11.
نهض لوي عن الارجوحة مجددا و سار بإتجاه الاشجار الكثيفه التي بجانبه، قرر هذه المرة ان يعود متأخرا لمكانه و يسير بالبلده.
سار بين البنايات القديمه بالبلده ناظرا للارض بتمعن، هو كان يحب الوحدة و لا زال يفعل.
ينظر للناس الذين يخترقون جسده كما لو انه شبح..لكن لحظه!
هو فعلا شبح، اربع سنوات مضت و لا زال لا يستطيع تقبل الحقيقه، الحقيقه التي صنعها هو بنفسه!
حقيقة انه انتحر، حقيقة بأن روحه بسبب ما فعل لا زالت عالقه في الارض، و لن تخرج منها الا اذا اكمل ما كان عليه فعله عندما كان على قيد الحياه.
ما كان عليه فعله كثير، كثير جدا، هو عليه ايضاح الكثير من الامور للكثير من الناس، عليه ارجاع القليل من الاموال لأشخاص كان قد اقترض منهم مسبقا، هو حتى انتحر قبل اطعام قطته..لذا نعم عليه اطعام قطته.
لا أحد يستطيع رؤيته إلا إذا أذن لهم بذلك، لكن من كان يعرفهم سابقا لا يمكنهم رؤيته حتى لو سمح لهم، لذا هذا جعل الامور أصعب قليلا..بل كثيرا، يستطيع لمس من يشاء و ما يشاء، لكن لا أحد يستطيع لمسه.
هو لم يثق إلا بهاري و على ذكر هاري عليه العودة و الآن.
دخل بزقاق مظلم و مسح دموعه لتذكره ما حدث في تلك الليلة قبل عشر سنوات، هو يأمل دوما العودة للماضي و عدم فعل ما فعله، لكن كيف؟ هذا مستحيل، نحن بالحاضر و هو قد مات..لذا لا امل!
-عوده للماضي قبل اربع سنوات-
يركض بالطرقات و دموعه تنهمر من عيناه، انها الثانية عشر الا خمس دقائق، خرج من منزله بعد ان تعرض للإهانة بسبب ما هو عليه، بسبب انه فقط لا ينجذب للجنس اللطيف.
هو لا يرى نفسه مع انثى بل مع ذكر، و يا الهي ما العيب بذلك، هي حياته فليعشها كما يرد!
وصل للحديقة و ارتكى على السور الاسود الحديدي أمام اأرجوحته المفضله هنا، اأمام مخبأه من الناس و من كرههم الغير مبرر.
بكى بحرقة عندما عادت كلمات والده تجول بعقله، نحيب و نواح عاليان خرجا منه، هو فقط سأم ما يحدث له، لا يقدر على التحمل مجددا.
اخرج شهقاته غير آبه ان كان احد قد رآه او سمعه، لا يهم ان اطلقوا عليه غدا بالمدرسه لقب الضعيف، الشاذ، المخنث، هو فقط سأم كل هذا.
مسح دموعه بكم قميصه المخطط الطويل، و ماذا ان ارتدى ملابس ملونه؟ ما به قميصه؟ هو فقط ابيض ذو اكمام طويله و خطوط افقيه زرقاء، و بنطاله احمر ضيق، هو احب ما يرتديه و لما عليه ان يغير نفسه لأجل الناس؟
تكور حول نفسه على الارض المبلوله، اشتدت الرياح حوله لتنشف دموعه، بينما اطراف العشب الناعمه راحت تداعب وجنته اليمنى بلطف.
استقر نظره على قطعة زجاج كانت امام وجهه، نظر لها مطولا بينما عقله يصفعه عما يفكر به، مد يده ليلمس كسرة الزجاج الحاده الخضراء، هو حزر انها زجاجة مشروب بسبب لونها.
اخذها بيده و وجلس مادا قدميه القصيرتان امامه، لعبت انامله بها و هو لا زال يفكر، أيحب علي فعلها ؟
هو حرفيا قد سأم، و لا يستطيع التحمل، لا احد سيفتقده إن مات، ماذا سيخسر ان فعلها؟ عمره؟ هو اصلا بلا حياة!
مسح دمعة اخيرة نزلت على وجنته و امسك اطرف الزجاجه الصغيره بين اصابعه، رفع يده اليسرى عاليا لينزل كمه الطويل كاشفا عن ذراعه الخاليه من العيوب، هي كانت سمراء باللون البرونزي دون وبرة شعر واحده.
وضع طرف الزجاجة الحاد فوق وريده تحديدا، هو سمع بأن شريط الحياة سيعرض بعد موتك تماما، لكن لما هو يعرض الآن؟
شهقة صغيرة هربت من بين شفتيه جعلته يدرك ما يفعله لكن كان قد فات الأوان حتما، هو فعلها هو قطع وريده، نظر للدم الذي يتدفق من يده بكثرة بشرود، ماذا فعل؟ هو لا يريد الموت بل الحياة، ربما الامور تتحسن بالمستقبل؟
اخذ طرف قميصه من الاسفل و غطى به يده بقوه، اراد النهوض و الصراخ و طلب المساعده، لكن الدوار قد غلبه.
شعر بكل شيء يدور حوله، رؤيته اصبحت ضبابيه، و رأسه ألمه بقوه، بدأ يشعر ببرودة الجو حوله اكثر من ذي قبل، فقد وعيه و هو خائر القوة امام السور الاسود.
لم يستغرق الامر سوى ساعة حتى فقد روحه.
-الحاضر-
آني عندما توفت مهمتها كانت حماية هاري، لكنها لم تنهها.
هي لم تمت بسبب سكتة قلبيه بشكل طبيعي، بل اصيبت بها بسبب تناولها لعلبة مسكنات مرة واحده، هي كانت قد علمت عن خيانة زوجها لها.
زوجها الذي احبته من ايام المرحلة المتوسطه بالمدرسه، زوجها الذي انجبت منه ابنها.
هي لم تستطع تحمل الفكره لذا هي فقط فعلت ما عليها فعله، او هذا ما ظنت!
حالما رآها لوي تجلس بجانب سلة المهملات في الزقاق جلس بجانبها، نظرت له مطولا قبل ان تتحدث.
"لما؟" سألت بإختصار لينظر لها لوي بإستغراب.
"لما ابني؟" حالما فهم لوي ما ترمي اليه هو شعر بشيء غريب يحدث داخله، شيء كان قد جربه عندما كان يتنفس، شيء كنبضات القلب!
"آني، إني أكن مشاعر له" تحدث لوي بغير إهتمام و ببرود كعادته لتضحك آني بسخريه.
"ارجوك مشاعر؟...نحن لا نملك مشاعر لوي، نحن ارواح دون اجساد" صرخت بنهاية كلامها لينظر لها لوي بوجه خالي من التعابير.
"لو حقا لا نملك مشاعر لما اذا لا زلت تهتمين لإبنك؟ لما لا زلت تحبينه و تشعرين بالخوف عليه؟ لما اذا بحق اللعنه بعثتني اليه و جعلت قلبي يتعلق به" صرخ الفتى بقوه شاعرا بألم محل قلبه.
"قلب؟ أفق لوي انا لست هاري، لا تمثل دور البشري امامي حسنا؟ انت ستعلق ابني بك و سوف يتأذى عندما يعلم بأنك لست بموجود حتى..هكذا انا لا احميه، و سأبقى للأبد هنا" قالت و هي تبكي بحرقة آسية على نفسها و على ابنها.
"انا احبه آني" همس لوي لتنفجر به آني.
"انت لا يمكنك ان تحب احد، انت ميت ليس لك وجود، ما اريد هو فقط ان تجعله يثق بنفسه مجددا، ان يكون هاري قديما و أن يأكل..ارجوك لوي هذا فقط حسنا بني؟" ترجت بنهاية كلامها ليومئ لوي لها مشيحا بنظره بعيدا عنها.
ابتسمت بحزن و حضنت الفتى من الخلف لتنزل دموعه بصمت، هو فعل هو اعجب بهاري و هذا دليل بأنه ليس خال من المشاعر، لذا لما يكملون قول هذا له؟
-اليوم التالي في منتصف الليل-
"لقد سبقتك اليوم" قال هاري حالما جلس لوي بجانبه ليبتسم الاكبر بتهكم.
نظر هاري لأصابع يديه المعقوده ببعضها مفكرا بأنه عليه الاعتراف الآن، ربما يسبقه احد و هو لا يريد لهذا ان يحدث لكن قبل ان يفتح فمه ليتفوه بخطابه الصغير سبقه لوي.
"انا ربما سأبتعد عن الحديقة لأسبوع" تحدث لوي غير ناظرا لهاري.
نظر هاري له بصدمة و قلق "لماذا؟" قال الاصغر بسرعه.
"فقط علي زيارة امي بمانشستر" تحدث لوي بهدوء، هو كذب على هاري مجددا و هذا جعله يشعر بالسوء اكثر، هو يحاول الابتعاد عن هاري ليبعد مشاعره الغبيه نحوه.
"اوه ظننت انه لأمر سيء" قال هاري بحزن، لا لوي لأسبوع هذا فال سيء، هذا يعني ان يؤجل اعترافه ليوم اخر.
"لا تقلق" تحدث لوي قبل ان يكمل "اريد منك ايصال شيء لبعض الاشخاص " انهى كلامه بتوتر.
"بالطبع اي شيء لك" قال هاري ليشعر لوي بالخجل؟ ما اللعنه الفتى يعيده للحياه!
"حسنا اريد منك ايصال هؤلاء الظروف للاشخاص بالعنوان" قال لوي و مد خمس ظروف بيضاء لهاري.
اخذهم هاري و اومئ للوي بإبتسامة كبيره "سأوصلهم غدا، أهذا جيد؟" سأل هاري بلطف ليومئ لوي و ابتسامة كبيرة على محياه جعلت قلب هاري يرفرف عاليا.
"شكرا لطيفي هذا يعني العالم لي" قال لوي بصدق، فهذا صحيح ان وصلت هذي الظروف روحه ستتحرر.
"لا شكر على واجب" قال هاري ليقترب منه لوي ببطء ممددا جسده، هو فقط طبع قبلة صغيرة على وجنت الفتى الاصغر.
لكن هذا كان كاف بقلب عالمه رأسا على عقب.
ابتعد لوي عن هاري ليرى بأن وجنتاه قد تصبغتا بالأحمر.
"شكرا" همس هاري بصوت بالكاد يسمع.
بعد فترة من الصمت تحدث هاري ليكسره "امم لوي؟ متى يمكنني مقابلتك صباحا؟" سأل هاري بصوت متوتر.
"اوه" هذا ما خرج من فم لوي قبل ان يجيب بعد مدة ليست بالقصيره.
"بعد ثلاث ايام الساعة الخامسه عصرا أهذا جيد؟" قال لوي ليومئ هاري بسرعه.
اعطى هاري هاتفه للوي ليكتب به العنوان و الساعة ليذكر هاري، هه و كأنه يستطيع النسيان!
"اذا لن اراك غدا؟" سأل هاري بعبوس ليعبس لوي ايضا.
"نعم اسف لطيفي" قال لوي ليومئ هاري بتفهم و بغير رضا.
"هل يمكنني ان اسألك شيء؟" سأل لوي فجأة ليومئ هاري عاقدا حاجبيه.
"ما افضل شيء تستطيع فعله او فعلته؟" سأل الفتى الاكبر ليعقد هاري حاحبيه مفكرا.
"لا اعلم...ربما القراءة؟" قال هاري .
اومئ لوي بشرود و نظر بعيدا للحظه قبل ان يسمع هاري يتحدث.
"و انت؟ ما افضل شيء تيستطيع فعله او فعلته؟" سأل هاري ليشرد لوي بالسور بحزن.
"اخبرتك كل يوم معلومة هاري..." قال لوي لينظر له هاري بترجي.
"لكن انت لم-...يا الهي هل تعتقد بأن سؤال اين ستذهب يعتبر معلومه؟" قال هاري بصوت عالي ليضحك لوي و هو يومئ.
نظر له هاري بحقد و هو يتمتم ب 'لعين' .
"علي الذهاب هارولد، هي قد اصبحت بالفعل الواحده" قال لوي و نهض عن ارجوحته آملا بأن لا يتجمع الدم حول قميصه الآن.
"حسنا" قال هاري بعبوس ليقترب منه لوي واقفا بين قدميه.
رفع لوي انامله و داعب بها وجنتا هاري ليغمض الفتى الاصغر عيناه، نظر له لوي لمده و اقترب منه اكثر طابعا قبلة طويلة على اذنه.
عض هاري على شفتيه شاعرا بأنه بالجنه، بدنه إقشعر بالكامل، من اخمص قدميه حتى فروة رأسه، هو لديه شهية لكل شيء الآن، الاكل، اللعب الدراسه..اصبح لديه شهية للحياة!
"اراك بعد ثلاثة ايام لطيفي" قال لوي مبتعدا عن هاري الذي يكاد يذوب.
"و- وداعا" قال هاري، او بالأحرى همس ليبتسم لوي ببلاهه مبتعدا عن الفتى الاصغر غائصا بين الاشجار مغرقا قلب و عقل هاري معه.
Коментарі