه خشنة ووسيمة، كذلك صوته عميق.
عرّف عن نفسه أنه تشانيول، إحدى أفراد العِصابة وأصدقاء كاي المُقرّبون، كان من حمل لها الطعام في أول صباح ومن حمله لها في الثلاثة أيام التالية.
لم يتحدث معها بشيء ولم تعرف عنه أكثر من اسمه، الليلة وهو يوصل لها العشاء استوقفته بسؤالها.
" إلى متى سأبقى هُنا هكذا؟! ألن يأتي كاي؟!"
إلتفت لها، ثم اقترب ليجلس القُرفصاء قُربها أرضًا.
" آنستي، كاي بجديّة يُفكّر بقتلك، لا أرى أن حضوره هُنا سيكون خيارًا جيدًا لكِ."
لم تخشى فكرة أنه يفكر بقتلها بقدر ان تضيع فُرصتها معه هباءً لِقاء بقائها حبيسة هكذا.
" أهذا يعني أننا سأبقى هكذا؟!"
أومئ لها تشانيول ثم تنهد.
" أظن ذلك، الآن فلتبقي هكذا حتى نتدبر أمرك ونفعل شيئًا ما"
خَرج وتركها ككل ليلة وصباح وحدها، إحدى يديها مُقيدة بسلاسل مُثبّتة إلى الحائط، تَطول حتى تقدر أن تصل دورة المياه فقط، ولا تَطول حتى الباب، فلا تقدر أن تطرقه ولا أن تفتعل فوضى حتى ضمن هذه الجُدران العازلة كما أعلمها تشانيول.
شعرت بالندم الشديد أنها أخبرت كاي بمعرفتها المُسبقة به، هي أرادت أن تكون مُميزة بالنسبة له، ليست مُجرَّد جَسد تَسلّقه ثم عَبر عنه وحسب.
أرادت أن تَعلق في ذهنه بأي طريقة كانت، لأنها لا تَنوي الخلاص منه بليلة واحدة، تُريده العُمر كُله.
ولهذا تتبَّعتهُ إلى المَلهى الذي يقصده، وتصرّفت على غير سجيتها المُعتادة، إذ رقصت بإثارة وجنون، فقط لأجله.
توالت بِضع ليالٍ أُخَر حتى آتاها أخيرًا، كان يَلبس نَظرات قاتمة وملامحه مُتعبة، عيناه حمراء لِقاء السُكر والسَهر وبيده قدح خمر، يغمر به شفتيه كُل فينة.
كان ينظر لها وكأنها جُرحه، جُرح لا يعرف كيف تسبب به لنفسه، لا تنكر أنها خَشته؛ وخصوصًا عندما إنحنى على عقبيه قُربها، واجتذبها من معصمها إليه حتى تكاد الأنفاس أن تختلط.
" تعلمين شيء؟!"
دقّ صدره بثمالة واتبع.
" أنتِ تُعذبيني...
لِمَ لم تكوني مُجرّد إمرأة منحتُها الحُب مُقابل جسدها في ليلة عابرة وحسب؟!
لِمَ كان عليكِ أن تعرفيني وتضعيني في مِثل هذه الضائقة بيني وبيني؟"
تنهد، وجلس أرضًا، ثم كان ينظر في عينيها المُسبَّلة بأهدابٍ تتلاقى بعاطفة مُشفِقة عليه.
" صحيح أنني أكبر سارق عرفتهُ كوريا، وعندي من الأجهزة والأسلحة ما يقدر أن يهزّ أمن البلاد، لكنني لم أقتل إنسانًا قط!"
ثم ضحك بثمالة واتبع النظر في عينيها، لكن عينيه استشرست واحتدت مع نبرته هذه، ويده التي أطبقت كالفكّ على فكّها.
" لكنني حاولتُ مرّة ولستُ أندم عليها، لذا لا ضَرر في تجربة أُخرى، قد تنجح، أليس كذلك؟!"
أخرج مسدَّسه ووضعه في صِدغها، أغمضت عيناها برهبة وأثّاقلت أنفاسها، لكنها بنبرة مُهتزة حاولت تهدئته، وقول ما يسعها قوله في مثل هذه الحالة المُرعِبة.
