المركز التجاري
حفل التخرج
دوامة الزمن
القصر ||1 ||
القصر ||2||
مساعدة
أصدقاء
مفجأة
القبو السري
حقائق غريبة
مساعدة
أنتقلنا إلى غرفة في الطابق العلوي، أظن أن إنتقالنا إلى أعلى أحدث ضجةً في القصر ولكن لم أئبه بذلك، كانت الغرفة التي أنتقلنا إليها مكونة من ثلاث أسرة ذات سقفٍ حريري مزركش بخيوط بيضاء بارزة، وكأنما أعدت من قبل لنا، ما أثار حيرتي وجود الكثير من الملابس النسائية في خزانة تلك الغرفة وقد كانت رائعة، شعرتُ أن ليان أستراحت فيها عندما قالت : إن هواء هذه الغرفة أفضل من تلك التي بالأسفل.
فيما علقت درة على تلك النافذة المطلة على غروب الشمس بأنها تعرض لوحة إلاهية لطالما أرادت أن تراها، ومنذ تلك الليلة لم أسمع صوت بكاء آت من غرفة مضيفنا.

أشرقت شمس صباح اليوم الثالث، ولا زلنا عالقين في ذلك الزمن، كانت أختاي تغطان في نوم عميق، لم أرد أن أزعجهن، فذهبتُ إلى النافذة و أزحت الستارة قليلاً عنها، لأطلع على الجهة الخلفية من القصر، لقد رأيتُ رجلً يقام بعض الشجيرات على أطراف السور، وهناك بالقربِ منه كومة من الأوراق المتساقطة، بدت يافعة ومورقة تلك الأشجار، الجو باردٌ للغاية، فقد أكتست النافذة بطبقة من الجليد الخفيف، حدثتُ نفسي قائلة:"أظن أنا في بدايات الشتاء".

بعد ساعتين من أستيقاضي، صحت أختاي على زقزقة إحدى العصافير، فقالت ليان بنزعاج: "كم أود أن أمسكك وأنتزع كل ريشة تمتلكها أيها الطائر! ". أبتسمتُ لها وقلت :يالكِ من كسولة، إن الساعة توشك أن تكون الحادية عشر صباحاً.
فيما لمحت بعض التفائل في عيني درة وهي تتأمل النافذة، وأثناء مجادلتنا أنا وليان، هتفت درة:فل تصمتا!.
قالتها بدهشة أمتزجت بالفرحة، فقلت: ماذا هناك يا درة؟.
فقالت بعد صمت: أسمعُ صهيل حصان.
ردت عليها ليان لا مبالية : أه، إذاً سوف أراكِ تجرين نحوه!.
فشتاح درة غضباً، لاحظتُ أنها كتمته بصعوبة، وقالت : كفي عن السخرية!.
لم تلقِ لها ليان إلا أبتسامة تزيدها أستفزازاً، و خلت الحمام، قلتُ لها : لا داعي لكل هذه الأقوال، هي تريد أن تنفعلي فقط.
فقالت: لا بأس، أنا أعلم بذلك.
ومن ثم طأطأت برأسها وكأنها تفكر في شيئ، ثم قالت :ما رأيك أن نذهب لنراها!.
فقلت :نرى!؟، من نرى؟.
فردت علي : الخيول، أنا متأكدة أن لديهم أسطبلاً للخيول.
ثم قطعت حديثنا خروج ليان من الحمام، فقالت لدرة، وقد سمعت حديثنا : كيف لك أن تفكري في هذا، ونحن الأن نبيت مع أشخاصٍ لا تعرفهم حق المعرفة!.
فردت درة: ليس بالضرورة أن تأتي.
ثم قفزت من على سرير، وأتجهت إلى الحمام لتبديل ملابسها، فقلت لليان: كفاكما عناداً، أنتما الأثنتان، لم تعودا صغيرين. أغلقت درة الباب بالقوة، فصرخت ليان عليها: "حمقاء".
فيما تأففت أنا، فكلامي لا يجدي نفعاً معهما.
كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر والنصف، وكانت زفرات درة المكتئبة هي اللحن الذي يعزف في تلك الغرفة، وليان وقفت تتأمل النافذة في صمت بينما كنت أتفقد الخزانة، وأرى تلك الأثواب الغالية، بعدها سمعتُ درة تخاطبنا: هيا، لقد قضينا معظم الصباح هنا ألا يحقُ لنا الخروجُ قليلاً.
فقلتُ مؤيدتاً كلام درة: أجل، يجدرُ بنا ذلك.
فتذمرت ليان: يبدو أن الكل قد نسانى فجأة.
فقتربت من النافذة في صمت وراقبت مع ليان ، لا تزال كومة الأوراق في مكانها، عدا أن الشمس أنتصفت في قبة السماء.

