حقائق غريبة
عدتُ ذلك اليوم و أنا أحتظنُ خبراً في غايةِ السعادة، ولكنه حذرني من أن أعلم أحداً بأمر هذا القبو السري، وقد قطعتُ له الوعد و لن أحنثه.
يوم الثلاثاء من الأسبوع الثاني، لم أحصل على أية أشارة منه، ولكني يجبُ أن أعلم أن الحماسة المفرطة لن تأتي إلا بالأخبار الغير جيدة، و كما أعتدنا على الأيام التي سبقت: على مجاملات ويليام و النظرات المنطلقة من آني و ثرثرت أليس. أما توماس و ألفريد فهما يفضلان الصمت على قول شيئ، لقد شككتُ في توماس أنه يعلم شيئ و لكنهُ يخفيه،
تناولنا الفطور بمفردنا، بعد أن سبقنا الفتية، و أنصرف كلاً إلى عمله، بعد أن أنتهينا، شعرتُ ببعضِ الألم في معدتي، لم أعلم مصدره، فصعدتُ إلى أعلى وتوجهتُ إلى الغرفة بعد أن أشتد الألم، و عصف برأسي صداعٌ، صعدت معاي شقيقتاي، جلستا معي قليلاً، ولكني أصريتُ عليهن أن يذهبن و يقضين بعض الوقت في الخارج، فنزلن بعد أن طمأنتهن أني سوف أتى إليهن، كنت شاردة، أفكر ما صلت ألفريد بهذهِ الدوامة، أو الفتيات كما دعاهن بنات ليدل، و لا أنكر الفرحة التي سيطرت علي عندما أتذكر أنه سوف يرجعنا إلى زمننا، فقد أشتقتُ إلى والدي و إلى كل شيئ يتعلقُ بزمننا.
طرق بابُ الغرفة، فأفقتُ من تفكيري، لم أقوى على النهوض، فقلت : «أدخل» .
دخلت أليس، واقتربت مني وهي مندهشة، فسألت بسرعة:
«هل أنتِ بخير؟».
فأجبتها أن أومأتُ برأسي و
قلت :«وعكةٌ بسيطة، و سوفَ تزول».
جلست بقربي - على حافة السرير-، ثم ناولتني رسالة قد أخفتها بين طياتِ ملابسها، و
قالت:«لقد قال السيد ألفريد أن أناولكِ هذه، قبل ذهابه». ثم نظرت إلي بعينان متسعتان، فدهشتُ من نظراتها و سألتُ بهمس :«ماذا؟ ». نقلت عينيها بين الرسالة و وجهي، خجلتُ من هذهِ النظرات، و قفزتْ فكرةٌ غريبة إلى عقلي فهززتُ رأسي بسرعة، ثم قلتُ لها :«بربكِ أليس!، أليس لديكِ أعمالٌ لتقومي بها؟».
تنبهت إلى ذلك فقامت سريعاً، وإعتذرت ثم أنصرفت، بعدما تأكدتُ أنها أوصدت الباب و ذهبت، فتحتُ الرسالة التي طويت أكثر من مرة، و قرأتها بهدوء:
«"أنسة سوسن، أرجو منكِ أنتقابليني في المطبخ عند الساعة الحادية عشر و النصف
، وبمفردِكِ، هناكَ عملٌ يجبُ القايمُ به"».
ثم أنتهت الرسالة بنقطة صغيرة، ففرحتُ كثيراً، حتى أني تناسيتُ ألمَ معدتي و رأسي، و أنا أتوقُ لأعلم عن أي شيئ يقودنا إلى إجادِ حلٍ للعودة إلى ٢٠١٨.
نزلتُ بعد مدة ليست بالقصيرة من قراءتي لرسالة، التي أخفيتها في مكانٍ جيد، وجدتُ ليان ودرة، في الخارج تحديداً عند حديقة الأزهار بالجهة اليسرى من القصر، كانت درة تتأمل الأزهار بينما ليان تجلسُ على الكرسي و قربها عكازاها بسبب إصابتها، و قد بدت شاردة الذهن، لمحتُ أبتسامةً سعيدةً منها، لأستغرب مثل هذه الأشياء فيها، ألقى ظلي على الأزهار ، فتنبهتا إلي ،سألتْ درة و هي تداعبُ إحدى الأزهار بأناملها :«هل أصبحتي أفضل؟».