" لو أنني أردتُ التبليغ عنك لم استدرجتكَ إلى جُرعة حُب ثم اعترفتُ لك بما أعرفه عنك، لكنتُ بلَّغتُ عنك واستدرجتُك لأجل الشُرطة، لا لأجلي"
تراخت يده التي تحمل السلاح على صِدغها، حينها فتحت عيناها ونظرت إليه، قد شعرت بضياعه لذا حاولت تصحيح مَساره بكلماتها العطوف.
" أنا حينما قُلتُ لكَ إنني أُحبُّك فلقد عَنيتُها بكل جوارحي ومشاعري، أنا أُحبُّكَ يا كاي، أرجوكَ صدّقني!"
يكاد الحُب والعاطفة الجياشة أن تَنفر من عينيها اللامعة ونبرتها الحَساسة، أفاضت كأس العاطفة لديه وهو لم يسبق له أن أحبه أحد.
الناس تخشاه، تتناقل عنه الأخبار، يتمنون له الموت، والصالحون منهم يتمنون له عيشة أبديّة ذليلة في السِجن.
لأول مرة أن تحبه إحداهن رغم أنها تعلم من هو، هي إمرأة أرادت الولوج إلى قبله، وهو رجل يحمل على قلبه أقفال صَدئة، لا تحتاج سوى كلمة حُب لتفتح.
وها قد فُتِح وولجت، لأنه يتعطش للحب مُذُّ زَمن، ربما لم يَكُ يُدرك ذلك من قبل لكنه يدركه الآن.
هو أحوج ما يكون إلى إمرأة ليّنة طيّبة تحتويه في كل ظروفه وحالته مهما بَلغ من حُسنٍ أو سوء، أراد إن يكون مُجرّد رجل عادي يحظى بحياة هادئة مع إمرأة يُحبها.
كانت تبكي أمامه، وكذلك هو من فَرط الثمالة والألم، لا تتكلم الألسنة في مِثل هذه اللحظات، لكن العيون تتكلم أفضل من أي لسانٍ بليغ فصيح.
يده التي كانت على فكّها بقبضه إحتوت ذقنها برِقّة، واجتذب وجهها إليه، ثم جعل يُقبل تلك الشِفاه، دفّاتها ومعالمها كلها، جَوهر الحُسن.
وهكذا يبتدأ فصل جديد من الحُب بينهما.
حتى لو عَصبتُ عينيّ عن عينيكِ التي توحي لي بصدق أحاسيسكِ، ولو صممتُ أُذناي عن لسان العَندليب في حُنجرتكِ.
حتى لو أجبرتُ نفسي ألا أُصدقك وآتسآل بيني وبيني عمّا أكِنّه لكِ وتكنّيه لي، الإجابة هي الحُب دومًا وبلا مُنازع.
لطالما مَلأتني بالغرور وجوّعت نفسي عن كل شيء قد يُحطط من غروري، كالحُب.
أبقيتُ على قلبي فارغ من عواطفي مِثل كأسٍ فارغ، لكنكِ الآن أتيتِ وملأتِه حتى شِغافه، وشِفاهه، وضِفافه...
لذا الآن دعيني أسمعكِ تقولينها لي...
قولي "أُحبُّكَ!"
إنها جُرعةِ حُب.
.....................
تَمُر الأيام بجمال وبهاء، الأيام الفارطة... تلك كانت أيامًا سعيدة، فيها قضى كاي في بحبوحة الحُب أيامه، وعرف نفسه وما يريد أكثر من ذي قبل، أفضل من أي وقت.
لا يدري كيف تَسللت تلك الفتاة إلى داخله، وكأنها تداخلت ودمّ شرايينه، ثم أخذت تتسكع في حُجرات قلبه؛ كما لو أن هذا القلب مِلكها وتحت تصرُّفها... وهكذا كان.
اليوم كان لجماعته إجتماعًا في المَقرّ الذي قلّما يخرج منه كاي، فهُنا مَركز أعماله وهُنا أبقى على إيري.
إلا أنه حينما وَلج قاعة الإجتماعات كانت الوجوه مقبوضة، وهكذا خَرج وحده لاحقًا.
لكنه خرج هزيلًا مُتآكلة روحه عكس ما دخل عليه، لقد صرخ ورفض التصديق، لكن الأدلة كُلها حقيقيّة ولا يُمكن تزويرها.
