Prologue
Synopsis
Chapter One: اللمحة الاولى
Chapter Two: كشف الاسرار
Chapter Three: الخطوة الأولى
Chapter Four :خيوط العنكبوت
Chapter Five: الدعوة الى الشبكة
Chapter Six: في عرين الاسد
Chapter Seven: قواعد اللعبة
Chapter Eight: العرض
Chapter Nine:القرار و العواقب
Chapter Ten: العالم الجديد
Chapter Eleven: الصدى و الخضوع
Chapter Twelve: صدى السيطرة
Chapter Thirteen: دروس الاستسلام و الظلام
Chapter Fourteen: شبكة الخضوع و صمت اليأس
Chapter Fifteen: الخطوة الأولى نحو العمق
Chapter Sixteen: صياغة التعهد وأغلال غير مرئية
Chapter Seventeen: عوالم متشابكة
Chapter Eighteen:همسات السيطرة العارية
Chapter Nineteen: مرآة الجوع
Chapter Twenty: رفيق الظلال
Chapter Twenty One: أضواء خافتة و ظلال مألوفة
Chapter Twenty Two: خيوط الملكية
Chapter Twenty Three: "الخضوع المطلق "اختبار الولاء
Chapter Twenty Four: أسرار من الفردوس
Chapter Twenty Five: علامات خفية و بداية الشك
Chapter Twenty Six: نظرات متغيرة و هدايا معلنة
Chapter Twenty Seven:تساؤولات مؤرقة و ذوبان الشكوك في لمسات محرمة
Chapter Twenty Eight: اعتراف في غياهب الظلال
Chapter Twenty Nine: الصحوة المؤلمة
Chapter Thirty:قيود الخوف
Chapter Thirty One:روابط اعمق من القيود
Epilogue
Chapter Twenty Nine: الصحوة المؤلمة
دوى صوت إغلاق الباب خلف دومينيك، كطلقة نارية في الليل الصامت، يقطع هدوء الهواء البارد الذي استقبله خارج قصر ديمون. هرع دومينيك مبتعداً عن العتبة، خطواته متعثرة لكنها متسارعة، وكأنه يهرب من شبح يطارده. لم يتوقف لينظر إلى الوراء، فصورة ديمون الجامدة، ونظرته التي كانت تتأرجح بين الغضب والذهول، كانت محفورة في ذهنه. ركض، لا يعرف إلى أين يذهب تحديداً، لكنه كان بحاجة ماسة للابتعاد عن ذلك المكان، عن تلك الهالة التي كانت تخنقه. شعر بقلبه يرتعش في صدره، ليس من المجهود البدني، بل من دوامة المشاعر المتضاربة التي تتقاتل داخله. مزيج من الألم العميق، والغضب المرير، والحرية الهشة التي لم يختبرها منذ أن وطأت قدماه عالم ديمون.
عندما وصل إلى شقته، كان جسده يرتعش. أدار المفتاح في القفل بيد مرتعشة، ودفع الباب، ثم أغلقه بقوة وكأنه يختبئ من العالم بأسره. سقط على الأرض، يستند بظهره إلى الباب، ودفن وجهه بين ركبتيه. شهقات خافتة بدأت تنبعث منه، وتصاعدت إلى نحيب مكتوم. كان كل شيء مؤلماً. الحب الذي اعترف به، والذي ظن أنه حقيقي، أصبح الآن مجرد وهم، خديعة محكمة. صورة ديمون يبتسم لليو، تلك الابتسامة التي اعتقد دومينيك أنها حكر عليه وحده، والتي بدت له في تلك اللحظة حميمية بشكل مروع، كانت تحرق ذهنه. كيف يمكن لشخص أن يكون بهذا القدر من القسوة؟ أن يبني هذه العلاقة المزيفة، يجعله يصدق أنه الوحيد، ثم يظهر له هذا الوجه الآخر بوضوح؟ "خيانة..." تمتم دومينيك، والكلمة تحرق لسانه. كان هذا ما شعر به، جوهر ما حدث. لم يكن الأمر يتعلق بقواعد أو عقد، بل بقلبه الذي منحه بالكامل، ثم رأى من منحه له يشاركه مع آخر. تلك الحميمية، تلك اللمسات، تلك النظرات التي اعتبرها تعبيراً عن مشاعر ديمون العميقة... هل كانت مجرد أدوات؟ هل كان ديمون يستخدم الحب كآلية سيطرة؟
تذكر كلمات ديمون: "أنت ملكي. وهذا يعني أن عليك أن تثق بي، حتى عندما لا تفهم." ثم كلمات ليو: "أنه ليس كل ما يبدو عليه... إنه بارع في التلاعب." كانت هذه الكلمات تتردد الآن في رأسه، مصحوبة بديمون يبتسم لليو. لقد كان ليو محقاً. كان ديمون متلاعباً بارعاً، ودومينيك كان ضحيته الساذجة. في هذه اللحظة، شعر دومينيك بأن كل شعور بالحب لديمون قد تلوث. تحول إلى مزيج من الغضب والخذلان، وحتى الاشمئزاز من نفسه. لقد كان يشعر بالخجل من سذاجته، ومن كيف سمح لنفسه بالانغماس في هذا الوهم إلى هذه الدرجة. لقد تحدى ديمون، وهو يعلم أن هذا يعني كسر كل شيء. لكنه لم يستطع أن يستمر في العيش في كذبة. لقد كان إحساس الخيانة أكبر من قدرته على التحمل. كانت الغرفة مظلمة وباردة، ولكن الظلام في روح دومينيك كان أعمق. لم يكن لديه مكان آخر يذهب إليه، ولا أحد آخر يثق به. حتى ليو، صديقه، كان متورطًا بطريقة ما. فمجرد رؤيته مع ديمون، وابتسامة ديمون تلك، كانت كافية لتدمير ما كان دومينيك يعتقد أنه حقيقة. كان يتساءل بمرارة: هل كان ليو يعرف كل شيء ويخفي عنه؟ هل كانا يلعبان به معاً؟ أم أن ليو كان أيضاً ضحية لسيطرة ديمون بطريقة مختلفة؟ أياً كان الجواب، فإن الثقة قد تحطمت. كانت اللحظة لحظة كسر. كسر للقيود، وكسر للقلب، وكسر لأوهام استمرت لأسابيع. شعر دومينيك وكأنه تمزق إلى قسمين: جزء لا يزال يحن إلى دفء ديمون، وجزء آخر يرفض رفضاً قاطعاً أن يُخدع أكثر. كان هذا الانفصال، هذا الشرخ، هو أول خطوة حقيقية لدومينيك نحو استعادة ذاته، مهما كان الثمن مؤلماً.
فتح دومينيك عينيه ببطء، ليجد نفسه مستلقيًا على أرضية شقته الباردة، لا يزال مرتدياً ملابس الأمس. كانت أشعة الشمس الخافتة تتسرب عبر النافذة، لتكشف عن غبار متناثر في الهواء، وتعكس بؤساً يطابق ما يشعر به. لم يكن يذكر متى أو كيف غلبه النوم، لكنه استيقظ وشعور ثقيل بالخيانة والخذلان يطحن قلبه. لم تكن الكوابيس بحاجة إلى أن تأتيه في المنام؛ فقد عاشها يقظاً. صورة ديمون وليو في المقهى، وابتسامة ديمون النادرة التي اعتقد أنها ملكه وحده، كانت لا تزال محفورة في ذهنه، حية وواضحة كجرح غائر. كل لمسة، كل كلمة حانية من ديمون، كل لحظة "حميمة" اعتبرها دومينيك حبًا، بدت الآن مجرد تلاعب بارع، قناع لإخفاء حقيقة أقسى.
نهض دومينيك بصعوبة، جسده يؤلمه وكأنه خاض معركة عنيفة. كانت رأسه يدور، وشعور بالدوار يغشاه. لم يأكل شيئاً منذ يوم أمس، ولم يشرب سوى القليل من الماء. لم يستطع التفكير في الطعام، فكل ما استطاع فعله هو أن يجتر كلمات ديمون وتعبيراته، محاولاً فك شفرة الكذب الذي عاشه. ابتعد دومينيك عن الباب وذهب إلى الحمام. نظر إلى انعكاسه في المرآة: عيناه حمراوان ومنتفختان، هالات سوداء تحت عينيه، وجهه شاحب. لم يتعرف على نفسه. بدا وكأنه شبح، صورة باهتة للشخص الذي كان عليه قبل أن يدخل ديمون حياته. فتح الصنبور ورش وجهه بالماء البارد مراراً وتكراراً، كما لو أنه يحاول غسل الأكاذيب والآلام التي التصقت به. لكن الشعور بالخيانة لم يزُل. لقد كان عميقًا، متجذراً، ويهدد بإغراقه. مد يده إلى هاتفه، الذي كان ملقى على طاولة صغيرة بجوار سريره. تومض الشاشة بإشعارات متعددة: رسائل لم تُقرأ، ومكالمات فائتة. مرر إصبعه لتجاهل الإشعارات، لكنه توقف عند اسم ليو. كان ليو قد أرسل عدة رسائل، تلاها مكالمتان فائتتان. كل رسالة من ليو، الذي كان حتى الأمس أقرب أصدقائه، بدت الآن وكأنها جزء من المؤامرة. تذكر كيف أن ليو كان يحذره باستمرار من ديمون، وكيف أنه الآن رآه يبتسم له بتلك الطريقة. هل كانت تحذيرات ليو مجرد جزء من اللعبة؟ هل كان يحاول إبقاء دومينيك بالقرب منه، ربما ليكون جزءاً من خطة ديمون؟ لوهلة، شعر دومينيك برغبة يائسة في التواصل، في إيجاد بعض العزاء، ولو للحظة. لكن صورة ليو في المقهى مع ديمون طغت على كل شيء. كيف يمكن أن يتحدث معه الآن؟ ماذا سيقول؟ لا، لم يستطع. لم يكن هناك أحد يمكن الوثوق به. لا ديمون، ولا حتى ليو. ضغط على زر الطاقة، وأغلق الهاتف تماماً. على الرغم من الألم والإرهاق، دفع دومينيك نفسه للنهوض. كان لديه محاضرة هامة في الجامعة. لم يكن يستطع الاستسلام تماماً، فحياته الأكاديمية هي ملاذه الوحيد الآن، وشيء لا يمكن لديمون أن يسيطر عليه. ارتدى ملابسه، وتناول كوباً من الماء على عجل، ثم خرج من الشقة، والعالم الخارجي، بكل تعقيداته وأسراره، بدا خانقاً للغاية.
في الحرم الجامعي، كان كل وجه يراه يذكره بليو. كان يمشي بسرعة، يتجنب الممرات المزدحمة، ويلقي نظرات سريعة حوله، متفادياً أي احتمال بلقاء صديقه. كان قلبه ينقبض في كل مرة يرى فيها شبهاً لليو، أو يسمع صوتاً يشبه صوته. كان هذا التجنب مؤلماً بحد ذاته؛ فليو كان ركيزة أساسية في حياته، والآن أصبح مصدر شك وخوف. لم يمر وقت طويل حتى سمع صوتاً مألوفاً يناديه: "دومينيك! مهلاً، دومينيك!" تصلب جسد دومينيك. كان صوت ليو. شعر بقشعريرة تسري في عموده الفقري. لم يستدر. زادت خطواته سرعة، متظاهراً بأنه لم يسمع شيئاً. كان يعلم أن هذا جبن، لكنه لم يكن مستعداً للمواجهة. لم يكن لديه الكوابح العاطفية للتعامل مع ليو الآن، مع كل الأسئلة التي كانت تحوم حوله. "دومينيك، توقف! لماذا لا تجيب؟" تبع ليو خطاه، وصوته يقترب. أغمض دومينيك عينيه للحظة. الألم في صدره كان لا يطاق. لو استدار، لكان عليه أن يرى تعابير ليو، أن يواجه عينيه، وأن يكذب أو ينهار. لم يستطع. اخترق ممر جانبي ضيق، كاد يرتطم ببعض الطلاب، لكنه استمر في الاندفاع. كان ليو ينادي وراءه، لكن الصوت بدأ يخفت. حاول دومينيك التركيز في المحاضرة، لكن الكلمات كانت تتلاشى في ذهنه. كان عقله مشتتاً بين صورة ديمون وليو، وبين الأسئلة التي لا تنتهي عن الخيانة والتلاعب. كانت عيناه تتجولان في القاعة، قلقاً من أن يظهر ليو فجأة. شعر بالوحدة المطلقة، معزولاً ليس فقط عن ديمون، بل عن الشخص الوحيد الذي كان يفترض أن يكون ملجأه.
في خضم هذا الفراغ المؤلم، وجد دومينيك نفسه ينجرف بين اليأس ومحاولات يائسة للمضي قدمًا. أدرك أن الانغماس في الألم لن يغير شيئًا، وأن حياته لا يمكن أن تتوقف. حاول أن يجد العزاء في الروتين القديم، في الدراسة التي كانت دائمًا مصدرًا للاستقرار بالنسبة له. كان يقضي ساعات طويلة في غرفته، محاولاً إجبار نفسه على قراءة الكتب والمذكرات الجامعية. لكن الكلمات كانت تتراقص أمام عينيه بلا معنى، وعقله كان يهيم بعيدًا، يعود إلى الأمس القريب الذي تبدو أحداثه كعمر كامل. لم يكن يستطيع التركيز لفترات طويلة، فكلما حاول، كان شبح الخيانة يطارد أفكاره. توقف عن زيارة المقاهي أو أي أماكن اجتماعية. حتى الأكل أصبح مجرد ضرورة بيولوجية، يأكل أقل من المعتاد، يكتفي بوجبات سريعة أو ما يمكن إعداده بأقل جهد. لم يعد يجد متعة في الموسيقى، أو الأفلام، أو أي من هواياته السابقة. كل شيء بدا باهتاً وفقد بريقه.
كانت محاولاته للمضي قدمًا أشبه بالسباحة ضد تيار قوي. كان يخطط لجدول يومي صارم: استيقاظ مبكر، دراسة، مراجعة، تمارين رياضية خفيفة. لكن في الواقع، كان يستيقظ متأخراً، يتصفح هاتفه المغلق لبرهة، يتأمل في الفراغ، ثم يجبر نفسه على النهوض. كانت كل خطوة تتطلب جهدًا هائلاً. أكثر ما آلمه هو صمت لياليه. كان معتاداً على مكالمات ليو الطويلة، أو رسائله المليئة بالنكات والتفاصيل اليومية. الآن، لم يكن هناك شيء. هذا الصمت كان يصرخ في أذنيه، مذكراً إياه بأنه وحيد تماماً. كان يشعر بغضب كامن تجاه ليو، غضب يتنافس مع الألم. كيف يمكن لصديقه المقرب أن يتركه هكذا، دون أن يبذل جهدًا أكبر للوصول إليه، أو أن يفسر ما حدث؟ بدأ دومينيك يكتب. ليس رسائل، بل مجرد أفكار مبعثرة في دفتر ملاحظات قديم. كان يكتب عن الألم، عن الغضب، عن الخيانة. عن الفراغ الذي خلفه ديمون، وعن الخيبة التي شعر بها من ليو. كان هذا المتنفس الوحيد له، مساحة آمنة لتفريغ ما بداخله دون خوف من الحكم أو الرفض. كان يعلم أن هذا ليس كافيًا، وأن هذه ليست حياة. لكنه لم يمتلك القوة الكافية لتغيير أي شيء جذري. كان مجرد محاولة للبقاء على قيد الحياة يومًا بعد يوم، أملًا في أن يتلاشى الألم تدريجياً، أو أن يجد قوة جديدة لمواجهة الحقيقة المرة التي يعيشها. لقد أصبح عالمه صغيراً جداً، يضم فقط الألم، وذكريات الخيانة، ومحاولاته العبثية للشفاء في صمت.
ومع بزوغ فجر اليوم التالي، وعلى الرغم من اضطراب الليل الذي لم يترك لديمون هدوءاً، تبلور غضبه الخام إلى تصميم قاسٍ في جناحه الفخم. ظل ديمون جالساً على حافة سريره، لم ينم لحظة واحدة منذ أن غادر دومينيك الليلة الماضية. كانت آثاره ظاهرة في الغرفة: شرخ في الجدار حيث لكمه، وشظايا الزجاج المتناثرة من الكأس الذي رماه، والتي لم يكلف نفسه عناء تنظيفها. كانت تلك الشظايا تذكيراً ملموساً بالخسارة غير المسبقة التي تعرض لها، وبتمرد لم يجرؤ أحد على فعله قبلاً. تلك اللحظة، عندما تحدى دومينيك قبضته وغادر، كانت بمثابة إهانة شخصية لديمون لم يواجه مثلها قط. لم يكن الأمر يتعلق بفقدان خاضع فحسب، بل بفقدان شيء كان يعتقد أنه يمتلكه بالكامل. لقد استثمر فيه، صاغه، جعله يعترف بحبه، وكان يعتبره امتداداً لسلطته. والآن، هذا الامتداد قد تمرد عليه.
نهض ديمون ببطء، عيناه السوداوان تضيقتان بنظرة خطيرة. سار إلى النافذة، يحدق في الحديقة الواسعة أدناه دون أن يراها حقاً. كان عقله يعمل بسرعة، يراجع كل خطوة، كل كلمة قيلت. لقد ارتكب دومينيك خطأ فادحاً. لقد كسر القاعدة الذهبية: أن يثق في ديمون دون قيد أو شرط، حتى عندما لا يفهم. في وقت لاحق من ذلك اليوم، وبينما كان دومينيك يحاول عبثاً التركيز في دراسته، كان ديمون يجلس في مكتبه الفخم، يمسك بهاتفه. لم يكن يتصل ليدعو ليو إلى لقاء، بل ليستقي منه معلومات. كان يعرف أن ليو هو أقرب أصدقاء دومينيك، وأنه قد يكون لديه فكرة عن مكان اختبائه.
"ليو،" قال ديمون بصوته العميق، الذي كان يحمل نبرة ودية زائفة. "أتمنى أن تكون بخير. أردت فقط أن أسألك، هل رأيت دومينيك؟" كان هناك صمت قصير على الطرف الآخر من الخط. "لم أره منذ... منذ الليلة الماضية،" أجاب ليو بحذر، وبدت نبرته صادقة هذه المرة. "أنا قلق عليه جداً. هل هناك مشكلة؟ هل هو بخير؟" "مشكلة؟ لا، لا توجد مشكلة،" ضحك ديمون بخفة، لكن صوته كان يحمل تهديداً خفياً. "أنا فقط قلق عليه. لقد غادر فجأة، ولم يخبرني إلى أين ذهب. وأنت تعرف كم أنا أهتم به." "أنا متأكد أنه بخير،" قال ليو، وبدا صوته أكثر إقناعاً، كما لو أنه فعلاً لا يملك أي معلومة. "لقد حاول دومينيك تجنبي في الجامعة اليوم. لم يجب على رسائلي ولا مكالماتي. إنه يعزل نفسه، لا أعرف ما حدث بالضبط." شعر ديمون بموجة من الإحباط تتزايد. لم يكن ليو يكذب. دومينيك كان حقاً يختفي ويعزل نفسه عن الجميع، حتى عن صديقه المقرب. هذا التعقيد لم يكن جزءاً من خطته على الإطلاق. في تلك المرحلة، كان ديمون يعتبر تفاعلاته مع ليو مجرد استراتيجية بحتة، لا أكثر. حتى "الابتسامة" التي رآها دومينيك في المقهى، لم تكن سوى تكتيك بارد، قناع يرتديه لخدمة أغراضه. لم يكن ليو سوى أداة أخرى في ترسانة ديمون، مجرد وسيلة لإظهار قوة سيطرته أو لإثارة غيرة دومينيك. لم يكن ديمون يشعر بأي انجذاب حقيقي أو اهتمام بليو يتجاوز كونه مفتاحاً محتملاً لدومينيك. هذا التمييز كان واضحاً في ذهن ديمون: دومينيك كان فريداً، أما ليو فكان مجرد جزء من اللعبة الأكبر التي لم تكن مرضية بما فيه الكفاية.
مرت الأيام، وتحول غضب ديمون البارد إلى إحباط متزايد. لم يعد دومينيك. لم يتصل، لم يرسل رسالة، ولم يظهر في أي من الأماكن التي اعتاد التردد عليها. كانت شقته فارغة، وهاتفه مغلق. خطة ديمون الأولية، التي كانت تعتمد على استسلام دومينيك للوحدة والألم، بدأت تتزعزع. كان ديمون يجلس في مكتبه، يحدق في الشاشة التي تظهر حركة حسابات دومينيك المصرفية، وخططه الجامعية. لم يكن هناك نشاط غير طبيعي. لم يحاول سحب مبلغ كبير من المال، ولم يسجل في أي دورات جديدة، أو يحجز تذاكر سفر. بدا وكأن دومينيك قد اختفى في الهواء الرقيق، أو اختار أن يصبح غير مرئياً. الأهم من ذلك، كان صمت ليو. بعد المكالمة الهاتفية، لم يتصل ليو بديمون ليخبره بأي شيء عن دومينيك. هذه المرة، لم يكن صمت ليو يعزى إلى الكذب، بل إلى أنه فعلاً لا يملك معلومة، كما كشفت المكالمة الأخيرة. هذا الصمت، المقترن باختفاء دومينيك التام، أكد لديمون أن دومينيك لم يهرب ليلجأ إلى ليو، بل كان يعزل نفسه عن الجميع. شعر ديمون بغضب جديد يتصاعد داخله، لكن هذه المرة كان غضباً ممزوجاً بالذهول. هذا الفتى، الذي كان مجرد بيدق في لعبة ديمون الأكبر، بدأ يتحرك من تلقاء نفسه وبطرق غير متوقعة. كانت قدرة دومينيك على الصمود، هذا العناد، مفاجئاً لديمون، الذي اعتاد أن يرى الناس ينهارون أمامه.
في إحدى الليالي، بينما كان الصمت يلف أرجاء القصر، وعقل ديمون يغلي بالأفكار السوداء، شعر بحاجته الماسة للمحو هذا الشغف المؤلم الذي كان يستهلكه. لم يستطع تحمل فكرة بقاء دومينيك خارج سيطرته. في لحظة ضعف غير معهودة، لم يكن يفكر في استعادة دومينيك بقوة، بل في محو وجوده من عقله ولو مؤقتًا. رفع هاتفه واتصل بليو. لم يكن يريد منه معلومات عن دومينيك هذه المرة، بل كان يريد الهاءً. "ليو، تعال إلى هنا. أريد أن... نلعب قليلاً." قال ديمون بصوت خفيض، لا يحمل بريق السلطة المعتاد، بل كان ينم عن فراغ وقلق خفيين. ليو، الذي كان لا يزال خائفاً من ديمون، وصل بعد فترة وجيزة. بدأت "العبثية" بينهما. كان ديمون يحاول إجبار نفسه على التركيز، على إيجاد بعض المتعة أو السيطرة التي اعتاد عليها. لكن كل لمسة من ليو، كل نظرة، كانت تبدو باهتة ومجردة. لم يكن ديمون يرى في ليو إلا شكلاً فارغاً، كان يلمس ليو، يهمس في أذنه، لكن عقله كان يسافر بعيداً.
تتسلل إليه صور دومينيك: ضحكته الخجولة، عناده اللطيف، الطريقة التي كان يرتعش بها تحت لمسات ديمون، نظرة الخوف التي تحولت إلى ثقة ثم إلى حب. كان ديمون يتذكر كيف كان دومينيك يستجيب له بصدق، كيف كانت روحه تتفتح له، وكيف كان كل جزء من دومينيك ملكاً له. أما مع ليو، فكان يشعر بمسافة، بحاجز غير مرئي. لم تكن هناك تلك الشرارة، تلك المقاومة ثم الاستسلام الكامل الذي كان يمنحه إياه دومينيك. كان ديمون ينظر إلى عيني ليو، لكنه كان يرى انعكاس فشله. كان يشعر بغضب كامن تجاه ليو نفسه، ليس لذنب ارتكبه ليو، بل لكونه ليس دومينيك. لم يكن ديمون مسيطراً على أفكاره، على قلبه الذي كان يتوق إلى "ملكيته" المفقودة. كان يحاول أن يفرض هيمنته على ليو، لكن إحساسه الحقيقي بالسيطرة كان غائباً تماماً. كان يشعر بعدم اليقين، بالوهن الكامن، كأن شيئاً ما قد انكسر بداخله لا يمكن إصلاحه إلا بعودة دومينيك.
لاحظ ليو شرود ديمون، بريقه الغريب في عينيه. توقف ليو عن حركاته، ورفع رأسه ليحدق في وجه ديمون الذي بدا قاسياً ومرتبكاً في آن واحد. "ديمون؟" سأل ليو بصوت خفيض، مليء بالتردد والقلق. "هل أنت... بخير؟" لم يرد ديمون على الفور. كانت عيناه تحدقان في الفراغ، كما لو أنه لم يسمع السؤال. "ماذا حدث؟" أصر ليو، ولم يتمكن من إخفاء نبرة الاهتمام الحقيقية في صوته. "أنت لا تبدو على ما يرام. هناك شيء يزعجك." تصلبت ملامح ديمون. نظر إلى ليو بنظرة جليدية، عيناه تضيقان بخطر. "ليس من شأنك يا ليو." قال بصوت قاسٍ، خالٍ من أي عاطفة. كان هناك غضب خفي يتصاعد فيه. "دورك هنا هو الطاعة، لا طرح الأسئلة. ما يزعجني هو شأني أنا وحدي."
لكن ليو، هذه المرة، لم يرتدع. فقد رأى هشاشة ديمون، ونقطة ضعفه، وشعر بدفعة قوية لا يدرك مصدرها. "لا، هذا خطأ يا ديمون." قال ليو بصوت ثابت، مع قليل من الجرأة غير المتوقعة. "أنت لا يمكن أن تكون بخير بدون دومينيك. هذا واضح تماماً في عينيك. أنت تحبه، ديمون. أنت تحبه دون أن تدرك ذلك، وهذا يجعلك تنهار هكذا!" سقط الصمت في الغرفة كالصاعقة. اتسعت عينا ديمون للحظة، ليس بصدمة، بل بغضب جارف. لقد تجاوز ليو كل الحدود. كان تعبيره في تلك اللحظة وحشياً، كوحش جريح يُهاجم. "اخرج!" زأر ديمون، صوته يهتز بعنف مكبوت. لكم يده بقوة على الطاولة الزجاجية القريبة، مما أحدث صوتاً عالياً مدوياً. "اخرج من هنا قبل أن أجعل كل كلمة تفوهت بها تدمّرك!" تراجع ليو خطوة، وشعر بوخزة الألم من رفض ديمون الصريح، والخوف الشديد من غضبه الجامح. كان يعلم أن ديمون يمكن أن يكون قاسياً، لكن هذه المرة، كانت القسوة ممزوجة بشيء أعمق، باضطراب حقيقي لم يستطع ديمون إخفاءه. لم يقل ليو كلمة أخرى. استدار وغادر الغرفة على الفور، تاركاً ديمون واقفاً في منتصفها، محاطاً بفخامته وثرائه، لكنه كان يشعر بفراغ عميق، بفشل لم يختبره من قبل. عاد نظره إلى شظايا الزجاج على الأرض التي لم تُلملم بعد، ثم إلى صور دومينيك التي كانت تزين حوائط مكتبه. كانت عيناه تضيقان. "أنت ملكي يا دومينيك،" همس بصوت بالكاد مسموع، "وهذا لن يتغير. لكن كيف... كيف تعتقد أنك تستطيع الهروب؟" كانت الكلمات الأخيرة لا تحمل تهديداً قاطعاً، بل كانت أقرب إلى تساؤل مرير، ينم عن الارتباك الذي بدأ يتسلل إلى عقل ديمون المسيطر. هذا الشعور بالعجز عن التخلص من فكرة دومينيك، حتى في لحظات "اللهو"، كان أسوأ عقاب لديمون.
بعد أن أغلق الباب خلف ليو، لم يعد ديمون يعي شيئاً حوله. لم يرَ الغرفة الفخمة، ولا شظايا الزجاج التي لم يلملمها بعد. الكلمات التي نطق بها ليو كانت لا تزال تتردد في أذنيه، أقوى وأوضح من أي صدى: "أنت تحبه، ديمون. أنت تحبه دون أن تدرك ذلك." كلمة "حب" كانت كطلقة اخترقت درعه الذي لا يُقهر. الحب؟ ديمون لا يعرف الحب. ديمون يمتلك، يسيطر، يُخضِع. الحب كان ضعفاً، وهماً، عاطفة سخيفة للضعفاء. لكن لماذا شعر بهذا الغضب الشديد، هذا الرعب الخفي، عندما نُطقت الكلمة؟ لماذا كانت هذه الكلمات بالذات كافية لإثارة عاصفة في روحه لم يتمكن من احتوائها؟
ركع ديمون على الأرض، يده لا تزال ترتجف من لكمته على الطاولة. أغمض عينيه بقوة، محاولاً طرد صوت ليو، لكن الصوت لم يختفِ. بدأ يستعيد كل لحظة قضاها مع دومينيك. لم يكن مجرد خاضع. لم يكن مجرد جسد. كان هناك شيء آخر، شيء لم يستطع ديمون تسميته. هذه الحاجة الملحة لوجوده، هذا الفراغ الذي تركه غيابه، هذه الرغبة التي كانت تلتهمه ليست مجرد رغبة في السيطرة. "لا... لا يمكن أن يكون حباً،" تمتم ديمون، وصوته أجش، شبه مختنق. الحب يعني أن يعطي، أن يضحي، أن يشعر بالضعف. ديمون لم يكن مستعداً لذلك. لم يكن يريد ذلك. كل ما أراده هو دومينيك تحت قبضته، ملكه، تحت سيطرته الكاملة. لكن هل كان هذا بدافع الامتلاك فقط، أم أن هناك شيئاً أعمق؟
تذكر عيني دومينيك، كيف كانتا تتغيران من الخوف إلى الثقة، ثم إلى تلك النظرة التي اعتقد أنها حب. كان ديمون ينظر إلى تلك النظرة ويرى انعكاساً لنفسه، لسيطرته. لكن الآن، بعد كلمات ليو، بدأت تلك النظرات تأخذ معنى جديداً ومخيفاً. هل كان دومينيك يحبه فعلاً؟ وهل كان ديمون، بطريقة ملتوية ومضطربة، يبادله هذا الشعور؟ كانت هذه الفكرة مرفوضة تماماً. الحب يعني أن تكون محتاجاً، وديمون لا يحتاج أحداً. لكنه شعر بالحاجة إلى دومينيك بطريقة لم يشعر بها من قبل تجاه أي شخص أو أي شيء. كانت تلك الحاجة أقوى من أي رغبة في السيطرة. كانت تشلّه، تجعله يفقد تركيزه، وتجعل أفعاله مجنونة. هذا الشعور بالفراغ، كأن قطعة من روحه قد انتزعت، كان يفوق أي شعور بالغضب أو الإهانة. كان ديمون يدرك الآن أن هذا الاضطراب ليس مجرد غضب على تحدي سلطته. لقد كان شيئاً أعمق، شيئاً أشار إليه ليو بكل تهور. كان ديمون يكره هذه الكلمة، يكره ما تعنيه، لكنه لم يستطع أن ينكر الاضطراب الهائل الذي أحدثته في كيانه. لقد كان ليو قد زرع بذرة شك قاتلة في عقله، بذرة تتحدى كل ما بناه ديمون حول نفسه. "أنت ملكي يا دومينيك،" همس ديمون مجدداً، لكن هذه المرة، لم يكن صوته يحمل الغضب فحسب، بل كان ممزوجاً بمسحة من اليأس. "سأجعلك تعود... مهما كلف الأمر. وسأثبت أن ما أشعر به ليس حباً. إنه... إنه ملكية." لكن حتى وهو يتفوه بالكلمة، كان يشعر بأنها غير كافية، وأنها لا تصف الشغف المؤلم الذي كان يستهلكه من الداخل. كان هذا الصراع الداخلي أشد وطأة من أي مواجهة خارجية، وأقرب إلى بداية انهيار سيطرته المطلقة على نفسه

يتبع......

اذا اعجبكم الفصل لا تنسو تحطو فوت و كومنتس
© Minami Haruka,
книга «Fifty Shades Of Reed».
Chapter Thirty:قيود الخوف
Коментарі