فقلت:«أجل، كان يجبُ أن آخذ قسطاً من الراحة لهذه المعدة المضطربة».
أبتسمت ليان، أما درة فهمت بالتحدث إلى الزهرة، ضحكتُ على عفويتها، ليداهمني شعورٌ غريب بالتقيئ، نهضةُ في عجلة و لم أتكلم إليهما، ورحتُ أجري إلى الحمام في غرفتنا، لم أعلم أني جعلتهما يشعرانِ بالقلق، و لولا إصابة ليان لستطاعتا الوصول إلي في دقائق قليلة، سمعتُ صوت درة و هي تسألني في قلق عن ماذا يحدث، ثم سمعتُ شهقتاً منها، و شعرتُ بيدٍ توضع على ظهري و تربتُ عليه بخفة و أخرى على جبيني، بعد مدة سمعتُ تذمرات ليان، لأن درة تركتها في منتصف صعودهما لِسَلالم، غسلتُ وجهي بعد أن أخبرتُ درة أني على ما يرام، و هما تنتظراني في الخارج.
سمعت أليس الجلبة التي أحدثناها فتوجهت إلينا بسرعة، بينما آني أظن أنها لم تكترث، و كنتُ لا أزالُ في الحمام، لم أرغب في الخروج؛ كي لا تنهار أسئلتُ أليس الكثيرة علي، فليس لدي طاقة لأجاوب عليها، فكتفت بأن أخذت الجواب من ليان و درة، بعدما خرجت أليس بوقتٍ ليس طويل، خرجتُ من الحمام و قد علقت شقيقتاي على شحوبِ وجهي المفاجأ، لم أكن بتلك الطاقة الكافية فستلقيتُ على السرير، جلست ليان و قالت لي:«سوف تنامين بهذهِ الملابس إنها ثقيلة للغاية و قد تشعُركِ بالحر».
قلتُ بنبرةٍ مبحوحة :«لا يهم، ليست لدي الطاقة لفعل شيئٍ الأن!».
عم السكون المكان و لم أشعر أنهما قد خرجتا من هنا، إلا عندما فتحتُ عيني بتثاقل، لم أهتم كثيراً فعلى كل، كنتُ سأطلب منهما الخروج.
لم أشعر بالوقتِ و هو يمر، صحيتُ على طبطبتِِ خفيفة من درة، فتحتُ عيني، ثم جلتُ بنظري في المكان إلى أن وقعت على درة، ساعدتني على الجلوس على السرير، ثم سألتها قائلة :«كم الوقتُ الأن؟».
نظرت إلى الساعة المعلقة في الجدار ثم قالت و هي تضحكُ بخفة :«إنها الساعة الثانية عشر و النصف».
ظربتُ جبهتي براحة يدي، و قلت مندهشة :«هل أستغرقتُ كل هذا الوقت؟، يا إلهي ساعتان و نصف !». هدأتني درة عندما قالت : «لا تقلقي، لقد كنتي تحتاجين إلى الراحة...» . قطعتُ كلامها عندما قفزتُ من السرير ثم سرتُ مترنحة حتى و صلتُ إلى الدرج الصغير أسفل الساعة المعلقة، و أخرجتُ علبة دواء ليان، و لكن درة سارعة و أخذتها مني و أعادتها إلى الدرج، وهي تقول :«لقد سبقَ و تناولت ليان دوائها، إذ أن الساعة الثانية عشر و نصف».
صمتتْ وهي تحدق في وجهي، فسألتها :«هل هناك شيئٌ في وجهي؟ ». هزت رأسها نفياً، و قالت :« لا يوجد شيئ، ولكن وجهك بدا لي متعباً للغاية». أصدرت تنهيدة صغيرة ثم، أضافة:«فلتسرعي سوسن، فالكلُ ينتظرنا في الأسفل للغداء». تنبهتُ إلى ذلك فأسرعتُ إلى الحمام لأغسل وجهي و أنزل إليهم.
