Sweet Lies|| أكاذيب حُلوة
دو كيونغسو (دي او)
بَطَل:
أكاذيب حُلوة|| Sweet Lies
...
الشِّتاء ضيف يَحلّ على الأرض الآن إذ تَلبس ثوبها الأبيض في مِثلِ هذا الوَقت كُل عام.
الشِّتاء يمنح ذلك الشعور بالإسترخاء رُغم الصقيع، الدِفئ رُغمَ البَرد، لكنّي أحبه لأنه عَكسي تمامًا.
هو بارد من الخارج، جوفه دافئ... بينما أنا قلبي قِطعة جَليد جامدة في جوف صدري رغم أن أطراف أناملي دافئة.
أنا المُنافِق لا هو.
نفثتُ أنفاسي فخرجت من فاهي كثيفة، وذلك ما جعل صَغيرتي تُعلّق.
"أبي، ما هذا؟
أجوفك يحترق لذا يخرج من فمك دُخّان؟"
نظرت إليها تحتل مساحة ضئيلة بجانبي، ترتدي فُستان أبيض ثقيل يعلوه معطف فرو، الجو بارد وعظامها رقيقة، قد تمرض سريعًا.
مسحتُ على شعرها بكفّي وكم أُحب مظهرها عندما أفعل، تبدو وديعة للغاية مثل الجِراء، ابنتي شهيّة وقابلة للأكل.
"ماذا عنكِ؟
هل تحترقين من الداخل لذلك يخرج من فاهكِ دُخّان كثيف؟"
ضحكت ونفت برأسها.
"لا!"
إبتسمت أُداعب وجنتها بإبهامي، ثم رفعتُها إلى حِجري واحتضنتُها إلى صَدري.
ابنتي صغيرة، تبلغ من العُمر ثلاث سنين وبِضعةِ أشهُر، أُحبها لدرجة أنّي أُقدم روحي لأجلها على طبق ولا أُبالي.
ربما هكذا يكون حُب الأب لطفلتِه.
"ستغفو في حِجرك هكذا حبيبي"
نهيتُ أمها عن أخذها مني، فلتغفو، ليس وكأننا نحضر حدث مهم لدرجة أنه لا يمكن لابنتي أن تنام.
أبعدتُ يدها عن ابنتي وهمست.
"دعيها"
كُنّا ثلاثتِنا بالسيارة ورابعنا السائق في عَشيّة الكريسماس متوجّهين إلى الحفل، الذي يُقيمه إحدى أصحاب أبي في القانون.
لو ما وجّه دعوة شخصيّة لي لما ذهبت، ولو أنَّه ما دعاني لكان أفضل، أكره الإكتظاظ البشريّ في مكان واحد.
لكنّي بالطبع لا أملك الخيار لأتخلَّف عن الحضور؛ بما أنّي لا أملك الحُجة لأفعل، لقد دعاني الرجل شخصيًا، وسيتودد إليّ ولأبي في القانون لأجل مصالح الحِزب السياسيّة.
لوما الإستعراض الفارغ هذا، لكنتُ في منزلي احتفل مع ابنتي وكفى، ذلك سيكون أفضل بالنسبةِ لي.
لكن على عكسي؛ زوجتي مُتحمِّسة لهذا الحفل، أتفهمها، أجواء المنزل مُمِلّة، وأنا بالكاد أتحدث معها.
إن تحدثت فذلك لأجل الصغيرة لورين، وأما أنا فلا أُطالبها بشيء، نحن نعيش كشُركاء سَكن فقط مُذُّ أربع سنين.
لستُ مُتطلب ولا هي، لكنها تُريد قُربي وأنا ما أنفك أدفعها عني، لستُ في مزاج للحُب والنساء أبدًا.
وصلنا إلى الفُندُق الذي يُقام به الحَفل، إنها أُمسية مُمِلّة بالتأكيد بالنسبةِ لابنتي العزيزة، سأحاول أن أهرب سريعًا لأجلِها.
حملتُها على ذراعيّ ودخلتُ بها إلى الفُندُق تتبعني يوري.
كنت أقف مع بعض الرِجال المُتملّقين من رجال الأعمال وأعضاء الأحزاب السياسيّة ذات الجِذع الهيّن بينما زوجتي وابنتي تنضم على إحدى الطاولات مع أمي في القانون.
طال الكلام وكَثُر التملق والمجاملات الكاذبة؛ لذا إنسحبت بهدوء من المكان، خرجتُ إلى الحديقة التي تنضم إلى الفندق.
كنتُ أقف بيدي كأس نبيذ وانظر إلى القمر، الليلة القمر بدر، إنه جميل بشكلٍ إستثنائي، ولا يبخل بنوره رُغم النور التكنولوجي الذي يغزو الأرض.
إنه وحيد مُتفرّد بنوره في سماء دهماء أحيانًا، وأحيانًا أُخَر بسماء مُدبَّسة بنجوم مُضيئة، يشبهني القمر لأنه ذا دورة ثابتة يسير عليها، ويُسيّر الجميع وِفقها شائوا أم أبوا، رغم أن هذا النور ليس له، لقد سرقه من الشمس.
إنه عَتيّ، سارق، ومُسيطر... يشبهني!
"اه!"
سمعت صوت تأوه خرج من فاه ناعم، فإلتفتُّ حولي ابحث عن مَصدره، وإذ بفتاة صبيّة تجلس أرضًا، يبدو على وجهها الوَجع فيما تتمسَّك بِكاحِلها.
"أنتِ بخير يا آنسة؟"
نفت برأسها وهمست ترفع طلائعها إليّ.
"أيُمكنكَ مُساعدتي؟"
رفعتُ حاجبًا ونَبست.
"ولِمَ قد أُساعدك؟"
قضمت شفتيها تكبح آهاتِها ونبست.
"رجاءً، أنا حقًا لا يُمكنني النهوض، لستُ أدَّعي!"
إقتربت منها أتنهد، لا بأس كيونغسو، أحيانًا عليكَ أن تتصرف مِثل رَجُل نَبيل وتَرتَقي إلى الذوق العام.
إقتربتُ منها، ثم إنحنيتُ أجلس القُرفُصاء قُربها، أمسكت بقدمها، وخلعتُ عن قدمها هذا الكَعب العالي، ثم أخذت أُحركها بِبُطئ، وهي قبضت يديها، وقضمت على شفتيها أكثر.
"هل سبق ورأيتِ إمرأة صبيّة يُفترض أنها ناضجة تتسلق شجرة بكعب عالي وفُستان قصير؟"
ما إن أنهيت كلامي حتى أمسكت بطرف فستانها وأنزلته قدر الإمكان، لا بأس؛ لقد رأيت ما رأيت وانتهى.
"لستُ أيُّ فتاة، أنا لستُ من النوع المُهذَّب الذي يتبع بروتوكل العائلات الغنيّة"
أومأت، لا أهتم...
"اه!"
تمسَّكت بقدمها هذه وراحت تقول.
"برفق رجاءً!"
رمقتها شزرًا، ثم سحبتُ قدمها بقوّة فأطلقت صَرخة من جُب جوفها.
استقمتُ أنفض كفّي وقُلت.
"لا بأس بأن تكوني مُشاكِسة، لكن عليكِ أن تتحمّلي نتائج تصرفاتِك، أليس كذلك؟"
لم تجبني، فقط أخفضت بنظرها عني تنظر إلى قدمها المُصابة.
"وداعًا إذًا!"
سِرتُ أتركها خلفي لكن إستنجادها إستوقفني مُجددًا فإلتفتُ لها.
"أيها السيد! ألن تُساعدني بالنُهوض؟"
"هذا ليس شأني، تدبري أمرك وحدك!"
تركتها واتبعتُ طريقي ابتعد بينما هي ما تزال مُصرّة أن تُناديني بألفاظ عشوائية، وأنا مُصِر ألا أُجيبها.
لا ينقصني سوى دَلع النِساء!
بعدما إنتهى الحَفل على خير؛ عُدت بعائلتي الصغيرة إلى مَنزلي، لورين خلدت إلى النوم بالفعل.
كنتُ أجلس على الأريكة قُرب شجرة الكريسماس، التي نَصبتُها لأجل لورين أقرأ كِتابًا، أُحب أن أختلي بنفسي هكذا رِفقة كِتاب وشراب دافئ.
لقد صنعتُ لأجلي كوب شوكولاتة ساخنة بالفعل.
الجوّ بارد خارجًا، إنها تُثلج، تراكمت على النافذة الثلوج على أطرافها تحديدًا، وأما في الداخل فالجو دافئ، يمكنني أن أسمع صوت فرقعة الحَطب داخل المَدخنة.
شجرة الكريسماس بجواري، بيدي كتاب وكوب شوكولاتة، هذا هو جوّي المثالي.
أسرفتُ في القراءة حتى أنهيتُ الكوب وأكثر من نِصف الكِتاب الذي أقرأه.
كنتُ سأكتفي إلى هذا الحد وأذهب إلى النوم بالفعل، فلقد تجاوز الوقت مُنتَصف الليل.
ولجتُ إلى غُرفة نومي التي أتشاركها مع زوجتي، لا أدري عنها ولكنّي أمكث معها في ذات الغُرفة، وننام معًا على نفس السرير لأجل ابنتي فقط.
لولا أن الوَعي بدأ في ربوع ابنتي لما جمعنا سرير كما كان وضعنا سابقًا، لكنّي أقدمتُ على هذه الخطوة لأجلها ويوري لم ترفض.
بل ربما وجدتها فُرصة لتقترب مني وتتقرَّب أخيرًا، لكن لسوء حظها أنا لا ألين أبدًا، ولا أشعر نحوها بأي إنجذاب عاطفي أو جَسدي، وهي تعلم بذلك.
لكنها ما زالت تحاول مُذُّ قرابةِ عام ولا تمل، رغم أنها تعلم أن ثوب نوم فاضح لا يُغريني، جسد مصقول منحوت لا يفتنني، وجه جميل لا يجذبني، شعر طويل لا يثير بي شيء.
لستُ شاذًا لكن المشكلة بيننا، هي بالتحديد لا تجذبني، وأنا لستُ رجلًا شهواني، إن ما جذبني العقل والقلب لن يجذبني الجسد أبدًا.
أُفضِّل إمرأة قبيحة تحتويني على إمرأة جميلة تستغلّني، المُشكلة بها لا بميولي.
كنتُ قد تمددتُ على السرير في حصّتي، وأغلقت عينيّ بالفعل أنتظر أن يغشاني النوم، ويوري كانت تقف أمام أسلحتها تجمعهم جميعًا؛ لتشن غارة عليّ تعلم أنها ستفشل.
تتعطّر، تتزيّن، تُسرح شعرها، تلبس ثوب المفروض به أن يُثيرني... لكن لا شيء.
شعرت بالسرير يهبط من مكاني فعلمتُ أنها أصبحت قريبة جدًا، حَطَّت يدها على صدري ثم شعرتُ بأنفاسها على عُنقي.
"كيونغسو، هل خلدتَّ إلى النوم؟"
أبعدتُّ يدها عن صدري، لكنها أعادتها وكمشت على قميصي الخفيف بأناملها، ثم سمعتُها تَلجئ لآخر سلاح معها، البُكاء.
"هل أتوسَّل إليك وأتجرَّد من كرامتي أكثر حتى ترضى؟"
تنهدت، يبدو أن هذه الليلة لن تَمُر على خير أبدًا، فتحتُ عيناي وإذ بوجهها قريب منّي بالفعل، وبعض خُصلها تَدلّى على وجهي بالفعل.
أبعدتُ شعرها عني ونبست.
"لا يُرضيني أن تذلّي نفسكِ لي، أنا لستُ ساخطًا عليكِ لأرضى.
فقط اذهبي إلى جانبكِ من السرير ونامي"
نفت برأسها وجرَّدت نفسها من كرامتها مُجددًا تقول.
"أنا زوجتك، لستُ أُختَك، لِمَ أنام على الوسادة وصدرك هُنا؟"
إحتدّ صوتي قليلًا لأنّي بدأتُ أغضب فعلًا، ألا تَمِل من محاولاتها الفاشلة هذه لتلييني؟!
"صدري ليس وسادتك، بالكاد جسدي يتحملني، لذا اذهبي ونامي في مكانك، ولا تضايقني وإلا هَجرتُ مَخدعِك!"
جلست على السرير وتضاحكت تستهتِر بكلماتي هذهِ للتوّ.
"كِلانا يعلم أنَّك لا تستطيع أن تَهجرني طالما لورين بيننا"
تحاول أن تُشعرني بالعجز، لكنّي لستُ رَجُلًا يعجز أو يَخضع.
"بما أنّكَ تعلمين أنّي أتحملك لأجل الطفلة العالقة بيننا؛ تَحلّي ببعض الكرامة وتوقفي عن إستمالتي، فأنتِ لن تَنجحي أبدًا!"
جرحتُها وتعمَّدتُ أن يكون جُرحًا غائرًا هذهِ المرَّة بإعتِزازِها بِنفسِها، إذ توقّفت عن التباكي وأخذت تَبكي بالفعل.
بَكَت وبَكَت وتجاهلتُها حتى آخر رَمَق؛ لَكِنَّها في النِهاية صرخت بي غاضبة وتبكي بحرارة.
"أنتَ رَجُل حقير ومَريض!
إن كُنتَ لا تُريديني لِمَ جعلتني أُحبُك؟
لِمَ تزوجتَني؟
لِمَ أنجبتَ مني؟"
سُرعان ما قعدتُ على السرير، واجتذبتُها من ذراعها حتى أن أطراف أناملي أنغرَزت بلحم ذراعها، فتمسَّكت بيدي تحاول أن تقتلع قبضتي عنها لكنّي شددتُ أكثر، فأصبحت تبكي وجعًا هذه المرّة.
تستحق... لقد تجاوزت حدودها معي!
"اسمعي يا امرأة... أنا وأنتِ نَفهم جيدًا كيف آل بِنا الموقف إلى الزواج، لذا لا تَدَّعي أنَّكِ الضحيّة هُنا.
أنتِ اخترتَني بمِلئ إرادتِك وأنا أتحمّل نتيجة خطأي معكِ بإبقائكِ معي هكذا باسم زوجة، تعيشي معي أسفل السقف ذاته، وتأكلي وتلبسي من خيري، لذا الزمي حدّكِ عندما تتحدثي معي وإلا لن أضع إعتبارًا لأنَّكِ أُنثى في المرّات المُقبِلة"
رمقتني بعينيها الحمراوتين وأنا دفعتُ بها عنّي فسقطت على السرير تبكي.
لقد نزعت عليَّ نومتي، نهضتُ من مكاني، وقصدتُ الباب؛ أنوي أن أنام الليلة في أصغر حُضن في العالم وأدفئ حُضن، حُضن ابنتي.
لكنّي سُرعان ما أنحنيت عندما قذفتني بضوء الإنارة الكامن فوق المِنضدة قُرب السرير، ثم صوت صياحها.
"إما أن تُعاملني كزوجة وإلا أنا سأجد رَجُلًا وأخونكَ أمام عينيك، وأنتَ لا يُمكنكَ رَدعي!"
هذه المرأة فقدت آخر سِلك يعمل في دماغها، إلتفتُّ لها ولا أدري لأي درجة وجهي عمّه السواد وطلائعي مُظلمة.
اقتربتُ منها أخلع قميصي ونبست.
"لكِ ذلك إذًا، سأُعاشركِ متى ما أردتِ، لكن في المُقابل لا يُمكِن أن تبكي، لا يُمكِن أن تشتكي، لا يمكن أن تتوسلي، ولا يُمكِن أن تُبعديني، تفهمين؟"
لم أنال منها إجابة، هي فقط إثّالقت أنفاسها والخوف في عينيها أراه، تراجعت عني للوراء، أين شجاعتكِ التي كانت مُذُّ دقائق؟
يُمكنني تحقيق ما تريده لكن بالطريقة التي أنا أريدها، ولن يكون بمقدورها أن تتحمل ويلي إن نزل عليها.
لي وجه قاسي وقلب لا يحس لو أردت، لي جانب مُظلِم يُكشر عن أنيابه لو غضِبت مِثل هذا الغضب، وهي من عليها أن تتحمل قسوة هذا الوحش الذي يتغلغل فيّي.
دفعتُها إلى السرير فجلست عليه ورفعت مخائلها تَنظُر إليّ بجَزَع.
"كيونغسو، أنا أُحبُك!"
لا أهتم...
دفعت بها حتى تتمدَّد، وبقبضتيّ مَزّقتُ ثوبها وأتيتُ أعلاها، شَهَقَت تتمسك بكتفيّ.
لم أُداعبها، ولم أُدللها، ولم أنثر عليها قُبَل ولم أحتضنها، أنا فقط دَسستُ نفسي بها، بخشونة شديدة عاملتُها، وتحرَّكتُ لأُرضي نفسي فقط مهما كُنتُ قاسيًا وصَعبًا؛ حتّى أنها بَكَت تَرجوني.
"أرجوك! على مهلك!"
سبق وأخبرتُها أن النجوى لن تُثمر معي، لقد أثارت بي الغضب وها أنا أفعل ما تريده بالفعل.
تمسّكت بعنقها وجعلتها تنظر إليّ، ورغم أن العرق ينهمر مني وأنفاسي تتقطع إبتسمت لها وقُلت.
"إن كُنتِ إكتفيتِ سأنهض"
لم تجبني بل أسمعتني آهاتها، ليست عن مُتعة بل ألم، وأرتني بسخاء دموعها.
"توقف أرجوك توقف!"
هذه المرّة أنا نَفيت وأجبتها.
"لن أكتفي حتى أسقيكِ عزيزتي!"
أغمضت عيناها بقوة، وعَلت صرخاتها عندما إزددتُ خشونة معها، رَعشة ثم حَلَّ عليَّ الخمول، فنهضتُ عنها.
تمسَّكت بالغطاء وقذفتُها به فيما هي تنكمش على نفسها وتبكي بجنون وولع، تستحقّي.
وَلجتُ إلى دورة المياه وأسفل المَرش وقفت، نظرتُ إلى نفسي عبر المرآة، إلى متى يا كيونغسو؟
إلى متى سأبيع حياتي وشبابي في مثل هذه العلاقة الفاشلة؟
أنا مثلي مثل كل الرجال، أرغب في إمرأة أحبها وتحبني، تريدني لشخصي وأريدها لشخصها، ابنتي ليست العائق، العوائق كثيرة، وابنتي التي تدعوني إلى الصبر وتحمل الويلات.
خرجت وما زالت تبكي، سحبتُ منامتي، إرتديتُها وخرجت من عندها، لا أطيق النظر إليها حتى، في الماضي كنتُ أملك لا مشاعر لها، وذلك كان أفضل من أن أكرهها فأؤذيها كما حدث الآن.
ولجتُ إلى غرفة ابنتي، من الجيد أني إخترت لها سرير كبير يسعني معها في مثل هذه الليلة البائسة.
وضعت رأسي على الوسادة بجانبها وتحسست بأطراف أناملي وجنتها، أرجوكِ يا صغيرتي عندما تكبري لا تلتقي برجل مثلي، أرجوكِ أختاري مجرد رجل بسيط ولطيف لكِ يُحبُكِ لأنكِ فتاة قابلة للحُب فقط.
قبّلتُ وجنتها ففتحت عيناها.
"أبي!"
همهمت فابتسمت تقول.
"هل الليلة أنتَ لي، لستَ لأُمي؟"
ضحكت، تعابيرها لطيفة.
"سأكون لكِ كُل ليلة لو أردتِ"
سُرعان ما رفضت بيدها الصغيرة تقول.
"لا يمكن، أمي ستغضب!"
قهقهت أومئ لها ورفعت سبابتي بيننا أقول.
"إذًا أيُمكِن الليلة فقط؟!"
أومأت وفتحت لي ذراعيها القصيرين تقول.
"نعم، أبي الليلة سينام في أصغر وأدفئ حُضن في العالم!"
وضعت رأسي على صدرها، وهي احتضنتي بذراعيها تُخلخل أصابعها الصغيرة بشعري.
"لا يمكن أن تسرقي كلماتي وتستخدمينها عني"
"بلى يمكن، أنا ابنتك، وما هو لأبي لي!"
"حسنًا اقنعتِني!"
ضحكت بخفّة وضمت رأسي بذراعيها تقول.
" الآن ستأتي الجنيّة الجدّة وتجلس فوق عيناك لتنام"
"يا لهذه العجوز الشمطاء! ألا تجد مكان تنام فيه أفضل من عينيّ؟!"
استرسلت في الضحك ووضعت يدها على فمي تقول.
"أبي، لا يُمكِن أن تشتم، هذا عيب!"
"حسنًا حسنًا، ابنتي تهذبني وتعلمني الأدب بدل أن أُعلمها أنا"
"أبي ما زال جاهِلًا"
"أنتِ! سأقُص لِسانكِ"
"أبي يُحبني، لا يُمكن أن يؤذيني"
هذا أصدق ما سمعته طيلة حياتي!
"أبي اذهب إلى نيفرلاند بأحلامكَ"
"سأفعل معكِ، هيا نذهب معًا"
.......................
مَرَّ على تِلك الليلة أسبوع، وما عادت تَجرؤ يوري أن تنظُر في عينيّ حتّى، لربما كُلما رأتني تذكرت أنه يُمكنني أن أتجرَّد من إنسانيتي معها لو أغضبتني مُجددًا.
