دُنُو
يعقب ذلك الدنو جفاء، وتنأى بعد الدنوِّ فجأة، فيقولُ المُقابلُ ليتكَ لم تدنُ منِّي فأشعرتني بسوءٍ،
فسَلَتني مُتَعَجِّبًا، وأين السوء الذي لفظته هـٰذا!
فأجبتك بعد طول تنهيدة وكأني ركضت قبلها ذهابًا وإيابَا ثم أعاودُ ركضيَ إلى أن تشنجت قدماي فأخذتُ تنهيدة مطولة بعد تنفسٍ سريع ليرتخي جسدي،
أترى هذا الصَّعيد؟ قلتَ: وما دخلُ الأرضِ فيكَ!
قلتُ لك: بطولها تألمتُ!، أيقتربُ المرأُ من شخصٍ، لِظَنِّه أنه شخصٌ عظيم، لم تعتب قدماهُ دياجير العقلِ أو غياهب القلبِ.
وبعد أن دَنَوْتَ وجدتَ شخصًا يَتَّكِأُ على الكلمة اتكاءَ، فتهلكه الكلمة وتظل تسبح في عقله أيام، وتسعده الأخرى فظنَّ أنه صار عظيمًا أثر المدحِ، فوجدت بعد الدنوِّ بساطة لم يتوقعها عقلك، وشخصًا يصعبُ عليه الحوارات، فتراهُ يبدأ معك بـ"انظر لا اَستطيعُ فتح الحوار ودردشة الأصدقاء جميلةِ الطَّرَبِ، ستراني صامتًا أغلب الوقتِ فتظنني أخرسًا، وتناديني أوقاتًا فلا أجيبكَ فتخالني أصمًّا، وما كنتُ في الحقيقة سوى غارقٍ في غياهبِ عقلي."
ما كنتُ ذلكَ العظيم الذي كنت تتخيله يومًا، فَـفِي خارج الصورة قد تراني عظيمًا، وبعد أن تدنو منها حتى تكون فيها، ترى تشققاتي التي كنتُ أجاهدُ في إخفائها من الصورةِ، فإما الاحترامُ وبقاءُ الودِّ وعهدٌ بأن ما من بشرٍ عظيم، فالنقص والضعف أساسه، وإما الابتعاد وتبحث عن غيري تراه من الصورة عظيمًا، ثم تدنو فترى ذات التشققاتِ فتنأى كما فعلتَ قبلًا، فيقول الآخر: "ليتك لم تدنو منِّي فأشعرتني بسوءٍ"!
كلٌّ يحافظُ على صورته، فَمَن سمَح لك بأن تراهُ بصورته الأخرىٰ..ابقَ على مَا كنتَ عليه، بل وَزِدْ دُنُوَّا.
17.08.2020
1
0