نزلتُ الدرج بسرعة، سبق و سبقتني درة بالنزول، ودخلتُ غرفة الطعام، كان الكل يجلس على مائدة، لم يسأل أحدٌ عن سبب تأخري فأظنُ درة قد أخبرتهم، جلستُ بقرب ليان، ودرة بجانبي، و في الجهة المقابلة جلس ويليام و توماس، أما ألفريد فيحتلُ المقعد الرئيسي، بدأنا تناول الغداء في صمت - كالعادة-، شعرتُ بالأنزعاج من نظرات ألفريد بين لحظةٍ و أخرى، و كأنه يراني لأولِ مرة و يدرس ملامحي، عندما أنتهينا من تناول الغداء، قمتُ واقفة قبل الكل، و قد نجحتُ في لفتِ أنتباهِهَمْ، أستأذنتُ الخروج، فجاءني سؤالٌ مباغتٌ من ليان :«هل مازالت معدتكِ تؤلمكِ؟». أستدرتُ لها و ألقيتُ عليها نظرتًا معاتبة، ولم أجب لبضع ثوانٍ، حتى قال ألفريد متسائلاً :«هل حدث خطبٌ لكِ أنسة سوسن؟».
هززتُ رأسي برتباكٍ من سؤاله، وقلتُ بسرعة :«وعكةٌ بسيطة،.. وقد زالت».
أومأ متفهماً، ثم قام من مكانه ففعل البقية وتجه خارجاً، بعد دقائق من الصمت حلت علينا أنا وشقيقتاي، قلتُ بصرامة موجهتاً حديثي لِليان:«ما كان عليكِ السؤال يا ليان!».
عقدت من حاجبيها بصرامة و قالت :«ألا يحقُ لي السؤالُ عن صحتكِ... »،
كانت تريد أن تكمل فقاطعتها:«لم يكن عليك السؤال في هذا الوقت، كان يمكنكِ بعد أن ننتهي!».
فقالتْ بسخرية :«لماذا يا سوسن؟، أتخشين أن تخجلي أمامهم؟».
يا إلهي، لقد تعدت الحدود كثيراً ما كان مني أن رمقتها بنظرتٍ غاضبة و أنصرفت فقامت درة لتتبعني و هي تُتَمتم بشيئٍ ما، فتحتُ الباب بقوة لأصطدم بألفريد، تظاهر بالتفجاء و الدهشة، سحبتُ نفساً ثم عدلتُ من ملابسي قليلاً و أنصرفتُ دون قول شيئ، فالأمرُ واضحٌ للغاية فقد كان يتنصت.
أمسكتني درة من معصمي في منتصف السلم، و نظرت لي، حقاً لقد أدهشتني نظراتها التي أحسستُ أنها تخترقني كُلِياً، تحدثت بعد طولِ مدة : «ما هذه التصرفات الحمقاء!، نحن لسنا في المنزل كي... » . قاطعنا حمحمت الواقف خلفنا، ألقينا نظرةً سريعة، فتنحينا جانباً، ليعبر ويليام من هناك، ثم صعدنا إلى أعلى، و نزعتُ يدي من درة، أستغربتُ أنزعاجها المفاجأ فهي في العادة لا تبالي لشجاراتنا أنا وليان إطلاقاً، ولكن الأن مختلف، جلست على السرير المقابل لسريري، و عقدت حاجبيها في ضيق كنت أختلس النظر إليها، ولكنها لم تزح نظرها عني، فقلتُ بنفاذ صبر :«لمذا أنتي منزعجة؟».
رفعت حاجبها بسخرية و قالت :«أتعرفين، أنا لا أعلم!، منذ جئنا إلى هذا الزمن و مزاجي متقلب، دائماً ما أحرص على جعل الأبتسامة صديقة وجهي و لكن اليوم لا أستطيع.. أتعلمين لماذا؟، لأنكِ أنتي وليان لا تباليان بشيئ، كل ما يهمكما الشجار، أنا لا أعلم لما لم نعد إلى الأن!».