سرت رعشةٌ في جسدي وأنا أسمع خطوات ثقيلة تتجه إلى الغرفة، مالبثت إلى أن سمعتُ طرقاً على الباب، وأتجهت درة مسرعة لفتحه، فجريت بتجاهِها قبل أن تصل و أمسكتها من يدها وقلتُ لها هامسة : أنا من سأفتح الباب.
فتحت الباب لأجده يقف بقامته الفارعة وهندامه المميز، نظر إلى لوهلة ثم قال: صباحُ الخير يا أنسة، أو أقول مساء الخير؟.
فأجبته :أوه، لا تزال الساعة الحادية عشر.
حلت لحظات صمت مهيبة قبل أن يقول : إعتبرن المنزل منزلكن، ولا تترددن في الخروج من الغرفة.
ثم أستدار عائداً من حيث أتى، كانت إشارة منه كي نتبعه، بالفعل فقد أطلت أختاي برأسيهما وهمست لي ليان: هيا تحركي.
تحركت وراءه مبتعدة عنه قرابت ثلاث خطوات، وليان ودرة تتبعانني.
تبعناه إلى ذلك الممر القصير، ثم توقف فتوقفنا، ونادى على أليس فجاءت مهرولة من ذلك الباب ورأيتُ أن أنفاسها متقطة، فأخبرتها بكلماتٍ موجزة :فل تذهبي لقطف الفطر من تلك المنطقة. هزت رأسها وهي فاهمة، ثم ألتفت إلينا، موجهاً حديثة لأليس : وأكرمي ضيفاتنا الخجولات. ومن ثم أسرع الخطى وهو يجتازنا إلى الباب الرئيسي.

تبعنا أليس إلى الباب ثم وجدنا أنفسنا، مقابل باحت القصر الجميلة، والمعبدة، والتي زينتها بعض الشجيرات المورقة، جلسنا على مائدة مستديرة وقد أتخذنا الكراسي القريبة من بعضها البعض، تأملت ليان تلك الأشجار وكأنما تشكر الله على هذه النعمة، وأنا ودرة بدأنا بتصور الخيول التي يمتلكونها في الأسطبل، كان الريف هادئ للغاية، صوت الطبيعة هو ماجعله منعشاً، لولا ذالك القلق الذي لم أجد سببه كان يأتيني بين لحظتٍ وأخرى.
أعدت أليس الشاي، و قدمته في كؤوسٍ لنا، وأنظمت إلينا أيضاً أني إلى المائدة، أخذتنا أسئلتنا حول الريف، كنت أريد أن أجمع أكثر كمية من المعلومات عما يدور حولنا، فقد ألتقطت من ثرثرت أليس الكثير، وتوجستُ خيفة من تلك العجوز التي بقربها، فهي لم تكف عن إلقاء النظرات المتعالية والتي توحي بالهيبة، وكانت إذا سألتُ سؤالاً إليها تعمدت تجاهلي وعدم الرد علي وأستمرت هكذا حتى تقوم أليس بلكزها مذكرتاً إليها بوجودنا.
حال أنتهائنا، أستأذنت العجوز في النهوض بحجت أن عندها أعمالاً تود أن تنجزها،و كرة أليس أيضاً بها.

بعد ذهاب أني، تمتمت أليس: يجبُ علي أن أقطف الفطر من تلك المنطقة. فسألتها : أتريدين صحبة؟،صمت أليس، وهي تفكر ثم هزة رأسها موافقة وهي تقول :لا بأس في صحبة يا سوسن، مادمتِ تريدين.
وأنصرفت، تذمر ليان فور ذهابها وقالت: سوسن، فكري قليلاً ولو للحظة... . قاطعتها غاضبة : ماذا الأن يا ليان؟!، دعينا نكتشف فلعلنا نجدُ طريقة للخروج والعودة من هذا الزمن.
ضمت يديها إلى صدرها، وكان قراري أن أذهب مع أليس، فسألت درة إن أرادة أن تذهب معي، فأجابت أنها لا تريد، فتخذت قراري أن أذهب بنفسي.

أرتدينا قبعات تغطي رؤوسنا من أشعت الشمس، وأنطلقنا حاملين سلتين، يكفيان لجمع الفطر، وأتخذنا مسارنا من الطريق الترابي، الذي يقودنا إلى الغابة الكثيفة.
سألت أليس ونحن نمشي :هل يحب سيدك الفطر؟ أم أن له حاجة في الطعام فقط؟.
فأجابت أليس : على مايبدو، فالسيد ألفريد يحب الفطر، وهو يتناول حساء الفطر بشكل شبه يومي، دائماً يقول أنه يساعده على تهدئة أعصابه.
ثم ساد صمت إلى أن وصلنا إلى أعتاب الغابة الكثيفة، فلم يسبق لي أن رأيت غابة كثيفة كهذه، تبعت أليس التي شقت طريقها عبر الأشجار إلى مساحة مفتوحة، تخترقها أشعة الشمس وفي وسطها بضع عائلات فطر.

شرعنا في قطف الفطر، الذي تباينت ألوانه بين الأبيض إلى البنى الفاتح، عينا أليس أصبحنا يقضتان وهي تختار الفطر الصالح للأكل، كانت تشير إلي وهي تصف الفطر الصالح، أمتلئت سلتينا بالفطر، وههممنا بالعودة لولا رائحةٌ أشعرتنا بالقلق، أستدرنا ونحن نتمنى ألا يكون مانتوقع، لتهتف أليس :حريق!!.
كان قريباً منا للغاية، لم نعلم من أين أتى أو كيف، حركنا ساقينا عائدتين، أنفسنا تتسارع ونحن نزيد من سرعتنا في الجري، "اللعنة!"، هتفت أليس عندما سقطت شجرة عملاقة أمامنا وصدت الطريق أمامنا، صرخت عليها قائلة :فل تستديري، ولكن النار كانت أسرع في الأشتعال، تكاد قدماي تسقطان من هول ما أرى، الحشائش أحترقت وأصبحت رماداً تحت ألسنة اللهب، التي أحاطتنا في دائرة محكمة القفل، ماكان منا إلا أن صرخنا مستغيثين بالنجدة من القصر، أصبحت المساحة المتاحة لنا لا تتعدى المترين على الأقل، كل ما كان يدور في خلدي هو الرجوع سالمة إلى شقيقتاي ، بضع دقائق مرة لأسمع صوت غريباً كصوت عجلات خشبية تجرها الأحصنة، ثم سمعت صوت رجل مألوف : "فل تقترب يا ويلسون من النار" .
وصوت أخر لا أدري من صاحبه يقول : " أمرك".
نظرت لأليس، عيناها تحملان بعض الأمل، ماكدتُ أشيح بوجهي للأرى المياه تندفع من الأعلى، تقفز في الهواء إلى ألسنة اللهب المشتعلة، أستمر الوضع إلى أن خمدت النار، وبدأت تفوح رائحت العشب المحترق، بقت الشجرة التي سقطت تشتعل فيها النيران في بعض أماكن منها، ثم وقعت عيناي على تلك العربة، لتتقدم أليس إليها وهي ممسكة بيدي، فقفز من مؤخرتها سيدها، يسألها في قلق : " هل تأذيتي"، هزت رأسها نفسياً، شكرةُ الله في سري على هذه المعجزة التي أنقذتنا، إنتبه إلي بذهول، فهتف سريعاً:" أنسة،.. هل أصابك مكروه؟." فأجبته بهدوء: "كلا". ليهز رأسه ويصعد إلى العربة، هناك في مقدمتها جلس رجلٌ أخر يمسك بحبلين رفيعين مربوطين على لجام حصانين، لم ينطق بكلمة، حينما أشار إليه السيد ألفريد بالمضي سريعاً،بعد أن أحمد النيران من على الشجرة، جرى الحصانين سريعاً، بينما قال لنا السيد ألفريد أنه لو لم ينسى تذكير أني بعملٍ مهم لما كان سيرى الدخان المتصاعد من الغابة، ليجري مسرعاً إلى العربة، شعرت بأليس وهي تنقل بصرها، وكأنها تقول، "دائماً ما أفتخرُ بسيدي"، وصلنا إلى القصر سريعاً، فترجلنا من العربة، أستقبلتني شقيقتي بحظن أستمر لحظات، بينما أليس تساعد سيدها في جر تلك البراميل وتعبئتها بالماء، لم تمض نصف ساعة، حتى تأكدنا أن الغابة بخير.

- ليان، ماذا على وجهك؟، سألت ليان وأنا أمسك وجهها بكلتا يدي، أبعدتهما عن وجهها، لتقول بمرح: "حادثٌ فقط"، سألتها مجدداً، - وقد كنت قلقة من ردة فعلها -، "هل أذاك أحد؟، صحيح.. لقد تناولتِ دواءك هذا الصباح، و الأن... "، صمت بسرعة عندما دخلت أني بعجرفتها، نظرت لنا بدهشة وسألت: ماذا تفعلان هنا؟.
أجبتها بقتضاب، وأنا أسحب ليان لنخرج من هناك : لا شيئ يا أني. وأغلقتُ الباب، كانت تقف درة في الخارج قرب خيل بيضاء جميلة، أسرعت تسحبني أنا و ليان وهي تقول : أنظرا إلى هذه الجميلة! .
أبتسمت وأنا ألمس شعرها الذهبي، أردفت درة :إنها خيل هجين،...، و ذكرة الكثير من مميزاتها، ثم قالت شيئ لفت أنتباهي وأخفى أبتسامتي، لأنظر إلى ليان مستفسرة، منتظرتاً إجابتها، قالت ليان بضجر لم أعهده في شخصيتها : إن الأمر ليس مهماً يا سوسن، لقد كنت أمشي في الحشائش الطويلة، وأشارت إليها بأصبعها، وأكملت : عندما ذهبتي أنتي و تلك الفتاة - لا أعرف اسمها تحديداً -، لقطف الفطر، كنت غاضبة ووددت لو أقتلعُ تلك الحشائش من مكانها دفعتاً واحدة، لم أرى ما أمامي عندما كنت أمشي في الحشائش الطويلة، لأتفاجئ بصخرة غريبة الشكل، دست عليها لا مالية لأشعر أنها طرية لا بل تملك ملمساً غريباً، ومن بين حلكة لونها ظهرت عينان صفراوتان على الجانبين ثم تأكدت أنها أفعى.
صرخت قائلة :أفعى!، هل.. هل عضتكِ؟.
هزت رأسها نفياً لتقول : كل مافكرتُ فيه هو الهرب، عدت أدراجي أهرول بأسرع ما يمكن، ولحسن حظي، ظهر من هذا الباب، ذلك المتعجرف، لاحظتُ سريعاً أنه يملكُ بندقية فضية أنعكسة عليها أشعت الشمس، لأصرخ قائلة له بأن أفعى تجري ورائي، وما إن خرجتُ من الحشائش حتى سمعتُ دوي صوت إطلاق رصاصة، لأنظر من الخلف و أرى أن الأفعى ترقد على بعد خطواتٍ قليلة مني، ودمائها تسيل على الأرض، أقترب منها و أبتسامة ساخرة على شفتيه، ركل الأفعى بقدمه، وقال مزمجراً: لا تقتربي من هذه الحشائش.

لم أدر من أين أتت لها تلك الكدمة، فقلت: ولكن.. ماذا يفسر الكدمة على وجهك؟.

-أه هذه، لقد تعثرت بصخرة فسقطتُ على صخرةٍ أخرى، لتضحك قليلاً، عندما كنت أقترب من درة.

مر اليوم بخير، إلى أن أنزلت الشمسُ ذيولها تجرها وهي تودع السماء التي سوف تكتسي بالسواد بعد دقائق من الأن، أنيرة المصابيح على جدران القصر، وصدحت الموسيقى الخافتة في أرجاءه، ولم تكف درة عن ذكر تلك الخيول التى رأتها برفقة ليان وبصحبتهما رجل ٌ، لقبته درة بالرجل ذو الطول المتوسط،
بينما ردة ليان عليها بسخرية :"كم مرة يجب على القول أن اسم الرجل هو ويليام!، يا درة" .
ولكن  درة تستمر في تجاهلها، والتحدث إلي، وأنا أحاول بصعوبة كتم تلك الضحكات التي فشلت بها في النهاية، ففكرت قليلاً وأنا أراقبهما وهما تفعلان حركاتهما الصبيانية، هل أثرت تلك الدوامة بنا، أو غيرت كيمياء جسمنا لدرجة كبيرة، فما عدت أشعر بالقلق عما يحدث في الزمن الأخر، ولا تزال فكرت السفر في الزمن غير مقبولة بالنسبة لي، فهي أشبه بتجربة مستحيلة صعبة التصديق.

© Papillon -,
книга «دوامة الزمن».
Коментарі