لقد ضمَّ أسفل جَناحه أفعى ظنّها طائر مُسالم، مُلوَّن، وجميل.
لم يَقل ما هو بفاعل بها، فقط ذهب إلى قعر داره ضمن أركان المَقرّ بخطى تكاد أن تعود أدراجها.
أمسك مِقبض الباب، لكنه تنفس بعمق قبل أن يفتحه، ثم دخل بملامح مُشرِقة تعوَّد عليها مؤخرًا، كذلك هي.
كانت تَجلس إلى تسريحتها، تضع مُرطباتها إستعدادًا للنوم، لكنه حينما دخل ابتسمت وسارت إليه حتى عانقت عُنقه بين ذراعيها النحيلين، وطبعت قُبلة مُعتادة وخفيفة على شفتيه.
إسترسل في النظر إلى مَعالمها المُشرقة، اجتذبها من خصرها إليه واتبع النظر فيها، هي لم يسبق لها أن تدخَّلت بعمله.
الأحاديث بينهما تقتصر على علاقتهما وخصوصياتهما فقط، لا شيء خارج هذا النِطاق قط.
عقدت حاجبيها، وأخذت تتحسس وجنته بأناملها حينما أحَسّت بأنه ليس على ما يُرام.
" أمِن خَطبٍ كاي؟"
نفى مُتنهدًا، ثم تجاوزها ليجلس على السرير، ثم أشار لها على ساقه؛ كي تجلس عليها، ففعلت ولفّت ذراعيها حول عُنقه.
غَلغَل أنامله الخَمس بين خُصل شعرها البُندُقيّة وراح يُداعبها عَبره، ثم هبطت يده ليسقط الروب عن كتفها فتعرّى، تحسس الوَشم الذي على كتفها.
خشونة بشرتها أسفل الوَشم لم تُشوِش تفكيره يومًا أو تقلقه بشأنها، تَبسّم ساخرًا من نفسه، شفتيه لم تكن حساسة لتلك الخشونة منذ أنه مغمور من رأسه حتى أخمصه فيها، الآن إسترد وعيه وأدرك أنه كان لها مجرد دُمية وانتقام.
" كاي، لا تبدو لي بخير وأنا بدأتُ أقلق!"
تبسّم لها ومسح على شعرها برقة يقول.
" تَعرّي"
" ها؟!"
تَبسّم.
" من كل خجلكِ الليلة وكوني لي مجددًا"
إجتذبها من مؤخرة عُنقها وأوصد على شفتيها بشفتيه، الليلة قرر أن يحبها للمرة الأخيرة كهدية وداع.
أخذ يَطبع قُبل ناعمة وهادئة على وجهها هُنا وهُناك وهي كانت بين يديه ساكنة لا تتحرك، تنتظر منه المزيد، وتَحِس بكل لَمسة رقيقة منه حتى أبعد رُقعة حِس تتضمنها روحها قبل جسدها.
أسدلها على الفِراش الوثير بحِرص تام؛ وكأنه يخشى أن يخدشها الفِراش حتى، ثم انبسط عليها يُحبها بطريقته وكما يُحب.
جعل يُقبل كل إنش من عُنقها ثم كتفها وتحديدًا فوق الوَشم، الذي وضعته؛ لتُخبئ نُدبة رصاصة كان هو من أصابها بها.
أحبها حتى تهالكت الأجساد وانتُهِكَت الأنفاس، ثم كانت بين ذراعيه تَنام، رأسها فوق صدره ويدها على قلبه، تنام على مِثل هذا التناغم الوثير.
ليتها تَعرّت من كل أقنعتها وأسرارها معه، وأخبرته أنها كذا وكذا، لربما كان قد غفر لها، الآن هي بالنسبة له مُجرّد تهديد بَحت.
بهذا الهدوء تَنام على صدره ضمن أجواء هادئة، وهو داخله ضجيج مُنفِر يكاد أن يتفجر منه ويَعبُره.
مَضى طيلة الليل مُستيقظًا، سلاحه بيده، يضع فوهته قُرب رأسها، طيلة الليل وهو يحاول أن يقتلها لأنها خانته بمثل هذه الطريقة البَشِعة، لكنه لم يستطع مهما ضغط على نفسه، يده مُكبّلة، لا يستطيع.