ثم صمتت بدأت الدموع تتجمع في عينيها، أكملت و
هي تمثلُ الغضب:
«لقد بتُ أشكُ أنكما تريدان العودة إلى الديار، أنتما تفعلان ما يفعلهُ الناس هنا، لقد بدأتما بالتأقلم مثلهم، أخشى أن لا نستطيعَ العثور على خيط نقي يوصلنا إلى الحل».
ثم عظت على شفتها السفلى و قد أنحدرت دموعها خطان على خديها، أقتربتُ منها و حاوطها بذراعي، هي تخشى علينا كثيراً وفي نفس الوقت تريدُ العودة إلى الديار، ولكنَ الأمور لا تفعلُ كشربتِ ماء، و علينا الصبر.
أسندت رأسها على كتفي و هي صامت، همستُ لها :«سوف نجدُ حلاً بالتأكيد». و مسحتُ على شعرها الذي أفردتهُ على كتفيها، و أضفت :«أنا و ليان نبالي بهذا الأمر، لا تقلقي يادرة سوف نجد طريقةً ما في الوقت الراهن».و أعدتُ على مسمعيها هذه الجملة، رفعة رأسها قليلاً و قالت :«ماذا إن وصلتنا الغارات الجوية؟»، هززتُ رأسي نفياً و قلت:«نحنُ أتينا من عام ٢٠١٨،و قد علمنا أن الحرب ستنتهي في عام ١٩٤٥،ثم إننا في الريف و نحنُ في منطقةٍ بعيدة عن العاصمة و لن تصلنا هذه الغاراتُ الجوية، فلا تقلقي».
توقفت عن ذرف دموعها، ولا أزالُ محتظنتاً جسمها إلي، لم يطل الأمر حتى أبتعدت و مسحت وجهها بكلتا يديها، ثم همست لي و كأنها تخشى أن يسمعهُ أحدهم :«هل أنتي متأكدة أننا سوف نعود في أسرع وقت».
هززتُ رأسي مأكدةً أننا سوف نعود و في أسرع وقت.
أنقضى الجزء الأول من يوم الثلاثاء بسرعة، و مع كل ساعةٍ تذهب تزدادُ وتيرتُ الحماس عندي، و يصاحبني خوفٌ غريب من المجهول، كنت أمشي في حديقة القصر الخلفية، أما ليان فقد تناولت كتاباً أخبرتني أن توماس أحظره بهدف قتل الوقت الفارغ، و درة أقترحت مساعدت أليس في تحضير العشاء، و قد حذرتها من التفوه بأشياء ليست من زمنهم؛ فأليس تستطيعُ جرفكَ معها إلى الثرثرة و قد لا تدركُ ما تتفوه به.
الملفتُ في حديقة القصر هي تلك الأشجار على جانبيها، تفرعت جذوعها وهي تحملُ الأوراق عليها، مع كلِ شجرةٍ كنتُ ألقي نظرتاً للأعلى لأتفاجأ بعشٍ أو عشينِ لطيور، أنتهت جولتي و عدتُ إلى تلك المنضدة و جلستُ على أحدِ مقاعدها، مرت دقائقُ حتى سمعتُ البابَ الذي يقبعُ خلفي قد فتح، لم ألتفت لأتعرف على هوية الشخص، إلا أنه قد أخذَ له مقعداً وجلس عليه، أتضحَ أنهُ ألفريد و أظنهُ قد أنهى عمله فخرجَ لستنشاقِ بعض الهواء، تحدث مباشراتاً بدونِ مقدمات ولم يأبه بأن صوتهُ يمكنُ سماعه إذ ماكان بقربنا أحد :«لا تنسي ما أتفقنا عليه!».
فأجبت:«سأكونُ في الموعدِ».
ولم يكن هناكَ الكثير لنتحدث فيه، و أظنهُ عندما تذكر ما حصل بعد الغداء، أراد أن يشبعَ فضوله، فسأل إن كان قد حدث شيئٌ في غيابهم، فنفيتُ برأسي مستغربتاً سؤاله، أراد التعمق فقال بعد أن أستطاع إجاد الكلماتِ المناسبة على ما أظن :«ذكرت أنسة ليان أنكِ قد ألمتكِ معدتكِ؟».
نظرتُ لهُ لوهلة، قبل أن أجيبَ بقتضاب :«أه، أجل وقد تحسنتُ الأن».
أحسَ بالأحراجِ من سؤاله، فستدار إلى الجهةِ المقابلة له، ولاذ بالصمت.
ولما جاء وقتُ زوالِ الشمس، وبداية الليل، دخلنا إلى الداخل وتناولنا العشاء في صمت، أعدت درة و أليس و آني الكثير من الأطباق، أُجبِرْتُ على تناولِ صحنٍ من كلِ طبق - لإرضاءِ درة، ولم يسلم البقية كذلك، وقد أثنى ويليام على كل طبقٍ تناوله، و أظن أن درة قد سعدت بذلك وتناست الحزن الذي أحتلها.
مضى الوقت سريعاً، فخلدتا إلى النوم في الساعة التاسعة.
الساعة.. ١١:٢٥
أستيقضتُ بعد حلمٍ سيئ للغاية، هز كياني و أشعرني بالخوف، ركزتُ على الساعة لأستطيع تحديد الوقت، قفزتُ من السرير كالمصعوقة عندما أستطعتُ تحديدها، ولم يتبقى على الموعد سوى خمس دقائق، أسرعتُ إلى أخراج ثوب سبق و جهزته، نزلتُ بهدوء كي لا ألفتَ الأنتباه، ووضعتُ في سريري كومة من الثياب و غطيتها بالغطاء كي لا تشك شقيقتاي بشيئ إذ ما أستيقضت إحداهما.
فتحتُ بابَ المطبخ بهدوء، وجدتهُ ينظر من النافذة، إلتفت إلي و أشار إلى الباب المتحرك، أنتظرته إلى أن وصل و سحب حامل الشموع، لينزل الباب الخشبي للأسفل، نزلنا إلى القبو و قبل أن نتحرك إلى وسطه سحبَ عمودٌ معلق على الجدار، سمعتُ البابَ الخشبي وهو يعود ليلتصق بالجدار من جديد.
مشينا إلى وسط القبو، وعمَ صمتٌ المكان، حتى ألقى ألفريد معطفه على أحد الكراسي المقابلة للمكتبة، ثم نظرَ إلى مكتبته الضخمة، الأنارة في القبو ليست قوية كفاية لأنارته بالكامل، فقط المكتبة هي من تأخذ النسبة الأعلى من الأنارة،
تمتم ألفريد قائلاً:«كيف سأبدا؟»
نظرتُ إليه منتظرتاً تفسيراً لكلِ هذا، ولكنه أخذ كرسياً وجلس عليه، وقال :«خذي كرسياً فهناك حديثٌ هام يجبُ علينا التحدثُ فيه».
أخذتُ كرسياً و جلستُ مقابلاً له،
فقال:«الأمر ليس كما تعتقدين، قد يأخذُ أياماً أو أسابيعاً أو يصلُ إلى أشهر». وزم شفتيه وهو ينتظرُ رداً على حديثه، فقلتُ بعد وهلةٍ من التفكير :«لا بأس، إذ أنهُ سوف يساعدنا على العودة».
فأضاف و هو يعقد حاجباه :«أنتِ من عام ٢٠١٨، أليس كذلك؟».
تفاجأتُ من سؤاله، فهززتُ رأسي "بنعم"، فستأنف، وكأنه يجيب على تساؤلاتي :«لقد علمتُ هذا عندما دخلتُ تلك الليلة، وخبط بيده على ساقه، اللعنة!، كلُ هذا بسبب تلك الغبيات».
نظرتُ له متسائلة، فسألته بعد تردد:«هل تقصد بنات ليدل؟».
- أجل
-ولكن.. كيف لهن أن...؟
قاطعني عندما قام من كرسيه، و ذهب إلى المكتبة، ينفس عن غضبه الشديد، قمت و خطوتِ إلى أن وصلتُ إلى موقعه،
- طبعاً هناك مسافة بينهما -
تفحصتُ الكتب الموضوعة بعيني، لم تختلف عن بعظها في تلك الأغلفة، ولكنَ العناوين خاصتها بدتْ محيرة، لمستُ كتاباً بغلافٍ أحمرَ قاني، أخذتهُ وتفحصتُ غلافه السميك، نظر ألفريد إلى الكتابِ بين يدي، وقال : «هذا الكتاب قد كتبه والدي قبل خمسة عشر سنة».
فتحتُ الكتاب، وقد صعبَ علي قراءة ما كتب فيه، بالحبر الأسود، فتطرد ألفريد :«أظنكِ تتسائلين لما كلُ هذه الكتب مخفيةٌ هنا ؟».
فقلت:«نعم، أعني أنك تحرصُ على عدم معرفةِ أحدٍ بها، بستثنا... ».
صمتُ وأنا أتظاهَرُ بقراءة شيئ، فأكمل هو :« بستثنائكِ!، أجل، هذا إرثُ عائلتي، معَ أنهُ قد أؤسس على يدي والدي، وقد أستخدمه لجلب والدتي من زمنٍ مختلف».
نطق جملتهُ بهدوءٍ تام و هو يحدق بالمكتبة أمامه، أغلقتُ الكتاب الذي بين يدي، وقلت :«هل.. هل كانت والدتك من زمنٍ مختلف؟».
هز رأسهُ بالإجابِ، و قال:« كان أبي نابغة في علمِ الفيزياء و قد كانت له فكرة تفرد بها عن باقي أفراد محيطه، وهي السفر عبرَ الزمن! ».
فقلت متسائلة و أنا أقلبُ الكتاب بين يدي :«ولكن.. ماعلاقةُ بنات ليدل - كما تدعيهن-بدوامة الزمن؟».
ظل صامتاً يفكر في جوابه، إلى أن نطق بتمهل شديد، وكأنه يحثُ الكلمات على الخروج:«القصر الذي تعرفينه، و تقيمين فيه، أشتريته قبل ٣سنوات، وقد أستقررتُ فيه قبل شهرٍ من الأن، و قد كان يعود إلى ليدل، وهذا الشخص يكنُ لوالدي الصداقة و الأخوة كما كان يقولُ والدي، وقد بايعني هذا القصر بعد أن كان يوشك على الأفلاس». أخذ يلتقطُ أنفاسه ثم ألتفت إلي وقال و الجدية تعلو وجهه :«سأخبرك سرٍ لم أخبره أحد من قبل، لذلك عليكِ صون لسانك جيداً و عدم أخبار أي أحد حتى شقيقتاكِ، أو حتى إن عدتي إلي زمنك!».
فقلتُ له و أنا أزيد من قبضتي على الكتاب :«وعد!».
وستطرد :«بشرط أن أتزوج من أبنته أمانتين! ».
صدرت شهقةٌ مني و لم أعي ذلك، إلا عندما نظر لي مستغرباً، فحمحمتُ و نظرتُ إلى الكتاب بين يدي، ثم تذكرتُ أمراً، فسألته بدون تردد:«ألهذا كنت تظن أني أمانتين تلك الليلة؟».
لم ألقى جواباً، فرفعتُ رأسي لأجدهُ شارداً ولم ينبس ببنتِ شفة، قمتُ بمد يدي لإرجاع الكتاب، ولكنه قال :«مهلاً !، نحنُ نحتاجه». توقفت يدي قبل إدخاله، فتناولهُ مني، وتجاهل سؤالي كلياً، ظل يقلب الصفحات وهو يتمتم، "بأجل أو لا"، حتى أستقر على صفحة خربش عليها بالحبر الأسود، ورسم فيها رسمة لدائرة أو دوامة كما رأيتها و بها الكثير من البيانات.
- كانت بناتُ ليدل يترددنَ إلى القصر كثيراً قبل أن أستقر فيه، فهن قد ترعرعن هنا منذ صغرهن، لم أكن قبل ٣ سنوات قد نقلتُ متاع والدي إلى هنا، و بالصدفة عندما جئتُ إلى هنا برفقة أمانتين أخبرتني عن هذا البهو، و أرتني إياه، ثم إن أمانتين فتاةٌ طائشة و تملك جرأة كبيرة، و تمتلك شعراً أحمر مائلٌ للبرتقالي.
وضحك ضحكةً قصيرة، فتسائلتُ في نفسي ما الملفت في الشعر الأحمر، «دائماً ما كانت والدتي تقولُ عنها أنها إحدى فتيات إرلندا شديدات الجرأة، و دائماً ما يكون عندهن رأيٌ مستقل»
فقلتُ معقبتاً على جملتهِ الأخيرة :«جميع الفتيات يمتلكن رأيً مستقل!».
هز رأسه وقال :«خصوصاً أنتن، الفتيات العربيات...».
- عفواً، أجل نحنُ نملك رأياً مستقلاً و لكن تذكر أننا جئنا من الحاضر».
كتم ضحكته بصعوبة، وعندما أدركتُ خطأي شحب وجهي و تدلى فكي، فقال و هو يقتني أحد الكتب :«لقد كان حدسي في محله، من الرائع مقابلةُ فتياتٍ عربيات، لمَ لا تسمعيني بعض الكلمات العربية؟».
تجاهلتُ طلبه، و أنا أراقب المكتبة و أحاول أن أجد كتاباً قد يساعدنا، ثم قال :«لا بأس إن لم تريدي، ولكن عليكِ أخباري عن موقعكن من الخريطة كي أستطيع العمل على إعادتكن».
أخذنا ما يقارب الخمسة عشر كتاباً، و كان كلها - على حسب قوله - مهمة للغاية، مع أني لم ألحظ أي تنوع فيهن، صففنا الكتب عند تلك الكراسي، ثم أتجه ألفريد بخطى سريعة إلى الجانب المظلم من البهو و سمعتُ صوتَ مقبس كهربائي، ثم أضاء تلك المنطقة من البهو لتظهر منضدة ضخمة و طويلة ممتدة على طول المنطقة تلك من البهو، ذهب ألفريد خلفها و أخرج طاولة صغيرة و أحظرها إلى حيث نجلس، ووضعنا الكتب عليها، أمرني بتفقد الكتب الخمسة التي أعطاني إياها، و عندما كنت أقلبُ صفحاتِ أحداها، قفز لعقلي سؤالٌ غريب! ، و الغريب أني سألتُ ألفريد دون التفكير فيه :
-هل حقا ستقبل بشرط السيد ليدل ذلك؟.
رفعتُ عيني إليه، ولا يزال يقلب صفحات كتابٍ تناوله ُ قبل قليل، أعتذرتُ له كون السؤال لا يجب علي طرحه له، فقال و قد أحتل الجفاء صوته:«لا أعلمُ يا أنسة سوسن، أرجو من الرب أن يفتح لي باباً أفضل من هذا».
-أرجو ذلك. همستُ بخفوت، و أكملتُ ما أعملُ عليه، بعد حوالي عشر دقائق، تغيرت ملامحُ ألفريد و قد بهجت، نظرتُ له، و أتمنى أن ما في قلبي قد تحقق، قال وقد رفع عينيه لي، وبصوت تجلى فيه نبرة السعادة قال : ... .
🌟🌟
مرحباً
الفصل العاشر أخذ مني الكثير من الوقت لكتابته
ووضع أفكار متسلسلة فيه، و أخذ أيضاً الكثير من الوقت لكتابته في الواتباد.
・・
بعد أن قرأتوا الفصل طبعاً
ما هو الجزء الملفت أو الذي جعلكم تندهشون كثيراً؟؟
-الأجابة إجباري -
😊
..
نلتقي في الفصل ١١و الأخير بأذن الله
❤️❤️
Коментарі