أنا حتى أتفاجئ بنفسي ولا أعرفها عندما أغضب، لذا حذاري مني حقًا!
ولذلك تقلَّصت الأحاديث بيننا فأصبحت شِبه معدومة، وبدأت ابنتي تُلاحظ أننا نَخوض في شِجار على حسب تأويلها وتعبيرها البريء.
لذا تنأيتُ عن المنزل مؤخرًا، وأصبحت حُججي للغياب كثيرة، أعود إلى المنزل حينما يذبحني الشوق لأرى مخائل ابنتي فقط، وبقية وقتي أقضيه مُشرَّد بين أزِّقة الحياة ومشاغِلها الكثيرة.
بُعدًا عن الحي الذي أسكنه؛ تواجد مقهى صغير أُفتُتِحَ مؤخرًا ولا يتلقى رواجًا ليكتظ بالناس في كل الأوقات، بل يتفرّقون الزبائن على طاولات مُتفرِّقة ومُتباعِدة، وإما أنا فاصطفي لي الطاولة، التي تجاور الزُجاج النديّ قِبالة الشارع الهادئ.
أصبح العُمال في المقهى يعرفوني، وأنا أشتريتُ منهم هذه الطاولة بالفعل، إذ أدفع لقاء إستئجارها طيلة ساعات العمل؛ لأجدها فارغة متى ما أتيت.
وذلك لأنّي شخص رتيب يُحب أن يلتزم بروتين واحد وبأمكِنة مُعيَّنة.
اليوم كنتُ متأهبًا لأنفُض أتعاب العمل على أعتاب الباب، وألج لا أحمل سوى همّ الكِتاب في يدي، وأي نوع قهوة سأختار الليلة.
لكنّي عندما نظرتُ إلى طاولتي وجدتُ أحدًا غيري يحتلَّها، بينما النادل يُجادِل تِلك المرأة، التي أرى ظهرها فحسب وخُصل شعرها الدهماء التي تطول حتى قاع عُنقها فقط.
"سيدتي، لا يصلح أن تجلسي ها هنا، هذه الطاولة مدفوعة الأجر دومًا، لذا إختاري لأجلكِ طاولة أُخرى"
"آنسة لو سمحت، ثم ما هذا التحيُّز والتمييز مع الزبائن؟
أنا زبونتكَ حاليًا والزبون الذي تتحدث عنه ليس هنا الآن، لذا ما المُشكلة معك؟"
"المُشكِلة ليست معه بل معي، لا أُحب أن يشاركني أحد أشيائي"
إلتفتت برأسها إلي، تلك الفتاة رأيتُها سابقًا، لكنّي لا أذكر متى.
أشرتُ للنادل وجلستُ في مكاني قِبالتها.
"أريد شوكولاتة ساخنة من فضلك"
تلكئ النادل بتحقيق مطلبي إذ شعر بأن شِجار سيحصُل هُنا، لكنه ذهب في النهاية.
"هذا أنت؟"
لم أنظر لها إنما فتحت كتابي حيث تركت الفاصلة وقُلت.
"اذهبي من هُنا طالما أتحدث بلُطف"
"ألا تَظُن أنكَ تدين لي بإعتذار؟
كان من المُمكن أن أقاضيك"
أخفضتُ جِسر نظّاراتي عن جسر أنفي ونظرتُ لها، ولتوّي لاحظت العُكّاز الذي تضعهُ بجوارِها، أشرتُ لنفسي أستفهم.
"وما شأني أنا؟"
تنهدت، ثم ضيّقت عيناها عليّ والأستياء يرسم ملامحها، إتَّكزت بمرفقيها على الطاولة وإقتربت منّي.
"أنت! أتظن نفسكَ ذكيًا عندما تَدَّعي الغباء؟!"
تلك الفتاة الوقحة!
ضربت الطاولة بقبضتي ولم أهتم كم نظر جذبنا.
"لسانكِ طويل يحتاج قصّ، إلزمي حدِّك وإلا ما قَصَّرت بإلازمك إيّاها!"
ما لم أتوقعه أن تسخر من تهديدي هذا وتسترسِل بالضَّحِك، وكأنّي داعبتُها بنُكتة لا هددتُها جهارةً.
"حقًا؟! دعني أراكَ تلزمني أياها!"
إرتفع حاجبها بالأخير ونبست تتحدّاني أو تُهددني.
"لكن قبل ذلك تذكر أنّي أستطيع أن ألزمكَ حدودكَ أيضًا"
تنهدت ورُحت أُدلك صِدغيّ لعل وعسى الغضب عاد إلى سيطرتي مجددًا.
"أنتَ تسببتَ لي بخلع مِفصل كاحلي وأنا يُمكنني أن أُقاضيك على فعلتِكَ هذه، أتعلم؟"
رفعت بصري انظر لها وتذكرت تلك الفتاة المُشاكِسة من عَشيّة الكريسماس، لقد تذَّكرتُها الآن.
أتذكر الآن أنّي سحبتُ قدمها بقوّة وتألَّمت، لا ينقصني المزيد من المشاكل في حياتي، ولا أن تُقاضيني صبيّة صغيرة تجول في مُدن الحياة بجهل، لذا كان على مُفاوضتها لتسترد حقها دون تدخل من القضاء.
"ما الذي تُريدينه الآن إذًا؟"
بانت إبتسامة على شفتيها، واسترخت معالم وجهها كذا جسدها، لربما تراني ضعيفًا الآن؛ لذا رفعت الساق فوق الساق، عقدت ساعديها فوق صدرها ورَمقتني بإستعلاء.
"تفاوضني الآن؟"
تنهّدت.
"أجلسي بإعتدال وتحدثي معي بأدب، هكذا يتصرّفون الصِغار مع الكِبار"
تضاحكت واستهلكت أنفاسها بقهقهات زائفة، تستفزّني كثيرًا هذه الفتاة، التي لم تمر عليها دقيقة تربية في حياتها كُلها.
"لقد أخبرتُكَ أنّي لستُ مُهذّبة بالفعل سابقًا!
ذاكِرتك سيئة... اذهب إلى دار العَجزة!"
قررتُ أن استسلم، وانسحب من هذا الحوار الطفولي مع طفلة وقحة، أغلقت دفتيّ كتابي وحملت كوبي الذي وصل للتوّ أنوي المُغادرة، ربما يجب علي أن أجِد مكانًا أفضل لي من هنا، فما عاد هذا المكان يُطاق بعد الآن.
سِرت، لكنّي بينما أمُر بها أمسكت بمعصمي، واستوقفتني تقول، وإبتسامة غبية تشق شفتيها.
"في المُقابل دَعني أُشاركك هذه الطاولة لشهر وأنت ادفع أجرها"
أفلتُّ يدها عني وأومأت.
"حسنًا، لا يَهُم"
أخذت تنظر أمامها في مجالٍ بصريّ لا يحتويني ونبست.
"أشاركها معك، لذا عليك أن تحضر كل يوم في مثل هذا الميعاد"
شعرتُ بالغرابة حيال هذهِ الفتاة.
"لِمَ؟"
"سُأراقبك وأنت تقرأ كُتبك وتحتسي شرابكَ الدافئ"
رفعت بصرها إلي، وأطبقت عينًا دون الأخرى، لقد غمزتني!
"وجهكَ نوعي المُفضَّل، صوتكَ يُريح السمع رغم أنَّكَ تُضايقني بكلامك، والأهم أحب الشباب المُثقفين والمُهذبين أمثالك"
نهضت تحمل حقيبتها وعكازها تستند عليه، وقالت لي قبل أن تتجاوزني.
"أنتَ تروقني كثيرًا ورُبما أضعكَ هدفًا لي بالفعل"
ربتت على ذراعي برِفق ثم غادرت، ما هذه المرأة الغريبة!
..........................
ومُنذُ ذلك اليوم وتِلك الفتاة تُلازمني، وأنا إلتزمتُ بالحضور، أبقى لساعة ثم أُغادر، وأنا لا أعطي وجودها أهمّية قصوى أبدًا.
فهي تجلس قِبالتي ولا تتكلم أبدًا، تُزعجني نظراتها التي لا تصرفها عني، ساكنة راكنة على وجهي، في البداية كنتُ انزعج، ثم إعتدتُ على جلسات تأمُلاتها لخِلقتي.
وعلى هذا الحال مَرَّ أسبوع، أسبوعان، وها الثالث، لكن الفتاة اليوم لم تأتي، عادةً ما تأتي قبلي إلى المكان وأجدها بإنتظاري، تُلقي تحيّة تملأها الحماسة، ثم تغوص بالصمت حتى تُلقي تحية الوداع بوداعة.
لم أعطي لغيابها إهتمامًا كبيرًا، بل إنخرطتُ بكتابي اليوم، لربما هذا أفضل، يمكنني أن أقرأ كتابي دون أن تزعجني تأمُلاتها.
اليوم الثاني لم تأتي أيضًا، ثم الثالث وأيضًا لم تأتي.
بدأتُ أشعر بالغرابة وربما القلق، لا أدري لكن ربما أنا إعتدتُ عليها، أصبحتُ لا أجد في قراءة الكُتب مُتعة، وهي لا تجلس قِبالتي هكذا.
اليوم الرابع دخلت وأنا في جوفي أدعو أن تكون هنا، ثم لم أشعر بنفسي إلا وأنا أتنهد بتكتُّم مُرتاحًا.
رفعت يدها تلوح لي بحماسة كما العادة.
"مرحبًا دودو!"
هذا اللقب الغبي، الذي تناديني به مُذُّ أن إستقصت عن اسمي الأول، جلست قبالتها ولم أجب تحيتها، طلبتُ قهوة سوداء وفتحتُ كتابي.
لكنّي لا أستطيع أن أندمج مع السطور وهي هكذا قِبالتي، لا تفعل شيء، تتأملني بإبتسامة واسعة فقط بينما تشرب قهوتها؛ وكأنّي بين يديها رواية مُمتِعة تَقرأها.
ماذا كنتُ أقرأ لتويّ؟
ما بالي استرق النظر إليها؟
وأراها تبتسم كلما فعلت.
في اليوم الرابع لم تأتي، أتتلاعب هذه الفتاة الحمقاء بي؟
لم أقرأ شيئًا وخرجت، ما عدتُ أملك المزاج المناسب لأفعل أي شيء إطلاقًا.
في اليوم الذي يليه أتت، وكما العادة تجلس في مكانها بإنتظاري، وما إن رأتني حيّتني بحماسة ونعتتني بهذا اللقب الغبي مُجددًا.
لكنّي اليوم على غير العادة؛ ضربتُ الكِتاب على الطاولة بقوّة، وهدرتُ عليها غاضبًا، لم أكن قادرًا أن أكظم غيظي أبدًا، ولا أدري لِمَ أنا مُغتاظ.
"أتتلاعبين بي أنتِ؟!"
تبسَّمت في وجهي، ثم إستندت على مِرفقها ترمقني بنظرات مغموسة في المُتعة.
"لِمَ؟ اشتقتَ لي؟
ظننتُ أن غيابي سيُسعدَك!"
تنهَّدت وجلستُ في مكاني قِبالتها، طلبت القهوة وفتحت الكِتاب أقرأ، اليوم أملك المزاج لأفعل، وما إن مَضت الساعة لملمتُ أغراضي ونبّهتُها قبل أن أُغادر.
"لا يُمكنكِ التخلُّف عن موعدنا حتى نهاية الشهر أبدًا!"
ثم خرجت أسير في الشارع مشيًا إلى الشارع الرئيسي حيث تركت سيارتي في مَصفٍ قَريب.
تلك الفتاة، ماذا تكون بالنسبة لي؟
ربما الأعتياد على الناس يُخلّف في نفوسنا الوِد لهم، الأشتياق والقلق ناحيتهم عندما يغيبون.
إنها فتاة إعتدتُ على وجودها في حياتي مؤخرًا، ربما هذا كل ما يكمن في القِصّة، لكنّي متخوف مما سيؤل إليه حالي حينما ينقضي الشهر.
سأنساها بالتأكيد، أو ربما تبقى ذكرى لطيفة في عقلي لأمدٍ طويل، لكن الأكيد أنّي سأُعاني لوقتٍ ليس بقليل حتى يحين الوقت أن أضعها على رفوف مَكتبتي في الذاكرة.
أصبحت لا تتخلف عن الموعد أبدًا، هكذا حتى إنقضت المُدة التي تعاقدنا عليها لسانيًا.
ويا ليتها لم تنقضي، أشعر بالأستياء الشديد!
في اليوم الأخير؛ بقيتُ بدل الساعة اثنتين ورغم ذلك انقضى اليوم سريعًا وحان وقت الرحيل والفُراق الأبدي مع هذه الفتاة الغريبة.
أطبقتُ دفّتي الكتاب في النهاية، أنا لم أقرأ ولا صفحة، وهي لاحظت ذلك؛ إذ أنّي لم أُقلِّب صفحات الكِتاب حتّى.
رَمقتني بإبتسامتِها بينما تستند بذقنها على كفّيها.
"لا ترغب في المُغادرة، أليس كذلك؟"
نعم، لكنّي لم أجبها أبدًا.
تراخت على مقعدها وتنهدت تقول.
"ولا أنا أرغب في المغادرة في الحقيقة"
نهضت ترتدي مِعطفها، حملت مظلّتها وحقيبتها تقول.
"دعنا نسير معًا حتى الشارع الرئيس"
بان لها من نظراتي إستغرابي، فضحكت بخفوت تومئ.
"نعم، كنتُ أطاردكَ طيلة الشهر، تَسلُك نفس الطريق في كُلِ مَرّة"
فتاة صغيرة ولكنها مُطارِدة مهووسة، لكن ذلك للأسف لا يدعو للإستياء في نَفسي.
خرجتُ أتبعها، وكانت على قارِعةِ الطريق تنتَظرني، ثم سارت معي بهدوء، ولم تبوح في شيء بالبداية.
كنتُ أنتظرها أن تفعل وتُكلِّمُني بأي شيء حتى لو كان تافهًا، لكنها إلتزمت الصَّمت هكذا، وأنا لستُ من النوع الذي يُبادر، ليس كبريائي الذي يمنعني وحسب، أنا خجول نوعًا ما.
"سيد دو كيونغسو؟"
أخيرًا تحدَّثت، همهمت.
"أرغب في أن أراكَ كثيرًا، لأن تفكيري مُنحصِر عليك، ومشغول بالي بأمرِكَ دائمًا"
نظرتُ لها ولم أنبَس بِحَرف، لكنها لم تبدو مُرتاحة من حالتها تِلك، ربما يُزعِجها أن مشاعرها تميل إليّ، كما يزعجني أمر مشاعري أنا أيضًا.
لكن للأسف المرء لا يُمكنه أن يتحكم في سيرِ عواطفه وسيلها، أجد نفسي أتعلق بها دون أن أرغب، كذلك هي.
ربما هي فتاة صغيرة تعيش حياة عادية، لكنّي متزوج ولدي طفلة، تلك المشاعر الودودة التي أملكها نحو هذه الفتاة ليست نافعة أبدًا.
إما أن تُضيّعَني وإما أن تَضيع.
تجاهلتُ رُكام الأفكار في رأسي، وانجرفتُ خلف صوتها وأنصَّتُ لها، هذا أول حديث يدور بيننا، وربما يكون الأخير.
"سأُقدم لكَ نفسي بإيجاز، أيري، أبلغ من العُمر خمسة وعشرون عامًا، أعمل مُعلِّمة في رياض الأطفال؛ فقط لإهدار وقت سعيد مع الأطفال، عزباء جادّة أبحث عن رَجُل رائع مثلك!"
ضحِكَت ما إن أنهت كلامها، وأنا كذلك لكنها لم تشعر بي، فلقد أخفضتُ رأسي وواريتُ ضحكتي الخافتة بيدي أُخفيها، لا يَصُح أن أبدو مُعجب بما تقول.
وصلنا الشارع الرئيس بالفعل للأسف، مُذُّ متى الوقت يركض بي؟
لطالما كان أبطئ من سُلحفاة عَرجاء.
توقفنا أمام بوابة مَصف السيارات، لم أبغي أن أودعها، ولا أن تَحين هذهِ اللحظة الحاسمة منّا، لذا قررتُ أن أذهب دون أن ألتفت لها، سيكون ذلك أقل إيلامًا.
لكنها تمسّكت بذراعي فجعلتني ألتفتُ إليها، حينها همست.
"غدًا سآتي إلى المقهى في ذات الميعاد، إن أتيت سأفهم أنكَ توافق أن نكون معًا"
ماذا؟
تراجعت عنّي تلوح بيدها لي، وتملأ شفتيها إبتسامة.
"أراكَ لاحقًا دودو!"
إلتفتت ثم غادرت تعود الطريق الذي قطعناه، ثم أصبحت تركض، أتبكي؟
تحسستُ صدري، يسارًا بالضبط، أشعر أنّي في هذه الرُقعة أتكسَّر من الداخل، ماذا تكون لي هذه الفتاة؟
لِمَ يؤلمني فُراقها وكأنها شخص عزيز علي؟!
مضيتُ في طريقي في النهاية، وعدتُ إلى المنزل، فتحت لي الباب ابنتي، وقفزت إلى حضني تُعانقني بقوّة.
"أبي، اشتقتُ لك، لِمَ أصبحت تُطيل في عملك؟"
ربّتُ على شعرها ونبست.
"لن أفعل ذلك مُجددًا، سأقضي الوقت معكِ"
راحت تتقافز في حضني بحماسة، وأنا في داخلي أنكمش إستياءً، هل العودة إلى نمط حياتي المُمِل سيكون سهل؟
هل سأتجاوزها بِسُرعة؟
طيلة الليل لم أنم، أفكر في موعد الغد، أذهب أم لا.
هناك صوتان يتضاربان في رأسي، ولا يُمكنني أن أقرر أيهما الأصح.
الأول يقول "اذهب، إنها فرصتك لتعيش أخيرًا"، لأنني ما عشتُ أبدًا، بل تعايشت طيلة السنين الفائتة، لم أكن أنا ولا تلك الحياة التي أردتُها.
والثاني يقول "لا تذهب، ستخدعها" لأنني مُضطر لو ذهبت ألا أقول الحقيقة وإلا تَخلَّت عني، في جُعبتي سرّين عظيمين، الأول سيجعلها تنفر مني، والثاني تخافني حد الموت.
ماذا أفعل؟
آتى اليوم التالي سريعًا وليته لم يأتي، حاولت أن أنشغل على أكبر قدر ممكن بالعمل، لكنه انقضى بسرعة لأول مرة وكان خفيفًا.
وجدتني أقودني إلى المقهى، وقفتُ أمام الحائط الزجاجي الذي تطل عليه طاولتي، كانت تجلس هناك بإنتظاري، ويبدو عليها التوتر والقلق من ألا آتي.
لم أستطع، أريد بشدّة أن أعيش مرة لنفسي، أن أفعل شيئًا ولو لمرة لأُسعد نفسي، سأفعل كل شيء يتوجب علي فعله، كل شيء مهما كان خطيرًا، وسأحتفظ بها معي كمُكافئة على أتعابي، ألا يُمكِن؟!
قبضت يدي وأغمضتُ عيني، أخذت نفسًا عميقًا، وما إن فتحت عيني؛ أنوي الدخول حتى رأيتها تنظر لي عبر الزُجاج الذي بيني وبينها.
ضحكت، ليست شفتاها وحسب، وعيناها أيضًا، نهضت وركضت إلي إلى الخارج، ثم إرتمت بين ذراعيّ وتعلّقت برقبتي.
"شُكرًا لأنكَ أتيت، أعدك أني سأحبك كما يليق بك وأكثر، سأحبك بإفراط وأجعلكَ سعيدًا!"
لم أعي أن يدي تُحيط بظهرها وتُلصقها بي بجور، متى تعلّقتُ بهذهِ الفتاة أنا؟!
لا أدري، حقًا لا أدري...
أبعدتُها عني قليلًا وقُلت.
"لنتكلم أولًا!"
ليرتاح ضميري سأُنبهها حتى لو ما استخدمتُ لغةً صريحة.
دخلنا إلى المقهى، جلسنا متقابلين كما العادة، لكننا ننظر نحو بعضنا كما لم نعتاد، ونتبادل حديث جدّي حولنا.
"قبل كل شيء، عليكِ أن تسمعي تحذيراتي"
أومأت، ولم تأخذ كلامي على محمل الجد، تظنّي أبالغ.
"ربما أكذب عليكِ"
"الجميع يكذب"
"أنا مثل شفرة حادّة، وإن أردتني قد أجرحكِ بعُمق"
تراخت على مقعدها وتظاهرت أنها لم تسمعني، فقط ترمقني بنظراتٍ غاوية، لم أتوقع أن يردني أحد لهذهِ الدرجة أبدًا، إنها تتمسك بي رغم أني أخبرها بأني مؤذي.
تنهدتُ وتراخيتُ على مقعدي.
"في الحقيقة أنا أخشى أن أبدأ معكِ، ينتابني شعور سيء حولنا، أشعر بالمرارة"
إستندتُ بمِرفقيّ على الطاولة واتبعت.
"إن ما زِلتِ تصرّين أنكِ تريديني وأغلقتِ عينيكِ، سأحرص أن تكوني معي سعيدة، حتى لو كان ذلك عبر كذبة، سأحرص أن نكون أحلى كِذبة في العالم"
"رُغمَ عِلمي بأنَّ تِلكَ الأكاذيب خَطِرة ومُرّة جدًا؛ لكنّي لا أملك الثقة في قُدرَتي على البوح لكِ.