مع بزوغ الفجر خرج من عندها، أغلق الأبواب والنوافذ عليها، وأوصى إخوانه ألا ينسوها من الطعام، ثم غادر.
لا يعرف إلى أين وإلى متى... كاي فقط إحتاج عُطلة طويلة الأمد يقضيها بينه وبينه، لعله توصّل إلى نَتيجة لما سيفعله معها.
الحُب والكُره يتبادلان الأدوار في قلبي...
حينًا أرغب بضمّكِ حتى تنامي بين ذراعيّ بهناء ككل ليلة قضيناها معًا.
وحينًا أرغب بضمّكِ حتى تختلط عِظامك داخلك وتتكسري.
ذكرياتنا الجميلة تَصبَّغت بالأبيض، فقدت ألوانها ثم جَفّت داخلي ثم أخذت تتلاشى شيئًا فشيئًا، يومًا بعد يوم.
وكأننا يومًا لم نَكُن، وكأن الحُب الذي تَربى بيننا وأدناه.
إنها طَلقة حُب
........................
أعمال العِصابة عادت إلى سابق عهدها، تقتات على رِزق الأوباش من الناس، يسرقون السارقون، والمُرتشين، ومُطالبي الأتاوات، وما إلى ذلك.
الليلة وهم مُنتَهون من مُهمَّتُهم بنجاح كما العادة، كانوا جميعًا بسيارة النقل (الفان) التي تَخصّهم.
حينها وصلهم خَبر من صديقهم سيهون، الذي بَقيَّ في المَقر وأدار مَهمّاته عن بُعد، فلقد أمر كاي أن يبقى أحد في المَقر كي يعتني بفتاته الأسيرة ولا تضيع وجباتها، وكلما سُئلَ عنها قال أنه سيقتلها، تناقض عظيم بالفعل، هو يعلم!
كان سيهون يَلهث كما تبين من صوته، ويبدو مُتعَب، وربما يتوجّع بما أنه يأنّ.
إتصل سيهون بكاي وأعلمه على عَجلة وهو بحال صَعب.
" كاي، فتاتُكَ هَربت، ضربتني على رأسي ولا أدري كيف خرجت!"
أغلق كاي الخَط وبلا أي إنفعال طلب من أصحابه.
" دعونا يخرج كل واحد منّا في سيارته ويُحاصر المَنطقة، فتاتي هَربت ولكنّي لا أظنُّها ابتعدت، دعونا نُمسِك بها الليلة"
نُفِّذ الأمر، إذ خرج كل واحد منهم في سيارته، وحاصروا المنطقة ثم أخذوا يبحثوا في نِطاق المَنطِقة عنها.
مَرَّت ساعات على البَحث حتى اتصل سيهون بكاي وأعلمه.
" وَجدتُها، كانت تَختبئ بين الأحراش القريبة"
أدار كاي المِقوَد وبأسرع ما أمكَنه ذَهب إلى المَقر.
تفاجئ أن كل الشباب سبقونه إلى المَقر، لأنهم يدرون أن ردة الفعل الهادئة قبل وقت الآن يأتي نِتاجها، حاوطوه حينما سَحب من الدُرج إحدى الأسلحة وعرقلوا طريقه.
"أنت تُحبها! لا يُمكِنك إيذائها!"
جعل فوهة المُسدس براحة كفه، ثم أشار إلى أصدقائه بحاجب مرفوع وسبابته تُندِّد.
"من الأفضل ألا يتدخل أحد منكم في الأمر!"
ذهب إليها، فتح عليها الباب بقوّة، كانت تتكوم في الزاوية حول نفسها وتَبكي، لكنها حينما رأته نَهضت سريعًا، وركضت إلى ذراعيه التي تَضنُّها آمنة الآن.
"كاي! أين كُنتَ طيلة الفترة السابقة؟! كيف لكَ أن تَهجُرني هكذا؟!"
ما كان ليشعر بقلبها الذي ينبض بجنون، وذراعيها حول عُنقه ترتجف، ولا بنبرة صوتها المهزوزة، ولا حتى بدموعها وحسيسها.
فقط نَبس.
" كيف خرجتِ؟!"
ضيّقت ذراعيها عليه ولم تَجبه؛ لأنها خافت هذه النبرة، التي تعرفها جيدًا؛ لكنه قط لم يستخدمها معها.
صرخت عندما شعرت به ينتشلها عنه من شعرها، وهَدرَ بوجهها صارخًا.
" كيف خَرجتِ؟!"
إزدرئت جوفها.
" كاي، أنا..."
" أنتِ ماذا؟"
أفلتها فيما يدفعها عنه فسقطت أرضًا، اقترب منها، ثم جلس القُرفصاء قُربها، يرى الخوف يتغذّى في عينيها، وفكّها يرتجف لِفرط الخوف، كذلك قد شحب لونها، والعرق يتصبب من على جبهتها.
" ولِمَ أسألكِ حتى؟"
تحسس وجنتها بقِفا أصابعه واتبع.
" فأنتِ خبيرة بتلك الأمور بما أنكِ قائدة عِصابة"
شهقت واتسعت عيناها، لا يُعقَل أنه إكتشف الأمر، فيما هو اتبع ينظر في عينيها.
" أليس كذلك، أيّتُها المُلثَّم؟!"
إزدرئت جوفها مُجددًا، ثم أخذت تَنفي برأسها تُهمه، هي صحيحة لكن ما يُفكر به ليس صحيح، حُبها لم يَكُ مكيدة لإسقاطه، هي تُحبّه بالفعل.
" كاي، ما تُفكر به ليس صحيحًا!"
نفى برأسه، ثم فاجئها حينما قبض على عُنقها بقبضة من حديد؛ فجعل يخنقها.
" أنا لن أسمع المزيد من أكاذيبك!"
تمسّكت بيده على عُنقها، وحاولت الإفلات منه لكنه يأبى حتى إحمرّ وجهها وباتت تلفظ أنفاسها الأخيرة، حينها سقطت من عينها دمعة وهمست قبل أن يُغشى عليها.
" لقد أحببتُكَ حقًا!"
حينها أفلتها ونظر لها تسقط من بين يديه لتحتضنها الأرض، شعر بالدُنيا تضيق عليه وتَسوّد، رؤيتها هكذا آلمته، بهذا الضُعف، وكأن الذي تجرأ وخنقها لم يَكُن هو.
سُرعان ما حَملها على ذراعيه ورَكض بها إلى غُرفة العيادة يصرخ.
" بيكهيون بسرعة تعال!"
هرع بيكهيون ليرى ما بها، إنه مُمرِّض سابق لذا هو المسؤول هُنا عن العيادة.
فحصها، ما زالت حيّة، لكن نبضها ضعيف، وذلك ما دفع بيكهيون أن يشتم صديقه الذي ينظر لها من بعيد ويبكي.
" يا لكَ من مخبول!"
الجِراح أصبحت تَحفر في روحي أعمق وأعمق كل يوم.
إهدأ يا أنا...!
تِلك الجِراح من صُنع الكلمات، تؤلم!
أصبح قلبي يغشوه السواد والظُلمة...
أين الحُب؟!
....................
مَرّت تِلك الليلة المجنونة بهدوء أخيرًا، إيري نائمة في فِراش كاي الوثير، وكاي يجلس على الأريكة التي تجاور السرير ويُراقبها بلا كَلل حتى حَلَّ الصباح عليه.
إستيقظت على ضوضاء الظُهر، فتحت عيناها وإذا به بجانبها، لم يَكُن ليجرؤ أن يسأل عن كيف تَشعُر، لأنه من أودى بها إلى تِلك الحالة اللاطيّبة.
إن أصابعه قد تركت علامة أليمة على عُنقها، وهي بالفعل تَسخط عليه، فكيف يُكلّمها؟!
أشاحت بوجهها إلى الجِهة التي تَخلو منه وفيما تَنحدر دمعة من عينيها همست.
" دعنا ننفصل"
تنهد ثم وقف إلى النافذة، كفّاه في جيوب بِنطاله، بدى باردًا لكنه لم يَكُن في الحقيقة، إنه مُجرد قِناع يُخفي به عنها خوفه من الفُراق وأفتراقها.
" علاقتنا ليست عادية لتنتهي برغبتكِ بالإنفصال لأننا أشخاص لاعاديون، ما إن تَدخُلي حياتي لا تخرجي أبدًا!"
نظرت إلى ما يواجهها منه، ظهره المَنصوب بكبرياء.
" إذًا اقتلني، ليس وكأنَّك لم تحاول!"
إنتهت بنبرة ساخرة فجعل يواجهها إذ إلتفت ونظر لها.
" لو استطعت لقتلتك مُذُّ زمن، ينتهي عذابكِ بطلقة، ماذا عني؟!"
تنهد واتبع.
"سأُعاني طيلة حياتي"
هطلت غيومها بسخاء تسقي أراضي وجنتيها كذا تُبلل روحها ذات النُدَب.
" لِمَ؟ لا يُعقَل أنكَ تُحبُّني مثلًا، ليس وكأنّ سبق لك أن قُلتها لي حتى!"
عقد حاجبيه بأستياء واستنكر.
" أعلي قولها لتشعري بحُبي؟!
الافعال لها لسان، لولا أنني أُحبك لما ابقيتكِ حيّة حتى الآن"
أومأت وابتسمت هازئة فيما تمسح دموعها.
" من الجيد أنني سمعتها مرة على الأقل، لكن ليس بمثل هذا الموقف!"
تنهد كاي وساق نفسه إلى الخارج.
" تعافي سريعًا ولا تحاولي أن تهربي مني مُجددًا!"
وهذا ما حدث بالضبط، حياة عاديّة لكنها ليست إعتيادية، فلقد إعتاد أن يرجع لها مُحمَّل بأثقال يومه، لكنه حينما يراها تبتسم وتقفز إلى جِذعه تعانقه ينسى كل مشاغله ولا يتذكر سواها أمرًا.
لكنه أصبح يعود ولا يراها تنتظره، إما نائمة، وإما تقرأ كتابًا، وإما تُشاهد عروض التلفاز، لا شيء مهم، لا تُلقي عليه نظرة حتى.
تنام وتمنحه ظهرها ولا تُكلمه أبدًا، بل تعتبره غير موجود.
في إحدى الأيام قرر الشباب أن يجتمعوا لِفَضّ العِصابة، فإن وجد كاي فتاة ليعيش معها بقيّة حياته البقيّة لم يفعلوا وهُم مقيدين بِنطاق إجرامي كهذا.
لم يستطع كاي أن يمنعهم، لأن لا حق له في هذه المسألة، لقد اجتمعوا على هذا الأمر لأنهم يريدون، وسيفضّوه لأنهم يريدون.
لا بأس بخسارة مفهوم هذه العِصابة، لا بأس...
لكنهم سيبقوا أصدقاء أوفياء كما روح واحدة بتِسع أجساد، حتى لو اختلفت مضاجعهم، وحتى لو فرّقتهم المسافات لبعض الوقت، وأصبح لكل منهم حياته الخاصّة.
المال الذي أتوا به من هذه العُصبة ليس بقليل، استطاع كل واحد منهم البِدء بمشروعٍ شريف، والإلتحاق بوظائق لائقة، كذلك حصل كل منهم على منزل فسيح على الطراز الحديث وسيارة فاخرة.
وهكذا أصبحت مسارات حياتهم مُختلفة، كاي مثل غيره منهم، اشترى منزلًا وسيارة، إلتحق بوظيفة لائقة وافتتح مشروعه الخاص، وهي مدرسة رَقص.
أما أيري فانتقلت من سجن ضيق إلى سجن أوسع فحسب، مع صِفر تقدم في علاقتها مع كاي، ما زالت تتجاهله ولا تُحدِّثه رغم مُضيّ شهور على الحادثة.
أُناس يأتون وأُناس يَرحلون... هكذا هي الحياة.
لكنني أنا وأنتِ بَقينا عالقين معًا في عالمنا الصغير هذا...
بِبُطء أصبحنا مُعتادين على خمول المشاعر القائم بيننا...
.........................
للرجال حُدود مع الصبر كما لا حُدود للتجاهل مع النِساء... هكذا هي الحال.
العمل الوظيفي ثم العمل بمشروعه ثم يعود إلى المنزل، يجدها قد وضّبت البيت، ووضعت لأجله العشاء، ومَكثت للنوم.
لكن هو لم يُرِد مثل هذه الحياة المُمِلّة والمَقيتة هذه، لم يُرِدها مُدبّرة منزل، طاهية، خادمة بمعنى آخر.
أرادها شريكة حياة...
أذلك مُستَحيل؟
ألا يستحق معها فرصة جديدة؟!
إلى متى ستُعاقبه بمثل هذه الطريقة المَقيتة؟!
ألن تَحِن؟ ألن تغفر؟!
عادة ما يعود ويفعل ما تُمليه عليه.
تناول عشاءك... خُذ حمامك... اخلد للنوم.
وكأن تحضيرها لهذه الأمور أوامر مُجحِفة تُطلِقها عليه ومجبور عليه تنفيذها، يشعر هكذا بما أنها تبذل جهدًا في تحضير كل شيء.
لكنه تحمَّل كثيرًا، صحيح أنه مُلام، لكنها مُلامة أيضًا، هي للآن لم تُقدم تفسير، ربما لأنه لم يسألها.
اليوم حينما عاد ووجد الطعام مصفوفًا على الطاولة سَخر من نفسه، ومنها، ومن هذا الطعام حتى، وتركه، وصعد إلى الغرفة.
كالعادة تنام على الطرف البعيد وتمنحه ظهرها، هو ألقى السُترة بقوّة على الفِراش، شعر بها ارتعشت، لم يهتم، فقط دخل إلى دورة المياه ليستحم.
حينما خَرج اقترب منها حتى وقف أمامها.
" أدري أنكِ مُستيقظة، انهضي، أُريد أن أتكلّم معكِ"
لم تجبه بل أكملت في تمثليتها الفاشلة، فحركت حدقتيها أسفل جفونها المُنسدلة ورموشها المُنغلقة بإضطراب، كذلك يديها التي تكمشهما زيادة على الغِطاء، كل ذلك يراه.
" حسنًا، لا تنهضي بنفسك، سأجعلك تنهضي على طريقتي"
سُرعان ما فتحت عيناها ودون النظر إليه تسآلت.
" ماذا تُريد؟"
" ألم تَملّي من الوضع الذي نحنُ فيه؟"
" حَررني إذًا!"
أمسك بمعصمها، وانهضها قاعدة على الفراش، ثم أحاط وجنتيها بكفيه فيما ينفي برأسه وهمس لها.
"لا يُمكن، ما تَطلُبينه مُستَحيل!"
أراد أن يُقبلها لكنها أشاحت عنه وظفرت في عينيها دَمعة.
"أنا وأنتِ نَعلم جيدًا أننا نُحب بعضنا، وكلٌ منّا يعيش لأجل الآخر.
كان بإمكانني تحريرك وكان بإمكانكِ الهروب، كُلٌ منا إنتظر أن يتخلى عنه الآخر، لكننا لم نَستطع وبقينا مع بعضنا هكذا مُعلَّقين"
جعلها تنظر إليه واتبع.
"ألا يُمكن أن تَغفري لي إنفعالي ذلك اليوم مُقابل إخفاءكِ لحقيقتك، أليس هذا عادلًا كفاية؟!"
فَلّتت نفسها منه، ثم نهضت تضع على جسدها الروب الناعم، سارت حتى وقفت مُستندة على الحائط، تعقد ساعديها إلى صدرها وتتحدث بنبرة هادئة.
" عِصابة المُلثَّم وجِدت لإنهاء عِصابة الأسمر، لا للسرقة ولا لمنافستك عليها."
كاي عقد حاجبيه لا يفهم فاتبعت توضح.
" أنتَ لا تذكرني، لكننا كُنا زُملاء في مدرسة الرقص، كنتُ شريكتكَ في التدريبات"
حاول أن يتذكر تلك الصورة لتلك الفتاة الغابرة من مراهقته، لديه ذاكرة سيئة بالفعل.
" كنتُ أُراقبك أنت وأصدقائك الثمان، جميعكم كنتم ضِمن نُخبة الطُلاب، أذكياء لكن متنمرون.
شعرتُ بالخوف والإنحطاط، وهذا ما منعني أن أخبركَ عن مشاعري الفتيّة آنذاك، أنتَ أذكى مني، خشيتُ أن تراني غبية ولستُ أليق بك، وما خشيته أكثر أن أكون إحدى ضحايا تنمرك، ولهذا أبقيتُ الأمر لنفسي.
بعد مرور السنين لٌجّ الشارع بسيرة عِصابة الأسمر.
شككتُ بك، لا أدري لِمَ، ربما لأنك كنتَ تملك مثل تلك الميول العنيفة من البداية، كنت أتتبعك ونحن في الثانوية، وكنت أراك تجتمع برفاقك بذلك المخزن المهجور.
حينما عُدتُ بعد سنين إكتشفتُ أنه مُباع لأحدهم، ويبدو أفضل من الخارج، تمت صيانته، وبدى صرحًا ضخمًا وخطيرًا.
حينما نقّبتُ عن اسم المشتري كان كيم جونغ إن، اسمكَ الكوري الذي لا يعرفه أحدى سوى الأساتذة في المدرسة وأنا.
علمتُ أنك الأسمر المقصود، وأنشأت ذلك التنظيم البسيط كي أعرقلك، ويظنوا الناس أن المُجرم تاب او اختفى بما أن لا جرائم تُرتَكَب، أي شيء بالنسبةِ لي كان أفضل من أن تُقتَل أو تُزَج بالسجن.
بعدما ضربتني بالرصاص قررتُ طريقة أخرى لعرقلتك، الدخول إلى قلبك بما أنكَ في قلبي، لم أكن واثقة لكنني حاولت فقط.
ولمعلوماتك؛ لم أُسجَن أنا أو جماعتي، لي أيدي طويلة عند المسؤولين.
هذه هي قصّتي معك"
نهض واقترب منها، ثم اجتذبها من ذراعها وجعلها بين ذراعيه، عانقها بحرارة، بكل ما في فؤاده من حُب، وبلا أي أسئلة أخرى قال.
" ونجحت مُهمّتك، الآن لا تتركيني ولا تتخلي عني، سأحسن معاملتك، أعدك!"
حينها إبتسمت ورفعت يديها لتٌحيط خصره.
" فرصتكَ الأولى والأخيرة، حسنًا؟!"
سُرعان ما أومئ وطبع على كتفها قُبلة محمومة بالحُب ومشاعر أُخَر.
رفع رأسه عن كتفها وهذه المرة حرص أن يُقبلها كما يشتهي، ثم يُشاركها خصوصيتها القُسوى لأنه لفرط الأشتياق يكاد أن ينفطر، ثم ينام بين ذراعيها الحنونين كما لم ينم من قبل، ثم لا ينتهي هذا الحُب أبدًا.
في ماضٍ ما؛ كان لي قلبٌ مُحتَرِق، لا يَحس ولا يهتم...
كان ضميري جافّ، كقطعة جماد قابلة للتحطيم... كنتُ بلا ضمير.
الآن تحول هذا الجماد لكائن حيّ يترعرع بداخلي بفضلك.
كما لو أنكِ حملتِ شُعلة من نور وأضأتِ بها قلبي.
حينها فقط شعرت أن ظلامي إنتهى، وأنني أقدر أن أعيش بصلاح.
إنها جُرعة حُب.
.................
في إحدى الأُمسيات الرومنسيّة، كانت إيري تَرقص على ألحان البوب، وكاي يجلس وينظر لها، ترتدي فُستان أحمر اللون إختمر على جسدها كاللون الذي على شفتيها.
ترقص لأجل أن تمرح لا لأن تُقدم على إغراءه، لكن ذلك ما حدث مع حبيبة الجامح، إذ إجتذبها حتى سَقطت في حُضنه، وبلا أي مُقدمات أخذ يُجرّدها من هذا الفستان الذي أشعره بالغيرة.
" حان وقت جُرعَتي من الحُب؟!"
" جُرعة؟! إنها بالنسبة لي طَلَقة!"
" لا يهم طالما إنه حُب!"
....................
سلاااااااااام
آااااخ * تمسح عرقها*
أكثر وانشوت مُتعب بس يستاهل، أحسه أحلى وانشوت كتبته👏👏👏👏
طبعا كلمات الأغنية بالخط الغامق نالها بعض التحريف مني، لكن احتفظت بنفس المعنى المطلوب، لكن عبّرت عنه بطريقتي.
حلوة هالطريقة؟ ولا قبل أحلى؟
المهم إذا عجبكم ادعموه
الوانشوت الجاي بعد 50 فوت و100 كومنت
رأيكم بشخصية كاي؟
رأيكم بشخصية إيري؟
الشخصيات الأخرى؟
رأيكم بالقصة؟
تقييمها من عشرة؟
إقتراحكاتكم للوانشوت الجاي؟
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі