9.
"اوه هاري هل انت بخير؟" يسأل المعلم بين اصوات ضحكات طلاب الفصل ليومئ هاري حابسا دموعه، ركبته آلمته.
"زاك انت من فعلت ذلك..لمكتب المدير حالا!" يقول الاستاذ بحدة لزاك الذي توقف فجأة عن الضحك.
"ماذا؟ أتمزح معي؟ لم افعل شيئا هو فقط طويل جدا و لم يرى قدمي" يدافع زاك ليضحك الطلاب اكثر.
شعر هاري بروحه تخرج من حلقه، تلك الغصة البائسه التي تتجمع داخل حنجرتها تزداد، هو اراد إطلاقها..لكن اين؟
هنا بين طلاب فصله غير الودودين الجدد؟ انه انتحار علني..انه حتما كذلك.
هو فضل الصمت و الجلوس بالكرسي الاخير واضعا رأسه على الطاوله غير مهتما بمن حوله، قرر حبس دموعه و غصته لمنزله.
"زاك..الى الخارج حالا!" صاح الاستاذ لينتفض هاري، صوته عال.
صمت الفصل كاملا و نظر زاك لأستاذ الاحياء بحقد، نظرة قاتله.
نهض عن مقعده و مشى بجانب الاستاذ قاصدا ضرب كتفاهما معا.
تنهد الاستاذ و عاد لمكتبه واضعا علامة بجانب اسم هاري مسجلا حضوره للحصه.
...
يسير بينهم كالغريب، لأنه فعلا كذلك، هو لا يعرفهم و لا هم يعرفوه، ينظر حوله باحثا عن ممان يجلس به و رائع..لا يوجد مكان!
ليس و كأنه يريد ان يأكل، لكنه يريد الراحة هو متعب، قرر التوجه لحديقة المدرسه، على الاقل هو مكان هادئ.
بدأ بالسير ليخرج من مقهى المدرسة حالما وقف امامه مجموعة من الفتيان و فتاه!
"انظروا شباب برج خليفه بمدرستنا..ساره لطالما حلمتي بزيارة دبي و تفضلي دبي قد اتت اليك" يسخر زاك ناظرا لهاري من الاعلى للاسفل ليضحك جميع من في القاعه، ضحكة كانت مؤلمه لهاري، لكن الاهانه لم تكن كذلك حقا!
"اسمع ايها الغريب..هنا هذه المدرسه لا يحكمها مدير، بل انا افعل، لدينا قواعد عديده و اهمها لا تدخل المدرسه صانعا دور الفتى الاروع..حسنا بني؟" قال زاك واكزا هاري بصدره مستخدما سبابته.
نظر هاري للاسفل دون اجابة زاك، كرامته! لا يريد فقدان المزيد منها.
"هه يبدو انك لم تسمعني..قلت حسنا؟" صرخ جاك في نهاية كلامه الذي بدأ بالتهكم و السخريه.
جفل هاري و اومئ ايجابا ليبتسم زاك برضي مبعثرا شعر هاري، "جيد جدا..فتى الارجوحه".
ابتعد الفتى عن هاري ليغمض عيناه شاعرا بالدموع تتدفق على وجهه، اللعنه هو حتى لم يتحدث مع احد ما اللذي فعله لهذا الزاك !
خرج من قاعة الطعام و اخذ يجري في الممرات بحثا عن دورات المياه، اراد الهدوء و السكينه..اراد والده و اراد التحدث مع احد.
وجدها اخيرا ليدخل لها مغلقا باب احد المراحيض خلفه بقوه، هو ليس بمتأكد ان دخل مرحاض الفتيان حتى!
هو ظن بأن شكله هكذا سيجعل الحميع يتجنبه ، ظن انهم سيخافونه، هو غبي لما لم يدافع عن نفسه، لما؟
بإمكانه ضرب ذاك الزاك لكن قلبه ضعيف و ليس جسده، هو بطبعه انسان مسالم، لا يريد العنف ابدا.
كان بإمكانه لكم الفتى و الرحيل و كأنه لم يفعل شيء، لكنه اول يوم و لا يريد المشاكل!
اخذ نفسا عميقا مشجعا نفسه ماسحا دموعه، هو عليه التصدي لتلك الإهانات التي تأتيه، ليس عليه ان يبقى هكذا..منبوذ للأبد.
لكن لحظه واحده..فتى الارجوحه!
كيف عرف انه يذهب للأرجوحه، هو لا يزورها سوى ليلا للتحدث مع لوي كيف رآه؟
رش بعض الماء على وجهه ليزيل اثار البكاء و خرج من المرحاض ماشيا بين اروقة المدرسه بهدوء حتى وقف امام قاعة الطعام مجددا.
فتح الباب الكبير و دخل اليه بهدوء غير آبه بالنظرات المستهزئه به، هو لن يجعل إهاناتهم تحبطه مجددا، هم فقط طلاب مثله و ليس اعلى منه بأي شيء.
اخذ صينية و ذهب للسيدة المطعم لتعبئ له وعائه، عبئه من كل شيء.
السلطة و شطيرة البرغر و اخذ كولا و تلك البطاطا المهروسه التى تبدو كالقيء..حرفيا كل شيء.
بحث بعيناه عن تلك الطاوله التي يحلس عليه زاك و رفاقه و وجدهم يجلسون على طاوله بمنتصف القاعه.
قلب عيناه عالما نوعية هؤلاء الطلاب، هو اولئك الذين يريدون فقط جلب الانتباه.
سار بخطوات واثقة لتلك الطاوله واقفا تماما خلف زاك، و بحركة بسيطه قلب جميع ما في الصينية وفق رأسه.
شهق زاك و وقف من مكانه مصدوما مستعدا لسحق من فعل هذا به، ابتسم هاري ببراءة و اخذ علبة الكولا فتحها و شرب منها القليل قبل ان يسكبها فوق رأس الفتى الذي لا زال مصدوم.
"اوبس اسف، بسبب طول قدماي لم أرك" قال هاري و سار مبتعدا عنهم قبل ان يشعر بشخص يمسكه من قميصه من الخلف.
قلب عيناه و لف وجهه ليتلقى لكمة على انفه، وضع يداه على انفه بسرعه و نظر لهما ليرى الدماء عليهما.
نظر لصديق الزاك الذي لم يعرف اسمه بعد و اضاق عيناه نحوه قبل ان يركله بمعدته مسببا انحناءه، اهذ صينية الطعام عن إحدى الطاولات التي بجانبه و ضربه بها على رأسه و ظهره ليسقط الفتى ارضا.
"اقسم ان اقترب مني احد اخر منكم و من اصدقاء هذا المعتوه لسوف افعل اسوء من هذا" قال هاري بصوت عالي ليفزع جميع من في القاعه.
اتجه نحو زاك بأعين حاقده و زمجر امام وجهه "مفهوم؟".
اومئ زاك بسرعه و بعينان خائفتان ليبتسم هاري بقوه مظهرا غمازاتاه مربتا على وجنتا زاك.
"فتى جيد" تمتم هاري و سار مبتعدا عن القاعه، قد رن الحرس بالفعل و لديه الآن صف الطبخ، لا زال لا يعلم لما سجل بصف التربية الاجتماعيه..اوه نعم لتضيبع الوقت.
فكر بما حصل بالداخل و هو متجه لغرفة الممرضه، هذا لم يكن هو..هو لم يفعل هذا قبلا و لم يفكر بفعل اصلا!
هو كان مخيفا بحق، كيف ان الجميع..و حرفيا الجميع انصاعوا لأوامره.
"ادخل" قالت الممرض عندما طرق هاري باب مكتبها.
"نعم كيف اسا..اوه انفك" قطعت كلامها عندما رأت انف هاري، هي لم تبدو مصدومه عندما رأته، و لما ستفعل؟ هذه الاشياء تخصل لها يوميا!
جعلته يجلس على السرير العالي و اخذ تمسح له الدماء عن انفه بهدوء.
"اذا دعني اخمن، ضربت وجهك بخزانتك بالخطأ، او ربما سقطت ارضا..صحيح؟" قالت قالبتا عيناها، هي تعلم كذبات الاولاد و حججهم عندما يتشاجرون.
اومئ هاري ايضا و قلب عيناه على سخرية الممرضه، انها متعجرفه..هذا ما ظنه و هذه الحقيقه!
قلبت عيناها مجددا و وضعت الثلج على انف هاري، شكرها و خرج من غرفتها مقررا الهرب من المدرسه و الذهاب للحديقه..هو لن يحضر فصل الطبخ السخيف.
كان ينوي القفز عن السور لكن لأنها مدرسه ببلده صغيره كانت البوابة مفتوحة على وسعها و لا يوجد حارس امامها.
شكر الاله مليون مره و هو يخرج من المدرسه، و هذا جيد ليس هو الوحيد من قرر الهرب، كان هناك طلاب قد رآهم سابقا يتحدثون في متصف الشارع.
سار هاري مبتعدا عنهم عندما نظروا جميعا له، عندها سمع صوت خطوات تلاحقه و همسات بصوت هم ظنوها منخفض.
"اين سيذهب يا ترى؟" سمع صوت الفتاة و هي تهمس بصوت عالي لصديقها!
"طبعا للأرجوحه ليتحدث مع الارواح" قال الفتى و رمى سيجارته ارضا.
وقف هاري لوهله و على وجهه علامات الاستغراب، ما تلك الاشاعات الغريبه؟
لف جسده و نظر للولدان الذان اقشعر جسدهما خوفا.
"بو" قال هاري ليصرخ الاثنان فزعين، ضحك ذو الخضراوتان بقوه و هز رأسه بسبب غباء هذان الاثنين.
توقفت ضحكاته و شعر بالدوار فجأة، وضع يده على رأسه و اتكأ على سور المدرسه.
اخذ حبة بروتين من جيبه و بلعها فورا، دون ماء حتى.
جسده اصبح هزيل للغايه، نصف ملابسه اصبحت اوسع عليه، و قياسه يصغر اكثر فأكثر!
هو يقتل نفسه دون ان يلاحظ، يقتل نفسه دون ألم!
Коментарі