حتى لو كانت قِصّتنا مبنيّة على كِذبة، لا بأس طالما أنتِ معي"
.................
ومُنذُ ذلك اليوم وحياتي تغيَّرت، أصبحنا نخرج في مواعيد بعد العمل، أصبحت الأيام تَمضي سريعًا.
الأيام الحُلوة دائمًا ما تَمضي بسُرعة، لم أدرك أن الحياة من المُمكِن أن تكون حُلوة حقًا، الأيام تركض بي، واللهفة تستعمرني كل يوم.
تغيرت مع نفسي، مع ابنتي، ومع الجميع حتى زوجتي، التي أُخفي وجودها في حياتي بالكذب الحُلو المعسول.
أصبحت حياتي أيري ولورين فقط، حياتي إمرأتي الغالية وابنتي الثمينة، ولا وجود لرُكنٍ إضافي، لا في عقلي، ولا قلبي، ولا حتى إهتمامي.
لقد سرقتني مني، ببهجتها، بضحكتها، بحُبها، بوِدها، أشعر أنّي ذا قيمة أخيرًا، وأنّي حقا أستحق أن أكون سعيدًا، وأنه لا يُفتَرض بي أن أهدر حياتي بطريق لا أريد أن أقطعه، وفي بيت لا أطيقه، ومع إمرأة لا تملك شيء مني سوى اسمي.
توقفنا عن التلاقي في المَقهى وحسب، يبقى للمقهى مكانة مُميزة في علاقتنا، لولاه لما اجتمعنا أبدًا، لكنّا مُذُّ أننا أصبحنا إلى بعضنا أقرب فما عاد للمقهى أن يلزمنا باللقاء.
اليوم مَثلًا قررنا أن نَسير معًا على ضِفّةِ نهر الهان، كُنّا نَجِلس على إحدى الكراسي الخشبيّة أمام النهر بعدما سِرنا طويلًا.
كانت تضع رأسها على كتفي وتنظر في المكان، ترمقه بذات النظرات التي كانت ترمقني بها خلال ساعة المُطالعة في المقهى.
ساذج وطفولي جدًا؛ لكن أيُعقَل أنّي أغار من ضِفّة نهر الآن؟
"بماذا تُفكر؟"
"لا شيء مُحدد، العقل البشري دائمًا ما يكون مُكدَّس بالأفكار حتى لو كانت غبيّة"
همهمت.
"إذًا دعني أخبرك ما أفكر به"
"ماذا؟"
"لم تحدثني أبدًا عن عائلتك، أخبرني عنهم"
"هممم"
"عائلتي تعيش في الصين، وحدي هنا"
رفعت رأسها تستقطب عيني بعينيها المدهوشتين.
"لا أفهم، لِمَ تعيش وحدك بينما هم هناك؟"
"أُدير عمل العائلة هنا"
"اووه! هل أنت مدير تنفيذي؟"
أومأت، حينها وكزت كتفي وضحكت مازحة.
"إذًا أنا حصلتُ على صيدٍ ثمين!"
ضربتُ على جبهتها بسبابتي أوبخها.
"ألم أكن ثمينًا قبل أن تعلمي أنّي ثرية"
ضحكت بخفّة وأجابتني.
"كنتُ أمزح، أنا ثريّة أيضًا!"
جذبت رأسها إلى كتفي وأحطتُ كتفها بذراعي.
"فتاة مُشاغبة!"
أعلم أنها تظنني صيدٌ ثمين، لكنّي أخشى أنّي لستُ كذلك، ما زِلت ابني حولنا حِصنًا واهن من أكاذيب يحمي علاقتنا من الإندثار.
أُكذّب وأُكذّب وأُكذّب... لأنني لا أملك الخيار طالما أنّي أريد المُحافظة عليها بِقُربي.
"كيونغسو؟"
"هممم؟"
"لقد مرَّ على علاقتنا ثلاثةِ شهور"
"وإذًا؟"
"أما زِلنا سنبقى عالقين في ذات المرحلة لوقتٍ طويل؟!"
لم أفهم مقصدها في البداية، لذا كمشتُ حاجبيّ في نُقطة، وكدتُ أستفهم عن أي تقدم تُريد أن تَحرزه معي.
لكن يديها المَقبوضة بشدّة على مِعطفها، كذلك إنحاء رأسها على كتفي أخبرني بالتحديد ما الذي تعنيه.
أنا أريد أيضًا لكنني ترددتُ كثيرًا في الطلب، لأنني لستُ واثق حيال المستقبل، لكن طالما هي طلبت، لا يُمكنني أن أرفض أبدًا.
لأنني أريدها بشِدّة أيضًا.
أمسكتُ بيدها ونهضت وأنهضتُها معي، ثم توجهت بها إلى سيارتي التي ركنتُها قريبًا، فتحت لها الباب بجانبي.
"اصعدي"
خطفت نظرة إلي مكّنتني أن أرى تورّد وجنتيها ولمعة الخجل في عينيها، صعدت تطيعني دون أي إستفسارات.
صعدت في مقعد السائق، وانطلقت إلى أفخم فُندق في سيؤل بأكملها، لأن هذا أقل ما يليق بها.
حجزتُ الجناح الملكي المتوفر بينما أُمسِك بيدها، ثم صعدنا معًا قاصدين جنّتنا المؤقّتة التي ستحوي كل جنونا.
لا بأس بعدها لو احترقت، لا أُبالي.
دخلنا معًا، ومنذ أن وقت العشاء قد عبر إكتفينا بكأسين نبيذ بينما نجلس على إحدى الآرائك ضمن الجناح الواسع.
خلعتُ معطفي واكتفيتُ بقميصي، كذلك فعلت هي إذ إكتفت بفستانها الثقيل.
كانت تجلس على الأريكة، وأشعر بنظراتها على ظهري بينما أصب لنا كأسيّن نبيذ، حملتهما وأتيتُ لها.
سلمتُها واحد ثم جلستُ بجانبها، كانت تنظر إلى الكأس وتضربه بأظافرها بتوتر، عانقتُ يدها ثم رفعتها إلى شفتيّ أُقبلها.
"لطالما تشوَّقت لهذهِ الليلة، لكن لو ما كنتِ جاهزة فدعينا نغادر فقط"
شربت الكأس دفعة واحدة، ثم قالت لي بعدما أخذت نفسًا عميقًا.
"بل أنا جاهزة!"
وضعتُ كأسي بعيدًا فهناك ما هو ألذَّ منه وأطيب، طابت لي تلك الشفتين أكثر وأكثر عندما قبلتُها، هذه ليست قُبلتنا الأولى، لكنها في هذه الليلة الأولى، سيتلوها عدد لا يُحصى من القُبَل.
............
في الصباح؛ بالكاد أستيقظت، ولأنّي رسمتُ على جسدِها طيلةِ الليل بريشةِ حُب أردتُ ألا أمضي، بل إحتضنتُ لوحتي ونمتُ في كُنفِها.
نسيتُ أنني أملك عائلة ومسؤولية عظيمة لا يمكن أن أتهاون معها، لكن ماذا أفعل؟
هذه المرأة بِحُسنِها سَحَرتني...!
خطوتُ إلى داخل منزلي، الذي بات خانقًا ضيّقًا ويكتُم الأنفاس على صدري.
لكنّي تعجّبت عندما رأيت يوري تجلس على درجات السُلم بحالة من الفوضى، الدموع خطّت على وجنتيها وعيناها متورمتين، وما زالت بثياب نومها.
"ما الذي يحدث؟! أين لورين؟!"
مسحت دموعها ثم رفعت بصرها إليّ تقول.
"بعثتُ لورين إلى بيت أهلي، لأنني يجب أن أتحدث مع أبيها حديث للكبار لا يُناسب أن تسمعه طفلة صغيرة في الرابعة"
نبض قلبي بهلع، لكنّي حاولت ألا أظهر توتري، وخاطبتُها بنبرة مُعادية كما العادة.
"ما الذي تهذين به يا امرأة؟!"
ألقت عليّ هاتفها، فنظرت إليه، إنها صور لي من ليلة البارحة، وأنا أدخل مع إيري الفندق وأخرج صباحًا.
نهضت عن درجات السلم، واقتربت منّي تقول فيما ترفع ثغرها بإبتسامةٍ باهِتة هازئة.
"لم أرى من قبل رجل يعاشر عشيقته في مكان يعرفه الجميع فيه مثلك، ألهذه الدرجة كنت معمي البصيرة لتذهب بقدميكَ إلى الفضيحة؟"
كنتُ أعمى البصيرة فعلًا، ماذا أفعل الآن؟!
لا يُمكنني أن أدعها ترحل أبدًا، ستسخدم ابنتي ضدي، تحظى بإنتقامها ويتدمر كل ما بنيتهُ طيلة هذه السنين.
حاولت ألا أظهر خوفي، رميت عليها الهاتف وقُلت.
"اعتبريها نزوة، ليس وكأن علاقتنا متينة لدرجة ألا أفكر إلا بكِ، اعيدي لورين إلى المنزل ودعينا نعيش بهدوء"
تمخّضَت ضِحكة مُستاءة هازئة من بين شفتيها رغم أنها تبكي بسخاء.
"تظنني لعبة بين يديك، أم أنني لا أملك ولا ذرّة من الكرامة؟
لقد حاولت بالشتّى الطُرق أن أسعدك وألا أقصر معك، دهست على كرامتي كذا مرة لأرضيك، وكنتُ مستعدة أن أغدقك بحبي وإهتمامي حتى لو ما أكرمتني بذرّة إهتمام.
حاولت أن أُحافظ على هذا الزواج رغم تَخلخُل أساساته، حاولت أن أتمسَّك بِكَ بكل قدراتي لكنكَ دومًا كنتَ تهرب مني.
صبرتُ معك لسنين طويلة، وثمار صبري دائمًا لا تنضج، يأكلها السوس قبل أن تستوي، فلا أفرح أبدًا.
رغم ذلك كنت أتحمل لأجل ابنتي، وأقول أنك مهما فعلت؛ سأبقى أنا زوجتك، وهذه ابنتك وأنت لن تتخلى عنّا أبدًا.
أما الخيانة فهي أمر لا يمكنني غَضَّ البصر عنه، والتعامل مع فعلتكَ المُقرفة هذه وكأنها لم تحدث"
اقتربت مني أكثر، ثم وخزت صدري بأناملها تقول وتبكي وتبكي.
"مُتأكدة أنكَ لم تعاملها مثلي، كنت عليها أحن وأحسن مما تكون عليّ، متأكدة أنكَ أغدقتُها بحُبِك، ولم تُعاشرها وكأنها حيوان ذا خِوار تحتاجكَ أن تندّس بها!'
لكمت قلبي ونبست بضيق.
"أنا أكرهك كيونغسو بقدر ما أحببتُك طيلة هذه السنين!"
صعدت درجات السُلم، لكنها توقفت في منتصفها والتفتت إليّ تقول.
"استعد لتعود ابن شوارع كما كُنت، لا تنسى أنّي التي رفعتك على عرش الثراء، وبإمكاني أن أنزلك ليصبح شأنك أقل من عبدٍ مَخصيّ في أيام العبودية!"
..........................
مَرَّت أيام كالزمهارير على حياتي، بحثتُ عن لورين في كلِّ مكان ولم أجدها، لم أدري أنّي سأدفع الثمن باهِظًا هكذا.
أيري تحاول أن تتواصل معي مُذُّ عِدةِ أيام لكنّي لا أُجيب، ربما تظن أنّي قضيتُ حاجة لي منها وانتهيت، لكنني لستُ كذلك.
ماذا أقول لها إن علمت بمأزقي وما أمُر به؟
سأخسرها بلا شك مُذُّ أنني لا أملك التبرير المُناسب أبدًا.
مضيتُ هذه الليلة إلى منزلي بعد يوم مُرهِق من البحث، أنوي أن أخرج غدًا وابحث مجددًا، ربما أستعين بقُدراتي الخفيّة لأجد طِفلتي.
لكنني ما إن إنتصبتُ أمام بابي شعرتُ أحدهم خلفي؛ وإذ به رجل ضخم الجُثة يحاول أن يُلبِس رأسي كيس من القُماش.
ركلته سريعًا وعلمت ما يدور عليه الأمر، أبي في القانون يحاول أن يُعاقبني عمّا فعلتهُ بابنته، لكنه لا يعلم عنّي كفايةً؛ كأنّي أملك قدرات قِتال فذّة.
كانوا كُثُر لكنّي قاتلتهم جميعًا حتى آخر ذرة طاقة بجسدي وحتى آخر قطرة عرق مني.
إلى أن أطلق أحدهم علي النار، وجسدي الذي بات مُنهكًا من القِتال ما عاد قادِرًا أن يُقاوِم أكثر، سقطتُ على رُكبتاي بينهم، وما إن وقعت كَثُرت السكاكين على رقبتي.
كنتُ أشعر بكل ركلة فوق جُرحي حتى تبدد وعيي واستسلمتُ للظلام.
...
لا أدري كم مَضى عليّ وأنا نائم، لكني ما إن استفقت علمتُ أنّي بالمستشفى، أحد الجيران رآني أُضرَب وهو من اسعفني، عندما طلبوني الشُرطة للتحقيق قلت أنّي لا أعرف من الفاعل وأني لا أشك بأحد.
لستُ أفعل هذا إلا لأحفظ لابنتي سُمعتها للمستقبل، وصورتها النقيّة عن الحياة.
بينما أتعالج في المستشفى؛ قررتُ أن أبحث عن ابنتي بطُرق أُخرى، اتصل بي أحد رِفاقي في عملي السرّي، واستغللتُ الفرصة لأطلب منه خِدمة.
كريس صديقي، نحن نعمل معًا مُنذُ ثمانِ أعوام؛ لذا كُنّا مُقرَّبين كفاية، ليعلم ما استجد في حياتي.
"لو علمت القيادة أن رئيس الحزب أصبح عدوكَ بسبب فتاة سيقتلونها أمامك، تعلم؟"
تنهدت.
"أُيمكن ألا تكون سوداوي وتبحث لي عن ابنتي؟"
سمعته يتنهد بالمُقابل وقال.
"إنني أبحث عنها بالفعل، ولقد توصَّلتُ إلى هذا"
"ماذا؟"
"لقد أخذوها إلى مركز الرأسمالية"
"تقصد الولايات المتحدة؟"
"نعم، أيمكن أنهم شك..."
"لا، لا يمكن، سأتكئ عليك بأمر ابنتي، أعدها إليّ"
"تعلم أن تلك الأراضي محظور دخولها، ولا يمكن جلب ابنتك إلا بإختطافها، ونحن لا نُريد أن نَخلق أيَ أزمة معهم، عليكَ أن تحل الأمر من عندك بالتَّراضي"
رميتُ بالهاتف عرض الحائط، مصّوا دمي حتى آخر قطرة، وإن سألتهم لقاءها أعادوك خائبًا، ما كان علي التورط معهم منذ البداية!
...
أنقضت فترة إستراحتي في المستشفى، وتم صباح اليوم تسريحي منها، طلبتُ من كريس معروفًا؛ أن يحصل لي على رقم هاتف يوري على الأقل، وهو وعدني أنه سيحاول.
المُفاجئ هذهِ المرة عندما عَتبت قدمي عَتبة باب منزلي، وجدتُ إيري تقف عليها وتبكي.
تسمَّرتُ في مكاني، لا أدري ماذا أفعل، يبدو أنّي سأخسرها أيضًا ولا يبقى لي أحد أبدًا، هذه هي نتيجة المُراهنة على الكذب حتى لو كان حلوًا.
"إيري؟!"
مَسحت دموعها وقالت.
"نحنُ نحتاج أن نتحدث معًا"
إزدرئتُ جوفي سِرًا، وتقدمتُ لأفتح لها الباب، ليس عليَّ أن أكون مُتشائم، ربما تكون فَهِمَت أمر غيابي طيلة الفترة الماضية على نحوٍ خاطئ.
أثق أنَّهُ يُمكننا أن نتفاهم... أرجو ذلك!
دخلت قبلي إلى المنزل، كانت تنظر في أرجاءه بملامح مُدهَمة، ربما اشتمّت رائحة طفلة، ورأت لمسات إمرأة في المكان.
دعوتها للجلوس فجلست.
"ماذا تشربي؟"
"لا شيء، دعنا نتحدث فقط"
بنبرتها بعض الجفاء، جلستُ على الأريكة المجاورة، شعرتُ أن لا حق لي أن أحتضنها الآن، وأكون منها قريب، وأُخفف عنها؛ بما أنني السبب في هذه الدموع.
"أين كنتَ طيلة هذه الفترة؟"
"طرأ أمر"
أومأت تعض على شفتيها بغيظ.
"هل الأمر يتعلق بابنتك وزوجتك اللاتي اختفين فجأة؟!"
سُرعان أن نهضت دون أن أعي واقتربتُ منها؛ لكنها صاحت علي ترفع يدها ناحيتي.
"لا تقترب وأجب عن سؤالي... نعم أم لا"
طأطأتُ رأسي لشعوري بالخزي وأومأت، حينها رمقتني تضيق عينيها وانفجرت باكية، إنهارت تُخبئ وجهها بكفيها، وتبكي بُكاءً مريرًا مَزّق قلبي.
لم آبه بتحذيرها، وجلستُ القُرفصاء أمامها بينما أمسك بساعديها، لعلها سمحت لي أن أنظر لوجهها.
"لا تبكي إيري أرجوكِ، هذا خطأي أنا، أنا آسف، أنا كذبتُ عليكِ لأحظى بكِ، أيٌ مما حصل ليس ذنبكِ، أنا المُذنب الوحيد هُنا!"
تمتمت بإستنكار شديد.
"لا أصدق أنني تسببتُ بِمَحوِ عائلة وتفكيكها، كسر قلب إمرأة مثلي وتَشتُّت طِفلة!"
شددتُ على ساعديها أهمس.
"ليس أنتِ، أنا من فعل ذلك!"
أبعدت يدي عنها ونظرت لي بعينيها الحمراوتين لكثرةِ ما بكت وقالت.
"أخبرني بكُل شيء الآن حالًا!"
أومأت.
"سأخبرك... إهدأي فقط!"
تنهدت تمسح دموعها، وأشارت لي أن أتكلم، فأتيت لأجلس بجانبها ثم قُلت.
"كنتُ شابًا فقيرًا؛ لكن ذكيًا، والبلاد لم تعطني الفُرصة لأُظهر نَفسي، تقاطع طريقي بفتاةٍ غنيّة، وهي ابنة لإحدى الرجال المؤثِّرين سياسيًّا والأثرياء، فقررتُ أن أحصُل عليها بغرضِ الوصول إلى القِمّة.
أغدقتُها بالحب الكاذب معي حتى جررتُها إلى سريري ثم حتى حملت مني، عائلتها لها سُمعة سياسيّة وأقتصاديّة، ولا يُمكن أن تتضرَّر بمِثلِ هذهِ الفضيحة، فقرر والدها تزويجنا وضمّي أسفل جناحه.
نجحت خُطَّتي، حصلتُ على المكان الذي أردتَهُ، صَبوتُ القِمَّة، ورُزِقتُ بطفلة أفديها بروحي، لكن الحُب الحقيقي نحو زوجتي لم ينبت في قلبي أبدًا، فبعدما تزوجنا عِشنا معًا كشُركاء سكن لا أكثر.
أصبحتُ أشعر أني أعيش ضمن قالب ضيق يكتم على أنفاسي، وأنّي في سبيل تحقيق أحلامي خسرتُ سعادتي، وراحتي، وفرصتي؛ لأحظى بحُبٍ حقيقيّ وإمرأة أُريدُها بالفعل."
لَزِمَت الصمت كثيرًا، ولم تُعلِّق على قصتي التي أخفيتُ منتصفها الأكثر ظلامًا من الذي ذكرته.
"ماذا أنا بالنسبة إليك؟"
أمسكت بيدها وبلا تردد أجبتُها بصِدق.
"الحُب الحقيقيّ الذي لطالما حلمتُ به"
عادت تبكي وسحبت يدها منّي، ثم نظرت إليّ.
"أوتعلم؟
أنا ما عدتُ أُريدُكَ"
"لا، هذا أكثر مما يمكنني أن أتحمله!"
تمسَّكتُ بها، لم أدري أنّي مهووس بها أبدًا.
صرخت تسد أُذنيها بيديها.
"أنا لم أُرد رجل سيء، لستُ أريد رجل كاذب في حياتي!"
تمسّكت بيدها، ورغم مقاومتها أبعدتُ يداها، وجعلتهم خلف ظهرها أقيدها، وألصقها بي.
"لا حبيبتي، لا تقولي أنكِ لا تُريدي رجلًا كاذبًا مثلي!
لا حبيبتي، لا تقولي أنكِ لا تريدي رجلًا سيء مثلي!
كذبتُ عليكِ لأن الحقيقة تؤلم أكثر من الكذبة، لذا لا تسُدّي آذانكِ عني!
لا حبيبتي لا!"
صرخت تحاول دفعي عنها.
"أنت رجل مهووس ومريض!"
أومأت.
"نعم، أنا كذلك!"
وأجبرتُها على قُبلة، كانت تنتفض بين يديّ بقوّة، تبغي تحرير نفسها، لكن هيهات، لقد مَسَّني الجنون وما عدتُ أعي علاما أفعله!
سقطنا معًا على الأريكة، وما زلتُ أُقبّلُها بجنون، وما زالت ترفضني، وحينما أنخفضت قُبلاتي إلى فكها؛ نشأت تتوسلني بنبرة باكية آلمتني وأيقظتني من لجّة الجنون.
"دعني أرجوك، اتركني!"
أفلتُها، ونظرتُ إلى الحالة المُزرية التي أوصلتُها لها، نهضت سريعًا ما إن إستطاعت وأنا أخذت أعتذر لها، لا أصدق ما أقدمت على فعله.
"لقد فقدتُ صوابي لوهلة، أنا آسف يا حبيبتي!"
صفعتني وبذات اليد مسحت دموعها تقول.
"نحن انتهينا هنا وإلى الأبد!"
غادرت تركض وتبكي، وأنا سقطت أرضًا وتساقط الهم فوق رأسي، في النهاية أنا الخاسر، خسرت كل شيء دفعة واحدة.
أحيانًا تكون الحقيقة تؤلم أكثر من الأكاذيب.
نكون خائفين أن نتأذى من بعض الحقائق.
لذا نُدير لها ظهورنا ونهرب.
................
أنقلبت حياتي عُجاف وتخلّى عني الجميع، حبيبتي، ابنتي، خسرتُ عملي ومكانتي، منزلي وعاداتي، عدتُ لأكون مجرد عميل سري للمخابرات الصينيّة في كوريا الجنوبية.
هذه حقيقتي الأسوء، إذ أن الموت يلهث خلفي دومًا، تواصلتُ مع المُنظمة وطلبوا أن أعود إلى الصين.
هكذا انمسح وجودي من كوريا كلها، وما عاد أحد يذكرني، عملت بعملي بتفاني لقاء الموت، كنت أشترك بكل مُداهمة، وبكل عملية خطيرة، لعل الموت سرق مني حياتي، فما عدتُ أنا أحيا لأحد ولا أحد يُريدُني.
مرَّت سنة، اثنتان، ثلاث، وها الرابعة... وما زال الموت يُجافني كما الناس، والنوم، والسعادة والأحلام، وكل شيء جميل في الحياة، التي تخلّت عني، وتجرّدت من أمومتها بشأني.
كنتُ في عملية لقتل إحدى السياسين، الذين يقفوا على مصالح الصين في اليابان، تحققت العملية بنجاح، ولكن صديقي كريس أصرّ أن نبقى في اليابان لبضعةِ أيام قبل أن نرحل، بحُجة أني أحتاج لنُزهة خارج إطار العمل الأدهم.
أول ما لفت إنتباهي هو مقهى أعاد لي الذكريات القديمة، له حائط زجاجي كذاك، تركن خلفه طاولة بموقع مشابه تطل على الشارع.
دخلتُ لأطلب الشوكولاتة الساخنة، ما زالت القهوة والكاكو الأوفياء الوحيدون، مهما جافيتهم لا يتغير طعمهم.
ما تزال تملك نفس اللذة التي تحتضنها الذكريات.
كنتُ أقف أمام المحاسب أَسُدُّ ثمن الكوب، لكن يد صغيرة نبشت على قماش بنطالي وأخذت تَشدُّه.
عندما إلتفت كان فتى صغير ينشب بأنامله الصغيرة على القماش الذي يستر ساقي.
إنحنيتُ أجلس على ساقي حتى أدرك وجهه وجهي، وقمت بمشاكسة أرنبة أنفه بسبابتي أبتسم لأجله.
"هل أشتري لكَ كعكة بالشوكولاتة؟"
أومئ فأمسكتُ بيده وقلت.
"اختر ما تشاء"
اختار إحدى المعروضات، وأجلسته بجانبي ليأكل بينما أنا أحتسي الشوكولاتة الساخنة.
"لم أنت وحدك؟"
"أضعتُ أمي"
"غريب أنك لا تبكي"
رفع كتفيه يقول.
"لا حاجة للبُكاء، هذا المقهى لها، ستجدني هنا بعدما تدور قليلًا في ضواحي الحي"
وضع معلقته برتابة، ثم نظر لي يقول وقد شابك أصابعه أسفل ذقنه، أنه يذكرني بي لطالما كنتُ هكذا منذ طفولتي.
"تراني طفلًا لكن عقلي ليس بسيط، تعلم؟"
برمتُ شفتيّ.
"في الحقيقة لا أعلم، الأطفال يبقون أطفال"
الطفل صمت لوهلة ولم يزح عينيه عني ثم قال.
"هل تُدعى دو كيونغسو بالمُناسبة؟"
ساور الشك نفسي.
"كيف تعلم؟"
أومئ وتنهد يقول.
"إذًا أنتَ أبي، لِمَ تخلَّيت عن أمي؟"
وجدتني أُلجم من هذا الفتى، إذ نسب نفسه لي واتهمني بأمه أيضًا!
"ماذا تقول يا فتى؟ من أمك؟"
كاد أن يتحدث؛ لولا أنّي سمعتُ صوتًا أُنثوي آلفهُ جيدًا، ولأن صاحبتهُ ما فتئت تحتلّ المزيد مني دون حرب بل بسلام؛ أخذ قلبي يُحيّها ويُعذبني، يُرحِّب بعا ويضربني.
"جاي!"
رفعتُ بصري لها، يا إلهي كم اشتقتُ لها!
أكاد لِفَرط الشوق أنهض، وأضُمَّها إلى صدري بتهورٍ وجنون حتى تكاد تختنق وتختلط عِظامِها.
لكنّي لم أفعل أيًا مما رغبتُ بِه، بل دار تفكيري في دائرةٍ أُخرى، هذا الطفل مني ومن أيري، ابننا معًا، أيُعقَل؟
تمسَّكت بيد الصبي، وسحبتهُ إليها ترتعش؛ وكأنّي سأختطفه منها، وضعتهُ بظهرِها، وخرجت مُسرِعة.
لكن لا، هذهِ المرة لن أتركها تذهب، وتترُكني مُحطمًا مرة ثانية، ليس عليَّ أن أُعاني فُراقِها للأبد، لربما نِلتُ شفقة القدر؛ فوضعها بطريقي هكذا من باب الصُّدفة.
تبِعتُها ابحث عنها في الشارع، إذ وجدتُها تَمسِك بيد الطفل وتهرول به بعيدًا عني، ألا تُغالي؟
أنا لستُ مُرعبًا، حتى أنها لا تدري عن أكثر أوجُهي رُعبًا.
أمسكتُ بمعصمِها وجعلتُها تلتَفِت إليّ، حينها سحبت يدها مني بقوة، وبحنق خاطبتني.
"ماذا تُريد؟"
نظرتُ إلى الطفل ثم لها، لن أسمح أن أخسر طِفلي الثاني أيضًا.
"نحنُ نحتاج أن نَتكلَّم معًا؟"
كادت أن ترفض لولا أنّي حذَّرت.
"لأجل مصلحة هذا الطفل"
نظرت إلى طفلها ثم تنهدت.
"لا تحاول أن تستغل طفلي لمصالحك!"
ارتفع حاجبي ورمقتُها بلوم، ما كان عليها أن تُخفي عنّي ابني.
"أظنُّه طِفلي أنا أيضًا، حتى أنَّه يعرفني"
تنهدت تنظر إلى الطفل تلومه بلا كلمات لأنه أفشى سِرّ أُمه لي.
لكنها في النهاية استسلمت، وسارت أمامي عائدة إلى المَقهى، جلسنا مُتقابلين والطفل بجانبها، لكنّي بلطف حدَّثتُه.
"يُمكنكَ أن تذهب وتطلب ما تشتهي نفسك"
عقد الطفل ساعديه إلى صدره.
"هذا المقهى لأمي، أنا آكل فيه كما أشاء، ألا ترى أنكَ لا تُقدم لي عرضًا مُغويًا؟"
لهجة هذا الطفل لا تنفك تُفاجئني.
"من أين أتيت بهذا الذكاء أيها الصغير؟"
إيري أخذت تُربِّت على رأسه وقالت.
"بالتأكيد من أبيه، فأمه حمقاء يسهُل خِداعها"
تنهدتُ أنا، تلك التُّهم المُبطَّنة تخرج من ثغرها كقذفِ الشتائم بحقّي، تبسّمت إيري في وجه طفلها وأخبرته.
"صغيري البطل اذهب واجلس هناك"
"لكنّي أريد أن أبقى معكِ!"
احتج فيما يرمقني بنظرات مُغتاظة فجعلت تُقنِعُه.
"لا بأس بَطلي، سأكون بخير"
أومئ لها ثم نظر لي مُحذّرًا، وكأنَّه يقول لي "أياكَ أن تُصيب أُمي بأذى"
ثم أخيرًا نهض مُتباطئًا
"لِمَ لم تُخبريني أنكِ حامل؟"
رمقتني بلوم، إذا ضيَّقت جفونها وعرَّجت حاجبيها تقول.
"أهذا ما تملك أن تقوله بعد أربع سنين إنقطاع؟"
أخفضتُ رأسي، أنا رجل سيء فعلًا، سيء مع النساء.
تنهدت هي ثم اتبعت.
"رُغمَ أنكَ لا تملك الحق لتعلم سأُخبرك... قَلِقتُ عليكَ بعد ليلة الفُندق كثيرًا وشعرتُ بالخطر، مهما حاولت أن أتواصل معك لم تستجِب، في النهاية أنا راودتني أفكار سيئة، كأنكَ اكتفيتَ مني لهذا الحد، ما عدتُ أملك أي قيمة أو أهمية بالنسبة لك.
في يومٍ من تلك الأيام طرقت إمرأة غريبة بابي، كانت بائسة وغاضبة، صفعتني دون أدري لماذا وهاجمتني، اتهمتني أنّي نزعتُ عائلتها، وأنّي السبب في طلاقها، وخراب بيتها، وشتات طفلتها.
أدركتُ حينها أنّي كنتُ بين يديكَ أضحوكة، وما عدتُ أقدر أن أتجاوز أنكَ كذبت عليَّ مِثل هذه الكذبة الشنيعة، وخدعتني بينما تقول أنك تحبني.
غادرتُ كوريا فورًا كي لا أجد نفسي أطرق بابك وأتوسَّل حُبك، لا تدري كم الليالي كانت مُضنيّة وأيامي عسيرة بسببك."
رمقتني تبكي ونبست بصوتٍ بحّه البُكاء.
"أنا لم أستطع تجاوزك أبدًا، طِفلي ربى على مزاجي العسير، كان يتجسس علي ليلًا وأنا أبكي عليك واحتضن صورك إلى صدري.
كان يعلم أن أبوه رجلًا سيء، لذا لم يسألني عنك أبدًا، وحده استدرك القصة وعلم أنك أبوه"
إزدؤئتُ جوفي، لا أقوى أن أنظر لتلك الأعين الغائمة أكثر، تراخيتُ في الرّد عليها، تحسستُ فاه كوب الشوكولاتة الساخنة الذي برد بينما أنظر فيه وهمست.
"أنا لم أمنحكِ قلبي بسهولة، لقد حاولتُ بالفعل أن أدفع بكِ عنّي، حتى أنّي حذرتُكِ مني، أخبرتُكِ أني أكذب عليكِ.
لقد أخبرتُكِ بالفعل أنّي مثل شفرة حادة ولو أردتني فعلًا قد تتضررين من أعماقك، لكنكِ من أدّعيتِ أنكِ لم تسمعي تحذيراتي، وآمنتِ أنّي أعطي تحذيراتي أكبر من حجمها."
تبسّمت وشربتُ من الشوكولاتة الساخنة، بردت، لكنها ما زالت بذات النكهة الطيبة.
"لقد أذبتُكِ في كذباتي الحُلوة كما لو أنها شراب شوكولاتة ساخنة تُدفّئك في ليلة شتاء باردة"
وضعتُ الكوب جانبًا، ورفعتُ رأسي لها، كانت تبكي بالفعل، نظراتها تُخبرني أنّي وحش على هيئة إنسان، رَجُلٌ في غايةِ السوء، رَجُل حقير.
لكنني قررت أن أكون معها صريح هذه المرّة، لذا فيما انظر بعينيها بجُرءة أعلمتُها.
"دعيني أخبرك ما يدور في عقلي...
أنا آسف، لكن لا يمكنني أن أكون الرجل الذي تحلمين به، الرجل المثالي، لا تتوقعي الكثير مني"
مسحت دموعها واستجمعت أنفاسها تقول.
"ما الذي تريد أن تصل به بكل هذا الكلام؟"
همست فيما انظر بعينيها بجديّة واحتِدام.
"فلنعقد اتفاقًا شديدًا"
عقدت حاجبيها.
"ما هو؟"
"عودي إليّ وأنتِ تعلمين أنيّ رَجُلًا طالح وكاذب"
ضحكت من فرط الغيظ ورمقتني مذهولة.
"ما زلتَ تريد أن تكذّب علي؟"
أومأت.
"سأخبركِ كذبات حلوة، أحلى الكذبات في العالم، إن كان هذا ما تريدينه، سأمنحكِ كل تلك الكذبات الحلوة"
ضربت الطاولة براحتها، ووقفت تَصرُخ عَلي.
"كيف يمكنني أن أعود إليك وأنا أعلم أنكَ قد تكذب علي بأي شيء؟"
بإختصارٍ شديد أجبتُها.
"هذهِ ضريبة الحصول عليّ"
نهضت تَبغي الفِرار من أمامي، ومن الشوق الذي أراه بعينيها لي، إذ صرَّحت ووَلت تنوي أن تهرب مني.
"وأنا لا أُريد أن أحصُل عليك"
أمسكتُ بمعصمها وهمست.
"كاذبة حُلوة!"
وذلك ما همست به قبل أن أُطبق على شفتيها بشفتيّ، قيَّدتُ يداها خلف ظهرها وألصقتُها بي.
لم أدري ما الذي يحصل في هذا العالم بعد ذلك، أنا فقط أردتُ إسترجاعها بإستماتة حتى لو كان معنى ذلك أن أكون بلا أدب، ووقح، وجريء إلا هذا الحد.
صفعتني تبكي ما أن تفلَّتت مني، لكنّي أمسكتُ بيديها وقُلت.
"هذه حقيقة، لم يبقى لي أحد أبدًا، لا تتخلي عني أنتِ أيضًا، همم؟
هذهِ المرّة سأكون صادقًا معكِ، سأُسعدك، وأحبك بجنون، ولن تكون هناك إمرأة غيرك بحياتي، ماذا قُلتِ؟!"
نظرت إليّ بينما تقضم شفتيها، لا تقضميها، قولي الحروف العالقة خلفها أرجوكِ.
"سأكون معكَ سيئة وقد أكذب عليك"
استخدمتُ ردودها ذاتها.
"الجميع يكذب"
"سأكون مثل الشفرة الحادة، سأُقطعكَ إرَبًا"
فتحت ذراعيّ أكشف عن صدري.
"أنا لكِ، افعلي بي ما تشائين"
عقدت حاجبيها بأستياء وقالت تستنكر.
"ألا تراني أملك الجرءة لأفعل ذلك؟!"
تبسّمتُ أنفي برأسه، وهمستُ أُجيبها.
"لا، أنتِ إمرأة رقيقة وناعمة؛ مثل ربيع جميل مُخضَّر كُلُّه خير، يواسينا عمّا قضيناه مع صقيع الشتاء، ويُحمِّلُنا الطاقة لنصبر على حرارة الصيف"
بدى أن كلماتي المُنمَّقة طافت في ذِهنِها وأعجبتها، حينها أستغلّيتُ الفُرص؛ إذ جذبتُها من معصمها عندما طال صمتها هذا، فجعلتها تُجيبني على عجلة، إذ أسرتُها بذراعيّ، وشرعتُ أُقبل رأسها أينما وطأت شفتاي، وهي تبكي على كتفي وتضمني بذراعيها النحيفان.
"أنتَ رَجُلٌ سيء جدًا، رغم ذلك كنتُ أتوق لأن أجتمع بكَ ثانيةً، أنا أكرهك!"
تبسَّمتُ أمسح على شعرها الذي طال حتى أسفل كتفيها.
"وأنا أُحبُك!"
طفلنا، الذي كان يغلق كريس عينيه عن مشهد الكِبار هذا، أشرتُ له أن يقترب منّا، ففعل، ثم رفعتهُ على ذراعيّ انظر إلى وجهه.
"أنت لا تشبه أيًا مِنا!"
الولد رفع حاحبه مغترًا ونظر إلى كلينا.
"بالتأكيد، أنا القطعة الوحيدة منّي"
في الحقيقة يُشبه لورين، كيف أصبحت الآن يا تُرى؟
.......
بعد أن غمرني الحُب بوقت طويل لم أحس عليه.
كنتُ أسير ويدي بيد أيري حبيبتي، نُخطط أن نزور المَقهى الذي كُنّا نلتقي به في كوريا، لقد عُدنا لنعِش هُناك ونقلتُ عملي أيضًا.
كُنا نجلس على الطاولة ذاتها، أنا في مكاني وهي قِبالتي قُرب النافذة الزُجاجيّة المُغلقة، فها هو الشتاء مجددًا.
"كيونغسو؟"
"همم؟"
"كيف انتهى العمل بكَ لصالح شركة صينيّة؟ بين كوريا والصين مشاكل لا تُعَد!"
أومأت أن كلامها صحيح، لكنّي الآن بحاجة لإلقاء كِذبة جديدة على سمعِها.
"أنا كوري شمالي، ولجأتُ إلى الصين قبل أن ألجئ إلى هنا"
"ماذا؟! حقًا؟!"
أومأت، نعم أنا كوري شمالي، لكنّي لم ألجئ لكوريا لأغراضٍ نظيفة كالعيش بسلام.
"وماذا تعمل في الصين؟"
"لدى جهاز التجسس والمُخابرات"
شهقت بقوّة، هذه هي حقيقتي، لكنّي قهقهت أقول.
"أمزح"
تمسَّكت بقلبها وهمست.
"لقد أرعبتني! هذه مزحة سيئة جدًا!"
هذه حقيقتي المُرعبة التي لا يُمكِن أن أبوح عنها لكِ.
"أعمل لصالح هواوي الصينيّة بالفرع الكوري"
هذا الغطاء المُطرَّز الذي أُغلِّف به حقيقتي البشِعة.
"ماذا عن والد طليقتك؟ ألم تكن تعمل معه؟"
أومأت أتنهد.
"ذلك الرجل جعلني أعمل معه عندما لحظ مهاراتي، وأصبح مضطرًّا أن يتقبلني كجزء من عائلته، لكنه بعد الإنفصال طردني وحاول أن يجردني من كل ما كسبته بكدّي وتعبي.
طلبتُ المُساعدة من أحد أصدقائي الصينيين فوفّر لي هذه الوظيفة"
أومأت ثم تمسّكت بيدي تقول.
"لا بأس بتحمل بعض المرارة لقاء حلاوة العيش معًا"
تمسّكتُ بيدها وأخذتُ أُربّت عليها.
"بالطبع، هذا ما يجعلني قويًّا ويُمدَّني بالعافية مهما قَسَت الظروف علي!"
تبسمت في وجهي وطالعتني بفخر، ثم نظرت إلى بطنها البارز بطفلنا الثاني، من فوق فستانها تحسسته وقالت.
"يقول أيّان أنّه فخور بأبيه!"
ضحكت وأومأت، رفضت هذا الأسم لكنها ما تزال تفرضه عليه، سأستلم لأنها من تتعب في حمله، مُساهمتي ضعيفة أمام ما تفعله هي.
نظرتُ في عينيها البُنيّة التي تلمع فرحًا وحُبًا.
أقولها من كل قلبي لكِ، أنا آسف لأني أكذب عليكِ، وما أتكتّم على بعض الأمور إلا لأنّي أُحبُكِ.
ولا أنا لا أُريد أن أؤذيكِ مُطلقًا
لكن الحقيقة مُرّة جدًا.
ولأن هذهِ هي الطريقة الوحيدة لأُبقيكِ هُنا عالقة معي، أنا لن أهتم لما يتطلبه الأمر، سأفعله.
لذا مُجددًا، فعلتُها مُجددًا، كذبتُ عليكِ مُجددًا، لأني لا أملك خيارًا آخر.
سأُخبرها كِذباتي الحلوة...
رغم أنها كِذبة، لكنها ستكون أحلى كذبة في العالم، لأحتفظ بكِ دومًا.
......................
سلااااااااااااااام
-تمسح جبينها- أطول وانشوت بالكتاب للآن مكون من ثمان آلاف كلمة🔥
بقولكم شغلتين:
الأولى: سويت لايز هي أغنيتي المُفضّلة لإكسو مع أوفردوز.
الثانية: أكثر ميمبر مُناسب للأغنية هو دي او فعلًا وبلا مُنازع، تصفيق للي اقترحوها لدي او👏👏👏👏
وتصفيق لي لأني تعبت وأنا أكتبها👏👏👏
المهم أتمنى هالوانشوت الطويل يتلقى منكم الحب الغااامر.
الوانشوت القادم بعد 50فوت و100كومنت.
1.رأيكم بشخصية كيونغسو؟
2.رأيكن بشخصية أيري؟
3.رأيكم بشخصية يوري؟
4.رأيكم بسير الأحداث وسلالة القصة؟ كم تمنحوها من عشرة؟ وكم ترونها متوافقة مع الأغنية؟
5.ضعوا هنا إقترحاتكم للوانشوت القادم
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
بَطَل:
أكاذيب حُلوة|| Sweet Lies
...
الشِّتاء ضيف يَحلّ على الأرض الآن إذ تَلبس ثوبها الأبيض في مِثلِ هذا الوَقت كُل عام.
الشِّتاء يمنح ذلك الشعور بالإسترخاء رُغم الصقيع، الدِفئ رُغمَ البَرد، لكنّي أحبه لأنه عَكسي تمامًا.
هو بارد من الخارج، جوفه دافئ... بينما أنا قلبي قِطعة جَليد جامدة في جوف صدري رغم أن أطراف أناملي دافئة.
أنا المُنافِق لا هو.
نفثتُ أنفاسي فخرجت من فاهي كثيفة، وذلك ما جعل صَغيرتي تُعلّق.
"أبي، ما هذا؟
أجوفك يحترق لذا يخرج من فمك دُخّان؟"
نظرت إليها تحتل مساحة ضئيلة بجانبي، ترتدي فُستان أبيض ثقيل يعلوه معطف فرو، الجو بارد وعظامها رقيقة، قد تمرض سريعًا.
مسحتُ على شعرها بكفّي وكم أُحب مظهرها عندما أفعل، تبدو وديعة للغاية مثل الجِراء، ابنتي شهيّة وقابلة للأكل.
"ماذا عنكِ؟
هل تحترقين من الداخل لذلك يخرج من فاهكِ دُخّان كثيف؟"
ضحكت ونفت برأسها.
"لا!"
إبتسمت أُداعب وجنتها بإبهامي، ثم رفعتُها إلى حِجري واحتضنتُها إلى صَدري.
ابنتي صغيرة، تبلغ من العُمر ثلاث سنين وبِضعةِ أشهُر، أُحبها لدرجة أنّي أُقدم روحي لأجلها على طبق ولا أُبالي.
ربما هكذا يكون حُب الأب لطفلتِه.
"ستغفو في حِجرك هكذا حبيبي"
نهيتُ أمها عن أخذها مني، فلتغفو، ليس وكأننا نحضر حدث مهم لدرجة أنه لا يمكن لابنتي أن تنام.
أبعدتُ يدها عن ابنتي وهمست.
"دعيها"
كُنّا ثلاثتِنا بالسيارة ورابعنا السائق في عَشيّة الكريسماس متوجّهين إلى الحفل، الذي يُقيمه إحدى أصحاب أبي في القانون.
لو ما وجّه دعوة شخصيّة لي لما ذهبت، ولو أنَّه ما دعاني لكان أفضل، أكره الإكتظاظ البشريّ في مكان واحد.
لكنّي بالطبع لا أملك الخيار لأتخلَّف عن الحضور؛ بما أنّي لا أملك الحُجة لأفعل، لقد دعاني الرجل شخصيًا، وسيتودد إليّ ولأبي في القانون لأجل مصالح الحِزب السياسيّة.
لوما الإستعراض الفارغ هذا، لكنتُ في منزلي احتفل مع ابنتي وكفى، ذلك سيكون أفضل بالنسبةِ لي.
لكن على عكسي؛ زوجتي مُتحمِّسة لهذا الحفل، أتفهمها، أجواء المنزل مُمِلّة، وأنا بالكاد أتحدث معها.
إن تحدثت فذلك لأجل الصغيرة لورين، وأما أنا فلا أُطالبها بشيء، نحن نعيش كشُركاء سَكن فقط مُذُّ أربع سنين.
لستُ مُتطلب ولا هي، لكنها تُريد قُربي وأنا ما أنفك أدفعها عني، لستُ في مزاج للحُب والنساء أبدًا.
وصلنا إلى الفُندُق الذي يُقام به الحَفل، إنها أُمسية مُمِلّة بالتأكيد بالنسبةِ لابنتي العزيزة، سأحاول أن أهرب سريعًا لأجلِها.
حملتُها على ذراعيّ ودخلتُ بها إلى الفُندُق تتبعني يوري.
كنت أقف مع بعض الرِجال المُتملّقين من رجال الأعمال وأعضاء الأحزاب السياسيّة ذات الجِذع الهيّن بينما زوجتي وابنتي تنضم على إحدى الطاولات مع أمي في القانون.
طال الكلام وكَثُر التملق والمجاملات الكاذبة؛ لذا إنسحبت بهدوء من المكان، خرجتُ إلى الحديقة التي تنضم إلى الفندق.
كنتُ أقف بيدي كأس نبيذ وانظر إلى القمر، الليلة القمر بدر، إنه جميل بشكلٍ إستثنائي، ولا يبخل بنوره رُغم النور التكنولوجي الذي يغزو الأرض.
إنه وحيد مُتفرّد بنوره في سماء دهماء أحيانًا، وأحيانًا أُخَر بسماء مُدبَّسة بنجوم مُضيئة، يشبهني القمر لأنه ذا دورة ثابتة يسير عليها، ويُسيّر الجميع وِفقها شائوا أم أبوا، رغم أن هذا النور ليس له، لقد سرقه من الشمس.
إنه عَتيّ، سارق، ومُسيطر... يشبهني!
"اه!"
سمعت صوت تأوه خرج من فاه ناعم، فإلتفتُّ حولي ابحث عن مَصدره، وإذ بفتاة صبيّة تجلس أرضًا، يبدو على وجهها الوَجع فيما تتمسَّك بِكاحِلها.
"أنتِ بخير يا آنسة؟"
نفت برأسها وهمست ترفع طلائعها إليّ.
"أيُمكنكَ مُساعدتي؟"
رفعتُ حاجبًا ونَبست.
"ولِمَ قد أُساعدك؟"
قضمت شفتيها تكبح آهاتِها ونبست.
"رجاءً، أنا حقًا لا يُمكنني النهوض، لستُ أدَّعي!"
إقتربت منها أتنهد، لا بأس كيونغسو، أحيانًا عليكَ أن تتصرف مِثل رَجُل نَبيل وتَرتَقي إلى الذوق العام.
إقتربتُ منها، ثم إنحنيتُ أجلس القُرفُصاء قُربها، أمسكت بقدمها، وخلعتُ عن قدمها هذا الكَعب العالي، ثم أخذت أُحركها بِبُطئ، وهي قبضت يديها، وقضمت على شفتيها أكثر.
"هل سبق ورأيتِ إمرأة صبيّة يُفترض أنها ناضجة تتسلق شجرة بكعب عالي وفُستان قصير؟"
ما إن أنهيت كلامي حتى أمسكت بطرف فستانها وأنزلته قدر الإمكان، لا بأس؛ لقد رأيت ما رأيت وانتهى.
"لستُ أيُّ فتاة، أنا لستُ من النوع المُهذَّب الذي يتبع بروتوكل العائلات الغنيّة"
أومأت، لا أهتم...
"اه!"
تمسَّكت بقدمها هذه وراحت تقول.
"برفق رجاءً!"
رمقتها شزرًا، ثم سحبتُ قدمها بقوّة فأطلقت صَرخة من جُب جوفها.
استقمتُ أنفض كفّي وقُلت.
"لا بأس بأن تكوني مُشاكِسة، لكن عليكِ أن تتحمّلي نتائج تصرفاتِك، أليس كذلك؟"
لم تجبني، فقط أخفضت بنظرها عني تنظر إلى قدمها المُصابة.
"وداعًا إذًا!"
سِرتُ أتركها خلفي لكن إستنجادها إستوقفني مُجددًا فإلتفتُ لها.
"أيها السيد! ألن تُساعدني بالنُهوض؟"
"هذا ليس شأني، تدبري أمرك وحدك!"
تركتها واتبعتُ طريقي ابتعد بينما هي ما تزال مُصرّة أن تُناديني بألفاظ عشوائية، وأنا مُصِر ألا أُجيبها.
لا ينقصني سوى دَلع النِساء!
بعدما إنتهى الحَفل على خير؛ عُدت بعائلتي الصغيرة إلى مَنزلي، لورين خلدت إلى النوم بالفعل.
كنتُ أجلس على الأريكة قُرب شجرة الكريسماس، التي نَصبتُها لأجل لورين أقرأ كِتابًا، أُحب أن أختلي بنفسي هكذا رِفقة كِتاب وشراب دافئ.
لقد صنعتُ لأجلي كوب شوكولاتة ساخنة بالفعل.
الجوّ بارد خارجًا، إنها تُثلج، تراكمت على النافذة الثلوج على أطرافها تحديدًا، وأما في الداخل فالجو دافئ، يمكنني أن أسمع صوت فرقعة الحَطب داخل المَدخنة.
شجرة الكريسماس بجواري، بيدي كتاب وكوب شوكولاتة، هذا هو جوّي المثالي.
أسرفتُ في القراءة حتى أنهيتُ الكوب وأكثر من نِصف الكِتاب الذي أقرأه.
كنتُ سأكتفي إلى هذا الحد وأذهب إلى النوم بالفعل، فلقد تجاوز الوقت مُنتَصف الليل.
ولجتُ إلى غُرفة نومي التي أتشاركها مع زوجتي، لا أدري عنها ولكنّي أمكث معها في ذات الغُرفة، وننام معًا على نفس السرير لأجل ابنتي فقط.
لولا أن الوَعي بدأ في ربوع ابنتي لما جمعنا سرير كما كان وضعنا سابقًا، لكنّي أقدمتُ على هذه الخطوة لأجلها ويوري لم ترفض.
بل ربما وجدتها فُرصة لتقترب مني وتتقرَّب أخيرًا، لكن لسوء حظها أنا لا ألين أبدًا، ولا أشعر نحوها بأي إنجذاب عاطفي أو جَسدي، وهي تعلم بذلك.
لكنها ما زالت تحاول مُذُّ قرابةِ عام ولا تمل، رغم أنها تعلم أن ثوب نوم فاضح لا يُغريني، جسد مصقول منحوت لا يفتنني، وجه جميل لا يجذبني، شعر طويل لا يثير بي شيء.
لستُ شاذًا لكن المشكلة بيننا، هي بالتحديد لا تجذبني، وأنا لستُ رجلًا شهواني، إن ما جذبني العقل والقلب لن يجذبني الجسد أبدًا.
أُفضِّل إمرأة قبيحة تحتويني على إمرأة جميلة تستغلّني، المُشكلة بها لا بميولي.
كنتُ قد تمددتُ على السرير في حصّتي، وأغلقت عينيّ بالفعل أنتظر أن يغشاني النوم، ويوري كانت تقف أمام أسلحتها تجمعهم جميعًا؛ لتشن غارة عليّ تعلم أنها ستفشل.
تتعطّر، تتزيّن، تُسرح شعرها، تلبس ثوب المفروض به أن يُثيرني... لكن لا شيء.
شعرت بالسرير يهبط من مكاني فعلمتُ أنها أصبحت قريبة جدًا، حَطَّت يدها على صدري ثم شعرتُ بأنفاسها على عُنقي.
"كيونغسو، هل خلدتَّ إلى النوم؟"
أبعدتُّ يدها عن صدري، لكنها أعادتها وكمشت على قميصي الخفيف بأناملها، ثم سمعتُها تَلجئ لآخر سلاح معها، البُكاء.
"هل أتوسَّل إليك وأتجرَّد من كرامتي أكثر حتى ترضى؟"
تنهدت، يبدو أن هذه الليلة لن تَمُر على خير أبدًا، فتحتُ عيناي وإذ بوجهها قريب منّي بالفعل، وبعض خُصلها تَدلّى على وجهي بالفعل.
أبعدتُ شعرها عني ونبست.
"لا يُرضيني أن تذلّي نفسكِ لي، أنا لستُ ساخطًا عليكِ لأرضى.
فقط اذهبي إلى جانبكِ من السرير ونامي"
نفت برأسها وجرَّدت نفسها من كرامتها مُجددًا تقول.
"أنا زوجتك، لستُ أُختَك، لِمَ أنام على الوسادة وصدرك هُنا؟"
إحتدّ صوتي قليلًا لأنّي بدأتُ أغضب فعلًا، ألا تَمِل من محاولاتها الفاشلة هذه لتلييني؟!
"صدري ليس وسادتك، بالكاد جسدي يتحملني، لذا اذهبي ونامي في مكانك، ولا تضايقني وإلا هَجرتُ مَخدعِك!"
جلست على السرير وتضاحكت تستهتِر بكلماتي هذهِ للتوّ.
"كِلانا يعلم أنَّك لا تستطيع أن تَهجرني طالما لورين بيننا"
تحاول أن تُشعرني بالعجز، لكنّي لستُ رَجُلًا يعجز أو يَخضع.
"بما أنّكَ تعلمين أنّي أتحملك لأجل الطفلة العالقة بيننا؛ تَحلّي ببعض الكرامة وتوقفي عن إستمالتي، فأنتِ لن تَنجحي أبدًا!"
جرحتُها وتعمَّدتُ أن يكون جُرحًا غائرًا هذهِ المرَّة بإعتِزازِها بِنفسِها، إذ توقّفت عن التباكي وأخذت تَبكي بالفعل.
بَكَت وبَكَت وتجاهلتُها حتى آخر رَمَق؛ لَكِنَّها في النِهاية صرخت بي غاضبة وتبكي بحرارة.
"أنتَ رَجُل حقير ومَريض!
إن كُنتَ لا تُريديني لِمَ جعلتني أُحبُك؟
لِمَ تزوجتَني؟
لِمَ أنجبتَ مني؟"
سُرعان ما قعدتُ على السرير، واجتذبتُها من ذراعها حتى أن أطراف أناملي أنغرَزت بلحم ذراعها، فتمسَّكت بيدي تحاول أن تقتلع قبضتي عنها لكنّي شددتُ أكثر، فأصبحت تبكي وجعًا هذه المرّة.
تستحق... لقد تجاوزت حدودها معي!
"اسمعي يا امرأة... أنا وأنتِ نَفهم جيدًا كيف آل بِنا الموقف إلى الزواج، لذا لا تَدَّعي أنَّكِ الضحيّة هُنا.
أنتِ اخترتَني بمِلئ إرادتِك وأنا أتحمّل نتيجة خطأي معكِ بإبقائكِ معي هكذا باسم زوجة، تعيشي معي أسفل السقف ذاته، وتأكلي وتلبسي من خيري، لذا الزمي حدّكِ عندما تتحدثي معي وإلا لن أضع إعتبارًا لأنَّكِ أُنثى في المرّات المُقبِلة"
رمقتني بعينيها الحمراوتين وأنا دفعتُ بها عنّي فسقطت على السرير تبكي.
لقد نزعت عليَّ نومتي، نهضتُ من مكاني، وقصدتُ الباب؛ أنوي أن أنام الليلة في أصغر حُضن في العالم وأدفئ حُضن، حُضن ابنتي.
لكنّي سُرعان ما أنحنيت عندما قذفتني بضوء الإنارة الكامن فوق المِنضدة قُرب السرير، ثم صوت صياحها.
"إما أن تُعاملني كزوجة وإلا أنا سأجد رَجُلًا وأخونكَ أمام عينيك، وأنتَ لا يُمكنكَ رَدعي!"
هذه المرأة فقدت آخر سِلك يعمل في دماغها، إلتفتُّ لها ولا أدري لأي درجة وجهي عمّه السواد وطلائعي مُظلمة.
اقتربتُ منها أخلع قميصي ونبست.
"لكِ ذلك إذًا، سأُعاشركِ متى ما أردتِ، لكن في المُقابل لا يُمكِن أن تبكي، لا يُمكِن أن تشتكي، لا يمكن أن تتوسلي، ولا يُمكِن أن تُبعديني، تفهمين؟"
لم أنال منها إجابة، هي فقط إثّالقت أنفاسها والخوف في عينيها أراه، تراجعت عني للوراء، أين شجاعتكِ التي كانت مُذُّ دقائق؟
يُمكنني تحقيق ما تريده لكن بالطريقة التي أنا أريدها، ولن يكون بمقدورها أن تتحمل ويلي إن نزل عليها.
لي وجه قاسي وقلب لا يحس لو أردت، لي جانب مُظلِم يُكشر عن أنيابه لو غضِبت مِثل هذا الغضب، وهي من عليها أن تتحمل قسوة هذا الوحش الذي يتغلغل فيّي.
دفعتُها إلى السرير فجلست عليه ورفعت مخائلها تَنظُر إليّ بجَزَع.
"كيونغسو، أنا أُحبُك!"
لا أهتم...
دفعت بها حتى تتمدَّد، وبقبضتيّ مَزّقتُ ثوبها وأتيتُ أعلاها، شَهَقَت تتمسك بكتفيّ.
لم أُداعبها، ولم أُدللها، ولم أنثر عليها قُبَل ولم أحتضنها، أنا فقط دَسستُ نفسي بها، بخشونة شديدة عاملتُها، وتحرَّكتُ لأُرضي نفسي فقط مهما كُنتُ قاسيًا وصَعبًا؛ حتّى أنها بَكَت تَرجوني.
"أرجوك! على مهلك!"
سبق وأخبرتُها أن النجوى لن تُثمر معي، لقد أثارت بي الغضب وها أنا أفعل ما تريده بالفعل.
تمسّكت بعنقها وجعلتها تنظر إليّ، ورغم أن العرق ينهمر مني وأنفاسي تتقطع إبتسمت لها وقُلت.
"إن كُنتِ إكتفيتِ سأنهض"
لم تجبني بل أسمعتني آهاتها، ليست عن مُتعة بل ألم، وأرتني بسخاء دموعها.
"توقف أرجوك توقف!"
هذه المرّة أنا نَفيت وأجبتها.
"لن أكتفي حتى أسقيكِ عزيزتي!"
أغمضت عيناها بقوة، وعَلت صرخاتها عندما إزددتُ خشونة معها، رَعشة ثم حَلَّ عليَّ الخمول، فنهضتُ عنها.
تمسَّكت بالغطاء وقذفتُها به فيما هي تنكمش على نفسها وتبكي بجنون وولع، تستحقّي.
وَلجتُ إلى دورة المياه وأسفل المَرش وقفت، نظرتُ إلى نفسي عبر المرآة، إلى متى يا كيونغسو؟
إلى متى سأبيع حياتي وشبابي في مثل هذه العلاقة الفاشلة؟
أنا مثلي مثل كل الرجال، أرغب في إمرأة أحبها وتحبني، تريدني لشخصي وأريدها لشخصها، ابنتي ليست العائق، العوائق كثيرة، وابنتي التي تدعوني إلى الصبر وتحمل الويلات.
خرجت وما زالت تبكي، سحبتُ منامتي، إرتديتُها وخرجت من عندها، لا أطيق النظر إليها حتى، في الماضي كنتُ أملك لا مشاعر لها، وذلك كان أفضل من أن أكرهها فأؤذيها كما حدث الآن.
ولجتُ إلى غرفة ابنتي، من الجيد أني إخترت لها سرير كبير يسعني معها في مثل هذه الليلة البائسة.
وضعت رأسي على الوسادة بجانبها وتحسست بأطراف أناملي وجنتها، أرجوكِ يا صغيرتي عندما تكبري لا تلتقي برجل مثلي، أرجوكِ أختاري مجرد رجل بسيط ولطيف لكِ يُحبُكِ لأنكِ فتاة قابلة للحُب فقط.
قبّلتُ وجنتها ففتحت عيناها.
"أبي!"
همهمت فابتسمت تقول.
"هل الليلة أنتَ لي، لستَ لأُمي؟"
ضحكت، تعابيرها لطيفة.
"سأكون لكِ كُل ليلة لو أردتِ"
سُرعان ما رفضت بيدها الصغيرة تقول.
"لا يمكن، أمي ستغضب!"
قهقهت أومئ لها ورفعت سبابتي بيننا أقول.
"إذًا أيُمكِن الليلة فقط؟!"
أومأت وفتحت لي ذراعيها القصيرين تقول.
"نعم، أبي الليلة سينام في أصغر وأدفئ حُضن في العالم!"
وضعت رأسي على صدرها، وهي احتضنتي بذراعيها تُخلخل أصابعها الصغيرة بشعري.
"لا يمكن أن تسرقي كلماتي وتستخدمينها عني"
"بلى يمكن، أنا ابنتك، وما هو لأبي لي!"
"حسنًا اقنعتِني!"
ضحكت بخفّة وضمت رأسي بذراعيها تقول.
" الآن ستأتي الجنيّة الجدّة وتجلس فوق عيناك لتنام"
"يا لهذه العجوز الشمطاء! ألا تجد مكان تنام فيه أفضل من عينيّ؟!"
استرسلت في الضحك ووضعت يدها على فمي تقول.
"أبي، لا يُمكِن أن تشتم، هذا عيب!"
"حسنًا حسنًا، ابنتي تهذبني وتعلمني الأدب بدل أن أُعلمها أنا"
"أبي ما زال جاهِلًا"
"أنتِ! سأقُص لِسانكِ"
"أبي يُحبني، لا يُمكن أن يؤذيني"
هذا أصدق ما سمعته طيلة حياتي!
"أبي اذهب إلى نيفرلاند بأحلامكَ"
"سأفعل معكِ، هيا نذهب معًا"
.......................
مَرَّ على تِلك الليلة أسبوع، وما عادت تَجرؤ يوري أن تنظُر في عينيّ حتّى، لربما كُلما رأتني تذكرت أنه يُمكنني أن أتجرَّد من إنسانيتي معها لو أغضبتني مُجددًا.
أنا حتى أتفاجئ بنفسي ولا أعرفها عندما أغضب، لذا حذاري مني حقًا!
ولذلك تقلَّصت الأحاديث بيننا فأصبحت شِبه معدومة، وبدأت ابنتي تُلاحظ أننا نَخوض في شِجار على حسب تأويلها وتعبيرها البريء.
لذا تنأيتُ عن المنزل مؤخرًا، وأصبحت حُججي للغياب كثيرة، أعود إلى المنزل حينما يذبحني الشوق لأرى مخائل ابنتي فقط، وبقية وقتي أقضيه مُشرَّد بين أزِّقة الحياة ومشاغِلها الكثيرة.
بُعدًا عن الحي الذي أسكنه؛ تواجد مقهى صغير أُفتُتِحَ مؤخرًا ولا يتلقى رواجًا ليكتظ بالناس في كل الأوقات، بل يتفرّقون الزبائن على طاولات مُتفرِّقة ومُتباعِدة، وإما أنا فاصطفي لي الطاولة، التي تجاور الزُجاج النديّ قِبالة الشارع الهادئ.
أصبح العُمال في المقهى يعرفوني، وأنا أشتريتُ منهم هذه الطاولة بالفعل، إذ أدفع لقاء إستئجارها طيلة ساعات العمل؛ لأجدها فارغة متى ما أتيت.
وذلك لأنّي شخص رتيب يُحب أن يلتزم بروتين واحد وبأمكِنة مُعيَّنة.
اليوم كنتُ متأهبًا لأنفُض أتعاب العمل على أعتاب الباب، وألج لا أحمل سوى همّ الكِتاب في يدي، وأي نوع قهوة سأختار الليلة.
لكنّي عندما نظرتُ إلى طاولتي وجدتُ أحدًا غيري يحتلَّها، بينما النادل يُجادِل تِلك المرأة، التي أرى ظهرها فحسب وخُصل شعرها الدهماء التي تطول حتى قاع عُنقها فقط.
"سيدتي، لا يصلح أن تجلسي ها هنا، هذه الطاولة مدفوعة الأجر دومًا، لذا إختاري لأجلكِ طاولة أُخرى"
"آنسة لو سمحت، ثم ما هذا التحيُّز والتمييز مع الزبائن؟
أنا زبونتكَ حاليًا والزبون الذي تتحدث عنه ليس هنا الآن، لذا ما المُشكلة معك؟"
"المُشكِلة ليست معه بل معي، لا أُحب أن يشاركني أحد أشيائي"
إلتفتت برأسها إلي، تلك الفتاة رأيتُها سابقًا، لكنّي لا أذكر متى.
أشرتُ للنادل وجلستُ في مكاني قِبالتها.
"أريد شوكولاتة ساخنة من فضلك"
تلكئ النادل بتحقيق مطلبي إذ شعر بأن شِجار سيحصُل هُنا، لكنه ذهب في النهاية.
"هذا أنت؟"
لم أنظر لها إنما فتحت كتابي حيث تركت الفاصلة وقُلت.
"اذهبي من هُنا طالما أتحدث بلُطف"
"ألا تَظُن أنكَ تدين لي بإعتذار؟
كان من المُمكن أن أقاضيك"
أخفضتُ جِسر نظّاراتي عن جسر أنفي ونظرتُ لها، ولتوّي لاحظت العُكّاز الذي تضعهُ بجوارِها، أشرتُ لنفسي أستفهم.
"وما شأني أنا؟"
تنهدت، ثم ضيّقت عيناها عليّ والأستياء يرسم ملامحها، إتَّكزت بمرفقيها على الطاولة وإقتربت منّي.
"أنت! أتظن نفسكَ ذكيًا عندما تَدَّعي الغباء؟!"
تلك الفتاة الوقحة!
ضربت الطاولة بقبضتي ولم أهتم كم نظر جذبنا.
"لسانكِ طويل يحتاج قصّ، إلزمي حدِّك وإلا ما قَصَّرت بإلازمك إيّاها!"
ما لم أتوقعه أن تسخر من تهديدي هذا وتسترسِل بالضَّحِك، وكأنّي داعبتُها بنُكتة لا هددتُها جهارةً.
"حقًا؟! دعني أراكَ تلزمني أياها!"
إرتفع حاجبها بالأخير ونبست تتحدّاني أو تُهددني.
"لكن قبل ذلك تذكر أنّي أستطيع أن ألزمكَ حدودكَ أيضًا"
تنهدت ورُحت أُدلك صِدغيّ لعل وعسى الغضب عاد إلى سيطرتي مجددًا.
"أنتَ تسببتَ لي بخلع مِفصل كاحلي وأنا يُمكنني أن أُقاضيك على فعلتِكَ هذه، أتعلم؟"
رفعت بصري انظر لها وتذكرت تلك الفتاة المُشاكِسة من عَشيّة الكريسماس، لقد تذَّكرتُها الآن.
أتذكر الآن أنّي سحبتُ قدمها بقوّة وتألَّمت، لا ينقصني المزيد من المشاكل في حياتي، ولا أن تُقاضيني صبيّة صغيرة تجول في مُدن الحياة بجهل، لذا كان على مُفاوضتها لتسترد حقها دون تدخل من القضاء.
"ما الذي تُريدينه الآن إذًا؟"
بانت إبتسامة على شفتيها، واسترخت معالم وجهها كذا جسدها، لربما تراني ضعيفًا الآن؛ لذا رفعت الساق فوق الساق، عقدت ساعديها فوق صدرها ورَمقتني بإستعلاء.
"تفاوضني الآن؟"
تنهّدت.
"أجلسي بإعتدال وتحدثي معي بأدب، هكذا يتصرّفون الصِغار مع الكِبار"
تضاحكت واستهلكت أنفاسها بقهقهات زائفة، تستفزّني كثيرًا هذه الفتاة، التي لم تمر عليها دقيقة تربية في حياتها كُلها.
"لقد أخبرتُكَ أنّي لستُ مُهذّبة بالفعل سابقًا!
ذاكِرتك سيئة... اذهب إلى دار العَجزة!"
قررتُ أن استسلم، وانسحب من هذا الحوار الطفولي مع طفلة وقحة، أغلقت دفتيّ كتابي وحملت كوبي الذي وصل للتوّ أنوي المُغادرة، ربما يجب علي أن أجِد مكانًا أفضل لي من هنا، فما عاد هذا المكان يُطاق بعد الآن.
سِرت، لكنّي بينما أمُر بها أمسكت بمعصمي، واستوقفتني تقول، وإبتسامة غبية تشق شفتيها.
"في المُقابل دَعني أُشاركك هذه الطاولة لشهر وأنت ادفع أجرها"
أفلتُّ يدها عني وأومأت.
"حسنًا، لا يَهُم"
أخذت تنظر أمامها في مجالٍ بصريّ لا يحتويني ونبست.
"أشاركها معك، لذا عليك أن تحضر كل يوم في مثل هذا الميعاد"
شعرتُ بالغرابة حيال هذهِ الفتاة.
"لِمَ؟"
"سُأراقبك وأنت تقرأ كُتبك وتحتسي شرابكَ الدافئ"
رفعت بصرها إلي، وأطبقت عينًا دون الأخرى، لقد غمزتني!
"وجهكَ نوعي المُفضَّل، صوتكَ يُريح السمع رغم أنَّكَ تُضايقني بكلامك، والأهم أحب الشباب المُثقفين والمُهذبين أمثالك"
نهضت تحمل حقيبتها وعكازها تستند عليه، وقالت لي قبل أن تتجاوزني.
"أنتَ تروقني كثيرًا ورُبما أضعكَ هدفًا لي بالفعل"
ربتت على ذراعي برِفق ثم غادرت، ما هذه المرأة الغريبة!
..........................
ومُنذُ ذلك اليوم وتِلك الفتاة تُلازمني، وأنا إلتزمتُ بالحضور، أبقى لساعة ثم أُغادر، وأنا لا أعطي وجودها أهمّية قصوى أبدًا.
فهي تجلس قِبالتي ولا تتكلم أبدًا، تُزعجني نظراتها التي لا تصرفها عني، ساكنة راكنة على وجهي، في البداية كنتُ انزعج، ثم إعتدتُ على جلسات تأمُلاتها لخِلقتي.
وعلى هذا الحال مَرَّ أسبوع، أسبوعان، وها الثالث، لكن الفتاة اليوم لم تأتي، عادةً ما تأتي قبلي إلى المكان وأجدها بإنتظاري، تُلقي تحيّة تملأها الحماسة، ثم تغوص بالصمت حتى تُلقي تحية الوداع بوداعة.
لم أعطي لغيابها إهتمامًا كبيرًا، بل إنخرطتُ بكتابي اليوم، لربما هذا أفضل، يمكنني أن أقرأ كتابي دون أن تزعجني تأمُلاتها.
اليوم الثاني لم تأتي أيضًا، ثم الثالث وأيضًا لم تأتي.
بدأتُ أشعر بالغرابة وربما القلق، لا أدري لكن ربما أنا إعتدتُ عليها، أصبحتُ لا أجد في قراءة الكُتب مُتعة، وهي لا تجلس قِبالتي هكذا.
اليوم الرابع دخلت وأنا في جوفي أدعو أن تكون هنا، ثم لم أشعر بنفسي إلا وأنا أتنهد بتكتُّم مُرتاحًا.
رفعت يدها تلوح لي بحماسة كما العادة.
"مرحبًا دودو!"
هذا اللقب الغبي، الذي تناديني به مُذُّ أن إستقصت عن اسمي الأول، جلست قبالتها ولم أجب تحيتها، طلبتُ قهوة سوداء وفتحتُ كتابي.
لكنّي لا أستطيع أن أندمج مع السطور وهي هكذا قِبالتي، لا تفعل شيء، تتأملني بإبتسامة واسعة فقط بينما تشرب قهوتها؛ وكأنّي بين يديها رواية مُمتِعة تَقرأها.
ماذا كنتُ أقرأ لتويّ؟
ما بالي استرق النظر إليها؟
وأراها تبتسم كلما فعلت.
في اليوم الرابع لم تأتي، أتتلاعب هذه الفتاة الحمقاء بي؟
لم أقرأ شيئًا وخرجت، ما عدتُ أملك المزاج المناسب لأفعل أي شيء إطلاقًا.
في اليوم الذي يليه أتت، وكما العادة تجلس في مكانها بإنتظاري، وما إن رأتني حيّتني بحماسة ونعتتني بهذا اللقب الغبي مُجددًا.
لكنّي اليوم على غير العادة؛ ضربتُ الكِتاب على الطاولة بقوّة، وهدرتُ عليها غاضبًا، لم أكن قادرًا أن أكظم غيظي أبدًا، ولا أدري لِمَ أنا مُغتاظ.
"أتتلاعبين بي أنتِ؟!"
تبسَّمت في وجهي، ثم إستندت على مِرفقها ترمقني بنظرات مغموسة في المُتعة.
"لِمَ؟ اشتقتَ لي؟
ظننتُ أن غيابي سيُسعدَك!"
تنهَّدت وجلستُ في مكاني قِبالتها، طلبت القهوة وفتحت الكِتاب أقرأ، اليوم أملك المزاج لأفعل، وما إن مَضت الساعة لملمتُ أغراضي ونبّهتُها قبل أن أُغادر.
"لا يُمكنكِ التخلُّف عن موعدنا حتى نهاية الشهر أبدًا!"
ثم خرجت أسير في الشارع مشيًا إلى الشارع الرئيسي حيث تركت سيارتي في مَصفٍ قَريب.
تلك الفتاة، ماذا تكون بالنسبة لي؟
ربما الأعتياد على الناس يُخلّف في نفوسنا الوِد لهم، الأشتياق والقلق ناحيتهم عندما يغيبون.
إنها فتاة إعتدتُ على وجودها في حياتي مؤخرًا، ربما هذا كل ما يكمن في القِصّة، لكنّي متخوف مما سيؤل إليه حالي حينما ينقضي الشهر.
سأنساها بالتأكيد، أو ربما تبقى ذكرى لطيفة في عقلي لأمدٍ طويل، لكن الأكيد أنّي سأُعاني لوقتٍ ليس بقليل حتى يحين الوقت أن أضعها على رفوف مَكتبتي في الذاكرة.
أصبحت لا تتخلف عن الموعد أبدًا، هكذا حتى إنقضت المُدة التي تعاقدنا عليها لسانيًا.
ويا ليتها لم تنقضي، أشعر بالأستياء الشديد!
في اليوم الأخير؛ بقيتُ بدل الساعة اثنتين ورغم ذلك انقضى اليوم سريعًا وحان وقت الرحيل والفُراق الأبدي مع هذه الفتاة الغريبة.
أطبقتُ دفّتي الكتاب في النهاية، أنا لم أقرأ ولا صفحة، وهي لاحظت ذلك؛ إذ أنّي لم أُقلِّب صفحات الكِتاب حتّى.
رَمقتني بإبتسامتِها بينما تستند بذقنها على كفّيها.
"لا ترغب في المُغادرة، أليس كذلك؟"
نعم، لكنّي لم أجبها أبدًا.
تراخت على مقعدها وتنهدت تقول.
"ولا أنا أرغب في المغادرة في الحقيقة"
نهضت ترتدي مِعطفها، حملت مظلّتها وحقيبتها تقول.
"دعنا نسير معًا حتى الشارع الرئيس"
بان لها من نظراتي إستغرابي، فضحكت بخفوت تومئ.
"نعم، كنتُ أطاردكَ طيلة الشهر، تَسلُك نفس الطريق في كُلِ مَرّة"
فتاة صغيرة ولكنها مُطارِدة مهووسة، لكن ذلك للأسف لا يدعو للإستياء في نَفسي.
خرجتُ أتبعها، وكانت على قارِعةِ الطريق تنتَظرني، ثم سارت معي بهدوء، ولم تبوح في شيء بالبداية.
كنتُ أنتظرها أن تفعل وتُكلِّمُني بأي شيء حتى لو كان تافهًا، لكنها إلتزمت الصَّمت هكذا، وأنا لستُ من النوع الذي يُبادر، ليس كبريائي الذي يمنعني وحسب، أنا خجول نوعًا ما.
"سيد دو كيونغسو؟"
أخيرًا تحدَّثت، همهمت.
"أرغب في أن أراكَ كثيرًا، لأن تفكيري مُنحصِر عليك، ومشغول بالي بأمرِكَ دائمًا"
نظرتُ لها ولم أنبَس بِحَرف، لكنها لم تبدو مُرتاحة من حالتها تِلك، ربما يُزعِجها أن مشاعرها تميل إليّ، كما يزعجني أمر مشاعري أنا أيضًا.
لكن للأسف المرء لا يُمكنه أن يتحكم في سيرِ عواطفه وسيلها، أجد نفسي أتعلق بها دون أن أرغب، كذلك هي.
ربما هي فتاة صغيرة تعيش حياة عادية، لكنّي متزوج ولدي طفلة، تلك المشاعر الودودة التي أملكها نحو هذه الفتاة ليست نافعة أبدًا.
إما أن تُضيّعَني وإما أن تَضيع.
تجاهلتُ رُكام الأفكار في رأسي، وانجرفتُ خلف صوتها وأنصَّتُ لها، هذا أول حديث يدور بيننا، وربما يكون الأخير.
"سأُقدم لكَ نفسي بإيجاز، أيري، أبلغ من العُمر خمسة وعشرون عامًا، أعمل مُعلِّمة في رياض الأطفال؛ فقط لإهدار وقت سعيد مع الأطفال، عزباء جادّة أبحث عن رَجُل رائع مثلك!"
ضحِكَت ما إن أنهت كلامها، وأنا كذلك لكنها لم تشعر بي، فلقد أخفضتُ رأسي وواريتُ ضحكتي الخافتة بيدي أُخفيها، لا يَصُح أن أبدو مُعجب بما تقول.
وصلنا الشارع الرئيس بالفعل للأسف، مُذُّ متى الوقت يركض بي؟
لطالما كان أبطئ من سُلحفاة عَرجاء.
توقفنا أمام بوابة مَصف السيارات، لم أبغي أن أودعها، ولا أن تَحين هذهِ اللحظة الحاسمة منّا، لذا قررتُ أن أذهب دون أن ألتفت لها، سيكون ذلك أقل إيلامًا.
لكنها تمسّكت بذراعي فجعلتني ألتفتُ إليها، حينها همست.
"غدًا سآتي إلى المقهى في ذات الميعاد، إن أتيت سأفهم أنكَ توافق أن نكون معًا"
ماذا؟
تراجعت عنّي تلوح بيدها لي، وتملأ شفتيها إبتسامة.
"أراكَ لاحقًا دودو!"
إلتفتت ثم غادرت تعود الطريق الذي قطعناه، ثم أصبحت تركض، أتبكي؟
تحسستُ صدري، يسارًا بالضبط، أشعر أنّي في هذه الرُقعة أتكسَّر من الداخل، ماذا تكون لي هذه الفتاة؟
لِمَ يؤلمني فُراقها وكأنها شخص عزيز علي؟!
مضيتُ في طريقي في النهاية، وعدتُ إلى المنزل، فتحت لي الباب ابنتي، وقفزت إلى حضني تُعانقني بقوّة.
"أبي، اشتقتُ لك، لِمَ أصبحت تُطيل في عملك؟"
ربّتُ على شعرها ونبست.
"لن أفعل ذلك مُجددًا، سأقضي الوقت معكِ"
راحت تتقافز في حضني بحماسة، وأنا في داخلي أنكمش إستياءً، هل العودة إلى نمط حياتي المُمِل سيكون سهل؟
هل سأتجاوزها بِسُرعة؟
طيلة الليل لم أنم، أفكر في موعد الغد، أذهب أم لا.
هناك صوتان يتضاربان في رأسي، ولا يُمكنني أن أقرر أيهما الأصح.
الأول يقول "اذهب، إنها فرصتك لتعيش أخيرًا"، لأنني ما عشتُ أبدًا، بل تعايشت طيلة السنين الفائتة، لم أكن أنا ولا تلك الحياة التي أردتُها.
والثاني يقول "لا تذهب، ستخدعها" لأنني مُضطر لو ذهبت ألا أقول الحقيقة وإلا تَخلَّت عني، في جُعبتي سرّين عظيمين، الأول سيجعلها تنفر مني، والثاني تخافني حد الموت.
ماذا أفعل؟
آتى اليوم التالي سريعًا وليته لم يأتي، حاولت أن أنشغل على أكبر قدر ممكن بالعمل، لكنه انقضى بسرعة لأول مرة وكان خفيفًا.
وجدتني أقودني إلى المقهى، وقفتُ أمام الحائط الزجاجي الذي تطل عليه طاولتي، كانت تجلس هناك بإنتظاري، ويبدو عليها التوتر والقلق من ألا آتي.
لم أستطع، أريد بشدّة أن أعيش مرة لنفسي، أن أفعل شيئًا ولو لمرة لأُسعد نفسي، سأفعل كل شيء يتوجب علي فعله، كل شيء مهما كان خطيرًا، وسأحتفظ بها معي كمُكافئة على أتعابي، ألا يُمكِن؟!
قبضت يدي وأغمضتُ عيني، أخذت نفسًا عميقًا، وما إن فتحت عيني؛ أنوي الدخول حتى رأيتها تنظر لي عبر الزُجاج الذي بيني وبينها.
ضحكت، ليست شفتاها وحسب، وعيناها أيضًا، نهضت وركضت إلي إلى الخارج، ثم إرتمت بين ذراعيّ وتعلّقت برقبتي.
"شُكرًا لأنكَ أتيت، أعدك أني سأحبك كما يليق بك وأكثر، سأحبك بإفراط وأجعلكَ سعيدًا!"
لم أعي أن يدي تُحيط بظهرها وتُلصقها بي بجور، متى تعلّقتُ بهذهِ الفتاة أنا؟!
لا أدري، حقًا لا أدري...
أبعدتُها عني قليلًا وقُلت.
"لنتكلم أولًا!"
ليرتاح ضميري سأُنبهها حتى لو ما استخدمتُ لغةً صريحة.
دخلنا إلى المقهى، جلسنا متقابلين كما العادة، لكننا ننظر نحو بعضنا كما لم نعتاد، ونتبادل حديث جدّي حولنا.
"قبل كل شيء، عليكِ أن تسمعي تحذيراتي"
أومأت، ولم تأخذ كلامي على محمل الجد، تظنّي أبالغ.
"ربما أكذب عليكِ"
"الجميع يكذب"
"أنا مثل شفرة حادّة، وإن أردتني قد أجرحكِ بعُمق"
تراخت على مقعدها وتظاهرت أنها لم تسمعني، فقط ترمقني بنظراتٍ غاوية، لم أتوقع أن يردني أحد لهذهِ الدرجة أبدًا، إنها تتمسك بي رغم أني أخبرها بأني مؤذي.
تنهدتُ وتراخيتُ على مقعدي.
"في الحقيقة أنا أخشى أن أبدأ معكِ، ينتابني شعور سيء حولنا، أشعر بالمرارة"
إستندتُ بمِرفقيّ على الطاولة واتبعت.
"إن ما زِلتِ تصرّين أنكِ تريديني وأغلقتِ عينيكِ، سأحرص أن تكوني معي سعيدة، حتى لو كان ذلك عبر كذبة، سأحرص أن نكون أحلى كِذبة في العالم"
"رُغمَ عِلمي بأنَّ تِلكَ الأكاذيب خَطِرة ومُرّة جدًا؛ لكنّي لا أملك الثقة في قُدرَتي على البوح لكِ.
حتى لو كانت قِصّتنا مبنيّة على كِذبة، لا بأس طالما أنتِ معي"
.................
ومُنذُ ذلك اليوم وحياتي تغيَّرت، أصبحنا نخرج في مواعيد بعد العمل، أصبحت الأيام تَمضي سريعًا.
الأيام الحُلوة دائمًا ما تَمضي بسُرعة، لم أدرك أن الحياة من المُمكِن أن تكون حُلوة حقًا، الأيام تركض بي، واللهفة تستعمرني كل يوم.
تغيرت مع نفسي، مع ابنتي، ومع الجميع حتى زوجتي، التي أُخفي وجودها في حياتي بالكذب الحُلو المعسول.
أصبحت حياتي أيري ولورين فقط، حياتي إمرأتي الغالية وابنتي الثمينة، ولا وجود لرُكنٍ إضافي، لا في عقلي، ولا قلبي، ولا حتى إهتمامي.
لقد سرقتني مني، ببهجتها، بضحكتها، بحُبها، بوِدها، أشعر أنّي ذا قيمة أخيرًا، وأنّي حقا أستحق أن أكون سعيدًا، وأنه لا يُفتَرض بي أن أهدر حياتي بطريق لا أريد أن أقطعه، وفي بيت لا أطيقه، ومع إمرأة لا تملك شيء مني سوى اسمي.
توقفنا عن التلاقي في المَقهى وحسب، يبقى للمقهى مكانة مُميزة في علاقتنا، لولاه لما اجتمعنا أبدًا، لكنّا مُذُّ أننا أصبحنا إلى بعضنا أقرب فما عاد للمقهى أن يلزمنا باللقاء.
اليوم مَثلًا قررنا أن نَسير معًا على ضِفّةِ نهر الهان، كُنّا نَجِلس على إحدى الكراسي الخشبيّة أمام النهر بعدما سِرنا طويلًا.
كانت تضع رأسها على كتفي وتنظر في المكان، ترمقه بذات النظرات التي كانت ترمقني بها خلال ساعة المُطالعة في المقهى.
ساذج وطفولي جدًا؛ لكن أيُعقَل أنّي أغار من ضِفّة نهر الآن؟
"بماذا تُفكر؟"
"لا شيء مُحدد، العقل البشري دائمًا ما يكون مُكدَّس بالأفكار حتى لو كانت غبيّة"
همهمت.
"إذًا دعني أخبرك ما أفكر به"
"ماذا؟"
"لم تحدثني أبدًا عن عائلتك، أخبرني عنهم"
"هممم"
"عائلتي تعيش في الصين، وحدي هنا"
رفعت رأسها تستقطب عيني بعينيها المدهوشتين.
"لا أفهم، لِمَ تعيش وحدك بينما هم هناك؟"
"أُدير عمل العائلة هنا"
"اووه! هل أنت مدير تنفيذي؟"
أومأت، حينها وكزت كتفي وضحكت مازحة.
"إذًا أنا حصلتُ على صيدٍ ثمين!"
ضربتُ على جبهتها بسبابتي أوبخها.
"ألم أكن ثمينًا قبل أن تعلمي أنّي ثرية"
ضحكت بخفّة وأجابتني.
"كنتُ أمزح، أنا ثريّة أيضًا!"
جذبت رأسها إلى كتفي وأحطتُ كتفها بذراعي.
"فتاة مُشاغبة!"
أعلم أنها تظنني صيدٌ ثمين، لكنّي أخشى أنّي لستُ كذلك، ما زِلت ابني حولنا حِصنًا واهن من أكاذيب يحمي علاقتنا من الإندثار.
أُكذّب وأُكذّب وأُكذّب... لأنني لا أملك الخيار طالما أنّي أريد المُحافظة عليها بِقُربي.
"كيونغسو؟"
"هممم؟"
"لقد مرَّ على علاقتنا ثلاثةِ شهور"
"وإذًا؟"
"أما زِلنا سنبقى عالقين في ذات المرحلة لوقتٍ طويل؟!"
لم أفهم مقصدها في البداية، لذا كمشتُ حاجبيّ في نُقطة، وكدتُ أستفهم عن أي تقدم تُريد أن تَحرزه معي.
لكن يديها المَقبوضة بشدّة على مِعطفها، كذلك إنحاء رأسها على كتفي أخبرني بالتحديد ما الذي تعنيه.
أنا أريد أيضًا لكنني ترددتُ كثيرًا في الطلب، لأنني لستُ واثق حيال المستقبل، لكن طالما هي طلبت، لا يُمكنني أن أرفض أبدًا.
لأنني أريدها بشِدّة أيضًا.
أمسكتُ بيدها ونهضت وأنهضتُها معي، ثم توجهت بها إلى سيارتي التي ركنتُها قريبًا، فتحت لها الباب بجانبي.
"اصعدي"
خطفت نظرة إلي مكّنتني أن أرى تورّد وجنتيها ولمعة الخجل في عينيها، صعدت تطيعني دون أي إستفسارات.
صعدت في مقعد السائق، وانطلقت إلى أفخم فُندق في سيؤل بأكملها، لأن هذا أقل ما يليق بها.
حجزتُ الجناح الملكي المتوفر بينما أُمسِك بيدها، ثم صعدنا معًا قاصدين جنّتنا المؤقّتة التي ستحوي كل جنونا.
لا بأس بعدها لو احترقت، لا أُبالي.
دخلنا معًا، ومنذ أن وقت العشاء قد عبر إكتفينا بكأسين نبيذ بينما نجلس على إحدى الآرائك ضمن الجناح الواسع.
خلعتُ معطفي واكتفيتُ بقميصي، كذلك فعلت هي إذ إكتفت بفستانها الثقيل.
كانت تجلس على الأريكة، وأشعر بنظراتها على ظهري بينما أصب لنا كأسيّن نبيذ، حملتهما وأتيتُ لها.
سلمتُها واحد ثم جلستُ بجانبها، كانت تنظر إلى الكأس وتضربه بأظافرها بتوتر، عانقتُ يدها ثم رفعتها إلى شفتيّ أُقبلها.
"لطالما تشوَّقت لهذهِ الليلة، لكن لو ما كنتِ جاهزة فدعينا نغادر فقط"
شربت الكأس دفعة واحدة، ثم قالت لي بعدما أخذت نفسًا عميقًا.
"بل أنا جاهزة!"
وضعتُ كأسي بعيدًا فهناك ما هو ألذَّ منه وأطيب، طابت لي تلك الشفتين أكثر وأكثر عندما قبلتُها، هذه ليست قُبلتنا الأولى، لكنها في هذه الليلة الأولى، سيتلوها عدد لا يُحصى من القُبَل.
............
في الصباح؛ بالكاد أستيقظت، ولأنّي رسمتُ على جسدِها طيلةِ الليل بريشةِ حُب أردتُ ألا أمضي، بل إحتضنتُ لوحتي ونمتُ في كُنفِها.
نسيتُ أنني أملك عائلة ومسؤولية عظيمة لا يمكن أن أتهاون معها، لكن ماذا أفعل؟
هذه المرأة بِحُسنِها سَحَرتني...!
خطوتُ إلى داخل منزلي، الذي بات خانقًا ضيّقًا ويكتُم الأنفاس على صدري.
لكنّي تعجّبت عندما رأيت يوري تجلس على درجات السُلم بحالة من الفوضى، الدموع خطّت على وجنتيها وعيناها متورمتين، وما زالت بثياب نومها.
"ما الذي يحدث؟! أين لورين؟!"
مسحت دموعها ثم رفعت بصرها إليّ تقول.
"بعثتُ لورين إلى بيت أهلي، لأنني يجب أن أتحدث مع أبيها حديث للكبار لا يُناسب أن تسمعه طفلة صغيرة في الرابعة"
نبض قلبي بهلع، لكنّي حاولت ألا أظهر توتري، وخاطبتُها بنبرة مُعادية كما العادة.
"ما الذي تهذين به يا امرأة؟!"
ألقت عليّ هاتفها، فنظرت إليه، إنها صور لي من ليلة البارحة، وأنا أدخل مع إيري الفندق وأخرج صباحًا.
نهضت عن درجات السلم، واقتربت منّي تقول فيما ترفع ثغرها بإبتسامةٍ باهِتة هازئة.
"لم أرى من قبل رجل يعاشر عشيقته في مكان يعرفه الجميع فيه مثلك، ألهذه الدرجة كنت معمي البصيرة لتذهب بقدميكَ إلى الفضيحة؟"
كنتُ أعمى البصيرة فعلًا، ماذا أفعل الآن؟!
لا يُمكنني أن أدعها ترحل أبدًا، ستسخدم ابنتي ضدي، تحظى بإنتقامها ويتدمر كل ما بنيتهُ طيلة هذه السنين.
حاولت ألا أظهر خوفي، رميت عليها الهاتف وقُلت.
"اعتبريها نزوة، ليس وكأن علاقتنا متينة لدرجة ألا أفكر إلا بكِ، اعيدي لورين إلى المنزل ودعينا نعيش بهدوء"
تمخّضَت ضِحكة مُستاءة هازئة من بين شفتيها رغم أنها تبكي بسخاء.
"تظنني لعبة بين يديك، أم أنني لا أملك ولا ذرّة من الكرامة؟
لقد حاولت بالشتّى الطُرق أن أسعدك وألا أقصر معك، دهست على كرامتي كذا مرة لأرضيك، وكنتُ مستعدة أن أغدقك بحبي وإهتمامي حتى لو ما أكرمتني بذرّة إهتمام.
حاولت أن أُحافظ على هذا الزواج رغم تَخلخُل أساساته، حاولت أن أتمسَّك بِكَ بكل قدراتي لكنكَ دومًا كنتَ تهرب مني.
صبرتُ معك لسنين طويلة، وثمار صبري دائمًا لا تنضج، يأكلها السوس قبل أن تستوي، فلا أفرح أبدًا.
رغم ذلك كنت أتحمل لأجل ابنتي، وأقول أنك مهما فعلت؛ سأبقى أنا زوجتك، وهذه ابنتك وأنت لن تتخلى عنّا أبدًا.
أما الخيانة فهي أمر لا يمكنني غَضَّ البصر عنه، والتعامل مع فعلتكَ المُقرفة هذه وكأنها لم تحدث"
اقتربت مني أكثر، ثم وخزت صدري بأناملها تقول وتبكي وتبكي.
"مُتأكدة أنكَ لم تعاملها مثلي، كنت عليها أحن وأحسن مما تكون عليّ، متأكدة أنكَ أغدقتُها بحُبِك، ولم تُعاشرها وكأنها حيوان ذا خِوار تحتاجكَ أن تندّس بها!'
لكمت قلبي ونبست بضيق.
"أنا أكرهك كيونغسو بقدر ما أحببتُك طيلة هذه السنين!"
صعدت درجات السُلم، لكنها توقفت في منتصفها والتفتت إليّ تقول.
"استعد لتعود ابن شوارع كما كُنت، لا تنسى أنّي التي رفعتك على عرش الثراء، وبإمكاني أن أنزلك ليصبح شأنك أقل من عبدٍ مَخصيّ في أيام العبودية!"
..........................
مَرَّت أيام كالزمهارير على حياتي، بحثتُ عن لورين في كلِّ مكان ولم أجدها، لم أدري أنّي سأدفع الثمن باهِظًا هكذا.
أيري تحاول أن تتواصل معي مُذُّ عِدةِ أيام لكنّي لا أُجيب، ربما تظن أنّي قضيتُ حاجة لي منها وانتهيت، لكنني لستُ كذلك.
ماذا أقول لها إن علمت بمأزقي وما أمُر به؟
سأخسرها بلا شك مُذُّ أنني لا أملك التبرير المُناسب أبدًا.
مضيتُ هذه الليلة إلى منزلي بعد يوم مُرهِق من البحث، أنوي أن أخرج غدًا وابحث مجددًا، ربما أستعين بقُدراتي الخفيّة لأجد طِفلتي.
لكنني ما إن إنتصبتُ أمام بابي شعرتُ أحدهم خلفي؛ وإذ به رجل ضخم الجُثة يحاول أن يُلبِس رأسي كيس من القُماش.
ركلته سريعًا وعلمت ما يدور عليه الأمر، أبي في القانون يحاول أن يُعاقبني عمّا فعلتهُ بابنته، لكنه لا يعلم عنّي كفايةً؛ كأنّي أملك قدرات قِتال فذّة.
كانوا كُثُر لكنّي قاتلتهم جميعًا حتى آخر ذرة طاقة بجسدي وحتى آخر قطرة عرق مني.
إلى أن أطلق أحدهم علي النار، وجسدي الذي بات مُنهكًا من القِتال ما عاد قادِرًا أن يُقاوِم أكثر، سقطتُ على رُكبتاي بينهم، وما إن وقعت كَثُرت السكاكين على رقبتي.
كنتُ أشعر بكل ركلة فوق جُرحي حتى تبدد وعيي واستسلمتُ للظلام.
...
لا أدري كم مَضى عليّ وأنا نائم، لكني ما إن استفقت علمتُ أنّي بالمستشفى، أحد الجيران رآني أُضرَب وهو من اسعفني، عندما طلبوني الشُرطة للتحقيق قلت أنّي لا أعرف من الفاعل وأني لا أشك بأحد.
لستُ أفعل هذا إلا لأحفظ لابنتي سُمعتها للمستقبل، وصورتها النقيّة عن الحياة.
بينما أتعالج في المستشفى؛ قررتُ أن أبحث عن ابنتي بطُرق أُخرى، اتصل بي أحد رِفاقي في عملي السرّي، واستغللتُ الفرصة لأطلب منه خِدمة.
كريس صديقي، نحن نعمل معًا مُنذُ ثمانِ أعوام؛ لذا كُنّا مُقرَّبين كفاية، ليعلم ما استجد في حياتي.
"لو علمت القيادة أن رئيس الحزب أصبح عدوكَ بسبب فتاة سيقتلونها أمامك، تعلم؟"
تنهدت.
"أُيمكن ألا تكون سوداوي وتبحث لي عن ابنتي؟"
سمعته يتنهد بالمُقابل وقال.
"إنني أبحث عنها بالفعل، ولقد توصَّلتُ إلى هذا"
"ماذا؟"
"لقد أخذوها إلى مركز الرأسمالية"
"تقصد الولايات المتحدة؟"
"نعم، أيمكن أنهم شك..."
"لا، لا يمكن، سأتكئ عليك بأمر ابنتي، أعدها إليّ"
"تعلم أن تلك الأراضي محظور دخولها، ولا يمكن جلب ابنتك إلا بإختطافها، ونحن لا نُريد أن نَخلق أيَ أزمة معهم، عليكَ أن تحل الأمر من عندك بالتَّراضي"
رميتُ بالهاتف عرض الحائط، مصّوا دمي حتى آخر قطرة، وإن سألتهم لقاءها أعادوك خائبًا، ما كان علي التورط معهم منذ البداية!
...
أنقضت فترة إستراحتي في المستشفى، وتم صباح اليوم تسريحي منها، طلبتُ من كريس معروفًا؛ أن يحصل لي على رقم هاتف يوري على الأقل، وهو وعدني أنه سيحاول.
المُفاجئ هذهِ المرة عندما عَتبت قدمي عَتبة باب منزلي، وجدتُ إيري تقف عليها وتبكي.
تسمَّرتُ في مكاني، لا أدري ماذا أفعل، يبدو أنّي سأخسرها أيضًا ولا يبقى لي أحد أبدًا، هذه هي نتيجة المُراهنة على الكذب حتى لو كان حلوًا.
"إيري؟!"
مَسحت دموعها وقالت.
"نحنُ نحتاج أن نتحدث معًا"
إزدرئتُ جوفي سِرًا، وتقدمتُ لأفتح لها الباب، ليس عليَّ أن أكون مُتشائم، ربما تكون فَهِمَت أمر غيابي طيلة الفترة الماضية على نحوٍ خاطئ.
أثق أنَّهُ يُمكننا أن نتفاهم... أرجو ذلك!
دخلت قبلي إلى المنزل، كانت تنظر في أرجاءه بملامح مُدهَمة، ربما اشتمّت رائحة طفلة، ورأت لمسات إمرأة في المكان.
دعوتها للجلوس فجلست.
"ماذا تشربي؟"
"لا شيء، دعنا نتحدث فقط"
بنبرتها بعض الجفاء، جلستُ على الأريكة المجاورة، شعرتُ أن لا حق لي أن أحتضنها الآن، وأكون منها قريب، وأُخفف عنها؛ بما أنني السبب في هذه الدموع.
"أين كنتَ طيلة هذه الفترة؟"
"طرأ أمر"
أومأت تعض على شفتيها بغيظ.
"هل الأمر يتعلق بابنتك وزوجتك اللاتي اختفين فجأة؟!"
سُرعان أن نهضت دون أن أعي واقتربتُ منها؛ لكنها صاحت علي ترفع يدها ناحيتي.
"لا تقترب وأجب عن سؤالي... نعم أم لا"
طأطأتُ رأسي لشعوري بالخزي وأومأت، حينها رمقتني تضيق عينيها وانفجرت باكية، إنهارت تُخبئ وجهها بكفيها، وتبكي بُكاءً مريرًا مَزّق قلبي.
لم آبه بتحذيرها، وجلستُ القُرفصاء أمامها بينما أمسك بساعديها، لعلها سمحت لي أن أنظر لوجهها.
"لا تبكي إيري أرجوكِ، هذا خطأي أنا، أنا آسف، أنا كذبتُ عليكِ لأحظى بكِ، أيٌ مما حصل ليس ذنبكِ، أنا المُذنب الوحيد هُنا!"
تمتمت بإستنكار شديد.
"لا أصدق أنني تسببتُ بِمَحوِ عائلة وتفكيكها، كسر قلب إمرأة مثلي وتَشتُّت طِفلة!"
شددتُ على ساعديها أهمس.
"ليس أنتِ، أنا من فعل ذلك!"
أبعدت يدي عنها ونظرت لي بعينيها الحمراوتين لكثرةِ ما بكت وقالت.
"أخبرني بكُل شيء الآن حالًا!"
أومأت.
"سأخبرك... إهدأي فقط!"
تنهدت تمسح دموعها، وأشارت لي أن أتكلم، فأتيت لأجلس بجانبها ثم قُلت.
"كنتُ شابًا فقيرًا؛ لكن ذكيًا، والبلاد لم تعطني الفُرصة لأُظهر نَفسي، تقاطع طريقي بفتاةٍ غنيّة، وهي ابنة لإحدى الرجال المؤثِّرين سياسيًّا والأثرياء، فقررتُ أن أحصُل عليها بغرضِ الوصول إلى القِمّة.
أغدقتُها بالحب الكاذب معي حتى جررتُها إلى سريري ثم حتى حملت مني، عائلتها لها سُمعة سياسيّة وأقتصاديّة، ولا يُمكن أن تتضرَّر بمِثلِ هذهِ الفضيحة، فقرر والدها تزويجنا وضمّي أسفل جناحه.
نجحت خُطَّتي، حصلتُ على المكان الذي أردتَهُ، صَبوتُ القِمَّة، ورُزِقتُ بطفلة أفديها بروحي، لكن الحُب الحقيقي نحو زوجتي لم ينبت في قلبي أبدًا، فبعدما تزوجنا عِشنا معًا كشُركاء سكن لا أكثر.
أصبحتُ أشعر أني أعيش ضمن قالب ضيق يكتم على أنفاسي، وأنّي في سبيل تحقيق أحلامي خسرتُ سعادتي، وراحتي، وفرصتي؛ لأحظى بحُبٍ حقيقيّ وإمرأة أُريدُها بالفعل."
لَزِمَت الصمت كثيرًا، ولم تُعلِّق على قصتي التي أخفيتُ منتصفها الأكثر ظلامًا من الذي ذكرته.
"ماذا أنا بالنسبة إليك؟"
أمسكت بيدها وبلا تردد أجبتُها بصِدق.
"الحُب الحقيقيّ الذي لطالما حلمتُ به"
عادت تبكي وسحبت يدها منّي، ثم نظرت إليّ.
"أوتعلم؟
أنا ما عدتُ أُريدُكَ"
"لا، هذا أكثر مما يمكنني أن أتحمله!"
تمسَّكتُ بها، لم أدري أنّي مهووس بها أبدًا.
صرخت تسد أُذنيها بيديها.
"أنا لم أُرد رجل سيء، لستُ أريد رجل كاذب في حياتي!"
تمسّكت بيدها، ورغم مقاومتها أبعدتُ يداها، وجعلتهم خلف ظهرها أقيدها، وألصقها بي.
"لا حبيبتي، لا تقولي أنكِ لا تُريدي رجلًا كاذبًا مثلي!
لا حبيبتي، لا تقولي أنكِ لا تريدي رجلًا سيء مثلي!
كذبتُ عليكِ لأن الحقيقة تؤلم أكثر من الكذبة، لذا لا تسُدّي آذانكِ عني!
لا حبيبتي لا!"
صرخت تحاول دفعي عنها.
"أنت رجل مهووس ومريض!"
أومأت.
"نعم، أنا كذلك!"
وأجبرتُها على قُبلة، كانت تنتفض بين يديّ بقوّة، تبغي تحرير نفسها، لكن هيهات، لقد مَسَّني الجنون وما عدتُ أعي علاما أفعله!
سقطنا معًا على الأريكة، وما زلتُ أُقبّلُها بجنون، وما زالت ترفضني، وحينما أنخفضت قُبلاتي إلى فكها؛ نشأت تتوسلني بنبرة باكية آلمتني وأيقظتني من لجّة الجنون.
"دعني أرجوك، اتركني!"
أفلتُها، ونظرتُ إلى الحالة المُزرية التي أوصلتُها لها، نهضت سريعًا ما إن إستطاعت وأنا أخذت أعتذر لها، لا أصدق ما أقدمت على فعله.
"لقد فقدتُ صوابي لوهلة، أنا آسف يا حبيبتي!"
صفعتني وبذات اليد مسحت دموعها تقول.
"نحن انتهينا هنا وإلى الأبد!"
غادرت تركض وتبكي، وأنا سقطت أرضًا وتساقط الهم فوق رأسي، في النهاية أنا الخاسر، خسرت كل شيء دفعة واحدة.
أحيانًا تكون الحقيقة تؤلم أكثر من الأكاذيب.
نكون خائفين أن نتأذى من بعض الحقائق.
لذا نُدير لها ظهورنا ونهرب.
................
أنقلبت حياتي عُجاف وتخلّى عني الجميع، حبيبتي، ابنتي، خسرتُ عملي ومكانتي، منزلي وعاداتي، عدتُ لأكون مجرد عميل سري للمخابرات الصينيّة في كوريا الجنوبية.
هذه حقيقتي الأسوء، إذ أن الموت يلهث خلفي دومًا، تواصلتُ مع المُنظمة وطلبوا أن أعود إلى الصين.
هكذا انمسح وجودي من كوريا كلها، وما عاد أحد يذكرني، عملت بعملي بتفاني لقاء الموت، كنت أشترك بكل مُداهمة، وبكل عملية خطيرة، لعل الموت سرق مني حياتي، فما عدتُ أنا أحيا لأحد ولا أحد يُريدُني.
مرَّت سنة، اثنتان، ثلاث، وها الرابعة... وما زال الموت يُجافني كما الناس، والنوم، والسعادة والأحلام، وكل شيء جميل في الحياة، التي تخلّت عني، وتجرّدت من أمومتها بشأني.
كنتُ في عملية لقتل إحدى السياسين، الذين يقفوا على مصالح الصين في اليابان، تحققت العملية بنجاح، ولكن صديقي كريس أصرّ أن نبقى في اليابان لبضعةِ أيام قبل أن نرحل، بحُجة أني أحتاج لنُزهة خارج إطار العمل الأدهم.
أول ما لفت إنتباهي هو مقهى أعاد لي الذكريات القديمة، له حائط زجاجي كذاك، تركن خلفه طاولة بموقع مشابه تطل على الشارع.
دخلتُ لأطلب الشوكولاتة الساخنة، ما زالت القهوة والكاكو الأوفياء الوحيدون، مهما جافيتهم لا يتغير طعمهم.
ما تزال تملك نفس اللذة التي تحتضنها الذكريات.
كنتُ أقف أمام المحاسب أَسُدُّ ثمن الكوب، لكن يد صغيرة نبشت على قماش بنطالي وأخذت تَشدُّه.
عندما إلتفت كان فتى صغير ينشب بأنامله الصغيرة على القماش الذي يستر ساقي.
إنحنيتُ أجلس على ساقي حتى أدرك وجهه وجهي، وقمت بمشاكسة أرنبة أنفه بسبابتي أبتسم لأجله.
"هل أشتري لكَ كعكة بالشوكولاتة؟"
أومئ فأمسكتُ بيده وقلت.
"اختر ما تشاء"
اختار إحدى المعروضات، وأجلسته بجانبي ليأكل بينما أنا أحتسي الشوكولاتة الساخنة.
"لم أنت وحدك؟"
"أضعتُ أمي"
"غريب أنك لا تبكي"
رفع كتفيه يقول.
"لا حاجة للبُكاء، هذا المقهى لها، ستجدني هنا بعدما تدور قليلًا في ضواحي الحي"
وضع معلقته برتابة، ثم نظر لي يقول وقد شابك أصابعه أسفل ذقنه، أنه يذكرني بي لطالما كنتُ هكذا منذ طفولتي.
"تراني طفلًا لكن عقلي ليس بسيط، تعلم؟"
برمتُ شفتيّ.
"في الحقيقة لا أعلم، الأطفال يبقون أطفال"
الطفل صمت لوهلة ولم يزح عينيه عني ثم قال.
"هل تُدعى دو كيونغسو بالمُناسبة؟"
ساور الشك نفسي.
"كيف تعلم؟"
أومئ وتنهد يقول.
"إذًا أنتَ أبي، لِمَ تخلَّيت عن أمي؟"
وجدتني أُلجم من هذا الفتى، إذ نسب نفسه لي واتهمني بأمه أيضًا!
"ماذا تقول يا فتى؟ من أمك؟"
كاد أن يتحدث؛ لولا أنّي سمعتُ صوتًا أُنثوي آلفهُ جيدًا، ولأن صاحبتهُ ما فتئت تحتلّ المزيد مني دون حرب بل بسلام؛ أخذ قلبي يُحيّها ويُعذبني، يُرحِّب بعا ويضربني.
"جاي!"
رفعتُ بصري لها، يا إلهي كم اشتقتُ لها!
أكاد لِفَرط الشوق أنهض، وأضُمَّها إلى صدري بتهورٍ وجنون حتى تكاد تختنق وتختلط عِظامِها.
لكنّي لم أفعل أيًا مما رغبتُ بِه، بل دار تفكيري في دائرةٍ أُخرى، هذا الطفل مني ومن أيري، ابننا معًا، أيُعقَل؟
تمسَّكت بيد الصبي، وسحبتهُ إليها ترتعش؛ وكأنّي سأختطفه منها، وضعتهُ بظهرِها، وخرجت مُسرِعة.
لكن لا، هذهِ المرة لن أتركها تذهب، وتترُكني مُحطمًا مرة ثانية، ليس عليَّ أن أُعاني فُراقِها للأبد، لربما نِلتُ شفقة القدر؛ فوضعها بطريقي هكذا من باب الصُّدفة.
تبِعتُها ابحث عنها في الشارع، إذ وجدتُها تَمسِك بيد الطفل وتهرول به بعيدًا عني، ألا تُغالي؟
أنا لستُ مُرعبًا، حتى أنها لا تدري عن أكثر أوجُهي رُعبًا.
أمسكتُ بمعصمِها وجعلتُها تلتَفِت إليّ، حينها سحبت يدها مني بقوة، وبحنق خاطبتني.
"ماذا تُريد؟"
نظرتُ إلى الطفل ثم لها، لن أسمح أن أخسر طِفلي الثاني أيضًا.
"نحنُ نحتاج أن نَتكلَّم معًا؟"
كادت أن ترفض لولا أنّي حذَّرت.
"لأجل مصلحة هذا الطفل"
نظرت إلى طفلها ثم تنهدت.
"لا تحاول أن تستغل طفلي لمصالحك!"
ارتفع حاجبي ورمقتُها بلوم، ما كان عليها أن تُخفي عنّي ابني.
"أظنُّه طِفلي أنا أيضًا، حتى أنَّه يعرفني"
تنهدت تنظر إلى الطفل تلومه بلا كلمات لأنه أفشى سِرّ أُمه لي.
لكنها في النهاية استسلمت، وسارت أمامي عائدة إلى المَقهى، جلسنا مُتقابلين والطفل بجانبها، لكنّي بلطف حدَّثتُه.
"يُمكنكَ أن تذهب وتطلب ما تشتهي نفسك"
عقد الطفل ساعديه إلى صدره.
"هذا المقهى لأمي، أنا آكل فيه كما أشاء، ألا ترى أنكَ لا تُقدم لي عرضًا مُغويًا؟"
لهجة هذا الطفل لا تنفك تُفاجئني.
"من أين أتيت بهذا الذكاء أيها الصغير؟"
إيري أخذت تُربِّت على رأسه وقالت.
"بالتأكيد من أبيه، فأمه حمقاء يسهُل خِداعها"
تنهدتُ أنا، تلك التُّهم المُبطَّنة تخرج من ثغرها كقذفِ الشتائم بحقّي، تبسّمت إيري في وجه طفلها وأخبرته.
"صغيري البطل اذهب واجلس هناك"
"لكنّي أريد أن أبقى معكِ!"
احتج فيما يرمقني بنظرات مُغتاظة فجعلت تُقنِعُه.
"لا بأس بَطلي، سأكون بخير"
أومئ لها ثم نظر لي مُحذّرًا، وكأنَّه يقول لي "أياكَ أن تُصيب أُمي بأذى"
ثم أخيرًا نهض مُتباطئًا
"لِمَ لم تُخبريني أنكِ حامل؟"
رمقتني بلوم، إذا ضيَّقت جفونها وعرَّجت حاجبيها تقول.
"أهذا ما تملك أن تقوله بعد أربع سنين إنقطاع؟"
أخفضتُ رأسي، أنا رجل سيء فعلًا، سيء مع النساء.
تنهدت هي ثم اتبعت.
"رُغمَ أنكَ لا تملك الحق لتعلم سأُخبرك... قَلِقتُ عليكَ بعد ليلة الفُندق كثيرًا وشعرتُ بالخطر، مهما حاولت أن أتواصل معك لم تستجِب، في النهاية أنا راودتني أفكار سيئة، كأنكَ اكتفيتَ مني لهذا الحد، ما عدتُ أملك أي قيمة أو أهمية بالنسبة لك.
في يومٍ من تلك الأيام طرقت إمرأة غريبة بابي، كانت بائسة وغاضبة، صفعتني دون أدري لماذا وهاجمتني، اتهمتني أنّي نزعتُ عائلتها، وأنّي السبب في طلاقها، وخراب بيتها، وشتات طفلتها.
أدركتُ حينها أنّي كنتُ بين يديكَ أضحوكة، وما عدتُ أقدر أن أتجاوز أنكَ كذبت عليَّ مِثل هذه الكذبة الشنيعة، وخدعتني بينما تقول أنك تحبني.
غادرتُ كوريا فورًا كي لا أجد نفسي أطرق بابك وأتوسَّل حُبك، لا تدري كم الليالي كانت مُضنيّة وأيامي عسيرة بسببك."
رمقتني تبكي ونبست بصوتٍ بحّه البُكاء.
"أنا لم أستطع تجاوزك أبدًا، طِفلي ربى على مزاجي العسير، كان يتجسس علي ليلًا وأنا أبكي عليك واحتضن صورك إلى صدري.
كان يعلم أن أبوه رجلًا سيء، لذا لم يسألني عنك أبدًا، وحده استدرك القصة وعلم أنك أبوه"
إزدؤئتُ جوفي، لا أقوى أن أنظر لتلك الأعين الغائمة أكثر، تراخيتُ في الرّد عليها، تحسستُ فاه كوب الشوكولاتة الساخنة الذي برد بينما أنظر فيه وهمست.
"أنا لم أمنحكِ قلبي بسهولة، لقد حاولتُ بالفعل أن أدفع بكِ عنّي، حتى أنّي حذرتُكِ مني، أخبرتُكِ أني أكذب عليكِ.
لقد أخبرتُكِ بالفعل أنّي مثل شفرة حادة ولو أردتني فعلًا قد تتضررين من أعماقك، لكنكِ من أدّعيتِ أنكِ لم تسمعي تحذيراتي، وآمنتِ أنّي أعطي تحذيراتي أكبر من حجمها."
تبسّمت وشربتُ من الشوكولاتة الساخنة، بردت، لكنها ما زالت بذات النكهة الطيبة.
"لقد أذبتُكِ في كذباتي الحُلوة كما لو أنها شراب شوكولاتة ساخنة تُدفّئك في ليلة شتاء باردة"
وضعتُ الكوب جانبًا، ورفعتُ رأسي لها، كانت تبكي بالفعل، نظراتها تُخبرني أنّي وحش على هيئة إنسان، رَجُلٌ في غايةِ السوء، رَجُل حقير.
لكنني قررت أن أكون معها صريح هذه المرّة، لذا فيما انظر بعينيها بجُرءة أعلمتُها.
"دعيني أخبرك ما يدور في عقلي...
أنا آسف، لكن لا يمكنني أن أكون الرجل الذي تحلمين به، الرجل المثالي، لا تتوقعي الكثير مني"
مسحت دموعها واستجمعت أنفاسها تقول.
"ما الذي تريد أن تصل به بكل هذا الكلام؟"
همست فيما انظر بعينيها بجديّة واحتِدام.
"فلنعقد اتفاقًا شديدًا"
عقدت حاجبيها.
"ما هو؟"
"عودي إليّ وأنتِ تعلمين أنيّ رَجُلًا طالح وكاذب"
ضحكت من فرط الغيظ ورمقتني مذهولة.
"ما زلتَ تريد أن تكذّب علي؟"
أومأت.
"سأخبركِ كذبات حلوة، أحلى الكذبات في العالم، إن كان هذا ما تريدينه، سأمنحكِ كل تلك الكذبات الحلوة"
ضربت الطاولة براحتها، ووقفت تَصرُخ عَلي.
"كيف يمكنني أن أعود إليك وأنا أعلم أنكَ قد تكذب علي بأي شيء؟"
بإختصارٍ شديد أجبتُها.
"هذهِ ضريبة الحصول عليّ"
نهضت تَبغي الفِرار من أمامي، ومن الشوق الذي أراه بعينيها لي، إذ صرَّحت ووَلت تنوي أن تهرب مني.
"وأنا لا أُريد أن أحصُل عليك"
أمسكتُ بمعصمها وهمست.
"كاذبة حُلوة!"
وذلك ما همست به قبل أن أُطبق على شفتيها بشفتيّ، قيَّدتُ يداها خلف ظهرها وألصقتُها بي.
لم أدري ما الذي يحصل في هذا العالم بعد ذلك، أنا فقط أردتُ إسترجاعها بإستماتة حتى لو كان معنى ذلك أن أكون بلا أدب، ووقح، وجريء إلا هذا الحد.
صفعتني تبكي ما أن تفلَّتت مني، لكنّي أمسكتُ بيديها وقُلت.
"هذه حقيقة، لم يبقى لي أحد أبدًا، لا تتخلي عني أنتِ أيضًا، همم؟
هذهِ المرّة سأكون صادقًا معكِ، سأُسعدك، وأحبك بجنون، ولن تكون هناك إمرأة غيرك بحياتي، ماذا قُلتِ؟!"
نظرت إليّ بينما تقضم شفتيها، لا تقضميها، قولي الحروف العالقة خلفها أرجوكِ.
"سأكون معكَ سيئة وقد أكذب عليك"
استخدمتُ ردودها ذاتها.
"الجميع يكذب"
"سأكون مثل الشفرة الحادة، سأُقطعكَ إرَبًا"
فتحت ذراعيّ أكشف عن صدري.
"أنا لكِ، افعلي بي ما تشائين"
عقدت حاجبيها بأستياء وقالت تستنكر.
"ألا تراني أملك الجرءة لأفعل ذلك؟!"
تبسّمتُ أنفي برأسه، وهمستُ أُجيبها.
"لا، أنتِ إمرأة رقيقة وناعمة؛ مثل ربيع جميل مُخضَّر كُلُّه خير، يواسينا عمّا قضيناه مع صقيع الشتاء، ويُحمِّلُنا الطاقة لنصبر على حرارة الصيف"
بدى أن كلماتي المُنمَّقة طافت في ذِهنِها وأعجبتها، حينها أستغلّيتُ الفُرص؛ إذ جذبتُها من معصمها عندما طال صمتها هذا، فجعلتها تُجيبني على عجلة، إذ أسرتُها بذراعيّ، وشرعتُ أُقبل رأسها أينما وطأت شفتاي، وهي تبكي على كتفي وتضمني بذراعيها النحيفان.
"أنتَ رَجُلٌ سيء جدًا، رغم ذلك كنتُ أتوق لأن أجتمع بكَ ثانيةً، أنا أكرهك!"
تبسَّمتُ أمسح على شعرها الذي طال حتى أسفل كتفيها.
"وأنا أُحبُك!"
طفلنا، الذي كان يغلق كريس عينيه عن مشهد الكِبار هذا، أشرتُ له أن يقترب منّا، ففعل، ثم رفعتهُ على ذراعيّ انظر إلى وجهه.
"أنت لا تشبه أيًا مِنا!"
الولد رفع حاحبه مغترًا ونظر إلى كلينا.
"بالتأكيد، أنا القطعة الوحيدة منّي"
في الحقيقة يُشبه لورين، كيف أصبحت الآن يا تُرى؟
.......
بعد أن غمرني الحُب بوقت طويل لم أحس عليه.
كنتُ أسير ويدي بيد أيري حبيبتي، نُخطط أن نزور المَقهى الذي كُنّا نلتقي به في كوريا، لقد عُدنا لنعِش هُناك ونقلتُ عملي أيضًا.
كُنا نجلس على الطاولة ذاتها، أنا في مكاني وهي قِبالتي قُرب النافذة الزُجاجيّة المُغلقة، فها هو الشتاء مجددًا.
"كيونغسو؟"
"همم؟"
"كيف انتهى العمل بكَ لصالح شركة صينيّة؟ بين كوريا والصين مشاكل لا تُعَد!"
أومأت أن كلامها صحيح، لكنّي الآن بحاجة لإلقاء كِذبة جديدة على سمعِها.
"أنا كوري شمالي، ولجأتُ إلى الصين قبل أن ألجئ إلى هنا"
"ماذا؟! حقًا؟!"
أومأت، نعم أنا كوري شمالي، لكنّي لم ألجئ لكوريا لأغراضٍ نظيفة كالعيش بسلام.
"وماذا تعمل في الصين؟"
"لدى جهاز التجسس والمُخابرات"
شهقت بقوّة، هذه هي حقيقتي، لكنّي قهقهت أقول.
"أمزح"
تمسَّكت بقلبها وهمست.
"لقد أرعبتني! هذه مزحة سيئة جدًا!"
هذه حقيقتي المُرعبة التي لا يُمكِن أن أبوح عنها لكِ.
"أعمل لصالح هواوي الصينيّة بالفرع الكوري"
هذا الغطاء المُطرَّز الذي أُغلِّف به حقيقتي البشِعة.
"ماذا عن والد طليقتك؟ ألم تكن تعمل معه؟"
أومأت أتنهد.
"ذلك الرجل جعلني أعمل معه عندما لحظ مهاراتي، وأصبح مضطرًّا أن يتقبلني كجزء من عائلته، لكنه بعد الإنفصال طردني وحاول أن يجردني من كل ما كسبته بكدّي وتعبي.
طلبتُ المُساعدة من أحد أصدقائي الصينيين فوفّر لي هذه الوظيفة"
أومأت ثم تمسّكت بيدي تقول.
"لا بأس بتحمل بعض المرارة لقاء حلاوة العيش معًا"
تمسّكتُ بيدها وأخذتُ أُربّت عليها.
"بالطبع، هذا ما يجعلني قويًّا ويُمدَّني بالعافية مهما قَسَت الظروف علي!"
تبسمت في وجهي وطالعتني بفخر، ثم نظرت إلى بطنها البارز بطفلنا الثاني، من فوق فستانها تحسسته وقالت.
"يقول أيّان أنّه فخور بأبيه!"
ضحكت وأومأت، رفضت هذا الأسم لكنها ما تزال تفرضه عليه، سأستلم لأنها من تتعب في حمله، مُساهمتي ضعيفة أمام ما تفعله هي.
نظرتُ في عينيها البُنيّة التي تلمع فرحًا وحُبًا.
أقولها من كل قلبي لكِ، أنا آسف لأني أكذب عليكِ، وما أتكتّم على بعض الأمور إلا لأنّي أُحبُكِ.
ولا أنا لا أُريد أن أؤذيكِ مُطلقًا
لكن الحقيقة مُرّة جدًا.
ولأن هذهِ هي الطريقة الوحيدة لأُبقيكِ هُنا عالقة معي، أنا لن أهتم لما يتطلبه الأمر، سأفعله.
لذا مُجددًا، فعلتُها مُجددًا، كذبتُ عليكِ مُجددًا، لأني لا أملك خيارًا آخر.
سأُخبرها كِذباتي الحلوة...
رغم أنها كِذبة، لكنها ستكون أحلى كذبة في العالم، لأحتفظ بكِ دومًا.
......................
سلااااااااااااااام
-تمسح جبينها- أطول وانشوت بالكتاب للآن مكون من ثمان آلاف كلمة🔥
بقولكم شغلتين:
الأولى: سويت لايز هي أغنيتي المُفضّلة لإكسو مع أوفردوز.
الثانية: أكثر ميمبر مُناسب للأغنية هو دي او فعلًا وبلا مُنازع، تصفيق للي اقترحوها لدي او👏👏👏👏
وتصفيق لي لأني تعبت وأنا أكتبها👏👏👏
المهم أتمنى هالوانشوت الطويل يتلقى منكم الحب الغااامر.
الوانشوت القادم بعد 50فوت و100كومنت.
1.رأيكم بشخصية كيونغسو؟
2.رأيكن بشخصية أيري؟
3.رأيكم بشخصية يوري؟
4.رأيكم بسير الأحداث وسلالة القصة؟ كم تمنحوها من عشرة؟ وكم ترونها متوافقة مع الأغنية؟
5.ضعوا هنا إقترحاتكم للوانشوت القادم
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі